تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٥

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 569

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 569
المشاهدات: 12860
تحميل: 2316


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 569 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 12860 / تحميل: 2316
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المفروضة فصلّاها لوقتها، فليس هذا من الغافلين.

محمّد بن يحيى(١) ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عمّن أخبره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من كان معه كفنه في بيته، لم يكتب من الغافلين. وكان مأجورا كلّما نظر إليه.

وفي كتاب الخصال(٢) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال لقمان لابنه: يا بنيّ، لكلّ شيء علامة يعرف بها ويشهد عليها ـ إلى أن قال ـ: وللغافل ثلاث علامات: اللهو، والسّهو، والنّسيان.

وفي كتاب ثواب الأعمال(٣) ، بإسناده إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: من قرأ عشر آيات في ليلة، لم يكتب من الغافلين.

وفي أصول الكافي(٤) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: ذاكر الله في الغافلين، كالمقاتل عن الفارّين. والمقاتل عن الفارّين له الجنّة.

( إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ ) قيل: يعني: الملائكة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) ، يعني: الأنبياء والرّسل والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

( لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ ) : وينزّهونه.

( وَلَهُ يَسْجُدُونَ ) (٢٠٦): ويخصّونه بالعبادة والتّذلّل، لا يشركون به غيره. هذا أول سجدات القرآن.

وفي الحديث(٦) : إذا قرأ ابن آدم السّجدة فسجد، اعتزل الشّيطان يبكي ويقول: يا ويله، امر هذا بالسّجود فسجد، فله الجنّة. وأمرت بالسّجود فعصيت، فلي النّار.

__________________

(١) الكافي ٣ / ٢٥٦.

(٢) الخصال / ١٢١ ـ ١٢٢.

(٣) ثواب الأعمال / ١٢٩.

(٤) الكافي ٢ / ٥٠٢.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٢٥٤.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٣.

٢٦١

تفسير سورة الانفال

٢٦٢
٢٦٣

سورة الأنفال

وهي مكّيّة(١) . وهي ستّ وسبعون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*

في تفسير العيّاشيّ(٢) : عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول: من قرأ سورة الأنفال وسورة براءة في كلّ شهر، لم يدخله نفاق أبدا. وكان من شيعة أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ [حقّا](٣) ويأكل(٤) يوم القيامة من موائد الجنّة مع شيعته، حتّى يفرغ النّاس من الحساب.

وفي كتاب ثواب الأعمال(٥) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من قرأ سورة الأنفال وسورة براءة في كلّ شهر، لم يدخله نفاق أبدا. وكان من شيعة أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

وفي مجمع البيان(٦) : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: من

__________________

(١) بل مدنيّة. كما قال البيضاوي في أنوار التنزيل ١ / ٣٨٣، والطبرسي في مجمع البيان ٢ / ٥١٦.

وذكر في المجمع: «غير سبع آيات نزلت بمكّة: «وإذ يمكر بك الّذين كفروا» ـ إلى آخرهنّ». وكذلك في تفسير الصّافي ٢ / ٢٦٦.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٦، ح ١.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر: أكل.

(٥) ثواب الأعمال / ١٣٢، ح ١.

(٦) مجمع البيان ٢ / ٥١٦.

٢٦٤

قرأ سورة الأنفال وبراءة، فأنا شفيع له وشاهد يوم القيامة أنّه بريء من النّفاق. واعطي من الأجر بعدد كلّ منافق ومنافقة في [دار](١) الدّنيا عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيّئات [ورفع له عشر درجات](٢) . وكان العرش وحملته يصلّون عليه أيّام حياته في الدّنيا.

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ) ، أي: الغنائم، يعني: حكمها.

وإنّما سمّيت الغنيمة نقلا، لأنّها عطيّة من الله ـ تعالى ـ وفضل، كما سمّي به ما يشرطه الإمام لمقتحم خطر: عطيّة له، وزيادة على سهمه.

وفي مجمع البيان(٣) : قرأ السّجاد والباقر والصّادق ـ عليهم السّلام ـ: «يسألونك الأنفال».

يعني: أن يعطيهم.

وقرئ: «يسألونك علنفال» بحذف الهمزة، وإلقاء حركتها على اللّام، وإدغام نون «عن» فيها.

( قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ) : مختصّة بهما يضعانها حيث شاءا.

وفي التّهذيب(٤) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ: «الفيء والأنفال» ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم(٥) ، أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم، وما كان من أرض خربة(٦) أو بطون أودية. فهو كلّه من الفيء والأنفال(٧) . فهذا كلّه لله ولرسوله. فما كان لله، فهو لرسوله يضعه حيث شاء. وهو للإمام بعد الرّسول.

وفيه(٨) : محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمد بن محمّد قال: حدّثنا بعض أصحابنا، رفع الحديث فقال: «الخمس» من خمسة أشياء: من الكنوز، والمعدن(٩) ، والغوص، والمغنم الّذي يقاتل عليه ولم يحفظ عليه الخامس، وما كان من فتح لم يقاتل عليه ولم يوجف عليه بخيل ولا ركاب إلّا أنّ أصحابنا يأتونه فيعاملون عليه، فكيف ما عاملهم، عليه النّصف أو الثّلث أو الرّبع، أو ما كان يسهم له خاصّة وليس لأحد فيه شيء إلّا ما أعطاه هو منه. وبطون الأودية ورؤوس الجبال والموات كلّها هي له. وهو قوله ـ تعالى ـ :

__________________

(١ و ٢) ـ من المصدر.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٥١٦ و ٥١٧.

(٤) التهذيب ٤ / ١٣٤.

(٥) المصدر: الدماء.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: جزية.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) التهذيب ٤ / ١٢٦ ـ ١٢٧.

(٩) المصدر: المعادن.

٢٦٥

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ) أن تعطيهم منه. قال:( قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ) . وليس هو( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ) (١) . والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي أصول الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: «الأنفال» ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرض خربة(٣) أو بطون الأودية.

فهو لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء.

عدّة من أصحابنا(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن رفاعة، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في الرّجل يموت ولا وارث له ولا موالي(٥) .

قال: هو من أهل هذه الآية( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ) .

[عدّة من أصحابنا(٦) ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: «الأنفال» هو النّفل. وفي سورة الأنفال يقال جدع الأنف(٧) .

عليّ بن إبراهيم(٨) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن شعيب، عن أبي الصّباح قال: قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ: نحن قوم فرض الله طاعتنا. لنا الأنفال ولنا صفو المال](٩) .

وفي الجوامع(١٠) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ: «الأنفال» كلّما أخذ من دار

__________________

(١) قال الفيض ـ رحمه الله ـ: يعني: ليس المعنى: يسألونك عن حقيقة الأنفال. وإنّما المعنى: يسألونك أن تعطيهم من الأنفال.

(٢) الكافي ١ / ٥٣٩، ح ٣.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ: جزية.

(٤) الكافي ١ / ٥٤٦، ح ١٨.

(٥) المصدر: مولى.

(٦) الكافي ١ / ٥٤٣ ـ ٥٤٤، ح ٦.

(٧) جدعه: قطع أنفه. ولعلّ الوجه في كلامه ـ عليه السّلام ـ هو اشتمال السورة على ذكر الخمس لذوي القربى، فهذا قطع أنف المخالفين الجاحدين لحقوقهم ـ عليهم السّلام ـ.

(٨) الكافي ١ / ٥٤٦، ح ١٧.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في المتن.

(١٠) جوامع الجامع / ١٦٤.

٢٦٦

الحرب بغير قتال، وكل أرض انجلى أهلها عنها بغير قتال ـ أيضا ـ وسمّاها الفقهاء: فيئا ـ [والأرضون الموات](١) ، والآجام، وبطون الأودية، وقطائع الملوك، وميراث من لا وارث له. وهي لله وللرّسول ولمن قام مقامه بعده.

وفي الكافي(٢) : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن محمّد الحلبي، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ) .

قال: من مات وليس له موالي(٣) ، فما له من الأنفال.

عليّ بن إبراهيم(٤) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من مات وليس له موالي، فما له من الأنفال.

عدّة من أصحابنا(٥) ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن ابن محبوب، عن العلا، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ.

قال: من مات وليس له وارث من قرابة(٦) ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته، فما له من الأنفال.

وفي تفسير العيّاشيّ(٧) : عن زرارة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: «الأنفال» ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب.

عن عبد الله بن سنان(٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الأنفال.

قال: هي القرى الّتي قد جلا أهلها وهلكوا، فخربت. فهي لله وللرّسول.

عن أبي أسامة بن زيد(٩) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الأنفال.

فقال: هو كلّ أرض خربة(١٠) ، وكلّ أرض لم يوجف عليها خيل ولا ركاب.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الكافي ٧ / ١٦٩، ح ٤.

(٣) المصدر: مولى.

(٤) الكافي ٧ / ١٦٨، ح ١.

(٥) الكافي ٧ / ١٦٩، ح ١.

(٦) المصدر: قرابته.

(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٧، ح ٥.

(٨) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٧، ح ٦.

(٩) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٧، ح ١٠.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ: جزية.

٢٦٧

عن أبي بصير(١) قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: لنا الأنفال.

قلت: وما الأنفال؟

قال: منها المعادن، والآجام، وكلّ أرض لا ربّ لها، وكلّ أرض باد أهلها.

فهو لنا.

عن أبي حمزة الثّمالي(٢) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول، في الملوك الّذين يقطعون النّاس: من الفيء والأنفال وأشباه ذلك.

وفي رواية أخرى(٣) ، عن الثّماليّ قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ) .

قال: ما كان للملوك، [فهو للإمام.

عن سماعة بن مهران(٤) قال: سألته عن الأنفال. قال: كلّ أرض خربة وأشياء كانت تكون للملوك](٥) فذلك خاصّ للإمام. ليس للنّاس فيه سهم. قال: ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

عن داود بن فرقد(٦) قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: الأنفال؟

قال: بطون الأودية، ورؤوس الجبال، والآجام، والمعادن، وكلّ أرض لم يوجف عليها خيل ولا ركاب، وكلّ أرض ميتة قد جلا أهلها، وقطائع الملوك.

عن أبي مريم الأنصاري(٧) قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قوله:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ) .

قال: سهم(٨) لله وسهم للرّسول.

قال: قلت: فلمن سهم الله؟

فقال: للمسلمين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٩) : حدّثني أبي، عن فضالة بن أيّوب، عن أبان بن

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٨، ح ١١.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٨، ح ١٦.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٨، ح ١٧.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٨، ح ١٨.

(٥) من المصدر.

(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٩، ح ٢١.

(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٩، ح ٢٢.

(٨) «ر»: فأسهم.

(٩) تفسير القمّي ١ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

٢٦٨

عثمان، عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الأنفال.

فقال: هي القرى الّتي قد خربت وانجلى أهلها، فهي لله وللرّسول. وما كان للملوك، فهو للإمام. وما كان من أرض خربة(١) لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وكلّ أرض لا ربّ لها، والمعادن، ومن مات وليس له مولى، فماله من الأنفال.

وقال: نزلت يوم بدر لـمـّـا انهزم النّاس. كان أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على ثلاث فرق: فصنف كانوا عند خيمة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ، وصنف أغاروا على النّهب، وفرقة طلبت العدوّ وأسروا وغنموا.

فلمّا جمعوا الغنائم والأسارى، تكلّمت الأنصار في الأسارى. فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ:( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

فلمّا أباح الله لهم الأسارى والغنائم، تكلّم سعد بن معاذ وكان ممّن أقام عند خيمة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال: يا رسول الله، ما منعنا أن نطلب العدوّ زهادة في الجهاد ولا جبنا من العدوّ، ولكنّا خفنا أن يغزى موضعك فتميل(٣) عليك خيل المشركين.

وقد أقام عند الخيمة وجوه المهاجرين والأنصار، ولم يشك أحد منهم. والنّاس كثير [يا رسول الله](٤) والغنائم قليلة. ومتى تعطي(٥) هؤلاء، لم يبق لأصحابك شيء.

وخاف أن يقسّم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الغنائم وأسلاب القتلى بين من قاتل، ولا يعطي من تخلف على(٦) خيمة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ شيئا. فاختلفوا فيما بينهم حتّى سألوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فقالوا: لمن هذه الغنائم؟

فأنزل الله:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ: الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ) .

فرجع النّاس وليس لهم في الغنيمة شيء. ثمّ أنزل الله بعد ذلك( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ) (الآية)(٧) . فقسّمه(٨) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بينهم.

فقال سعد بن أبي وقّاص: يا رسول الله، أتعطي فارس القوم الّذي يحميهم مثل ما تعطي الضّعيف؟

__________________

(١) المصدر: الجزية.

(٢) الأنفال / ٦٧.

(٣) هكذا في المصدر، وفي النسخ: فيميل.

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر: يعطى.

(٦) المصدر: عليه عند خيمة

(٧) الأنفال / ٤١.

(٨) المصدر: فقسّم.

٢٦٩

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: ثكلتك أمّك، وهل تنصرون إلّا بضعفائكم؟

قال: فلم يخمّس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ببدر، وقسّم بين أصحابه ثم استقبل يأخذ الخمس بعد بدر، [فأنزل الله قوله:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ) بعد انقضاء حرب بدر. وقد كتب ذلك في أوّل السّورة، وكتب بعده خروج النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى الحرب](١) .

( فَاتَّقُوا اللهَ ) : في الاختلاف والمشاجرة.

( وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ) : الحالة الّتي بينكم بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله، وتسليم أمره إلى الله والرّسول.

( وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ ) : فيه.

( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (١): فإنّ الإيمان يقتضي ذلك. أو أن كنتم كاملي الإيمان، فإنّ كمال الإيمان بهذه الثّلاثة: طاعة الأوامر، والاتّقاء عن المعاصي، وإصلاح ذات البين بالعدل والإحسان.

( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ) ، أي: الكاملون في الإيمان.

( الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) : فزعت لذكره، استعظاما له، وتهيّبا من جلاله.

وقيل(٢) : هو الرّجل يهمّ بمعصية، فيقال له: اتّق الله. فينزع عنها خوفا من عقابه.

وقرئ(٣) : «وجلت» بالفتح. وهي لغة. و «فرقت»، أي: خافت.

( وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً ) : لزيادة المؤمن به. أو لأطمئنان النّفس ورسوخ اليقين بتظاهر الأدلّة، بناء على أنّ اليقين يقيل التّشكيك. أو بالعمل بموجبها، وهو قول من قال: الإيمان يزيد بالطّاعة وينقص، بالمعصية، بناء على أنّ العمل داخل فيه.

( وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) (٢): يفوّضون إليه أمورهم، ولا يخشون ولا يرجون إلّا إيّاه.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في المتن.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٤.

(٣) نفس المصدر والموضع.

٢٧٠

( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ) : لأنّهم حقّقوا إيمانهم، بأن ضمّوا إليه مكارم أعمال القلوب من الخشية والإخلاص. والتوكّل، ومحاسن أفعال الجوارح الّتي هي العيار عليها من الصّلاة والصّدقة.

و «حقّا» صفة مصدر محذوف، أي: إيمانا حقّا. أو مصدر مؤكّد، كقوله: هو عبد الله حقّا.

( لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) : كرامة وعلوّ منزلة.

وقيل: درجات الجنّة يرتقونها بأعمالهم(١) .

( وَمَغْفِرَةٌ ) : لما فرط منهم.

( وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) (٤): اعدّ لهم في الجنّة، لا ينقطع عدده ولا ينتهي أمده.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : نزلت في أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ، وأبي ذرّ، وسلمان، والمقداد.

وفي أصول الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة، وبالزّيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدّرجات عند الله، وبالنّقصان دخل المفرطون النّار.

ويأتي صدر الحديث في أواخر سورة التّوبة إن شاء الله.

( كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ ) : خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذه الحال في كراهتهم إيّاها، كحال إخراجك للحرب في كراهتهم له.

أو صفة مصدر للفعل المقدّر في قوله: «لله والرّسول»، أي: الأنفال ثبتت لله والرّسول، مع كراهتهم، ثباتا، مثل ثبات إخراجك ربّك من بيتك، يعني المدينة. لأنّها مهاجره ومسكنه. أو بيّته فيها مع كراهتهم.

( وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ ) (٥): في موقع الحال.

قيل(٤) : يعني: حالهم هذه في كراهة ما حكم الله في الأنفال، مثل حالهم في

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٤.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٢٥٥.

(٣) الكافي ٢ / ٣٧، ح ١.

(٤) تفسير الصافي ٢ / ٢٦٩.

٢٧١

كراهة خروجك من بيتك للحرب.

وفي مجمع البيان(١) : في حديث أبي حمزة: فالله ناصرك، كما أخرجك من بيتك.

( يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ ) : في إيثارك الجهاد، إظهارا للحقّ لإيثارهم تلقّي العير عليه.

( بَعْدَ ما تَبَيَّنَ ) : أنّهم ينصرون أينما توجّهوا بإعلام الرّسول.

( كَأَنَّما يُساقُونَ إلى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ) (٦)، أي: يكرهون القتال كراهة من يساق إلى الموت وهو يشاهد أسبابه. وكان ذلك لقلّة عددهم، وعدم تأهّبهم.

إذ نقل: أنّهم كانوا رجّالة، وما كان فيهم إلّا فارسان. وفيه إيماء إلى أنّ مجادلتهم إنّما كانت لفرط فزعهم ورعبهم(٢) .

( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ) : على إضمار «اذكر».

و «إحدى» ثاني مفعولي «يعدكم». وقد أبدل عنهما.

( أَنَّها لَكُمْ ) : بدل الاشتمال.

( وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ) ، يعني: العير. فإنّه لم يكن فيها إلّا أربعون فارسا. ولذلك يتمنّونها ويكرهون ملاقاة النّفير، لكثرة عددهم وعدّتهم.

و «الشّوكة» الحدّة. مستعارة من حدّة الشّوك.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن محمّد بن يحيى الخثعميّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية: «ذات(٤) الشّوكة» الّتي فيها القتال.

( وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَ ) : أن يثبته ويغلبه.

( بِكَلِماتِهِ ) : الموحى بها في هذه الحال. أو بأوامره للملائكة بالإمداد.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : قال: «الكلمات» الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

وقرئ(٦) : «بكلمته».

( وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ ) (٧): ويستأصلهم.

والمعنى: أنّكم تريدون أن تصيبوا مالا ولا تلقوا مكروها، والله يريد إعلاء الدّين

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٥٢١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٦.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٩ ـ ٥٠، ح ٢٣.

(٤) المصدر: فقال: الشوكة .

(٥) تفسير القمّي ١ / ٢٧٠.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٦.

٢٧٢

وإظهار الحقّ وما يحصل لكم فوز الدّارين.

( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ ) ، أي: فعل ما فعل. وليس بتكرير. لأنّ الأوّل لبيان المراد وما بينه وبين مرادهم من التّفاوت، والثّاني لبيان الدّاعي إلى حمل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على اختيار ذات الشّوكة ونصره عليها.

( وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) (٨): ذلك.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن جابر قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن تفسير هذه الآية في قول الله:( يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ ) .

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ: تفسيرها في الباطن( يُرِيدُ اللهُ ) ، فإنّه شيء يريده(٢) ولم يفعله بعد. وأمّا قوله:( يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ) ، فإنّه يعني: يحقّ حقّ آل محمّد. وأمّا قوله ـ سبحانه ـ: «بكلماته» قال: بكلماته(٣) في الباطن عليّ، هو كلمة الله في الباطن.

وأمّا قوله:( وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ ) فهو(٤) بنو أميّة، هم الكافرون، يقطع الله دابرهم.

وأمّا قوله: «ليحقّ الحقّ» فإنّه يعني حقّ آل محمّد حين يقوم القائم ـ عليه السّلام ـ. وأمّا قوله:( وَيُبْطِلَ الْباطِلَ ) ، يعني القائم. فإذا قام يبطل بني أميّة(٥) . وذلك [قوله](٦) ( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) .

( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ) : بدل من «إذ يعدكم». أو متعلّق بقوله: «ليحقّ الحقّ». أو على إضمار «اذكر». واستغاثتهم لـمـّـا علموا أنّ لا محيص من القتال.

وفي مجمع البيان(٧) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ: أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمـّـا نظر إلى كثرة عدد المشركين وقلّة عدد المسلمين، استقبل القبلة وقال: أللّهمّ، أنجز لي ما وعدتني. أللّهمّ، إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض. فما زال يهتف به(٨) ، مادّا يديه، حتّى سقط رداؤه عن منكبه. فأنزل الله ـ تعالى ـ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ) (الآية).

( فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ ) : بأنّي ممدّكم. فحذف الجارّ، وسلط عليه

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٥٠، ح ٢٤.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ: فإنّه يريد و....

(٣) المصدر: كلماته.

(٤) المصدر: فهم.

(٥) المصدر: «باطل بني اميّة» بدل «بني اميّة».

(٦) من المصدر.

(٧) مجمع البيان ٢ / ٥٢٥. (٨) المصدر: ربّه.

٢٧٣

الفعل.

وقرأ(١) أبو عمرو، بالكسر، على إرادة القول. أو إجراء «استجاب» مجرى «قال»، لأنّ الاستجابة من القول.

( بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) (٩): متبعين المؤمنين، أو بعضهم بعضا. من أردفته: إذا جئت بعده. أو متّبعين بعضهم بعض المؤمنين، أو أنفسهم المؤمنين. من أردفته إيّاه، فردفه.

وقرأ(٢) نافع ويعقوب، بفتح الدّال، أي: متّبعين، أو متّبعين. بمعنى: أنّهم كانوا مقدمة الجيش أو ساقتهم.

وقرئ(٣) : «مردفين» بكسر الرّاء، وضمّها. وأصله، مرتدفين بمعنى: مترادفين.

فأدغمت التّاء في الدّال، فالتقى ساكنان، فحرّكت الرّاء بالكسر على الأصل أو بالضّمّ على الإتباع.

وقرئ(٤) : «بآلاف» ليوافق ما في سورة آل عمران. ووجه التّوفيق بينه وبين المشهور، أنّ المراد بالألف الّذين كانوا على المقدّمة، أو السّاقة، أو وجوههم وأعيانهم، أو من قاتل منهم.

( وَما جَعَلَهُ اللهُ ) ، أي: الإمداد.

( إِلَّا بُشْرى ) ، أي: إلّا بشارة لكم بالنّصر.

( وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ) : فيزول ما بها من الوجل، لقلّتكم وذلّتكم.

( وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (١٠): وإمداد الملائكة وكثرة العدد والأهب ونحوها وسائط لا تأثير لها. فلا تحسبوا النّصر منها، ولا تيأسوا منه بفقدها.

( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ ) : بدل ثان من «إذ يعدكم»، لإظهار نعمة ثالثة. أو متعلّق «بالنّصر». أو بما في «عند الله» من معنى الفعل. أو «بجعل»، أو بإضمار «اذكر».

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٦.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٦.

(٣) نفس المصدر، والموضع.

(٤) نفس المصدر، والموضع.

٢٧٤

وقرأ(١) نافع، بالتّخفيف. من أغشيته الشّيء: إذا غشيته إيّاه. والفاعل على القراءتين، هو الله ـ تعالى ـ.

وقرأ(٢) ابن كثير وأبو عمرو: «يغشاكم النّعاس» بالرّفع.

( أَمَنَةً مِنْهُ ) : أمنا من الله. وهو مفعول له، باعتبار المعنى. فإنّ قوله:( يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ ) يتضمّن معنى: تنعسون. ويغشاكم بمعناه.

و «الأمنة» فعل لفاعله. ويجوز أن يراد بها الإيمان، فيكون فعل المغشيّ. وأن تجعل على القراءة الأخيرة فعل النّعاس على المجاز. لأنّها لأصحابه، أو لأنّه كان من حقّه أن لا يغشاهم لشدّة الخوف. فلمّا غشيهم فكأنّه حصلت لهم أمنة من الله، لولاها لم يغشيهم، كقوله: يهاب النّوم أن يغشى عيونا تهابك فهو نفّار شرور.

وقرئ(٣) : «أمنة»، كرحمة. وهي لغة.

( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) : من الحدث والجنابة.

وفي الكافي(٤) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ [قال: قال أمير المؤمنين](٥) اشربوا ماء السّماء، فإنّه يطهّر البدن، ويدفع الأقسام. ثمّ تلا هذه الآية.

ومثله في كتاب الخصال(٦) .

( وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) ، يعني: الجنابة. لأنّها من تخييله، أو وسوسته وتخويفه إيّاهم من العطش.

إذ نقل(٧) : أنّهم نزلوا في كثيب أعفر، تسوخ فيه الأقدام على غير ماء. وناموا، فاحتلم أكثرهم. وقد غلب المشركون على الماء. فوسوس إليهم الشّيطان، وقال: كيف تنصرون وقد غلبتم على الماء، وأنتم تصلون محدثين مجنبين، وتزعمون أنّكم أولياء الله، وفيكم رسوله؟ فأشفقوا. فأنزل الله المطر، فمطروا [ليلا](٨) حتّى جرى الوادي. واتّخذوا الحياض على عدوته، وسقوا الرّكاب، واغتسلوا، وتوضّئوا. وتلبّد الرّمل الّذي بينهم

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٧.

(٢) نفس المصدر، والموضع.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٧.

(٤) الكافي ٦ / ٣٨٧ ـ ٣٨٨، ح ٢.

(٥) من المصدر.

(٦) الخصال / ٦٣٦ ـ ٦٣٧.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٧.

(٨) من المصدر.

٢٧٥

وبين العدوّ، حتّى ثبتت عليه الأقدام وزالت [وسوسة الشّيطان](١) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تعالى ـ:( وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) .

قال: لا يدخلنا ما يدخل النّاس من الشّكّ.

( وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ ) : بالوثوق على لطف الله بكم.

( وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ ) (١١)، أي: بالمطر، حتّى لا تسوخ في الرّمل. أو بالرّبط على القلوب، حتّى يثبت في المعركة.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن جابر، عن أبي [عبد الله](٤) جعفر [بن محمّد](٥) ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن هذه الآية في البطن [وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام](٦) .

قال: «فالسّماء» في الباطن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. و «الماء» عليّ.

جعل الله عليّا من رسول الله. فذلك قوله:( لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) . فذلك عليّ يطهّر الله به قلب من والاه. وأمّا قوله:( وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) من والى عليّا، يذهب الرجز عنه ويقوى عليه.( وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ ) فإنّه يعني: عليّا. من والى عليّا، يربط الله على قلبه بعليّ، فيثبت على ولايته.

( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ ) : بدل ثالث. أو متعلّق «بيثبّت».

( إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ ) : في إعانتهم وتثبيتهم. وهو مفعول «يوحي».

وقرئ(٧) بالكسر، على إرادة القول. أو إجراء الوحي مجراه.

( فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ) : بالبشارة، أو بتكثير سوادهم، أو بمحاربة أعدائهم.

فيكون قوله:( سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ) كالتفسير لقوله: «أنّي معكم فثبّتوا». وفيه دليل على أنّهم قاتلوا.

ومن منع ذلك، جعل الخطاب فيه مع المؤمنين. إمّا على تغيير الخطاب، أو على أنّ قوله: «سألقي» إلى قوله: «كلّ بنان» تلقين للملائكة ما يثبّتون المؤمنين به، كأنّه

__________________

(١) المصدر: الوسوسة.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٥٠، ح ٢٧.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٥٠، ح ٢٥.

(١ و ٥) ـ من المصدر.

(٦) من المصدر.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٧.

٢٧٦

قال: قولوا لهم قولي هذا.

( فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ ) : أعاليها، الّتي هي المذابح والرّؤوس.

( وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ ) (١٢)، أي: الأصابع، أي: جزّوا رقابهم، واقطعوا أطرافهم.

( ذلِكَ ) : إشارة إلى الضّرب، أو الأمر به. والخطاب للرّسول، أو لكلّ أحد من المخاطبين.

( بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ ) : بسبب مشاقّتهم لهما.

واشتقاقه من الشّقّ، لأنّ كلا من المتعاندين في شقّ خلاف شقّ الآخر، كالمعاداة، من العدوّ. والمخاصمة، من الخصم. وهو الجانب.

( وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) (١٣): تقرير للتّعليل. أو وعيد بما أعدّ لهم في الآخرة، بعد ما حاق بهم في الدّنيا.

( ذلِكُمْ ) : الخطاب فيه مع الكفرة، على طريقة الالتفات.

ومحلّه الرّفع، أي: الأمر ذلكم، أو «ذلكم» واقع. أو نصب بفعل دلّ عليه( فَذُوقُوهُ ) أو غيره، مثل باشروا. أو عليكم، لتكون الفاء عاطفة.

( وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ ) (١٤): عطف على «ذلكم». أو نصب على المفعول معه.

والمعنى: ذوقوا ما عجّل لكم، مع ما أعدّ لكم في الآخرة.

ووضع الظّاهر فيه موضع المضمر، للدّلالة على أنّ الكفر سبب العذاب الآجل، أو الجمع بينهما.

وقرئ(١) : «إنّ» بالكسر، على الاستئناف.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : كان سبب نزول(٣) ذلك، أنّ عيرا لقريش خرجت إلى الشّام فيها خزائنهم. فأمر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أصحابه بالخروج، ليأخذوها فأخبرهم أنّ الله قد وعده إحدى الطّائفتين: إمّا العير، أو قريش إن ظفر(٤) بهم. فخرج في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٨.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٢٥٦ ـ ٢٧٠.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: أظفر.

٢٧٧

فلمّا قارب بدرا(١) ، كان أبو سفيان في العير. فلمّا بلغه أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد خرج يتعرّض العير، خاف خوفا شديدا ومضى إلى الشّام.

فلمّا وافى النّقرة(٢) ، اكترى ضمضم بن عمرو الحرّاعي(٣) بعشرة دنانير، وأعطاه قلوصا(٤) ، وقال له: امض إلى قريش، وأخبرهم أنّ محمّدا والصّباة(٥) من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم، فأدركوا العير. وأوصاه أن يخرم ناقته ويقطع أذنها حتّى يسيل الدّم، ويشقّ ثوبه من قبل ودبر فإذا دخل مكّة ولّى وجهه إلى ذنب البعير، وصاح بأعلى صوته: يا آل غالب يا آل غالب(٦) ، اللّطيمة اللّطيمة، العير العير، أدركوا أدركوا وما أراكم تدركون، فإنّ محمّدا والصّباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم.

فخرج ضمضم يبادر إلى مكّة.

ورأت عاتكة بنت عبد المطّلب، قبل قدوم ضمضم، في منامها بثلاثة أيّام كأنّ راكبا قد دخل مكّة ينادي: يا آل عذر يا آل فهر(٧) ، أغدوا إلى مصارعكم صبح ثالث. ثمّ وافى بحمله على أبي قبيس، فأخذ حجرا فدهدهه(٨) من الجبل، فما ترك دارا(٩) من دور قريش إلّا أصابه منه فلذة. وكأنّ وادي مكّة قد سال من أسفله دما.

فانتبهت ذعرة. فأخبرت العبّاس بذلك. فأخبر العبّاس عتبة بن ربيعة.

فقال عتبة: هذه(١٠) مصيبة تحدث في قريش.

وفشت الرّؤيا في قريش. فبلغ ذلك أبا جهل، فقال: ما رأت عاتكة هذه الرّؤيا، وهذه نبيّة ثانية في بني عبد المطّلب! واللّات والعزّى، لننظرنّ(١١) ثلاثة أيّام، فإن كان ما رأت حقّا فهو، كما رأت. وإن كان غير ذلك، لنكتبنّ بيننا كتابا، أنّه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا ونساء من بني هاشم.

__________________

(١) المصدر: بدر.

(٢) النّقرة: موضع في طريق مكّة. كما قاله الحموي. وفي المصدر: «البهرة». قال الفيروزآبادي: البهرة: موضع بنواحي المدينة.

(٣) المصدر: ضمضم الخزاعي.

(٤) القلوص من الإبل: الشابّة.

(٥) الصّباة: جمع الصابي، وهو: الّذي خرج من دين إلى دين آخر.

(٦) المكرّر ليس في المصدر.

(٧) كذا في المصدر، وفي النسخ: عذر.

(٨) المصدر: فدهده.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) ليس في المصدر.

(١١) المصدر: لننتظر.

٢٧٨

فلمّا مضى يوم، قال أبو جهل: هذا يوم قد مضى. فلمّا كان اليوم الثّاني، قال أبو جهل: هذان يومان قد مضيا. فلمّا كان اليوم الثّالث، وافى ضمضم ينادي في الوادي: يا آل غالب يا آل غالب، اللّطيمة اللّطيمة، العير العير، أدركوا أدركوا وما أراكم تدركون، فإنّ محمّدا والصّباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم الّتي فيها خزائنكم.

فتصايح النّاس بمكّة، وتهيّؤوا للخروج. وقام سهيل بن عمرو، وصفوان بن أميّة، وأبو البختريّ بن هشام، ومنبّه ونبيه، ابنا الحجّاج، ونوفل بن خويلد، فقالوا(١) : يا معشر قريش، والله ما أصابكم مصيبة أعظم من هذه. أن يطمع محمّد والصّباة من(٢) أهل يثرب، أن يتعرّضوا لعيركم الّتي فيها خزائنكم. فو الله، ما قرشيّ ولا قرشيّة إلّا ولهما(٣) في هذا العير نشّ(٤) فصاعدا. وإنّه للذّل والصّغار أن يطمع محمّد في أموالكم، فيفرق بينكم وبين متجركم، فاخرجوا.

وأخرج صفوان بن أميّة خمسمائة دينار، وجهّز بها. وأخرج سهيل بن عمرو [خمسمائة](٥) وما بقي أحد من عظماء قريش، إلّا أخرجوا مالا وحملوا وقودا(٦) . وخرجوا على الصّعب والذّلول لا يملكون أنفسهم، كما قال الله ـ تبارك وتعالى ـ:( خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ ) (٧) .

وخرج معهم العبّاس بن عبد المطّلب، ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب.

وأخرجوا معهم المغنّيات، يشربون الخمر ويضربون بالدّفوف. وخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.

فلمّا كان بقرب بدر على ليلة منها، بعث بشير بن أبي الرّغباء(٨) ومحمّد بن عمير(٩) يتجسّسان خبر العير. فأتيا ماء بدر، فأناخا راحلتيهما، واستعذبا من الماء. وسمعا جاريتين، قد تشبّثت إحداهما بالأخرى تطالبها بدرهم كان لها عليها. فقالت: عير

__________________

(١) المصدر: قال.

(٢) المصدر: عن.

(٣) المصدر: لها.

(٤) النشّ: نصف الأوقية. وفي المصدر: شيء

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر: وقووا.

(٧) الأنفال / ٤٧.

(٨) المصدر: الرعبا (الدعناء ـ خ ل)

(٩) المصدر: مجد بن عمرو.

٢٧٩

قريش نزلت أمس في موضع كذا، وهي تنزل غدا ها هنا وأنا أعمل لهم وأقضيك.

فرجعا، فأخبراه بما سمعا.

فأقبل أبو سفيان بالعير. فلمّا شارف بدرا، تقدّم العير وأقبل وحده حتّى انتهى إلى ماء بدر. وكان بها رجل من جهينة(١) يقال له: كسب الجهنيّ.

فقال له: يا كسب، هل لك علم بمحمّد وأصحابه؟

قال: لا.

قال: واللّات والعزّى، لئن كتمتنا أمر محمّد، لا تزال لك قريش معادية آخر الدّهر. فإنّه ليس أحد من قريش، إلّا وله في هذه العير النش(٢) فصاعدا. فلا تكتمني.

فقال: والله، مالي علم بمحمّد [وما بال محمّد](٣) وأصحابه بالتّجّار؟ إلّا أنّي رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا، فاستعذبا من الماء، وأناخا راحلتيهما ورجعا. فلا أدري من هما.

فجاء أبو سفيان إلى موضع مناخ إبلهما، ففتّ أبعار الإبل بيده، فوجد فيها النّوى. فقال: هذه علائف يثرب، هؤلاء ـ والله(٤) ـ عيون محمّد. فرجع مسرعا، وأمر بالعير، فأخذ بها نحو ساحل البحر وتركوا الطريق ومرّوا مسرعين.

ونزل جبرائيل على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فأخبره أنّ العير قد أفلتت، وأنّ قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها. وأمره بالقتال، ووعده النّصر. وكان نازلا ماء بالصّفراء(٥) . فأحبّ أن يبلو الأنصار، لأنّهم إنّما وعدوه أن ينصروه في الدّار. فأخبرهم أنّ العير قد جازت، وأنّ قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها، وأنّ الله قد أمرني بمحاربتهم.

فجزع أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من ذلك. وخافوا خوفا شديدا. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: أشيروا عليّ.

فقام أبو بكر، فقال: يا رسول الله، إنّها قريش وخيلاؤها. ما آمنت منذ كفرت، ولا ذلّت منذ عزّت، ولم نخرج على هيئة الحرب.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ له: اجلس.

__________________

(١) المصدر: جهينيّة.

(٢) كذا في المصدر، وفي النسخ: نشر.

(٣) من المصدر.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) قرية بين جبلين.

٢٨٠