تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٥

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 569

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 569
المشاهدات: 13026
تحميل: 2487


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 569 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13026 / تحميل: 2487
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقال: أشهد أنّك رسول الله. [والله](١) ما اطّلع على هذا أحد إلّا الله ـ تعالى ـ.

وفي قرب الإسناد للحميريّ(٢) ، بإسناده إلى أبي جعفر(٣) : عن أبيه ـ عليه السّلام ـ قال: أوتي النبيّ بمال دراهم.

فقال: يا عبّاس، أبسط رداءك وخذ من هذا المال طرفا.

فبسط رداءه، فأخذ منه طائفة.

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هذا من الّذي قال الله ـ تبارك وتعالى ـ:( إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ ) (الآية).

وفي تفسير العيّاشي(٤) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ مثله.

( وَإِنْ يُرِيدُوا ) ، يعني: الأسرى.

( خِيانَتَكَ ) : نقض عهدك.

( فَقَدْ خانُوا اللهَ ) : بالكفر، ونقض ميثاقه المأخوذ بالعقل.

( مِنْ قَبْلُ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) :( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ ) في عليّ( فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ ) فيك، كما مضى في قصّة بدر.

( فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ) ، أي: أمكنك منهم يوم بدر. فإن أعادوا الخيانة، فسيمكّنك منهم.

( وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١)إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا ) : هم المهاجرون.

هاجروا أوطانهم، حبّا لله ولرسوله.

( وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ ) : صرفوها في الكراع والسّلاح، وأنفقوها على المحاويج.

( وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) : بمباشرة القتال.

( وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا ) : هم الأنصار، آووا المهاجرين إلى ديارهم، ونصروهم على أعدائهم.

( أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) : في الميراث.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) قرب الإسناد / ١٢.

(٣) المصدر: إلى جعفر.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٦٩، ح ٨٠.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٦٩.

٣٦١

قيل(١) : كان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة والنّصرة دون الأقارب، حتّى نسخ بقوله:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) . أو بالنصرة والمظاهرة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : لـمـّـا هاجر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى المدينة، آخى بين [المهاجرين والمهاجرين وبين الأنصار والأنصار وبين](٣) المهاجرين والأنصار. وكان إذا مات الرّجل، يرثه أخوه في الدين ويأخذ المال و [كان له](٤) ما ترك دون ورثته. فلمّا كان بعد بدر، أنزل الله( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ، وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) . فنسخت آية الأخوة [بقوله:( أُولُوا الْأَرْحامِ ](٥) بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) .

وفي مجمع البيان(٦) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ: إنّهم كانوا يتوارثون بالمؤاخاة الأولى.

( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا ) ، أي: من تولّيهم في الميراث.

وقرأ(٧) حمزة: «ولايتهم» بالكسر. تشبيها لها بالعمل والصّناعة، كالكتابة والإمارة، كأنّه بتولّيه صاحبه يزاول عملا.

وفي عيون الأخبار(٨) ، في باب جمل من أخبار موسى بن جعفر ـ عليهما السّلام ـ مع هارون الرشيد، ومع موسى المهديّ، حديث طويل بينه وبين هارون. وفيه: قال: فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. والعمّ يحجب ابن العمّ. وقبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقد توفيّ أبو طالب قبله، والعبّاس عمّه حيّ؟

فقلت له: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة، ويسألني عن كلّ باب سواه يريده.

فقال: لا، أو تجيب.

فقلت: فآمني.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٢.

(٢) تفسير القمي ١ / ٢٨٠.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) من المصدر.

(٥) من المصدر.

(٦) مجمع البيان ٢ / ٥٦١.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٣.

(٨) عيون الأخبار ١ / ٨٢ ـ ٨٣.

٣٦٢

قال: آمنتك قبل الكلام.

فقلت: إنّ في قول عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ: إنّه ليس مع ولد الصّلب، ذكرا كان أو أنثى، لأحد سهم للأبوين والزّوج والزّوجة. ولم يثبت للعمّ مع ولد الصّلب ميراث، ولم ينطق به الكتاب. إلّا أنّ تيما وعديا وبني امية قالوا: العمّ والد.

رأيا منهم بلا حقيقة، ولا أثر عن الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

إلى أن قال: زد لي يا موسى.

قلت: المجالس بالأمانات، وخاصّة مجلسك.

فقال: لا بأس عليك.

فقلت: إنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لم يورث من لم يهاجر، ولا أثبت لهم ولاية حتّى يهاجروا.

فقال: ما حجّتك فيه؟

فقلت: قول الله ـ تعالى ـ:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا ) . وإنّ عمي العبّاس لم يهاجر.

فقال: أسألك، يا موسى، هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشيء؟

فقلت: أللّهمّ، لا. وما سألني عنها إلّا أمير المؤمنين.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ قالوا: سألناهما عن قوله:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا ) . قالا: إنّ أهل مكّة لا يولّون أهل المدينة.

( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ) : فواجب عليكم أن تنصروهم على المشركين.

( إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ) : عهد. فإنّه لا ينقض عهدهم، لنصرهم عليهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : قوله:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ... وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ) . فإنّها نزلت في

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٠، ح ٨١.

(٢) تفسير القمي ١ / ٢٨٠.

٣٦٣

الأعراب. وذلك أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ صالحهم على أن يدعهم في ديارهم ولم يهاجروا إلى المدينة، وعلى أنه إذا أرادهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ غزا بهم، وليس لهم في الغنيمة شيء. وأوجبوا على النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إن أرادهم الأعراب من غيرهم أو دعاهم دهم من عدوّهم، أن ينصرهم إلّا على قوم بينهم وبين الرسول عهد وميثاق إلى مدّة.

( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (٧٢)( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) : في الميراث، أو المؤازرة. وهو بمفهومه يدلّ على منع التّوارث، أو المؤازرة بينهم وبين المسلمين.

( إِلَّا تَفْعَلُوهُ ) : إلّا تفعلوا ما أمرتم به من التّواصل بينكم، وتولي لبعض حتّى في التّوارث، وقطع العلائق بينكم وبين الكفّار.

( تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ ) : تحصل فتنة فيها عظيمة. وهي ضعف الإيمان، وظهور الكفر.

( وَفَسادٌ كَبِيرٌ ) (٧٣): في الدّين.

وقرئ(١) : «كثير».

وفي من لا يحضره الفقيه(٢) : وروى محمّد بن الوليد، عن الحسين بن بشّار قال: كتبت إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في رجل خطب إليّ.

فكتب: من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته، كائن من كان، فزوّجوه.

و( إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ ) .

( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ) : لـمـّـا قسّم المؤمنين ثلاثة أقسام، بيّن أنّ الكاملين في الإيمان منهم هم الّذين حقّقوا إيمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة والجهاد وبذل المال ونصرة الحقّ.

ووعد لهم موعده الكريم فقال:( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) (٧٤): لا تبعة له ولا منّة فيه.

ثمّ ألحق بهم في الأمرين من سيلحق بهم ويتّسم بسمتهم، فقال:( وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ ) ، أي: من جملتكم، أيّها

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٣.

(٢) الفقيه ٣ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩، ح ١١٨١.

٣٦٤

المهاجرون والأنصار.

( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) : في التّوارث من الأجانب.

( فِي كِتابِ اللهِ ) : في حكمه، أو في اللّوح، أو في القرآن. وفيه دلالة على أنّ من كان أقرب إلى المسبب في النّسب، كان أولى بالميراث.

وفي الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول: الخال والخالة يرثان، إذا لم يكن معهما أحد يرث غيرهما. إنّ الله يقول:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) .

حميد بن زياد(٢) ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن وهب(٣) ، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول: الخال والخالة يرثان، إذا لم يكن معهما أحد يرث غيرهما، إنّ الله يقول:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .

وفي أصول الكافي(٤) : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين [أبدا](٥) . إنّما جرت من عليّ بن الحسين، كما قال الله ـ تبارك وتعالى ـ:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) . فلا تكون بعد علي بن الحسين، إلّا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.

عليّ بن إبراهيم(٦) ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ: كان الحسن أولى بها لكبره. فلمّا توفي، لم يستطع أن يدخل ولده ولم يكن ليفعل ذلك والله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) فيجعلها في ولده.

إذا لقال الحسين ـ عليه السّلام ـ: أمر الله بطاعتي، كما أمر بطاعتك وطاعة أبيك. وبلّغ في رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ، كما بلّغ فيك وفي أبيك. وأذهب الله عني الرّجس، كما أذهب عنك وعن أبيك.

فلما صار إلى الحسين، لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدعي عليه، كما

__________________

(١) الكافي ٧ / ١١٩، ح ٢.

(٢) نفس المصدر والموضع. ح ٣.

(٣) المصدر: وهيب.

(٤) الكافي ١ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦، ح ١.

(٥) من المصدر.

(٦) الكافي ١ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨، ح ١.

٣٦٥

كان هو يدّعي على أخيه وعلى أبيه لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه، ولم يكونا ليفعلا. ثمّ صارت حتّى أفضت إلى الحسين ـ عليه السّلام ـ. فجرى تأويل هذه الآية( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) . ثمّ صارت [من بعد [الحسين لعليّ بن الحسين. ثمّ صارت](١) . عليّ بن الحسين إلى محمد بن عليّ.

وقال: «الرّجس» هو الشّكّ. والله، لا نشك بربّنا(٢) أبدا.

محمد(٣) بن](٤) الحسين(٥) ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن صباح الأزرق، عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ: إنّ رجلا من المختاريّة لقيني، فزعم أنّ محمد بن الحنفية إمام.

فغضب أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ. ثمّ قال: أفلا قلت له؟

قال: قلت: لا والله، ما دريت ما أقول.

قال: أفلا قلت له: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أوصى إلى عليّ والحسن والحسين. فلمّا مضى علي ـ عليه السّلام ـ أوصى إلى الحسن والحسين. ولو ذهب يزويها عنهما، لقالا له: نحن وصيان مثلك. ولم يكن ليفعل ذلك. وأوصى [الحسن](٦) إلى الحسين. ولو ذهب يزويها عنه، لقال له: أنا وصيّ مثلك من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ومن أبي. ولم يكن ليفعل ذلك. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) . هي فينا وفي أبنائنا.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٧) ، بإسناده إلى محمد بن قيس: عن ثابت الثّماليّ، عن عليّ بن الحسين، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال: فينا نزلت هذه الآية( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .

وفي كتاب علل الشّرائع(٨) ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن كثير قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: ما عنى الله ـ عزّ وجلّ ـ بقوله ـ تعالى ـ :

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر: في ربنا.

(٣) الكافي ١ / ٢٩١ ـ ٢٩٢، ح ٧.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في «ب».

(٥) المصدر: محمد بن الحسن.

(٦) من المصدر.

(٧) كمال الدين / ٣٢٣، ح ٨.

(٨) علل الشرائع / ٢٠٥، ح ٢.

٣٦٦

( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) .

قال: نزلت هذه الآية في النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة ـ عليهم السّلام ـ. فلمّا قبض الله ـ عزّ وجلّ ـ نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين ـ عليهم السّلام ـ. ثمّ وقع تأويل هذه الآية( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) وكان عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ [اماما](٢) . ثمّ جرت في الأئمة من ولده الأوصياء ـ عليهم السّلام ـ.

فطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله ـ عزّ وجلّ ـ.

[وبإسناده إلى عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ](٣) خصّ عليّا ـ عليه السّلام ـ بوصيّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وما يصيبه له، فأقرّ الحسن والحسين له بذلك. ثمّ وصيّته للحسن وتسليم الحسين للمحسن ذلك. حتّى أقضى الأمر للحسين(٤) لا ينازعه فيه أحد، ليس له(٥) من السّابقة مثل ماله. واستحقّها عليّ بن الحسين بقول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) . فلا تكون بعد عليّ بن الحسين إلّا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.

وفي نهج البلاغة(٦) . من كتاب له ـ عليه السّلام ـ إلى معاوية: وكتاب الله يجمع لنا ما شذّ عنّا. وهو قوله ـ تعالى ـ:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .

وقوله:( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) . فنحن مرّة أولى بالقرابة، وتارة أولى بالطّاعة.

وفي كتاب الاحتجاج(٧) للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ: وروى عبد الله بن الحسن بإسناده، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ: أنّه لـمـّـا أجمع أبو بكر [وعمر](٨) على منع فاطمة فدكا وبلغها ذلك، جاءت إليه وقالت: يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث(٩)

__________________

(١) الأحزاب / ٣٣.

(٢) من المصدر.

(٣) ما بين المعقوفتين من نور الثقلين وليس في المصدر.

(٤) المصدر: إلى الحسين.

(٥) كذا في المصدر، وفي النسخ: لاحد.

(٦) نهج البلاغة / ٣٨٧ ضمن كتاب ٢٨.

(٧) الاحتجاج ١ / ١٣١ و ١٣٨ بتصرّف هاهنا.

(٨) من المصدر. (٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ: نرث.

٣٦٧

أبي؟ لقد جئت شيئا فريا. [أفتركتم](١) كتاب الله [ونبذتموه](٢) وراء ظهوركم إذ يقول:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفيه(٣) خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. وفيها: قال الله ـ عزّ وجلّ ـ:( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُ ) . وقال ـ عزّ وجلّ ـ:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) . فنحن أولى النّاس بإبراهيم، ونحن ورثناه، ونحن أولو الأرحام الّذين ورثنا الكعبة، ونحن آل ابراهيم.

وفي تفسير العيّاشي(٤) : عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أبيه، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ قال: دخل عليّ ـ عليه السّلام ـ على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في مرضه، وقد أغمي عليه، ورأسه في حجر جبرئيل، وجبرئيل على صورة دحية الكلبيّ.

فلمّا دخل عليّ ـ عليه السّلام ـ قال له جبرئيل: دونك رأس ابن عمك. فأنت أحقّ به مني، لأنّ الله ـ تعالى ـ يقول في كتابه:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .

فجلس ـ عليه السّلام ـ وأخذ رأس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فوضعه في حجره. فلم يزل رأس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [في حجره](٥) حتّى غابت الشّمس.

وأنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أفاق، فرفع رأسه فنظر إلى عليّ.

فقال: يا عليّ، أين(٦) جبرئيل؟

فقال: يا رسول الله، ما رأيت إلّا دحية الكلبيّ رفع(٧) إليّ رأسك وقال: يا عليّ، دونك رأس ابن عمّك فأنت أحق به مني، لأنّ الله ـ تعالى ـ يقول:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) . فجلست وأخذت برأسك. فلم يزل(٨) في حجري، حتّى غابت الشّمس.

__________________

(١) المصدر: أفعلى عمد تركتم.

(٢) من المصدر.

(٣) الاحتجاج ١ / ٢٣٤.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٠ ـ ٧١، ح ٨٢.

(٥) من المصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: رأيت.

(٧) المصدر: دفع.

(٨) المصدر: فلم تزل.

٣٦٨

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أفصلّيت العصر؟

قال: لا.

قال: فما منعك أن تصلي؟

فقال: قد أغمي عليك، وكان رأسك في حجري وكرهت أن أشقّ عليك، يا رسول الله، وكرهت أن أقوم وأصلي وأضع رأسك.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: «أللّهمّ، إنّ عليّا كان في طاعتك وطاعة رسولك حتّى فاتته صلاة العصر. أللّهمّ، فردّ عليه الشّمس حتّى يصلي العصر في وقتها.

قال: فطلعت الشّمس، فصارت في وقت العصر بيضاء نقيّة. ونظر إليها أهل المدينة، وإنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ قام وصلّى. فلمّا انصرف، غابت الشّمس وصلّى المغرب.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : ثمّ قال:( وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ. وَأُولُوا )

( الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .

قال: نسخت قوله:( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) .(٢)

وفي الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قضى أمير المؤمنين في خالة جاءت تخاصم في مولى رجل [مات](٤) فقرأ هذه الآية:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) . فدفع الميراث إلى الخالة، ولم يعط المولى.

أبو عليّ الأشعريّ(٥) ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: كان عليّ ـ عليه السّلام ـ إذا مات مولى له وترك ذات قرابة، لم يأخذ من ميراثه شيئا ويقول:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٦) : [وروى أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سهل ،

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢٨١.

(٢) النّساء / ٣٣.

(٣) الكافي ٧ / ١٣٥، ح ٢.

(٤) من المصدر.

(٥) نفس المصدر والموضع، ح ٥.

(٦) الفقيه ٤ / ٢٢٣، ح ٧٠٨.

٣٦٩

عن الحسن بن الحكم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في رجل ترك خالتيه ومواليه، قال:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) ](١) المال بين الخالتين.

وروى أحمد بن محمّد بن أبي نصر(٢) ، عن الحسن بن موسى الخياط، عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: لا والله، ما ورث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ العبّاس ولا عليّ ـ عليه السّلام ـ [ولا ورثته إلّا فاطمة ـ عليها السّلام ـ.

وما كان أخذ علي ـ عليه السّلام ـ](٣) السّلاح وغيره، إلا لأنه قضى عنه دينه.

ثمّ قال:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن أبي بصير، عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ قال: الخال والخالة يرثان، إذا لم يكن معهم أحد غيرهم. إنّ الله يقول:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) . إذا التقت القرابات، فالسابق أحقّ بالميراث من قرابته.

عن زرارة(٥) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) . أنّ بعضهم أولى بالميراث من بعض. لأنّ أقربهم إليه [رحما](٦) أولى به.

عن ابن سنان(٧) ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لـمـّـا اختلف علي بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ وعثمان بن عفّان في الرّجل يموت وليس له عصبة يرثونه، وله ذو قرابة يرثونه(٨) ، ليس له سهم مفروض.

فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ: ميراثه لذوي قرابته. لأنّ الله ـ تعالى ـ يقول:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .

وقال عثمان: أجعل ميراثه في بيت مال المسلمين، ولا يرثه أحد من قرابته.

( إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٧٥): من المواريث والحكمة في إناطتها. بنسبة الإسلام والمظاهرة أوّلا، وباعتبار القرابة ثانيا.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الفقيه ٤ / ١٩٠ ـ ١٩١، ح ٦٦٠.

(٣) من المصدر.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٧١، ح ٨٣.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٢، ح ٨٦.

(٦) من المصدر.

(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٧١، ح ٨٤.

(٨) المصدر: لا يرثونه.

٣٧٠

وفي تفسير العيّاشي(١) : عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: كان عليّ ـ عليه السّلام ـ لا يعطي الموالي شيئا مع ذي رحم، سمّيت له فريضة [أم لم تسمّ له فريضة](٢) . وكان يقول:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ، إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) قد علم مكانهم. فلم يجعل لهم مع أولي الأرحام حيث قال:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٧١، ح ٨٥.

(٢) من الهوامش.

٣٧١

تفسير سورة براءة

٣٧٢
٣٧٣

سورة البراءة

المشهور، أنّها مدنيّة.

وقيل(١) : إلّا آيتين من قوله ـ تعالى ـ:( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ ) . وهي آخر ما نزلت.

قيل: ولها أسماء اخر: التّوبة، والمقشقشة، والبحوث، والمبعثرة، والمنقرة، والمثيرة، والحافرة، والمخزية(٢) ، والفاضحة، والمنكلة، والمشردة، والمدمدمة، وسورة العذاب. لما فيها من التّوبة [للمؤمنين](٣) ،: والقشقشة من النّفاق وهي التبري منه، والبحث عن حال المنافقين وإثارتها، والحفر(٤) عنها، وما يخزيهم، ويفضحهم، وينكّلهم، ويشرّدهم، ويدمدم عليهم.

وآيها قيل: مائة وثلاثون. وقيل: تسع وعشرون.

وإنّما تركت التّسمية فيها، إمّا لأنّها نزلت للأمان والرّحمة ونزلت براءة لدفع الأمان والسّيف، وإمّا لأنّ الأنفال وبراءة واحدة.

ففي مجمع البيان(٥) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ: لم ينزل( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) على رأس سورة براءة. لأنّ( بِسْمِ اللهِ ) للأمان والرّحمة، ونزلت براءة لدفع الأمان بالسّيف(٦) .

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٤.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: النحرية.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: الحضر.

(٥) المجمع ٣ / ٢.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: لدفع الأمان

٣٧٤

وفيه(١) ، في تفسير العيّاشي(٢) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: الأنفال والبراءة واحدة.

ترك البسملة في أوّلها قراءة وكتابة.

ويمكن الجمع بين الخبرين، بأنّها سورة واحدة. ولذا لم يكتب( بِسْمِ اللهِ ) على رأس براءة، لكن لـمـّـا كان إفرادها للبعث بمكّة بمنزلة جعلها سورة ورسالة توهّم استحباب تصديرها بها، كما هو المتعارف في المكتوبات والرّسائل، دفع ـ عليه السّلام ـ هذا الوهم بقوله: لأنّ( بِسْمِ اللهِ ) للأمان والرّحمة، ونزلت سورة براءة لدفع الأمان والسّيف. ويؤيّد كونها واحدة، ما روي في أوّل الأنفال من كتاب ثواب الأعمال(٣) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من قرأ سورة الأنفال وسورة البراءة في كلّ شهر، لم يدخله نفاق ابدا وكان من شيعة أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

وفي تفسير العيّاشي(٤) ، مثله. إلّا أنّه زاد قوله ـ عليه السّلام ـ: حقّا وأكل(٥) يوم القيامة من موائد الجنة مع شيعة عليّ(٦) حتّى يفرغ النّاس من الحساب.

وما في مجمع البيان(٧) : عن أبي بن كعب، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: من قرأ الأنفال وبراءة، فأنا شفيع له وشاهد يوم القيامة أنّه بريء من النّفاق، واعطي من الأجر بعدد كلّ منافق ومنافقة في دار الدّنيا عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات، وكان العرش وحملته يصلّون عليه أيّام حياته في الدّنيا.

فإن جعل الثواب المذكور على قراءة المجموع، يدلّ ظاهرا على أنهما واحد، خصوصا الحديث الأخير المحذوف فيه لفظ السّورة عن البراءة.

( بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) ، أي: هذه براءة.

و «من» ابتدائية متعلّقة بمحذوف، تقديره: واصلة من الله ورسوله.

ويجوز أن يكون «براءة» مبتدأ لتخصّصها بصفتها، والخبر( إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (١).

__________________

والسيف.

(١) كذا. والصحيح: وفي.

(٢) المجمع ٣ / ١، وتفسير العيّاشي ٢ / ٧٣.

(٣) ثواب الأعمال / ١٣٢.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٣.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: يأكل.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: مع شيعته .

(٧) المجمع ٢ / ٥١٦.

٣٧٥

وقرئ، بنصبها، على تقدير: اسمعوا براءة.

والمعنى: أنّ الله ورسوله بريئان من العهد الّذي عاهدتم به المشركين.

وفي مجمع البيان(١) : إذا قيل: كيف يجوز أن ينقض النّبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك العهد؟

فأقول فيه: إنه يجوز أن ينقض ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك على ثلاثة أوجه: إمّا(٢) أن يكون العهد مشروطا، بأن يبقى إلى أن يرفعه الله ـ تعالى ـ بوحي. وإمّا أن يكون قد ظهر من المشركين خيانة وإما أن يكون مؤجّلا إلى مدّة.

وقد وردت الرّواية، بأنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ شرط عليهم ما ذكرناه.

وروي ـ أيضا ـ: أنّ المشركين كانوا قد نقضوا العهد وهمّوا بذلك، فأمره الله ـ سبحانه ـ أن ينقض عهدهم. (انتهى).

وأمهل المشركين أربعة أشهر يسيروا أين شاءوا، فقال:( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) : خطاب للمشركين. أمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر آمنين أين شاءوا لا يتعرض لهم، ثمّ يقتلون حيث وجدوا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) :( بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .

قال: حدثني أبي، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من غزوة تبوك في سنة تسع(٤) من الهجرة.

قال: وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمـّـا فتح مكّة، لم يمنع المشركين الحجّ في تلك السّنة. وكان سنّة من العرب في الحجّ أنه من دخل مكة وطاف بالبيت في ثيابه، لم يخل له إمساكها. وكانوا يتصدّقون بها، ولا يلبسونها بعد الطّواف. وكان من وافى مكّة، يستعير ثوبا ويطوف فيه ثمّ يرده. ومن لم يجد عارية، اكترى ثيابا. ومن لم يجد عارية ولا كراء ولم يكن له إلّا ثوب واحد، طاف بالبيت عريانا. فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة، وطلبت ثوبا عارية أو كراء فلم تجده.

فقالوا لها: إن طفت في ثيابك، احتجت أن تتصدقي بها.

__________________

(١) المجمع ٣ / ٢ ـ ٣.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: أحدها.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢٨١ ـ ٢٨٢.

(٤) المصدر: سبع. والصحيح ما في المتن.

٣٧٦

فقالت: أتصدّق!؟ وكيف أتصدّق بها وليس لي غيرها؟! فطافت بالبيت عريانة. وأشرف عليها النّاس. فوضعت إحدى يديها على قبلها والأخرى على دبرها وقالت :

اليوم يبدو بعضه أو كلّه

فما بدا منه فلا أحلّه

فلمّا فرغت من الطّواف، خطبها جماعة.

فقالت: إنّ لي زوجا.

وكانت سيرة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قبل نزول سورة براءة أن لا يقاتل إلّا من قاتله، ولا يحارب إلّا من حاربه وأراده. وقد كان نزل عليه في ذلك من الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ) (١) . فكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه واعتزله حتّى نزلت عليه سورة براءة، وأمره [الله](٢) بقتل المشركين من اعتزله ومن لم يعتزله، إلّا الّذين قد كان عاهدهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم فتح مكّة إلى مدّة. منهم صفوان بن أميّة، وسهيل بن عمرو. فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ: «براءة من الله ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر» ثمّ يقتلون حيث ما وجدوا. فهذه أشهر السّياحة، عشرون من ذي الحجّة الحرام والمحرّم وصفر وربيع الأوّل، وعشر(٣) من ربيع الآخر.

فلمّا نزلت الآيات من أوّل براءة، دفعها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى أبي بكر، وأمره أن يخرج إلى مكّة ويقرأها على النّاس بمنى(٤) يوم النّحر.

فلمّا خرج أبو بكر، نزل جبرئيل على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال: يا محمّد، لا يؤذي عنك إلّا رجل منك.

فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في طلبه. فلحقه بالروحاء، فأخذ منه الآيات.

فرجع أبو بكر إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال: يا رسول الله، أنزل فيّ

__________________

(١) النساء / ٨٩.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: عشرين.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: يمسي.

٣٧٧

شيء؟

فقال: لا، إنّ الله أمرني أن لا يؤدي عني إلّا أنا أو رجل مني.

وأمّا ما رواه العيّاشيّ(١) : عن زرارة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: لا، والله، ما بعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أبا بكر ببراءة. أهو كان يبعث بها [معه](٢) ثمّ يأخذها منه؟ ولكنّه استعمله على الموسم، وبعث بها عليّا ـ عليه السّلام ـ بعد ما فصل أبو بكر عن الموسم. فقال لعليّ ـ عليه السّلام ـ حين بعثه الله(٣) : إنّه لا يؤدي عني إلّا أنا أو أنت»

فمخالف لما روي سابقا. وما روي في هذا الباب محمول على التّقية، لأنّه وافق لما رواه العامّة في هذا الباب.

وفي تفسير العيّاشي(٤) : عن حريز، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم، ليقرأها على النّاس.

فنزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال: لا يبلّغ عنك إلّا عليّ.

فدعا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليّا ـ عليه السّلام ـ فأمره أن يركب فاقته(٥) العضباء، وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة ويقرأه على النّاس بمكّة.

فقال أبو بكر: أسخطة؟

فقال: لا، إلّا أنه أنزل عليه: أن لا يبلّغ إلّا رجل منك.

فلما قدم عليّ ـ عليه السّلام ـ مكّة، وكان يوم النّحر بعد الظّهر ـ وهو يوم الحجّ الأكبر ـ قام ثمّ قال: إني رسول [رسول الله](٦) إليكم. فقرأها عليهم:( بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) عشرين(٧) من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأول، وعشرا(٨) من شهر بيع الآخر.

وقال: لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك، إلّا من كان له عهد عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فمدّته(٩) إلى هذه الأربعة أشهر.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٤.

(٢) من المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٣ ـ ٧٤.

(٥) المصدر: ناقة.

(٦) من المصدر.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ: وعشرا.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ: عشرين. (٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: فدية.

٣٧٨

وفي خبر محمد بن مسلم(١) : فقال: يا عليُّ، هل نزل في شيء منذ فارقت(٢) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

قال: لا، ولكن أبي الله أن يبلّغ عن محمّد إلّا رجل منه.

فوافى(٣) الموسم، فبلّغ عن الله وعن رسوله بعرفة والمزدلفة ويوم النّحر عند الجمار وفي أيّام(٤) التشريق كلّها ينادي:( بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) ولا يطوفنّ بالبيت عريان.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) ـ أيضا ـ قال: وحدثني أبي، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أمرني [أن أبلّغ](٦) عن الله، أن لا يطوف بالبيت عريان ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام. وقرأ عليهم:( بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) فأجل الله المشركين الّذين حجّوا تلك السّنة أربعة أشهر حتّى يرجعوا(٧) إلى مأمنهم، ثم يقتلون حيث وجدوا.

وفي مجمع البيان(٨) : وروى أصحابنا، أنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولّى عليّا الموسم. وأنه حين أخذ براءة من أبي بكر، رجع أبو بكر.

وروى عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: خطب عليّ ـ عليه السّلام ـ [الناس](٩) واخترط سيفه، فقال: لا يطوفنّ بالبيت عريان، ولا يحجّن البيت مشرك. ومن كانت له مدة، فهو إلى مدّته. ومن لم تكن له مدّة، فمدّته أربعة أشهر. وكان خطب يوم النّحر، فكان عشرون من ذي الحجّة ومحرم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من شهر ربيع الآخر.

وروي أنّه ـ عليه السّلام ـ قام عند جمرة العقبة وقال: أيّها الناس، إني رسول الله إليكم بأن لا يدخل البيت كافر ولا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. ومن

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٧٤.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: فأرقب عند.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: قوله في.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: بأيّام.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٨٢.

(٦) من المصدر.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ: يراجعوا.

(٨) المجمع ٣ / ٣ ـ ٤.

(٩) من المصدر.

٣٧٩

كان له عهد عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ، فله عهده إلى أربعة أشهر. ومن لا عهد له، فله [مدّة](١) بقية الأشهر الحرم. وقرأ عليهم براءة.

وقيل: قرأ عليهم ثلاث عشرة آية من أوّل براءة.

وفي الكافي(٢) : عدّة من أصحابنا، [عن أحمد بن محمّد](٣) ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الحسين بن خالد قال: قلت لأبي الحسن ـ عليه السّلام ـ: لأيّ شيء صار الحاج لا يكتب عليه الذّنب أربعة أشهر؟

قال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أباح المشركين الحرم في أربعة أشهر، إذ يقول:( فَسِيحُوا ( فِي الْأَرْضِ ) أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) أثمّ وهب لمن يحجّ من المؤمنين البيت الذّنوب أربعة أشهر.

عليّ بن إبراهيم(٤) ، بإسناده قال: أشهر الحجّ، شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة. وأشهر السّياحة، عشرون من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من ربيع الآخر.

عدة من أصحابنا(٥) ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب عن سعد الإسكاف قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: انّ الحاج إذا أخذ في جهازه ـ إلى قوله ـ: وكان ذا الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأول [أربعة](٦) أشهر تكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السّيئات، إلّا أن يأتي بموجبه. فإذا مضت الأربعة أشهر، خلط بالناس.

وفي تفسير العيّاشيّ(٧) : جعفر بن أحمد، عن عليّ بن محمّد بن شجاع قال: روى أصحابنا [قيل](٨) لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: لم(٩) صار الحاجّ لا يكتب عليه ذنب أربعة أشهر؟

قال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أمر المشركين، فقال:( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) ولم يكن يقصر بوفده عن ذلك.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الكافي ٤ / ٢٥٥.

(٣) من المصدر.

(٤) الكافي ٤ / ٢٩٠.

(٥) الكافي ٤ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

(٦) من المصدر.

(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٥.

(٨) من المصدر.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: إنّه.

٣٨٠