التفكير المستقيم

 كما هناك ـ يا اصدقاءنا ـ صراطٌ مستقيم.. هناك أيضاً تفكير مستقيم.. منسجمةٌ استقامتُه مع استقامةِ الصراط. أي: تفكير نابع من قصدٍ خيّر، ويمرّ بطريقٍ صالح، ويفضي إلى نتيجةٍ صالحة، تُدني الإنسانَ من الحق والنور، وتنأى به عن التعثّر والسقوط.
إنّ التفكير المستقيم يَشحَذ عينَ البصيرة، ويفتح لصاحبه آفاقاً من الوعي، ويمهّد له سبل العمل الصالح المحفوف بالدقّة والحكمة والجمال.
ولقيمةِ هذا التفكير في الحياة الإنسانية التوحيدية.. غَدَت مُزاولته ـ في الرؤية الإسلامية النقيّة ـ لوناً من العبادة. نقرأ للإمام الرضا عليه السّلام قوله: ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم، إنّما العبادة التفكّر في أمر الله. ونقرأ لأمير المؤمنين عليه السّلام قوله: التفكّرُ في ملكوت السماوات والأرض عِبادةُ المخلَصين. ويذكّرنا الإمام الصادق عليه السّلام بعبادة رجل كبير الإيمان كأبي ذرّ، فيقول عليه السّلام: كان أكثرُ عبادة أبي ذرٍّ التفكّرَ والاعتبار.

* * *

ثمّة كنوزٌ معرفيّة نستقيها من المعصومين عليهم السّلام في نهج التفكير، نتعلّم منها ونستنير. يتحدّث أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام عن التفكير المثمر ويوصينا بالتزامه: لا تُخْلِ نفسَكَ من فِكرةٍ تزيدك حِكمة، وعِبرةٍ تُفيدُكَ عِصمة.
وهذه وصيّة من الإمام الحسن الزكيّ عليه السّلام: أُوصيكم بتقوى الله وإدامة التفكّر، فإنّ التفكر أبو كلِّ خيرٍ وأمُّه.
وفي صورةٍ ناطقة متجسّدة يعبّر البيانُ النبوي الجميل عن وضوح الموقف الذي يكتسبه المتفكر، فيأمن العوائق ويعرف متى يسرع ومتى يتمهّل. نقرأ هذه الصورة في الحديث النبويّ الشريف: إنّ التفكّر حياةُ قلب البصير، كما يمشي المستنيرُ في الظلمات بالنور، يُحسن التخلّص ويُقِلّ التربُّص.
ويعرّفنا الإمام عليّ عليه السّلام على نقطة مهمة فيما يتصل بصفاء الفكر وكدره. أي: في عامل له أثره البالغ في التصفية والتنوير والجلاء. قال عليه السّلام في حديث له: مَن قَلّ أكلُه صفا فِكرُه. وفي حديثٍ آخر قال في سؤالٍ مُستنكِر: كيف تصفو فكرةُ مَن يَستديمُ الشِّبَع ؟!

* * *

هناك إذن تفكير مستقيم مُنتج ضروري. وهناك أيضاً تفكير أعوج يمرّ بعَتمة الظلام، ثم لا يُسلِم صاحبَه إلاّ إلى صحراء الظلام. مرةً أخرى نسعد بحكمة عَلَوية هادية في هذا السبيل. يقول عليه السّلام: الفِكرُ في غير الحكمةِ هَوَس. ويقول: مَن كَثُرَ فكرُه في المعاصي دَعَتهُ اليها. وأخيراً: نقرأ له عليه السّلام هذا التحذير: مَن كَثُر فكرُه في اللذّات غَلَبت عليه.