شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

أفضلية فاطمة الزهراء عليها السلام في کتب أهل السنة(القسم الاول)

0 المشاركات 00.0 / 5
 الحمد للّه‏ ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمّد المصطفى الأمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين .
وبعد: فإنّ من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الفريقين مسألة التفضيل بين قرّة عين‏الرسول فاطمة الزهراء البتول ،وبين عائشة بنت أبي بکر زوج النبي صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله .
وقد أجمع أهل الحقّ قاطبةً ـ تبعا للنصوص المستفيضة المتکاثرة ـ على أفضلية البَضْعة الطاهرة الزکية عليها أفضل الصلاة وأزکى التحية ، کما ذهب إلى ذلک ـ أيضا ـ محقّقون من أهل السنّة والجماعة؛ کالإمام مالک ، وأبي بکر بن أبي داود ، وتقي الدين السُّبْکي وغيرهم .
والخلاف في هذه المسألة قديم يرجع عهده إلى القرون الأُولى من تاريخ الإسلام ، فلذلک عُني به العلماء حتّى ذکروه في مسائل العقيدة ، ومنهم من عَمِلَ فيه تأليفا خاصّا(1) .
وکان ممّن تکلّم في هذا الباب فأفاد وأجاد شيخنا العلاّمة المحدّث المجاهد السيد عبدالعزيز بن محمّد بن الصدّيق الحسني الغماري المغربي رحمه اللّه‏ تعالى المتوفّى سنة (1418ه) حيث تعقّب في کتابه (السوانح) کلامَ القاضي أبي بکر بن العربي المالکي المعافري في (أحکام القرآن) و (تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي) وبين خطأه في ما ذهب إليه في هذه المسألة ، کما خطّأه في مسائل أُخرى.
وقد رأينا ـ لمزيد الفائدة ـ تجريد هذا البحث القيم وانتزاعه من کتاب (السوانح) وإعداده للنشر لينتفع به أرباب العلم وروّاد الفضيلة إن شاء اللّه‏ .
قال أبو بکر ابن العربي المالکي المعافري في (أحکام القرآن)(2) في تفسير قوله تعالى: وَتَبَتَّلْ إِلَيهِ تَبْتِيلاً . . . ومنه مريم العذراء البتول ، أي التي انقطعت عن الرجال .
وتسمّى فاطمة بنت رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله البتول؛ لانقطاعها عن نساء زمانها في الفضل والدِين والنسب والحسب ، وهذا قولٌ أحدثته الشيعة ، وإلاّ فقد اختلف الناس في التفضيل بينها وبين عائشة ، وليست من المسائل المهمّة ، وکلتاهما من الدِين والجلال في الغاية القصوى ، وربّک أعلم بمن هو أفضل وأعلى (انتهى) .
قوله: «اختلف الناس في التفضيل بينها وبين عائشة» يقال عليه: وليس کلُّ خلافٍ جاء معتبرا    إلاّ خلافا له حظٌّ من النظر
فلا يختلف لخلاف الناس وقولهم ، مع ورود النصّ عن الرسول المعصوم صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله في تفضيل فاطمة عليهاالسلام على نساء العالمين ، ممّا لايبقى معه قول ولا خلاف ، ويمحق کلّ تقوّلٍ بالباطل ، واختلاف .
فإن قال الناصبي الزنيم: وأين النصّ في ذلک؟ والدليل على ما هنالک ؟
قلنا له: خُذْ ما يملأ فمک حجرا ، ويقطع الوتين منک غيظا ، ويفتّت قلبک حسرةً ، ويمزّق الکبد إرْبا إرْبا ، حتّى لاتعُد بعد ذلک إلى إظهار سخيمتک بمحض الهوى والخذلان من غير أن تستند إلى حجّة أو برهان ، وإن کنت لاترجع عن غيک وفاسد عقيدتک ، لأنّ اللّه‏ تعالى طبع على قلبک ، وختم على سمعک وبصرک ، فسينتفع بذلک المؤمن المهتدي ليزداد إيمانا وهدايةً ، وحبّا في جانب آل بيت النبوّة والرسالة ، وکفى بذلک أجرا وثوابا .
وإليک هذه التحفة الغالية ، والدرّة الثمينة قبل سرد الأدلّة القاطعة ، والبراهين النيرة الساطعة .
قال الشيخ الحفّاظ وأميرهم ـ جعل اللّه‏ مأواه الجنّة ـ في (فتحه)(3) الذي فتح اللّه‏ به کلّ مغلق:
وقيل: انعقد الإجماع على أفضلية فاطمة عليهاالسلام.
وهذا إجماع صحيح في نظري ، فإنّه لاينبغي لمؤمنٍ ولامؤمنةٍ إذا قضى اللّه‏ ورسوله أمرا أن يفتحوا بابا لردّه تحت ستار وقوع الخلاف فيه ، ولايفعل ذلک إلاّ مُهَلْهَل الإيمان(4) سخيف العقيدة ، ضعيف العلم ، عظيم الجهل ، لأنّ الخلاف نتيجة النظر وإعمال الفکر في مسألة لم يتّضح دليلها ، وتجاذبتها القواعد ، فيرجّح کلّ ناظر ما أدّاه إليه نظره وفکره .
وکيف يقع هذا في مسألة ثبت النصّ فيها جليا ، وحکم فيها الرسول المعصوم صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله الذي لايؤمن أحد إلاّ بالإذعان لحکمه ، والاتّباع لقوله ، والقول بغير قوله والخروج عن نصّ حکمه تقدّم بين يدي اللّه‏ ورسوله الذي نهانا اللّه‏ تعالى عنه في کتابه ، فکن من هذا على بالٍ ، واحفظه ينفعک في محلٍّ آخر إن شاء اللّه‏ تعالى .
والآن هاهي النصوص التي هي في المسألة کعِقْدٍ من الفصوص ، تزين به صدر عقيدتک ، وتجعله في جِيدها تثبيتا لمحبّتک ، وبرهانا على إخلاصک وولائک .
(فَصٌّ)
فيه نَصٌّ على أنّ فاطمة عليها الصلاة والسلام سيدة نساء العالمين.
وذلک ورد من طرقٍ، وسأسوق ‏إليک ذلک بدون إسنادٍ، لظهور مخرجه وصحّته ممّايکون معه ذکر الإسناد غيرمفيد، لأنّ‏الفائدة من الإسناد هي التوصّل ـ بالوقوف عليه ـ إلى معرفة صحّة أو ضعف المستند ، فإذا قام ما يغني عنه من عَزْو الحديث إلى الصحيحين مثلاً أو ذکره مع بيان حاله من صحّةٍ وضعف؛ حصل المراد ، وکانت في ذلک الکفاية ـ کما هو معلوم ـ وعلى هذا العمل استقرّ عمل الحفّاظ ، فاحفظه .
الحديث الأوّل: عن عائشة: أنّ النبي صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله قال ـ وهو في مرضه الذي توفّي فيه ـ: «يافاطمة ، ألا ترضين أن تکوني سيدة نساء العالمين ، وسيدة نساء هذه الأُمّة ، وسيدة نساء المؤمنين» .
رواه الحاکم في (المستدرک)(5) وقال: هذا إسناد صحيح ولم يخرّجاه ، وأقرّه الذهبي.
الحديث الثاني: عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله : «خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد» .
رواه أبو عمر بن عبدالبرّ في (الاستيعاب)(6) : حدّثنا عبدالوارث بن سفيان ، حدّثنا قاسم بن أصبغ ، حدّثنا أبو قلابة عبدالملک بن محمّد الرقاشي ، حدّثنا بدل ابن المحبّر ، حدّثنا عبدالسلام ، سمعت أبا يزيد المدني يحدّث عن أبي هريرة ، فذکره .
الحديث الثالث: عن عبدالرحمن بن أبي ليلى مرفوعا: «فاطمة سيدة نساء العالمين بعد مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد» .
رواه ابن أبي شيبة(7) وهذا مرسل ، ولکن يشهد له ما تقدّم .
الحديث الرابع: عن عائشة، عن فاطمة عليها الصلاة والسلام ـ في حديث المسارّة ـ ثمّ قال: «يافاطمة ، أما ترضين أن تکوني سيدة نساء العالمين ـ أو سيدة نساء هذه الأُمّة ـ فضحکت» .
رواه أبو داود الطيالسي في (مسنده)(8) في مسند فاطمة البتول بنت الرسول صلوات اللّه‏ [عليه] وآله وسلّم وکرّم وعظّم .
الحديث الخامس: عن أنسٍ مرفوعا: «حسبک من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وآسية امرأة فرعون» .
رواه أحمد في (المسند) والترمذي في (السنن) والحاکم في (المستدرک) وابن حِبّان في (الصحيح) وابن عبدالبَرِّ في (الاستيعاب)(9) .
وقال الحاکم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرّجاه بهذا اللفظ ، فإنّ قوله صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله : «حسبک من نساء العالمين» يسوّي بين نساء الدنيا .
وأقرّه الذهبي ، ورواه الطحاوي في (مشکل الآثار)(10) .
(فصٌّ)
فيه نصٌّ على أنّ فاطمة صلوات اللّه‏ على والدها وعليها وعلى أولادها
الکرام وسلّم تسليما سيدة نساء هذه الأُمّة ، وسيدة نساء العالمين ،
فتدخل في عمومه عائشة.
الأوّل: عن عائشة، عن فاطمة عليها الصلاة والسلام ـ
في حديث المسارّة ـ : «يافاطمة ، أما ترضين أن تکوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأُمّة» رواه الإمامان ، واللفظ لفظ مسلم(11) .
الثاني: عن رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله قال: «إنّ ملَکا من السماء لم يکن زارني فاستأذن اللّه‏ في زيارتي فبشّرني وأخبرني : أنّ فاطمة سيدة نساء أُمّتي» .
رواه الطبراني ورجاله ـ کما قال الهيثمي(12) ـ رجال الصحيح ، غير محمّد بن مروان [الذهلي] ، ووثّقه ابن حبّان.
(فصٌّ)
فيه نصٌّ على أنّ فاطمة الزهراء بنت سيد أهل الأرض والسماء صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله سيدة نساءأهل الجنّة.
وفيه ردٌّ بل أبلغ الردّ ، وأعظم النقد ، وأقبح الطرد لقول من تمسّک بکون عائشة مع الرسول صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله في المقام، وفاطمة عليهاالسلام مع علي الإمام .
فقد أثبت النصّ الخصوصية للزهراء عليها السلام في السيادة والرفعة على نساء أهل الجنّة ، فلا يسع القول بخلافه ، ولا يعرض عنه إلاّ جاهل غبي ، أو ناصبٌ عن الإيمان عَرِي .
وبهذا النصّ يخصّ عموم کون الزوجات مع أزواجهنّ في المقام؛ بحيث يرتفعن بسببهم عن کلّ خاصٍّ وعامّ ، کما تشبّث بذلک ابن حزم تعالى وشايعه بل وتبعه المعافري النويصبي ـ والتصغير هنا للتعظيم وليس على حقيقته ـ رغم بغضه لابن حزم وکراهيته له لأجل محاربته لما عرى عن الدليل
من أقوال مذهبه ، فکان المعافري في ذلک أسوأ رجلٍ ابن حزم وتبعه فيما أخطأ فيه ، وذمّه عليه غيره .
فقد سئل السُّبْکي وهو الرجل السُنّي الصوفي ـ : هل قال أحد إنّ أحدا من نساء النبي صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة ؟
فقال: قال به من لايعتدّ بقوله ، وهو من فضّل نساء النبي صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله على جميع الصحابة ، لأنّهنّ في درجته في الجنّة . قال: وهو ساقط مردود (اه) .
قال أمير الحفّاظ في (الفتح)(13) عقبه: وقائله هو أبو محمّد بن حزم ، وفساده ظاهر (اه) .
والعجب أنّ ابن تيمية على انحرافه وإدباره وإعراضه وبرودته من ناحية أهل البيت عليهم الرضوان ردّ هذا القول لابن حزم وما قَبِلَه ، مع أنّه يتمسّک بأقلّ من هذا إذا وجده موافقا لغرضه وهواه ، متّفقا مع مذهبه ومراده .
ل انتقد هذا القول وألزم ابن حزم أن يکون مقام نساء النبي صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله أعلى من مقام الأنبياء والرسل ، لأنّ نبينا صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله أفضل منهم ، وهذا لم يقله أحد .
وانظر کلامه ، فقد طال العهد به ، ورأيته في مجموعة مخطوطة بمکتبة الوالد المقدّس.
ونحن؛ وإن کنّا لا نوافق ابن تيمية على هذا الإلزام، ونراه باطلاً من وجوهٍ متعدّدة، لأنّ کينونة نساء النبي صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله معه في المقام وقعت تبعا وعَرَضا ، وليست أصالةً ـ کما هو الحال في الأنبياء والرسل ـ وهذا لايدلّ على أفضليتهنّ في الرتبة والمکانة والجاه ، کما أشار إلى ذلک تعالى بقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيءٍ کُلُّ امْرِى‏ءٍ بِمَا کَسَبَ رَهِينٌ(14) .
لکنّ الغرض والمراد هو أنّ المعافري تبع ابن حزم في ما أخطأ فيه ، ولم يقبله منه حتّى مَن هو بارد الطبع ، ضعيف العقيدة في أهل البيت ، وأعلن عليه الحرب ، وبالغ في ذمّه فيما أصاب فيه الحقّ ، وينبغي اتّباعه فيه ، فما بعد هذا الخذلان شيء ، وهذا أبلغ مَثل يضرب في الخذلان ، أعاذني اللّه‏ تعالى وإياک من هذا الصنيع ، وحفظني وإياک من تلاعبٍ کتلاعب الرضيع .
----------
(1) من أحسن ما أُلّف في هذا الموضوع هو کتاب «الکلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء عليهاالسلام » للسيد الإمام الشريف عبدالحسين آل شرف الدين العاملي رحمه اللّه‏ تعالى ، وهو مطبوع .
ولراقم هذه السطور رسالة في هذا الباب مطبوعة في نشرة (تراثنا) العدد المزدوج (45 ـ 46) باسم: (الأرائج المسکية في تفضيل البضعة الزکية) .
(2) أحکام القرآن: 4 / 332 .
(3) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 7 / 136 .
(4) مهلهل الإيمان: أي رقيق الإيمان .
(5) المستدرک على الصحيحين: 3 / 156، الإصابة: 4 / 378.
(6) الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 4 / 376 ـ 377 وفي 4 / 385 عن أنس ، ورواه أحمد والطبراني في (الکبير) ورمز السيوطي لصحّته في (الجامع الصغير) .
(7) المصنّف لابن أبي شيبة: 6 / 391 ح32263 .
(8) مسند أبي داود الطيالسي: 6 /196 ـ صحيح البخاري: 8 / 79 ، کتاب الاستئذان ـ صحيح مسلم: 4 / 1904 ـ 1905 ح98 کتاب فضائل الصحابة ، فضائل الخمسة: 3 / 169 ـ 171 .
(9) مسند أحمد: 3 / 135 ، سنن الترمذي: 5 / 703 ، المستدرک على الصحيحين: 3 / 157 ، الاستيعاب: 4 / 285 ـ 377 ، الإصابة: 4 / 378 عن جابر ، فضائل الخمسة: 3 / 176 ـ 177 .
(10) مشکل الآثار: 1 / 50 .
(11) صحيح مسلم: 4S / 1904 ـ 1905 ح98 ، کتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل فاطمة عليهاالسلام ، صحيح البخاري: 8 / 79 کتاب الاستئذان: باب من ناجى بين يدي الناس و 4 / 247 ـ 248 کتاب بدء الخلق، باب علامات النبوّة .
(12) مجمع الزوائد: 9 / 201 .
(13) فتح الباري: 7 / 173 .
(14) المدثر/38

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية