مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 453

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف:

الصفحات: 453
المشاهدات: 53739
تحميل: 3675


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53739 / تحميل: 3675
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

يوم القيامة ومن كذب كذبناه يوم القيامة.

٣ ـ وبهذا الإسناد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي، عن أحمد بن عمر الحلال قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن قول الله عز وجل: «أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ »(١)

________________________________________________________

وكذا قوله: « كذب كذبناه » أي في دعوى التصديق يوم القيامة.

الحديث الثالث: ضعيف، لكن مضمونه مروي بطرق مستفيضة بل متواترة من طرق الخاص، أوردت أكثرها في الكتاب الكبير، ورواه صاحب كشف الغمة وابن ـ بطريق في المستدرك، والسيد بن طاوس في الطرائف، والعلامة في كشف الحق بطرق متعددة من كتب المخالفين.

وقال السيد في كتاب سعد السعود: وقد روي أن المقصود بقوله جل جلاله: « وشاهد منه » هو علي بن أبي طالب، محمد بن العباس بن مروان في كتابه من ستة وستين طريقا بأسانيدها.

وقال إمامهم الرازي في تفسيره: قد ذكروا في تفسير الشاهد وجوها: « أحدها » أنه جبرئيلعليه‌السلام يقرأ القرآن علي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله « وثانيها » أن ذلك الشاهد لسان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله « وثالثها » أن المراد هو علي بن أبي طالب والمعنى أنه يتلو تلك البينة وقوله: « منه » أي هذا الشاهد من محمد وبعض منه، والمراد منه تشريف هذا الشاهد بأنه بعض من محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، انتهى.

وروى السيوطي من مشاهير علماء المخالفين أيضا في الدر المنثور عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم في المعرفة عن عليعليه‌السلام قال: ما من رجل من قريش إلا نزلت فيه طائفة من القرآن فقال رجل: ما نزل فيك؟ قال: أما تقرأ سورة هود: «أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ » رسول الله على بينة من ربه، وأنا شاهد منه.

قال الطبرسي (ره) في مجمع البيان: المراد بالبينة القرآن وبمن كان على

__________________

(١) سورة هود: ١٧.

٣٤١

فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه الشاهد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على بينة من ربه.

٤ ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد العجلي قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام قول الله تبارك وتعالى: «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً »(١) قال نحن الأمة الوسط ونحن شهداء الله تبارك وتعالى على خلقه وحججه في أرضه قلت قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ »(٢) قال إيانا عنى ونحن

________________________________________________________

بينة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقيل: المعنى به كل محق يدين بحجة وبينة، وقيل: هم المؤمنون من أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله «وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ » أي ويتبعه من يشهد بصحته منه، واختلف في معناه فقيل: الشاهد جبرئيل يتلو القرآن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الله، وقيل: محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقيل: لسانهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي يتلو القرآن بلسانه وقيل: الشاهد منه علي بن أبي طالبعليه‌السلام يشهد للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو المروي عن أبي جعفر وعلي بن موسى الرضاعليهما‌السلام ، ورواه الطبري بإسناده عن جابر بن عبد الله عن عليعليه‌السلام ، وقيل: الشاهد ملك يسدده ويحفظه، وقيل: بينة من ربه حجة من عقله، وأضاف البينة إليه تعالى لأنه ينصب الأدلة العقلية والشرعية «وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ » يشهد بصحته وهو القرآن، انتهى.

قولهعليه‌السلام : الشاهد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي في تبليغه إلى الأمة ما أمر بتبليغه، أو « على » بمعنى اللام أي المصدق له أو هوعليه‌السلام شاهد بعلومه ومعجزاته وكمالاته إلى حقية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يخفى أن « يتلوه » يدل على أنه المبلغ والخليفة بعده على أمته و « منه » يدل على غاية الاختصاص بينهما كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي مني وأنا منه.

__________________

(١) سورة البقرة: ١٤٣.

(٢) سورة الحج: ٧٨ ـ ٧٧.

٣٤٢

المجتبون ولم يجعل الله تبارك وتعالى «فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » فالحرج أشد من الضيق «مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ » إيانا عنى خاصة و «سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ » الله سمانا المسلمين من قبل في الكتب التي مضت وفي هذا القرآن: «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ » فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الشهيد علينا بما بلغنا عن الله تبارك وتعالى ونحن الشهداء على الناس فمن صدق يوم القيامة صدقناه ومن كذب كذبناه.

٥ ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال إن الله تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجته في أرضه وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا.

________________________________________________________

قوله: « من حرج »(١) في بعض النسخ « من ضيق » فعلى الأول المراد بقوله: فالحرج أشد من الضيق أنه ليس المراد نفي الضيق مطلقا إذ في بعض التكاليف الشرعية صعوبة وعسر، وعلى الثاني فالمعنى بنفي الحرج هنا نفي الضيق مطلقا، لا معناه المتبادر فإنه الضيق الشديد، كما هو المراد به في قوله تعالى: «ضَيِّقاً حَرَجاً »(٢) أو المعنى أنه وإن نفى الله سبحانه هنا الحرج لكن مطلق الضيق منفي واقعا وإنما خص الحرج هنا بالنفي لحكمة الله عز وجل « سمانا » الضمير راجع إليه تعالى.

الحديث الرابع (٣) مختلف فيه وحسن عندي.

« إن الله تعالى طهرنا » أي من الشرك والعقائد الفاسدة، والأخلاق الرديئة « وعصمنا » أي من المعاصي والذنوب « وجعلنا مع القرآن » حيث تعمل بما فيه أو يدل على فضلنا ووجوب طاعتنا « وجعل القرآن معنا » لأنه عندهم لفظا ومعنى كما سيأتي في الأخبار.

__________________

(١) كذا في النسخ ولا يخفى أنّ قوله « من حرج » في الحديث الرابع وكأنّ المؤلّفرحمه‌الله جعله من تتمّة الحديث الثالث وذلك من جهة وقوع السقط في النسخ التي بيده أو غير ذلك، والله أعلم.

(٢) سورة الأنعام: ١٢٥.

(٣) كذا في النسخ والصحيح « الخامس » بدل « الرابع ».

٣٤٣

باب أن الأئمةعليهم‌السلام هم الهداة

١ ـ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد وفضالة بن أيوب، عن موسى بن بكر، عن الفضيل قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل: «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ »(١) فقال كل إمام هاد للقرن الذي هو فيهم.

٢ ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد العجلي، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل: «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ » فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنذر ولكل زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبي الله

________________________________________________________

باب أن الأئمةعليهم‌السلام هم الهداة

الحديث الأول: ضعيف كالموثق.

الحديث الثاني: حسن.

وقال الطبرسي قدس الله روحه عند تفسير هذه الآية: فيه أقوال: « أحدها » أن معناه إنما أنت منذر، أي مخوف وهاد لكل قوم، وليس إليك إنزال الآيات، فأنت مبتدأ ومنذر خبره، وهاد عطف على منذر، وفصل بين الواو والمعطوف بالظرف « والثاني » أن المنذر محمد والهادي هو الله « والثالث » أن معناه إنما أنت منذر يا محمد ولكل قوم نبي وداع يرشدهم « والرابع » أن المراد بالهادي كل داع إلى الحق، وروي عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت الآية قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا المنذر وعلي الهادي، يا علي بك يهتدى المهتدون، وعلى هذه الأقوال الثلاثة يكون « هاد » مبتدأ « ولكل قوم » خبره على قول سيبويه ويكون مرتفعا بالظرف على قول الأخفش، انتهى.

« رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنذر » أي لكل أمة من أولهم إلى آخرهم، ولكل قرن

__________________

(١) سورة الرعد: ٧.

٣٤٤

صلى الله عليه واله ثم الهداة من بعده علي ثم الأوصياء واحد بعد واحد.

٣ ـ الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن محمد بن إسماعيل، عن سعدان، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ » فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنذر وعلي الهادي يا أبا محمد هل من هاد اليوم قلت بلى جعلت فداك ما زال منكم هاد بعد هاد حتى دفعت إليك فقال رحمك الله يا أبا محمد لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب ولكنه حي يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى.

________________________________________________________

ووقت من الزمان « هاد » أو هوصلى‌الله‌عليه‌وآله كان منذرا لأهل عصره ولكل عصر بعده هاد، فتسميتهصلى‌الله‌عليه‌وآله منذرا والإمام هاديا لعله إشارة إلى أن الأنبياءعليهم‌السلام يتقدمونهم أولا من الشرك وما يوجب دخول النار وشدائد العقوبات، والأوصياءعليهم‌السلام يكملونهم ويهدونهم إلى ما يستحقون به أرفع الدرجات، بل يجعلهم النبي ظاهرا من المسلمين ويميز الوصي المؤمنون من المنافقين.

الحديث الثالث: ضعيف.

« وعلي الهادي » أي أول الهداة عليعليه‌السلام .

« حتى دفعت » علي بناء المجهول أي الهداية والإمامة والخلافة.

« ثم مات ذلك الرجل » أي الرسول الذي نزلت عليه الآية « ماتت الآية » أي فات بيانها وبقيت مجهولة « مات الكتاب » المنزل علي الرسول وفات بيانه وصار كالميت لعدم الانتفاع به، ولعدم إمكان العمل بموجبه ولكنه لا يجوز فوات بيانه مع وجود المكلف به، إذ حكمه وتكليف العمل به باق إلى يوم القيامة، أو المراد بموت الكتاب سقوط التكليف بالعمل به، فالمعنى أنه لو نزلت آية على رسول وبعد موت ذلك الرجل لم يكن مفسر لها فصارت مبهمة علي الأمة، لزم سقوط العمل بالكتاب، إذ تكليف الجاهل محال، لكن الكتاب حي، أي حكمه باق غير ساقط عن المكلفين ضرورة واتفاقا، يجري حكمه على الباقين كجريانه علي الماضين، وعلى التقديرين الكلام مشتمل على قياس استثنائي ينتج رفع التالي رفع المقدم.

٣٤٥

٤ ـ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن منصور، عن عبد الرحيم القصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ » فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنذر وعلي الهادي أما والله ما ذهبت منا وما زالت فينا إلى الساعة.

باب أن الأئمةعليهم‌السلام ولاة أمر الله وخزنة علمه

١ ـ محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن أبي زاهر، عن الحسن بن موسى، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول نحن ولاة أمر الله وخزنة علم الله وعيبة وحي الله.

________________________________________________________

الحديث الرابع: مجهول.

« ما ذهبت » أي الهداية أو الآية يعني حكمها باق « إلى الساعة » أي الآن أو إلى يوم القيامة.

باب أن الأئمةعليهم‌السلام ولاة أمر الله وخزنة علمه

الحديث الأول: ضعيف.

« ولاة أمر الله » أي أمر الخلافة والإمامة، وقال الفيروزآبادي: العيبة: زبيل من أدم وما يجعل فيه الثياب، ومن الرجل موضع سره، وفي النهاية: العرب تكني عن القلوب والصدور بالعياب، لأنها مستودع السرائر كما أن العياب مستودع الثياب، انتهى.

فالمراد بعيبة وحي الله أن كل وحي نزل من السماء على نبي من الأنبياء فقد وصل إليهم وهو محفوظ عندهم.

٣٤٦

٢ ـ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن أسباط، عن أبيه أسباط، عن سورة بن كليب قال قال لي أبو جعفرعليه‌السلام والله إنا لخزان الله في سمائه وأرضه لا على ذهب ولا على فضة إلا على علمه.

٣ ـ علي بن موسى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد البرقي، عن النضر بن سويد رفعه، عن سدير، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قلت له جعلت فداك ما أنتم قال نحن خزان علم الله ونحن تراجمة وحي الله ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض.

________________________________________________________

الحديث الثاني: مجهول.

قولهعليه‌السلام : لخزان الله في سمائه وأرضه، أي خزنة العلوم المكتوبة في الألواح السماوية والعلوم الكائنة في الأرض من الكتب المنزلة، وخزنة علوم حقائق الأجرام السماوية والملائكة وأحوالهم، وحقائق ما في الأرض من الجمادات والنباتات وأحوالها، أو المراد: نحن الخزنة من بين أهل السماء وأهل الأرض أو نحن المعروفون بذلك عند أهلهما.

« إلا علي علمه » الاستثناء منقطع.

الحديث الثالث: مجهول.

قوله: ما أنتم؟ أي من جهة الفضل والخواص التي بها تمتازون من سائر المخلوقات، والتراجمة بفتح التاء وكسر الجيم جمع ترجمان بضم التاء وكسر الجيم وفتحهما، وفتح التاء وضم الجيم، وهو من يفسر الكلام بلسان آخر، وقد يكون الجمع بغير هاء، والمراد هنا مفسر جميع ما أوحى الله تعالى إلى الأنبياء ومبينها.

« نحن الحجة البالغة » أي التامة الكاملة « على من دون السماء » التخصيص بهم لظهور كونهم مكلفين بذلك، ولنقص عقول المخاطبين عما ورد في كثير من الأخبار أنهم الحجة على جميع أهل السماء والأرض، أو المراد دون كل سماء فيشمل أكثر الملائكة، وأراد نوعا من الحجة يختص بغير الملائكة.

٣٤٧

٤ ـ محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن النضر بن شعيب، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله تبارك وتعالى استكمال حجتي على الأشقياء من أمتك من ترك ولاية علي والأوصياء من بعدك فإن فيهم سنتك وسنة الأنبياء من قبلك وهم خزاني على علمي من بعدك ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقد أنبأني جبرئيلعليه‌السلام بأسمائهم وأسماء آبائهم.

٥ ـ أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن خالد، عن فضالة بن أيوب، عن عبد الله بن أبي يعفور قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا ابن أبي يعفور إن

________________________________________________________

الحديث الرابع: مجهول.

« استكمال حجتي » أي كمال احتجاجي يوم القيامة مبالغة « على الأشقياء » متعلق بحجتي أو باستكمال، أو خبر استكمال « من ترك » من للسببية والظرف خبر على غير الاحتمال الأخير، ومتعلق بالظرف المتقدم عليه، ويمكن أن يقرأ من ترك، بالفتح اسم موصول فيكون بدلا من الأشقياء « من بعدك » حال عن الأوصياء « فإن فيهم » أي في علي والأوصياء « سنتك » أي سيرتك والطريقة والشريعة التي جئت بها والسيرة والطريقة والشريعة التي جاءوا بها من قبلك وهم حفظتها وحملتها.

« وهم خزاني على علمي » تتمة للتعليل أي على العلم الذي أنزلتها عليك وعلي الأنبياء من قبلك، وهذا إما تعليل لاستكمال الحجة على من ترك ولايتهم، فإن من هيئ له جميع الأسباب وترك المراجعة إليها والأخذ منها كانت الحجة عليه كاملة غاية الاستكمال، أو تعليل لشقاوة تارك ولايتهم، فإن من ترك ولاية من فيه سنن جميع الأنبياء كان تاركا لجميعها وترك جميع الأنبياء وسننهم أعلى مراتب الشقاوة.

الحديث الخامس: صحيح.

« إن الله واحد » لا شريك له أو بسيط مطلق ليس فيه تركيب أصلا، ولا صفات

٣٤٨

الله واحد متوحد بالوحدانية متفرد بأمره فخلق خلقا فقدرهم لذلك الأمر فنحن هم يا ابن أبي يعفور فنحن حجج الله في عباده وخزانه على علمه والقائمون بذلك.

٦ ـ علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم بن معاوية ومحمد بن يحيى، عن العمركي بن علي جميعا، عن علي بن جعفر، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن الله عز وجل خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا فأحسن صورنا

________________________________________________________

زائدة « متوحد » أي متفرد في الوحدانية أو في الخلق والتدبير بسبب الوحدانية « متفرد بأمره » أي بأمر الخلق أو في جميع أموره أو أمر تعيين الخليفة والأوسط أظهر، وعلى الأولين المراد بذلك الأمر غير هذا الأمر، وعلي الأخير المراد أنه لم يدع أمر تعيين الخليفة إلى أحد من خلقه كما زعمه المخالفون، بل هو المتفرد بنصب الخلفاء.

ويحتمل أن يكون المعنى أنه تعالى قبل خلق الخلق كان متفردا بالأمر والتدبير، فلما أراد الخلق خلق أو لا خلقا مناسبا للخلافة وقدرهم لها، ففيه إشارة إلى تقدمهم على ما سواهم من الخلق، وقوله: « فقدرهم » أي جعلهم بعد خلقهم على أحسن خلق وأفضل صورة ليناسبوا « لذلك الأمر » والولاية « فنحن » أي الأولياء، ليشمل الرسل والأنبياء، أي الخلق المقدرون لذلك الأمر، أو الأولياء من أهل البيت أو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله « هم » أي خلق مقدرون لذلك من غير ادعاء الانحصار على أول هذين الاحتمالين، أو بادعائه بحسب سبق الخلق وتقدمه على ثانيهما، لما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: أول ما خلق الله نوري، وإنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا وعلي من نور واحد، ويؤيد الوجه الأخير أخبار كثيرة أوردتها في كتاب بحار الأنوار في أبواب بدو خلقهمعليهم‌السلام وباب حدوث العالم. « والقائمون بذلك » أي بذلك الأمر المتقدم.

الحديث السادس: صحيح، وقد مر شرح أكثر الفقرات في باب النوادر من كتاب التوحيد.

٣٤٩

وجعلنا خزانه في سمائه وأرضه ولنا نطقت الشجرة وبعبادتنا عبد الله عز وجل ولولانا ما عبد الله.

باب أن الأئمةعليهم‌السلام خلفاء الله عز وجل في أرضه وأبوابه التي منها يؤتى

١ ـ الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن أبي مسعود، عن الجعفري قال سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول الأئمة خلفاء الله عز وجل في أرضه.

٢ ـ عنه، عن معلى، عن محمد بن جمهور، عن سليمان بن سماعة، عن عبد الله بن القاسم، عن أبي بصير قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام الأوصياء هم أبواب الله عز و

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : ولنا نطقت الشجرة، أي يمكننا استنطاقها بكل ما نريد بالإعجاز كما ورد في معجزات كل من النبي والأئمة صلوات الله عليهم كثير منها، أو المعنى إنا نستنبط من الأشجار وأوراقها علوما جمة لا يعلمها غيرنا، وهذا أيضا وارد في بعض الأخبار.

باب أن الأئمةعليهم‌السلام خلفاء الله عز وجل في أرضه وأبوابه

التي منها يؤتى.

الحديث الأول: ضعيف.

والجعفري كأنه القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أو ابنه داود أبو هاشم الجعفري، وكونهم خلفاء الله لأنه تعالى فرض طاعتهم وجعل أمرهم أمره، ونهيهم نهيه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته.

الحديث الثاني: ضعيف.

ووصفواعليهم‌السلام بكونهم أبوابا لأنهم طرق إلى معرفة الله وعبادته، ولا يمكن الوصول إلى قربه تعالى ورضوانه إلا بهم.

٣٥٠

جل التي يؤتى منها ولولاهم ما عرف الله عز وجل وبهم احتج الله تبارك وتعالى على خلقه.

٣ ـ الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله جل جلاله «وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا

________________________________________________________

قال الفاضل الأسترآبادي: فيه تصريح بأنه لا يمكن معرفة الله حق معرفته في صفاته وأفعاله إلا من طريق أصحاب العصمةعليهم‌السلام ، فعلم أن فن الكلام المبني على مجرد الأحكام العقلية غير نافع.

الحديث الثالث: ضعيف. على المشهور لكن مضمونه مروي بأسانيد كثيرة.

فالمراد بالذين آمنوا الذين صدقوا بالله ورسوله وبجميع ما يجب التصديق به حق التصديق، وعملوا جميع الأعمال الصالحة، ولم يخلو بشيء منها، وهم الأئمةعليهم‌السلام «لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ » أي يجعلهم خلفاءه فيها، وقيل: يخلفون من قبلهم، «كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » من أنبياء بني إسرائيل جعلهم خلفاءه في الأرض، أو المعنى لنورثنهم أرض الكفار من العرب والعجم فنجعلهم سكانها وملوكها، كما استخلف بني إسرائيل إذا هلك الجبابرة بمصر، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم، وقال تعالى بعد ذلك «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ » يعني دين الإسلام الذي أمرهم أن يدينوا به «وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً » في الدنيا والآخرة «يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً » قيل: أي لا يخافون غيري، وقيل: أي لا يراؤون بعبادتي أحدا.

قال الطبرسي (ره): اختلف في الآية فقيل: أنها واردة في أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقيل: هي عامة في أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمروي عن أهل البيتعليهم‌السلام أنها في المهدي من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وروى العياشي بإسناده عن علي بن الحسينعليه‌السلام أنه قرأ الآية وقال: هم والله شيعتنا أهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يد رجل منا وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي، اسمه اسمي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت

٣٥١

الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ »(١) قال هم الأئمة.

باب أن الأئمةعليهم‌السلام نور الله عز وجل

١ ـ الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن مرداس قال حدثنا صفوان بن يحيى والحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي خالد الكابلي قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عز وجل: «فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا »(٢) فقال

________________________________________________________

ظلما وجورا.

وروي مثل ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام .

فعلى هذا يكون المراد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات النبي وأهل بيته، وتضمنت الآية البشارة لهم بالاستخلاف والتمكن في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي منهم، فيكون المراد بقوله «كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » هو أن جعل الصالح للخلافة خليفة مثل آدم وداود وسليمان، ويدل على ذلك قوله: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً »(٣) و «يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً »(٤) وقوله: «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً »(٥) وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة، وإجماعهم حجة، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني تارك فيكم الثقلين، وأيضا فإن التمكن في الأرض على الإطلاق، ولم يتفق فيما مضى فهو منتظر، لأن الله عز اسمه لا يخلف وعده.

باب أن الأئمةعليهم‌السلام نور الله عز وجل في أرضه(٦)

الحديث الأول: ضعيف على المشهور.

«وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا » المشهور بين المفسرين أن المراد بالنور هنا القرآن، سماه نورا لما فيه من الأدلة والحجج الموصلة إلى الحق، فشبه بالنور الذي يهتدى به إلى الطريق.

__________________

(١) سورة النور: ٥٥.

(٢) سورة التغابن: ٨.

(٣) سورة البقرة: ٣٠.

(٤) سورة ص: ٢٦.

(٥) سورة النساء: ٥٤.

(٦) كذا في النسخ ولعلّ جملة « في ارضه » زائدة من النسّاخ.

٣٥٢

يا أبا خالد النور والله الأئمة من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم القيامة وهم والله نور

________________________________________________________

وأقول: لما كان النور في الأصل ما يصير سببا لظهور شيء فسمي الوجود نورا لأنه يصير سببا لظهور الأشياء في الخارج، والعلم نورا لأنه سبب لظهور الأشياء عند العقل، وكل كمال نورا لأنه يصير سببا لظهور صاحبه وأنوار النيرين(١) والكواكب نورا لكونها أسبابا لظهور الأجسام وصفاتها للحس، وبهذه الوجوه يطلق على الرب تعالى النور، ونور الأنوار، لأنه منبع كل وجود وعلم وكمال، فإطلاقه على الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام لأنهم أسباب لهداية الخلق وعلمهم وكمالهم بل وجودهم، لأنهم العلل الغائية لوجود جميع الأشياء.

وأما نسبة الإنزال إليهم، فإما لإنزال أرواحهم المقدسة إلى أجسادهم المطهرة، أو أمرهم بتبليغ الرسالات ودعوة الخلق ومعاشرتهم بعد كونهم روحانيين في غاية التقدس والتنزه كما قال تعالى: «أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً »(٢) وفي بعض الأخبار أن الله أنزل نورهم فأسكنه في صلب آدم، وقيل: إنزال النور إيقاع ولائهم وحبهم في قلوب المؤمنين، وقيل: لما كان المراد بالنور ما يهتدى به من العلم والكاشف عنه المبين أو المثبت فيه، الحافظ له من النفوس الزكية التي هي ينابيع العلوم والكتاب المشتمل عليها، أو الروح الذي أنزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويكون مع الأئمة بعده وهو مناط المعارف الحقيقية، والمراد بقوله: « إنا أنزلنا » على تقدير حمل النور على النفوس القدسية: أنزلنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كونها أنوارا، وأن متابعتهم واقتفاءهم مناط الاهتداء، وهم الأئمة من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحقيقة من غير تجوز، وعلى سائر التقادير فقوله: « أنزلنا » أي أنزلناه وهو منزل عليه حقيقة علما كان أو كتابا، أو روحا، والأئمةعليهم‌السلام هم حملته وحفظته وذووه.

وإطلاق النور عليهم كإطلاق كتاب الله وكلامه في قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنا

__________________

(١) كذا في الأصل وفي المخطوطتين « النيران » بدل « النيرين » والظاهر هو المختار.

(٢) سورة الطلاق: ١٠.

٣٥٣

الله الذي أنزل وهم والله نور الله في السماوات وفي الأرض والله يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار وهم والله ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله عز وجل نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم والله يا أبا خالد لا يحبنا عبد ويتولانا حتى يطهر الله قلبه ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا ويكون سلما لنا فإذا كان سلما لنا سلمه الله من شديد الحساب وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر.

٢ ـ علي بن إبراهيم بإسناده، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تعالى «الَّذِينَ

________________________________________________________

كتاب الله الناطق، لكونه حامل علم الكتاب وحافظه، ولكونه مستكملا به وموصوفا به ومتحدا معه، فكأنه هو، وقوله: « لنور الإمام » أي هدايته، وتعريفه المعارف الإلهية أو ولايته ومعرفته، وقيل: الإضافة للبيان أي هم أنور وأكشف من الشمس « وهم والله ينورون قلوب المؤمنين » بتعريف المعارف إياهم وتثبيتها في قلوبهم « ويحجب الله نورهم عمن يشاء » أن لا يطهره عن دنس الخباثة لشقاوته وسوء اختياره فيظلم قلوبهم، ولا تتنور بنور معرفتهم لحجاب خباثتهم عن التنور به.

وقوله: حتى يسلم لنا، من الإسلام أو التسليم، والسلم بالكسر خلاف الحرب أي سالما محبا لنا.

الحديث الثاني: مرسل.

«الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ » قال الطبرسيرحمه‌الله : أي يؤمنون به ويعتقدون نبوته وفي « الأمي » أقوال:

أحدها: أنه الذي لا يكتب ولا يقرأ.

وثانيها: أنه منسوب إلى الأمة، والمعنى أنه على جبلة الأمة قبل استفادة الكتابة، وقيل: أن المراد بالأمة: العرب لأنها لم تكن تحسن الكتابة.

٣٥٤

يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ »

________________________________________________________

وثالثها: أنه منسوب إلى الأم، والمعنى أنه على ما ولدته أمه قبل تعلم الكتابة.

ورابعها: أنه منسوب إلى أم القرى وهو مكة، وهو المروي عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام « انتهى ».

وأقول: اختلفوا في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هل كان يقدر أن يقرأ ويكتب أم لا؟

والذي يقتضيه الجمع بين الأخبار أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن تعلم الخط والقراءة من أحد من البشر، لكنه كان قادرا على الكتابة وعالما بالمكتوب بما علم به سائر الأمور من قبل الله تعالى، ولم يكن يقرأ ويكتب ليكون حجته علي قومه أتم وأكمل.

«الَّذِي يَجِدُونَهُ » قال الطبرسي: معناه يجدون نعته وصفته ونبوته مكتوبا في الكتابين، لأنه مكتوب في التوراة في السفر الخامس: « إني سأقيم لهم نبيا من إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فيه، فيقول لهم كلما أوحيته به » وفيها أيضا مكتوب: « وأما ابن الأمة فقد باركت عليه جدا جدا، وسيلد اثنا عشر عظيما وأؤخره لأمة عظيمة » وفيها أيضا: « أتانا الله من سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران ».

وفي الإنجيل بشارة بالفارقليط في مواضع، منها: « نعطيكم فارقليط آخر يكون معكم آخر الدهر كله » وفيه أيضا قول المسيح للحواريين: « أنا أذهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه، إنه نذيركم بجميع الحق ويخبركم بالأمور المزمعة ويمدحني ويشهد لي ».

«وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ » هذا من تتمة المكتوب أو ابتداء من قول الله تعالى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ » أي ثقلهم، شبه ما كان على بني إسرائيل من التكليف الشديد بالثقل «وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ » أي العهود التي كانت في ذمتهم،

٣٥٥

إلى قوله «وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »(١) قال النور في هذا الموضع علي أمير المؤمنين والأئمةعليهم‌السلام .

٣ ـ أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي الجارود قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام لقد آتى الله أهل الكتاب خيرا كثيرا قال وما ذاك قلت قول الله تعالى: «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ

________________________________________________________

جعل تلك العهود بمنزلة الأغلال التي تكون في الأعناق للزومها، وقيل: يريد بالأغلال ما امتحنوا به من قبل نفوسهم في التوبة وفرض ما يصيبه البول من أجسادهم وما أشبه ذلك من تحريم السبت، وتحريم العروق والشحوم، وقطع الأعضاء الخاطئة، ووجوب القصاص دون الدية.

«وَعَزَّرُوهُ » أي عظموه ووقروه «وَاتَّبَعُوا النُّورَ » قال(٢) معناه: القرآن الذي هو نور في القلوب كما أن الضياء نور في العيون، ويهتدى به في أمور الذين كما يهتدون بالنور في أمور الدنيا «الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ » أي عليه وقد تقوم « مع » مقام « على » وقيل: في زمانه وعلى عهده، وقال البيضاوي: معه، أي مع نبوته، وإنما سماه نورا لأنه بإعجازه ظاهر أمره، مظهر غيره، أو لأنه كاشف الحقائق مظهر لها، ويجوز أن يكون معه متعلقا باتبعوا، أي واتبعوا النور المنزل مع اتباع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيكون إشارة إلى اتباع الكتاب والسنة، انتهى.

أقول: على ما فسرهعليه‌السلام لا حاجة إلى التكلف في المعية، والتجوز في الإنزال مشترك كما عرفت، على أنه يحتمل أن يكون المراد أنهم القرآن لانتقاش ألفاظه ومعانيه في أرواحهم المقدسة واتصافهم بصفاته المرضية، واجتنابهم عما فيه من الرذائل المنهية.

الحديث الثالث: ضعيف.

والمراد بأهل الكتاب الذين آمنوا بموسى ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله كعبد الله بن سلام وأضرابه، والضمير في قوله: « من قبله » وفي قوله: « به » للقرآن كالمستكن في قوله

__________________

(١) سورة الأعراف: ١٥٧.

(٢) اي قال الطبرسيرحمه‌الله .

٣٥٦

يُؤْمِنُونَ » إلى قوله «أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا »(١) قال فقال قد آتاكم الله كما آتاهم ثم تلا: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ »(٢) يعني إماما تأتمون به.

٤ ـ أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن علي بن أسباط والحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي خالد الكابلي قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله تعالى: «فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا »(٣) فقال يا أبا خالد النور والله الأئمةعليهم‌السلام يا أبا

________________________________________________________

تعالى «وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ » أي بأنه كلام الله «إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا » استئناف لبيان ما أوجب إيمانهم به «إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ » استئناف آخر للدلالة علي أن إيمانهم به ليس مما أحدثوا حينئذ بل تقادم عهده لما رأوا ذكره في الكتب المتقدمة «أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ » مرة على إيمانهم بكتابهم، ومرة على إيمانهم بالقرآن «بِما صَبَرُوا » بصبرهم وثباتهم على الإيمانين، أو على الإيمان بالقرآن قبل النزول وبعده، أو على أذى المشركين وأذى من هاجرهم من أهل دينهم.

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » قال الطبرسي (ره): أي اعترفوا بتوحيد الله وصدقوا بموسى وعيسى «اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ » محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ابن عباس، وقيل: معناه يا أيها الذين آمنوا ظاهرا آمنوا باطنا «يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ » أي يعطكم نصيبين «مِنْ رَحْمَتِهِ » نصيبا لأيمانكم من تقدم من الأنبياء، ونصيبا لأيمانكم بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله «وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ » أي هدى تهتدون به، وقيل: النور القرآن، انتهى.

وأقول: علي تأويلهعليه‌السلام لعل المراد آمنوا برسوله فيما أتى به من ولاية الأئمةعليهم‌السلام ، وسيأتي تأويل الكفلين بالحسنينعليهما‌السلام .

الحديث الرابع: ضعيف.

__________________

(١) سورة القصص: ٥٤.

(٢) سورة الحديد: ٢٨.

(٣) سورة التغابن: ٨.

٣٥٧

خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار وهم الذين ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم ويغشاهم بها.

٥ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن عبد الله بن القاسم، عن صالح بن سهل الهمداني قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تعالى: «اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ »(١) فاطمةعليها‌السلام «فِيها مِصْباحٌ » الحسن «الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ » الحسين

________________________________________________________

« ويغشاهم بها » أي بالظلمة.

الحديث الخامس: ضعيف بالسند الأول، صحيح بالسند الثاني.

«اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » أي منورهما بنور الوجود والعلم والهداية، والأنوار الظاهرة، وقيل: أي ذو نور السماوات والأرض، والنور الأئمةعليهم‌السلام ، فهم نور السماوات حين كانوا محدقين بالعرش، والأرض بعد ما أنزلوا صلب آدم «مَثَلُ نُورِهِ » أي صفة نور الله العجيبة الشأن «كَمِشْكاةٍ » أي مثل مشكاة وهي الكرة الغير النافذة التي يوضع فيها المصباح وقيل: المشكاة الأنبوبة(٢) في وسط القنديل، والمصباح: الفتيلة المشتعلة «فِيها مِصْباحٌ » الحسن.

أقول: في تفسير علي بن إبراهيم هكذا «فِيها مِصْباحٌ » الحسن و «الْمِصْباحُ » الحسين «فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ » كان فاطمة كوكب « إلخ ».

فالمصباح المذكور في الآية ثانيا المراد به غير المذكور أولا وهو الحسينعليه‌السلام ، ولعل فيه إشارة إلى وحدة نوريهما، وشبهت فاطمةعليها‌السلام مرة بالمشكاة ومرة بالقنديل من الزجاجة، ووجه التشبيه فيهما متحد وعند كونهاعليها‌السلام ظرفا لنور الحسينعليه‌السلام شبهت بالزجاجة، لزيادة نوره باعتبار كون سائر الأئمة من ولدهعليه‌السلام ،

__________________

(١) سورة النور: ٣٥.

(٢) الأنبوبة: ما بين العقدتين من القصب أو الرمح، ويستعار لكل أجوف مستدير كالقصب.

٣٥٨

 «الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ » فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدنيا «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » إبراهيمعليه‌السلام «زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » لا يهودية ولا نصرانية

________________________________________________________

فلذا غير التشبيه.

وعلى ما في الكتاب قد يتوهم أن المراد بالزجاجة الحسينعليه‌السلام ، فيوجه بما ذكره بعض الأفاضل حيث قال: مثل النور الحقيقي الذي هو من عالم الأمر بالنور الظاهري الذي هو من عالم الخلق، والنور ضياء بنفسه ومضيء لما يطلع عليه ويشرق عليه، فمثل الجوهر الروحاني المناط للانكشافات العقلية بالمصباح، وحامله بالمشكاة، والحامل لمادته والمشتمل عليها التي منها مدده وحفظه عن الانقطاع والنفاد بالزجاجة التي هي وعاء مادة نور المصباح التي هي الزيت، ففي الأنوار الحقيقية التي هي النفوس القدسية والأرواح الزكية للأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام الحسنعليه‌السلام مصباح، وفاطمةعليه‌السلام مشكاة فيها المصباح، والحسينعليه‌السلام الزجاجة فيها مادة نور المصباح، ويجيء منها مدده، والزجاجة كوكب دري والمراد به فاطمةعليها‌السلام ، فإن الزجاجة يعني الحسينعليه‌السلام مجمع النور الفائض من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الواصل إليه ابتداء ووساطة، كما كانتعليها‌السلام مجمع ذلك والمعنى عنها بالمشكاة كوكب دري لإحاطتها بالنور كله، والزجاجة أيضا لإحاطتها بجميع النور كأنها كوكب دري «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » إبراهيم أي المشبه بالشجرة فيما ضرب له المثل إبراهيم، لأن ابتداء ظهور ذلك النور منه، ومواد العلوم من أثمار تلك الشجرة.

قال البيضاوي «دُرِّيٌ » مضيء متلألئ كالزهرة في صفائه وزهرته منسوب إلى الدر، أو فعيل كمريق من الدرء فإنه يدفع الظلام بضوئه، أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه إلا أنه قلبت همزته ياءا «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » أي ابتداء ثقوب المصباح من شجرة الزيتون المتكاثرة نفعه بأن رويت ذبالته بزيتها «لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » يقع

٣٥٩

 «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ » يكاد العلم ينفجر بها «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ » إمام منها

________________________________________________________

الشمس عليها حينا دون حين، بل بحيث تقع عليها طول النهار كالتي تكون على قلة جبل أو صحراء واسعة، فإن ثمرته تكون أنضج وزيتها أصفى أو نابتة في شرق المعمورة وغربها بل وفي وسطها وهو الشام، فإن زيتونة أجود الزيتون، أولا في مضحي تشرق الشمس عليها دائما فتحرقها، أو في مقناة تغيب عنها دائما فتتركها نيا « انتهى ».

وأقول: هذا ما يتعلق بالمشبه به، وأما تطبيقه على المشبه فإن إبراهيمعليه‌السلام لكونه أصل عمدة الأنبياء وهمعليهم‌السلام أغصانه وتشعبت منه الغصون المختلفة من الأنبياء والأوصياء من بني إسرائيل وبني إسماعيل، واستنارت منهم أنوار عظيمة في الفرق الثلاث من أهل الكتب من اليهود والنصارى والمسلمين، فكان إبراهيمعليه‌السلام كالشجرة الزيتونة من جهة تلك الشعب والأنوار، ولما كان تحقق ثمار تلك الشجرة وسريان أنوار هذه الزيتونة في نبينا وأهل بيته صلوات الله عليهم أكمل وأكثر وأتم، لكونهم الأئمة الفضلي، وأمتهم الأمة الوسطى وشريعتهم وسيرتهم وطريقتهم أعدل السير وأقومها كما قال تعالى: «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً »(١) كما أن اليهود كانوا يصلون إلى المغرب والنصارى إلى المشرق، فجعل قبلتهم وسط القبلتين، وكذا في حكم القصاص والديات وسائر الأحكام جعلوا وسطا فشبه إبراهيمعليه‌السلام من جهة تشعب هذه الأنوار العظيمة منه بزيتونة لم تكن شرقية ولا غربية، أي غير منحرفة عن الاعتدال إلى الإفراط والتفريط، المتحققين في الملتين والشريعتين، وأومأ بالشرقية إلى النصارى، وبالغربية إلى اليهود لقبلتيهم، ويمكن أن يكون المراد بالآية الزيتونة التي تكون في وسط الشجرة في شرقها، فلا تطلع الشمس عليها بعد العصر، ولا غربية لا تطلع الشمس عليها في أول اليوم، فيكون التشبيه أتم وأكمل «يَكادُ زَيْتُها » أي زيت الشجرة أو الزيتونة، والمراد بالزيتونة في المشبه المادة البعيدة للعلم، وهي الإمامة والخلافة التي منبعهما إبراهيم حيث قال سبحانه: «إِنِّي جاعِلُكَ

__________________

(١) سورة البقرة: ١٤٣.

٣٦٠