كفاية الأصول

كفاية الأصول0%

كفاية الأصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 521

كفاية الأصول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد كاظم الخراسانى
تصنيف: الصفحات: 521
المشاهدات: 49541
تحميل: 16006

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 521 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49541 / تحميل: 16006
الحجم الحجم الحجم
كفاية الأصول

كفاية الأصول

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بقي شيء وهو أن ثمرة القول بالمقدمة الموصلة، هي تصحيح العبادة التي يتوقف على تركها فعل الواجب، بناءً على كون ترك الضد مما يتوقف عليه فعل ضده، فإن تركها على هذا القول لا يكون مطلقاً واجباً، ليكون فعلها محرماً، فتكون فاسدة، بل فيما يترتب عليه الضد الواجب، ومع الإتيان بها لا يكاد يكون هناك ترتب، فلا يكون تركها مع ذلك واجباً، فلا يكون فعلها منهيا عنه، فلا تكون فاسدة.

وربما أورد(١) على تفريع هذه الثمرة بما حاصله بأن فعل الضد، وإن لم يكن نقيضاً للترك الواجب مقدمة، بناءً على المقدمة الموصلة، إلا أنه لازم لما هو من أفراد النقيض، حيث أن نقيض ذاك الترك الخاص رفعه، وهو أعم من الفعل والترك الآخر المجرد، وهذا يكفي في إثبات الحرمة، وإلا لم يكن الفعل المطلق محرماً فيما إذا كان الترك المطلق واجباً؛ لأن الفعل ايضاً ليس نقيضاً للترك، لأنه أمر وجودي، ونقيض الترك إنما هو رفعه، ورفع الترك إنما يلازم الفعل مصداقاً، وليس عينه، فكما أن هذه الملازمة تكفي في إثبات الحرمة لمطلق الفعل، فكذلك تكفي في المقام، غاية الأمر أن ما هو النقيض في مطلق الترك، إنما ينحصر مصداقه في الفعل فقط، وأما النقيض للترك الخاص فله فردان، وذلك لا يوجب فرقاً فيما نحن بصدده، كما لا يخفى.

قلت: وأنت خبير بما بينهما من الفرق، فإن الفعل في الأول لا يكون إلا مقارناً لما هو النقيض، من رفع الترك المجامع معه تارة، ومع الترك المجرد أخرى، ولا تكاد تسري حرمة الشيء إلى ما يلازمه، فضلاً عما يقارنه أحياناً.

نعم لابد أن لا يكون الملازم محكوماً فعلاً بحكم آخر على خلاف حكمه، لا أن يكون محكوماً بحكمه، وهذا بخلاف الفعل في الثاني، فإنه

____________________

(١) مطارح الأنظار / ٧٨.

١٢١

بنفسه يعاند الترك المطلق وينافيه، لا ملازم لمعانده ومنافيه، فلو لم يكن عين ما يناقضه بحسب الاصطلاح مفهوماً، لكنه متحد معه عيناً وخارجاً، فإذا كان الترك واجباً، فلا محالة يكون الفعل منهياً عنه قطعاً، فتدبر جيّداً.

ومنها : تقسيمه إلى الأصلي والتبعي، والظاهر أن يكون هذا التقسيم بلحاظ الأصالة والتبعية في الواقع ومقام الثبوت، حيث يكون الشيء تارة متعلقاً للإرادة والطلب مستقلا، للالتفات إليه بما هو عليه مما يوجب طلبه فيطلبه، كان طلبه نفسياً أو غيرياً، وأخرى متعلقاً للإرادة تبعاً لإرادة غيره، لأجل كون إرادته لازمة لإرادته، من دون التفات إليه بما يوجب إرادته، لا بلحاظ الأصالة والتبعية في مقام الدلالة والإثبات(١) ، فإنه يكون في هذا المقام، تارةً مقصوداً بالإفادة، وأخرى غير مقصود بها على حدة، إلا أنه لازم الخطاب، كما في دلالة الإشارة ونحوها.

وعلى ذلك، فلا شبهة في انقسام الواجب الغيري إليهما، واتّصافه بالأصالة والتبعية كليهما، حيث يكون متعلقاً للإرادة على حدة عند الالتفات إليه بما هو مقدمة، وأخرى لا يكون متعلقاً لها كذلك عند عدم الالتفات إليه كذلك، فإنه يكون لا محالة مراداً تبعاً لإرادة ذي المقدمة على الملازمة.

كما لا شبهة في اتصاف النفسي أيضاً بالأصالة، ولكنه لا يتصف بالتبعية، ضرورة أنه لا يكاد يتعلق به الطلب النفسي ما لم تكن فيه مصلحة نفسيّة، ومعها يتعلق الطلب بها مستقلاً، ولو لم يكن هناك شيء آخر مطلوب أصلاً، كما لا يخفى.

نعم لو كان الاتصاف بهما بلحاظ الدلالة، اتصف النفسي بهما أيضاً،

____________________

(١) كما هو مذهب صاحبي القوانين والفصول (قدس‌سرهما).

القوانين ١ / ١٠١ - ١٠٢، في مقدمة الواجب، المقدمة السادسة والسابعة.

الفصول / ٨٢.

١٢٢

ضرورة أنه قد يكون غير مقصودة بالإفادة، بل أُفيد بتبع غيره المقصود بها، لكن الظاهر - كما مر - أن الاتصاف بهما إنما هو في نفسه لا بلحاظ حال الدلالة عليه، وإلا لما اتصف بواحد منهما، إذا لم يكن بعد مفاد دليل، وهو كما ترى.

ثم إنه إذا كان الواجب التبعي ما لم يتعلق به إرادة مستقلة، فإذا شك في واجب أنه أصليّ أو تبعيّ، فبأصالة عدم تعلق إرادة مستقلة به يثبت أنه تبعي، ويترتب عليه آثاره إذا فرض له آثار شرعية(١) ، كسائر الموضوعات المتقومة بأمور عدمية.

نعم لو كان التبعي أمراً وجودياً خاصاً غير متقوّم بعدمي، وإن كان يلزمه، لما كان يثبت بها إلّا على القول بالأصل المثبت، كما هو واضح، فافهم.

تذنيب : في بيان الثمرة، وهي في المسألة الأصولية - كما عرفت سابقاً - ليست إلا أن تكون نتيجتها صالحة للوقوع في طريق الاجتهاد، واستنباط حكم فرعيّ، كما لو قيل بالملازمة في المسألة، فإنّه بضميمة مقدمة كون شيء مقدمة لواجب يستنتج انه واجب.

ومنه قد انقدح، أنه ليس منها مثل برءِ النذر بإتيان مقدمة واجب، عند نذر الواجب، وحصول الفسق بترك الواجب بمقدماته إذا كانت له مقدمات كثيرة، لصدق الإصرار على الحرام بذلك، وعدم جواز أخذ الأجرة على المقدمة.

مع أن البرء وعدمه إنما يتبعان قصد الناذر، فلا برء بإتيان المقدمة لو قصد الوجوب النفسي، كما هو المنصرف عند إطلاقه ولو قيل بالملازمة، وربما

____________________

(١) في نسختي «أو ب»: آثار شرعي.

١٢٣

يحصل البرء به لو قصد ما يعم المقدمة ولو قيل بعدمها، كما لا يخفى.

ولا يكاد يحصل الإصرار على الحرام بترك واجب، ولو كانت له مقدمات غير عديدة، لحصول العصيان بترك أول مقدمة لا يتمكن معه من الواجب، ولا يكون ترك سائر المقدمات بحرام أصلاً، لسقوط التكليف حينئذ، كما هو واضح لا يخفى.

وأخذ الأجرة على الواجب لا بأس به، إذا لم يكن إيجابه على المكلف مجاناً وبلا عوض، بل كان وجوده المطلق مطلوبا كالصناعات الواجبة كفائية التي لا يكاد ينتظم بدونها البلاد، ويختل لولاها معاش العباد، بل ربما يجب أخذ الأجرة عليها لذلك، أي لزوم الاختلال وعدم الانتظام لولا أخذها، هذا في الواجبات التوصلية.

وأما الواجبات التعبدية، فيمكن أن يقال بجواز أخذ الأجرة على إتيانها بداعي امتثالها، لا على نفس الإتيان، كي ينافي عباديتها، فيكون من قبيل الداعي إلى الداعي، غاية الأمر يعتبر فيها - كغيرها - أن يكون فيها منفعة عائدة إلى المستأجر، كي لا تكون المعاملة سفهية، وأخذ الأجرة عليها أكلاً بالباطل.

وربما يجعل(١) من الثمرة، اجتماع الوجوب والحرمة - إذا قيل بالملازمة - فيما كانت المقدمة محرمة، فيبتني على جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه، بخلاف ما لو قيل بعدمها، وفيه:

أولاً : إنه لا يكون من باب الاجتماع، كي تكون مبتنية عليه، لما أشرنا إليه غير مرة، إن الواجب ما هو بالحمل الشائع مقدمة، لا بعنوان المقدمة، فيكون على الملازمة من باب النهي في العبادة والمعاملة.

____________________

(١) نسب إلى الوحيد البهبهاني، مطارح الأنظار / ٨١.

١٢٤

وثانياً :(١) إن الاجتماع وعدمه لا دخل له في التوصل(٢) بالمقدمة المحرمة وعدمه أصلاً، فإنه يمكن التوصل(٣) بها إن كانت توصلية، ولو لم نقل بجواز الاجتماع، وعدم جواز التوصل(٤) بها إن كانت تعبدية على القول بالامتناع، قيل بوجوب المقدمة أو بعدمه، وجواز التوصل(٥) بها على القول بالجواز كذلك، أي قيل بالوجوب أو بعدمه.

وبالجملة لا يتفاوت الحال في جواز التوصل(٦) بها، وعدم جوازه أصلاً، بين أن يقال بالوجوب، أو يقال بعدمه، كما لا يخفى.

في تأسيس الأصل في المسألة

إعلم أنه لا أصل في محل البحث في المسألة، فإن الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة وعدمها ليست لها حالة سابقة، بل تكون الملازمة أو عدمها أزليّة، نعم نفس وجوب المقدمة يكون مسبوقا بالعدم، حيث يكون حادثاً بحدوث وجوب ذي المقدمة، فالأصل عدم وجوبها.

وتوهم عدم جريانه، لكون وجوبها على الملازمة، من قبيل لوازم الماهية، غير مجعولة، ولا أثر آخر مجعول مترتب عليه، ولو كان لم يكن بمهم هاهنا، مدفوع بأنه وإن كان غير مجعول بالذات، لا بالجعل البسيط الذي هو مفاد كان التامة، ولا بالجعل التأليفي الذي هو مفاد كان الناقصة، إلا أنه

____________________

(١) قد حذف المصنفقدس‌سره إشكالاً آخر من نسختي «أ و ب»، وجعل الثالث مكانه، وهذا يشعر بإضرابه عن الإيراد الثاني وهو قوله: «لا يكاد يلزم الاجتماع أصلاً، لاختصاص الوجوب بغير المحرم، في غير صورة الانحصار به، وفيها امّا لا وجوب للمقدمة، لعدم وجوب ذي المقدمة لأجل المزاحمة، وامّا لاحرمة لها لذلك، كما لا يخفى».

(٢) في «أ»: التوسل.

(٣ و٤ و٥ و٦) في «أ و ب»: التوسل.

١٢٥

مجعول بالعرض، ويتبع جعل وجوب ذي المقدمة، وهو كافٍ في جريان الأصل.

ولزوم التفكيك بين الوجوبين مع الشك لا محالة، لأصالة عدم وجوب المقدمة مع وجوب ذي المقدمة، لا ينافي الملازمة بين الواقعيين، وإنما ينافي الملازمة بين الفعليين، نعم لو كانت الدعوى هي الملازمة المطلقة حتى في المرتبة الفعلية، لما صح التمسك بالأصل، كما لا يخفى.

إذا عرفت ما ذكرنا، فقد تصدى غير واحد من الأفاضل(١) لإقامة البرهان على الملازمة، وما أتى منهم بواحد خال عن الخلل، والأولى إحالة ذلك إلى الوجدان، حيث أنه أقوى شاهد على أن الانسان إذا أراد شيئاً له مقدمات، أراد تلك المقدمات، لو التفت إليها بحيث ربما يجعلها في قالب الطلب مثله، ويقول مولوياً (أدخل السوق واشتر اللحم) مثلاً، بداهة أن الطلب المنشأ بخطاب (أدخل) مثل المنشأ بخطاب (إشتر) في كونه بعثاً مولوياً، وأنه حيث تعلقت إرادته بإيجاد عبده الاشتراء، ترشّحت منها له إرادة أخرى بدخو السوق، بعد الالتفات إليه وأنه يكون مقدمة له، كما لا يخفى.

ويؤيد الوجدان، بل يكون من أوضح البرهان، وجود الأوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات؛ لوضوح أنه لا يكاد يتعلق بمقدمة أمر غيريّ، إلا إذا كان فيها مناطه، وإذا كان فيها كان في مثلها، فيصح تعلقه به أيضاً، لتحقق ملاكه ومناطه، والتفصيل بين السبب وغيره والشرط الشرعي وغيره سيأتي بطلانه، وأنه لا تفاوت في باب الملازمة بين مقدمة ومقدمة.

ولا بأس بذكر الاستدلال الذي هو كالأصل لغيره - مما ذكره الأفاضل(٢)

____________________

(١) انظر مطارح الأنظار / ٨٣، في أدلة القائلين بوجوب المقدمة.

(٢) المصدر السابق / ٨٣ - ٨٤، الفصول / ٨٤، هداية المسترشدين / ٢٠٥، نهاية الأصول / ٨٨، في المبحث الأول من الفصل الخامس في أحكام الوجوب.

١٢٦

من الاستدلالات - وهو ما ذكره أبوالحسن [الحسين](١) البصري(٢) ، وهو أنه لو لم يجب المقدمة لجاز تركها، وحينئذ، فإن بقي الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق، وإلا خرج الواجب المطلق عن وجوبه.

وفيه: - بعد إصلاحه بإرادة عدم المنع الشرعي من التالي في الشرطية الاُولى، لا الإباحة الشرعية، وإلا كانت الملازمة واضحة البطلان، وإرادة الترك عما أضيف إليه الظرف، لا نفس الجواز، وإلا فمجرد الجواز بدون الترك، لا يكاد يتوهم معه صدق القضية(٣) الشرطية الثانية - ما لا يخفى؛ فان الترك بمجرد عدم المنع شرعاً لا يوجب صدق إحدى الشرطيتين، ولا يلزم أحد المحذورين، فإنه وإن لم يبق له وجوب معه، إلا أنه كان ذلك بالعصيان، لكونه متمكناً من الإطاعة والإتيان، وقد اختار تركه بترك مقدمته بسوء اختياره، مع حكم العقل بلزوم إتيانها، إرشاداً إلى ما في تركها من العصيان المستتبع للعقاب.

نعم لو كان المراد من الجواز الترك شرعاً وعقلاً، يلزم أحد المحذورين، إلا أن الملازمة على هذا في الشرطية الاُولى ممنوعة، بداهة أنه لو لم يجب شرعاً لا يلزم أن يكون جائزاً شرعاً وعقلاً؛ لإمكان أن لا يكون محكوما بحكم شرعاً، وإن كان واجباً عقلاً إرشاداً، وهذا واضح.

وأما التفصيل بين السبب وغيره، فقد استدل(٤) على وجوب السبب،

____________________

(١) ما أثبتناه هو الصواب، راجع المعتمد في أصول الفقه ١ / ٩٤، لأبي الحسين البصري.

(٢) هو أبوالحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق الأشعري من نسل أبي موسى الأشعري ولد في البصرة سنة ٢٦٠ ه‍، تلقى مذهب المعتزلة وتقدم فيهم، ثم رجع وجاهر بخلافهم، وأسس مذهب الأشاعرة، بلغت مصنفاته ثلاثمأة كتاب، توفي ببغداد سنة ٣٢٦ ه‍ (اعلام الزركلي ٤ / ٢٦٣).

(٣) في «ب» قضية.

(٤) بدائع الافكار / ٣٥٣، القول الثالث في وجوب المقدمة.

١٢٧

بأن التكليف لا يكاد يتعلق إلا بالمقدور، والمقدور لايكون إلا هو السبب، وإنما المسبب من آثاره المترتبة عليه قهراً، ولا يكون من أفعال المكلف وحركاته أو سكناته، فلابد من صرف الأمر المتوجه إليه عنه إلى سببه.

ولا يخفى ما فيه، من أنه ليس بدليل على التفصيل، بل على أن الأمر النفسي إنما يكون متعلقا بالسبب دون المسبب، مع وضوح فساده، ضرورة أن المسبب مقدور المكلف، وهو متمكن عنه بواسطة السبب، ولا يعتبر في التكليف أزيد من القدرة، كانت بلا واسطة أو معها، كما لا يخفى.

وأما التفصيل بين الشرط الشرعي وغيره، فقد استدل(١) على الوجوب في الأول بأنه لولا وجوبه شرعاً لما كان شرطاً، حيث أنه ليس مما لا بد منه عقلاً أو عادة.

وفيه - مضافاً إلى ما عرفت من رجوع الشرط الشرعي إلى العقلي - أنه لا يكاد يتعلق الأمر الغيري إلا بما هو مقدمة الواجب، فلو كانت مقدميته متوقفة على تعلقه بها لدار، والشرطية وإن كانت منتزعة عن التكليف، إلا أنه عن التكليف النفسي المتعلق بما قيّد بالشرط، لا عن الغيري، فافهم.

تتمة : لا شبهة في أن مقدمة المستحب كمقدمة الواجب، فتكون مستحبة - لو قيل بالملازمة - وأما مقدمة الحرام والمكروه فلا تكاد تتصف بالحرمة أو الكراهة، إذ منها ما يتمكن معه من ترك الحرام أو المكروه اختياراً، كما كان متمكناً قبله، فلا دخل له أصلاً في حصول ما هو المطلوب من ترك الحرام أو المكروه، فلم يترشح من طلبه طلب ترك مقدمتهما، نعم ما لا يتمكن معه من الترك المطلوب، لا محالة يكون مطلوب الترك، ويترشح من طلب تركهما طلب ترك خصوص هذه المقدمة، فلو لم يكن للحرام مقدمة لا يبقى

____________________

(١) المصدر المتقدم / ٣٥٤، القول الرابع في وجوب المقدمة.

١٢٨

معها اختيار تركه لما اتصف بالحرمة مقدمة من مقدماته.

لايقال: كيف؟ ولا يكاد يكون فعل إلا عن مقدمة لامحالة معها يوجد، ضرورة أن الشيء مالم يجب لم يوجد.

فإنه يقال: نعم لا محالة يكون من جملتها ما يجب معه صدور الحرام، لكنه لا يلزم أن يكون ذلك من المقدمات الاختيارية، بل من المقدمات الغير الاختيارية، كمبادئ الاختيار التي لا تكون بالاختيار، والا لتسلسل، فلا تغفل، وتأمل.

فصل

الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده، أو لا؟

وفيه أقوال، وتحقيق الحال يستدعي رسم أمور:

الأول : الاقتضاء في العنوان أعم من أن يكون بنحو العينية، أو الجزئية، أو اللزوم من جهة التلازم بين طلب أحد الضدين، وطلب ترك الآخر، أو المقدمية على ما سيظهر، كما أن المراد بالضد هاهنا، هو مطلق المعاند والمنافي وجودياً كان أو عدمياً.

الثاني : إن الجهة المبحوثة عنها في المسألة، وإن كانت أنه هل يكون للأمر اقتضاء بنحو من الأنحاء المذكورة، إلا أنه لما كان عمدة القائلين بالاقتضاء في الضد الخاص، إنما ذهبوا إليه لأجل توهم مقدمية ترك الضد، كان المهم صرف عنان الكلام في المقام إلى بيان الحال وتحقيق المقال، في المقدمية وعدمها، فنقول وعلى الله الاتكال:

إن توهم توقف الشيء على ترك ضده، ليس إلا من جهة المضادة والمعاندة بين الوجودين، وقضيتها الممانعة بينهما، ومن الواضحات أن عدم

١٢٩

المانع من المقدمات.

وهو توهم فاسد؛ وذلك لأن المعاندة والمنافرة بين الشيئين، لا تقتضي إلا عدم اجتماعهما في التحقّق، وحيث لا منافاة أصلاً بين أحد العينين وما هو نقيض الآخر وبديله، بل بينهما كمال الملاء‌مة، كان أحد العينين مع نقيض الآخر وما هو بديله في مرتبة واحدة من دون أن يكون في البين ما يقتضي تقدم أحدهما على الآخر، كما لا يخفى.

فكما أن قضية المنافاة بين المتناقضين لا تقتضي تقدم ارتفاع أحدهما في ثبوت الآخر، كذلك في المتضادين، كيف؟ ولو اقتضى التضاد توقف وجود الشيء على عدم ضده، توقف الشيء على عدم مانعه، لاقتضى توقف عدم الضد على وجود الشيء توقف عدم الشيء على مانعه، بداهية ثبوت المانعية في الطرفين، وكون المطاردة من الجانبين، وهو دور(١) واضح.

وما قيل (٢) في التفصي عن هذا الدور بأن التوقف من طرف الوجود فعلي، بخلاف التوقف من طرف العدم، فإنه بتوقف على فرض ثبوت المقتضي له، مع شراشر شرائطه غير عدم وجود ضده، ولعله كان محالاً، لأجل انتهاء عدم وجود أحد الضدين مع وجود الآخر إلى عدم تعلق الإرادة الأزلية به، وتعلقها بالآخر حسب ما اقتضته الحكمة البالغة، فيكون العدم دائماً مستنداً إلى عدم المقتضي، فلا يكاد يكون مستنداً إلى وجود المانع، كي يلزم الدور.

إن قلت: هذا إذا لوحظا منتهيين إلى إرادة شخص واحد، وأما إذا كان كل منهما متعلقاً لإرادة شخص، فأراد مثلاً أحد الشخصين حركة شيء، وأراد الآخر سكونه، فيكون المقتضي لكل منهما حينئذ موجوداً، فالعدم - لا محالة - يكون فعلاً مستنداً إلى وجود المانع.

____________________

(١) راجع هداية المسترشدين / ٢٣٠ عند قوله: ثانيها.

(٢) المتفصي هو المحقق الخوانساريقدس‌سره على ما في مطارح الأنظار / ١٠٩.

١٣٠

قلت: هاهنا أيضاً مستند إلى عدم قدرة المغلوب منهما في إرادته، وهي مما لابد منه في وجود المراد، ولا يكاد يكون بمجرد الإرادة بدونها لا إلى وجود الضد، لكونه مسبوقاً بعدم قدرته - كما لا يخفى -غير سديد ، فإنه وإن كان قد ارتفع به الدور، إلا أنه غائلة لزوم توقف الشيء على ما يصلح أن يتوقف عليه على حالها، لاستحالة أن يكون الشيء الصالح لأن يكون موقوفا عليه [الشيء](١) موقوفا عليه، ضرورة أنه لو كان في مرتبة يصلح لأن يستند إليه، لما كاد يصح أن يستند فعلاً إليه.

والمنع عن صلوحه لذلك بدعوى: أن قضية كون العدم مستنداً إلى وجود الضد، لو كان مجتمعاً مع وجود المقتضي، وإن كانت صادقة، إلا أن صدقها لا يقتضي كون الضد صالحاً لذلك، لعدم اقتضاء صدق الشرطية صدق طرفيها،مساوق (٢) لمنع مانعية الضد، وهو يوجب رفع التوقف رأساً من البين؛ ضرورة أنه لا منشأ لتوهم توقف أحد الضدين على عدم الآخر، إلا توهّم مانعية الضد - كما أشرنا إليه - وصلوحه لها.

إن قلت: التمانع بين الضدين كالنار على المنار، بل كالشمس في رابعة النهار، وكذا كون عدم المانع مما يتوقف عليه، مما لا يقبل الإنكار، فليس ما ذكر إلا شبهة في مقابل البديهة.

____________________

(١) أثبتناها من «ب».

(٢) مع أن حديث عدم اقتضاء صدق الشرطية لصدق طرفيها، وإن كان صحيحاً، إلا أن الشرطية - هاهنا - غير صحيحة، فإن وجود المقتضي لضد، لا يستلزم بوجه استناد عدمه إلى ضده، ولا يكون الاستناد مترتباً على وجوده؛ ضرورة أن المقتضي لا يكاد يقتضي وجود ما يمنع عما يقتضيه أصلاً كما لا يخفى، فليكن المقتضي لاستناد عدم الضد إلى وجود ضده فعلاً عند ثبوت مقتضي وجوده، هي الخصوصية التي فيه الموجبة للمنع عن اقتضاء مقتضيه، كما هو الحال في كل مانع، وليست في الضد تلك الخصوصية، كيف؟ وقد عرفت أنه لا يكاد يكون مانعاً إلا على وجه دائر، نعم إنّما المانع عن الضد هو العلة التامة لضدّه، لاقتضائها ما يعانده وينافيه، فيكون عدمه كوجود ضدّه مستنداً إليها، فافهم (منهقدس‌سره ).

١٣١

قلت: التمانع بمعنى التنافي والتعاند الموجب لاستحالة الاجتماع مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه، إلا أنه لا يقتضي إلا امتناع الاجتماع، وعدم وجود أحدهما إلا مع عدم الأخر، الذي هو بديل وجوده المعاند له، فيكون في مرتبته لا مقدّماً عليه ولو طبعاً، والمانع الذي يكون موقوفا على عدمه(١) الوجود هو ماكان ينافي ويزاحم المقتضي في تأثيره، لا ما يُعاند الشيء ويزاحمه في وجوده.

نعم العلة التامة لأحد الضدين، ربما تكون مانعاً عن الآخر، ومزاحماً لمقتضيه في تأثيره، مثلاً تكون شدة الشفقة على الولد الغريق وكثرة المحبة له، تمنع عن أن يؤثر ما في الأخ الغريق من المحبة والشفقة، لإرادة إنقاذه مع المزاحمة فينقذ به الولد دونه، فتأمل جيداً.

ومما ذكرنا ظهر أنه لا فرق بين الضد الموجود والمعدوم، في أن عدمه الملائم للشيء المناقض لوجوده المعاند لذاك، لابد أن يجامع معه من غير مقتضٍ لسبقه، بل عرفت ما يقتضي عدم سبقه.

فانقدح بذلك ما في تفصيل بعض الأعلام(٢) ، حيث قال بالتوقف على رفع الضد الموجود، وعدم التوقف على عدم الضد المعدوم، فتأمل في أطراف ماذكرناه، فإنه دقيق وبذلك حقيق.

فقد ظهر عدم حرمة الضد من جهة المقدمية.

وأما من جهة لزوم عدم اختلاف المتلازمين في الوجود، في الحكم، فغايته أن لا يكون أحدهما فعلاً محكوماً بغير ما حكم به الآخر، لا أن يكون محكوماً بحكمه.

وعدم خلو الواقعة عن الحكم، فهو إنما يكون بحسب الحكم الواقعي لا الفعلي، فلا حرمة للضد من هذه الجهة أيضاً، بل على ما هو عليه، لولا

____________________

(١) الصحيح ما أثبتناه وفي «ب» موقوفاً عليه.

(٢) هو المحقق الخونساري، راجع مطارح الأنظار / ١٠٩.

١٣٢

الابتلاء بالمضادّة للواجب الفعلي، من الحكم الواقعي.

الأمر الثالث : إنه قيل(١) بدلالة الأمر بالشيء بالتضمن على النهي عن الضد العام، بمعنى الترك، حيث أنه يدل على الوجوب المركب من طلب الفعل والمنع عن الترك.

والتحقيق أنه لا يكون الوجوب إلا طلباً بسيطاً، ومرتبة وحيدة أكيدة من الطلب، لا مركباً من طلبين، نعم في مقام تحديد تلك المرتبة وتعيينها، ربما يقال: الوجوب يكون عبارة من طلب الفعل مع المنع عن الترك، ويتخيل منه أنه يذكر له حداً، فالمنع عن الترك ليس من أجزاء الوجوب ومقوماته، بل من خواصه ولوازمه، بمعنى أنه لو التفت الآمر إلى الترك لما كان راضياً به لا محالة، وكان يبغضه البتة.

ومن هنا انقدح أنه لا وجه لدعوى العينية، ضرورة أن اللزوم يقتضي الاثنينية، لا الاتحاد والعينية.

نعم لا بأس بها، بأن يكون المراد بها أنه يكون هناك طلب واحد، وهو كما يكون حقيقة منسوباً إلى الوجود وبعثاً إليه، كذلك يصح أن ينسب إلى الترك بالعرض والمجاز ويكون زجراً وردعاً عنه، فافهم.

الأمر الرابع : تظهر الثمرة في أن نتيجة المسألة، وهي النهي عن الضد بناء على الاقتضاء، بضميمة أن النهي في العبادات يقتضي الفساد، يتنج فساده إذا كان عبادة.

وعن البهائيرحمه‌الله (٢) أنه أنكر الثمرة، بدعوى أنه لا يحتاج في استنتاج الفساد إلى النهي عن الضد، بل يكفي عدم الأمر به، لاحتياج العبادة إلى الأمر.

____________________

(١) القائل هو صاحب المعالم، المعالم / ٦٣.

(٢) زبدة الأصول / ٨٢، مخطوط.

١٣٣

وفيه: إنه يكفي مجرد الرجحان والمحبوبية للمولى، كي يصح أن يتقرب به منه، كما لا يخفى، والضدّ بناءً على عدم حرمته يكون كذلك، فإن المزاحمة على هذا لا يوجب إلا ارتفاع الأمر المتعلق به فعلاً، مع بقائه على ما هو عليه من ملاكه من المصلحة، كما هو مذهب العدلية، أو غيرها أيّ شيء كان، كما هو مذهب الأشاعرة، وعدم حدوث ما يوجب مبغوضيته وخروجه عن قابلية التقرب به كما حدث، بناءً على الاقتضاء.

ثم إنه تصدى جماعة من الأفاضل(١) ، لتصحيح الأمر بالضد بنحو الترتب على العصيان، وعدم إطاعة الأمر بالشيء بنحو الشرط المتأخر، أو البناء على معصيته(٢) بنحو الشرط المتقدم، أو المقارن، بدعوى أنه لا مانع عقلاً عن تعلق الأمر بالضدين كذلك، أي بأن يكون الأمر بالأهم مطلقاً، والأمر بغيره معلقاً على عصيان ذاك الأمر، أو البناء والعزم عليه، بل هو واقع كثيراً عرفاً.

قلت: ما هو ملاك استحالة طلب الضدين في عرض واحد، آتٍ في طلبهما كذلك، فإنه وإن لم يكن في مرتبة طلب الأهم اجتماع طلبهما، إلا أنه كان في مرتبة الأمر بغيره اجتماعهما، بداهة فعلية الأمر بالأهم في هذه المرتبة، وعدم سقوطه بعدُ بمجرد المعصية فيما بعد ما لم يعص، أو العزم عليها مع فعلية الأمر بغيره أيضاً، لتحقق ما هو شرط فعليته فرضاً.

لا يقال: نعم لكنه بسوء اختيار المكلف حيق يعصي فيما بعدُ بالاختيار، فلولاه لما كان متوجهاً إليه إلا الطلب بالأهم، ولا برهان على امتناع الاجتماع، إذا كان بسوء الاختيار.

فإنه يقال: استحالة طلب الضدين، ليس إلا لأجل استحالة طلب المحال، واستحالة طلبه من الحكيم الملتفت إلى محاليته، لا تختص بحال دون

____________________

(١) منهم صاحب كشف الغطاء، كشف الغطاء / ٢٧، البحث الثامن عشر.

(٢) في «ب» معصية، وفي بعض النسخ المطبوعة «المعصية».

١٣٤

حال، وإلا لصح فيما علق على أمر اختياريّ في عرض واحد، بلا حاجة في تصحيحه إلى الترتب، مع أنه محال بلا ريب ولا إشكال.

إن قلت: فرق بين الاجتماع في عرض واحد والاجتماع كذلك، فإن الطلب في كلّ منهما في الأول يطارد الآخر، بخلافه في الثاني، فإن الطلب بغير الأهم لا يطارد طلب الأهم، فإنه يكون على تقدير عدم الإتيان بالأهم، فلا يكاد يريد غيره على تقدير إتيانه، وعدم عصيان أمره.

قلت: ليت شعري كيف لا يطارده الأمر بغير الأهم؟ وهل يكون طرده له إلا من جهة فعليته، ومضادة متعلقه للأهم؟ والمفروض فعليته، ومضادّة متعلقه له.

وعدم إرادة غير الأهم على تقدير الإتيان به لا يوجب عدم طرده لطلبه مع تحققه، على تقدير عدم الإتيان به وعصيان أمره، فيلزم اجتماعهما على هذا التقدير، مع ما هما عليه من المطاردة، من جهة المضادّة بين المتعلقين، مع أنه يكفي الطرد من طرف الأمر بالأهم، فإنه على هذا الحال يكون طارداً لطلب الضد، كما كان في غير هذا الحال، فلا يكون له معه أصلاً بمجال.

إن قلت: فما الحيلة فيما وقع كذلك من طلب الضدين في العرفيات؟

قلت: لا يخلو: إما أن يكون الأمر بغير الأهم، بعد التجاوز عن الأمر به وطلبه حقيقة.

وإمّا أن يكون الأمر به إرشاداً إلى محبوبيته وبقائه على ما هو عليه من المصلحة والغرض لولا المزاحمة، وأن الإتيان به يوجب استحقاق المثوبة فيذهب بها بعض ما استحقه من العقوبة على مخالفة الأمر بالأهم، لا أنه أمر مولوي فعلي كالأمر به، فافهم وتامل جيداً.

ثم إنه لا أظن أن يلتزم القائل بالترتب، بما هو لازمه من الاستحقاق في

١٣٥

صورة مخالفة الأمرين لعقوبتين، ضرورة قبح العقاب على ما لا يقدر عليه العبد، ولذا كان سيدنا الأستاذقدس‌سره (١) لا يلتزم به - على ما هو ببالي - وكنا نورد به على الترتب، وكان بصدد تصحيحه، فقد ظهر أنه لا وجه لصحة العبادة، مع مضادتها لما هو أهم منها، إلا ملاك الأمر.

نعم فيما إذا كانت موسعة، وكانت مزاحمة بالأهم ببعض الوقت، لا في تمامه، يمكن أن يقال: إنه حيث كان الأمر بها على حاله، وإن صارت مضيقة بخروج ما زاحمه الأهم من أفرادها من تحتها، أمكن أن يؤتى بما زوحم منها بداعي ذاك الأمر، فإنه وإن كان خارجاً عن تحتها بما هي مأمور بها، إلا أنه لما كان وافياً بغرضها كالباقي تحتها، كان عقلاً مثله في الإتيان به في مقام الامتثال، والإتيان به بداعي ذاك الأمر، بلا تفاوت في نظره بينهما أصلاً.

ودعوى أن الأمر لا يكاد يدعو إلا إلى ما هو من أفراد الطبيعة المأمور بها، وما زوحم منها بالأهم، وإن كان من أفراد الطبيعة، لكنه ليس من أفرادها بما هي مأمور بها،فاسدة ، فإنه إنما يوجب ذلك، إذا كان خروجه عنها بما هي كذلك تخصيصاً لا مزاحمة، فإنه معها وإن كان لا تعمه الطبيعة المأمور بها، إلا أنه ليس لقصور فيه، بل لعدم إمكان تعلق الأمر بما تعمه عقلاً، وعلى كل حال، فالعقل لا يرى تفاوتاً في مقام الامتثال وإطاعة الأمر بها، بين هذا الفرد وسائر الافراد أصلاً.

____________________

(١) هو آية الله مجدد المذهب الحاج ميرزا محمد حسن بن السيد ميرزا محمود الحسيني الشيرازي ولد في ١٥ ج ١ ١٢٣٠، حضر درس المحقق السيد حسن المدرس والمحقق الكلباسي قصد العراق عام ١٢٥٩، حضر الأندية العلمية، اختصّ في التلمذة والحضور بأبحاث المحقق الأنصاري، عين مرجعاً بعده، حجّ سنة ١٢٨٨، وهاجر إلى سامراء شعبان سنة ١٢٩١ ثم تبعه تلاميذه، أخذ منه كثير من فحول العلماء، منهم: آقا رضا الهمداني والشيخ فضل الله النوري والآخوند الخراساني، توفي ليلة الأربعاء ٢٤ شعبان ١٣١٢ ه‍.

(الكنى والألقاب ٣ / ١٨٤)

١٣٦

هذا على القول بكون الأوامر متعلقة بالطبائع.

وأما بناء على تعلقها بالأفراد فكذلك، وإن كان جريانه عليه أخفى، كما لايخفى، فتأمل.

ثم لا يخفى أنه بناءً على إمكان الترتب وصحته، لابد من الالتزام بوقوعه، من دون انتطار دليل آخر عليه، وذلك لوضوح أن المزاحمة على صحة الترتب لا تقتضي عقلاً إلا امتنع الاجتماع في عرض واحد، لا كذلك، فلو قيل بلزوم الأمر في صحة العبادة: ولم يكن في الملاك كفاية، كانت العبادة مع ترك الأهم صحيحة لثبوت الأمر بها في هذا الحال، كما إذا لم تكن هناك مضادة.

فصل

لا يجوز أمر الآمر، مع علمه بانتفاء شرطه، خلافاً لما نسب(١) إلى أكثر مخالفينا(٢) ، ضرورة أنه لا يكاد يكون الشيء مع عدم علته، كما هو المفروض هاهنا، فإن الشرط من أجزائها، انحلال المركب بانحلال بعض أجزائه مما لا يخفى، وكون الجواز في العنوان بمعنى الإمكان الذاتي بعيد عن محل الخلاف بين الأعلام.

نعم لو كان المراد من لفظ الأمر، الأمر ببعض مراتبه، ومن الضمير الراجع إليه بعض مراتبه الأخر، بأن يكون النزاع في أن أمر الآمر يجوز إنشاءً مع علمه بانتفاء شرطه، بمرتبة فعلية.

وبعبارة أخرى: كان النزاع في جواز إنشائه مع العلم بعدم بلوغه إلى المرتبة الفعلية لعدم شرطه،لكان جائزاً ، وفي وقوعه في الشرعيات والعرفيات

____________________

(١) كما في معالم الأصول / ٨٥، وقوانين الأصول / ١٢٥.

(٢) راجع شرح مختصر الأصول للعضدي / ١٠٧، وتيسير التحرير ٢ / ٢٤٠.

١٣٧

غنى وكفاية، ولا يحتاج معه إلى مزيد بيان أو مؤونة برهان.

وقد عرفت سابقاً(١) أن داعي إنشاء الطلب، لا ينحصر بالبعث و التحريك جداً حقيقة، بل قد يكون صورياً امتحاناً، وربما يكون غير ذلك.

ومنع كونه أمراً إذا لم يكن بداعي البعث جداً واقعاً، وإن كان في محله، إلا أن إطلاق الأمر عليه، إذا كانت هناك قرينة على أنه بداعٍ آخر غير البعث توسعاً، مما لا بأس به أصلاً، كما لا يخفى.

وقد ظهر بذلك حال ما ذكره الأعلام في المقام من النقض والإبرام، وربما يقع به التصالح بين الجانبين ويرتفع النزاع من البين، فتأمل جيداً.

فصل

الحق أن الأوامر والنواهي تكون متعلقة بالطبائع دون الأفراد، ولا يخفى أن المراد أن متعلق الطلب في الأوامر هو صرف الإيجاد، كما أن متعلقه في النواهي هو محض الترك، ومتعلقهما هو نفس الطبيعة المحدودة بحدود والمقيدة بقيود، تكون بها موافقة للغرض والمقصود، من دون تعلق غرض بإحدى الخصوصيات اللازمة للوجودات، بحيث لو كان الانفكاك عنها بأسرها ممكناً، لما كان ذلك مما يضر بالمقصود أصلاً، كما هو الحال في القضية الطبيعية في غير الأحكام، بل في المحصورة، على ما حقق في غير المقام.

وفي مراجعة الوجدان للإنسان غنى وكفاية عن إقامة البرهان على ذلك، حيث يرى إذا راجعه أنه لا غرض له في مطلوباته إلا نفس الطبائع، ولا نظر له إلا إليها من دون نظر إلى خصوصياتها الخارجية، وعوارضها العينية، وإن نفس وجودها السعي بما هو وجودها تمام المطلوب، وإن كان ذاك الوجود

____________________

(١) في المقصد الأول، الفصل الثاني، المبحث الأول صفحة / ٦٩.

١٣٨

لا يكاد ينفك في الخارج عن الخصوصية.

فانقدح بذلك أن المراد بتعلق الأوامر بالطبائع دون الأفراد، انها بوجودها السعي بما هو وجودها قبالاً لخصوص الوجود، متعلقة للطلب، لا أنها بما هي هي كانت متعلقة له، كما ربما يتوهم، فإنها كذلك ليست إلا هي، نعم هي كذلك تكون متعلقة للأمر، فإنه طلب الوجود، فافهم.

دفع وهم : لا يخفى أن كون وجود الطبيعة أو الفرد متعلقاً للطلب، إنما يكون بمعنى أن الطالب يريد صدور الوجود من العبد، وجعله بسيطاً الذي هو مفاد كان التامة، وإفاضته، لا أنه يريد ما هو صادر وثابت في الخارج كي يلزم طلب الحاصل، كما توهم، ولا جعل الطلب متعلقا بنفس الطبيعة، وقد جعل وجودها غاية لطلبها.

وقد عرفت أن الطبيعة بما هي هي ليست إلا هي، لا يعقل أن يتعلق بها طلب لتوجد أو تترك، وأنه لابد في تعلق الطلب من لحاظ الوجود أو العدم معها، فيلاحظ وجودها فيطلبه ويبعث إليه، كي يكون ويصدر منه، هذا بناءً على أصالة الوجود.

وأما بناءً على أصالة الماهية، فمتعلق الطلب ليس هو الطبيعة بما هي أيضاً، بل بما هي بنفسها في الخارج، فيطلبها كذلك لكي يجعلها بنفسها من الخارجيات والأعيان الثابتات، لا بوجودها كما كان الأمر بالعكس على أصالة الوجود.

وكيف كان فيلحظ الآمر ما هو المقصود من الماهية الخارجية أو الوجود، فيطلبه ويبعث نحوه ليصدر منه ويكون ما لم يكن، فافهم وتأمل جيداً.

فصل

إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل الناسخ ولا المنسوخ على بقاء الجواز

١٣٩

بالمعنى الأعم، ولا بالمعنى الأخص، كما لا دلالة لهما على ثبوت غيره من الأحكام، ضرورة أن ثبوت كل واحد من الأحكام الأربعة الباقية بعد ارتفاع الوجوب واقعاً ممكن، ولا دلالة لواحد من دليلي الناسخ والمنسوخ - بإحدى الدلالات - على تعيين واحد منها، كما هو أوضح من أن يخفى، فلابد للتعيين من دليل آخر، ولا مجال لاستصحاب الجواز، إلا بناءً على جريانه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكليّ، وهو ما إذا شك في حدوث فرد كلّي مقارناً لارتفاع فرده الآخر، وقد حققنا في محله(١) ، أنه لا يجري الاستصحاب فيه، ما لم يكن الحادث المشكوك من المراتب القوية أو الضعيفة المتصلة بالمرتفع، بحيث عد عرفاً - لو كان - أنه باق، لا أنه أمر حادث غيره.

ومن المعلوم أن كل واحد من الأحكام مع الآخر عقلاً وعرفاً، من المباينات والمتضادات، غير الوجوب والاستحباب، فإنه وإن كان بينهما التفاوت بالمرتبة والشدة والضعف عقلاً إلا أنهما متباينان عرفاً، فلا مجال للاستصحاب إذا شك في تبدل أحدهما بالآخر، فإن حكم العرف ونظره يكون متّبعاً في هذا الباب.

فصل

إذا تعلق الأمر بأحد(٢) الشيئين أو الأشياء، ففي وجوب كل واحد على التخيير، بمعنى عدم جواز تركه إلا إلى بدل، أو وجوب الواحد بعينه، أو وجوب كل منهما مع السقوط بفعل أحدهما، أو وجوب لمعيّن عند الله، أقوال.

والتحقيق أن يقال: إنه إن كان الأمر بأحد الشيئين، بملاك أنه هناك غرض واحد يقوم به كل واحد منهما، بحيث إذا أتى بأحدهما حصل به تمام

____________________

(١) في التنبيه الثالث من تنبيهات الاستصحاب / ٤٠٦.

(٢) في «ب» باحدى.

١٤٠