مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 453

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف:

الصفحات: 453
المشاهدات: 53734
تحميل: 3671


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53734 / تحميل: 3671
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

١٢ ـ علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن منصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالأمس قال لا من قال هذا فأخزاه الله قلت أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله قال بلى قبل أن يخلق الخلق.

١٣ ـ علي، عن محمد، عن يونس، عن مالك الجهني قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه.

١٤ ـ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن عمرو الكوفي أخي يحيى، عن مرازم بن حكيم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله بخمس خصال بالبداء والمشيئة والسجود والعبودية والطاعة.

________________________________________________________

الحديث الثاني عشر: صحيح « فأخزاه الله » ظاهره الدعاء، ويحتمل الإخبار أي أخزاه الله ومنع لطفه منه بسوء اختياره حتى قال بهذا القول، ويدل الخبر على حدوث العالم.

الحديث الثالث عشر: مجهول « ما في القول بالبداء » أي الاعتقاد به وإظهاره وإنشاؤه من الأجر والفوائد « ما فتروا » ولم يمسكوا عن الكلام فيه، لأنه مناط الخوف والرجاء، والباعث على التضرع والدعاء والسعي في أمور المعاش والمعاد والعلم بتصرف رب العباد وتدبيره في عالم الكون والفساد.

الحديث الرابع عشر: مرسل « ما تنبأ نبي » أي لم يصر نبيا « والمشية » أي أن الأشياء تحصل بمشيته « والسجود » أي استحقاقه للعبادة، واختصاصه بها، أو أنه يسجد له ما في السماوات والأرض وينقاد له، وقدرته نافذة في الجميع « والعبودية » أي بأن لا يدعي ما ينافي العبودية، أو باختصاص العبودية والعبادة له، فيكون تعميما بعد التخصيص، أو التوحيد ونفي الشريك « والطاعة » أي في جميع الأوامر والنواهي وهو ناظر إلى العصمة.

١٤١

١٥ ـ وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن يونس، عن جهم بن أبي جهمة عمن حدثه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل أخبر محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله بما كان منذ كانت الدنيا وبما يكون إلى انقضاء الدنيا وأخبره بالمحتوم من ذلك واستثنى عليه فيما سواه.

١٦ ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الريان بن الصلت قال سمعت الرضاعليه‌السلام يقول ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر وأن يقر لله بالبداء.

١٧ ـ الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد قال سئل العالمعليه‌السلام كيف علم الله قال علم وشاء وأراد وقدر وقضى وأمضى فأمضى ما قضى وقضى ما قدر وقدر ما أراد فبعلمه كانت المشيئة وبمشيئته كانت الإرادة وبإرادته كان التقدير وبتقديره كان القضاء وبقضائه كان الإمضاء والعلم متقدم على المشيئة والمشيئة ثانية والإرادة ثالثة والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء.

فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء وفيما أراد لتقدير الأشياء فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء فالعلم في المعلوم قبل كونه والمشيئة في المنشإ قبل عينه

________________________________________________________

الحديث الخامس عشر: مرسل « واستثنى عليه » أي بأن قال إلا بأن أريد غيره أو أمحوه، والحاصل أنه ميز له المحتوم وغيره، وهذا يؤيد أحد الوجوه المتقدمة في الجمع بين الأخبار.

الحديث السادس عشر: حسن، ويدل على تحريم الخمر في جميع الشرائع ولا ينافي كونها في أول بعض الشرائع حلالا، ثم نزل تحريمها كما يدل عليه بعض الأخبار.

الحديث السابع عشر: ضعيف، وهو من غوامض الأخبار ومتشابهاتها ولعله إشارة إلى اختلاف مراتب تقدير الأشياء في الألواح السماوية أو اختلاف مراتب تسبب أسبابها إلى وقت حصولها.

١٤٢

والإرادة في المراد قبل قيامه والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا ووقتا والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام المدركات بالحواس من ذوي لون وريح ووزن وكيل وما دب ودرج من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك مما يدرك بالحواس.

فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء والله «يَفْعَلُ ما يَشاءُ » فبالعلم علم الأشياء قبل كونها وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها وبالتقدير قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها و «ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ».

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : قبل تفصيلها وتوصيلها، أي من لوح المحو والإثبات أو في الخارج.

قولهعليه‌السلام : فإذا وقع العين المفهوم المدرك، أي فصل وميز في اللوح أو أوجد في الخارج، ولعل تلك الأمور عبارة عن اختلاف مراتب تقديرها في لوح المحو والإثبات، وقد جعلها الله من أسباب وجود الشيء وشرائطه لمصالح، كما قد مر بيانها، فالمشية كتابة وجود زيد وبعض صفاته مثلا مجملا، والإرادة كتابة العزم عليه بتة مع كتابة بعض صفاته أيضا، والتقدير تفصيل بعض صفاته وأحواله، لكن مع نوع من الإجمال أيضا، والقضاء تفصيل جميع الأحوال وهو مقارن للإمضاء، أي الفعل والإيجاد والعلم بجميع تلك الأمور أزلي قديم، فقوله « بالمشية عرف » على صيغة التفعيل، وشرح العلل كناية عن الإيجاد.

وقال بعض الأفاضل: الظاهر من السؤال أنه كيف علم الله، أبعلم مستند إلى الحضور العيني والشهود في وقته لموجود عيني أو في موجود عيني كما في علومنا، أو بعلم مستند إلى الذات، سابق على خلق الأشياء، فأجابعليه‌السلام بأن العلم سابق على وجود المخلوق بمراتب، فقال: علم وشاء وأراد وقدر وقضاء، وأمضى، فالعلم ما به ينكشف الشيء والمشية ملاحظته بأحوال مرغوب فيها يوجب فينا ميلا دون المشية

١٤٣

________________________________________________________

له سبحانه لتعاليه عن التغير والاتصاف بالصفة الزائدة، والإرادة تحريك الأسباب نحوه، وبحركة نفسانية فينا بخلاف الإرادة فيه سبحانه، والقدر: التحديد وتعيين الحدود والأوقات، والقضاء: هو الإيجاب، والإمضاء هو الإيجاد، فوجود الخلق بعد علمه سبحانه بهذه المراتب وقوله: فأمضى ما قضى، أي فأوجد ما أوجب وأوجب ما قدر، وقدر ما أراد، ثم استأنف البيان على وجه أوضح فقال: بعلمه كانت المشية وهي مسبوقة بالعلم، وبمشيته كانت الإرادة وهي مسبوقة بالمشية، وبإرادته كان التقدير والتقدير مسبوق بالإرادة، وبتقديره كان القضاء والإيجاب وهو مسبوق بالتقدير، إذ لا إيجاب إلا للمحدد والموقوت بقضائه وإيجابه كان الإمضاء والإيجاد، ولله تعالى البداء فيما علم متى شاء، فإن الدخول في العلم أول مراتب السلوك إلى الوجود العيني، وله البداء فيما علم متى شاء أن يبدو، وفيما أراد وحرك الأسباب نحو تحريكه متى شاء قبل القضاء والإيجاب، فإذا وقع القضاء والإيجاب متلبسا بالإمضاء والإيجاد فلا بداء فعلم أن في العلوم العلم قبل كون المعلوم وحصوله في الأذهان والأعيان، وفي المشاء المشية قبل عينه ووجوده العيني.

وفي أكثر النسخ المنشأ ولعل المراد الإنشاء قبل الإظهار كما في آخر الحديث وفي المراد الإرادة قبل قيامه، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها وحضورها العيني في أوقاتها والقضاء بالإمضاء هو المبرم الذي يلزمه وجود المقتضي.

وقوله: من المعقولات، يحتمل تعلقه بالمبرم ويكون قوله ذوات الأجسام ابتداء الكلام، ويحتمل كونه من الكلام المستأنف وتعلقه بما بعده، والمعنى أن هذه الأشياء المحدثة لله فيه البداء قبل وقوع أعيانها، فإذا وقع العيني فلا بداء فبالعلم علم الأشياء قبل كونها وحصولها، وأصل العلم غير مرتبط بنحو من الحصول للمعلوم ولو في غيره بصورته المتجددة، ولا يوجب نفس العلم والانكشاف بما هو علم، وانكشاف الأشياء إنشاؤها وبالمشية ومعرفتها بصفاتها وحدودها إنشائها إنشاء قبل الإظهار، والإدخال

١٤٤

________________________________________________________

في الوجود العيني وبالإرادة وتحريك الأسباب نحو وجودها العيني ميز بعضها عن بعض بتخصيص تحريك الأسباب نحو وجود بعض دون بعض، وبالتقدير قدرها وعين وحدد أقواتها وأوقاتها وآجالها، وبالقضاء وإيجابها بموجباتها أظهر للناس أماكنها ودلهم عليها بدلائلها، فاهتدوا إلى العلم بوجودها حسب ما يوجبه الموجب بعد العلم بالموجب، وبالإمضاء والإيجاد أوضح تفصيل عللها وأبان أمرها بأعيانها، وذلك تقدير العزيز العليم، فبالعليم أشار إلى مرتبة أصل العلم، وبالعزيز إلى مرتبة المشية والإرادة وبإضافة التقدير إلى العزيز العليم إلى تأخره عن العز بالمشية والإرادة اللتين يغلب بهما على جميع الأشياء، ولا يغلبه فيهما أحد مما سواه وبتوسيط العزيز بين التقدير والعلم إلى تأخره عن مرتبة العلم، وتقدم مرتبة العلم عليه، كتقدمه على التقدير.

وقال بعضهم: أشارعليه‌السلام بقوله إلى ستة مراتب بعضها مترتب على بعض:

أولها: العلم لأنه المبدأ الأول لجميع الأفعال الاختيارية، فإن الفاعل المختار لا يصدر عنه فعل إلا بعد القصد والإرادة، ولا يصدر عنه القصد والإرادة إلا بعد تصور ما يدعوه إلى ذلك الميل وتلك الإرادة والتصديق به تصديقا جازما أو ظنا راجحا، فالعلم مبدء مبادئ الأفعال الاختيارية، والمراد به هنا هو العلم الأزلي الذاتي الإلهي أو القضائي المحفوظ عن التغير فينبعث منه ما بعده، وأشار إليه بقوله: علم، أي دائما من غير تبدل.

وثانيها: المشية، والمراد بها مطلق الإرادة، سواء بلغت حد العزم والإجماع أم لا، وقد تنفك المشية فينا عن الإرادة الحادثة.

وثالثها: الإرادة وهي العزم على الفعل أو الترك بعد تصوره وتصور الغاية المترتبة عليه من خير أو نفع أو لذة، لكن الله بريء عن أن يفعل لأجل غرض يعود إلى ذاته.

ورابعها: التقدير فإن الفاعل لفعل جزئي من أفراد طبيعة واحدة مشتركة، إذا عزم على تكوينه في الخارج كما إذا عزم الإنسان على بناء بيت، فلا بد قبل الشروع

١٤٥

________________________________________________________

أن يعين مكانه الذي يبنى عليه، وزمانه الذي يشرع فيه، ومقداره الذي يكونه عليه من كبر أو صغر أو طول أو عرض، وشكله ووضعه ولونه وغير ذلك من صفاته وأحواله وهذه كلها داخلة في التقدير.

وخامسها: القضاء والمراد منه هنا إيجاب الفعل واقتضاء الفعل من القوة الفاعلة المباشرة، فإن الشيء ما لم يجب لم يوجد، وهذه القوة الموجبة لوقوع الفعل منا هي القوة التي تقوم في العضلة والعصب من العضو الذي توقع القوة الفاعلة فيها قبضا وتشنيجا، أو بسطا وإرخاء أو لا، فيتبعه حركة العضو فتتبعه صورة الفعل في الخارج من كتابة أو بناء أو غيرهما، والفرق بين هذا الإيجاب وبين وجود الفعل في العين كالفرق بين الميل الذي في المتحرك وبين حركته، وقد ينفك الميل عن الحركة كما تحس يدك من الحجر المسكن باليد في الهواء، ومعنى هذا الإيجاب والميل من القوة المحركة أنه لو لا هناك اتفاق مانع أو دافع من خارج، لوقعت الحركة ضرورة، إذ لم يبق من جانب الفاعل شيء منتظر، فقوله: وقضى، إشارة إلى هذا الاقتضاء والإيجاب الذي ذكرنا أنه لا بد من تحققه قبل الفعل قبلية بالذات لا بالزمان، إلا أن يدفعه دافع من خارج، وليس المراد منه القضاء الأزلي لأنه نفس العلم، ومرتبة العلم قبل المشية والإرادة والتقدير.

وسادسها: نفس الإيجاد وهو أيضا متقدم على وجود الشيء المقدر في الخارج ولهذا يعده أهل العلم والتحقيق من المراتب السابقة على وجود الممكن في الخارج فيقال: أوجب فوجب، فأوجد فوجد، ثم أرادعليه‌السلام الإشارة إلى الترتيب الذاتي بين هذه الأمور، لأن العطف بالواو سابقا لم يفد الترتيب فقال: فأمضى ما قضى، ولما لم يكن أيضا صريحا في الترتيب صرح بإيراد باء السببية فقال: فبعلمه كانت المشية « إلخ » ثم لما كانت الباء أيضا محتملة للتلبس والمصاحبة وغيرهما، زاد في

١٤٦

________________________________________________________

التصريح فقال: والعلم متقدم المشية(١) أي عليها.

وقوله: والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء، أراد به أن التقدير واقع على القضاء الجزئي بإمضائه وإيقاع مقتضاه في الخارج، ثم بينعليه‌السلام أن البداء لا يقع في العلم الأزلي ولا في المشية والإرادة الأزليتين ولا بعد تحقق الفعل بالإمضاء، بل لله البداء في عالم التقدير الجزئي وفي لوح المحو والإثبات، ثم أراد أن يبين أن لهذه الموجودات الواقعة في الأكوان المادية لها ضرب من الوجود والتحقق في عالم القضاء الإلهي قبل عالم التقدير التفصيلي، فقال: فالعلم في المعلوم لأن العلم وهو صورة الشيء مجردة عن المادة، نسبته إلى المعلوم به نسبة الوجود إلى المهية الموجودة فكل علم في معلومه بل العلم والمعلوم متحدان بالذات، متغايران بالاعتبار، وكذلك حكم قوله: والمشية في المشاء، والإرادة في المراد قبل قيامه، أي قبل قيام المراد قياما خارجيا.

وقوله: والتقدير لهذه المعلومات، يعني أن هذه الأنواع الطبيعية والطبائع الجسمانية التي بينا موجودة في علم الله الأزلي، ومشيته وإرادته السابقتين على تقديرها وإثباتها في الألواح القدرية والكتب السماوية، فإن وجودها القدري أيضا قبل وجودها الكوني. في موادها السفلية عند تمام استعداداتها وحصول شرائطها ومعداتها وإنما يمكن ذلك بتعاقب أفراد وتكثر أشخاص فيما لا يمكن استبقاؤه إلا بالنوع دون العدد، ولا يتصور ذلك إلا فيما يقبل التفصيل والتركيب والتفريق والتمزيج فأشار بتفصيلها إلى كثرة أفرادها الشخصية وبتوصيلها إلى تركبها من العناصر المختلفة وأراد بقوله: عيانا ووقتا، وجودها الخارجي الكوني الذي يدركه الحس الظاهري فيه عيانا.

وقوله: والقضاء بالإمضاء، يعني أن الذي وقع فيه إيجاب ما سبق في عالم التقدير جزئيا أو في عالم العلم الأزلي كليا بإمضائه هو الشيء المبرم الشديد من جملة المفعولات

__________________

(١) كأنه سقط لفظة « على » من نسخة الشارح ففسره بما ذكر.

١٤٧

________________________________________________________

كالجواهر العلوية والأشخاص الكريمة وغير ذلك من الأمور الكونية التي يعتني لوجودها من قبل المبادئ العلوية، ثم شرح المفعولات التي تقع في عالم الكون التي منها المبرم ومنها غير المبرم، القابل للبداء قبل التحقق وللنسخ بعده وبين أحوالها وأوصافها، فقال: ذوات الأجسام، يعني أن صورها الكونية ذوات أجسام ومقادير طويلة عريضة عميقة، لا كما كانت في العالم العقلي صورا مفارقة عن المواد والأبعاد، ثم لم يكتف بكونها ذوات أجسام لأن الصورة التي في عالم التقدير العلمي أيضا ذوات أبعاد مجردة عن المواد بل قيدها بالمدركات بالحواس من ذوي لون وريح وهما من الكيفيات المحسوسة.

وبقوله: ما دب ودرج، أي قبل الحركة، وهي نفس الانفعالات المادية لتخرج بهذه القيود الصور المفارقة سواء كانت عقلية كلية أو إدراكية جزئية.

ثم أورد لتوضيح ما أفاده من صفة الصور الكونية التي في هذا العالم الأسفل أمثلة جزئية بقوله: من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك مما يدرك بالحواس، ثم كر راجعا إلى ما ذكره سابقا من أن البداء لا يكون إلا قبل الوقوع في الكون الخارجي بل إنما يقع في عالم التقدير تأكيدا بقوله: فلله تبارك وتعالى فيه البداء، أي فيما من شأنه أن يدرك بالحواس ولكن عند ما لم يوجد عينه الكوني فأما إذا وقع فلا بداء.

وقوله: والله يفعل ما يشاء، أي يفعل في عالم التكوين ما يشاء في عالم التصوير والتقدير، ثم استأنف كلاما في توضيح تلك المراتب بقوله: فبالعلم علم الأشياء، أي علما عاما أزليا ذاتيا إليها أو عقليا قضائيا قبل كونها في عالمي التقدير والتكوين وبالمشية عرف صفاتها الكلية وحدودها الذاتية وصورها العقلية، فإن المشية متضمنة للعلم بالمشيء قبل وجوده في الخارج، بل المشية إنشاء للشيء إنشاء علميا كما أن الفعل إنشاء له إنشاء كونيا، ولذا قال: وإنشاؤها قبل إظهارها أي في الخارج على المدارك الحسية، وبالإرادة ميز أنفسها، لأن الإرادة كما مر هي العزم التام على

١٤٨

باب في أنه لا يكون شيء في السماء والأرض إلا بسبعة

١ ـ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه ومحمد بن يحيى

________________________________________________________

الفعل بواسطة صفة مرجحة ترجح أصل وجوده أو نحوا من أنحاء وجوده فيها يتميز الشيء في نفسه فضل تميز لم يكن قبل الإرادة « وبالتقدير قدر أقواتها » لأنه قد مر أن التقدير عبارة عن تصوير الأشياء المعلومة أولا على الوجه العقلي الكلي جزئية مقدرة بإقدار معينة متشكلة بإشكال وهيئات شخصية مقارنة لأوقات مخصوصة على الوجه الذي يظهر في الخارج قبل إظهارها وإيجادها.

قوله: وبالقضاء، وهو إيجابه تعالى لوجودها الكوني « أبان للناس أماكنها » ودلهم عليها لأن الأمكنة والجهات والأوضاع مما لا يمكن ظهورها على الحواس البشرية إلا عند حصولها الخارجي في موادها الكونية الوضعية، وذلك لا يكون إلا بالإيجاب والإيجاد الذين عبر عنهما بالقضاء والإمضاء كما قال « وبالإمضاء » وهو إيجادها في الخارج « شرح » أي فصل عللها الكوني « وأبان أمرها » أي أظهر وجودها على الحواس الظاهرة و «ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ » أي وذلك الشرح والتفصيل والإبانة والإظهار صورة تقدير الله العزيز الذي علم الأشياء قبل تقديرها في لوح القدر، وقبل تكوينها في مادة الكون.

هذا ما ذكره كل على آرائهم وأصولهم ولعل رد علم هذه الأخبار على تقدير صحتها إلى من صدرت عنه أحوط وأولى، وقد سبق منا ما يوافق فهمنا، والله الهادي إلى الحق المبين.

باب في أنه لا يكون شيء في السماء والأرض إلا بسبعة

الحديث الأول: مجهول بسنديه.

١٤٩

عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد جميعا، عن فضالة بن أيوب، عن محمد بن عمارة، عن حريز بن عبد الله وعبد الله بن مسكان جميعا، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلا بهذه الخصال السبع بمشيئة وإرادة وقدر وقضاء وإذن وكتاب وأجل فمن زعم أنه يقدر على نقض واحدة فقد كفر.

________________________________________________________

ويمكن حمل الخصال السبع على اختلاف مراتب التقدير في الألواح السماوية أو اختلاف مراتب تسبب الأسباب السماوية والأرضية أو يكون بعضها في الأمور التكوينية وبعضها في الأحكام التكليفية، أو كلها في الأمور التكوينية، فالمشية وهي العزم والإرادة وهي تأكدها في الأمور التكوينية ظاهرتان، وأما في التكليفية فلعل عدم تعلق الإرادة الحتمية بالترك عبر عنه بإرادة الفعل مجازا.

والحاصل أن الإرادة متعلقة بالأشياء كلها لكن تعلقها بها على وجوه مختلفة، إذ تعلقها بأفعال نفسه سبحانه بمعنى إيجادها والرضا بها، وبطاعات العباد بمعنى إرادة وجودها والرضا بها، أو الأمر بها، وبالمباحات بمعنى الرخصة بها، وبالمعاصي إرادة أن لا يمنع منها بالجبر لتحقق الابتلاء والتكليف، كما قال تعالى: «وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا »(١) أو يقال تعلقها بأفعال العباد على سبيل التجوز باعتبار إيجاد الآلة والقدرة عليها، وعدم المنع منها، فكأنه أرادها، وربما تأول الإرادة بالعلم وهو بعيد، وبالقدر تقدير الموجودات طولا وعرضا وكيلا ووزنا وحدا ووصفا وكما وكيفا، وبالقضاء: الحكم عليها بالثواب والعقاب، أو تسبب أسبابه البعيدة كما مر.

والمراد بالإذن أما العلم أو الأمر في الطاعات، أو رفع الموانع وبالكتاب الكتابة في الألواح السماوية أو الفرض والإيجاب كما قال تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ »(٢) و «كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ »(٣) » وبالأجل: الأمد المعين والوقت المقدر عنده تعالى،

__________________

(١) سورة الأنعام: ١٠٧.

(٢) سورة البقرة: ١٨٣.

(٣) سورة الأنعام: ١٢.

١٥٠

ورواه علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن حفص، عن محمد بن عمارة، عن حريز بن عبد الله وابن مسكان مثله.

٢ ـ ورواه أيضا، عن أبيه، عن محمد بن خالد، عن زكريا بن عمران، عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام قال لا يكون شيء في السماوات ولا في الأرض إلا بسبع بقضاء وقدر وإرادة ومشيئة وكتاب وأجل وإذن فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله أو رد على الله عز وجل.

________________________________________________________

وقيل: المراد بالمشية القدرة وهي كون الفاعل بحيث إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل وبالقدر تعلق الإرادة وبالقضاء الإيجاد، وبالإذن دفع المانع، وبالكتاب العلم وبالأجل وقت حدوث الحوادث، والترتيب غير مقصود، إذ العلم مقدم على الكل بل المقصود أن هذه الأمور مما يتوقف عليه الحوادث.

الحديث الثاني: مجهول.

قوله: أورد، الترديد من الراوي.

فائدة:

قال العلامة قدس الله روحه في شرحه على التجريد: يطلق القضاء على الخلق والإتمام قال الله تعالى: «فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ »(١) أي خلقهن وأتمهن وعلى الحكم والإيجاب كقوله تعالى: «وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ »(٢) أي أوجب وألزم، وعلى الإعلام والأخبار كقوله تعالى «وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ »(٣) أي أعلمناهم وأخبرناهم، ويطلق القدر على الخلق كقوله تعالى: «وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها »(٤) والكتابة كقول الشاعر:

واعلم بأن ذا الجلال قد قدر

في الصحف الأولى التي كان سطر

__________________

(١) سورة فصلت: ١٢.

(٢) سورة الإسراء: ٢٣.

(٣) سورة الإسراء: ٤.

(٤) سورة فصلت: ١٠.

١٥١

________________________________________________________

والبيان كقوله تعالى: «إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ »(١) أي بينا وأخبرنا بذلك.

إذا ظهر هذا فنقول للأشعري: ما تعني بقولك أنه تعالى قضى أعمال العباد وقدرها؟ إن أردت به الخلق والإيجاد فقد بينا بطلانه، وأن الأفعال مستندة إلينا وإن عنى به الإلزام لم يصح إلا في الواجب خاصة، وإن عنى به أنه تعالى بينها وكتبها وعلم أنهم سيفعلونها فهو صحيح لأنه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ وبينه لملائكته، وهذا المعنى الأخير هو المتعين للإجماع على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، ولا يجوز الرضا بالكفر وغيره من القبائح ولا ينفعهم الاعتذار بوجوب الرضا به من حيث إنه فعله، وعدم الرضا به من حيث الكسب، لبطلان الكسب أولا، وثانيا نقول: إن كان الكفر كسبا بقضائه تعالى وقدره وجب الرضا به من حيث هو كسب وهو خلاف قولكم، وإن لم يكن بقضاء وقدر بطل إسناد الكائنات بأجمعها إلى القضاء والقدر « انتهى ».

وقال شارح المواقف: اعلم أن قضاء الله عند الأشاعرة هو إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال، وقدره إيجاده إياها على وجه مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها، وأما عند الفلاسفة فالقضاء عبارة عن علمه بما ينبغي أن يكون عليه الوجود حتى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام، وهو المسمى عندهم بالعناية التي هي مبدء لفيضان الموجودات من حيث جملتها على أحسن الوجوه وأكملها، والقدر عبارة عن خروجها إلى الوجود العيني بأسبابها على الوجه الذي تقرر في القضاء، والمعتزلة ينكرون القضاء والقدر في الأفعال الاختيارية الصادرة عن العباد، ويثبتون علمه تعالى بهذه الأفعال ولا يسندون وجودها إلى ذلك العلم بل إلى اختيار العباد وقدرتهم « انتهى ».

__________________

(١) سورة النمل: ٥٧.

١٥٢

________________________________________________________

وقال السيد المرتضىرضي‌الله‌عنه في كتاب الغرر والدرر: إن قال قائل: ما تأويل قوله تعالى: «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ »(١) فظاهر الكلام يدل على أن الإيمان إنما كان لهم فعله بإذنه وأمره وليس هذا مذهبكم فإن حمل الإذن ههنا على الإرادة اقتضى أن من لم يقع منه الإيمان لم يرده الله تعالى منه، وهذا أيضا بخلاف قولكم: ثم جعل الرجس الذي هو العذاب على الذين لا يعقلون، ومن كان فاقدا عقله لا يكون مكلفا فكيف يستحق العذاب وهذا بالضد من الخبر المروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه قال: أكثر أهل الجنة البله.

يقال له: في قوله: إلا بإذن الله وجوه:

« منها » أن يكون الإذن الأمر، ويكون معنى الكلام أن الإيمان لا يقع من أحد إلا بعد أن يأذن الله فيه ويأمر به، ولا يكون معناه ما ظنه السائل من أنه لا يكون للفاعل فعله إلا بإذنه، ويجري هذا مجرى قوله تعالى: «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ »(٢) ومعلوم أن معنى قوله ليس لها في هذه الآية هو ما ذكرناه وإن كان الأشبه في الآية التي فيها ذكر الموت أن يكون المراد بالإذن العلم.

ومنها: أن يكون هو التوفيق والتيسير والتسهيل، ولا شبهة في أن الله تعالى يوفق لفعل الإيمان ويلطف فيه ويسهل السبيل إليه.

ومنها: أن يكون الإذن العلم من قولهم أذنت لكذا وكذا إذا سمعته وعلمته، وآذنت فلانا بكذا وكذا إذا أعلمته، فتكون فائدة الآية الأخبار عن علمه تعالى بسائر الكائنات، وأنه ممن لا تخفى عليه الخفيات، وقد أنكر بعض من لا بصيرة له أن يكون الإذن بكسر الألف وتسكين الذال عبارة عن العلم، وزعم أن الذي هو العلم

__________________

(١) سورة يونس: ١٠٠.

(٢) سورة آل عمران: ١٤٥.

١٥٣

________________________________________________________

الإذن بالتحريك، واستشهد بقول الشاعر: « إن همي في سماع وأذن » وليس الأمر على ما توهمه هذا المتوهم، لأن الإذن هو المصدر، والإذن هو اسم الفعل، ويجري مجرى الحذر في أنه مصدر، والحذر بالتسكين الاسم على أنه لو لم يكن مسموعا إلا الإذن بالتحريك لجاز التسكين، مثل مثل ومثل وشبه وشبه ونظائر ذلك كثيرة.

ومنها: أن يكون الإذن العلم ومعناه إعلام الله المكلفين بفضل الإيمان وما يدعو إلى فعله فيكون معنى الآية: وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإعلام الله تعالى لها ما يبعثها على الإيمان، ويدعوها إلى فعله، فأما ظن السائل دخول الإرادة في محتمل اللفظ فباطل، لأن الإذن لا يحتمل الإرادة في اللغة، ولو احتملها أيضا لم يجب ما توهمه لأنه إذا قال أن الإيمان لم يقع إلا وأنا مريد له لم ينف أن يكون مريدا لما لم يقع وليس في صريح الكلام ولا في دليله شيء من ذلك.

فأما قوله تعالى: «وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ » فلم يعن به الناقصي العقول، وإنما أراد تعالى الذين لم يعقلوا ويعلموا ما وجب عليهم علمه من معرفة خالقهم تعالى والاعتراف بنبوة رسلهعليهم‌السلام والانقياد إلى طاعتهم ووصفهم بأنهم لا يعقلون تشبيها، كما قال تعالى: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ »(١) وكما يصف أحدنا من لم يفطن لبعض الأمور أو لم يعلم ما هو مأمور بعلمه بالجنون وفقد العقل، فأما الحديث الذي أورده السائل شاهدا له فقد قيل فيه: إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرد بالبله ذوي الغفلة والنقص والجنون وإنما أراد البله عن الشر والقبيح، وسماهم بلهاء عن ذلك من حيث لا يستعملونه ولا يعتادونه لا من حيث فقد العلم به، ووجه تشبيه من هذه حاله بالأبله ظاهر.

__________________

(١) سورة البقرة: ١٨.

١٥٤

باب المشيئة والإرادة

١ ـ علي بن محمد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن علي بن إبراهيم الهاشمي قال سمعت أبا الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام يقول لا يكون شيء إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى قلت ما معنى شاء قال ابتداء الفعل قلت ما معنى قدر قال تقدير الشيء من طوله وعرضه قلت ما معنى قضى قال إذا قضى أمضاه فذلك الذي لا مرد له.

٢ ـ علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن

________________________________________________________

باب المشية والإرادة

الحديث الأول: ضعيف، ورواه البرقي في المحاسن بسند صحيح هكذا: حدثني أبي عن يونس عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: قلت: لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقضى فقال: لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى، قلت: فما معنى شاء؟ قال: ابتداء الفعل قلت: فما معنى أراد؟ قال: الثبوت عليه، قلت: فما معنى قدر؟ إلى آخر الخبر ولعله سقط الإرادة من الكتاب.

وقولهعليه‌السلام : ابتداء الفعل، أي أول الكتابة في اللوح، أو أول ما يحصل من جانب الفاعل ويصدر عنه مما يؤدي إلى وجود المعلول، وعلى ما في المحاسن يدل على أن الإرادة تأكد المشية، وفي الله سبحانه يكون عبارة عن الكتابة في الألواح وتسبيب أسباب وجوده، وقوله: تقدير الشيء، أي تعيين خصوصياته في اللوح أو تسبيب بعض الأسباب المؤدية إلى تعيين المعلول وتحديده وخصوصياته « وإذا قضاه أمضاه(١) » أي إذا أوجبه باستكمال شرائط وجوده وجميع ما يتوقف عليه المعلول أوجده « وذلك الذي لا مرد له » لاستحالة تخلف المعلول عن الموجب التام كذا قيل.

الحديث الثاني: موثق كالصحيح.

__________________

(١) في المتن: « إذا قضى أمضاه » ولعله نقله بالمعنى.

١٥٥

أبان، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام شاء وأراد وقدر وقضى قال نعم قلت وأحب قال لا قلت وكيف شاء وأراد وقدر وقضى ولم يحب قال هكذا خرج إلينا.

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : هكذا خرج إلينا، أي هكذا وصل إلينا من النبي وآبائنا الأئمة صلوات الله عليهم، ولما كان فهمه يحتاج إلى لطف قريحة، وكانت الحكمة تقتضي عدم بيانه للسائل اكتفىعليه‌السلام ببيان المأخذ النقلي عن التبيين العقلي.

وكلامهعليه‌السلام يحتمل وجوها:

الأول: أن يكون المراد بالقضاء والقدر والمشية والإرادة فيما يتعلق بأفعال العباد علمه سبحانه بوقوع الفعل وثبته في الألواح السماوية وشيء منها لا يصير سببا للفعل وأما المحبة فهو أمره سبحانه بالشيء وإثابته عليه، فهو سبحانه لا يأمر بالمعاصي ولا يثيب عليها فصح إثبات القضاء وأخوانها مع نفي المحبة.

الثاني: أن يقال لما كانت المشية والإرادة وتعلقهما بإيقاع الفعل في الإنسان مقارنا لمحبته وشوقه وميل قلبه إلى ذلك، توهم السائل أن له سبحانه صفة زائدة على ما ذكره، وهي المحبة والشوق وميل القلب، أجابعليه‌السلام بأنه ليس له تعالى محبة بل إسنادها إليه مجاز، وهي كناية عن أمره أو عدم نهيه أو ثوابه ومدحه.

الثالث: ما قيل: أن عدم المنافاة بين تعلق الإرادة والمشية بشيء وإن لا يحبه لأن تعلق المشية والإرادة بما لا يحبه بتعلقهما بوقوع ما يتعلق به إرادة العباد بإرادتهم وترتبه عليها، فتعلقهما بالذات بكونهم قادرين مريدين لأفعالهم وترتبها على إرادتهم وتعلقها بما هو مرادهم بالتبع ولا حجر في كون متعلقهما بالتبع شرا غير محبوب له، فإن دخول الشر وما لا يحبه في متعلق إرادته بالعرض جائز فإن كل من تعلق مشيته وإرادته بخير وعلم لزوم شر له شرية لا تقاوم خيريته تعلقتا بذلك الشر بالعرض وبالتبع وذلك التعلق بالتبع لا ينافي أن يكون المريد خيرا محضا، ولا يتصف بكونه شريرا ومحبا للشر، وسيأتي مزيد تحقيق لذلك في شرح الأخبار الآتية.

١٥٦

٣ ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن واصل بن سليمان، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول أمر الله ولم يشأ وشاء ولم يأمر أمر إبليس أن يسجد لآدم وشاء أن لا يسجد ولو شاء لسجد ونهى آدم عن أكل الشجرة وشاء أن يأكل منها ولو لم يشأ لم يأكل.

________________________________________________________

الحديث الثالث: مجهول.

قولهعليه‌السلام : وشاء أن لا يسجد. أقول: توجيه تلك الأخبار على أصول العدلية لا يخلو من صعوبة وقد يوجه بوجوه:

الأول: حملها على التقية لكونها موافقة لأصول الجبرية وأكثر المخالفين منهم ويؤيده ما رواه الصدوق في العيون والتوحيد بإسناده عن الحسين بن خالد قال: قلت للرضاعليه‌السلام : يا بن رسول الله إن الناس ينسبوننا إلى القول بالتشبيه والجبر لما روي من الأخبار في ذلك من آبائك الأئمةعليهم‌السلام ؟ فقال: يا بن خالد أخبرني عن الأخبار التي رويت عن آبائي الأئمةعليهم‌السلام في التشبيه أكثر أم الأخبار التي رويت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك؟ فقلت: بل ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك أكثر، قال: فليقولوا إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول بالتشبيه والجبر إذا؟ قلت له: إنهم يقولون إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقل من ذلك شيئا، وإنما روي عليه، قالعليه‌السلام : فليقولوا في آبائيعليهم‌السلام إنهم لم يقولوا من ذلك شيئا، وإنما روي عليهم، ثم قالعليه‌السلام : من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة، يا بن خالد إنما وضع الأخبار عنا في التشبيه والجبر الغلاة الذين صغروا عظمة الله فمن أحبهم فقد أبغضنا ومن أبغضهم فقد أحبنا « الخبر ».

الثاني: أن يقال: المراد بالمشية العلم، ويؤيده ما في كتاب فقه الرضا حيث قالعليه‌السلام : قد شاء الله من عباده المعصية وما أراد، وشاء الطاعة وأراد منهم، لأن المشية مشية الأمر ومشية العلم، وإرادته إرادة الرضا وإرادة الأمر، أمر بالطاعة ورضي بها، وشاء المعصية يعني علم من عباده المعصية ولم يأمرهم بها « الخبر ».

١٥٧

________________________________________________________

الثالث: أن يقال: المراد بمشية الطاعة هداياته وألطافه الخاصة التي ليست من ضروريات التكليف، وبمشية المعصية خذلانه وعدم فعل تلك الألطاف بالنسبة إليه وشيء منهما لا يوجب جبره على الفعل والترك، ولا ينافي استحقاق الثواب والعقاب.

الرابع: ما قيل: إن المراد تهيئة أسباب فعل العبد بعد إرادة العبد ذلك الفعل.

الخامس: أن يقال: لما اقتضت المصلحة تكليف من علم الله منه المعصية وكلفه مع علمه بذلك ووكله إلى اختياره ففعل تلك المعصية فكأنه شاء صدوره منه، وكذا في الطاعة إذا علم عدم صدوره منه، فسمي ذلك مشية مجازا، وهذا مجاز شائع كما إذا أمر المولى عبده بأوامر وخيره في ذلك ومكنه على الفعل والترك مع علمه بأنه لا يأتي بها، فيقال له: أنت فعلت ذلك إذ كنت تعلم أنه لا يفعل ومكنته ووكلته إلى نفسه.

السادس: أن يقال أن المراد بمشيته عدم جبره على فعل الطاعة أو ترك المعصية وبعبارة أخرى سمى عدم المشية مشية العدم كما سيأتي في كلام الصدوق (ره) وهذا قريب من الوجه السابق بل يرجع إليه.

السابع: أنه إسناد للفعل إلى العلة البعيدة، فإن العبد وقدرته وأدواته لما كانت مخلوقة لله تعالى فهو جل وعلا علة بعيدة لجميع أفعاله.

الثامن: ما أومأنا إليه في الخبر السابق من المشية بالتبع، وربما يحقق بوجه أوضح حيث حقق بعضهم الأمر بين الأمرين، أن فعل العبد واقع بمجموع القدرتين، قدرة الله وقدرة العبد، والعبد لا يستقل في إيجاد فعله بحيث لا دخل لقدرة الله تعالى فيه، بمعنى أنه أقدر العبد على فعله بحيث يخرج عن يده أزمة الفعل المقدور للعبد مطلقا، كما ذهب إليه المفوضة أو لا تأثير لقدرته فيه، وإن كان

١٥٨

________________________________________________________

قادرا على طاعة العاصي جبرا لعدم تعلق إرادته بجبره في أفعاله الاختيارية كما ذهب إليه المعتزلة وهذا أيضا نحو من التفويض وليس قدرة العبد بحيث لا تأثير له في فعله أصلا، سواء كانت كاسبة كما ذهب إليه الأشعري، ويؤول مذهبه إلى الجبر، أم لا تكون كاسبة أيضا بمعنى أن لا تكون له قدرة واختيار أصلا، بحيث لا يكون فرق بين مشي زيد وحركة المرتعش كما ذهب إليه الجبرية، وهم جهم بن صفوان ومن تبعه.

فهذا معنى الأمر بين الأمرين، ولما كان مشية العبد وإرادته وتأثيره في فعله جزءا أخيرا للعلة التامة، وإنما يكون تحقق الفعل والترك مع وجود ذلك التأثير وعدمه فينتفي صدور القبيح عنه تعالى، بل إنما يتحقق بالمشية والإرادة الحادثة، وبالتأثير من العبد الذي هو متمم للعلة التامة، ومع عدم تأثير العبد والكف عنه بإرادته واختياره لا يتحقق فعله بمجرد مشية الله سبحانه وإرادته وقدره إذ لم يتحقق مشية وإرادة وتعلق إرادة منه تعالى بذلك الفعل مجردا عن تأثير العبد فحينئذ الفعل لا سيما القبيح مستند إلى العبد، ولما كان مراده تعالى من أقداره العبد في فعله وتمكينه له فيه صدور الأفعال عنه باختياره وإرادته إذا لم يكن مانع أي فعل أراد واختار من الإيمان والكفر والطاعة والمعصية، ولم يرد منه خصوص شيء من الطاعة والمعصية، ولم يرد جبره في أفعاله ليصح تكليفه لأجل المصلحة المقتضية له، وكلفه بعد ذلك الأقدار بإعلامه بمصالح أفعاله ومفاسده في صورة الأمر والنهي، لأنهما منه تعالى من قبيل أمر الطبيب للمريض بشرب الدواء النافع ونهيه عن أكل الغذاء الضار، فمن صدور الكفر والعصيان عن العبد بإرادته المؤثرة واستحقاقه بذلك العقاب لا يلزم أن يكون العبد غالبا عليه تعالى، ولا يلزم عجزه تعالى كما لا يلزم غلبة المريض على الطبيب ولا عجز الطبيب إذا خالفه المريض وهلك، ولا يلزم أن يكون في ملكه أمر لا يكون بمشية الله تعالى وإرادته، ولا يلزم الظلم في عقابه، لأنه فعل

١٥٩

________________________________________________________

القبيح بإرادته المؤثرة وطبيعة ذلك الفعل توجب أن يستحق فاعله العقاب.

ولما كان مع ذلك الإعلام من الأمر والنهي بوساطة الحججعليهم‌السلام اللطف والتوفيق في الخيرات والطاعات من الله جل ذكره فما فعل الإنسان من حسنة فالأولى أن يسند وينسب إليه تعالى لأنه مع أقداره وتمكينه له وتوفيقه للحسنات أعلمه بمصالح الإتيان بالحسنات ومضار تركها والكف عنها بأوامره، وما فعله من سيئة فمن نفسه لأنه مع ذلك أعلمه بمفاسد الإتيان بالسيئات ومنافع الكف عنها بنواهيه وهذا من قبيل إطاعة الطبيب ومخالفته فإنه من أطاعه وبرأ من المرض يقال: عالجه الطبيب، ومن خالف وهلك يقال: أهلك نفسه بمخالفته للطبيب.

فمعنى قوله: أمر الله ولم يشأ، أنه أعلم العباد وأخبرهم بالأعمال النافعة لهم كالإيمان والطاعة، ولم يشأ صدور خصوص تلك الأفعال عنهم، كيف ولو شاء ولم يصدر عن بعضهم لزم عجزه ومغلوبيته تعالى عن ذلك علوا كبيرا، بل إنما شاء صدور الأفعال عنهم بقدرتهم واختيارهم أي فعل أرادوه، فما شاء الله كان.

ومعنى قوله: شاء ولم يأمر، أنه شاء صدور الأفعال عن العباد باختيارهم أي فعل أرادوه، ولم يأمر بكل ما أرادوا بل نهاهم عن بعضه وأعلمهم بمضرته كالكفر والعصيان.

فقوله: أمر إبليس أن يسجد لآدم، أي أعلمه بأن سجدته لآدم نافع له، وكفه عنه ضار له، وشاء أن لا يسجد يعني لم يشأ خصوص السجود عنه، ولو شاء خصوص السجود عنه لسجد، لاستحالة عجزه وغلبة إبليس عليه، بل إنما شاء صدور أيهما كان من السجود وتركه، أي كفه بإرادته واختياره، ولما لم يسجد إبليس، أي كف عن السجود بإرادته، فهو تعالى لأجل ذلك شاء كفه، ولما كان الكف إنما يتحقق بمشية إبليس وإرادته المؤثرة وهي جزء أخير للعلة التامة فلذا يستحق إبليس الذم والعقاب، والقبيح صادر عنه لا عن الله تعالى، وكذا الكلام في نهي آدم عن أكل الشجرة.

١٦٠