الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 79504
تحميل: 7390

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79504 / تحميل: 7390
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

وبهذا لاتكون الرواية دليلا علىحرمة بيع كل متماثلين نسيئة. وعلى هذا فتكون الزيادة الحكمية في بيع المتماثلين غير منهي عنها في الروايات فلاتكون محرمة خصوصا اذا لم يصدق عليها عنوان الزيادة المحرمة. ولعله لاجل هذا ذكر صاحب الجواهر (قده) «اذا كانت الزيادة حكمية، كالاجل فلا خلاف محقق معتد به في عدم الجواز»(١) وذكر صاحب الشرائع (قده) «لايجوز اسلاف احدهما (المتماثلان) في الاخر على الاظهر»(٢) .

ثم انه حتى اذا نظرنا الى الروايات الواردة في القرض التي تقول «انما جاء الربا من الشروط» وسلمنا ان البيع نسيئة للمتساويين شرط، وان بيع المثل بمثله نسيئة هو قرض خصوصا في النقود، فمع ذلك لايفيد في التحريم وذلك لان الشرط الذي يأتي منه التحريم هو الشرط للمقرض، واما هنا فالشرط هو للمقترض فلا تحريم.

ولكن الحق: ان بيع المثل بمثله نسيئة ليس هو قرضا لان القرض هو التمليك مع الضمان الى مدة والمفروض انه انشأ البيع وقصد معناه حقيقة وهو مبادلة مال بمال نسيئة، وحينئذ يكون الاجل زيادة في احد العوضين عرفا وعقلائيا - كما تقدم - فتشمله ادلة الحرمة لعدم وجود التماثل، لان في احدهما منا من الحنطة وفي الاخر منا مع الاجل، وبما ان الاجل، له قسط من الثمن فحصل الربا(٣) .

____________________

(١،٢) الجواهر ٢٣/ ٣٤٠.

(٣) قد يقال ان بيع المثل بمثله نقدا ليس قرضا، ولكن بيع المثل بمثله نسيئة هو قرض، حيث ان المدين اذا ابقى عند الشيء الذي استدانه الى نهاية الاجل واعطاه الى الدائن فقد برأت وهذا معناه ان بيع المثل بمثله نسيئة هو عبارة عن قرض لانه حقيقة هو تمليك مع الضمان، وعلى هذا فيكون مثال الربا الحكمي في صورة قرض فلان شيئا الى سنة مع شرط تأجيل الدين الذي علي - ستة اشهر او في صورة بيع شيء مثله بمثله نسيئة مع شرط تأجيل الدين الذي علي الى سنة.

١٢١

ثم ان بعض الشروط التي تذكر في بيع المتماثلين قد لايصدق عليها عنوان الزيادة عرفا كاشتراط كنس المسجد او اعطاء شيء للقفير او اتيان الصلاة في اول الوقت او المواظبة على صلاة الليل وامثال ذلك. اذن ليس كل شرط في احد العوضين يتحقق به الربا.

ثم انه لاجل ان نكون على معرفة اكثر بهذه الاركان الثلاثة للربا، نرى من الجدير بالامر تحديدها بصورة اوضحة، فنرجع الى الادلة المعتبرة لمعرفة ضابط كل واحد من هذه الاركان.

١ - ضابط المثلية في البدلين:

اننا اذا نظرنا الى الروايات في الباب نراها قد ذكرت لتحديد المثلية عناوين مختلفة وامثلة كثيرة، فمنها ماذكر بالتصريح اتحاد النوع(١) ، وقسم منها دل بمفهومه على اتحاد الجنس(٢) ، وقسم آخر دل بمنطوقه على اتحاد الجنس(٣) وقسم منها ذكر اتحاد الصنفين بالمفهوم(٤) ، واكثر الروايات ذكرت التماثل بين العوضين، بينما ذكرت روايات اخرى كون احدهما اصلا للاخر(٥) او فرعين لاصل واحد(٦)

وقد ذكر الفقهاء التعبير باتحاد الجنس كشرط لتحقق الربا في المعاملة، او كون أحدهما اصلا للاخر، او كونهما فرعين من جنس واحد، مع تصريحهم

____________________

(١) الوسائل ج١٢/ باب (١٣) من ابواب الربا حديث(٥) ص٤٤٣.

(٢) المستدرك ٨/٤٨٠.

(٣) الوسائل ج١٢/ باب (١٦) من ابواب الربا حديث(٣) ص٤٤٨.

(٤) نفس المصدر/حديث (٧) ص٤٤٩.

(٥،٦) الوسائل ج١٢/ باب (٨) من ابواب الربا حديث(١،٤) ص٤٣٨.

١٢٢

بأن المراد من الجنس هنا هو معناه اللغوي العرفي وهو الذي يسمىبالنوع عند المناطقة الذي يختلف بالفصل المقوم.

ولكن لما ذكر في الجواهر من ان الوصول الى معرفة الذاتيات - حتى يعرف النوع، ويفرق بينه وبين الجنس والصنف - متعسر، لانرى لزاما علينا ان نعبر بالجنس خصوصا اذا نظرنا الى اكثر الروايات التي عبرت بالمثلين والشيئين. ومن الامثلة التي ذكرت لها نعرف ان المراد هو الاتحاد بين شيئين بالعنوان الخاص الذي لايكون عنوانا اخص منه، نعم قد يختلف هذان الشيئان بالاوصاف ولكنهما متحدان عنوانا.

وبهذا نعرف ان الروايات التي ذكرنا اختلافها انما تشير الى اتحاد العنوانين كحنطة جيدة بحنطة رديئة، او حنطة حمراء بحنطة صفراء، او تمر زهدي بتمر عمراني او حنطة بدقيق، او دقيق بسويق فان كل هذه الافراد متحدة بالعنوان ان كانت مختلفة بالصفات، وحتى الروايات التي ذكرت اتحاد الصنفين لايراد منها الصنفين المنطقيين، وانما المراد ماذكرناه بقرينة الامثلة التي ذكرت له. وهذا الاتحاد في العنوان والتماثل انما يكون معتبرا اذا كان عند العرف كذلك، فيكون الميزان في المثلية هو اتحاد العناوين بحسب الفهم العرفي، خصوصا اذا لحظنا ان الشارع يخاطب الناس، ولايخاطب قسما منهم، ولعل الاتحاد بالعنوان عرفا يكشف عن الاتحاد في الحقيقة النوعية.

واما اختلاف العنوان (كالحنطة والشعير) فيجري فيه الربا لما ذكرته الروايات من ان الشعير من الحنطة وانها هي أصله(١) ، وقد قالت الروايات بأن الربا يثبت بين الاصل والفرع، كما ذكرت الروايات ايضا جريان الربا بين فرعين

____________________

(١) الوسائل ج١٢/ باب (٨) من ابواب الربا.

١٢٣

لاصل واحد وان كانا مختلفي العنوان كاللبن والزبد، او كالسويق والدقيق(١) .

وقد نقول باستثناء الاخيرين من عمومات الحل حيث حكم الشارع بربوبيتها من باب توسيع موضوع الربا الى ما يشمل الاختلاف بالعنوان بهذا المقدار (اي بتغير الصورة) فتكون ادلتها حاكمة على ادلة الربا في موضوعه.

نقول: ان مسألة الحنطة والشعير لاينبغي الاشكال في حكمها من حيث توفر الادلة ووضوحها في هذا لمورد، فمن الروايات صحيحة(٢) هشام بن سالم عن ابي عبد الله (ع) قال «سئل عن الرجل يبيع الرجل الطعام الاكرار فلا يكون عنده مايتم له ماباعه، فيقول له خذمني يمكن كل قفيز حنطة قفيزين من شعير حتى تستوفي مانقص من الكيل قال: لايصلح لان اصل الشعير من الحنطة ولكن يرد عليه الدراهم بحساب ما نقص من الكيل». وصحيحة ابي بصير(٣) عن ابي عبد الله (ع) قال: «الحنطة والشعير رأسا برأس لايزاد واحد منها على الاخر».

وصحيحة الحلبي(٤) عن ابي عبد الله (ع) قال «لايباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة، ولايباع الا مثل بمثل والتمر (الثمن خ ل) مثل ذلك، قال وسئل عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد صاحبها الا شعيرا أيصلح له ان يأخذ اثنين بواحد، قال انما اصلهما واحد وكان علي (ع) يعد الشعير بالحنطة».

ومع هذا فقد حصل الاختلاف بين ابناء العامة انفسهم، وبين الامامية ايضا، فذهب قسم الى اتحاد الحنطة والشعير في المثلية والعنوانية، بينما ذهب قسم

____________________

(١) الدقيق هو الطحين، والسويق هو دقيق مقلو من الحنطة او الشعير كما في مجمع البحرين٥/١٨٩.

(٢) الوسائل ج١٢/ باب (٨) من ابواب الربا حديث(١) ص٤٣٨.

(٣) نفس المصدر/ الراوية الثالثة.

(٤) نلفس المصدر/ الرواية الرابعة.

١٢٤

آخرالى أنهما مختلفان في العنوانية والمثلية(١) ولعل توجيه الاختلاف في هذه النقطة راجع الى قوله (ع) (لان اصل الشعير من الحنطة) او (وان اصل الشعير من الحنطة) او (وان اصلهما واحد)، فما هو المراد من هذا الكلام، وهل يمكن ان يستفاد منه قاعدة كلية في المقام فتكون الاشياء من اصل واحد نوعا واحدا يحرم الربا فيها؟.

وقد ذكر البعض احتمال ان يكون المراد من (أن اصلهما واحد) انهما كانا في بداية الامر بذرا من نوع واحد، ثم نتيجة للتحولات - والتطورات واختلاف المناخ واختلاط هذا البذر مع بذور اخرى - تعدد هذا البذر لهذين النوعين وهذا واضح اذا لاحظنا ان حبة واحدة ربما تختلف ثمارها باختلاف الارض والماء والهواء وتربيتها وتركيبها، فيحتمل ان يكون الشعير مثلا في الاصل متشعبا عن الحنطة.

وهذا وان كان كلاما عاما حيث ان جميع الاشياءالممكنة في العالم اصلها واحد كما يذكر ذلك الفلاسفة، فيكون حينئذ ان جميع الاشياء متشعب بعضها من بعض او أصلها واحد، الا ان التحريم الوارد في المقام انما هو راجع إلى

____________________

(١) وقد ذهب الاختلاف بين ابناء العامة، بين مدرسة أهل الحديث واهل الرأي، فالاولى كان مركزها في المدينة وعلى رأسها مالك بن أنس وهو قد تعرض لهذه المسألة في الموطأ وذهب الى اتحاد الحنطة والشعير في الجنس واعتمد في ذلك على اجماع فقهاء المدينة، بينما الثانية التي مقرها الكوفة وعلى رأسها ابو حنيفة ذهب الى ان الحنطة والشعير شيئان. واما فقهاء الخاصة: فابن الجنيد وابن عقيل وابن ادريس ذهبوا الى التعدد باعتبار اختلاف الحنطة والشعير لغة وحسا وصورة ولونا وطعما وادراكا، وهذا حسب مسلكهم في الاصول من عدم حجية خبر الواحد الذي افاد الوحدة بينهما، بينما ذهب الغالب من علماء الخاصة الى الوحدة بينهما باعتبار حجية خبر الواحد الذي يصرح بالوحدة بينهما.

١٢٥

العناوين، وبما ان الحنطة عنوان غير الشعير خارجا فلايفيد هذا الكلام في ربويتها، وعلى فرض هذا الاحتمال، فهل جملة (ان اصلهما واحد) وامثالهما قاعدة كلية؟ بحيث تكون الاشياء التي اصلها واحد نوعا واحدا؟.

نقول: ان هذا اللسان هو لسان حكمة لاعلة، لعدم امكان الاطلاع عادة على اصل الاشياء خصوصا عند الفقهاء والمكلفين، فكيف تجعل هذه كبرى مع عدم تمكن المكلفين من تطبيقها في مواردها؟ ولهذا نقول ان هذا اقرب مايكون الى حكمة الحكم قد ذكرها الشارع لتحريمه مبادلة الحنطة بالشعير مع التفاضل.

هذا وقد نسب الى المشهور في مسألة (التفاضل بين الاصل والفرع، وبين نفس الفروع) عدم الجواز، كالحليب نجعل منه لبنا وجبنا وزبدا، والحنطة نجعلها دقيقا وسويقا، واستدل على رأي المشهور بروايات الحنطة والشعير (وانهما من اصل واحد) واستنتاج قاعدة كلية، منها. نقول اما مسألة الاصل مع الفرع فمستند المشهور هو الراويات في المقام وهي:

١ - صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال«الحنطة بالدقيق مثلا بمثل والسويق بالسويق مثلا بمثل، والشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به»(١) وكذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) وغيرها. وقد ذكر في الجواهر عدم وجود القول بالفصل بين هذه الموارد وبين غيرها فيتم الاستدلال بها على الموضوع، وذكر مؤيدا لهذا الاستدلال وهو «عدم العثور على خلاف في شيء من هذه القاعدة الا ماعن الاردبيلي (قده) من التأمل في ذلك وأنه غير منضبط على القوانين من حيث عدم صدق الاسم الخاص على الجميع وعدم الاتحاد في الحقيقة، وبهذا لو حلف الا يأكل احدهما لم يحنث بأكل الاخر، فيحتمل كونهما

____________________

(١) الوسائل ج١٢/ باب (٩) من ابواب الربا حديث (٢و٤) ص٤٤٠.

١٢٦

جنسين يجوز التفاضل فيهما»(١) .

وقد أجاب شيخ الطائفة صاحب الجواهر (قده) عن تأمل الاردبيلي (قده) بأن القاعدة الاولية هي دوران الاحكام مدار الاسماء والعناوين الا ان المورد الذي نحن فيه مستثنى من تلك القاعدة للادلة الكثيرة التي ذكرناها، فيكون موردنا هذا دائرا مدار الحقيقة الاصلية وان اختلفت اسماء افرادها.

وهذه المناقشة صحيحة في كل اصل مع فرعه، او بين الفروع اذا كانت الحقيقة موجودة فيهما، وحينئذ يكون الامر اخص مما ذهب اليه المشهور من ان كل اصل مع فروعه وكل الفروع يجب البيع فيها متساويا سواء كانت الحقيقة موجودة فيها ام لا.

وهنا نقول: ان التحولات الفرعية على اقسام:

١ - قد يكون التفريع بواسطة التجزئة والاشتقاق والتحليل كالنفط الذي تتكون منه بعض المشتقات، او السكر من بعض الفواكه والخضروات.

٢ - قد يكون التفريع بواسطة التركيب كما في بعض الفواكه المتفرعة من التركيب.

٣ - قد يكون التفريع بواسطة تغيير صوري في الاصل كما في الدقيق بالنسبة الى الحنطة، فان الحنطة اذا فرقت اجزاؤها صارت دقيقا.

٤ - قد يكون التفريع بواسطة التحولات الطبيعية او بالوسائل.

٥ - قد يكون التفريع بواسطة الاستحالة وغير ذلك.

ولايمكن الالتزام بما ذكره المشهور من الربا في كل اصل مع فرعه، وبين الفروع، اذ لازم هذا هو عدم جواز التفاضل بين السكر والشونذر، وبين الخل المتخذ من التمر مع التمر، وغير ذلك من العناوين التي صرحت الروايات

____________________

(١) ٢٣/٣٥٠ - ٣٥١.

١٢٧

بجواز التفاضل فيها اذا اختلف الشيئان.

والتحقيق: فنح اذا رجعنا الى الراويات التي ذكرت عدم جواز التفاضل بين الاصل مع الفرع او بين الفروع نجدها لاتتجاوز هذه الامثلة «الدقيق بالحنطة البر بالسويق، السويق بالدقيق» فنلتزم بعدم جاز التفاضل في هذه الامور وامثالها التي تحفظ معه ماهية الاصل ظاهرا عند العرف، واما في غيرها فنلتزم بأدلة جواز التفاضل هذا اختلف الشيئان.

وقد يستدل للمشهور بروايات الحنطة والشعير من (ان اصلهما واحد) ولكن قد ذكرنا ان هذه الروايات لايستخرج منها قاعدة كلية، وانما هو امر تعبدي وتوسيع من دائرة حرمة الربا، وماذكر من ان اصلهما واحد هو حكمة للحكم لاعلة.

وبعبارة اوضح: ان الامام (ع) عنما يجيب بعدم جواز التفاضل بين الحنطة والشعير يحصل اشكال وتساؤل عند السائل، وهذا التساؤل ناشيء من اختلافهما عنوانا فكيف يحصل فيه الربا، ولذلك يكون الامام (ع) قد اجاب على سؤال مقدر فقال ان اصلهما واحد او ان اصل الشعير من الحنطة، وهذا الجواب عن السؤال المقدر لايمكن ان يكون قاعدة كلية في كل اصل مع فرعه مع اختلافهما عنوانا وعند العرف، لانه جواب عن خصوص ماحكم به الشارع من الربا في الحنطة والشعير، فيكون الشارع قد وسع من دائرة الربا فشملت الحنطة والشعير، واما غيرهما فيكون على القاعدة من ان الاختلاف في الاشياء يجوز التفاضل.

تحقيق الاصل في المقام:

ثم اننا لو شككنا في شيئين هل انهما متماثلان او مختلفان فما هي القاعدة؟

١٢٨

فقد يقال: ان احراز اتحاد العنوان او التماثل هو الاساس في الحرمة، فمالم نحرز ذلك يكون الشك في شرط الاتحاد والتماثل، وحينئذ يكون الشك في الشرط شكا في المشروط، فنتمسك بالعموم الفوقاني للحل بعد احراز عنوان البيع كام هو الفرض.

ولكن قد يشكل فيقال: ان الحرمة مشروطة بالاتحاد والمائل، وكذلك الحلية، فانها مشروطة بالاختلاف وعدم التماثل، لقوله «اذا اختلف الشيئان فبيعوا كيف شئتم» فاذا لم نحرز شرط الحرمة كذلك لم نحرز شرط الحل، وفي هذه الحالة وان كان يمكننا التمسك بالاصل الذي هو عدم الحرمة ولكن لايفيدنا في صحة ترتب الاثر، لاننا نشك في سبب النقل والانتقال فيبقى اصل عدم ترتب الاثر على حاله، وهو معنى اصالة الفساد في المعاملات كما ذكر المشهور.

والحق ان يقال: بامكان التمسك بالحل في المشتبه بالتماثل وذلك للشك في ربوبيته وحرمته، والاصل العملي هو عدم كونه ربويا وحراما، وبهذا يتنقح موضوع التمسك بالعموم الفوقاني لاوفوا بالعقود وامثالها. واما اشتراط الحل في الاختلاف فهو لايمكن الالتزام به هنا لان الاختلاف غير محرز ايضا، ولااصل عملي ينقح لنا موضوع التمسك بالحرمة، فلايجوز الرجوع الى عمومات التحريم. ولعله لهذا ذكر في الجواهر اقتصار الاصحاب الشرطية في المحرم دون غيره(١) .

وقد يقال: بأن الاصل العملي هنا هو عدم الانتقال (لاعدم كونه ربويا) اذا شككنا في الانتقال وعدمه فالاصل عدم النقل والانتقال، فلايتنقح موضوع التمسك بالعموم الفوقاني لاوفوا بالعقود. والجواب: ان هذا الاصل مسببي، لانه مسبب عن ان هذا العقد الذي حصل بين الشيئين الذي نشك في تماثلهما

____________________

(١) الجواهر ٢٣/٣٤٠.

١٢٩

هل هو عقد ربوي او غير ربوي(١) فان كان الاصل في السبب يقول لم يكن العقد ربويا ولو قبل التشريع، فلاشك في الانتقال وعدمه، وحينئذ يتنقح موضوع «اوفوا بالعقود»(٢) ولولا هذا الاصل اللفظي لكان المورد موردا لاصالة الفساد،

____________________

(١) أي نشك في وجود شرط في هذا العقد ام لا؟ فالاصل عدم الشرطية الزائدة أي عدم كونه ربويا.

(٢) زيادة توضيح: ان الموارد التي يقع البيع عليها وتشك انها متماثله او مختلفة راجعة الى الشك في شرطية الاختلاف في هذا البيع، فان اجرينا اصالة عدم الشرط الزائد في هذا البيع يكون المورد حينئذ من موارد التمسك ب- «اوفوا بالعقود».

وتوضيح ذلك، اننا اذا شككنا في بيع قد وقع هل يشترط في صحته الاختلاف اذا بيع متفاضلا ام لا؟ فاذا اجرينا اصالة عدم اعتبار الشرط الزائد تنقح موضوع «اوفوا بالعقود» و«احل الله البيع».

فان قيل: ماذا تقولون فيما يقوله المشهور من اصالة الفساد في المعاملات؟.

قلنا: للغلب على ذلك يوجد حلان:

(الحل الاول) ان اصالة الفساد في المعاملات محكومة بأصل عدم اعتبار الشرط الزائد بمعنى ان اصل عدم اعتبار الشرط الزائد (الاختلاف) ينقح موضوع اطلاقات صحة المعاملة كأوفوا بالعقود واحل الله البيع ومع وجود الاصل اللفظي لاينتهي الدور الى اصالة الفساد. نعم غاية الامر الحكومة متوقفة على امرين، الاول: ان يكون اصل عدم اعتبار الشرط الزائد في رتبة الموضوع لاصالة الفساد، وان يكون منشأ الشك في الموضوع لاصالة الفساد مسببا شرعيا عن الشك في اصالة عدم اعتبار الشرط الزائد. الثاني: ان يكون له اثر شرعي.

اما الامر الاول فحاصل لان الشك في الفساد مسبب عن الشك في اعتبار الشرط الزائد، الا ان التسبب ليس شرعيا «كما في محكومية استصحاب نجاسة اليد المغسولة بماء مستصحب الطهارة» بل ان التسبيب عقلي لان العقل يحكم بعدما جعل الشارع الاختلاف شرطا للعقد المؤثر في البيع مع التفاضل بأن الشرط اذا انتفى انتفى المشروط، واذا وجد الشرط وجد المشروط.

واما الامر الثاني فقد يقال بعدمه لان مجرد عدم الشرط الزائد لايثبت مؤثرية الاجزاء الاخرى الا بالاصل المثبت كما ان اصل عدم جزئية السورة مثلا لايثبت ان المطلوب هو الاجزاء

١٣٠

لان عدم الشرطية الزائد مع الاغماض عن وجود دليل لفظي لايكفي لاثبات الصحة، بل الاصل عدم الانتقال. اذن لابأس بالتفاضل بين السلت والشعير وبين العلس والحنطة، لعدم معرفة ان العلس من جنس الحنطة وان السلت من جنس الشعير.

اذا اختلف الشيئان فبيعوا كيف شئتم:

أي في ربا النسيئة لايعتبر المثلية في البدلين، ومورد الكلام هنا ما اذا كان العوضان من العروض وكانا مما يكال او يوزن. اما اذا كان العوضان كلاهما نقدين، فيدخل في بيع الصرف ولايجوز النسيئة فيه، واذا كان احد العوضين من النقود والاخر من العروض، فان كان الاجل للثمن فهو نسيئة، وان كان الاجل للمثمن فهو بيع سلم، وهذا الاشكال فيه.

ومما تقدم في ضبط معرفة المثلية في العضوين التي هي ركن في تحقق الربا، يفهم انه لاربا في صورة اختلاف العضوين في المثلية او العنوانية، ومعنى

____________________

(١) الاخرى، ولذلك فلابد من حل لهذه المشكلة، ولهذا احتجنا الى الحل الثاني وهو العمدة (الحل الثاني) ان العقد الفاقد للشرط المشكوك (الاختلاف) مادمنا لانشك في صدق (البيع) عليه عرفا فهو مشمول لاطلاقات صحة المعاملة (كأوفوا بالعقود) واما احتمال اعتبار الشرط الزائد فهو ملغى باطلاق الدليل الذي هو نفي احتمال القيود المشكوكة والشروط المشكوكة.

نعم يبقى موارد لاصالة الفساد في المعاملة وهي موارد الشك في الصدق العرفي، كما اذا كان الشرط المشكوك ركنا يخل بالصدق العرفي للمعاملة، وحينئذ لايمكن التمسك بالاطلاق فينتهي الدور الى الاصل العملي وهو اصالة الفساد، ولاتكون اصالة الفساد محكومة لاصالة عدم اعتبار الشرط الزائد، لان هذا الاصل لو كان راجعا الى اطلاق ادلة صحه العقد فالمفروض عدم احراز شمول الاطلاق للمقام، ولو كان اصلا مستقلا مثلا فهو لايفيد لانه لايثبت صحة العقد.

١٣١

ذلك جواز البيع متفاضلا ومتساويا نقدا ونسيئة كما ذهب الى ذلك المشهور. ولكن مع ذلك وردت الروايات الكثيرة التي تجوز التفاضل في هذه الصورة ولكن تقيده بالنقد (يدا بيد) فمن ذلك صحيحة الحلبي(١) عن ابي عبد الله (ع) قال: ما كان من طعام مختلف او متاع او شيء من الاشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد، فأما نظرة فلايصلح، وامثالها كصحيحة محمد بن مسلم قال «اذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد».

وقد حمل البعض لفظ «لايصلح» على الكراهة بدعوى انها تفيد عدم الصلاح، ويمكن تقريب هذا الاستدلال اكثر بدعوى ان الشيء قد يكون موصوفا بأحد اوصاف ثلاثة، اما الصلاح واما الفساد واما عدمهما، فالرواية التي تقول ليس فيه صلاح اولا يصلح لاتثبت وجود الفساد فيه، اذ قد يكون موصوفا بعدم الصلاح والفساد ايضا. وبهذا تكون لفظة لايصلح دالة على المبغوضية بالمعنى الاعم الى تشكل الكراهة(٢) .

ولكن الصحيح - كما ذهب اليه النراقي في عوائده(٣) - ان الصلاح خلاف ونقيض الفساد عند العرف، فنفي الصلاح اثبات الفساد كماذكر ذلك ايضا عن اللغويين كالجوهري والطريحي(٤) ، فان ذكرت الروايات كلمة لايصلح فمعنى ذلك انه فاسد ولايجوز، وهذا هو المتبادر من قول الطبيب لمريضه لايصلح لك الغذاء الفلاني، فان المريض يفهم فساد الغذاء له، ونفس هذا التبادر موجود

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب (١٣) من ابواب الصرف، حديث(١و٢)/ص٤٤٢.

(٢) اختلف الاصحاب في ان مفاد «لايصلح» هل هو الكراهة او الفساد او الحرمة؟.

(٣) عوائد الايام/ص٨١.

(٤) مجمع البحرين٢/٣٨٧ باب صلح «يقال صلح الشيء من باب قعد وصلح بالضم لغه خلاف فسد».

١٣٢

في زمن المعصوم (ع) كما نجد ذلك في رواية عبد الرحمن بن الحجاج(١) «اني ادخل سوق المسلمين اعني هذا الخلق الذين يدعون الاسلام، فاشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها اليس هي ذكية فيقول بلى، هل يصلح لي ان ابيعها على انها ذكية؟ فقال لا ولكن لابأس ان تبيعها وتقول قد شرط لي الذي اشتريتها منه انها ذكية، قلت وما افسد ذلك قال استحلال اهل العراق للميتة» فالراوي فهم من قول الامام لايصلح الفساد واستفسر عن سببه. واذا ثبت الفساد في الربا المعاوضي جاءت الحرمة لوجود ادلتها الخاصة هنا.

واما المفهوم من الصحيحتين فهو وجود البأس اذا كان البيع على نحو النسيئة والبأس ظاهر في الحرمة(٢) لان عدم البأس قد قيدته الصحيحة على ان يكون يدا بيد، فاذا انتفى هذا القيد فقد انتفت الاباحة وهو معنى الحرمة.

نعم على تقدير ان كلمة لايصلح ظاهرة في الكراهة، الا انها هنا تدل على الحرمة وذلك: لان لايصلح قد جعلته الرواية في مقابل «فلا بأس يدا بيد» وحينئذ الذي يكون في مقابل فلا بأس وهو البأس وهو ظاهر في الحرمة قطعا.

ولايخفى على من راجع الروايات الواردة في الباب ظهور وضوح استعمال لايصلح في عدم الجواز، فان الاستعمال وان كان اعم من الحقيقة الا ان تصريح اللغويين لكون الصلاح نقيض الفساد يوضح لنا ان لايصلح المستعملة في عدم الجواز مستعملة استعمالا حقيقيا في معناها الذي هو الفساد.

فالخلاصة: ان لايصلح (نهي) فان وردت في المعاملات فهي ظاهرة في

____________________

(١) الوسائل/ج٢/ باب (٦١) من ابواب النجاسات، حديث(٤) / ص١٠٨١.

ولاجاحة الى اعتبار الرواية هنا، لان فهم الراوي هو الشاهد فيها.

(٢) ذكر السيد اليزدي (قده) ان جملة من الاخبار في المقام مشتملة على قولهعليه‌السلام «لايصلح او يكره» ولكننا لم نجد في مقامنا دليلا بلفظ الكراهة ملحقات العروة ٣/٢٤.

١٣٣

الفساد لظهور النهي بوجود مانع من الامضاء، وان وردت في الافعال الخارجية فهي ظاهرة في الحرمة لظهور النهي بوجود مفسدة في المنهي عنه، وحينئذ ففي موردنا المعاملة فاسدة محرمة.

ثم انه يوجد ايضا في بعض الاخبار «لاينبغي اسلاف السمن بالزيت» ونحن مادما لانقبل ماذهب اليه السيد الخوئي (حفظه الله) من دلالتها على الحرمة مستدلا بالاية الكريمة، على لسان سليمان (ع)(وهب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي)(١) أي لايمكن ان يكون لاحد من بعدي، اذ ان لاينبغي في هذه الجملة تدل على عدم الامكان بالقرائن المحفوفة بالكلام مثل «لاحد من بعدي».

نقول: انها صالحة للدلالة على الحرمة والكراهة ولكن مع القرينة، اذ نقل ان لفظ «لاينبغي» في اللغة بمعنى «لايتيسر»، وبما ان عدم التيسر في التشريعات مساوق للحرمة فتكون دالة عليها، ولكن حكى في مجمع البحرين(٢) عن المصباح انه حكى عن الكسائي انه سمع من العرب «وما ينبغي ان يكون كذا أي ما يستقيم وما يحسن»، وهذا مناسب للكراهة الاصطلاحية، وهذان النقلان يؤيدان ما ذهبنا اليه من ان «لاينبغي» تدل على الحرمة وعلى الكراهة الاصطلاحية ولكن بالقرينة، والقرينة هنا موجودة، وهي تجويز بعض الاخبار لبيع الطعام بالطعام متفاضلا نسيئة كما في بيع السلف، وهذه الاخبار هي التي تدلنا بصورة واضحة على كراهة بيع المتماثلين متفاضلا نسيئة، اذ ما ذكرناه من الكراهة هو مقتضى الجمع بين الروايات المانعة والروايات المجوزة، ومن تلك الروايات المجوزة اولا: ما هو مطلق يشمل النقد والنسيئة:

أ - كرواية سماعة (موثقة) قال: سألته عن الطعام والتمر والزبيب، فقال:

____________________

(١) سورة ص:٣٤.

(٢) ١/٥٥ مادة بغا.

١٣٤

لايصلح شيء منه اثنان بواحد، الا ان يصرفه نوعا الى نوع آخر، فاذا صرفته فلا بأس اثنين بواحد واكثر «من ذلك يه»(١) .

ب - ورواية قرب الاسناد«عن اخيه موسى بن جعفر (ع) قال: سألته عن رجل اشترى سمنا ففضل له فضل ايحل له أن يأخذ مكانه رطلا او رطلين زيت؟ قال: اذا اختلفا وتراضيا فلابأس»(٢) . وهذه الرواية ضعيفة بعبد الله بن الحسن لجهالته كما تقدم، فتبقى الرواية الاولى وهي وان كانت مطلقة الا انه يمكن تقييدها بروايات «يدا بيد»، ولذا نحتاج الى ذكر روايات بيع الطعام بالطعام سلفا.

ثانيا: روايات بيع الطعام بالطعام وهي:

أ - كرواية وهب عن جعفر عن ابيه عن علي (ع) قال: لابأس بالسلف مايوزن فيما يكال ومايكال فيما يوزن(٣) .

ب - ورواية محمد الحلبي قال: سألت ابا عبد الله (ع) عن السلم في الطعام بكيل معلوم الى اجل معلوم قال لابأس به(٤) . وهي مطلقة لما اذا كان الثمن ذهبا او فضة او طعاما. نعم رواية وهب صريحة في المورد الا انها ضعيفة بوهب الذي هو من اكذب البرية، فتبقى رواية الحلبي، وهي صحيحة او حسنة فهي معتبرة، الا انها ليست صريحة في المورد وانما مطلقة.

والحق ان نقول: اننا لم نجد رواية صريحة ومعتبرة في جاوز بيع الطعام بالطعام نسيئة، نعم هناك اطلاقات تدل على ذلك، ولكن الروايات التي تقول

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب (١٣) من ابواب الربا/ حديث«٥»/ ص٤٤٣.

(٢) نفس المصدر/حديث«١١» ص٤٤٥.

(٣) الوسائل/ج١٣/ باب «٧» من السلف/حديث«١»/ص٦٣.

(٤) نفس المصدر/ باب «٦» من السلف/ حديث«١»/ص٦٢.

١٣٥

بواسطة المفهوم «بوجود البأس في بيع الطعام بالطعام نسيئة وتقول بعدم الصلاح» تقيد هذه الاطلاقات، وهذه الروايات فيها الصحيح التي تصرح بالجواز يدا بيد فتقول «وسئل عن الزيت بالسمن اثنين بواحد، قال: يدا بيد لابأس به»(١) ومعناه وجود البأس في النسيئة.

ولاداعي لحمل هذه الاخبار على التقية لان مورده التعارض، ولاتعارض هنا لوجود الجمع الدلالي بتقييد المطلقات بغير النسيئة.

ولكن قد يقال: ان التسالم بين علماء الشيعة المؤيد بالاطلاقات يدل على الاعراض عن الروايات المانعة من بيع الطعام بالطعام نسيئة، وحينئذ يكون الاعراض موهنا لها، فان تم هذا فهو والا فالرأي ماذكرناه. اذن يكفي في تحقق الربا في بيع النسيئة كون العوضين من المكيل والموزون ولو كانا مختلفين. واما في تحقق ربا الفضل فلابد من كون العوضين مكيلين او موزونين وكونهما متماثلين مع الزيادة. هذا كله في صورة بيع المتخالفين مع الزيادة نسيئة، واما بيع المتخالفين مع التساوي نسيئة فلا توجد روايات تمنع منه، فيكون جائزا.

المتماثلان واصنافهما:

ذكر الفقهاء ان التمر باصنافه كلها يعد متماثلا (جنسا واحدا) من غير فرق بين الجيد والردىء، فلايجوز بيع بعضها ببعض الا متساويا، والدليل على ذلك اطلاقات الاخبار الواردة في المقام، وخصوص الاخبار الواردة في المنع من بيع التمر الجيد بالتمر الرديء الا متساويا، فمنها صحيحة عبد الله بن سنان(٢) «قال

____________________

(١) الوسائل/ ج١٢/ باب «١٣» من ابواب الربا/ حديث «٤» ص٤٤٣، والرواية صحيحة وغيرها ايضا يدل على هذا.

(٢) الوسائل/ج١٢/ باب «١٥» من ابواب الربا/ رواية «٢و٤»/ص٤٤٧.

١٣٦

سمعت ابا عبد الله (ع) يقول كان علي (ع) يكره ان يستبدل وسقا من تمر خيبر بوسقين من تمر المدينة، لان تمر خيبر اجودهما» اذا ضممنا لهذا المعتبرة القائلة ان عليا لايكره الحلال. وكذلك موثقة محمد بن قيس عن ابي جعفر (ع) ويمكن ان يستدل ايضا بمفهوم روايات «اذا اختلف الشيئان فلا باس به مثلين بمثل».

وكذلك اللحوم فانها تابعة للحيوانات، فلحم الغنم متماثل من غير فرق بين الضأن والمعز، ولحم البقر والجاموس متماثل، فلايجوز البيع متفاضلا بينهما وذلك لاتحاد العنوان، فتشمله اطلاقات الاخبارالمانعة من بيع المتماثلن الا متساويا.

اما الالبان: فهي تابعة للحيوان، فيجوز التفاضل بين لبن البقر ولبن الغنم، ولايجوز بين لبن البقر ولبن الجاموس، وكذلك الكلام في الادهان والخل، اذ ان الدهن تابع لما يستخرج منه، والخل تابع لما يصنع منه، فخل العسل يختلف عن خل التمر ولكن خل العنب والزبيب واحد، كل هذا لاتحادعنوان التمائل وعدم اتحاده عرفا فيتبعه الحكم، كما قررنا ذلك سابقا في بحث المثلية في البدلين، اذ قلنا بعدم جواز التفاضل في الفروع وفي الاصل والفرع الذي تحفظ معه الماهية ظاهرا وعند العرف، واما الفروع او الاصل والفرع الذي لم تحفظ معه الماهية ظاهرا وعند العرف فنلتزم بجواز التفاضل لصدق اختلاف الشيئين.

بيع اللحم بالحيوان

ذكر الفقهاء عدم جواز بيع اللحم بالحيوان، ونقل على ذلك الاجماع: ولم يخالف الا ابن ادريس ووافقه بعض من تأخر عنه، وقد خص بعض الفقهاء

١٣٧

المنع فيما اذا كان اللحم من جنس ذلك الحيوان، ولكن بعضهم اطلق المنع. ودليل المنع هو موثقة غياث بن ابراهيم(١) عن جعفر بن محمد عن ابيه (ع) «أن عليا (ع) يكره بيع اللحم بالحيوان» فاذا ضممنا اليها المعتبرة القائلة ان عليا لايكره الحلال يتم دلالتها على المطلوب، وهي ظاهرة في بيع اللحم بالحيوان الحي كما ان اطلاقها يشمل مااذا كان اللحم من غير جنس ذلك الحيوان، وعلى هذا نقول: ان الحيوان الحي في ذلك الزمان ليس مكيلا ولاموزونا، وحينئذ يجوز بيع اللحم به متفاضلا لعدم وجود الربا، ثم ان الحيوان الحي قد يكون لحرمة اقل من اللحم المقابل، وبما انه مشتمل على الكبد والجلد والراس فيخرج عن الربا المحرم، اذن من هنا نستكشف ان النهي الوارد في الموثقة ليس لاجل وجود الربا، وانما هو نهي تعبدي شامل لصورة المساواة والزيادة.

ويؤيد الموثقة النبوي «نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع اللحم بالحيوان» واما الاجماع فهو وان كان متحققا لان خلاف ابن ادريس محدث فلا يخدش بالاجماع، الا ان الأجماع ليس تعبديا حتى يعتبر دليلا، وليس هو بحساب الاحتمال يثبت القطع بالحكم الشرعي، وذلك لوجود مدرك له.

ثم لاحاجة الى التنبيه بان هذا الحكم لايشمل بيع «السمك بالسمك» الحي اذا كان دليلنا هو الموثقة. والى هنا تم الكلام عن ضابط المثلية في البدلين ومايتعلق بها من ابحاث.

٢- ضابط الكيل والوزن:

وتفصيل الكلام عن مناط كون الشيء مكيلا او موزونا بذكر ما ذهب اليه المشهور اولا، وذكر دليلهم والمناقشة في ذلك قبل ذكر الاصل في المقام.

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب «١١» من ابواب الربا/حديث«١»/ ص٤٤١.

١٣٨

فنقول: ذكر المشهور ان المناط هو اعتبار الكيل والوزن فيما بيع بهما في زمن الشارع، واذا كان الشيء مما لاتعرف كيفية بيعه في زمانهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فان كانت البلاد الاسلامية متفقة على تقدير معين اخذ به، وان كانت مختلفة فيما بينها فلكل بلد حكم نفسه، فان كان مقدرا يثبت فيه الربا والافلا.

ومستند المشهور: هو التمسك بوجوب حمل اللفظ(١) في لسان الدليل على المتعارف عند الشارع، واذا لم تعلم عبادة الشرع فالتمسك بوجوب حمل اللفظ على العادة المتعارفة في البلدان، واذا لم يوجد عرف عام فالمرجع الى العرف الخاص القائم مقامه عند انتفائه(٢) .

وقد ادعي الاجماع على دعوى المشهور المتقدمة، وقد يتعارض مع هذا (قاعدة ان الاحكام معلقة على العناوين) فاذا لم يكن الشيء مكيلا او موزونا ثم صار كذلك فيلزمه ان نحكم بربوبيته وان لم يكن كذلك في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ويمكن ان يحل التعارض بأن نقول: ان الحكم لم يتعلق على وصف المكيل والموزون، بل على العوضين والمتماثلين او على المكيل والموزون اذا كانا في عصرهصلى‌الله‌عليه‌وآله . ولكن حل التعارض غير صحيح اذا صرحت الروايات بتعليق الحكم على مايكال او يوزن، بل حصرت الربا فيه، وكذلك لم نجد في الروايات مايدل على تقييد المكيل والموزون في عصره.

بل غاية ما يمكن ان يستدل لهم هو حمل اللفظ في لسان الدليل على المتعارف عند الشارع كما تقدم.

____________________

(١) واللفظ هنا هوا لدليل الذي دل على عدم جواز بيع المكيل بمثله الا متساويا، وعدم جواز بيع المكيل جزافا كما في صحيحة الحلبي التي تذكر فيما بعد «ما كان من طعام سميت فيه كيلا فانه لايصلح مجازفة» فقد حمل لفظ الكيل على عادة الشارع، فان لم تعلم فعلى عادة العرف العام، فاذا لم توجد فعلى العرف الخاص، أي لكل بلد حكمه.

(٢) المكاسب١/١٩٣.

١٣٩

ويرد عليه: ان كلمة المكيل في الادلة مطلقة ولاوجه لحصرها في فرد خاص بالاضافة الى وجود صحيحة الحلبي «في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم، وان صاحبه قال للمشتري ابتع مني من هذا العدل الآخر بغير كيل، فان فيه مثل مافي الاخر الذي ابتعته، قال لايصلح الا بكيل، وقال وما كان من طعام سميت فيه كيلا فانه لايصلح مجازفة، هذا مما يكره من بيع الطعام»(١) وهذه الرواية ظاهرة في اعتبار المكيال عند المخاطب وفي عرفه وان لم يكن كذلك في عرف الشارع(٢) .

وقد اورد على الصحيحة بانها مجملة من ناحية «سميت فيه كيلا» فيحتمل انه سمىكل قسم بكيل ولم يكله ويحتمل انها كناية عن كيله وكونه مكيلا. الا ان الظاهر من الجملة هو كونه مكيلا في العادة فلااجمال. وكذلك اورد عليها من ناحية اشتمالها على خلاف المشهور من عدم تصديق البائع، ولكن هذا محمول على شراء المشتري من البائع العدل الثاني سواء زاد او نقص، خصوصا اذا لم يطمئن بصدق المخبر وهو البائع، لا ان المشتري يشتري العدل على انه القدر المعين الذي اخبر به البائع، فان هذا لايصدق عليه الجزاف.

واما ذكر الكراهة الى هذا البيع، فانها ليست ظاهرة في المعنى المصطلح (جواز الفعل) حتى تعارض ظهور لايصلح، ولايصح في الفساد. واما اذا تنزلنا وقلنا ان الكراهة اصطلاحية، فلايبعد ان يكون «لايصلح» استعمل في المبغوضية الناقصة وهي الكراهة، اما كلمة «لايصلح» فلم يثبت انها لسان رواية اخرى او انها لايصلح قد سقط منها اللام. اذن دلالة الرواية كافية على

____________________

(١) الوسائل/ج١٢/ باب «٤» من ابواب عقد البيع/ حديث«٢»/ ص٢٥٤.

(٢) ذكر في المكاسب بان صاحب الحدائق ساق هذه الصحيحة كدليل للعرف العام. ولكن كما قلنا ان الصحيحة هي دليل للعرف الخاص لا العام. المكاسب١/١٩٣.

١٤٠