كفاية الأصول

كفاية الأصول0%

كفاية الأصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 521

كفاية الأصول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد كاظم الخراسانى
تصنيف: الصفحات: 521
المشاهدات: 49448
تحميل: 15984

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 521 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49448 / تحميل: 15984
الحجم الحجم الحجم
كفاية الأصول

كفاية الأصول

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الخاتمة

الاجتهاد والتقليد

٤٦١

٤٦٢

أما الخاتمة: فهي فيما يتعلق بالاجتهاد والتقليد

فصل

الاجتهاد لغةً: تحمل المشقة، واصطلاحاً كما عن الحاجبي(١) والعلامة(٢) : استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي ، وعن غيرهما(٣) : ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعي من الأصل فعلاً أو قوة قريبة.

ولا يخفى أن اختلاف عباراتهم في بيان معناه اصطلاحاً، ليس من جهة الاختلاف في حقيقته وماهيته، لوضوح أنهم ليسوا في مقام بيان حدّه أو رسمه، بل إنما كانوا في مقام شرح اسمه والإشارة إليه بلفظ آخر وإن لم يكن مساوياً له بحسب مفهومه، كاللغوي في بيان معاني الألفاظ بتبديل لفظ بلفظ آخر، ولو كان أخصّ منه مفهوماً أو أعمّ.

ومن هنا انقدح أنه لا وقع للإيراد على تعريفاته بعدم الانعكاس أو الاطراد، كما هو الحال في تعريف جل الأشياء لولا الكل، ضرورة عدم الإحاطة بها بكنهها، أو بخواصها الموجبة لامتيازها عما عداها، لغير علام الغيوب، فافهم.

____________________

(١) راجع شرح مختصر الأصول / ٤٦٠، عند الكلام عن الاجتهاد.

(٢) التهذيب - مخطوط -.

(٣) زبدة الأصول للشيخ البهائيرحمه‌الله / ١١٥ المنهج الرابع في الاجتهاد والتقليد.

٤٦٣

وكيف كان، فالأولى تبديل الظن بالحكم بالحجة عليه، فإن المناط فيه هو تحصيلها قوة أو فعلاً لا الظن حتى عند العامة القائلين بحجيته مطلقاً، أو بعض الخاصة القائل بها عند انسداد باب العلم بالأحكام، فإنه مطلقاً عندهم، أو عند الانسداد عنده من أفراد الحجة، ولذا لا شبهة في كون استفراغ الوسع في تحصيل غيره من أفرادها - من العلم بالحكم أو غيره مما اعتبر من الطرق التعبدية الغير المفيدة للظن ولو نوعاً - اجتهاداً أيضاً.

ومنه قد انقدح أنه لا وجه لتأبّي الأخباري عن الاجتهاد بهذا المعنى، فإنه لا محيص عنه كما لا يخفى، غاية الأمر له أن ينازع في حجية بعض ما يقول الأصولي باعتباره ويمنع عنها، وهو غير ضائر بالاتفاق على صحة الاجتهاد بذاك المعنى، ضرورة أنه ربما يقع بين الأخباريين، كما وقع بينهم وبين الأصوليين.

فصل

ينقسم الاجتهاد إلى مطلق وتجزٍّ، فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الأحكام الفعلية من أمارة معتبرة، أو أصل معتبر عقلاً أو نقلاً في الموارد التي لم يظفر فيها بها، والتجزي هو ما يقتدر به على استنباط بعض الأحكام.

ثم إنه لا إشكال في إمكان المطلق وحصوله للأعلام، وعدم التمكن من الترجيح في المسألة وتعيين حكمها والتردد منهم في بعض المسائل إنما هو بالنسبة إلى حكمها الواقعي، لأجل عدم دليل مساعد في كل مسألة عليه، أو عدم الظفر به بعد الفحص عنه بالمقدار اللازم، لا لقلة الاطلاع أو قصور الباع.

وأما بالنسبة إلى حكمها الفعلي، فلا تردد لهم أصلاً، كما لا إشكال في جواز العمل بهذا الاجتهاد لمن اتصف به، وأما لغيره فكذا لا إشكال فيه، إذا كان المجتهد ممن كان باب العلم أو العلمي بالأحكام مفتوحاً له - على ما يأتي من الأدلة على جواز التقليد - بخلاف ما إذا انسد عليه بابهما، فجواز تقليد الغير عنه في غاية الإشكال، فإن رجوعه إليه ليس من رجوع الجاهل إلى العالم بل إلى الجاهل، وأدلة

٤٦٤

جواز التقليد إنّما دلّت على جواز رجوع غير العالم إلى العالم كما لايخفى، وقضية مقدمات الانسداد ليست إلا حجية الظن عليه لا على غيره، فلا بدّ في حجية اجتهاد مثله على غيره من التماس دليل آخر غير دليل التقليد وغير دليل الانسداد الجاري في حق المجتهد، من إجماع أو جريان مقدمات دليل الانسداد في حقه، بحيث تكون منتجة لحجية الظن الثابت حجيته بمقدماته له أيضاً، ولا مجال لدعوى الاجماع، ومقدماته كذلك غير جارية في حقه، لعدم انحصار المجتهد به، أو عدم لزوم محذور عقلي من عمله بالاحتياط وان لزم منه العسر، إذا لم يكن له سبيل إلى إثبات عدم وجوبه مع عسره.

نعم، لو جرت المقدمات كذلك، بأن انحصر المجتهد، ولزم من الاحتياط المحذور، أو لزم منه العسر مع التمكن من إبطال وجوبه حينئذٍ، كانت منتجة لحجيته في حقه أيضاً، لكن دونه خرط القتاد، هذا على تقدير الحكومة.

وأما على تقدير الكشف وصحته، فجواز الرجوع إليه في غاية الإِشكال لعدم مساعدة أدلة التقليد على جواز الرجوع إلى من اختص حجية ظنه به، وقضية مقدمات الانسداد اختصاص حجية الظن بمن جرت في حقه دون غيره، ولو سلم أن قضيتها كون الظن المطلق معتبراً شرعاً، كالظنون الخاصة التي دل الدليل على اعتبارها بالخصوص، فتأمل.

إن قلت: حجية الشيء شرعاً مطلقاً لا يوجب القطع بما أدى إليه من الحكم ولو ظاهراً، كما مرّ تحقيقه(١) ، وأنه ليس أثره إلا تنجز الواقع مع الإصابة، والعذر مع عدمها، فيكون رجوعه إليه مع انفتاح باب العلمي عليه أيضاً رجوعاً إلى الجاهل، فضلاً عما إذا انسد عليه.

قلت: نعم، إلا أنه عالم بموارد قيام الحجة الشرعية على الأحكام، فيكون من رجوع الجاهل إلى العالم.

____________________

(١) في بيان الأمارات غير القطعية، ص ٢٧٧.

٤٦٥

إن قلت: رجوعه إليه في موارد فقد الأمارة المعتبرة عنده التي يكون المرجع فيها الاصول العقلية، ليس إلا الرجوع إلى الجاهل.

قلت: رجوعه إليه فيها إنما هو لأجل اطلاعه على عدم الأمارة الشرعية فيها، وهو عاجز عن الاطلاع على ذلك، وأما تعيين ما هو حكم العقل وأنه مع عدمها هو البراء‌ة أو الاحتياط، فهو إنما يرجع إليه، فالمتبع ما استقل به عقله ولو على خلاف ما ذهب إليه مجتهده، فافهم.

وكذلك لا خلاف ولا إشكال في نفوذ حكم المجتهد المطلق إذا كان باب العلم أو العلمي له مفتوحاً، وأما إذا انسد عليه بابهما ففيه إشكال على الصحيح من تقرير المقدمات على نحو الحكومة، فإن مثله - كما أشرت آنفاً - ليس ممن يعرف الأحكام، مع أن معرفتها معتبرة في الحاكم، كما في المقبولة، إلا أن يدعى عدم القول بالفصل، وهو وإن كان غير بعيد، إلا أنه ليس بمثابة يكون حجة على عدم الفصل، إلا أن يقال بكفاية انفتاح باب العلم في موارد الإجماعات والضروريات من الدين أو المذهب، والمتواترات إذا كانت جملة يعتدّ بها، وإن انسد باب العلم بمعظم الفقه، فإنه يصدق عليه حينئذٍ أنه ممن روى حديثهم (علهيم السلام) ونظر في حلالهمعليهم‌السلام وحرامهم (علهيم السلام): وعرف أحكامهم (علهيم السلام) عرفاً حقيقة. وأما قولهعليه‌السلام في المقبولة (فإذا حكم بحكمنا) فالمراد أن مثله إذا حكم كان بحكمهم حكم، حيث كان منصوباً منهم، كيف وحكمه غالباً يكون في الموضوعات الخارجية، وليس مثل ملكية دار لزيد أو زوجية امرأة له من أحكامهمعليهم‌السلام فصحة إسناد حكمه إليهمعليهم‌السلام إنما هو لأجل كونه من المنصوب من قبلهم.

وأما التجزي في الاجتهاد ففيه مواضع من الكلام:

الاول : في إمكانه، وهو وإن كان محل الخلاف بين الأعلام إلا أنه لا ينبغي الارتياب فيه، حيث كانت أبواب الفقه مختلفة مدركاً، والمدارك متفاوتة سهولة

٤٦٦

وصعوبة، عقلية ونقلية، مع اختلاف الأشخاص في الاطلاع عليها، وفي طول الباع وقصوره بالنسبة إليها، فرب شخص كثير الاطلاع وطويل الباع في مدرك باب بمهارته في النقليات أو العقليات، وليس كذلك في آخر لعدم مهارته فيها وابتنائه عليها، وهذا بالضرورة ربما يوجب حصول القدرة على الاستنباط في بعضها لسهولة مدركه أو لمهارة الشخص فيه مع صعوبته، مع عدم القدرة على ما ليس كذلك، بل يستحيل حصول اجتهاد مطلق عادة غير مسبوق بالتجزي، للزوم الطفرة. وبساطة الملكة وعدم قبولها التجزئة، لا تمنع من حصولها بالنسبة إلى بعض الأبواب، بحيث يتمكن بها من الإحاطة بمداركه، كما إذا كانت هناك ملكة الاستنباط في جميعها، ويقطع بعدم دخل ما في سائرها به أصلاً، أو لا يعتني باحتماله لأجل الفحص بالمقدار اللازم الموجب للاطمئنان بعدم دخله، كما في الملكة المطلقة، بداهة أنه لا يعتبر في استنباط مسألة معها من الاطلاع فعلاً على مدارك جميع المسائل، كما لا يخفى.

الثاني : في حجية ما يؤدي إليه على المتصف به، وهو أيضاً محل الخلاف، إلا أن قضية أدلة المدارك حجيته، لعدم اختصاصها بالمتصف بالاجتهاد المطلق، ضرورة أن بناء العقلاء على حجية الظواهر مطلقاً، وكذا ما دلّ على حجية خبر الواحد، غايته تقييده بما إذا تمكن من دفع معارضاته كما هو المفروض.

الثالث : في جواز رجوع غير المتصف به إليه في كل مسألة اجتهد فيها، وهو أيضاً محل الإشكال، من أنه من رجوع الجاهل إلى العالم، فتعمّه أدلة جواز التقليد، ومن دعوى عدم إطلاق فيها، وعدم إحراز أن بناء العقلاء أو سيرة المتشرعة على الرجوع إلى مثله أيضاً، وستعرف إن شاء الله تعالى ما هو قضية الأدلة.

وأما جواز حكومته ونفوذ فصل خصومته فأشكل، نعم لا يبعد نفوذه فيما إذا عرف جملة معتدة بها واجتهد فيها، بحيث يصح أن يقال في حقه عرفاً أنه ممن عرف

٤٦٧

أحكامهم، كما مرّ في المجتهد المطلق المنسد عليه باب العلم والعلمي في معظم الأحكام.

فصل

لا يخفى احتياج الاجتهاد إلى معرفة العلوم العربية في الجملة ولو بأن يقدر على معرفة ما يبتني عليه الاجتهاد في المسألة، بالرجوع إلى ما دوّن فيه، ومعرفة التفسير كذلك.

وعمدة ما يحتاج إليه هو علم الأصول، ضرورة أنه ما من مسألة إلّا ويحتاج في استنباط حكمها إلى قاعدة أو قواعد برهن عليها في الأصول، أو برهن عليها مقدمة في نفس المسألة الفرعية، كما هوطريقة الأخباري، وتدوين تلك القواعد المحتاج إليها على حدة لا يوجب كونها بدعة، وعدم تدوينها في زمانهمعليهم‌السلام لا يوجب ذلك، وإلا كان تدوين الفقه والنحو والصرف بدعة.

وبالجملة لا محيص لأحد في استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها إلا الرجوع إلى ما بنى عليه في المسائل الأصولية، وبدونه لا يكاد يتمكن من استنباط واجتهاد، مجتهداً كان أو أخبارياً.

نعم يختلف الاحتياج إليها بحسب اختلاف المسائل والأزمنة والأشخاص، ضرورة خفة مؤونة الاجتهاد في الصدر الأول، وعدم حاجته إلى كثير مما يحتاج إليه في الأزمنة اللاحقة، مما لا يكاد يحقق ويختار عادة إلا بالرجوع إلى ما دوّن فيه من الكتب الأصولية.

فصل

اتفقت الكلمة على التخطئة في العقليات، واختلفت في الشرعيات، فقال أصحابنا بالتخطئة فيها أيضاً، وأن له تبارك وتعالى في كل مسألة حكم يؤدي إليه الاجتهاد تارة وإلى غيره أخرى.

وقال مخالفونا بالتصويب، وأن له تعالى أحكاماً بعدد آراء المجتهدين، فما

٤٦٨

يؤدي إليه الاجتهاد هو حكمه تبارك وتعالى، ولا يخفى أنه لا يكاد يعقل الاجتهاد في حكم المسألة إلا إذا كان لها حكم واقعاً، حتى صار المجتهد بصدد استنباطه من أدلته، وتعيينه بحسبها ظاهراً، فلو كان غرضهم من التصويب هو الالتزام بإنشاء أحكام في الواقع بعدد الآراء - بأن تكون الأحكام المؤدي إليها الاجتهادات أحكاماً واقعية كما هي ظاهرية - فهو وإن كان خطأ من جهة تواتر الأخبار، وإجماع أصحابنا الأخيار على أن له تبارك وتعالى في كل واقعة حكماً يشترك فيه الكل، إلا أنه غير محال، ولو كان غرضهم منه الالتزام بإنشاء الأحكام على وفق آراء الأعلام بعد الاجتهاد، فهو مما لا يكاد يعقل، فكيف يتفحص عما لا يكون له عين ولا أثر، أو يستظهر من الآية أو الخبر، إلا أن يراد التصويب بالنسبة إلى الحكم الفعلي، وأن المجتهد وإن كان يتفحص عما هو الحكم واقعاً وإنشاءً، إلا أن ما أدّى إليه اجتهاده يكون هو حكمه الفعلي حقيقة، وهو مما يختلف باختلاف الآراء ضرورة، ولا يشترك فيه الجاهل والعالم بداهة، وما يشتركان فيه ليس بحكم حقيقةً بل إنشاء، فلا استحالة في التصويب بهذا المعنى، بل لا محيص عنه في الجملة بناءً على اعتبار الأخبار من باب السببية والموضوعية كما لا يخفى، وربما يشير إليه ما اشتهرت بيننا أن ظنية الطريق لا ينافي قطعية الحكم.

نعم بناءً على اعتبارها من باب الطريقية، كما هو كذلك، فمؤديات الطرق والامارات المعتبرة ليست بأحكام حقيقية نفسية، ولو قيل بكونها أحكاماً طريقية، وقد مرّ(١) غير مرة إمكان منع كونها أحكاماً كذلك أيضاً، وأن قضية حجيتها ليس إلا تنجز [تنجيز] مؤدياتها عند إصابتها، والعذر عند خطئها، فلا يكون حكم أصلاً إلا الحكم الواقعي، فيصير منجزاً فيما قام عليه حجة من علم أو طريق معتبر، ويكون غير منجز بل غير فعلي فيما لم تكن هناك حجة مصيبة، فتأمل جيداً.

____________________

(١) في دفع الايراد عن إمكان التعبد بالأمارة غير القطعية / ص ٢٧٧ وفي التنبية الثاني من تنبيهات الاستصحاب / ص ٤٠٥.

٤٦٩

فصل

إذا اضمحل الاجتهاد السابق بتبدل الرأي الأوّل بالآخر أو بزواله بدونه، فلا شبهة في عدم العبرة به في الأعمال اللاحقة، ولزوم اتباع اجتهاد اللاحق مطلقاً أو الاحتياط فيها، وأما الأعمال السابقة الواقعة على وفقه المختل فيها ما اعتبر في صحتها بحسب هذا الاجتهاد، فلا بدّ من معاملة البطلان معها فيما لم ينهض دليل على صحة العمل فيما إذا اختل فيه لعذر، كما نهض في الصلاة وغيرها، مثل: لا تعاد(١) ، وحديث الرفع(٢) ، بل الاجماع على الإجزاء في العبادات على ما ادّعي.

وذلك فيما كان بحسب الاجتهاد الأول قد حصل القطع بالحكم وقد اضمحلّ واضح، بداهة أنه لا حكم معه شرعاً، غايته المعذورية في المخالفة عقلا، وكذلك فيما كان هناك طريق معتبر شرعاً عليه بحسبه، وقد ظهر خلافه بالظفر بالمقيد أو المخصص أو قرينة المجاز أو المعارض، بناءً على ما هو التحقيق من اعتبار الأمارات من باب الطريقية، قيل بأن قضية اعتبارها إنشاء أحكام طريقية، أم لا على ما مرّ منّا غير مرة، من غير فرق بين تعلقه بالأحكام أو بمتعلقاتها، ضرورة أن كيفية اعتبارها فيهما على نهج واحد، ولم يعلم وجه للتفصيل بينهما، كما في الفصول(٣) ، وأن المتعلقات لا تتحمل اجتهادين بخلاف الأحكام، إلا حسبان أن الأحكام قابلة للتغيّر والتبدل، بخلاف المتعلقات والموضوعات، وأنت خبير بأن الواقع واحد فيهما، وقد عين أولاً بما ظهر خطؤه ثانياً، ولزوم العسر والحرج والهرج والمرج المخلّ بالنظام والموجب للمخاصمة بين الأنام، لو قيل بعدم صحة العقود والإيقاعات والعبادات الواقعة على طبق الاجتهاد الأول الفاسدة بحسب الاجتهاد الثاني،

____________________

(١) الفقيه: ١ / ٢٢٥، الباب ٤٩. الحديث ٨ والباب ٤٢، الحديث ١٧ والتهذيب ٢ / ١٥٢، الباب ٩، الحديث ٥٥.

(٢) راجع ص ٣٣٩، في الاستدلال على البراء‌ة بالسنة.

(٣) الفصول: ٤٠٩، في فصل رجوع المجتهد عن الفتوى.

٤٧٠

ووجوب العمل على طبق الثاني، من عدم ترتيب الأثر على المعاملة وإعادة العبادة، لا يكون إلا أحياناً، وأدلة نفي العسر لا ينفي إلا خصوص ما لزم منه العسر فعلاً، مع عدم اختصاص ذلك بالمتعلقات، ولزوم العسر في الأحكام كذلك أيضاً لو قيل بلزوم ترتيب الأثر على طبق الاجتهاد الثاني في الأعمال السابقة، وباب الهرج والمرج ينسد بالحكومة وفصل الخصومة.

وبالجملة لا يكون التفاوت بين الأحكام ومتعلقاتها، بتحمل الاجتهادين وعدم التحمل بيناً ولا مبيناً، بما يرجع إلى محصل في كلامه - زيد في علو مقامه - فراجع وتأمل.

وأما بناءً على اعتبارها من باب السببية والموضوعية، فلا محيص عن القول بصحة العمل على طبق الاجتهاد الأول، عبادةً كان أو معاملةً، وكون مؤداه - ما لم يضمحل - حكماً حقيقة، وكذلك الحال إذا كان بحسب الاجتهاد الأول مجرى الاستصحاب أو البراء‌ة النقلية، وقد ظفر في الاجتهاد الثاني بدليل على الخلاف، فإنه عمل بما هو وظيفته على تلك الحال، وقد مرّ في مبحث الإِجزاء تحقيق المقال، فراجع هناك.

٤٧١

فصل

في التقليد

وهو أخذ قول الغير ورأيه للعمل به في الفرعيات، أو للالتزام به في الاعتقاديات تعبداً، بلا مطالبة دليل على رأيه، ولا يخفى أنه لا وجه لتفسيره بنفس العمل، ضرورة سبقه عليه، وإلا كان بلا تقليد، فافهم.

ثم إنه لا يذهب عليك أن جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم في الجملة، يكون بديهياً جِبِلّياً فطرياً لا يحتاج إلى دليل، وإلّا لزم سدّ باب العلم به على العامي مطلقاً غالباً، لعجزه عن معرفة ما دلّ عليه كتاباً وسنّةً، ولا يجوز التقليد فيه أيضاً، وإلّا لدار أو تسلسل، بل هذه هي العمدة في أدلته، وأغلب ما عداه قابل للمناقشة، لبُعد تحصيل الإجماع في مثل هذه المسألة، مما يمكن أن يكون القول فيه لأجل كونه من الأمور الفطرية الارتكازية، والمنقول منه غير حجة في مثلها، ولو قيل بحجيتها في غيرها، لوهنه بذلك.

ومنه قد انقدح إمكان القدح في دعوى كونه من ضروريات الدين، لاحتمال أن يكون من ضروريات العقل وفطرياته لا من ضرورياته، وكذا القدح في دعوى(١) سيرة المتدينين.

____________________

(١) الفصول: ٤١١ في فصل جواز التقليد.

٤٧٢

وأما الآيات، فلعدم دلالة آية النفر(١) والسؤال(٢) على جوازه، لقوة احتمال أن يكون الإرجاع لتحصيل العلم لا للأخذ تعبداً، مع أن المسؤول في آية السؤال هم أهل الكتاب كما هو ظاهرها، أو أهل بيت العصمة الأطهار كما فسرّ به في الأخبار(٣) .

نعم لا بأس بدلالة الأخبار عليه بالمطابقة أو الملازمة، حيث دلّ بعضها(٤) على وجوب اتباع قول العلماء، وبعضها(٥) على أن للعوام تقليد العلماء، وبعضها(٦) على جواز الإفتاء مفهوماً مثل ما دلّ على المنع عن الفتوى بغير علم، أو منطوقاً مثل(٧) مادلّ على إظهارهعليه‌السلام المحبة لأن يرى في أصحابه من يفتي الناس بالحلال والحرام.

لا يقال: إن مجرد إظهار الفتوى للغير لا يدل على جواز أخذه واتباعه.

فإنه يقال: إن الملازمة العرفية بين جواز الإفتاء وجواز اتباعه واضحة، وهذا غير وجوب إظهار الحق والواقع، حيث لا ملازمة بينه وبين وجوب أخذه تعبداً، فافهم وتأمّل.

وهذه الأخبار على اختلاف مضامينها وتعدد أسانيدها، لا يبعد دعوى القطع بصدور بعضها، فيكون دليلاً قاطعاً على جواز التقليد، وإن لم يكن كل واحد منها

____________________

(١) التوبة: ١٢٢.

(٢) النحل: ٤٣.

(٣) الكافي: ١ / ١٦٣، كتاب الحجّة الباب ٢٠، الأحاديث.

(٤) الوسائل: ١٨ / ٩٨، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي، الأحاديث: ٤ و ٥ و ٩ و ١٥ و ٢٣ و ٢٧ و ٣٣ و ٤٢ و ٤٥ والباب ١٢، الحديث ٥٤.

(٥) الاحتجاج: ٢ / ٤٥٧ في احتجاجات أبي محمد العسكري وجاء في الوسائل: ١٨ / ٩٤ الباب ١٠ من أبواب صفات القاضي، الحديث ٢٠.

(٦) الوسائل: ١٨ / ٩، الباب ٤ من أبواب صفات القاضي، الأحاديث: ١ و ٢ و ٣ و ٣١ و ٣٣ والباب ٦، الحديث ٤٨.والباب ٩، الحديث ٢٣ والباب ١١، الحديث ١٢.

(٧) الوسائل: ١٨ / ١٠٨، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي، الحديث ٣٦.

٤٧٣

بحجة، فيكون مخصصاً لما دل على عدم جواز اتباع غير العلم والذم على التقليد، من الآيات والروايات.

قال الله تبارك وتعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) وقوله تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ)(٢) مع احتمال أنّ الذم إنما كان على تقليدهم للجاهل، أو في الأصول الاعتقادية التي لابدّ فيها من اليقين، وأما قياس المسائل الفرعية على الأصول الاعتقادية، في أنه كما لا يجوز التقليد فيها مع الغموض فيها كذلك لا يجوز فيها بالطريق الأولى لسهولتها، فباطل، مع أنه مع الفارق، ضرورة أن الأُصول الاعتقادية مسائل معدودة، بخلافها فإنه مما لا تعدّ ولا تحصى، ولا يكاد يتيسر من الاجتهاد فيها فعلاً طول العمر إلا للأوحدي في كلياتها، كما لا يخفى.

فصل

إذا علم المقلد اختلاف الأحياء في الفتوى مع اختلافهم في العلم والفقاهة، فلابد من الرجوع إلى الأفضل إذا احتمل تعيّنه، للقطع بحجيته والشك في حجية غيره، ولا وجه لرجوعه إلى الغير في تقليده، إلا على نحو دائر.

نعم لا بأس برجوعه إليه إذا استقل عقله بالتساوي، وجواز الرجوع إليه أيضاً، أو جوزّ له الأفضل بعد رجوعه إليه، هذا حال العاجر عن الاجتهاد في تعيين ما هو قضية الأدلة في هذه المسألة.

وأمّا غيره، فقد اختلفوا في جواز تقليد(٣) المفضول وعدم جوازه، ذهب بعضهم إلى الجواز، والمعروف بين الأصحاب - على ما قيل - عدمه وهو الأقوى،

____________________

(١) الاسراء: ٣٦.

(٢) الزخرف: ٢٣.

(٣) في «ب»: تقديم.

٤٧٤

للأصل، وعدم دليل على خلافه، ولا إطلاق في أدلة التقليد بعد الغضّ عن نهوضها على مشروعية أصله، لوضوح أنها إنما تكون بصدد بيان أصل جواز الأخذ بقول العالم لا في كل حال، من غير تعرض أصلاً لصورة معارضته بقول الفاضل، كما هو شأن سائر الطرق والأمارات على ما لا يخفى.

ودعوى(١) السيرة على الأخذ بفتوى أحد المخالفَين في الفتوى من دون فحص عن أعلميته مع العلم بأعلمية أحدهما، ممنوعة.

ولا عسر في تقليد الأعلم، لا عليه لأخذ فتاواه من رسائله وكتبه، ولا لمقلديه لذلك أيضاً، وليس تشخيص الأعلمية بأشكل من تشخيص أصل الاجتهاد، مع أن قضية نفي العسر الاقتصار على موضع العسر، فيجب فيما لا يلزم منه عسر، فتأمل جيداً.

وقد استدلّ للمنع أيضاً بوجوه:

أحدها (٢) : نقل الإجماع على تعين تقليد الأفضل.

ثانيها (٣) : الأخبار الدالة على ترجيحه مع المعارضة، كما في المقبولة(٤) وغيرها(٥) ، أو على اختياره للحكم بين الناس، كما دلّ عليه المنقول(٦) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : (اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك).

ثالثها (٧) : إن قول الأفضل أقرب من غيره جزماً، فيجب الأخذ به عند

____________________

(١) راجع شرح مختصر الأصول / ٤٨٤.

(٢) مطارح الأنظار / ٣٠٣، في التنبيه السادس، عند استدلاله على القول بوجوب تقليد الأفضل.

(٣) مفاتيح الأصول / ٦٢٧.

(٤) التهذيب ٦: ٣٠١، الباب ٩٢، الحديث ٦ - الكافي ١: ٥٤. باب اختلاف الحديث من كتاب فضل العلم، الحديث ١٠.

(٥) التهذيب ٦ / ٣٠١، الباب ٩٢، الحديث ٥٠ و ٥١ - الفقيه ٣: ٥ الباب ٩ الحديث ١ و ٢.

(٦) نهج البلاغة الجزء الثالث: ١٠٤ في كتابهعليه‌السلام للأشتر النخعي.

(٧) الذريعة ٢: ٨٠١، في باب الاجتهاد، فصل صفة المفتي والمستفتي.

٤٧٥

المعارضة عقلاً.

ولا يخفى ضعفها:

أما الاول : فلقوة احتمال أن يكون وجه القول بالتعيين للكلّ أو الجلّ هو الأصل، فلا مجال لتحصيل الإجماع مع الظفر بالاتفاق، فيكون نقله موهوناً، مع عدم حجية نقله ولو مع عدم وهنه.

وأما الثاني : فلأن الترجيح مع المعارضة في مقام الحكومة، لأجل رفع الخصومة التي لا تكاد ترتفع إلا به، لا يستلزم الترجيح في مقام الفتوى، كما لا يخفى.

وأمّا الثالث : فممنوع صغرى وكبرى، أما الصغرى فلأجل أن فتوى غير الأفضل ربما يكون أقرب من فتواه، لموافقته لفتوى من هو أفضل منه ممن مات، ولا يصغى إلى أن فتوى الأفضل أقرب في نفسه، فإنه لو سلم أنه كذلك إلا أنه ليس بصغرى لما ادعى عقلاً من الكبرى، بداهة أن العقل لا يرى تفاوتاً بين أن تكون الأقربية في الأمارة لنفسها، أو لأجل موافقتها لأمارة أخرى، كما لا يخفى.

وأما الكبرى فلأن ملاك حجية قول الغير تعبداً ولو على نحو الطريقية، لم يعلم أنه القرب من الواقع، فلعله يكون ما هو في الأفضل وغيره سيان، ولم يكن لزيادة القرب في أحدهما دخل أصلاً.

نعم لو كان تمام الملاك هو القرب، كما إذا كان حجة بنظر العقل، لتعين الأقرب قطعاً، فافهم.

فصل

اختلفوا في اشتراط الحياة في المفتي ، والمعروف بين الأصحاب(١) الاشتراط

____________________

(١) المعالم / ٢٤١.في " أصل: يعتبر في المفتي..الخ " من المطلب التاسع.راجع مسالك الأفهام ١: ١٢٧، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.وقواعد الأحكام ١١٩ كتاب الجهاد، في المقصد الخامس.

٤٧٦

وبين العامة(١) عدمه، وهو خيرة الأخباريين(٢) ، وبعض المجتهدين(٣) من أصحابنا، وربما نقل تفاصيل:

منها (٤) : التفصيل بين البدوي فيشترط، والاستمراري فلا يشترط، والمختار ما هو المعروف بين الأصحاب، للشك في جواز تقليد الميت، والأصل عدم جوازه، ولا مخرج عن هذا الأصل، إلا ما استدل به المجوّز على الجواز من وجوه ضعيفة.

منها (٥) : استصحاب جواز تقليده في حال حياته، ولا يذهب عليك أنه لا مجال له، لعدم بقاء موضوعه عرفاً، لعدم بقاء الرأي معه، فإنه متقوم بالحياة بنظر العرف، وإن لم يكن كذلك واقعاً، حيث أن الموت عند أهله موجب لانعدام الميت ورأيه، ولا ينافي ذلك صحة استصحاب بعض أحكام حال حياته، كطهارته ونجاسته وجواز نظر زوجته إليه، فإن ذلك إنما يكون فيما لا يتقوم بحياته عرفاً بحسبان بقائه ببدنه الباقي بعد موته، وإن احتمل أن يكون للحياة دخل في عروضه واقعاً، وبقاء الرأي لابد منه في جواز التقليد قطعاً، ولذا لا يجوز التقليد فيما إذا تبدّل الرأي أو ارتفع، لمرض أو هرم إجماعاً.

وبالجملة يكو انتفاء الرأي بالموت بنظر العرف بانعدام موضوعه، ويكون حشره في القيامة إنما هو من باب إعادة المعدوم، وإن لم يكن كذلك حقيقة، لبقاء موضوعه، وهو النفس الناطقة الباقية حال الموت لتجرده، وقد عرفت في باب الاستصحاب أن المدار في بقاء الموضوع وعدمه هو العرف، فلا يجدي بقاء النفس

____________________

(١) شرح البدخشي ٣: ٢٨٧ والإبهاج في شرح المنهاج ٣: ٢٦٨ وفواتح الرحموت ٢: ٤٠٧.

(٢) الفوائد المدنية ١٤٩.

(٣) كالمحقق القمي، قوانين الأصول ٢.

(٤) راجع مفاتيح الاصول / ٦٢٤.

(٥) راجع مفاتيح الأصول / ٦٢٤، في التنبيه الأول من تقليد الميت.

٤٧٧

عقلاً في صحة الاستصحاب مع عدم مساعدة العرف عليه، وحسبان أهله أنها غير باقية وإنما تعاد يوم القيامة بعد انعدامها، فتأمل جيداً.

لا يقال: نعم، الاعتقاد والرأي وإن كان يزول بالموت لانعدام موضوعه، إلا أن حدوثه في حال حياته كافٍ في جواز تقليده في حال موته، كما هو الحال في الرواية.

فإنّه يقال: لا شبهة في أنه لا بدّ في جوازه من بقاء الرأي والاعتقاد، ولذا لو زال بجنون أو تبدل ونحوهما لما جاز قطعاً، كما أُشير إليه آنفاً.هذا بالنسبة إلى التقليد الابتدائي.

وأما الاستمراري، فربما يقال بأنه قضية استصحاب الأحكام التي قلده فيها، فإن رأيه وإن كان مناطاً لعروضها وحدوثها، إلا أنه عرفاً من أسباب العروض لا من مقومات الموضوع والمعروض، ولكنه لا يخفى أنه لا يقين بالحكم شرعاً سابقاً، فإن جواز التقليد إن كان بحكم العقل وقضية الفطرة كما عرفت فواضح، فإنه لا يقتضي أزيد من تنجز ما أصابه من التكليف والعذر فيما أخطأ، وهو واضح. وإن كان بالنقل فكذلك، على ما هو التحقيق من أن قضية الحجية شرعاً ليس إلا ذلك، لاإنشاء أحكام شرعية على طبق مؤداها، فلا مجال لاستصحاب ما قلده، لعدم القطع به سابقاً، إلا على ما تكلفنا في بعض تنبيهات الاستصحاب(١) ، فراجع، ولا دليل على حجية رأيه السابق في اللاحق.

وأما بناءً على ما هو المعروف بينهم، من كون قضية الحجية الشرعية جعل مثل ما أدت إليه من الأحكام الواقعية التكليفية أو الوضعية شرعاً في الظاهر، فلاستصحاب ما قلده من الأحكام وإن كان مجال، بدعوى بقاء الموضوع عرفاً، لأجل كون الرأي عند أهل العرف من أسباب العروض لا من مقومات المعروض، إلا أن الإنصاف عدم كون الدعوى خالية عن الجزاف، فإنه من المحتمل - لولا

____________________

(١) التنبيه الثاني / ص ٤٠٥.

٤٧٨

المقطوع - أن الأحكام التقليدية عندهم أيضاً ليست أحكاماً لموضوعاتها بقول مطلق، بحيث عدّ من ارتفاع الحكم عندهم من موضوعه، بسبب تبدل الرأي ونحوه، بل إنما كانت أحكاماً لها بحسب رأيه، بحيث عدّ من انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عند التبدل، ومجرد احتمال ذلك يكفي في عدم صحة استصحابها، لاعتبار إحراز بقاء الموضوع ولو عرفاً، فتأمل جيداً.

هذا كله مع إمكان دعوى أنه إذا لم يجز البقاء على التقليد بعد زوال الرأي، بسبب الهرم أو المرض إجماعاً، لم يجز في حال الموت بنحو أولى قطعاً، فتأمّل.

ومنها : إطلاق الآيات(١) الدالّة على التقليد.

وفيه - مضافاً إلى ما أشرنا إليه من عدم دلالتها عليه - منع إطلاقها على تقدير دلالتها، وإنما هو مسوق لبيان أصل تشريعه كما لا يخفى. ومنه انقدح حال إطلاق ما دلّ من الروايات على التقليد(٢) ، مع إمكان دعوى الانسياق إلى حال الحياة فيها.

ومنها : دعوى(٣) أنّه لا دليل على التقليد إلا دليل الانسداد، وقضيته جواز تقليد الميت كالحي بلا تفاوت بينهما أصلاً، كما لا يخفى.

وفيه أنه لا يكاد تصل النوبة إليه، لما عرفت من دليل العقل والنقل عليه.

ومنها (٤) : دعوى السيرة على البقاء، فإن المعلوم من أصحاب الأئمّة

____________________

(١) آية النفر / التوبة: ١٢٢ وآية السؤال / النحل: ٤٣ وآية الكتمان / البقرة: ١٥٩ وآية النبأ / الحجرات: ٥.

(٢) إكمال الدين وإتمام النعمة: ٢ / ٤٨٣، باب ذكر التوقيعات، الحديث ٤ وللمزيد راجع الوسائل: ١٨ / ١٠١، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي، الحديث ٩.

(٣) استدل به المحقق القميرحمه‌الله قوانين الأصول: ٢ / ٢٦٥ في قانون عدم اشتراط مشافهة المفتي،

عند قوله: بل الدليل عليه هو ما ذكرنا من البرهان...الخ.

(٤) مطارح الأنظار: ٢٩٥ في أدلة القائلين بجواز الاستمرار لى تقليد الميت.

٤٧٩

عليهم‌السلام عدم رجوعهم عما أخذوه تقليداً بعد موت المفتي.

وفيه منع السيرة فيما هو محل الكلام، وأصحابهمعليهم‌السلام إنما لم يرجعوا عما أخذوه من الأحكام لأجل أنهم غالباً إنما كانوا يأخذونها ممن ينقلها عنهمعليهم‌السلام بلا واسطة أحد، أو معها من دون دخل رأي الناقل فيه أصلاً، وهو ليس بتقليد كما لا يخفى، ولم يعلم إلى الآن حال من تعبّد بقول غيره ورأيه، أنه كان قد رجع أو لم يرجع بعد موته.

[ومنها (١) : غير ذلك مما لا يليق بأن يسطر أو يذكر](٢) .

هذا آخر أرادنا إيراده ، و الحمد لله أولاً و آخراً و باطناً و ظاهراً

____________________

(١) راجع مفاتيح الأصول للسيد المجاهد: ٦٢٢ في مفتاح: اختلفوا في جواز تقليد المجتهد الميت عند ذكره أدلة المجوزين.

(٢) أثبتناها في «ب» وشطب عليها المصنف في «أ».

٤٨٠