كفاية الأصول

كفاية الأصول0%

كفاية الأصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 521

كفاية الأصول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد كاظم الخراسانى
تصنيف: الصفحات: 521
المشاهدات: 49535
تحميل: 16001

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 521 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49535 / تحميل: 16001
الحجم الحجم الحجم
كفاية الأصول

كفاية الأصول

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الذكر، وإنما يروي ما سمعه أو رآه، فافهم.

ومنها: آية الأُذن( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (١) فإنه تبارك وتعالى مدح نبيه بأنه يصدّق المؤمنين، وقرنه بتصديقه تعالى.

وفيه: أوّلاً: إنه إنما مدحه بأنه أذن، وهو سريع القطع، لا الأخذ بقول الغير تعبداً.

وثانياً: إنه إنما المراد بتصديقه للمؤمنين، هو ترتيب خصوص الآثار التي تنفعهم ولا تضر غيرهم، لا التصديق بترتيب جميع الآثار، كما هو المطلوب في باب حجية الخبر، ويظهر ذلك من تصديقه للنمّام بأنه ما نمه، وتصديقه لله تعالى بأنه نمّه، كما هو المراد من التصديق في قولهعليه‌السلام : (فصدقه وكذبهم)، حيث قال - على ما في الخبر(٢) -: (يا محمد(٣) كذب سمعك وبصرك عن أخيك: فإن شهد عندك خمسون قسامة أنه قال قولاً، وقال: لم أقله، فصدّقه وكذّبهم) فيكون مراده تصديقه بما ينفعه ولا يضرّهم، وتكذيبهم فيما يضرّه ولا ينفعهم، وإلا فكيف يحكم بتصديق الواحد وتكذيب خمسين؟ وهكذا المراد بتصديق المؤمنين في قصة إسماعيل(٤) ، فتأمل جيداً.

فصل

في الأخبار التي دلت على اعتبار أخبار الآحاد.

وهي وإن كانت طوائف كثيرة، كما يظهر من مراجعة الوسائل(٥) وغيرها،

____________________

(١) التوبة: ٦١.

(٢) عقاب الأعمال / ٢٩٥، الحديث ١، الكافي ٨ / ١٤٧، الحديث ١٢٥.

(٣) في «أ و ب»: يا أبا محمد والصحيح ما أثبتناه، لأنه خطاب لمحمد بن فضيل المكنى بأبي جعفر.

(٤) الكافي ٥ / ٢٩٩، باب حفظ المال وكراهة الاضاعة من كتاب المعيشة، الحديث ١.

(٥) الوسائل ١٨: ٧٢ الباب ٨ من أبواب صفات القاضي والباب ٩، الحديث ٥ والباب ١١، =

٣٠١

إلا أنه يشكل الاستدلال بها على حجية أخبار الآحاد بأنها أخبار آحاد، فإنها غير متفقة على لفظ ولا على معنى، فتكون متواترة لفظاً أو معنى.

ولكنه مندفع بأنها وإن كانت كذلك، إلا أنها متواترة إجمالاً، ضرورة أنه يعلم إجمالاً بصدور بعضها منهمعليهم‌السلام ، وقضيته وإن كان حجية خبر دلّ على حجّيته أخصها مضموناً(١) إلا أنه يتعدى عنه فيما إذا كان بينها ما كان بهذه الخصوصية، وقد دل على حجية ما كان أعم، فافهم.

فصل

في الإجماع على حجية الخبر.

وتقريره من وجوه:

أحدها : دعوى الإجماع من تتبع فتاوى الأصحاب على الحجية من زماننا إلى زمان الشيخ، فيكشف رضاهعليه‌السلام بذلك، ويقطع به، أو من تتبع الإجماعات المنقولة على الحجية، ولا يخفى مجازفة هذه الدعوى؛ لاختلاف الفتاوى فيما أخذ في اعتباره من الخصوصيات، ومعه لا مجال لتحصيل القطع برضائهعليه‌السلام من تتبعها، وهكذا حال تتبع الإجماعات المنقولة، اللهم إلا أن يدعى تواطؤها على الحجية في الجملة، وإنما الاختلاف في الخصوصيات المعتبرة فيها، ولكن دون إثباته خرط القتاد.

ثانيها : دعوى اتفاق العلماء عملاً - بل كافة المسلمين - على العمل بخبر الواحد في أمورهم الشرعية، كما يظهر من أخذ فتاوى المجتهدين من الناقلين لها.

____________________

= الحديث ٤ و ٤٠.

(١) في الحقائق ٢: ١٣٢، وإن كان حجية خبر أخصها مضموناً... الخ.

٣٠٢

وفيه: مضافاً إلى ما عرفت مما يرد على الوجه الأول، أنه لو سلّم اتفاقهم على ذلك، لم يحرز أنّهم اتفقوا بما هم مسلمون ومتديّنون بهذا الدين، أو بما هم عقلاء ولو لم يلتزموا بدين، كما هو لا يزالون يعملون بها في غير الأمور الدينية من الأمور العادية، فيرجع إلى ثالث الوجوه، وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء من ذوي الأديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة، واستمرت إلى زماننا، ولم يردع عنه نبي ولا وصيّ نبي، ضرورة أنه لو كان لاشتهر وبان، ومن الواضح أنه يكشف عن رضاء الشارع به في الشرعيات أيضاً.

إن قلت: يكفي في الردع الآيات الناهية، والروايات المانعة عن اتباع غير العلم، وناهيك قوله تعالى:( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (١) ، وقوله تعالى:( وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) (٢) .

قلت: لا يكاد يكفي تلك الآيات في ذلك، فإنه - مضافاً إلى أنها وردت إرشاداً إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين، ولو سلم فإنما المتيقن لو لا أنه المنصرف إليه إطلاقها هو خصوص الظن الذي لم يقم على اعتباره حجة - لا يكاد يكون الردع بها إلا على وجه دائر، وذلك لأن الردع بها يتوقف على عدم تخصيص عمومها، أو تقييد إطلاقها بالسيرة على اعتبار خبر الثقة، وهو يتوقف على الردع عنها بها، وإلا لكانت مخصصة أو مقيدة لها، كما لا يخفى.

لا يقال: على هذا لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضاً، إلا على وجه دائر، فإنّ اعتباره بها فعلاً يتوقف على عدم الردع بها عنها، وهو يتوقف على تخصيصها بها، وهو يتوقف على عدم الردع بها عنها.

فإنه يقال: إنما يكفي في حجيته بها عدم ثبوت الردع عنها، لعدم نهوض ما يصلح لردعها، كما يكفي في تخصيصها لها ذلك، كما لا يخفى، ضرورة أن ما

____________________

(١) الإسراء: ٣٦.

(٢) النجم: ٢٨.

٣٠٣

جرت عليه السيرة المستمرة في مقام الإطاعة والمعصية، وفي استحقاق العقوبة بالمخالفة، وعدم استحقاقها مع الموافقة، ولو في صورة المخالفة عن الواقع(١) ، يكون عقلاً في الشرع متّبعاً ما لم ينهض دليل على المنع عن اتباعه في الشرعيات، فافهم وتأمل.(٢)

فصل

في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر(٣) الواحد.

أحدها : إنه يعلم إجمالاً بصدور كثير مما بأيدينا من الأخبار من الأئمة الأطهارعليهم‌السلام بمقدار وافٍ بمعظم الفقه، بحيث لو علم تفصيلاً ذاك المقدار لا نحل علمنا الإجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الأمارات إلى

____________________

(١) الصواب: المخالفة للواقع.

(٢) قولنا: (فافهم وتأمل) إشارة إلى كون خبر الثقة متبعاً، ولو قيل بسقوط كل من السيرة والإطلاق عن الاعتبار، بسبب دوران الأمر بين ردعها به وتقييده بها، وذلك لأجل استصحاب حجيّته الثابتة قبل نزول الآيتين.

فان قلت: لا مجال لاحتمال التقييد بها، فإن دليل اعتبارها مغيّى بعدم الردع به عنها، ومعه لا تكون صالحة لتقييد الإطلاق مع صلاحيته للردع عنها، كما لا يخفى.

قلت: الدليل ليس إلّا إمضاء الشارع لها ورضاه بها، المستكشف بعدم الردع عنها في زمان مع إمكانه، وهو غير مغيّى، نعم يمكن أن يكون له واقعاً، وفي علمه تعالى أمد خاص، كحكمه الابتدائي، حيث أنّه ربما يكون له أمر فينسخ، فالردع في الحكم الامضائي ليس إلا كالنسخ في الابتدائي وذلك غير كونه بحسب الدليل مغيّى، كما لا يخفى.

وبالجملة: ليس حال السيرة مع الآيات الناهية إلّا كحال الخاص المقدّم، والعام المؤخر، في دوران الأمر بين التخصيص بالخاص، أو النسخ بالعام، ففيهما يدور الأمر أيضاً بين التخصيص بالسيرة أو الردع بالآيات فافهم (منهقدس‌سره ).

(٣) أثبتناه من هامش نسخة «ب»، وفي «أ»: خبر الواحد.

٣٠٤

العلم التفصيلي بالتكاليف في مضامين الأخبار الصادرة المعلومة تفصيلاً، والشك البدوي في ثبوت التكليف في مورد سائر الأمارات الغير المعتبرة، ولازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع الأخبار المثبتة، وجواز العمل على طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل مثبت له، من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب، بناءً على جريانه في أطراف [ما](١) علم إجمالاً بانتقاض الحالة السابقة في بعضها، أو قيام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه، وإلا لاختص عدم جواز العمل على وفق النافي بما إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال.

وفيه: إنه لا يكاد ينهض على حجية الخبر، بحيث يقدم تخصيصاً أو تقييداً أو ترجيحاً على غيره، من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم، وإن كان يسلم عما أورد عليه(٢) من أن لازمه الاحتياط في سائر الأمارات، لا في خصوص الروايات، لما عرفت من انحلال العلم الإجمالي بينهما بما علم بين الأخبار بالخصوص ولو بالإجمال فتأمل جيّداً.

ثانيها : ما ذكره في الوافية(٣) ، مستدلاً على حجية الأخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة، كالكتب الأربعة، مع عمل جمع به من غير ردّ ظاهر، وهو:

(إنا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة، سيما بالأصول الضرورية، كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والأنكحة ونحوها، مع أن جل أجزائها وشرائطها وموانعها إنما يثبت بالخبر الغير القطعي، بحيث نقطع بخروج حقائق هذه الأمور عن كونها هذه الأمور عند ترك العمل بخبر الواحد، ومن أنكر فإنما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان). انتهى.

وأورد(٤) عليه: أوّلاً: بأن العلم الإجمالي حاصل بوجود الأجزاء والشرائط

____________________

(١) الزيادة من «ب».

(٢) أورده الشيخ على الوجه الأول بتقريره فليلاحظ، فرائد الأصول / ١٠٣.

(٣) الوافية / ٥٧.

(٤) إشارة إلى ما أورده الشيخ (قده)، فرائد الأصول / ١٠٥، في جوابه عن التقرير الثاني من =

٣٠٥

بين جميع الأخبار، لا خصوص الأخبار المشروطة بما ذكره، فاللازم حينئذ: إما الاحتياط، أو العمل بكل ما دلّ على جزئية شيء أو شرطيته(١) .

قلت: يمكن أن يقال: إن العلم الإجمالي وإن كان حاصلاً بين جميع الأخبار، إلا أن العلم بوجود الأخبار الصادرة عنهمعليهم‌السلام بقدر الكفاية بين تلك الطائفة، أو العلم باعتبار طائفة كذلك بينها، يوجب انحلال ذاك العلم الاجمالي، وصيرورة غيره خارجاً عن طرف العلم، كما مرت إليه الإشارة في تقريب الوجه الأول، اللهم إلا أن يمنع عن ذلك، وادعي(٢) عدم الكفاية فيما علم بصدوره أو اعتباره، أو ادعي(٣) العلم بصدور أخبار أخر بين غيرها، فتأمل.

وثانياً: بأن قضيته إنما هو العمل بالأخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية، دون الأخبار النافية لهما.

والأولى أن يورد عليه: بأن قضيته إنما هو الاحتياط بالأخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما، من عموم دليل أو إطلاقه، لا الحجية بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منهما، أو يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت ولو كان أصلاً، كما لا يخفى.

ثالثها : ما أفاده بعض المحققين(٤) بما ملخصه: إنا نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة، فإن تمكنا من الرجوع إليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه، فلابد من الرجوع إليهما كذلك، وإلا فلا

____________________

= دليل العقل.

(١) كذا في النسختين، والموجود في الرسائل: (فاللازم حينئذٍ: إما الاحتياط، والعمل بكل خبر دل على جزئية شيء أو شرطيته، وإما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية أو الشرطية)، راجع فرائد الأصول/١٠٥.

(٢ و ٣) الأولى في الموردين: يدعى.

(٤) هو العلّامة الشيخ محمد تقي الاصفهاني في هداية المسترشدين / ٣٩٧، السادس من وجوه حجية الخبر.

٣٠٦

محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة هذا التكليف، فلو لم يتمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار، فلابد من التنزل إلى الظن بأحدهما.

وفيه: إن قضية بقاء التكليف فعلاً بالرجوع إلى الأخبار الحاكية للسنة، كما صرح بأنها المراد منها في ذيل كلامه - زيد في علو مقامه - إنما هي الاقتصار في الرجوع إلى الأخبار المتيقن الاعتبار، فإن وفى، وإلا أضيف إليه الرجوع إلى ما هو المتيقن اعتباره بالإضافة لو كان، وإلا فالاحتياط بنحو عرفت، لا الرجوع إلى ما ظن اعتباره، وذلك للتمكن من الرجوع علماً تفصيلاً أو إجمالاً، فلا وجه معه من الاكتفاء بالرجوع إلى ما ظن اعتباره.

هذا مع أن مجال المنع عن ثبوت التكليف بالرجوع إلى السنة - بذاك المعنى - فيما لم يعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع.

وأما الإيراد(١) عليه: برجوعه إما إلى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الإجمالي بتكاليف واقعية، وإما إلى الدليل الأول، لو كان ملاكه دعوى العلم بصدور أخبار كثيرة بين ما بأيدينا من الأخبار.

ففيه: إن ملاكه إنما هو دعوى العلم بالتكليف، بالرجوع إلى الروايات في الجملة إلى يوم القيامة، فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.

____________________

(١) المستشكل عليه هو الشيخ (قده)، فرائد الأصول / ١٠٦.

٣٠٧

فصل

في الوجوه(١) التي أقاموها على حجية الظن، وهي أربعة:

الأول : إن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر، ودفع الضرر المظنون لازم.

أما الصغرى، فلأن الظن بوجوب شيء أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة على مخالفته أو الظن بالمفسدة فيها، بناءً على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد.

وأما الكبرى، فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون، ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح(٢) ، لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما، بل يكون التزامه بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو كذلك ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح، مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه، إذا قيل باستقلاله، ولذا أطبق العقلاء عليه، مع خلافهم في استقلاله بالتحسين والتقبيح، فتدبر جيداً.

والصواب في الجواب: هو منع الصغرى، أما العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته، لعدم الملازمة بينه والعقوبة على مخالفته، وإنما الملازمة بين خصوص معصيته واستحقاق العقوبة عليها، لا بين

____________________

(١) ذكر الشيخ (قده) هذه الوجوه أيضاً، فرائد الأصول / ١٠٦.

(٢) هذا رد على الحاجبي: العضدي في شرحه، شرح العضدي على مختصر الأصول: ١ / ١٦٣.

٣٠٨

مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها، وبمجرد(١) الظن به بدون دليل على اعتباره لا يتنجز به، كي يكون مخالفته عصيانه.

إلا أن يقال: إن العقل وإن لم يستقل بتنجزه بمجرده، بحيث يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفته، إلا أنه لا يستقل أيضاً بعدم استحقاقها معه، فيحتمل العقوبة حينئذ على المخالفة، ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظنون قريبة جداً، لا سيما إذا كان هو العقوبة الأخروية، كما لا يخفى.

وأما المفسدة فلأنها وإن كان الظن بالتكليف يوجب الظن بالوقوع فيها لو خالفه، إلا أنها ليست بضرر على كل حال، ضرورة أن كل ما يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله، بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل، بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر عليه أصلاً، كما لا يخفى.

وأما تفويت المصلحة، فلا شبهة في أنه ليس فيه مضرة، بل ربما يكون في استيفائها المضرة، كمافي الإحسان بالمال.

هذا مع منع كون الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في المأمور به(٢) والمنهي عنه(٣) ، بل إنما هي تابعة لمصالح فيها، كما حققناه في بعض فوائدنا(٤) .

وبالجملة: ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال وأنيط بهما الأحكام بمضرة، وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة من الأفعال على القول باستقلاله بذلك، هو كونه ذا ضرر وارد على فاعله أو نفع عائد إليه، ولعمري هذا أوضح من أن يخفى، فلا مجال لقاعدة رفع

____________________

(١) في «ب»: ومجرد.

(٢ و ٣) أنث الضمير في النسخ، والصواب ما أثبتناه.

(٤) الفوائد: ٣٣٧، فائدة في اقتضاءِ الأفعال للمدح والذم، عند قوله: فيمكن أن يكون صورية...ويمكن أن يكون حقيقية. وراجع ما ذكره في حاشيته على الرسائل: ٧٦، عند قوله: مع احتمال عدم كون الأحكام تابعة لهما، بل تابعة لما في انفسهما من المصلحة... الخ.

٣٠٩

الضرر المظنون ها هنا أصلاً، ولا استقلال للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو ترك ما فيه احتمال المصلحة، فافهم.

الثاني : إنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح.

وفيه: إنه لا يكاد يلزم منه ذلك إلا فيما إذا كان الأخذ بالظن أو بطرفه لازماً، مع عدم إمكان الجمع بينهما عقلاً، أو عدم وجوبه شرعاً، ليدور الأمر بين ترجيحه وترجيح طرفه، ولا يكاد يدور الأمر بينهما إلا بمقدمات دليل الانسداد، وإلا كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراء‌ة أو غيرهما على حسب اختلاف الأشخاص أو الأحوال في اختلاف المقدمات، على ما ستطلع على حقيقة الحال.

الثالث : ما عن السيد الطباطبائي(١) قدس‌سره ، من:

إنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات، ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالإتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوماً، وترك ما يحتمل الحرمة كذلك، ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كله، لأنه عسر اكيد وحرج شديد، فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات، لأن الجمع على غير هذا الوجه بإخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشكوكات والموهومات باطل

____________________

(١) هو السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي الحائري، ولد في الكاظمية عام ١١٦١ ه‍ اشتغل على ولد الأستاذ العلّامة ثم اشتغل عند خاله الأستاذ العلامة «وحيد البهبهاني» وبعد مدة قليلة اشتغل بالتصنيف والتدريس والتأليف، له شرحان معروفان على النافع كبير موسوم ب‍ «رياض المسائل» وصغير وغيرهما، ونقل عنه أيضاً أنه كان يحضر درس صاحب الحدائق، وكتب جميع مجلدات الحدائق بخطه الشريف، تخرج عليه صاحب المقابس وصاحب المطالع وصاحب مفتاح الكرامة وشريف العلماء وأمثالهم من الأجلة. توفي سنة ١٢٣١ ه‍ ودفن تقريباً من قبر خاله العلامة (روضات الجنات ٤ / ٣٩٩ الرقم ٤٢٢).

٣١٠

إجماعاً(١) .

ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد، فإنه بعض مقدمات دليل الانسداد، ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته، ومعه لا يكون دليل آخر، بل ذاك الدليل.

الرابع : دليل الانسداد، وهو مؤلف من مقدمات، يستقل العقل مع تحققها بكفاية الإطاعة الظنية حكومة أو كشفاً على ما تعرف، ولا يكاد يستقل بها بدونها، وهي خمس(٢) .

أولها: إنه يعلم إجمالاً بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة.

ثانيها: إنه قد انسد علينا باب العلم والعلمي إلى كثير منها.

ثالثها: إنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلاً.

رابعها: إنه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا، بل لا يجوز في الجملة، كما لا يجوز الرجوع إلى الأصل في المسألة، من استصحاب وتخيير وبراء‌ة واحتياط، ولا إلى فتوى العالم بحكمها.

خامسها: إنه كان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحاً، فيستقل العقل حينئذ بلزوم الإطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة، وإلا لزم - بعد انسداد باب العلم والعلمي بها - إما إهمالها، وإما لزوم الاحتياط في أطرافها، وإما الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة، مع قطع النظر عن العلم بها، أو التقليد فيها، أو الاكتفاء بالإطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية.

____________________

(١) حكى هذا القول الشيخ الأنصاريقدس‌سره في فرائد الأصول / ١١١، نقلاً عن أستاذه شريف العلماء عن أستاذه السيّد الأجل الاقا ميرزا سيد علي الطباطبائيقدس‌سره «صاحب الرياض» في مجلس المذاكرة، كما صرح بذلك العلامة المرحوم الميرزا محمد حسن الاشتيانيقدس‌سره راجع بحر الفوائد ١٨٩.

(٢) الصواب ما أثبتناه وفي النسخ: خمسة.

٣١١

والفرض بطلان كل واحد منها:

أما المقدمة الأولى : فهي وإن كانت بديهية إلا أنه قد عرفت انحلال العلم الإجمالي بما في الأخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام التي تكون فيما بأيدينا، من الروايات في الكتب المعتبرة، ومعه لا موجب للاحتياط إلا في خصوص ما في الروايات، وهو غير مستلزم للعسر فضلاً عما يوجب الاختلال، ولا إجماع على عدم وجوبه، ولو سلم الإجماع على عدم وجوبه لو لم يكن هناك انحلال.

وأما المقدمة الثانية : أما بالنسبة إلى العلم، فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بيّنة وجدانية، يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد.

وأما بالنسبة إلى العلمي، فالظاهر أنها غيرثابتة، لما عرفت من نهوض الأدلة على حجية خبر يوثق بصدقه، وهو بحمد الله وافٍ بمعظم الفقه، لا سيّما بضميمة ما علم تفصيلاً منها، كما لا يخفى.

وأما الثالثة : فهي قطعية، ولو لم نقل بكون العلم الإجمالي منجزاً مطلقاً أو فيما جاز، أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه، كما في المقام حسب ما يأتي، وذلك لأن إهمال معظم الأحكام وعدم الاجتناب كثيراً عن الحرام، مما يقطع بأنه مرغوب عنه شرعاً ومما يلزم تركه إجماعاً.

إن قلت: إذا لم يكن العلم بها منجزاً لها للزوم الاقتحام في بعض الأطراف - كما أشير إليه - فهل كان العقاب على المخالفة في سائر الأطراف - حينئذ - على تقدير المصادفة إلا عقاباً بلا بيان؟ والمؤاخذة عليها إلا مؤاخذة بلا برهان؟!

قلت: هذا إنما يلزم، لو لم يعلم بإيجاب الاحتياط، وقد علم به بنحو اللمّ، حيث علم اهتمام الشارع بمراعاة تكاليفه، بحيث ينافيه عدم إيجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعاة، ولو كان بالالتزام ببعض المحتملات، مع صحة دعوى الاجماع على عدم جواز الإهمال في هذا الحال، وأنه مرغوب عنه شرعاً قطعاً، [وأما

٣١٢

مع استكشافه](١) فلا تكون المؤاخذة والعقاب حينئذ بلا بيان وبلا برهان، كما حققناه في البحث وغيره.

وأما المقدمة الرابعة : فهي بالنسبة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام، فيما يوجب عسره اختلال النظام، وأما فيما لا يوجب، فمحل نظر بل منع، لعدم حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على قاعدة الاحتياط، وذلك لما حققناه(٢) في معنى ما دل على نفي الضرر والعسر، من أن التوفيق بين دليلهما ودليل التكليف أو الوضع المتعلقين بما يعمهما، هو نفيهما عنهما بلسان نفيهما، فلا يكون له حكومة على الاحتياط العسر إذا كان بحكم العقل، لعدم العسر في متعلق التكليف، وإنما هو في الجمع بين محتملاته احتياطاً.

نعم، لو كان معناه نفي الحكم الناشئ من قبله العسر - كما قيل(٣) - لكانت قاعدة نفيه محكمة على قاعدة الاحتياط، لأن العسر حينئذ يكون من قبل التكاليف المجهولة، فتكون منفية بنفيه.

ولا يخفى أنه على هذا لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الاحتياط في بعض الأطراف بعد رفع اليد عن الاحتياط في تمامها، بل لا بد من دعوى وجوبه شرعاً، كما أشرنا إليه في بيان المقدمة الثالثة، فافهم وتأمل جيّداً.

وأما الرجوع إلى الأصول، فبالنسبة إلى الأصول المثبتة من احتياط أو استصحاب مثبت للتكليف، فلا مانع عن إجرائها عقلاً مع حكم العقل وعموم النقل. هذا، ولو قيل بعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي،

____________________

(١) هكذا في «أ» وشطب عليها في «ب».

(٢) تعرض المصنف لقاعدة لا ضرر في ص ٧٢ (الكتاب) فليراجع عند قوله أن الظاهر أن يكون لا لنفي الحقيقة ادعاءً.. وقوله بعد أسطر ثم الحكم الذي أريد نفيه بنفي الضرر... الخ.

(٣) القائل هو الشيخ الأنصاريقدس‌سره انظر، فرائد الأصول / ٣١٤ ورسالة قاعدة نفي الضرر في مكاسبه، المكاسب / ٣٧٢.

٣١٣

لاستلزام شمول دليله لها التناقض في مدلوله، بداهة تناقض حرمة النقض في كل منها بمقتضى (لا تنقض) لوجوبه في البعض، كما هو قضية (ولكن تنقضه بيقين آخر) وذلك لأنه إنما يلزم فيما إذا كان الشك في أطرافه فعلياً.

وأما إذا لم يكن كذلك، بل لم يكن الشك فعلاً إلا في بعض أطرافه، وكان بعض أطرافه الآخر غير ملتفت إليه فعلاً أصلاً، كما هو حال المجتهد في مقام استنباط الأحكام، كما لا يخفى، فلا يكاد يلزم ذلك، فإن قضية (لا تنقض) ليس حينئذ إلا حرمة النقض في خصوص الطرف المشكوك، وليس فيه علم بالانتقاض كي يلزم التناقض في مدلول دليله من شموله له، فافهم.

ومنه قد انقدح ثبوت حكم العقل وعموم النقل بالنسبة إلى الأصول النافية أيضاً، وأنه لا يلزم محذور لزوم التناقض من شمول الدليل لها لو لم يكن هناك مانع عقلاً أو شرعاً من إجرائها، ولا مانع كذلك لو كانت موارد الأصول المثبتة بضميمة ما علم تفصيلاً، أو نهض عليه علمي بمقدار المعلوم إجمالاً، بل بمقدار لم يكن معه مجال لاستكشاف إيجاب الاحتياط، وإن لم يكن بذاك المقدار، ومن الواضح أنه يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال.

وقد ظهر بذلك أن العلم الإجمالي بالتكاليف ربما ينحل ببركة جريان الأصول المثبتة وتلك الضميمة، فلا موجب حينئذ للاحتياط عقلاً ولا شرعاً أصلاً، كما لا يخفى.

كما ظهر أنه لو لم ينحل بذلك، كان خصوص موارد أصول النافية مطلقاً - ولو من مظنونات [عدم](١) التكليف - محلاً للاحتياط فعلاً، ويرفع اليد عنه فيها كلاً أو بعضاً، بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر - على ما عرفت - لا محتملات التكليف مطلقاً.

____________________

(١) أثبتناها من «ب».

٣١٤

وأما الرجوع إلى فتوى العالم فلا يكاد يجوز، ضرورة أنه لا يجوز إلا للجاهل لا للفاضل الذي يرى خطأ من يدعي انفتاح باب العلم أو العلمي، فهل يكون رجوعه إليه بنظره إلا من قبيل رجوع الفاضل إلى الجاهل؟

وأما المقدمة الخامسة : فلاستقلال العقل بها، وأنه لا يجوز التنزل - بعد عدم التمكن من الإطاعة العلمية أو عدم وجوبها - إلا إلى الإطاعة الظنية دون الشكية أو الوهمية، لبداهة مرجوحيّتها بالإضافة إليها، وقبح ترجيح المرجوح على الراجح، لكنك عرفت عدم وصول النوبة إلى الإطاعة الاحتمالية، مع دوران الأمر بين الظنية والشكية أو الوهمية، من جهة ما أوردناه على المقدمة الأولى من انحلال العلم الاجمالي بما في أخبار الكتب المعتبرة، وقضيته الاحتياط بالإلزام عملاً بما فيها من التكاليف، ولا بأس به حيث لا يلزم منه عسر فضلاً عما يوجب اختلال النظام.

وما أوردنا على المقدمة الرابعة من جواز الرجوع إلى الأصول مطلقاً، ولو كانت نافية، لوجود المقتضي وفقد المانع لو كان التكليف في موارد الأصول المثبتة وما علم منه تفصيلاً، أو نهض عليه دليل معتبر بمقدار المعلوم بالإجمال، وإلا فإلى الأصول المثبتة وحدها، وحينئذ كان خصوص موارد الأصول النافية محلاً لحكومة العقل، وترجيح مظنونات التكليف فيها على غيرها، ولو بعد استكشاف وجوب الاحتياط في الجملة شرعاً، بعد عدم وجوب الاحتياط التام شرعاً أو عقلاً - على ما عرفت تفصيله - هذا هو التحقيق على ما يساعد عليه النظر الدقيق، فافهم وتدبر جيداً.

فصل

هل قضية المقدمات على تقدير سلامتها هي حجية الظن بالواقع، أو بالطريق، أو بهما؟ أقوال:

والتحقيق أن يقال: إنه لا شبهة في أن همّ العقل في كل حال إنما هو

٣١٥

تحصيل الأمن من تبعة التكاليف المعلومة، من العقوبة على مخالفتها، كما لا شبهة في استقلاله في تعيين ما هو المؤمّن منها، وفي أن كلّ ما كان القطع به مؤمّناً في حال الانفتاح كان الظن به مؤمّناً حال الانسداد جزماً، وإن المؤمّن في حال الانفتاح هو القطع بإتيان المكلف به الواقعي بما هو كذلك، لا بما هو معلوم ومؤدى الطريق ومتعلق العلم، وهو طريق شرعاً وعقلاً، أو بإتيانه الجعلي؛ وذلك لأن العقل قد استقل بأن الإتيان بالمكلف به الحقيقي بما هو هو، لا بما هو مؤدى الطريق مبرئ للذمة قطعاً.

كيف؟ وقدعرفت أن القطع بنفسه طريق لا يكاد تناله يد الجعل إحداثاً وإمضاءً، إثباتاً ونفياً، ولا يخفى أن قضية ذلك هو التنزل إلى الظن بكل واحد من الواقع والطريق، ولا منشأ لتوهم الاختصاص بالظن بالواقع إلا توهم أنه قضية(١) اختصاص المقدمات بالفروع؛ لعدم انسداد باب العلم في الأصول، وعدم إلجاء في التنزل إلى الظن فيها، والغفلة عن أن جريانها في الفروع موجب لكفاية الظن بالطريق في مقام يحصل الأمن من عقوبة التكاليف، وإن كان باب العلم في غالب الأصول مفتوحاً، وذلك لعدم التفاوت في نظر العقل في ذلك بين الظنين، كما أن منشأ توهم الاختصاص بالظن بالطريق وجهان:

أحدهما: ما أفاده بعض الفحول(٢) وتبعه في الفصول(٣) ، قال فيها:

إنا كما نقطع بأنا مكلفون في زماننا هذا تكليفاً فعلياً بأحكام فرعية كثيرة، لا سبيل لنا بحكم العيان وشهادة الوجدان إلى تحصيل كثير منها بالقطع، ولا بطريق معين يقطع من السمع بحكم الشارع بقيامه، أو قيام طريقه مقام القطع ولو عند تعذره، كذلك نقطع بأن الشارع قد جعل لنا إلى تلك الأحكام طريقاً مخصوصاً،

____________________

(١) في «ب»: قضيته.

(٢) هو العلامة المحقق الشيخ اسد الله الشوشتري، كشف القناع عن وجوه حجية الإجماع / ٤٦٠.

(٣) الفصول / ٢٧٧، مع اختلاف في الألفاظ.

٣١٦

وكلفنا تكليفاً فعلياً بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة، وحيث أنه لا سبيل غالباً إلى تعيينها بالقطع، ولا بطريق يقطع من السمع بقيامه بالخصوص، أو قيام طريقه كذلك مقام القطع ولو بعد تعذره، فلا ريب أن الوظيفة في مثل ذلك بحكم العقل إنما هو الرجوع في تعيين ذلك الطريق إلى الظن الفعلي الذي لا دليل على [عدم](١) حجيته؛ لأنه أقرب إلى العلم، وإلى إصابة الواقع مما عداه.

وفيه: أولاً - بعد تسليم العلم بنصب طرق خاصة باقية فيما بأيدينا من الطرق الغير العلمية، وعدم وجود المتيقن بينها أصلاً - أن قضية ذلك هو الاحتياط في أطراف هذه الطرق المعلومة بالإجمال لا تعيينها بالظن.

لا يقال(٢) : الفرض هو عدم وجوب الاحتياط، بل عدم جوازه، لأنّ الفرض إنما هو عدم وجوب الاحتياط التام في أطراف الأحكام، مما يوجب العسر المخل بالنظام، لا الاحتياط في خصوص ما بأيدينا من الطرق.

فإن قضية هذا الاحتياط هو جواز رفع اليد عنه في غير مواردها، والرجوع إلى الأصل فيها ولو كان نافياً للتكليف، وكذا فيما إذا نهض الكل على نفيه، وكذا فيما إذا تعارض فردان من بعض الأطراف فيه نفياً وإثباتاً مع ثبوت المرجح للنافي، بل مع عدم رجحان المثبت في خصوص الخبر منها، ومطلقاً في غيره بناء على عدم ثبوت الترجيح على تقدير الاعتبار في غير الأخبار، وكذا لو تعارض إثنان منها في الوجوب والتحريم، فإن المرجع في جميع ما ذكر من موارد التعارض هو الأصل الجاري فيها ولو كان نافياً، لعدم نهوض طريق معتبر ولا ما هو من أطراف العلم به على خلافه، فافهم.

وكذا كل مورد لم يجر فيه الأصل المثبت، للعمل بانتقاض الحالة السابقة فيه

____________________

(١) أثبتنا الزيادة من الفصول.

(٢) إيراد ذكره الشيخقدس‌سره وأمر بالتأمل فيه، فرائد الأصول / ١٣٢، عند قوله: أللهم إلّا أن يقال إنه يلزم الحرج... الخ.

٣١٧

إجمالاً بسبب العلم به، أو بقيام أمارة معتبرة عليه في بعض أطرافه، بناءً على عدم جريانه بذلك.

وثانياً: لو سلم أنّ قضيته(١) لزوم التنزّل إلى الظن، فتوهّم أن الوظيفة حينئذٍ هو خصوص الظن بالطريق فاسد قطعاً، وذلك لعدم كونه أقرب إلى العلم وإصابة الواقع من الظن، بكونه مؤدى طريق معتبر من دون الظن بحجية طريق أصلاً، ومن الظن بالواقع، كما لا يخفى.

لا يقال: إنما لا يكون أقرب من الظن بالواقع، إذا لم يصرف التكليف الفعلي عنه إلى مؤدّيات الطرق ولو بنحو التقييد، فإن الالتزام به بعيد، إذ الصرف لو لم يكن تصويباً محالاً، فلا أقلّ من كونه مجمعاً على بطلانه؛ ضرورة أنّ القطع بالواقع يجدي في الإجزاء بما هو واقع، لا بما هو مؤدى طريق القطع، كما عرفت.

ومن هنا انقدح أن التقييد أيضاً غير سديد، مع أن الالتزام بذلك غير مفيد، فإن الظن بالواقع فيما ابتلي به من التكاليف لا يكاد ينفكّ عن الظن بأنه مؤدى طريق معتبر، والظن بالطريق ما لم يظن بإصابته(٢) الواقع غير مجدٍ بناءً على التقييد، لعدم استلزامه الظن بالواقع المقيد به بدونه.

هذا مع عدم مساعدة نصب الطريق على الصرف ولا على التقييد، غايته أن العلم الإجمالي بنصب طرق وافية يوجب انحلال العلم بالتكاليف الواقعية إلى العلم بما هو مضامين الطرق المنصوبة من التكاليف الفعلية، والانحلال وإن كان يوجب عدم تنجز مالم يؤد إليه الطريق من التكاليف الواقعية، إلا أنه إذا كان رعاية العلم بالنصب لازماً، والفرض عدم اللزوم، بل عدم الجواز.

وعليه يكون التكاليف الواقعية، كما إذا لم يكن هناك علم بالنصب في كفاية

____________________

(١) في «ب»: قضية.

(٢) في «ب»: بإصابة.

٣١٨

الظن بها حال انسداد باب العلم، كما لا يخفى، ولابد حينئذ من عناية أخرى(١) في لزوم رعاية الواقعيات بنحو من الإطاعة، وعدم إهمالها رأساً كما أشرنا إليه(٢) ، ولا شبهة في أن الظن بالواقع لو لم يكن أولى حينئذ لكونه أقرب في التوسل به إلى ما به الاهتمام من فعل الواجب وترك الحرام، من الظن بالطريق، فلا أقل من كونه مساوياً فيما يهم العقل من تحصيل الأمن من العقوبة في كل حال، هذا مع ما عرفت من أنه عادة يلازم الظن بأنه مؤدى طريق، وهو بلا شبهة يكفي، ولو لم يكن هناك ظن بالطريق، فافهم فإنه دقيق.

ثانيهما: ما اختص به بعض المحققين(٣) ، قال:

(لا ريب في كوننا مكلفين بالأحكام الشرعية، ولم يسقط عنا التكليف بالأحكام الشرعية، وأن الواجب علينا أولاً هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف، بأن يقطع معه بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به، وسقوط تكليفنا عنا، سواء حصل العلم معه بأداء الواقع أو لا، حسبما مر تفصيل القول فيه.

فحينئذ نقول: إن صح لنا تحصيل العلم بتفريغ ذمتنا في حكم الشارع، فلا إشكال في وجوبه وحصول البراء‌ة به، وإن انسد علينا سبيل العلم كان الواجب

____________________

(١) وهي إيجاب الاحتياط في الجملة المستكشف بنحو اللّم، من عدم الإهمال في حال الانسداد قطعاً إجماعاً بل ضرورة، وهو يقتضي التنزل إلى الطن بالواقع حقيقة أو تعبداً، إذا كان استكشافه في التكاليف المعلومة إجمالاً؛ لما عرفت من وجوب التنزل عن القطع بكل ما يجب تحصيل القطع به في حال الانفتاح إلى الظن به في هذا الحال، وإلى الظن بخصوص الواقعيات التي تكون مؤديات الطرق المعتبرة، أو بمطلق المؤديات لو كان استكشافه في خصوصها أو في مطلقها، فلا يكاد أن تصل النوبة إلى الظن بالطريق بما هو كذلك وإن كان يكفي، لكونه مستلزماً للظن بكون مؤداه مؤدى طريق معتبر، كما يكفي الظن بكونه كذلك، ولو لم يكن ظن باعتبار طريق أصلاً كما لا يخفى؛ وأنت خبير بأنه لا وجه لاحتمال ذلك، وإنما المتيقن هو لزوم رعاية الواقعيات في كل حال، بعد عدم لزوم رعاية الطرق المعلومة بالإجمال بين أطراف كثيرة، فافهم (منهقدس‌سره ).

(٢) راجع صفحة / ٣١٢.

(٣) وهو العلامة المحقق الشيخ محمد تقي الأصفهاني، هداية المسترشدين / ٣٩١.

٣١٩

علينا تحصيل الظن بالبراء‌ة في حكمه، إذ هو الأقرب إلى العلم به، فيتعين الأخذ به عند التنزل من العلم في حكم العقل، بعد انسداد سبيل العلم والقطع ببقاء التكليف، دون ما يحصل معه الظن بأداء الواقع، كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن). انتهى موضع الحاجة من كلامه، زيد في علو مقامه.

وفيه أولاً: إن الحاكم على الاستقلال في باب تفريغ الذمة بالإطاعة والامتثال إنما هو العقل، وليس للشاعر في هذا الباب حكم مولوي يتبعه حكم العقل، ولو حكم في هذا الباب كان بتبع حكمه إرشاداً إليه، وقد عرفت استقلاله بكون الواقع بما هو [هو] مفرّغ(١) ، وأن القطع به حقيقة أو تعبداً مؤمّن جزماً، وأن المؤمّن في حال الانسداد هو الظن بما كان القطع به مؤمّناً حال الانفتاح، فيكون الظن بالواقع أيضاً مؤمّناً حال الانسداد.

وثانياً: سلّمنا ذلك، لكن حكمه بتفريغ الذمة - فيما إذا أتى المكلف بمؤدى الطريق المنصوب - ليس إلا بدعوى أن النصب يستلزمه، مع أن دعوى أن التكليف بالواقع يستلزم حكمه بالتفريغ فيما إذا أتى به أولى، كما لا يخفى، فيكون الظن به ظناً بالحكم بالتفريغ أيضاً.

إن قلت: كيف يستلزمه(٢) الظن بالواقع؟ مع أنه ربما يقطع بعدم حكمه به معه، كما إذا كان من القياس، وهذا بخلاف الظن بالطريق، فإنه يستلزمه ولو كان من القياس.

قلت: الظن بالواقع أيضاً يستلزم(٣) الظن بحكمه بالتفريغ(٤) ، ولا ينافي

____________________

(١) أثبتنا الزيادة من «أ».

(٢) في «ب»: يستلزم.

(٣) وذلك لضرورة الملازمة بين الإتيان بما كلف به واقعاً وحكمه بالفراغ ويشهد به عدم جواز الحكم بعدمه، لو سئل عن أن الإتيان بالمأمور به على وجهه، هل هو مفرغ؟ ولزوم حكمه بأنه مفرغ، والا لزم عدم إجزاء الأمر الواقعي، وهو واضح البطلان (منهقدس‌سره ).

(٤) كذا في النسخة المصححة، وفي «أ»: الظن بهما على الأقوى يستلزم الحكم بالتفريغ.

٣٢٠