الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 78597
تحميل: 7258

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78597 / تحميل: 7258
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

أن يلغى نظام الربا من اول خطوة، وعند الغائه سوف يبرز الى الوجود نظام غير ربوي حسب متطلبات الحياة وتشريعات الاسلام.

وليس من السهل الغاء نظام الربا في حياة اقتصادية كهذه، فان للربا جذورا قوية في قلوب الافراد، فلابد أن يستعان بالاسلام في قراراته لمصارعة الربا، فان الاسلام لم يذكر معايب الربا فحسب وانما حرمه وبغضه الى النفوس وابطل الصفقات القائمة عليه بموجب القانون الالهي، فهو من الناحية التكليفية محرم ومن الناحية الوضعية باطل لايترتب عليه أي أثر. وأكثر من ذلك فان الاسلام اعتبر آخذ الربا ومعطيه وكاتبه وشاهديه قد فعلوا جريمة فلعنهم على لسان الحديث، ويعاقب الاسلام مرتكبي الربا بالقتل لا حرمة الربا من ضرورات الدين، فمستحله يدخل في سلك الكافرين، بالاضافة الى أن الاسلام اسس نظاما للمالية جعل قسما منه الزكاة وقسما منه الخمس، وهما لاصلاح عامة الناس وتربيتهم لتنمو في انفسهم صفات يجري فيها روح الايثار والتعاون والتكافل بعكس نتائج الربا المتقدمة، فالنظام الاسلامي هو المعين على ترك الربا.

ولكن يبقى التعجب من المسلمين في البلدان الاسلامية التي أخذت النظام الربوي من دون تفحص وروية، ونذكر هنا ماقاله السيد قطب «في عالم الاقتصاد لايلجأ الفرد الى الاستدانة، وله رصيد مذخور، قبل ان يراجع رصيده، فيرى ان كان فيه غناء... ولاتلجأ الدولة الى الاستيراد قبل أن تراجع خزائنها وتنظر في خدماتها ومقدوراتها كذلك، افلا يقوم رصيد الروح، وزاد الفكر ووراثات القلب والضمير، كما تقوم السلع والاموال في حياة الناس؟!... بلى! ولكن الناس في هذا العالم الذي يطلق عليه اسم (العالم الاسلامي) لاتراجع رصيدها الروحي وتراثها الفكري، قبل أن تفكر في استيراد المباديء والخطط واستعارة النظم والشرائع من خلف السهوب ومن وراء البحار!»(١) .

____________________

(١) العدالة الاجتماعية في الاسلام ص٣.

٤٢١

وحقا أن بلاد المسلمين اليوم تستورد المباديء والخطط وتستعير النظم من دون أن تراجع رصيدها الروحي والفكري وخططها ونظمها الاصلية في مبدئها الاسلام، وما نظام الربا الا من هذا القبيل، فان الربا انتشر انتشارا واسعا في الغرب وقامت المصارف الربوية هناك بشكل واسع وأخذها المسلمون منهم وأقرها القانون الوضعي في بلاد الاسلام من دون أن يراجعوا رصيدهم الذي يضمن لهم تقدما اقتصاديا مرموقا.

ولو راجعنا الخطط الاسلامية التي شرعها الاسلام للبشر لوجدنا نظام المضاربة «القراض» الذي شرعه الاسلام وهو خير بديل للنظام الربوي لانه يقوم على أساس المشاركة في الخسارة والربح، والنتائج المترتبة عليه تفوق النتائج المرتبة على النظام الربوي بالاضافة الى عدم وجود المساويء والهزات الاقتصادية التي هي موجودة في النظام الربوي كما تقدم.

بيت المال المركزي

ان بيت المال المركزي في الاسلام هو النموذج للمصرف المركزي الحديث، الا أن الفارق واضح وهو أن نظام بيت المال المركزي خال من عيوب نظام المصرف المركزي الحالي. ويمكن للمصارف الحالية أن تستمر في ظل الدولة الاسلامية بشرطين: يمكن أن نرجعهما الى شرط واحد وهو الغاء النظام الربوي، فينبغي الا تدفع اية فوائد للمودعين والاتتقاضى المصارف أية فوائد من عملائها. و«يوجد حاليا في انجلترا عدد من المصارف لاتدفع أية فوائد على الحسابات الجارية، والفوائد الضئيلة التي تدفع في انجلترا على الايداعات الثابتة، والتي تتراوح بين ربع في المائة او(١) في المائة، يمكن الغاؤها بسهولة دون أن يحدث ذلك أي أثر في المدخرات»(١) . وقد يتولد من هذا الذي

____________________

(١) الاسلام والربا/ص١٧٩.

٤٢٢

تقدم سؤال هو: لو كانت المصارف لاتأخذ فوائد على اقراض المال فكيف توجه تكاليف الانشاء والخدمات؟.

وجواب ذلك: ان خدمات المصارف التي فيها منافع كثيرة، يمكن أن تكون مثل كل الخدمات الضرورية كبناء المستشفيات وغيرها، ولماذا لاتتحمل الدولة نفقات الانشاء والخدمات؟ ويقوى هذا الجواب في ظل النظام الاسلامي فان المصارف ستكون قادرة على مواجهة جميع التكاليف وتكون عونا للامة.

وهذا يتم أيضا لو أصبحت المصارف شريكة في الصناعة والتجارة والاعمال على اساس المضاربة، فالمصارف يمكن لها أن تقدم الاموال للانتاج وتصبح شريكة بالربح والخسارة. ويمكنها أيضا أن تسحب الاموال من الافراد وتجعل نفسها وكيلة في اعطائها للانتاج مع أموالها ويكون الربح المتفق عليه مع المنتجين للمصرف ولاصحاب الاموال الذين جعلوا المصرف وكيلا عهم في المضاربة.

وهنا يوجد التوفيق بين المال والصناعة، وستكون ارباح المصارف نتيجة المضاربة أكثر من نفقات الانشاء والمصروفات الاخرى «ولو كان التعاون بين رأس المال والتجارة على الشروط المعقولة لسار ومازال يسير نظام الدنيا الاقتصادي على الطريق السوي بالامن والسلامة»(١) .

وعلينا هنا أن نعرض اعمال المصارف الربوية لنرى هل يمكن أن تسير عملياتها بدون ربا على اساس المضاربة وهي المشاركة في الربح والخسارة؟ وهذا يستدعي أن نسرح النظر في نظرية عقد المضاربة ايضا، فنعرضها اولا ثم نعرض اعمال المصارف التي يمكن أن تستبدل بنظام اسلامي.

____________________

(١) الربا المودودي ص٢٧.

٤٢٣

نظرية المضاربة «القرض»

ان مفهوم المضاربة في الفقه الاسلامي يختلف عن مصطلحها في الاقتصاد الحديث، فهي في الاقتصاد الحديث كما قدمنا «رغبة بعض الافراد في تحقيق الارباح عن طريق الاستفادة من تقلبات معدلات الفائدة الناجمة من تغيرات أسعار السندات»(١) .

أما في الفقه الاسلامي فهي عقد خاص بين مالك رأس المال والمستثمر، فيكون المال من الاول والعمل من الثاني لانشاء تجارة على أن تحدد حصة كل منهما من الربح بنسبة مئوية «ومعنى المضاربة في اللغة اتجار الانسان بمال غيره»(٢) وفي مجمع البحرين «المضاربة مفاعلة من الضرب في الارض والسير فيها للتجارة»(٣) .

وقبل أن تبدأ بعرض صورة المضاربة نبين موقفين من الطريقة الوقائية التي يتبعها الاسلام في تشريعاته الاقتصادية وهما:

١ - الموقف السلبي: وهو الوقوف امام مناشيء المشاكل الاقتصادية واسبابها وتحريمها، واعتبار المعاملات القائمة عليها باطلة، أي لانرتب الاثر على المعاملات غير المشروعة. ويدخل في ضمن هذا الموقف السلبي تحريم الربا، فان الاسلام وقف امام اهم مناشىء المرض الاقتصادي الفاتك وهو الربا فحرمه تحريما قاطعا.

٢ - الموقف الايجابي: وهو «تشريع معاملات اقتصادية حرة عادلة تقوم

____________________

(١) الدخل القومي والاستثمار ص١٧٣.

(٢) المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الاسلامية/ د. محمد العربي ص٨٣.

(٣) ج٢ باب ضرب ص١٠٧.

٤٢٤

بدور تداول الثروة وتوزيعها بين أبناء الامة بالشكل الذي يحقق التوازن الاقتصادي للمجتمع»(١) .

ويدخل في ضمن هذا الموقف الايجابي نظرية المضاربة فانها معاملة اقتصادية عادلة حرة تقوم بتوزيع الثروة على ابناء الامة بالشكل الذي يحقق التوازن الاقتصادي.

والطريقة الوقائية المتقدمة بقسميها مع الطريقة العلاجية - وهي التي تحل المشاكل وتعالجها - طريقتان عامتان يتبعهما الاسلام في تشريعاته الاقتصادية.

والصورة العامة للمضاربة في الفقه الاسلامي هي: ان المضاربة من العقود الدائرة بين النفع والضرر، وتنقسم الى قسمين: مطلقة ومقيدة، فالمطلقة هي التي لاتتقيد بزمان ولابمكان ولابنوع التجارة وغير ذلك، والمقيدة هي التي تتقيد ببعض القيود كزمان او مكان خاصين او بنوع من انواع التجارة دون الباقي. ويشترط ان يكون رأس المال(٢) معلوما ببيان قدره ووصفه ونوعه او بالاشارة اليه، ويشترط أن يكون الربح مشاعا كالنصف او الثلث او غير ذلك لاحدهما والباقي للاخر، لانه يحتمل أن الربح لايأتي زائدا على ذلك المقدار المعين بغير الاشاعة، فيفوت الغرض من المضاربة، والمضارب ليس له الا من الربح فلو اشترط شيئا من راس المال فسدت المضاربة، وكذلك يبطل اشتراط الخسارة

____________________

(١) مجلة النجف/ عبد الهادي الفضلي محاضرة المضاربة ودورها في تداول توزيع الثروة ص٤٥ - ٤٦.

(٢) ذكروا أن المال لابد أن يكون ذهبا أو فضة مسكوكين، ولكن بعض الفقهاء ذكروا جريان المضاربة بهذه الاوراق النقدية المتداولة، وقد يكون دليل الاول انصراف لفظة المال الى الذهب والفضة ولكن نقول الاطلاق محكم، وحتى مع عدم وجود الاطلاق فالمضاربة بالنقود الورقية عقد لم يردع عنه فيشمله «أوفوا بالعقود».

٤٢٥

على المضارب، والمضارب امين على راس المال وهو كالوكيل من جهة تصرفه فيه، ولو خسرت المضاربة فالخسارة تقع على راس المال لا على العامل لان العامل خسر عمله. وان بقي رأس المال كما هو لم يربح ولم ينقص لم يكن لصاحب المال الا المال وليس للعامل شيء. وتتكون عملية المضاربة من المضارب والمضارب، ويمكن أن تكون من ثلاثة أو أكثر، وقد يكون احد الاطراف مشرفا في عملية المضاربة بالاضافة الى كونه عضوا، فمثلا قد تتكون المضاربة من:

١ - المضارب، مثل العامل او المستثمر.

٢ - المضارب مثل المودع في البنك الذي يجعل البنك وكيلا مطلقا في المضاربة بها.

٣ - الوسيط ويمكن ان يكون هو البنك او أي وسيط آخر يستطيع أن يجمع الاموال ويفتش عن المستثمرين، وقد يكون البنك وكيلا عن المودعين في عملية المضاربة وأصيلا عن نفسه فيما اذا جعل من أمواله مع أموال المودعين في عملية المضاربة.

عناصر المضاربة

وتتكون المضاربة من عناصر مهمة دخيلة في تكوينها هي:

١ - صاحب المال

٢ - المال

٣ - العامل

٤ - العمل

٥ - توزيع الربح بالنسبة

٦ - الايجاب

٧ - القبول.

وقد ذكر السيد الاستاذ الصدر (قده) شروطا للاعضاء المشتركين في عملية المضاربة التي تحل محل النظام الربوي «في صورة كون البنك وكيلا عن المودعين في انشاء عقد المضاربة» ويمكن أن تجعل شروطا في عمليات المضاربة مطلقا وهي:

٤٢٦

شروط المودع (المضارب)

١ - «أن يلتزم المودع بملزم شرعي بابقاء وديعته مدة لاتقل عن ستة أشهر تحت تصرف البنك» والملزم الشرعي يمكن أن يكون شرطا في ضمن عقد.

٢ - «أن يقر المودع ويوافق على الصيغة التي يقترحها البنك للمضاربة والشروط التي تتبنى ادراجها في تلك الصيغة» ولايتبادرالى الذهن أن مثل هذا العقد يكون شبيها بعقود الاذعان، لان الشروط المقررة هنا لصالح الطرفين ولانجاح المشروع من دون تغليب لصالح طرف البنك او المضارب بعكس شروط الاذعان. وقد يوجد هذان الشرطان فيما اذا وكل صاحب المال البنك في عملية عقد المضاربة واشترط البنك على صاحب المال عدم الفسخ لمدة معينة.

شروط المستثمر (المضارب)

١ - أن يكون أمينا، ويشهد على أمانته ووثاقته شخصان يعرفهما البنك.

٢ - أن تكون له كفاءة وقدرة على الاستثمار اوله خبرة سابقة في المجال الذي سيستثمر فيه المال.

٣ - أن تكون العملية محددة ومفهومة لدى البنك ليقدر نتائجها.

٤ - يفضل من له سابقة حسنة مع البنك على غيره.

٥ - أن يخضع المستثمر للشروط التي يضعها البنك وهي:

أ - شروط تتعلق بتقسيم الارباح.

ب - يفتح للمستثمر حسابا جاريا للمضاربة.

ج - التزام بضبط استثمار المال في سجلات خاصة.

٤٢٧

د - افتتاح اضبارة لكل عملية مضاربة يرفق فيها كل مايتعلق بتلك العملية.

ه- - يشترط على العامل أن يزود البنك بجميع المعلومات عن سير دورة حياة عملية المضاربة من ساعة تنفيذ العقد حتى انتهاء العقد. كما على البنك أن يسعى لتوفير المضاربة الناجحة ولايجوز له تأجيل استثمار الودائع الثابتة التي يتسلمها، ولاالتماهل في تهيئة الفرصة الناجحة بقصد توفير سيولة نقدية١.

ويظهر أن اشتراط بعض هذه الشروط لتحقيق نجاح المشروع فان البنك اللاربوي(١) يعمل بصورة مستقلة عن سائر جوانب المجتمع مع بقاء المؤسسات الربوية الاخرى من بنوك وغيرها، فلابد له من احراز النجاح بهذه الشروط. على أن بعض هذه الشروط ليست مما تختص بالمضارب.

البنك له حصة

قد لايكون البنك عاملا في المضاربة ولاصاحب مال وانماله دور المشرف على اجراء عملية المضاربة حتى النهاية، وهنا يكون البنك طرفا أجنبيا عن عملية المضاربة، فيصح له أن يضمن خسارة المال الى صاحبه على تقدير الخسارة وأما حصة البنك هنا فهي تكون على أساس الجعالة اذا أعجز المضاربة وواصل الاشراف عليها الى النهاية، وقد جاءت الاخبار تؤيد ذلك ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال: في رجل قال لرجل: بع ثوبي هذا بعشرة دراهم فما فضل فهو لك، قال (ع) ليس به بأس(٢) . ويمكن أن تكون حصة البنك على اساس الشرط في ضمن العقد، اما بنحو شرط النتيجة أو نحو شرط الفعل، وقد تكون حصته هي اجرة المثل للوكالة.

____________________

(١) للتوسع يراجع البنك اللاربوي ص٢٦.

(٢) الوسائل ج١٢ باب ١٠ من أبواب احكام العقود ص٣٨١. وغيرها اذ فرض الجعل جزء من الثمن على تقدير الزيادة.

٤٢٨

وقد قلنا فيما سبق ان البنك يمكن أن يكون احد أصحاب الاموال وهو وكيل عن الباقين في عملية المضاربة والاشراف عليها وتقسيم المال حسب مايراه البنك مع المستثمر، فهنا يكون البنك احد اصحاب الاموال فيصح ضمانه للاخرين على تقدير الخسارة(١) (لانه ليس عاملا فلايصح ضمانه الخسارة). واما الحصة التي يأخذها البنك فهي على أساس أنه احد أفراد أصحاب الاموال.

ثم بعد أن عرضنا نظرية المضاربة يحسن بنا أن نعرض أعمال المصارف كلها لنرى هل يوجد لها بديل أفضل في ظل النظام الاسلامي؟.

وظائف البنك

والبنك يعرفه علماء الاقتصاد بأنه «جهاز يتولى تقديم الائتمان لعملائه ويتلقى الودائع النقدية منهم»(٢) . والائتمان هو «مقدرة الحصول على سلع او خدمات او نقود حاضرة مقابل الوعد برد مايعاد لها مستقبلا»(٣) .

وان أهم نشاط يقوم به البنك هو الاقتراض بفائدة كما في الودائع الثابتة او بدون فائدة كما في الودائع المتحركة، ثم الاقراض بفائدة أكبر، والدخل الربوي يتكون من الفرق بين الفائدتين او من الفائدة التي يتقاضاها حالة اقتراضه بدون فائدة كما في الودائع المتحركة.

ومن هنا نعرف أن البنك وظيفته في الواقع هي وظيفة وسيط بين رأس المال

____________________

(١) أي بمعنى ان البنك يعطي لهم مايخسرون على تقدير الخسران، وهذا وعد صحيح الا انه غير واجب على البنك، اما اذا كان بمعنى الخسران عليه فهو غير صحيح.

(٢) المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الاسلامية/ د. محمد العربي ص٨٧ الازهر سنة١٩٦٥.

(٣) النقود والبنوك في البلاد العربية/ فؤاد مرسي ص٣٧.

٤٢٩

والعمل، والبنك باعتباره مدينا للمودعين يدفع لهم الفائدة اذا كانت الودائع ثابتة، وباعتباره دائنا للمستثمرين يأخذ منهم الفائدة، فارتباط نظام البنك وهو الايداع والاقراض بالربا واضح.

وللبنك وظائف أساسية نعرضها بايجاز، وهي.

١- تيسير التبادل.

٢- تيسير الانتاج.

٣- الاستثمار.

اولا: تيسير التبادل : ويتم التبادل بالوعد بالدفع، ويكون للوعد بالدفع صور:

١- الشيك: يصدر العميل الى مصرفه (شيكا) يأمره بدفع مبلغ معين الى شخص معين او للحامل، وحينئذ يقوم البنك بدفع القيمة للحامل من حساب العميل. فاذا كان للحامل حساب مع البنك وهو عميل البنك، فيحصل على قيمة الشيك بتقييدها في حسابه الجاري.

٢ - فتح الاعتماد: قد يتعهد البنك لاحد عملائه بجعل مبلغ معين من المال تحت تصرف عميله يستطيع أن يسحب منه مايشاء، وهذه الصورة تفرض البنوك عليها فائدة ربوية. وهذا مايسمى بالسحب على المكشوف، وقد قلنا فيما تقدم ان السحب من دون رصيد هو في الحقيقة قرض لصاحب الحساب فيكون أخذ الفائدة عليه ربا محرما بلا كلام.

٣ - خطاب الاعتماد: واذا أراد العميل السفر الى دولة اخرى فيأخذ من المصرف (خطاب اعتماد) يوجهه الى فرعه في تلك الدولة او الى مصرف آخر يأمره بدفع مبلغ من المال الى العميل الذي له ودائع في المصرف الاول.

٤٣٠

والمصرف في هذه الصورة يأخذ عمولة نصف أو ربع بالمائة. وهذه العملية تقدم الكلام عنها ايضا تحت عنوان الحوالة، وقد قلنا بجواز أخذ العمولة بتقريب فقهي فليراجع.

واذا لم يكن المحول اليه عميلا فيقوم بعملية (التحويل لامره) فيدفع الى البنك قيمة المبلغ الذي يريد الحصول عليه في بلدة اخرى نقدا ثم يتسلمه في تلك البلدة من أحد الفروع او من بنك مراسل.

٤ - السند الاذني٢ وهو التزام مكتوب يتعهد فيه المحرر بدفع مبلغ معين في تأريخ معين لشخص آخر ويسمى (المستفيد) ويستطيع المستفيد أن يصرف قيمة السند من البنك فورا قبل حلول التأريخ بأقل من قيمته، وهذا ان رجع الى كون المصدر للسند مديناالى الشخص الاخر فحكمه حكم الكمبيالة الحقيقية وان لم يكن مدينا حقيقة فحكمه حكم الكمبيالة الصورية.

٥ - الكمبيالة: «وهو أمر مكتوب يتوجه به شخص يسمى الساحب الى شخص آخر يسمى المسحوب عليه طالبا منه دفع مبلغ معين لاذن شخص ثالث يسمى المستفيد. فاذا قدم المستفيد هذه الكمبيالة الى مصرفه بعد أن أظهرها المسحوب عليه دفع البنك قيمة الكمبيالة بعد خصم الفائدة الربوية على المدة التي سوف تمضي قبل حلول أجل الوفاء المقرر في الكمبيالة»(١) وقد قلنا فيما سبق بجواز هذه العملية اذا كانت الكمبيالة حقيقية بأن كان الموقع عليها مدينا حقيقة لمن استلمها بخلاف الكمبيالة الصورية.

٦- تحصيل الكمبيالة لحساب العميل: يقوم البنك بارسال اخطار للمدين

____________________

(١) المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الاسلامية/ د. محمد العربي ص٨٨.

٤٣١

يوضح فيه رقم الكمبيالة وتاريخ استحقاقها وقيمتها، وبعد أن يحصل على قيمتها يقيدها في رصيد الدائن بعد خصم المصاريف. وقد تقدم أيضا جواز أخذ عمولة على هذا العمل المحترم. نعم اذا كان صاحب الكمبيالة له رصيد في البنك وقد أمر البنك بخصمها من حسابه فلا يجوز للبنك أخذ عمولة هنا، اذ يجب على البنك تسديد الدين.

٧ - التحصيل المستند: «يقدم المصدر الى مصرفه المستندات المتفق عليها بينه وبين المستورد ويتولى البنك ارسال هذه المستندات الى مراسله في بلد المستورد ويطلب منه تسليم مستندات الشحن الى المستورد مقابل دفع ثمن البضاعة، وعندما يسدد المستورد يخطر البنك المراسل بنك المصدر بما يفيد تحصيل القيمة وقيدها في الحساب الجاري له»(١) . وهي من تيسير التبادل لان مؤادها توسط البنك في ايصال مستندات الشحن الى المستورد عن طريق مراسله في بلد ذلك المستورد وتسلم الثمن عن طريق المراسل. وقد تقدم أيضا جواز هذه العملية واطلقنا عليها اسم (اعتماد التصدير) اذ يكون البنك هنا في الحقيقة مستأجرا في مقابل أجر معين او مجعول له قبال عمله.

٨ - قبول الودائع المصرفية: يقبل البنك الودائع من عملائه وتقسم الى قسمين:

أ - ودائع تحت الطلب (الحساب الجاري).

ب - ودائع لاجل (ودائع توفير او ادخار). والوديعة هي مبلغ من النقود يودع لدى البنك. ومفهوم الوديعة في الفقه الاسلامي يختلف عن مفهوم الوديعة هنا، فالبنك يعتبر الوديعة قروضا مستحقة الوفاء في أجل محدد او دائما «لان

____________________

(١) البنك اللاربوي في الاسلام ص ١١١ و٨٤.

٤٣٢

ملكية العميل تزول نهائيا عن المبلغ الذي وضعه لدى البنك ويصبح للبنك السلطة الكاملة في التصرف فيه... وهذا مالا يتفق مع طبيعة الوديعة(١) في الفقه الاسلامي، اذ أنها في الفقه الاسلامي لايمكن للمودع عنده أن يتصرف في الوديعة مطلقا وللمستودع أن يطلب عينها متى شاء. وكلمة الوديعة المستعملة، تدل على أن البنك في اول نشأته كان يقبل الودائع بمفهوم اسلامي ويأخذ اجرة عليها، ولكنها تطورت الى الشكل الاخير وبقيت محتفظة من الناحية الوضعية باسم الودائع. وهناك الوديعة الحقيقة: وهي عبارة عن أشياء معينة يود أصحابها الاحتفاظ بها لتجنب مخاطر الضياع والسرقة والحريق فتودع لدى البنك على أن يستردها بنفس مظهرها المادي، ويقوم البنك باعداد خزائن خاصة ويتقاضى أجرا على ذلك منهم، وهي ودائع بالمعنى الفقهي الكامل.

٩ - الحوالة المصرفية: وهي أمر كتابي يصدره العميل المدين الى البنك لان يدفع مبلغا من النقود لشخص آخر في دولة اخرى، فالبنك يتولى الاتصال بفرعه في الدولة الاخرى لتنفيذ أمر عميله، والفرع يتصل بالمحول اليه طالبا منه الحضور لتسلم قيمة الحوالة أو يقوم البنك بنفسه بتقييد المبلغ في الحساب الجاري للمستفيد اذا كان له حساب جاري ويرسل اشعارا الى المستفيد بالعملية.

١٠ - حفظ الاوراق المالية: اذا كان لدى العملاء اوراقا مالية فيودعونها لدى البنك للمحافظة عليها، والبنك في هذه الحالة يهييء خزائن لحفظ هذه الاوراق مقابل أجر الحفظ. وهذا لابأس به اذا كانت نفس الاموال تحفظ بمعنى الوديعة الحقيقي.

١١ - خطابات الضمان (الكفالات): «وهو تعهد من البنك بقبول دفع مبلغ معين لدى الطلب الى المستفيد في ذلك الخطاب نيابة عن طالب الضمان

____________________

(١) البنك اللاربوي في الاسلام ص ١١١ و٨٤.

٤٣٣

عند عدم قيام الطالب بالتزامات معينة قبل المستفيد»(١) كالكفالة الشخصية.

وتقسم الكفالات الى قسمين: ابتدائية، ونهائية.

فالابتدائية: هي تعهد من جانب الى المستفيد وهو الجانب الاخر لدفع مبلغ من النقود من قيمة العملية التي يتنافس طالب خطاب الضمان للحصول عليها ويستحق المستفيد الدفع عند عدم قيام الطالب باتخاذ الترتيبات اللازمة عند رسو العملية عليه.

والنهائية: وهي تعهد من جهة لجهة اخرى وهو (المستفيد) لضمان دفع مبلغ من النقود يعادل نسبة اكبر من قيمة العملية التي في ذمة الجهة الثالثة، والدفع يكون واجبا عند تخلف الجهة الثالثة التي صدرت الكفالة لصالحها بالتزاماته المنصوص عليها في العقد النهائي بين المستفيد والجهة التي طلب اصدار الخطاب لها.

وقد قلنا سابقا بصحة أخذ العموله على هذا العمل، اذ يكون البنك مستأجرا للمتعهد للقيام بتعهده فيعزز قيمة ألتزامات الشخص المقاول فيستحق على عمله أجرا، ولكن هنا نتكلم بصورة أوسع عن أخذ البنك عمولةعلى عمله مع قيام المقاول بما في ذمته فنقول: ان عقد الايجار الذي تحقق بين المقاول وجهة حكومية مثلا اشترط فيه أن على المقاول أن يدفع مبلغا من المال عند تخلفه عن التزاماته، وهذا شرط نافذ لانه واقع في ضمن عقد الايجار. ثم طلب من البنك أن يتعهد بهذا الشرط(٢) اذا لم يف به المشروط عليه، فقام البنك بتعهده واصدر خطاب الضمان للجهة الحكومية مثلا، حينئذ اذا امتنع

____________________

(١) المصدر السابق ص١٢٨ - ١٣١ للتوسع.

(٢) التعهد بالشرط للجهة الحكومية مثل التعهد للدائن باداء الدين، ويدل عليه الارتكاز العقلائي الممضى شرعا.

٤٣٤

المقاول من تنفيذ الشرط عند عدم التزامه بما في ذمته فترجع الجهة الحكومية على البنك في هذه الحالة، وهنا البنك يرجع على المقاول لاخذ المبلغ منه لان المقاول هو الذي طلب من البنك أن يتعهد شرطه فيكون ضامنا لما يتلف على البنك عند اصداره خطاب الضمان. وهنا لابد أن نلتفت الى أن البنك له حق أن يأخذ عمولة على عمله في اصدار خطاب الضمان، أما اذا لم يقم المقاول بالتزاماته ودفع البنك قيمة خطاب الضمان فلايحق للبنك أن يأخذ أكثر مما دفع الى الجهة الحكومية.

ثم اننا نقول فيما اذا كان خطاب الضمان ابتدائيا بصحة أخذ البنك عمولة عليه، لانه كما قلنا يعزز قيمة التزامات المقاول مثلا فهو عمل محترم، واذا افترضنا أن المقاول طلب من البنك أن يصدر خطابا الى الجهة الحكومية بدفع كمية من المال اليها عند عدم قيامه بالترتيبات اللازمة عند رسو العملية عليه، وكان البنك قد أصدر هذا الخطاب الى الجهة الحكومية ولم يقم المقاول بالترتيبات اللازمة عند رسو العملية عليه، ورجعت الحكومة على البنك وأخذت كمية النقود بحسب خطاب الضمان، فيصح للبنك أن يرجع على طالب صدور خطاب الضمان لانه أمر البنك باتلاف شيء عليه فيكون ضامنا.

١٢ - الاعتمادات المستندية: «وهي تعني تعهدا من قبل البنك للمستفيد وهو البائع بناء على طلب فاتح الاعتماد وهو المشتري، ويقرر البنك في هذا التعهد أنه قد اعتمد تحت تصرف المستفيد (البائع) مبلغا من المال يدفع له مقابل مستندات محددة تبين شحن سلعة معينة خلال مدة معينة» وهذا تقدم الكلام فيه مفصلا فراجع.

١٣ - تخزين البضائع: قد تخصص البنوك مخازن لخزن البضائع عند مجيئها قبل تسلم المستورد المستندات الخاصة بتلك البضاعة لتأخرهم أو امتناعهم

٤٣٥

عن التسلم.

١٤ - (الكاميبو) عمليات الصرف الخارجية: قد تنشأ ديون وطلبات بين افراد من دولتين لكل منهما عملتها الخاصة، فالمستورد اذا أصبح مدينا بألف دينار لمصدر يمكنه ان يسدد الدين عن طريق ورقة تجارية كالشيك فيحصل من بنك المستورد شيكا محسوبا على بنك في دولة المصدربقيمة الدين، أو أن يجد شخصا من مكان المستورد مصدرا لدولة المصدر بالمبلغ نفسه وعنده شيكا على دولة المستورد، فيشتري منه الشيك ويرسله الى المصدر وفاءا لدينه. وهذه العملة لابأس بها لان العملية الاولى عبارة عن حوالة المستورد على بنكه في دولته وحوالة البنك على بنك في دولةالمصدر. والعملية الثانية عبارة عن شراء المستورد الدين الذي يملكه المصدر في ذمة شخص بالدولة الخارجية، ثم يحول دائنه الذي في الخارج على صاحب الشيك.

٥١ - بيع وشراء العملات الاجنبية: قد تقوم البنوك بشراء وبيع العملات الاجنبية التي يحملها السياح لغرض توفير قدر كاف منها لمواجهة حاجات العملاء او لاجل الحصول على ربح اذا كانت أسعار الشراء أقل من أسعار البيع، وشراء العملية الاجنبية بتحويل قيمة الكمية المطلوب شراءها الى عملة محلية بالسعر الرسمي. وهذه العملية جائزة نقدا ونسيئة على مذهب المشهور من أن أحكام الصرف لاتأتي هنا، أما اذا قلنا بجريانها كما عن السيد الشهيد، فهذه العملية تجوز نقدا لانسيئة، لكن السيد الشهيد قال بجوازها نسيئة أيضا(١) .

١٦ - الحوالات المصرفية الصادرة: يمكن للبنك نفسه أن يقوم بعملية التحويل حينما يكون التاجر المستورد مدينا لمصدر أجنبي، يلجأ الى البنك ليجري البنك تحويلا لصالح المصدر على مراسله أو فرعه في البلد الساكن فيه

____________________

(١) البنك اللاربوي ص١٣٨.

٤٣٦

الدائن، فيفتح البنك حساباته لدى الفروع أو المراسلين ويخصم قيمة الحوالة من ذلك الحساب، والعميل يدفع قيمة الحوالة بعملة البلد نقدا أو يخصم من رصيده، ويأخذ البنك عمولة على عملية التحويل. والحوالات المصرفية الواردة يكون النظر اليها من زاوية الفرع أو المرسل بناءا على طلب عميل بنك المستورد. وهذا تقدم حكمه أيضا فراجع.

ثانيا: تيسير الانتاج : بتقديم القروض والتسهيلات.

وللقروض الربوية صور كثيرة منها:

أ - سلفة مالية يقدمها البنك لاغراض استهلاكية وعليها فائدة.

ب - قرض مالي لمشروع انتاجي وعليه ربا، أو فتح اعتماد لشخص.

والاعتمادات المستندية وخطابات الضمان وخطابات الاعتماد الشخصية اذا كانت غير مغطاة غطاء كاملا اعتبرت تسهيلات في نفس الوقت بالمقدار المكشوف من غطائها وهي تتدرج في نطاق القروض وتعتبر تسهيلات، والتسهيلات أعم من القروض لانها تشمل ماتنتهي الى القروض ومالاتنتهي اليها، والقروض تنقسم الى طويلة الاجل ومتوسطة وقصيرة الاجل.

خصم الاوراق التجارية:

اذا كان للمستفيد ورقة تجارية ذات أجل محدد فاذا اراد أن يحصل على قيمتها فيدفعها للبنك ليحصل على قيمتها بعد استنزال مبلغ معين هو عمولة وفائدة. واذا حل موعد الوفاء فان البنك يطالب محرر الورقة بقيمتها ويحصل عليها البنك واذا تخلف المدين عن دفع قيمة الورقة المستحقة عليه يكون المجير الاخير الذي خصم له البنك الورقة هو المسؤول أمام البنك عن دفع المبلغ، ويحسب

٤٣٧

البنك فائدة على التأخير بعد حلول الموعد اذا اتفق وتتقاضى هذه الفوائدة من محرر الكمبيالة.

ونتيجة هذه العملية هو أن البنك يقدم قروضا الى المستفيد لتلك الكمبيالة مع تحويل المستفيد البنك على محرر الكمبيالة، وهو تحويل على المدين ويمكن أن يكون خصم الاوراق التجارية على أساس البيع فان المستفيد يبيع الدين الذي تمثله الورقة ب-(٩٥) دينارا اذا كانت الورقة تمثل (١٠٠) دينار مثلا، ويكون من قبيل البيع بأقل منه، وهو صحيح اذا لم يكن الدين من الفضة أو الذهب أو من المكيل أو الموزون كما تقدم ذلك.

ولكن هناك روايات خاصة دلت على أن الدائن اذا باع دينه بأقل منه، فالمشتري لايستحق اكثر مما دفع الى البائع، والزائد ساقط من ذمة المدين بمعنى تنازل الدائن عن الزائد لصالح المدين دائمالإ لا لصالح المشتري وان قصد الدائن ذلك، وهذا من موارد تخلف القصد مع صحة العقد، ولكن الرواية الظاهرة في هذا المعنى ضعيفة بمحمد بن الفضيل(١) الذي ضعفه الشيخ في الفهرست.

ثالثا: الاستثمار: او توفير رأس المال:

ان الاستثمار في الواقع هو نتيجة لتيسير الانتاج وهو الهدف الثاني، فان تيسير الانتاج يؤدي الى توفير رأس المال وكثرة الاستثمار. ولما كان المال متيسرا كما في الهدف الثاني أصبح التخصص في الانتاج واضحا والعمل مقسما الى أقسام، كل قسم يقوم به منتج معين، فساعد على توسيع نطاق الانتاج وبالتالي على توفير رأس المال الذي تمثل في أدوات الانتاج والمال، فتوفر رأس المال

____________________

(١) الوسائل/ج١٣ باب ١٥ من أبواب الدين/ ص٩٩.

٤٣٨

النقدي والعيني(١) .

ولما يتوفر رأس المال فانه يستغل في الاستثمار ويقصد بالاستثمار: «توظيف البنك لجزء من أمواله الخاصة والاموال المودعة لديه في شراء الاوراق المالية والتي تكون غالبا على شكل سندات توخيا للربح وحفاظا على درجة من السيولة التي تتمتع بها تلك الاوراق المالية لامكان تحويلها السريع الى نقود في اكثر الاحيان»(٢) .

وتتميز الاستثمارت عن القروض من الناحية الفنية بأمور:

١ - الاستثمارات تؤدي الى استعمال الاموال في آماد طويلة في اكثر الاحيان.

٢ - دور البنك في الاستثمار هو الذي يبدأ في المعاملة ويعرض المال ليوظف في فترة طويلة.

٣ - دور البنك في الاستثمار كدور أحد المستثمرين بعكس القرض لانه أهم المقرضين(٣) .

وذكر أن وظائف البنك هي:

أ - قبول الودائع.

ب - عمليات التسليف.

ج - فتح الاعتماد.

د - الائتمان بتقسيماته(٤) . وقد تقدم الكلام عن أحكامها في بحث الربا عند الامامية.

____________________

(١) المؤتمر الثاني لجمع البحوث الاسلامية د. محمد العربي ص٩٠.

(٢) البنك اللاربوي في الاسلام ص ١٦١ - ١٦٢.

(٣) البنك اللاربوي في الاسلام ص١٦١ - ١٦٢.

(٤) النقود والبنوك في الدول العربية/ فؤاد مرسي ص٣٣ ومابعدها.

٤٣٩

وهنا بعد أن عرضنا وظائف البنوك التي يشتمل بعضها على فائدة، وقد حرمها الاسلام، والاسلام لابد له أن يماشي روح العصر والتطور، بمعنى أنه شامل لجميع شؤون الحياة فلابد له من حل لهذه المشاكل التي تحدث، ولابد من نظريات فقهية تتكيف عليها أعمال الناس، على أن أحكامه ثابتة غير متطورة، فما هو البديل الاسلامي لعمليات البنوك الربوية؟.

وقولنا ان الاسلام لابد له من أن يماشي روح العصر والتطور ليس معناه أنه يخالف ما أثبته اولا، وانما للاحكام الاسلامية قواعد كلية غير متغيرة تنطبق على ما تستجد من المصاديق، فيحاول علماء الاسلام التفتيش عن القاعدة الكلية التي تنطبق على هذا المصداق ويجتهد ويفرغ وسعه في طلب هذا الشيء.

البنك الاسلامي:

وبما أن البنك الاسلامي يمنع التعامل بالربا فعليه أن يبرز عنصر العمل البشري في النشاطات، وعليه أيضا أن يؤكد على العمولة بأنها أجرة عمل، ويكون البنك وظيفته وظيفة الوسيط بين المودعين والمستثمرين، وان يكون بعيدا عن الروح اللااسلامية فلايهمه الربح الكثير بقدر ماتهمه مصلحة الجماهير. وعمله هذا ليس للربح التجاري فحسب وانما للعبادة والجهاد في أعباء الرسالة وانقاذ الامة من الكفر. ثم ان الربح الذي يكسبه البنك اللاربوي انما يكون بواسطة تطبيقه لرسالة السماء في الارض، وهو لوحده كسب ليس بعده كسب، نعم يجوز للبنك الاسلامي أن يودع بفائدة لدى البنوك الكافرة أي البنوك التي لاتلتزم بشرائط الذمة من اهل الكتاب، وهذا جائز كما تقدم.

٤٤٠