الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 78586
تحميل: 7257

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78586 / تحميل: 7257
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

المحرم هو معناه اللغوي الذي هو مطلق الزيادة المأخوذة بلا مقابل ضمن شروط وقيود خاصة في المعاملة وفي القرض، ورواية الصدوق(١) باسناده عن محمد ابن سنان ان علي بن موسى الرضا (ع) كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله «... لان الانسان اذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما وثمن الاخر باطلا، فبيع الربا وشراؤه وكس على كل حال...» تدل على ان مراد الشارع من حرمة الربا حرمة الزيادة.

وبعد ان عرفنا ذلك فان الزيادة مرة تدخل المعاملة على نحو الجزء ومرة تدخلها على نحو الشرط.

فعلى الاول : كما اذا باع منا من الحنطة بمنين منها، فالزيادة هنا ليست متميزة عن رأس المال حيث ان كل حبة مقابل حبتين فتبطل المعاملة من اساسها. بل يمكن استناد الفساد - كما عن الجواهر - الى قاعدة تبعية العقود للقصود، ضرورة ان البائع والمشتري انما بذل المثل في مقابلة المثلين، فان لم يتم له بطل العقد، وليس هذا كبيع الشاة والخنزير التي يبطل من الثمن ماقابله، فيبقى الاخر بما قابله منه، لان البطلان في الزيادة هنا بلا مقابل (اي وصف الجودة وغيرها لايقابل عرفا بالمال١، وانما يوجب زيادةفي القيمة) وهو امر غير مقصود للمتعاملين، فلو صح العقد وقع ما لم يقصد وما قصد لم يقع كما هو واضح(٢) .

وعلى الثاني : وهو ما اذا كانت الزيادة بنحو الشرط، فيمكننا ان نقول بفساد المعاملة ايضا اذا كان يتحقق منه عنوان الزيادة في الربويين فيكون حاله حال الجزء، ولذلك فأن اشتراط الاجل في احد المتماثلين ربا. وبعبارة اخرى: ان الشرط الفاسد اذا كان وجوده مخلا لشرائط صحة المعاملة فهو فاسد ويفسد العقد ايضا

____________________

(١) الوسائل ج١٢ رواية (١١) ص٤٢٥.

(٢) جواهر الكلام ٢٣/٣٣٥.

١٠١

بلا خلاف لعدم شموله باطلاقات صحة البيع، واما اذا كان دخوله غير مخل بشرائط الصحة فهو يفسد فقط وتشمل العقد اطلاقات صحته(١) .

ومن نافلة القول بأن كل الشروط التي نشترطها (غير مامثلنا به الذي لايخل بشرائط الصحة) في الربا يخل بشرائط الصحة حيث ان صحة المعاملة هو التماثل ولايحصل بالشرط، اذن تكون اصل المعاملة باطلة(٢) .

ولايمكننا الالتزام بان المثل في مقابلة المثل والشرط الزائد يبطل فقط، وذلك لان الشرط الزائد اذا كان وجوده مخلا بشرائط الصحة للمعاملة - كما هو الفرض - فعدم الصحة متوجه الى كل المعاملة، بالاضافة الى ان البأس انما توجه الى المعاملة الربوية وهي مباينة لمعاملة المثل بالمثل بحيث اذا وجدت الاولى لم توجد الثانية، وكذلك اذا وجدت الثانية لم توجد الاولى، اذ بوجود معاملة المثل بالمثلين يأتي عنوان الحرمة، لا انه شيء اجتمع فيه المحلل والمحرم.

واما آية (وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم) فبالاضافة الى اختصاصها بصورة الجهل فهي منزلة على التقاص حيث ان مقابله عند الطرف الاخر، فهي لاتدل على الصحة. ودعوى ان المثل في مقابلة المثل والزيادة تكون في مقابلة الجودة او الوصف او الاجل، مدفوعة بعدم تقابل الاوصاف بالاعواض، بل الاوصاف هي

____________________

(١) مثلا اذا باعه شيئا بشرط ان يخيط له ثوبا غير معين والمدة غير معينة، فهذا شرط فاسد الا ان اصل العقد غير منهى عنه، فتشمله اطلاقات صحة البيع، واما اذا باعه شيئا معينا بشرط الا يسلمه المبيع الى مدة غير معينة فهذا يوجد غررا في البيع فيكون باطلا فلا تشمله اطلاقات صحة البيع.

(٢) نعم هناك خلاف بين الفقهاء في ان الشرط الفاسد هل يفسد المعاملة ام لا؟ وهذا الخلاف هو في غير صورة ما اذاكان الشرط الفاسد قد ازال ركنا من اركان صحة المعاملة وان كان الصحيح ايضا في هذا الخلاف هو عدم سريان الفساد الى اصل المعاملة.

١٠٢

سبب الزيادة، فتكون كل حبة من الحنطة مقابلة بحبتين، فتبطل كل المعاملة. وخلاصة الكلام ان الادلة هنا تنهى وتضع البأس في المعاملة الربوية، فتكون اصل المعاملة باطلة، واذا قلنا ان الزيادة ترجع لصاحبها فقط فليس من باب ان المعاملة صحيحة والزيادة باطلة، بل من باب المقاصة في المثل.

وقد ذهب بعض اساتذتنا الى ان المعاوضة الربوية حرام، ولكنها في بعض الموارد محكومة بالفساد وهي الموارد التي فيها زيادة مالية، بخلاف الموارد التي فيها الزيادة عبارة عن شرط العمل، فالشرط يكون باطلا ولكن المعاملة صحيحة. ودليل ذلك هو: ان من شرائط صحة المعاملة في العوضين اللذين من جنس واحد هو المماثلة، ودليله هو الروايات، فمنها صحيحة عبد الرحمن ابن ابي عبد الله(١) قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : أيجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟ فقال: لايجوز الا مثل بمثل. ثم قال ان الشعير من الحنطة» اذن بيع من من الحنطة بمن ونصف(٢) ليس انشاؤه مثلا بمثل - والذي امضاه الشارع هو المثل بالمثل - فتكون المعاملة فاسدة.

وما بيع من من الحنطة بمن بشرط خياطة الثوب، فهنا العمل المشروط في باب المعاملات ليس كالعمل المشروط في باب الاجارة، اذ الاجارة على العمل اذا وقعت فالمؤجر يملك العمل في ذمة الاجير، واما العمل المشروط في باب المعاملات فهو ليس تمليكا للعمل وانما هو التزام المشروط عليه بالعمل، ولهذا فيكون التمليك في المثال المتقدم هو بين المتماثلين، غاية الامر احدهما ملتزم بالخياطة فهو زيادة فيكون داخلا تحت عنوان الربا فيكون حراما انشاؤه

____________________

(١) الوسائل ج١٢ رواية (٢) ص٤٣٨.

(٢) وكذلك بيع من من الحنطة بمن وحق السرقفلية.

١٠٣

وفاسدا شرط. ولكن فساد الشرط لايسري الى فساد المشروط، لتحقق شرط البيع في المتجانسين وهو المماثلة(١) .

ونحن بامكاننا ان نقول: لماذا حكم ببطلان المعاملة فيما اذا باع منا من الحنطة بمن بشرط ان يدفع احدهما كيلوين منها، اذ بناء على ما تقدم يكون الشرط فاسدا وهو لايفسد العقد.

وقد يجاب: بان الفهم العرفي الارتكازي في الشرط اذا كان مالا، هو عدم المماثلة في المعاملة.، وحينئذ هنا نقول ان مناسبة الحكم وهو الربا والموضوع وهو عدم التماثل تقتضي توسيع الموضوع وهو عدم المماثلة لماذا اذا كان الشرط عملا وان كان الدليل الدال على الحرمة هو لايشمل الزيادة العملية، فتكون المعاملة باطلة.

اللهم الا ان يقال: ان العرف والمرتكز العرفي يفرق بين الشرط بزيادة كيلوين والشرط اذا كان عملا فيرى عدم التماثل في الاول دون الثاني.

وجه لعدم فساد المعاملة الربوية المعاوضية

قد يقال(٢) : ان مبغوض الشارع اذا كن مسببا عن المعاملة مثل بيع السلاح لاعداء الدين في حرب المسلمين، فحينئذلاتكون المبغوضية في الانشاء وانما في ملكية السلاح لاعداء الدين باي طريق كان كالهبة او المصالحة. واما اذا كان النهي عن المعاملة بالمعنى المسببي غير مبغوض للشارع، فالنهي لايوجب فساد المعاملة كما التزم به الشيخ النائيني (قده) في الاصول، وحينئذ نقول: ان

____________________

(١) هذا التفصيل للشيخ الاستاذ آية الله الميرزا جواد التبريزي تعرض له في بحثه مستطردا.

(٢) ذكر هذا الاستدلال الشيخ الوحيد الخراساني في بحثه الاصولي مستطردا.

١٠٤

النهي الذي توجه الى بيع عشرة كيلوات من الحنطة بتسعة منها لايجعل المبغوض ملكية المشتري للعشرة بأي طريق كان، اذ لو وهبه عشرة كيلوات لم يكن هذا مبغوضا، وحينئذ نستكشف ان المبغوض هو ملكية المشتري العشرة بالتسعة بالبيع فيكون النهي غير مقتضي للفساد لان المسبب غير مبغوض.

ولا ارى حاجة للرد على هذا الاستدلال بعد البيان المتقدم خصوصا اذا التفتنا الى ان ادلة صحة المعاملة في الربويات مشروطة بالتساوي في القدر، وهو غير موجود هنا فلايكون هذا مشمولا لادلة صحة البيع فيكون باطلا(١) .

هذا كله بالنسبة للربا في المعاملة.

واما الربا في القرض:

فقد يقال بحرمة اصل القرض ايضا. وذلك لما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله «كل قرض يجر منفعة فهو حرام» «كل قرض يجر منفعة فهو فاسد» اذ الحرمة والفساد لاصل القرض ولكن هاتين الروايتين نقلهما العامة عن علي(ع) ولكن قالوا بان السند ساقط وسوار الذي روى الرواية متروك الحديث. وقد نقلهما الامامية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يرويا من طرقنا، بل يظهر من بعض الاخبار ردهما اذ يسأل الامام (ع) «ان من عندنا يروون كل قرض يجر منفعة فهو فاسد، قال (ع) او ليس خير القرض ماجر نفعا؟»(٢) .

نعم الروايات التي وردت عن الامامية التي تقول بجواز اخذ الزيادة في القرض مالم يكن شرطا وامثالها(٣) ، نفهم منها ان الزيادة اذا كانت في عقد

____________________

(١) ولا نرى حاجة للتعرض هنا لرد مبنى الاستدلال لان البحث فقهي.

(٢) الوسائل١٣/باب (١٩) من ابواب الدين القرض/حديث(٤) ص١٠٣.

(٣) نفس المصدر/ حديث(٣).

١٠٥

القرض بواسطة الشرط في العقد فهو الذي فيه بأس، وحينئذ نرجع الى كلامنا السابق لنرى ان الشرط في هذا العقد هل يخل بشرائط الصحة ام لا؟ فنقول: ان الشرط للزيادة في عقد القرض هو شرط فاسد للنهي عنه الا انه لايخل بشرائط العقد، ولذا لايفسد العقد القرضي.

وتوضيح ذلك: ان القرض هو تمليك مال على وجه الضمان، والضمان في القرض عبارة عن انتقال نفس العين الى العهدة بالغاء خصوصياتها الشخصية، ولذا لايحتاج في القرض الى تعيين عوض، لانه ليس الا تمليكا مع التضمين لما ملكه، اذن ليس في القرض اعتبار المبادلة بين المالين كما في البيع، ولذا فان شرائط صحة القرض متوفرة حتى مع وجود الشرط الفاسد، فان الغي الشرط الفاسد يبقى العقد صحيحا، ولهذا فرقنا بين بطلان المعاملة الربوية وصحتها في القرض مع بطلان الشرط فقط.

ومما يمكن ان يكون دليلا على صحة العقد القرضي مع بطلان الشرط للزيادة فقط هو ما رواه الصدوق(١) باسناده عن ابان عن محمد بن مسلم عن ابي جعفرعليه‌السلام في الرجل يكون عليه دين الى اجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول: أنقدني من الذي لي كذا وكذا واضع لك بقيته او يقول انقدني بعضا وأمد لك في الاجل فيما بقي، فقال: لاارى به بأسا مالم يزد على رأس ماله شيئا يقول الله عزوجل (فلكم رؤوس اموالكم لاتظلمون ولاتظلمون). فالامام يقول لا أرى به بأسا مالم يزد على رأس ماله شيئا، فكأن، الزيادة على رأس المال هي التي فيها بأس، فيكون القرض الذي هو تمليك في مقابل الضمان على حاله.

____________________

(١) الوسائل ج١٣/باب(٣٢) من أبواب الدين ص١٢٠. والظاهر ان ابان هنا هو أبان بن عثمان لان ابان بن عثمان يروى عن محمد بن مسلك كما في جامع الرواة فتكون الرواية معتبرة (صحيحة).

١٠٦

٧- اسقاط حقوق المرابي:

قد ذكرت الروايات ايضا اسقاط الحقوق التي منحت لكل فرد عن المرابي فحرمته من تولي المناصب القضائية ومنصب الافتاء والامامة والشهادة، وكذلك اسقاط حقوق المعاونين للمرابي من الآخذ والكاتب والشاهدين بالاضافة الى لعنهم، وذلك لما رواه محمد بن علي بن الحسين عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال: ان تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر التي اوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا اولربا وعقوق الوالدين، والفرارمن الزحف وغير ذلك...»(١) .

وهذه الصحيحة عامة لكل من لاتكون عنده عدالة، ومن جملتهم المرابي، وحينئذ من كل شيء من الحقوق التي يعتبر فيها العدالة، من شهادة او امامة او منصب افتاء وقضاء وكذلك المعاون للمرابي والشاهد والآخذ والمعطي حيث شملهم اللعن(٢) وانهم مع المرابي سواء في الوزر، فهم فساق يحرمون من هذه الحقوق.

تنبيه : ان هذه الادلة المتقدمة انما ذكرناها - كما تقدم - لبيان حرمة الربا كقانون عام عرضته الشريعة الاسلامية عن الربا وفساد المعاملة الربوية المعاوضية، فهي تكون حجة للكل قسم من اقسام الربا التي نعرضها فيما بعد التي هي ربا حقيقة او ربا بحكم الشارع كما في ربا المعاوضة كما سيأتي. ويفيدنا هذا القانون العام كعموم فوقاني نرجع اليه عند العلم بأن الموضوع ربوي،

____________________

(١) الوسائل ج١٨/ باب(٤١) من ابواب الشهادات حديث(١) ص٢٨٨.

(٢) الوسائل ج١٢/ باب (٤) من ابواب الربا ص٤٢٩ - ٤٣٠.

١٠٧

ولكن نشك في استثنائه من الحرمة لدليل قاصر، فهو يكون مرجعنا عند الشك في هذه الصورة.

كما اننا نرجح ذكر عام آخر اكبر من هذا العام مثل «اوفوا بالعقود» او غيره من عمومات الحل، ونجعله عموما فوقانيا نرجع اليه عند الشك في اندراج موضوع تحت تحديدات الربا التي ذكرتها السنة اذا كانت الشبهة مفهومية لامصداقية.

وانما جعلنا القانون العام هو عموم حرمة الربا لنرجع اليه عند الشك في استثناء فرد من الحرمة لان العمومات القرآنية التي تقدمت وكذلك الروايات تحرم موضوعا واحدا وهو الربا، وهو عبارة عن مطلق الزيادة المأخوذة بلا مقابل شرعا او حقيقة سواء كانت في البيع او في القرض، وهذا بخلاف البيع الذي فيه اخذ الزيادة الا ان العرف يرى ان هذه الزيادة لها مقابل.

نعم العرف يرى ان الزيادة قد تكون في مقابل الوصف او الجودة، ولكن الشارع لايرى مقابلتها بالمال، وقد يرى العرف ان الزيادة في مقابل الاجل، ولكن الشارع منع ذلك. والخلاصة. ان الموضوع المحرم في الايات والروايات هو الزيادة بلا مقابل شرعا في البيع والقرض، لهذا سوف نتكلم عن البيع في فصل كما نتكلم عن القرض في فصل آخر مستقل لمعرفة التفصيلات التي ذكرها الشارع في البيع وفي القرض اضافة الى العنوان المشترك بينهما المشمول لادلة التحريم.

الفصل الاول : ربا المعاوضة

ونتكلم في ان الربا يثبت في مطلق المعاوضات والمبادلة بين المالين حتى

١٠٨

الصلح، كما نتعرض للقول بثبوت الربا في الهبة المعوضة وعدم ثبوته كما في الوفاء والغرامة والقسمة، ثم نتعرض للاركان الثلاثة التي لابد منها لتحقق الربا ونحقق الحال فيها مفصلا، ثم نتعرض الى بيع الصرف بما يتصل بالمقام مع ذكر شروطه وجملة مايتعلق ببيع الذهب والفضة من مسائل.

ونحن نطلق على هذا الربا عنوان الربا المجازي، حيث ان بيع الحنطة الجيدة بالحنطة الرديئة مع التفاضل شيء عقلائي، الا ان الشارع وسع موضوع الربا الى هذه المعاملات فأصبحت موضوعا للحرمة. ولابد لنا من استعراض الروايات الواردة في الباب لتحديد الربا في المعاوضات. والروايات على طوائف:

١- صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله(ع) في حديث انه قال: يا عمر قد احل الله البيع وحرم الربا، بع واربح ولاتربه، قلت: وما الربا؟ فقال: دراهم بدراهم مثلين بمثل، وحنطة بحنطة مثلين بمثل. وروى الصدوق باسناده عن عمر بن يزيد نحوه. ومثل هذه الرواية روايات كثيرة تدل باطلاق سؤال السائل واطلاق الجواب على شمول الربا لكل مثلين بمثل سواء كانا في بيع او في معاوضة غير بيعية، وهذا الاطلاق مستفاد من حرف الباء، اذ هو للمعاوضة فدل على معنى المعاوضة بمدلوله الحرفي، ولا حاجة للنظر في سند هذه الروايات لانها في اعلىمراتب الصحة.

٢- صحيحة الحلبي (التي لها ثلاثة اسانيد) جميعا عن ابي عبد الله (ع) قال: ما كان من طعام مختلف او متاع او شيء من الاشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد، فأما نظرة فلايصلح»(٢) وهناك روايات اخرى ذكرت لفظ

____________________

(١) الوسائل ج١٢/ باب (٦) من ابواب الربا حديث (٢) ص٤٣٤.

(٢) الوسائل ج١٢/ باب (١٣) من ابواب الربا حديث(٢) ص٤٤٢.

١٠٩

البيع. ولا يخفى ان ذكر لفظ البيع لايجعل الربا مختصا به لعدم افادة الحصر منه، وذكره انما جاء لغلبة افراد البيع في ذلك الوقت. ولاحاجة ايضا للتنبيه على سند الروايات فانها في اعلى مراتب الصحة.

٣- صحيحة الحلبي الثانية عن ابي عبد الله (ع) في حديث قال: الكيل يجري مجرى واحد، قال: ويكره قفيز لوز بقفيزين... ولكن صاع حنطة بصاعين تمر، وصاع تمر بصاعين زبيب اذا اختلف هذا، والفاكهة اليابسة تجري مجرى واحد، وقال: لابأس بمعاوضة المتاع مالم يكن كيلا او وزنا «كيل او وزن خ ل»(١) .

وتوجد روايات اخرى سندها تام ايضا ذكر فيها لفظ المعاوضة. وهذه الروايات ذكرت المعاوضة بمعناها الاسمي، وهي ايضا مطلقة لكل معاوضة سواء كانت بيعية او غير بيعية.

٤- صحيحة سيف التمار قال قلت لابي بصير: احب ان تسأل ابا عبد الله (ع) عن رجل استبدل قوصرتين فيهما بسر مطبوخ بقوصرة فيها تمر مشقق، قال: فسأله ابو بصير عن ذلك فقال: هذا مكروه، فقال ابو بصير: ولم يكره؟ فقال: ان علي بن ابي طالب (ع) كان يكره ان يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ولم يكن علي (ع) يكره الحلال(٢) ، ورواها الكليني باضافة جملة زائدة وهي «لان تمر المدينة أدونهما ولم يكن علي (ع) يكره الحلال».

وتوجد روايات اخرى ذكر فيها لفظ المبادلة ايضا وسندها معتبر. وهذه الروايات ذكرت الاستبدال الذي هو معنى المعاوضة الاسمي، وهو مطلق لكل استبدال سواء كان في بيع او في غير بيع، فان كان الاستبدال في غير البيع فهو

____________________

(١) نفس المصدر/الحديث الثالث.

(٢) الوسائل ج١١٢ باب (١٥) من ابواب الربا حديث(١) ص٤٤٧.

١١٠

الذي يكون ظاهرا عقدا مستقلا، قد نصطلح عليه «عقد المبادلة «ويشمله» اوفوا بالعقود او تجارة عن تراض» وهو عبارة عن وقع كل من المالين بدل الاخر وهو الذي كان سائدا قبل ظهور النقود الذي يسمى بعقد المقايضة الذي لايتميز فيه البائع عن المشتري ولا الثمن عن المثمن، ولذا لايكون هذا النوع من العقود بيعا. ثم اننا عبرنا بالرواية انها صحيحة لان سيف التمار هو ابن سليمان التمار الكوفي الثقة، وسند الشيخ الى ابن محبوب صحيح.

وبعد عرض هذه الادلة الواردة في ربا المعاوضة - التي كانت الطائفة الاولى مطلقة، وكانت الثانية قد ذكرت لفظ البيع، والثالثة قد ذكرت لفظ المعاوضة والرابعة قد ذكرت الاستبدال، وكلها ذكرت المتجانسين اذا كانا مما يكال او يوزن، فاشترطت المساواة - نقول:

ان الادلة المتقدمة نستفيد منها حرمة الربا لمطلق المعاوضة والمبادلة بين المالين وما ذكر من ان الانصراف انما يكون الى البيع والتبادر ايضا كذلك مردود بأنه انما نشأ من كثرة افراد البيع لا من كثرة الاستعمال بحيث نقل المعنى العام للمعاوضة الى البيع. وعلى هذا فلا وجه لاختصاص الربا في البيع كما فعل العلامة الحلي(١) .

وقد ذكر في دليلهم ان المتبادر من اطلاق الراويات هو البيع والقرض «اما غيرهما فلايعلم جريانها فيه فيبقى على اصل الاباحة المؤيد بظواهر الايات والاخبار الدالة على حصول الاباحة بالتراضي، وعلى حصر المحرمات، وليس هذا منها، وان الناس مسلطون على اموالهم، خرج البيع والقرض وبقي الباقي»(٢) وذلك: لعدم التمكن من التمسك بالتبادر مع تصريح الروايات بأن

____________________

(١) وكذلك العامة كما تقدم ذلك.

(٢) مفتاح الكرامة للعاملي ٤/٥٠٣.

١١١

الربا يقع في المعاوضة والمبادلة واطلاقهما يشمل غير البيع، والانصراف يرد عليه ما تقدم.

وبهذا نعرف ايضا الوجه لتعريف الربا بأنه «بيع احد المتماثلين المقدرين بالكيل او الوزن في عهد صاحب الشرع(ع) او في العادة...» كما فعل صاحب المسالك، كما لاوجه ايضا لما ذكر في منهاج السيد الحكيم (قده) في تعريف ربا المعاملة بأنه «بيع احد المتماثلين بالاخر مع زيادة عينية...»(١) لما تقدم من اطلاق الروايات التي عرضنا قسما منها.

واما ما ذكر كدليل على شمول الربا لكل معاوضة من التمسك بمعنى الربا اللغوي الذي هو الزيادة «فيخرج ما هو حلال بالاجماع ويبقى الباقي تحت التحريم»(٢) فهو لاينسجم مع ماتقدم من العموم الفوقاني «أوفوا بالعقود» الذي ذكرنا الرجوع اليه عند الشك في دخول معاملة ماتحت موضوع الربا، حيث اننا نعلم بان المعنى اللغوي للربا وهو مطلق الزيادة من غير عوض مراد من الربا الشرعي - كما تقدم - مع ملاحظة حدود توسيع الشارع لموضوع الربا، وما دمنا قد شككنا في دخول المعاوضات غير البيع - كما هو المفروض من المستدل - يتحتم علينا الرجوع الى العموم الفوقاني الذي تقدم ذكره فتحل المعاملة.

اذن الدليل الصحيح كما استدل به المشهور وهو الاقوى، فيجرى الربا في مطلق المعاوضات كالصلح(٣) والمبادلة والمعاوضة للاطلاق. بل يمكن ان

____________________

(١) منهاج الصالحين٢/٤٠.

(٢) مفتاح الكرامة ٤/٥٠٣.

(٣) فان الصلح وان كان قوامه بالطرفين لابالمالين الا ان متعلقه قد يكون المال، فيصدق عنوان المقابلة بين المالين والمبادلة بينهما ايضا.

١١٢

يقال بجريان الربا «في الهبة المعوضة» كما اختاره المحقق في الشرائع وصاحب الجواهر (قده) «ولانها وان كانت هبة في مقابل هبة الا انها في اللب مبادلة بين الموهوبين»(١) وكذلك يجري الربا في الابراء بشرط الابراء، وقد ذكر بعض الفقهاء انصراف الاخبار عن الهبة والابراء فان تم الانصراف فهو والا فيجري فيهما الربا.

ولنا ان نقول ان الهبة المعوضة تتصور على نحوين:

الاول: ما هو المعروف من ان يهب شخص شيئا ويشترط على المتهب شيئا فالهبة هنا عبارة عن تمليك شيء مجانا، واما اشتراط شيء على المتهب فهو لايخرج الهبة عن كونها مجانية، ولذا لو تخلق المتهب لم تقع الهبة باطلة، اذن ليس مقتضى عقد الهبة هنا تقابل بين المالين فلا يتحقق موضوع الربا.

الثاني: ان يهب شيئا مقابل هبة الاخر، فتكون الهبة مقابل الهبة، وقد استشكل في صحة هذه المعاملة بعض المحققين ومنهم السيد الخوئي (حفظه الله) حيث ناقش في صحة المعاملة المذكورة: بأن المبادلة لابد ان تكون بين مالين موجودين، اما خارجا واما اعتبارا في الذمة، واما ما كان موجودا في زمان وانعدم فلا معنى لتبديلة. والمقام من هذا القبيل، حيث ان تمليك الاول ينتهي امده بقول الشخص (ملكت) فاذا جاء الشخص الثاني وقال (ملكت) فيكون تمليكه هذا بأزاء تمليك غير موجود فعلا، فيكون العوض معدوما حين ذكر العوض، ولايكون المعدوم المطلق معوضا. ولذلك لو اراد الشارع ان يمضي هذه المعاملة فيستلزم امضاء المعدوم و هو غير صحيح. نعم يمكن ان يقع العقد على شيء موجود فعلا او يمكن ان يتحقق في المستقبل(٢) .

____________________

(١) العروة الوثقى ٣/٩ - ١٠.

(٢) مصباح الفقاهة ٢/٦٦ - ٦٧.

١١٣

وهذا الكلام مستند الى ان معنى الهبة هو المعاوضة بين الفعلين لانفس العينين.

ويمكن ان يناقش بأن يقال: حتى لو قلنا بان الهبة بين الفعلين، ولكن المراد من الفعلين هو المسبب الحاصل من الايحاب والقبول، فيكون المراد من الفعل التمليك وهو موجود وليس بمنعدم، وحينئذ تكون المعاملة صحيحة، والهبة تبقى على معناها الحقيقي، واما اذا قلنا ان الهبة المعوضة هي في اللب مقابلة بين المالين فيكون المال الموهوب من الاول موجودا حين هبة الثاني، فتكون المعاملة ايضا صحيحة. ولكن هل يجري فيها الربا؟ والجواب: هو اذا اخترنا ان الهبة المعوضة هي التقابل بين التمليكين فلايحصل الربا، وان اخترنا ان معناها اللبي هو التقابل بين المالين فيحصل الربا مع الزيادة واتحاد الجنس، لان المعاملة تكون صورتها صورة هبة.

وهنا نوع من التعاوض لا بعنوان المعاوضة كوفاء الديون، كما اذا كان المدين الذي عليه ثمانية قد اعطى عشرة، فان المعطى الى الدائن عوض عما في ذمة المدين، وحينئذ اذا قصد المدين الوفاء بالعشرة في مقابل الثمانية - لا أنه اعطى الثمانية عوضا عما في ذمته ووهب الزائد - فهل هذا ربا تشمله ادلة الحرمة؟.

وللجواب على ذلك: لابد من مراجعة الادلة التي دلت على تحديد الربا في المعاوضات، وقد قلنا سابقا انها دلت على حرمة الزيادة في المعاوضة او المابدلة في المتماثلين، وهنا اذا كان اعطاء العشرة بعنوان الوفاء فلا يتحقق موضوع الحرمة. هذا والمسالة يمكن ان تطرح في باب القرض، اذ هذا قد يكون من القرض الذي جرى نفعا، فان لم يكن بشرط فهو جائز.

والحق إن ايفاء ما في الذمة اذا لم يكن بعنوان الصلح، بل كان بعنوان الوفاء فهو لايمكن ان يحقق موضع الحرمة، اذ لاتبادل ولاتعاوض حيث

١١٤

أن الدائن ملك المال الى المدين على وجه الضمان، والان المدين يريد ان يفي بما في ذمته لانه ضامن للمال فهو وفاء، فقهرا يطبق الكلي على الفرد ويكون الزائد هبة اومالا قد اعرض عنه صاحبه، وحتى لو قلنا انه معاوضة في الحقيقة، فان الاخبار الدالة على الحرمة منصرفة عنها لانها ناظرة الى المعاوضات التي تحصل عند الناس ابتداءا، اما ما لايمكن معاوضة ابتدائية وانما يسمى معاوضة بعد الانتهاء فتنصرف عنه الادلة المحرمة، بل تشمله روايات «خير القرض ماجر نفعا» اذ لم يكن بشرط.

ونفس الكلام نقوله عن الغرامة والقسمة، كما اذا اتلف زيد منا من الحنطة الجيدة وبعد ذلك دفع الى المالك منا ونصف من الرديئة، فهنا لاتعاوض ابتدائي وانما هناك اتلاف وغرامة، وبعد تحقق الغرامة١ يقال حصلت المعاوضة فهي معاوضة مجازية بعد تمامية عنوان الغرامة، فلايكون موضوعا للحرمة، أي لاتكون اخبار الحرمة شاملة لها. وكذلك القسمة، اذ هي تمييز بين الحقين فلو كانت الشركة بالمناصفة واقتسما بالثلث والثلثين من الجيد او الرديء فهو ليس بربا لان القسمة تمييز الحق، وان حصل عنوان التعاوض بعد التمييز.

ثم انه قد ادعي بأن ظاهر بعض الاخبار المنع من الغرامة في المثل مع الزيادة كما في صحيح الحلبي قال «وسئل عن الرجل يشتري الحنطة ولايجد عند صاحبها الا شعيرا ايصلح ان يأخذ اثنين بواحد؟ قال: لا، انما اصلهما واحد» وكذلك صحيح هشام «عن الرجل يبيع الرجل الطعام الاكرار، فلايكون عنده مايتم له ماباعه فيقول خذ مني مكان قفيز حنطة قفيزين من شعير حتى تستوفي مانقص من الكيل. قال (ع) لايصلح لان اصل الشعير من الحنطة...»(١) وكذلك ما في قرب الاسناد عن رجل اشترى سمنا ففضل له فضل أيحل له ان يأخذ مكانه

____________________

(١) الوسائل ج١٢/ باب (٨) راوية (١،٤) ص٤٣٨

١١٥

رطلا او رطلين زيت؟ قال: اذا اختلفا وتراضيا فلا بأس(١) . ولكن كل هذه الروايات ظاهرة في المبادلة لا الوفاء، لان الوفاء لابد ان يكون بتطبيق الكلي على فرده(٢) ، اما اذا اعطى من غير جنسه فهو معاوضة واذا صارت كذلك فيقع الربا فيه. ولذا لايحتاج الوفاء الى رضا صاحب المال اذا اعطي من مصاديق ما في الذمة بينما اذا اعطينا صاحب المال من غير مصاديق ما في ذمتنا فيحتاج الى رضاه، وهذا هو معنى المعاوضة، اذ لامعنى لانطباق ما في الذمة على غير فرده الا بافتراض تحقق المعاوضة.

وقد يؤيد هذا الكلام بتعبير الروايات فقد ذكر لفظ الوفاء في العطاء من نفس الجنس(٣) «عن ابي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يبعث بمال الى ارض، فقال للذي يريد ان يبعث به: اقرضنيه وانا اوفيك اذا قدمت الارض قال: لابأس» ووردت لفظة الاستيفاء في اعطاء الشعير بدل الحنطة كما في صحيحة هشام بن سالم(٤) عن ابي عبد الله (ع) فقال الراوي «خذمني مكان كل قفيز حنطة قفيزين من شعير حتى تستوفي مانقص من الكيل. قال: لايصلح..» فالخلاصة: هي ان الربا لايجري في الوفاء اذا كان من نفس الجنس، واما الوفاء من غير الجنس الذي لايكون الا بتوسط المعاوضة فيجري فيه الربا مع الزيادة.

وبعد هذا العرض المتقدم يمكننا القول بان ربا المعاوضة كما ذكره المشهور

____________________

(١) الوسائل ج١٢/باب(١٣) رواية (١١) ص٤٤٥ وهي ضعيفة بعبد الله بن الحسن فانه مجهول.

(٢) الوفاء لغة هو «اعطاء حقه كاملا» وليس معناه ابراء ذمة النفس حتى يكون بغير الجنس ايضا. المنجد ص٩١١.

(٣) الوسائل ج١٢/ باب (١٤) من ابواب الصرف/ حديث(٢) ص٤٨٠.

(٤) الوسائل ج١٢/باب (٨) من ابواب الربا/ حديث(١) ص٤٣٨.

١١٦

هو: «مبادلة او معاوضة المتماثلين اذا قدرا بالكيل او الوزن وزاد احدهما على الاخر» والزيادة الحقيقية النقدية في المكيل والموزون مع المثلية في البدلين هي ما يسمى بربا الفضل او ربا الزيادة، مثل بيع من من الحنطة بمنين منها، او مبادلة درهم بدرهمين او دينار بدينارين. اما الزيادة المعنوية في المكيل والموزون مع المثلية في البدلين - كما لو كان احدهما نقدا والاخر نسيئة مثل مبادلة من من الحنطة نقدا بمن من الحنطة نسيئة - فهو المسمى بربا النسيئة، ولايتوهم بوجود تناقض من قبل الشارع حيث ألغى ان يكون للاجل قسطا من الثمن في الربا القرضي فكيف هنا جعل للاجل قسطا من الثمن؟ اذ يقال ان الاجل له قسط من الثمن هو القاعدة العامة، ولكن الشارع الغى هذه القاعدة في بعض الموارد (كالقرض).

ثم ان هذا التقسيم ذكر في كتب العامة - كما تقدم - وهو تقسيم صحيح ناشىء من اختلاف الزيادة الى عينية وحكمية. ثم ان ربا الفضل لايقدم عليه العقلاء، الا اذا كان الطرف الناقص مشتملا على وصف يقع في مقابل المقدار الزائد في الطرف الاخر، وحينئذ يكون البائع قد تعلق غرضه بتحصيل كمية اكثر، والمشتري تعلق غرضه بتحصيل كيفية خاصة، ولذلك يرضى بهذه المعاملة ويقدم عليها، ولذا قد يقال بعدم معرفة حكمة لتحريمه كما في ربا النسيئة فتكون حرمته تعبدية.

وقد يقال في حكمته على وجه الاحتمال ماملخصه: ان تحريم ربا الفضل لاجل ترويج النقد وتوسيطه في المبادلة، وعدم اكتنازه عند الناس، وبهذا يصبح النقد مقياسا للمالية، وهو امر يسهل الكثير من المصاعب التي كانت موجودة في بيع الامتعة بالامتعة.

واما ربا النسيئة فهو هنا ماتقع الزيادة فيه في مقابل التأجيل والامهال سواء

١١٧

كان التأجيل استقلاليا كما في الربا الجاهلي الذي تقدم «كان الرجل منهم اذا حل دينه على غريمه فطالبه به قال المطلوب منه له زدني في الاجل وازيدك في المال فيتراضيان عليه...» او كان التأجيل ضمنيا كما في القرض والبيع المثلي نسيئة. وربا النسيئة هو الربا الواضحة حكمته من انه يخرب البيوت ويسبب المفاسد الاجتماعية والاختلال الاقتصادي وتقسيم المجتمع الى طبقتين وما الى ذلك من المفاسد.

وبما ان بحثنا الان في الربا المعاوضي نتعرض لما قاله مشهور الفقهاء من ان الاموال التي يدخل فيها الربا المعاوضي هي ما اجتمعت فيها هذه الامور الثلاثة معا وهي:

١ - المثلية في البدلين.

٢ - الكيل او الوزن.

٣ - الزيادة سواء كانت حقيقية او معنوية.

وكل هذه الامور الثلاثة دلت عليها الاخبار.

اما المثلية في البدلين: فهو واضح من المثلية الى تواردت في الاخبار الكثيرة، ومعها تحرم الزيادة وتجب المساواة، وباختلاف المثلية لابأس بالتفاضل، ولاحاجة لذكرها هنا بالخصوص.

واما الكيل او الوزن: فقد صرح باعتباره في روايات كثيرة ايضا، منها: الموثقة التي رواها عبيد بن زرارة قال: سمعت ابا عبد الله (ع) يقول: لايكون الربا الا فيما يكال او يوزن(١) . وهناك طائفة من الروايات تنفي البأس عن التفاضل اذا لم يكن مكيلا او موزونا(٢) .

وقد اكتفى الامامية بهذه الروايات التي تشخص موضوع الربا المعاملي

____________________

(١،٢) الوسائل ج١٢ باب (٦) من ابواب الربا حديث(٣) وغيره ص٤٣٤ - ٤٣٥.

١١٨

على وجه العموم في كل متماثلين اذا كان من المكيل والموزون عن البحث حول العلة التي بموجبها حرم التفاضل في الاصناف الستة عند العامة، ولو اطلع السنهوري وابناء العامة على هذه التصريحات في الراوية لتحديد الموضوع العام للربا وعرفوا ان ماقاله الائمة (ع) هو مستند الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الله تعالى لما قالوا بترجيح حجة الشافعية في معرفة العلة على الحنفية لو انتهجوا منهج الحق من الاخذ بالنص.

واما الزيادة: فقد صرحت الروايات ايضا بحرمتها في المكيل والموزون اذا كانا متماثلين، فمنها صحيحة ابي بصير وغيره عن ابي عبد اللهعليه‌السلام قال: الحنطة والشعير رأسا برأس لايزاد واحد منهما على الاخر(١) .

وهناك روايات ذكرت عدم الباس من كونهما. سواء بسواء ومعنى ذلك بمفهوم المخالفة هو وجود البأس اذا لم يكونا كذلك، منها موثقة سماعة قال: سألته عن الحنطة والشعير فقال: اذا كانا سواء فلا بأس... الخ(٢) ولايضر اضمارها لانه ناشىء من تقطيع الروايات (على يد من جمع الحديث وبوبه) للامانة في النقل. وهذه الروايات وان كانت بصدد بيان ان الحنطة والشعير اصلها واحد، الا انها ايضا تبين البأس في الزيادة.

هذا، ويمكن الاستدلال على عدم صحة الزيادة بالروايات الكثيرة التي ذكرت المثلية، حيث ان المثلية كما يجب ان تكون باتحاد نوع البدلين، يجب ان تكون باتحاد القدر ايضا، فان زاد احدهما على الاخر لم تحرز المثلية فيكون ربا.

ثم انهم ذكروا من اطلاق الزيادة الواردة في الروايات يفهم المنع في

____________________

(١) الوسائل ج١٢/ باب (٨) ن ابواب الربا حديث(٣) ص٤٣٨.

(٢) نفس المصدر حديث(٦) ص٤٣٩.

١١٩

الزيادة العينية (الحقيقية) والزيادة الحكمية (المعنوية) أي كلما تحقق عنوان الزيادة بأي شكل كان فهو ربا، والزيادة لها اشكال:

الشكل الاول: اذا كانت الزيادة عينية على وجه الجزئية من مثل العوضين او غيره. وهنا عدم تحقق المثلية المشترط في الروايات مفهوما ومنطوقا واضحا.

الشكل الثاني: اذا كانت الزيادة عينية على وجه الاشتراط بحيث لم تكن الزيادة في مقابل شيء، فأيضا هنا لم تتحقق المثلية في العوضين المتماثلين.

الشكل الثالث: اذا كانت الزيادة غير عينية وكانت مالا كاشتراط سكنى دار او خياطة ثوب، فأيضا لم تتحقق المثلية ولم تكن سواء بسواء.

الشكل الرابع: اذا كانت الزيادة حكمية كما اذاباع منا من الحنطة بمن الى شهر. ولكن بعض الفقهاء ذكر: ان القدر المتيقن من الزيادة هي العينية او ما بمنزلتها(١) ، واما اذا كانت الزيادة حكمية فمقتضى عمومات الحل الجواز.

ولكن يمكن ان يستدل لكون الزيادة الحكمية ربا بصحيحة محمد بن قيس(٢) قال: «قال امير المؤمنينعليه‌السلام : لاتبع الحنطة بالشعير الا يدا بيد لاتبع قفيزا من حنطة بقفيزين من شعير» فنحن اذا علمنا ان الحنطة والشعير هما مثلان في باب الربا، فعدم جواز البيع نسيئة يكون لاجل الاجل الذي له قسط من الثمن، فتحصل الزيادة الحكمية المحرمة.

ولكن قد يقال بأن المنع الوارد في هذه الرواية ليس منباب الربا، لان المثلية هنا متحققة عرفا فيحتمل ان يكون النهي حكما خاصا في «الحنطة والشعير»(٣)

____________________

(١) العروة الوثقى ٣/٥.

(٢) الوسائل ج١٢/ باب (٨) من ابواب الربا حديث(٨) ص٤٣٩.

(٣) كالحكم في بيع الصرف، ويؤيده الخبر العامي «بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب، والبر بالشعر والشعر بالبر كيف شئتم يدا بيد».

١٢٠