مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 453

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف:

الصفحات: 453
المشاهدات: 54711
تحميل: 3759


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54711 / تحميل: 3759
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

٩ ـ محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، عن علي بن سويد، عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل: «يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ »(١) قال جنب الله أمير المؤمنينعليه‌السلام وكذلك ما كان بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع إلى أن ينتهي الأمر إلى آخرهم.

١٠ ـ الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن علي بن الصلت، عن الحكم وإسماعيل ابني حبيب، عن بريد العجلي قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول بنا عبد الله وبنا عرف الله وبنا وحد الله تبارك وتعالى ومحمد حجاب الله تبارك وتعالى:

________________________________________________________

الحديث التاسع: حسن.

قولهعليه‌السلام : جنب الله أمير المؤمنين، أي جنب الله في هذه الأمة أمير المؤمنين صلوات الله عليه وكذا الأوصياء بعده، والحاصل أن المراد بجنب الله الحجج في كل أمة « بالمكان » خبر كان أو حال.

الحديث العاشر: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : ومحمد حجاب الله، أي واسطة بين الله وبين خلقه، كما أنه لا يمكن الوصول إلى المحجوب إلا بالوصول إلى الحجاب، فكذلك هو بالنسبة إلى جميع خلقه لا يمكنهم الوصول إلى الله سبحانه وإلى رحمته إلا بالتوصل به، وقيل: المراد أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله النور المشرق منه سبحانه، وأقرب شيء منه، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أول ما خلق الله نوري ومنه الحجاب لنور الشمس، أو المراد أنه النور المشرق منه سبحانه ولتوسطه بينه وبين النفوس النورية يكون حجابا له سبحانه، لأنه بالوصول إليه وغلبة نوره على أنوارهم يعجز كل منها عن إدراك ما فوقه « انتهى » أو يعلم بالاطلاع على هذا النور وعجزه عن إدراكه أنه لا يمكنه الوصول إلى نور الأنوار، فهو بهذا المعنى حجاب عنه سبحانه.

__________________

(١) سورة الزمر: ٥٦.

١٢١

١١ ـ بعض أصحابنا، عن محمد بن عبد الله، عن عبد الوهاب بن بشر، عن موسى بن قادم، عن سليمان، عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عز وجل «وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ »(١) قال إن الله تعالى أعظم وأعز وأجل وأمنع من أن يظلم ولكنه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته حيث يقول «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا »(٢) يعني الأئمة منا.

ثم قال في موضع آخر «وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » ثم ذكر مثله

________________________________________________________

الحديث الحادي عشر: مجهول مرسل.

قولهعليه‌السلام : من أن يظلم، أي من أن يتوهم جواز مظلوميته سبحانه وإمكانه حتى يحتاج إلى نفيه، فهذه المظلومية مظلومية المنتجبين من عباده « خلطهم بنفسه » أي ذكرهم مع ذكره، وجعل ظلمهم ظلمه وولايتهم ولايته حيث يقول «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » يعني الأئمةعليهم‌السلام فجعل الولاية وأولوية التصرف في الأمور للرسول والأئمة من بعده، وأسند هذه الولاية التي أثبتها لهم إلى نفسه ابتداء شرفا وتعظيما لهم، ثم أسند مظلوميتهم وإزالتهم عن مكانتهم هذه إلى نفسه في موضع آخر، فقال: «وَما ظَلَمُونا » الآية ثم ذكر سبحانه مثله في كتابه من إسناد ما لهم من الرضا والغضب والأسف وأمثالها إلى نفسه في مواضع كثيرة، ويحتمل أن يكون المعنى أنه ذكر إسناد الظلم إلى نفسه في موضع آخر أيضا، إذ هذه الآية متكررة في القرآن، وقيل: « ثم قال » كلام زرارة، والقائل هوعليه‌السلام ، أي قال: وقرأ هذه الآية في مجلس آخر وذكر بعدها ما ذكر سابقا ولا يخفى بعده.

__________________

(١) سورة البقرة: ٥٧.

(٢) سورة المائدة: ٥٥.

١٢٢

باب البداء

١ ـ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن أبي إسحاق ثعلبة، عن زرارة بن أعين، عن أحدهماعليهما‌السلام قال ما عبد الله بشيء مثل البداء.

________________________________________________________

باب البداء

الحديث الأول: صحيح.

قوله: ما عبد الله بشيء مثل البداء، أي الإيمان بالبداء من أعظم العبادات أو أنه ادعى إلى العبادة من كل شيء، واعلم أن البداء مما ظن أن الإمامية قد تفردت به وقد شنع عليهم بذلك كثير من المخالفين، والأخبار في ثبوتها كثيرة مستفيضة من الجانبين ولنشر إلى بعض ما قيل في تحقيق ذلك ثم إلى ما ظهر لي من الأخبار مما هو الحق في المقام:

اعلم أنه لما كان البداء ممدودا في اللغة بمعنى ظهور رأي لم يكن، يقال: بدا الأمر بدوا: ظهر، وبدا له في هذا الأمر بداء أي نشأ له فيه رأي كما ذكره الجوهري وغيره، فلذلك يشكل القول بذلك في جناب الحق تعالى لاستلزامه حدوث علمه تعالى بشيء بعد جهله، وهذا محال، ولذا شنع كثير من المخالفين على الإمامية في ذلك نظرا إلى ظاهر اللفظ من غير تحقيق لمرامهم، حتى أن الناصبي المتعصب الفخر الرازي ذكر في خاتمة كتاب المحصل حاكيا عن سليمان بن جرير إن أئمة الرافضة وصفوا القول بالبداء لشيعتهم، فإذا قالوا إنه سيكون لهم أمر وشوكة ثم لا يكون الأمر على ما أخبروه قالوا: بد الله تعالى فيه.

وأعجب منه أنه أجاب المحقق الطوسي (ره) في نقد المحصل عن ذلك لعدم

١٢٣

________________________________________________________

إحاطتهقدس‌سره كثيرا بالأخبار بأنهم لا يقولون بالبداء، وإنما القول به ما كان إلا في رواية رووها عن جعفر الصادقعليه‌السلام أنه جعل إسماعيل القائم مقام بعده فظهر من إسماعيل ما لم يرتضه منه، فجعل القائم مقامه موسىعليه‌السلام ، فسئل عن ذلك فقال: بدا لله في إسماعيل، وهذه رواية، وعندهم أن خبر الواحد لا يوجب علما ولا عملا « انتهى ».

فانظر إلى هذا المعاند كيف أعمت العصبية عينه حيث نسب إلى أئمة الدين الذين لم يختلف مخالف ولا مؤالف في فضلهم وعلمهم وورعهم وكونهم أتقى الناس وأعلاهم شأنا ورفعة، الكذب والحيلة والخديعة، ولم يعلم أن مثل هذه الألفاظ المجازية الموهمة لبعض المعاني الباطلة قد وردت في القرآن الكريم وأخبار الطرفين، كقوله تعالى: «اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ »(١) و «مَكَرَ اللهُ »(٢) و «لِيَبْلُوَكُمْ »(٣) و «لِنَعْلَمَ »(٤) و «يُرِيدُ اللهُ »(٥) و «وَجْهُ اللهِ »(٦) و «جَنْبِ اللهِ »(٧) إلى غير ذلك مما لا يحصي، وقد ورد في أخبارهم ما يدل على البداء بالمعنى الذي قالت به الشيعة أكثر مما ورد في أخبارنا، كخبر دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على اليهودي، وإخبار عيسىعليه‌السلام (٨) وأن الصدقة والدعاء يغيران القضاء وغير ذلك.

وقال ابن الأثير في النهاية في حديث الأقرع والأبرص والأعمى: بدا لله عز وجل أن يبتليهم، أي قضى بذلك، وهو معنى البداء ههنا، لأن القضاء سابق، والبداء

__________________

(١) سورة البقرة: ١٥.

(٢) سورة آل عمران: ٥٤.

(٣) سورة الأنعام: ١٦٥ وساير السور الكريمة.

(٤) سورة سبأ: ٢١.

(٥) سورة آل عمران: ٧٣ وساير السور الكريمة.

(٦) سورة البقرة: ١١٥ وساير السور الكريمة.

(٧) سورة الزمر: ٥٦.

(٨) سيأتي تفصيل هذين الخبرين في الذيل.

١٢٤

________________________________________________________

استصواب شيء علم بعد أن لم يعلم، وذلك على الله غير جائز « انتهى ».

وقد قال سبحانه: «هُوَ الَّذِي قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ »(١) وقال المحقق الطوسي (ره) في التجريد: أجل الحيوان الوقت الذي علم الله بطلان حياته فيه، والمقتول يجوز فيه الأمران لولاه، ويجوز أن يكون الأجل لطفا للغير لا للمكلف، وقال العلامة (ره) في شرحه: اختلف الناس في المقتول لو لم يقتل، فقالت المجبرة: إنه كان يموت قطعا وهو قول العلاف، وقال بعض البغداديين: إنه كان يعيش قطعا، وقال أكثر المحققين: إنه كان يجوز أن يعيش ويجوز أن يموت ثم اختلفوا فقال قوم منهم: لو كان المعلوم منه البقاء لو لم يقتل له أجلان، وقال الجبائيان وأصحابهما وأبو الحسين: إن أجله هو الوقت الذي قتل فيه ليس له أجل آخر لو لم يقتل، فما كان يعيش إليه ليس بأجل له الآن حقيقي بل تقديري « انتهى » وقال تعالى: «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ »(٢) .

وقال الناصبي الرازي في تفسيره في هذه الآية قولان:

الأول: أنها عامة في كل شيء كما يقتضيه ظاهر اللفظ، قالوا: إن الله يمحو من الرزق ويزيد فيه، وكذا القول في الأجل والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر، وهو مذهب عمرو بن مسعود، ورواه جابر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والثاني: أنها خاصة في بعض الأشياء دون البعض، ففيها وجوه:

« الأول »: أن المراد من المحو والإثبات نسخ الحكم المتقدم وإثبات حكم آخر بدلا عن الأول « الثاني » أنه تعالى يمحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة، لأنهم مأمورون بكتبة كل قول وفعل ويثبت غيره « الثالث » أنه تعالى

__________________

(١) الآية في سورة الأنعام: ٢ وأصل الآية هكذا: «هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا مسمّى .... ».

(٢) سورة الرعد: ٣٩.

١٢٥

________________________________________________________

أراد بالمحو أن من أذنب أثبت ذلك الذنب في ديوانه، فإذا تاب عنه محي عن ديوانه « الرابع » يمحو الله ما يشاء، وهو من جاء أجله ويدع من لم يجيء أجله ويثبته « الخامس » أنه تعالى يثبت في أول السنة، فإذا مضت السنة محيت وأثبت كتاب آخر للمستقبل « السادس » يمحو نور القمر ويثبت نور الشمس « السابع » يمحو الدنيا ويثبت الآخرة « الثامن » أنه في الأرزاق والمحن والمصائب يثبتها في الكتاب ثم يزيلها بالدعاء والصدقة، وفيه حث على الانقطاع إلى الله تعالى « التاسع » تغير أحوال العبد فما مضى منها فهو المحو، وما حصل وحضر فهو الإثبات « العاشر » يزيل ما يشاء من حكمه، لا يطلع على غيبة أحد، فهو المتفرد بالحكم كما يشاء، وهو المستقبل بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة والإغناء والإفقار، بحيث لا يطلع على تلك الغيوب أحد من خلقه، واعلم أن هذا الباب فيه مجال عظيم.

فإن قال قائل: ألستم تزعمون أن المقادير سابقه قد جفت بها القلم، فكيف يستقيم مع هذا المعنى المحو والإثبات؟

قلنا: ذلك المحو والإثبات أيضا مما قد جفت به القلم، فلا يمحو إلا ما قد سبق في علمه وقضائه محوه، ثم قال: قالت الرافضة: البداء جائز على الله تعالى، وهو أن يعتقد شيئا ثم يظهر له أن الأمر بخلاف ما اعتقده، وتمسكوا فيه بقوله «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ » انتهى كلامه لعنه الله.

ولا أدري من أين أخذ هذا القول الذي افترى به عليهم، مع أن الكتب الإمامية المتقدمين عليه كالصدوق والمفيد والشيخ والمرتضى وغيرهم رضوان الله عليهم مشحونة بالتبري عن ذلك، ولا يقولون إلا ببعض ما ذكره سابقا أو بما هو أصوب منها كما ستعرف، والعجب أنهم في أكثر الموارد ينسبون إلى الرب تعالى ما لا يليق به، والإمامية قدس الله أسرارهم يبالغون في تنزيهه تعالى ويفحمونهم بالحجج البالغة، ولما لم يظفروا في عقائدهم بما يوجب نقصا يباهتونهم ويفترون عليهم بأمثال تلك

١٢٦

________________________________________________________

الأقاويل الفاسدة، وهل البهتان والافتراء إلا دأب العاجزين، ولو فرض أن بعضا من الجهلة المنتحلين للتشيع قال بذلك، فالإمامية يتبرءون منه ومن قوله كما يتبرءون من هذا الناصبي وأمثاله وأقاويلهم الفاسدة.

فأما ما قيل في توجيه البداء فقال الصدوق (ره) في كتاب التوحيد: ليس البداء كما تقوله جهال الناس بأنه بداء ندامة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ولكن يجب علينا أن نقر لله عز وجل بأن له البداء، معناه أن له أن يبدأ بشيء من خلقه فيخلقه قبل شيء، ثم يعدم ذلك الشيء ويبدأ بخلق غيره، أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شيء ثم يأمر بمثل ما نهى عنه، وذلك مثل نسخ الشرائع وتحويل القبلة وعدة المتوفى عنها زوجها، ولا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلا ويعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك، ويعلم أن في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم، فمن أقر لله عز وجل بأن له أن يفعل ما يشاء ويؤخر ما يشاء، ويخلق مكانه ما يشاء، ويقدر ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، ويأمر بما يشاء كيف يشاء، فقد أقر بالبداء، وما عظم الله بشيء أفضل من الإقرار بأن له الخلق والأمر والتقديم والتأخير وإثبات ما لم يكن ومحو ما قد كان، والبداء هو رد على اليهود لأنهم قالوا إن الله قد فرغ من الأمر، فقلنا إن الله كل يوم في شأن يحيى ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء، والبداء ليس من ندامة، وإنما هو ظهور أمر، تقول العرب: بدا لي شخص في طريقي أي ظهر، وقال الله عز وجل: «وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ »(١) أي ظهر لهم ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد في عمره، ومتى ظهر له قطيعة رحم نقص من عمره، ومتى ظهر له من عبد إتيان الزنا نقص من رزقه وعمره، ومتى ظهر له التعفف عن الزنا زاد في رزقه وعمره.

__________________

(١) سورة الزمر: ٤٧.

١٢٧

________________________________________________________

ومن ذلك قول الصادقعليه‌السلام : ما بدا لله كما بدا له في إسماعيل ابني، يقول:ما ظهر له أمر كما ظهر له في إسماعيل إذ اخترمه قبلي، ليعلم بذلك أنه ليس بإمام بعدي.

وقال شيخ الطائفة عظم الله أجره في كتاب الغيبة بعد إيراد الأخبار المشتملة على البداء في قيام القائمعليه‌السلام : الوجه في هذه الأخبار ـ إن صحت ـ أنه لا يمتنع أن يكون الله تعالى قد وقت هذا الأمر في الأوقات التي ذكرت، فلما تجدد ما تجدد تغيرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر، وكذلك فيما بعد، ويكون الوقت الأول وكل وقت يجوز أن يؤخر مشروطا بأن لا يتجدد ما تقتضي المصلحة تأخيره إلى أن يجيء الوقت الذي لا يغيره شيء، فيكون محتوما.

وعلى هذا يتأول ما روي في تأخير الأعمار عن أوقاتها والزيادة فيها عند الدعاء وصلة الأرحام، وما روي في تنقيص الأعمار عن أوقاتها إلى ما قبله عند فعل الظلم وقطع الرحم وغير ذلك، وهو تعالى وإن كان عالما بالأمرين فلا يمتنع أن يكون أحدهما معلوما بشرط، والآخر بلا شرط، وهذه الجملة لا خلاف فيها بين أهل العدل، وعلى هذا يتأول أيضا ما روي من أخبارنا المتضمنة للفظ البداء، ويبين أن معناها النسخ على ما يريده جميع أهل العدل، فيما يجوز فيه النسخ، أو تغير شروطها إن كان طريقها الخبر عن الكائنات، لأن البداء في اللغة هو الظهور، فلا يمتنع أن يظهر لنا من أفعال الله تعالى ما كنا نظن خلافه أو نعلم ولا نعلم شرطه.

فمن ذلك ما رواه سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: علي بن الحسين وعلي بن أبي طالب قبله، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمدعليهم‌السلام : كيف لنا بالحديث مع هذه الآية: «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ » فأما من قال بأن الله تعالى لا يعلم الشيء إلا بعد كونه فقد كفر « انتهى ».

١٢٨

________________________________________________________

وقد قيل فيه وجوه أخر:

الأول: ما ذكره السيد الداماد قدس الله روحه في نبراس الضياء حيث قال: البداء منزلته في التكوين منزلة النسخ في التشريع، فما في الأمر التشريعي والأحكام التكليفية نسخ فهو في الأمر التكويني والمكونات الزمانية بداء، فالنسخ كأنه بداء تشريعي، والبداء كأنه نسخ تكويني، ولا بداء في القضاء، ولا بالنسبة إلى جناب القدس الحق والمفارقات المحضة من ملائكته القدسية، وفي متن الدهر الذي هو ظرف مطلق الحصول القار والثبات البات ووعاء عالم الوجود كله، وإنما البداء في القدر وفي امتداد الزمان الذي هو أفق التقضي والتجدد، وظرف التدريج والتعاقب، وبالنسبة إلى الكائنات الزمانية، ومن في عالم الزمان والمكان وإقليم المادة والطبيعة وكما أن حقيقة النسخ عند التحقيق انتهاء الحكم التشريعي وانقطاع استمراره لا رفعه وارتفاعه عن وعاء الواقع، فكذا حقيقة البداء عند الفحص البالغ انبتات استمرار الأمر التكويني وانتهاء اتصال الإفاضة، ومرجعه إلى تحديد زمان الكون وتخصيص وقت الإفاضة، لا أنه ارتفاع المعلول الكائن عن وقت كونه وبطلانه في حد حصوله « انتهى ».

الثاني: ما ذكره بعض الأفاضل في شرحه على الكافي وتبعه غيره من معاصرينا: وهو أن القوي المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الأمور دفعة واحدة، لعدم تناهي تلك الأمور، بل إنما ينتقش فيها الحوادث شيئا فشيئا وجملة فجملة مع أسبابها وعللها على نهج مستمر ونظام مستقر، فإن ما يحدث في عالم الكون والفساد فإنما هو من لوازم حركات الأفلاك المسخرة لله تعالى، ونتائج بركاتها فهي تعلم أنه كلما كان كذا كان كذا، فمهما حصل لها العلم بأسباب حدوث أمر ما في هذا العالم حكمت بوقوعه فيه فينتقش فيها ذلك الحكم، وربما تأخر بعض الأسباب الموجب لوقوع الحادث على خلاف ما يوجبه بقية الأسباب لو لا ذلك السبب، ولم يحصل لها

١٢٩

________________________________________________________

العلم بتصدقه الذي سيأتي به قبل ذلك الوقت، لعدم اطلاعها على سبب ذلك السبب، ثم لما جاء أو أنه واطلعت عليه حكمت بخلاف الحكم الأول فيمحي عنها نقش الحكم السابق، ويثبت الحكم الآخر، مثلا لما حصل لها العلم بموت زيد بمرض كذا في ليلة كذا، الأسباب تقتضي ذلك ولم يحصل لها العلم بتصدقه الذي سيأتي به قبل ذلك الوقت، لعدم اطلاعها على أسباب التصدق بعد، ثم علمت به وكان موته بتلك الأسباب مشروطا بأن لا يتصدق، فتحكم أولا بالموت وثانيا بالبرء، وإذا كانت الأسباب لوقوع أمر ولا وقوعه متكافئة، ولم يحصل لها العلم برجحان أحدهما بعد، لعدم مجيء أوان سبب ذلك الرجحان بعد، كان لها التردد في وقوع ذلك الأمر ولا وقوعه فينتقش فيها الوقوع تارة واللاوقوع أخرى، فهذا هو السبب في البداء والمحو والإثبات والتردد وأمثال ذلك في أمور العالم، فإذا اتصلت بتلك القوي نفس النبي أو الإمامعليهم‌السلام وقرأ فيها بعض تلك الأمور فله أن يخبر بما رآه بعين قلبه، أو شاهده بنور بصيرته، أو سمع بإذن قلبه، وأما نسبة ذلك كله إلى الله تعالى فلان كلما يجري في العالم الملكوتي إنما يجري بإرادة الله تعالى بل فعلهم بعينه فعل الله سبحانه، حيث إنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، إذ لا داعي لهم على الفعل إلا إرادة الله جل وعز لاستهلاك إرادتهم في إرادته تعالى، ومثلهم كمثل الحواس للإنسان، كلما هم بأمر محسوس امتثلت الحواس لما هم به، فكل كتابة تكون في هذه الألواح والصحف فهو أيضا مكتوب لله عز وجل بعد قضائه السابق المكتوب بقلمه الأول، فيصح أن يوصف الله عز وجل نفسه بأمثال ذلك بهذا الاعتبار، وإن كان مثل هذه الأمور يشعر بالتغير والنسوخ، وهو سبحانه منزه عنه، فإن كلما وجد أو سيوجد فهو غير خارج عن عالم ربوبيته.

الثالث: ما ذكره بعض المحققين حيث قال: تحقيق القول في البداء أن الأمور كلها عامها وخاصها ومطلقها ومقيدها ومنسوخها وناسخها ومفرداتها ومركباتها

١٣٠

________________________________________________________

وإخباراتها وإنشاءاتها، بحيث لا يشذ عنها شيء منتقشة في اللوح، والفائض منه على الملائكة والنفوس العلوية والنفوس السفلية قد يكون الأمر العام المطلق أو المنسوخ حسب ما تقتضيه الحكمة الكاملة من الفيضان في ذلك الوقت، ويتأخر المبين إلى وقت تقتضي الحكمة فيضانه فيه، وهذه النفوس العلوية وما يشبهها يعبر عنها بكتاب المحو والإثبات، والبداء عبارة عن هذا التغيير في ذلك الكتاب.

الرابع: ما ذكره السيد المرتضىرضي‌الله‌عنه في جواب مسائل أهل الري، وهو أنه قال: المراد بالبداء النسخ، وادعى أنه ليس بخارج عن معناه اللغوي.

أقول: هذا ما قيل في هذا الباب، وقد قيل فيه وجوه أخر لا طائل في إيرادها والوجوه التي أوردناها بعضها بمعزل عن معنى البداء، وبينهما كما بين الأرض والسماء وبعضها مبتنية على مقدمات لم تثبت في الدين، بل ادعي على خلافها إجماع المسلمين وكلها يشتمل على تأويل نصوص كثيرة بلا ضرورة تدعو إليه، وتفصيل القول في كل منها يفضي إلى الإطناب، ولنذكر ما ظهر لنا من الآيات والأخبار بحيث تدل عليه النصوص الصريحة، ولا تأبى عنه العقول الصحيحة.

فنقول وبالله التوفيق: إنهمعليهم‌السلام إنما بالغوا في البداء ردا على اليهود الذين يقولون إن الله قد فرغ من الأمر، وعلى النظام، وبعض المعتزلة الذين يقولون إن الله خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن، معادن ونباتا وحيوانا وإنسانا ولم يتقدم خلق آدم على خلق أولاده، والتقدم إنما يقع في ظهورها لا في حدوثها ووجودها، وإنما أخذوا هذه المقالة من أصحاب الكمون والظهور من الفلاسفة، وعلى بعض الفلاسفة القائلين بالعقول والنفوس الفلكية، وبأن الله تعالى لم يؤثر حقيقة إلا في العقل الأول، فهم يعزلونه تعالى عن ملكه، وينسبون الحوادث إلى هؤلاء، وعلى آخرين منهم قالوا: إن الله سبحانه أوجد جميع مخلوقاته دفعة واحدة دهرية لا ترتب فيها باعتبار الصدور، بل إنما ترتبها في الزمان فقط، كما أنه لا تترتب

١٣١

________________________________________________________

الأجسام المجتمعة زمانا وإنما ترتبها في المكان فقط، فنفواعليهم‌السلام كل ذلك وأثبتوا أنه تعالى كل يوم في شأن من إعدام شيء وإحداث آخر وإماتة شخص وإحياء آخر إلى غير ذلك لئلا يترك العباد التضرع إلى الله ومسألته وطاعته والتقرب إليه بما يصلح أمور دنياهم وعقباهم، وليرجوا عند التصدق على الفقراء وصلة الأرحام وبر الوالدين والمعروف والإحسان ما وعدوا عليها من طول العمر وزيادة الرزق وغير ذلك.

ثم اعلم أن الآيات والأخبار تدل على أن الله تعالى خلق لوحين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات: أحدهما اللوح المحفوظ الذي لا تغير فيه أصلا، وهو مطابق لعلمه تعالى، والآخر لوح المحو والإثبات فيثبت فيه شيئا ثم يمحوه لحكم كثيرة لا تخفى على أولي الألباب، مثلا يكتب فيه أن عمر زيد خمسون سنة ومعناه أن مقتضى الحكمة أن يكون عمره كذا إذا لم يفعل ما يقتضي طوله أو قصره، فإذا وصل الرحم مثلا يمحى الخمسون ويكتب مكانه ستون، وإذا قطعها يكتب مكانه أربعون، وفي اللوح المحفوظ أنه يصل وعمره ستون، كما أن الطبيب الحاذق إذا اطلع على مزاج شخص يحكم بأن عمره بحسب هذا المزاج يكون ستين سنة، فإذا شرب سما ومات أو قتله إنسان فنقص من ذلك، أو استعمل دواء قوي مزاجه به فزاد عليه لم يخالف قول الطبيب، والتغيير الواقع في هذا اللوح مسمى بالبداء، إما لأنه مشبه به كما في سائر ما يطلق عليه تعالى من الابتلاء والاستهزاء والسخرية وأمثالها، أو لأنه يظهر للملائكة أو للخلق إذا أخبروا بالأول خلاف ما علموا أولا.

وأي استبعاد في تحقق هذين اللوحين؟ وأية استحالة في هذا المحو والإثبات حتى يحتاج إلى التأويل والتكلف. وإن لم تظهر الحكمة فيه لنا لعجز عقولنا عن الإحاطة بها، مع أن الحكم فيه ظاهرة.

منها: أن يظهر للملائكة الكاتبين في اللوح والمطلعين عليه لطفه تعالى بعباده وإيصالهم في الدنيا إلى ما يستحقونه فيزدادوا به معرفة.

١٣٢

________________________________________________________

ومنها: أن يعلم العباد بأخبار الرسل والحجعليهم‌السلام أن لأعمالهم الحسنة مثل هذه التأثيرات في صلاح أمورهم، ولأعمالهم السيئة تأثيرا في فسادها فيكون داعيا لهم إلى الخيرات، صارفا لهم عن السيئات، فظهر أن لهذا اللوح تقدما على اللوح المحفوظ من جهة، لصيرورته سببا لحصول بعض الأعمال، فبذلك انتقش في اللوح المحفوظ حصوله، فلا يتوهم أنه بعد ما كتب في هذا اللوح حصوله لا فائدة في المحو والإثبات.

ومنها: أنه إذا أخبر الأنبياء والأوصياء أحيانا من كتاب المحو والإثبات ثم أخبروا بخلافه يلزمهم الإذعان به، ويكون في ذلك تشديد للتكليف عليهم، وتسبيبا لمزيد الأجر لهم، كما في سائر ما يبتلي الله عباده به من التكاليف الشاقة، وإيراد الأمور التي تعجز أكثر العقول عن الإحاطة بها، وبها يمتاز المسلمون الذين فازوا بدرجات اليقين عن الضعفاء الذين ليس لهم قدم راسخ في الدين.

ومنها: أن تكون هذه الأخبار تسلية لقوم من المؤمنين المنتظرين لفرج أولياء الله وغلبة الحق وأهله، كما روي في قصة نوحعليه‌السلام حين أخبروا بهلاك القوم ثم أخر ذلك مرارا.

وكما روي في فرج أهل البيتعليهم‌السلام وغلبتهمعليهم‌السلام ، لأنهمعليهم‌السلام لو كانوا أخبروا الشيعة في أول ابتلائهم باستيلاء المخالفين وشدة محنتهم أنه ليس فرجهم إلا بعد ألف سنة أو ألفي سنة ليئسوا ورجعوا عن الدين، ولكنهم أخبروا شيعتهم بتعجيل الفرج، وربما أخبروهم بأنه يمكن أن يحصل الفرج في بعض الأزمنة القريبة ليثبتوا على الدين ويثابوا بانتظار الفرج كما سيأتي في باب كراهية التوقيت من كتاب الحجة عن علي بن يقطين، قال: قال لي أبو الحسنعليه‌السلام : الشيعة تربى بالأماني منذ مائتي سنة، قال: وقال يقطين لابنه علي بن يقطين: ما بالنا قيل لنا فكان، وقيل لكم فلم يكن؟ قال: فقال له علي: إن الذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد غير

١٣٣

________________________________________________________

أن أمركم حضر فأعطيتم محضه فكان كما قيل لكم، وإن أمرنا لم يحضر فعللنا بالأماني، فلو قيل لنا إن هذا الأمر لا يكون إلا إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب ولرجع عامة الناس عن الإسلام ولكن قالوا ما أسرعه وما أقربه تألفا لقلوب الناس وتقريبا للفرج.

وقد ذكرنا كثيرا من الأخبار في ذلك في كتاب بحار الأنوار في كتاب النبوة، لا سيما في أبواب قصص نوح وموسى وشعياءعليهم‌السلام ، وفي كتاب الغيبة.

فأخبارهمعليهم‌السلام بما يظهر خلافه ظاهرا من قبيل المجملات والمتشابهات التي تصدر عنهم بمقتضى الحكم، ثم يصدر عنهم بعد ذلك تفسيرها وبيانها، وقولهم يقع الأمر الفلاني في وقت كذا معناه إن كان كذا، وإن لم يقع الأمر الفلاني الذي ينافيه ولم يذكروا الشرط كما قالوا في النسخ قبل الفعل، وقد أوضحناه في باب ذبح إسماعيلعليه‌السلام من الكتاب المذكور.

فمعنى قولهمعليهم‌السلام : ما عبد الله بمثل البداء، أن الإيمان بالبداء من أعظم العبادات القلبية لصعوبته ومعارضته الوساوس الشيطانية فيه، ولكونه إقرارا بأن له الخلق والأمر، وهذا كمال التوحيد، أو المعنى أنه من أعظم الأسباب والدواعي لعبادة الرب تعالى كما عرفت، وكذا قولهم ما عظم الله بمثل البداء يحتمل الوجهين وإن كان الأول فيه أظهر.

وأما قول الصادقعليه‌السلام : لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه، فلما مر أيضا من أن أكثر مصالح العباد موقوفة على القول بالبداء إذ لو اعتقدوا أن كل ما قدر في الأزل فلا بد من وقوعه حتما لما دعوا الله في شيء من مطالبهم، وما تضرعوا إليه وما استكانوا لديه، ولا خافوا منه، ولا رجوا إليه إلى غير ذلك مما قد أومأنا إليه، وأما إن هذه الأمور من جملة الأسباب المقدرة في الأزل أن يقع الأمر بها لا بدونها فمما لا يصل إليه عقول أكثر الخلق، فظهر أن

١٣٤

________________________________________________________

هذا اللوح وعلمهم بما يقع فيه من المحو والإثبات أصلح لهم من كل شيء.

بقي هيهنا إشكال آخر: وهو أنه يظهر من كثير من الأخبار أن البداء لا يقع فيما يصل علمه إلى الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام ، ويظهر من كثير منها وقوع البداء فيما وصل إليهم أيضا ويمكن الجمع بينها بوجوه:

الأول: أن يكون المراد بالأخبار الأولة عدم وقوع البداء فيما وصل إليهم على سبيل التبليغ، بأن يؤمروا بتبليغه فيكون إخبارهم بها من قبل أنفسهم لا على وجه التبليغ.

الثاني: أن يكون المراد بالأولة الوحي ويكون ما يخبرون به من جهة الإلهام واطلاع نفوسهم على الصحف السماوية وهذا قريب من الأول.

الثالث: أن تكون الأولة محمولة على الغالب فلا ينافي ما وقع على سبيل الندرة.

الرابع: ما أشار إليه الشيخ قدس الله روحه: من أن المراد بالأخبار الأولة عدم وصول الخبر إليهم وأخبارهم على سبيل الحتم، فيكون أخبارهم على قسمين:

« أحدهما » ما أوحي إليهم أنه من الأمور المحتومة، فهم يخبرون كذلك ولا بداء فيه.

« وثانيهما » ما يوحى إليهم لا على هذا الوجه، فهم يخبرون كذلك، وربما أشعروا أيضا باحتمال وقوع البداء فيه، كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد الإخبار بالسبعين «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ » وهذا وجه قريب.

الخامس: أن يكون المراد بالأخبار الأولة أنهم لا يخبرون بشيء لا يظهر وجه الحكمة فيه على الخلق، لئلا يوجب تكذيبهم بل لو أخبروا بشيء من ذلك يظهر وجه الصدق فيما أخبروا به كخبر عيسىعليه‌السلام والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث ظهرت الحية(١) دالة على صدق مقالهما، وسيأتي بعض القول في ذلك في باب ليلة القدر إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) أقول: أمّا خبر عيسىعليه‌السلام فهو ما رواه الصدوق (ره) في الأمالي عن ـ

١٣٥

٢ ـ وفي رواية ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ما عظم الله بمثل البداء.

________________________________________________________

الحديث الثاني: مرسل.

قولهعليه‌السلام : ما عظم الله. لأنه إثبات لقدرته وتدبيره وحكمته، وإذعان في أمر يأبى عنه العقول القاصرة وقد مر القول فيه.

__________________

أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام أنّ عيسى روح الله مرّ بقوم مجلبين، فقال ما لهؤلاء؟ قيل يا روح الله إن فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه.

قال يجلبون اليوم ويبكون غدا! فقال قائل منهم: ولم يا رسول الله؟ قال لأنّ صاحبتهم ميّتة في ليلتها هذه، فقال القائلون بمقالته صدق الله ورسوله وقال أهل النفاق: ما أقرب غدا! فلما أصبحوا جاءوا فوجدوها على حالها لم يحدث بها شيء فقالوا يا روح الله إن التي أخبرتنا أمس أنّها ميّتة لم تمت! فقال عيسى على نبينا وآله وعليه السلام: يفعل الله ما يشاء فاذهبوا بنا إليها، فذهبوا يتسابقون حتى قرعوا الباب، فخرج زوجها فقال له عيسىعليه‌السلام : استأذن لي على صاحبتك، قال: فدخل عليها وأخبرها أنّ روح الله وكلمته بالباب مع عدّة قال فتخدرت فدخل عليها فقال لها: ما صنعت ليلتك هذه؟ قالت: لم أصنع شيئا إلا وقد كنت أصنعه فيما مضى، إنه كان يعترضنا سائل في كل ليلة جمعة فننيله ما يقوته إلى مثلها، وإنه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغل، فهتف فلم يجبه أحد، ثم هتف فلم يجب حتى هتف مرارا، فلما سمعت مقالته قمت متنكرة حتى نلته كما كنّا ننيله، فقال لها: تنحي عن مجلسك، فإذا تحت ثيابها أفعي مثل جذعة عاض على ذنبه، فقالعليه‌السلام : بما صنعت صرف عنك هذا.

وأما خبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو ما رواه الكليني (ره) في الكافي وسيأتي في كتاب الزكاة في باب « إن الصدقة تدفع البلاء » عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: مرّ يهودي بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: السام عليك! فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليك، فقال أصحابه: إنما سلم عليك بالموت فقال: الموت عليك! فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكذلك رددت، ثم قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن هذا اليهودي يعضه أسود في قفاء

١٣٦

٣ ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري وغيرهما، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في هذه الآية «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ » قال فقال وهل يمحى إلا ما كان ثابتا وهل يثبت إلا ما لم يكن؟

٤ ـ علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما بعث الله نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال الإقرار له بالعبودية وخلع الأنداد وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء.

________________________________________________________

الحديث الثالث: حسن.

« وهل يمحى إلا ما كان ثابتا » استدلعليه‌السلام بهذه الآية على تحقق البداء بالمعنى المتقدم، بأن المحو يدل على أنه كان مثبتا في اللوح فمحي وأثبت خلافه، وكذا العكس، ويدل على أن جميع ذلك بمشيته سبحانه، وأكثر الأخبار يشمل النسخ أيضا فلا تغفل.

الحديث الرابع: حسن.

قولهعليه‌السلام : الإقرار له بالعبودية، أي بأن لا يدعو الربوبية كما يدعون لعيسىعليه‌السلام ، وقيل: لا يخفى ما فيه من المبالغة في إثبات البداء بجعله ثالث الإقرار بالألوهية والتوحيد، ولعل ذلك لأن إنكاره يؤدي إلى إنكاره سبحانه خصوصا بالنسبة إلى الأنبياءعليهم‌السلام لأنه لقربهم من المبادئ كثيرا ما يفاض عليهم من كتاب المحو والإثبات الثابت الذي سيمحى بعد، وعدم ثبوت ما سيثبت بعد، والظاهر أن التقديم والتأخير بحسب الزمان في الحوادث، ويحتمل ما بحسب الرتبة أيضا، أو يقدمه يعني يوجده ويؤخره، أي يمحوه ولا يوجده.

__________________

فيقتله. قال فذهب اليهودي فاحتطب حطبا كثيرا فاحتمله ثم لم يلبث أن انصرف، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ضعه، فوضع الحطب فإذا أسود في جوف الحطب عاض على عود، قال: يا يهودي ما عملت اليوم؟ قال: ما عملت عملا إلا حطبي هذا حملته فجئت به وكان معي كعكتان ( أي قرصان من الخبز ) فأكلت واحدة وتصدقت بواحدة على مسكين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بها دفع الله عنه، وقال: إن الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان.

١٣٧

٥ ـ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن حمران، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عز وجل: «قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ »(١) قال هما أجلان أجل محتوم وأجل موقوف.

________________________________________________________

الحديث الخامس: حسن أو موثق.

قوله تعالى: «قَضى أَجَلاً ».

قال الرازي في تفسيره: اختلف المفسرون في تفسير الأجلين على وجوه: « الأول » أن المقضي آجال الماضين والمسمى عنده: آجال الباقين. « الثاني » أن الأول أجل الموت والثاني أجل القيامة لأن مدة حياتهم في الآخرة لا آخر لها.« الثالث » أن الأجل الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت، والثاني ما بين الموت والبعث « الرابع » أن الأول النوم والثاني الموت « الخامس » أن الأول مقدار ما انقضى من عمر كل أحد، والثاني مقدار ما بقي من عمر كل أحد. « السادس » وهو قول حكماء الإسلام: إن لكل إنسان أجلين أحدهما: الآجال الطبيعية، والثاني الآجال الاخترامية، أما الآجال الطبيعية فهي التي لو بقي ذلك المزاج مصونا عن العوارض الخارجية لانتهت مدة بقائه إلى الوقت الفلاني، وأما الآجال الاخترامية فهي التي تحصل بالأسباب الخارجية كالغرق والحرق وغيرهما من الأمور المنفصلة « انتهى ».

وما صدر من معدن الوحي والتنزيل مخالف لجميع ما ذكر، وموافق للحق، والأجل المقضي هو المحتوم الموافق لعلمه سبحانه، والمسمى هو المكتوب في لوح المحو والإثبات ويظهر من بعض الروايات العكس.

قولهعليه‌السلام : هما أجلان أي متغايران أجل محتوم، أي مبرم محكم لا يتغير وأجل موقوف قبل التغير والبداء لتوقفه على حصول شرائط وارتفاع موانع كما عرفت.

__________________

(١) سورة الأنعام: ٢.

١٣٨

٦ ـ أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن علي بن أسباط، عن خلف بن حماد، عن ابن مسكان، عن مالك الجهني قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تعالى أولم ير «الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً »(١) قال فقال لا مقدرا ولا مكونا قال وسألته عن قوله: «هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً » فقال كان مقدرا غير مذكور.

٧ ـ محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن الفضيل بن يسار قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول العلم علمان فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه وعلم علمه ملائكته ورسله فما علمه ملائكته ورسله فإنه سيكون لا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله وعلم

________________________________________________________

الحديث السادس: ضعيف والمراد بالخلق في الآية الأولى، إما التقدير أو الإيجاد والأحداث العيني، وعلى الأول معناه قدرنا الإنسان أو وجوده، ولم يكن تقدير نوع الإنسان مسبوقا بكونه مقدرا أو مكونا في فرد، وعلى الثاني أوجدناه ولم يكن إيجاده مسبوقا بتقدير سابق أزلي، بل بتقدير كائن ولا مسبوقا بتكوين سابق، وقوله: كان مقدرا غير مذكور أي غير مذكور ومثبت في الكتاب الذي يقال له كتاب المحو والإثبات، أو غير مذكور لما تحت اللوح المحفوظ، أو المراد غير موجود إذ الموجود مذكور عند الخلق، والحاصل أنه يمكن أن يكون هذا إشارة إلى مرتبة متوسطة بين التقدير والإيجاد، أو إلى الإيجاد، ولما كان هذا الخبر يدل على أصل التقدير في الألواح ومراتبه التي يقع فيها البداء، ذكره المصنف في هذا الباب.

الحديث السابع: مجهول كالصحيح.

« فما علمه ملائكته » أي على سبيل الوحي أو الحتم أو التبليغ أو غالبا كما مر

__________________

(١) كذا في النسخ، والآية في سورة مريم: ٦٧ وأصلها هكذا «أولا يذكر الإنسان أنّا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ».

١٣٩

عنده مخزون يقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويثبت ما يشاء.

٨ ـ وبهذا الإسناد، عن حماد، عن ربعي، عن الفضيل قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول من الأمور أمور موقوفة عند الله يقدم منها ما يشاء ويؤخر منها ما يشاء.

٩ ـ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن جعفر بن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير ووهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن لله علمين علم مكنون مخزون لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء ـ وعلم علمه ملائكته ورسله وأنبياءه فنحن نعلمه.

١٠ ـ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما بدا لله في شيء إلا كان في علمه قبل أن يبدو له.

١١ ـ عنه، عن أحمد، عن الحسن بن علي بن فضال، عن داود بن فرقد، عن عمرو بن عثمان الجهني، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله لم يبد له من جهل.

________________________________________________________

تفصيله « يقدم منه ما يشاء » أي من العلم المخزون وبسببه يقدم ويؤخر ما يشاء في كتاب المحو والإثبات، إذ هذا التغيير مسبوق بعلمه ذلك، وإثباته في اللوح المحفوظ.

الحديث الثامن: مجهول كالصحيح.

« أمور موقوفة عند الله » أي مكتوبة في لوح المحو والإثبات موقوفة على شرائط يحتمل تغييرها.

الحديث التاسع: مجهول.

« من ذلك يكون البداء » أي بسبب ذلك العلم يحصل البداء في كتاب المحو.

الحديث العاشر: صحيح.

الحديث الحادي عشر: مجهول.

١٤٠