فلسفة الحرية في كتابات الشيخ المفيد

يمثل ابن المعلم نقطة تحول بارزة في تاريخ فكر مذهب أهل البيت عليهم السلام، فقد شملت محاكماته النقدية المذاهب المختلفة في عصره، ومن بينها: الاعتقادات، والأحاديث، وروايات الإمامية. ولم يتردد في نقد هذه الاعتقادات أو الأحاديث التي تستند إليها حين يجدها ضعيفة أو متناقضة لا تصمد أمام المحاكمة العقلية. ويتضح هذا الموقف في تعليقاته النقدية على آراء الشيخ الصدوق، وتبنيه لكثير من آراء أبي القاسم البلخي. ومن هنا، فإن في وسعنا أنّ نعده من بين أبرز فلاسفة الإمامية، الذي سعوا إلى نقل المذهب من مستوى "النقل" إلى مستوى "العقل" والمنهجية.

وتكشف النظرة المتعمقة في الشذرات الباقية من كتاباته عن حقيقة غابت عن دارسيه المعاصرين، على الرغم من أنها تؤلف محور مذهبه الكلامي من جهة، وجوهر الفكر الإمامي نفسه من جهة أخرى، وأعني بهذا: تبنيه لمذهب حرية الإرادة الإنسانية،

ودفاعه عن قدرة الإنسان على الفعل، ونفيه أنّ يكون ما يقع بالرعية من ظلم، ومايستشري في مؤسسة الحكم من فساد، أمراً مراداً من الله، أو واقعاً بفعله. فالظلم والفساد من فعل الإنسان، أي: نظام الحكم القائم ورجاله، والله لا يفعل الظلم، ولا يقع منه فساد؛ لأنه عادل خير، وفعله كله حسن. وإذا كان الإنسان قادراً حراً، فإن عليه أنّ يغير الفساد الواقع بما يرتضيه الله لعباده من تقدم وعدالة ومساواة، مؤسسة جميعاً على التصور العقلاني للأشياء، والتخطيط العلمي القائم على مبدأ السببية.

وهكذا...، فإن الدفاع، "العدل الإلهي" نفي ـ في الحقيقة ـ لأن يكون الظلم الواقع مراداً من الله، أو واقعاً بقدرته، أي: هو نفي للمشروعية الدينية والعقلية لأعمال نظام الحكم القائم. وإذا أضفنا إلى هذا تقرير ابن المعلم لحرية الإنسان، وقدرته، ووجوب التزامه بمقاصد الشريعة وقيمها وغاياتها، فمن الواضح ـ عندئذ ـ أنّ ابن المعلم كان يدعو الموطنين في الدولة إلى الثورة والتغيير.

يفسر الفهم السابق لفكر ابن المعلم الأوصاف التي أطلقها عليه كتاب التراجم والمفكرون الّذين عاصروه.

فابن النديم يلاحظ دقة تحليلات ابن المعلم فيقول: (إنه كان دقيق الفطنة، ماضي النظر)(2). مثلما يلاحظ ابن حجر العسقلاني أنّه: (كان كثير الإكباب على العلم)(3).

وبهذا انتهت رئاسة متكلمي الإمامية إليه في القرن الرابع الهجري، لا سيما وأنه (حسن اللسان والجدل، صبور على الخصم)(4).

إذا كانت التقويمات السابقة تدور حول قدرات ابن المعلم العقلية، ومكانته بين مفكري الإمامية، فإن ما يكشف عن مكانته في الفكر الإسلامي والعربي عامة هو: تلك الأخبار التي نقلها عدد من مفكري المذهب السني، ومنها نستدل على: أنّه كان يعمل من أجل الأمة كلها، لا من أجل طائفة بعينها: (كان يناظر أهل كلّ عقيدة) (5)، (وكان له

مجلس نظر بداره يحضره كافة العلماء) (6)، لا من الإمامية وحدهم، بل (من سائر الطوائف) كما يقول المؤرخ والمحدث المعروف بـ"ابن كثير".

ويفهم من هذا: أنّ مفكري الأمة على اختلاف مذاهبهم الكلامية ونزعاتهم الفقهية كانوا يحضرون هذا المجلس للإفادة أو الاستفادة، وفي حضورهم نفي قاطع لما نسبته إليه مؤسسة الحكم من سعي إلى الفتنة.

لقد كان يدعو إلى الثورة على النظام الفاسد، لا إلى الفتنة بين الشيعة وأهل السنة، ولهذا لم يتردد مفكروا السنة في حضور مجالسه، ولم تتردد السلطة القائمة ـ على الرغم من ادعائها الانتماء إلى المذهب الشيعي ـ في نفيه وإخراجه من بغداد.

وتكشف هذه الوقائع عن الأبعاد السياسية والاجتماعية الخطيرة لفكر ابن المعلم على السلطة القائمة المتحالفة مع نظام الحكم العباسي الفاسد في تلك الفترة من تاريخ الإسلام.

لقد لاحظ عدد من المفكرين في الإسلام أنّ استراتيجية إخضاع الأمة لإرادة الحاكم المستبد قد جرت على أيدي معاوية بن أبي سفيان. فالسطان: ظل الله في الأرض، وما يقع من ظلم وفساد وشر ومعاص إنّما هو بإرادة الله وفعله. والإنسان مجبر، مسير لا حول ولا قوة له، إنه كالقشة التي تلعب بها الرياح الإلهية.

وهكذا تعزز مفهوم الجبر، وكأنه المذهب الأدق تعبيراً عن روح الإسلام ومن ثم فقد تم إسقاط كلّ مسؤولية يمكن أنّ تضعها الأمة على كاهل الّذين تلاعبوا بمقدراتها، ومصيرها، وأبطلوا حريتها، وانتهكوا حقوقها. فكل ما كان يفعله الطغاة بحريتهم وإرادتهم يلقون بتبعاته على الله، وكل ما كان يمكن أنّ تقوم به الأمة ضدهم تتم السيطرة عليه بدعوى: أنّ الثورة عليهم عصيان لإرادة الله وتمرد على ما أوجد.

من هنا نفهم: كيف ارتبط نظام الحكم بمذهب الجبرية، بينما ارتبطت المعارضة بجميع صورها تقريباً بمذهب حرية الإرادة، فظهر تقارب غير منكر بين عدد من مدارس

الفكر الشيعي واتجاهاته، وبين مدارس المعتزلة. ولما كان هذا الربط قد بدأ في عهد مبكر من تاريخ الإسلام ـ في عهد معاوية نفسه ـ فإننا نفهم أنّه لم كان أهل الشام معتقدين بمذهب الجبرية؟ ولم كان الإمام علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ حريصاً على فضح مذهب الجبر وشناعاته، والدفاع عن مذهب حرية الإرادة باعتباره منطلق الأوضاع القائمة، والعودة بنظام الحكم إلى ما كان عليه قبل الانقلاب الأموي، الذي تم في عهد الخليفة عثمان بن عفان.

تبين مما سبق: أنّ الفهم المنحرف "للقضاء والقدر" في الإسلام كان عائقاً في وجه كلّ دعوة للإصلاح والتغيير والثورة، بل كان الطريق لإحباط كلّ فعل ثوري أو إصلاحي قبل أنّ يبدأ لقد كان وما يزال الأداة المثالية للسيطرة على الأمة وتكبيلها وتخديرها، وحملها على قبول كلّ ظلم وفساد ومعصية، وعدم السعي إلى التغيير أو المطالبة بالعدل، والحيلولة بينها وبين نشر الازدهار والتقدم الحضاري، فليس في الإمكان إبداع مما هو كائن كما يقول فقهاء السلطان والمنظرون له.

لقد نقلت كتب علم الكلام حكاية لم تعط ـ للأسف ـ حقها من التحليل، فقد جاء في الأخبار أنّه (قال شيخ من أهل الشام ـ حضر صفين مع أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ بعد انصرافهم من صفين ـ: أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء من الله وقدر ؟ فقال: نعم، يا أخا أهل الشام، "والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما وطئنا موطئاًن ولا هبطنا وادياً، ولا علونا قلعةً إلاّ بقضاء من الله وقدره". فقال الشامي: عند الله تعالى أحتسب عناي إذا يا أمير المؤمنين، وما أظن أنّ لي أجراً في سعيي إذا كان الله قضاه علي وقدره لي فقال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ "إنّ الله قد أعظم لكم الأجر على مسيركم وأنتم سائرون، وعلى مقامكم وأنتم مقيمون، ولم تكونوا في شيءٍ من حالاتكم مكرهين، ولا إليها مضطرين، ولا عليها مجبرين". فقال الشامي: فكيف يكون ذلك والقضاء والقدر ساقانا، وعنهما كان مسيرنا وانصرافنا ؟ فقال له أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: "ويحك يا أخا أهل الشام، لعلك ظننت قضاء لازماً، وقدراً حتماً، لو كان ذلك كذاك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، والأمر من الله ـ عز وجل ـ والنهي منه، وما كان المحسن أولى

بثواب الإحسان من المسيء، ولا المسيء أولى بعقوبة الذنب من المحسن، تلك مقالة عبدة الأوثان، وحزب الشيطان، وخصماء الرحمن، وشهداء الزور، وقدرية هذه الأمة ومجوسها. إنّ الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يطع مكرها، ولم يعص مغلوباً، ولم يكلف عسيراً، ولم يرسل الأنبياء لعباً، ولم ينزل الكتب على العباد عبثاً"، (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الّذين كفروا فويل للذين كفروا من النار)(7). قال الشامي: فما القضاء والقدر اللذان كان مسيرنا بهما، وعنهما؟ قال: "الأمر من الله تعالى في ذلك، والحكم منه"، ثم تلا: (وكان أمر الله قدراً مقدوراً) (8). فقام الشامي مسروراً فرحاً لما سمع هذا المقال، وقال: فرجت عني يا أمير المؤمنين، فرج الله عنك، وأنشأ يقول:

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته   يوم النشور من الرحمن رضوانا
أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً   جزاك ربك عنا فيه إحسانا
نفى الشكوك مقال منك متضح   وزاد ذا العلم والإيمان إيقانا
فلن أرى عاذراً في فعل فاحشة   ما كنت راكبها ظلماً وعدوانا
كلا ولا قائلاً يوماً لداهية   أرداه فيها لدينا غير شيطانا
ولا أراد، ولا شاء الفسوق لنا   قبل البيان لنا ظلماً وعدوانا
نفسي الفداء لخير الخلق كلهم   بعد النبي علي الخير مولانا
أخي النبي ومولى المؤمنين معاً   وأول الناس تصديقاً وإيمانا
وبعل بنت رسول الله سيدنا   أكرم به وبها سراً وإعلانا(9)

 

هكذا نفى الإمام علي بن أبي طالب الدعوى التي روج لها الأمويون في الجبر في مرحلة مبكرة. وتفيد كتب علم الكلام: أنّ الأمويين كانوا حريصين على دعم هذا المذهب. وفي الرسالتين المتبادلتين بين الخليفة عبد الملك والإمام الحسن البصري ما يؤكد هذا، مع حرص الحسن البصري على تبني مذهب حرية الإرادة كما أوضحه

الإمام علي ـ عليه السلام ـ.

كتب عبد الملك بن مروان إلى الحسن البصري يقول: (إنه قد بلغ أمير المؤمنين عنك قول في وصف القدر لم يبلغه مثله عن أحد ممن مضى.. وقد كان أمير المؤمنين يعلم منك صلاحاً في حالك، وفضلاً في دينك " ودراية للفقه، وطلباً له، وحرصاً عليه. ثم أنكر أمير المؤمنين هذا القول من قولك) (10).

ويرد الحسن البصري مبيناً: أن تكذيبه لمذهب الجبر هو جوهر الإسلام، وأساس الدعوة إليه، وأن الدعوة إلى مذهب حرية الإرادة منهج الصحابة، وكل من سلم اعتقاده من التحريف. فالله قد خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بعبادته التي لها خلقهم، ولم يكن يخلقهم لأمر ثم يحول بينهم وبينه؛ لأنه تعالى (ليس بظلام للعبيد) (11). ولم يكن أحد ممن مضى من السلف ينكر هذا القول، ولا يحول عنه؛ لأنهم كانوا على أمر واحد متفقين.. ففكر، أمير المؤمنين في قول الله تعالى: (لمن شاء منكم أنّ يتقدم أو يتأخر* كلّ نفس بما كسبت رهينة)(12).

وذلك أنّ الله تعالى جعل في هام من القدرة ما يتقدمون بها ويتأخرون، وابتلاهم لينظر كيف يعملون.. فلو كان الأمر كما يذهب إليه المخطئون لما كان إليهم أنّ يتقدموا ولا يتأخروا، ولما كان لمتقدم أجر فيما عمل، ولا على متأخر لوم فيما لم يعمل؛ لأن ذلك ـ يزعمهم ـ ليس منهم، ولا إليهم، ولكنه من عمل ربهم.

فتدبر، يا أمير المؤمنين ذلك بفهم، فإن الله ـ عز وجل ـ يقول: (فبشر عباد * الّذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الّذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب)(13).

واعلم: أنّ الله لم يجعل الأمور حتماًً على العباد، ولكن قال: إنّ فعلتم كذا فعلت بكم كذا.

قال الله عز وجل: (وأضل فرعون قومه وما هدى)(14). فقل يا أمير المؤمنين كما قال الله: فرعون الذي أضل قومه، ولا تخالف الله في قوله، ولا تجعل من الله إلاّ ما رضي لنفسه، فإنه قال: ( إنّ علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى)(15). فالهدى من الله، والضلال من العباد) (16).

ثم يبين الحسن البصري: أنّه إنّما أحدث الكلام في حرية الإرادة (حين أحدث الناس النكرة له، فلما أحدث المحدثون الكلام في دينهم، ذكرت من كتاب الله خلافاً لما قالوا وأحدثوا) (17).

وتبين من طريقة الخطاب والآيات المختارة للتدليل على صحة الاعتقاد بمذهب حرية الإرادة، أنّ الحسن البصري يدعو عبد الملك بن مروان إلى نبذ اعتقاده بالجبر، وتبني مذهب الاختيار والحرية والمسؤولية والعدل. وهذا هو عين ما بينه الإمام علي بن أبي طالب للشيخ الشامي.

لكن آلة الدولة الإعلامية العاملة عبر وعاظ المساجد، وفقهاء السلطان، وأدبائه وكتابه، مضت تروج لمذهب الجبر تسويغاً لما فعلت، وتبريراً لما تنزله بالأمة. وهذا ما يفسر قول ابن حزم ـ بعد قرون ـ عند حديثه عن "القضاء والقدر"، أنّه قد (ذهب بعض الناس لكثرة استعمال المسلمين هاتين اللفظتين، إلى أنّ ظنوا أنّ فيهما معنى الإكراه والإجبار، وليس الأمر كما ظنوا) (18) فابن حزم يسير في فهمه "للقضاء والقدر" على نهج الحسن البصري الذي سار على نهج الإمام علي ـ عليه السلام ـ.

حقيقة القضاء والقدر:

القضاء في لغة العرب: الحكم فقط، ولذلك يقولون: "القاضي" بمعنى: الحاكم، وقضى الله عز وجل ـ بكذا، أي: حكم به. ويكون أيضاً بمعنى: "أمر"، قال تعالى:

(وقضى ربك إلاّ تعبدوا إلاّ إياه) (19)، معناه ـ بلا خلاف ـ: أنّه تعالى أمر أنّ لا تعبدوا إلاّ إياه. ويكون أيضاً بمعنى: "أخبر"..قال تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا)(20)، أي: أخبرناهم بذلك ويكون أيضاً بمعنى: "أراد"، قال الله تعالى: (وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون)(21) (22).

معنى "القضاء" إذن: الحكم والأمر والإرادة والخبر، وليس في أي من هذه المعاني ما يفيد الإكراه والإجبار. وقد قدم "ابن المعلم" تحليلاً لغوياً، منطقياً للنصوص التي ورد فيها مصطلح "القضاء" عند تحليله لآراء الشيخ أبي جعفر الصدوق، حيث قال: القضاء معروف في اللغة، وعليه شواهد من القرآن. "فالقضاء" على أربعة أضرب: أحدها: "الخلق"، والثاني: "الأمر"، والثالث: "الإعلام"، والرابع: "القضاء في الفصل بالحكم".

أ ـ فأما شاهد القضاء بمعنى: "الخلق" فقوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي

دخان) إلى قوله: (فقضاهن سبع سموات في يومين) (23) يعني: خلقهن سبع سموات في يومين.

ب ـ وأما شاهد القضاء بمعنى: "الأمر" فقوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلاّ إياه) (24).

ج ـ وأما شاهد القضاء في "الإعلام" فقوله تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل...) (25) أي: أعلمنا هم ذلك وأخبرناهم به قبل كونه.

(د) وأما شاهد القضاء " في الفصل بالحكم بين الخلق" فقوله تعالى: (والله يقضي بالحق)(26) يعني: يفصل بالحكم بالحق، وقوله: (وقضي بينهم بالحق) (27) يريد:

وحكم بينهم بالحق، وفصل بينهم بالحق) (28).

ويتبين بالمقارنة وتحليل الشواهد المستعملة في التحليل: أنّ ابن حزم يتفق مع ابن المعلم في فهم "القضاء" بمعنى: "الحكم"، و"الأمر"، و"الإعلام" أي: الإخبار، وينحصر الخلاف بينهما في فهم ابن المعلم للقضاء في معناه الرابع بمعنى: "الخلق"، وفهم ابن حزم له بمعنى: "الإرادة".

فإذا قال الله تعالى: (إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون)(29) فإن "القضاء" محتمل ها هنا لمعنى: الإرادة كما قال ابن حزم، ولمعنى: الخلق كما يقول ابن المعلم.

أما قوله تعالى: (فقضاهن سبع سموات في يومين) فمن الصعب فهم القضاء هنا بمعنى: الإرادة، فمعنى الخلق هو المراد، ولما كان الخلق متضمناً لمعنى الإرادة فإنه يشمله، لكن العكس غير صحيح. وبهذا يتبين أنّ تحليل ابن المعلم أكثر دقة من تحليل ابن حزم.

وقبل أنّ نعرض تحليل ابن المعلم لمذهب الجبر الذي فهم "القضاء" الإلهي بمعنى: الإكراه والحتم ـ مما يتنافي كلياً مع نتائج التحليل اللغوي المنطقي السابق لاستعمالات اللفظ في "اللغة" و"النصوص القرآنية" ـ نستعرض تحليلاً لمعنى "القدر"، هذا اللفظ الذي تعرض لكثير من التحريف والاستعمال.

وإن "القدر" في اللغة لفظ يفيد معنى: "القدرة" و"التقدير" والتقدير على وجوه من المعاني: أحدها: التروية والتفكير في تسوية أمر وتهيئته. والثاني: تقديره بعلامات.

والثالث: أنّ تنوي أمراً بعقدك (30). فإذا أطلق "التقدير" بحقه تعالى كان معناه: أنّ حكم الله وخلقه متصف بالقصد إليه، وبأنه فعل حسن أتقنت تسويته بالعلم الإلهي الكلي، وليس في أي من هذه المعاني ما يفيد الإكراه، أي: القوة القاهرة التي تسوق الإنسان إلى أمر قد كتب عليه ولايد له في إيجاده أو دفعه.

وبناء على ما سبق: قرر ابن حزم أنّ (معنى القدرة في اللغة العربية: الترتيب والحدّ

الذي ينتهي إليه الشيء، تقول: "قدرت البناء تقديراً" إذا رتبته وحددته. قال تعالى: (وقدر فيها أقواتها)(31)، بمعنى: رتب أقواتها، وقال تعالى:(إنا كلّ شيء خلقنا بقدر)(32) يريد تعالى: برتبة وحد)(33).

ويخلص ابن حزم من تحليله لمعنى "القضاء" إلى أنّ (معنى: "قضى وقدر" هو: حكم ورتب، ومعنى "القضاء والقدر": حكم الله تعالى في شيءٍ بمدحه أو ذمه، وبكونه وترتيبه على صفة كذا، والى وقت كذا فقط) (34).

وعلى الرغم من وضوح المسألة لغة ونصاً فإن مصالح الفئة الحاكمة قد حرفت لفظي: "القضاء والقدر" عن معناهما؛ ليخدم أهدافاً سياسيةً اجتماعية معينة، وبهذا وضعت الأسس اللغوية لمذهب الجبر في الإسلام.

وقد عرف ابن منظور في "لسان العرب" هذا المذهب فقال: (الجبرية الّذين يقولون: أجبر الله العباد على الذنوب أي: أكرههم. ومعاذ الله أنّ يكره أحداً على معصيته) (35). وفي عبارة أكثر تفصيلاً فإن "الجبرية" هو: الاسم الذي يُطلق في تاريخ العقائد الإسلاميّة على أولئك المفكرين (الّذين ينكرون الاختيار.. ومن ثم لا يفرقون بين الإنسان والجماد من حيث أنّه مجبر على أفعاله) (36). (ولا يدله ـ حقاً ـ فيما يفعل، بل الله الذي يسيره) (37). وتبين من كتابات القاضي عبد الجبار المعتزلي(38)، والماتريدي(39): أنّه على الرغم من ادعاء الأشاعرة أنّ نظريتهم في "الكسب" وسط بين الجبر والقدر، فإنها تنحل في حقيقة الأمر إلى نظرية جبرية، ولا تخرج عن كونها جبرية مقنعة، طرحت في مواجهة انتشار مذهب حرية الإرادة في القرن الرابع الهجري. ولا يخرج التراجع المدعى

عن مذهب الجبرية عن كونه صيغة لفظية تهدف إلى تسويقها بين الناس.

والسؤال الآن هو: إذا كان ابن المعلم قد فهم "القضاء" لغة ونصاً بعيداً عن الجبر، فكيف وظف هذا التحليل اللغوي المنطقي في نقد مذهب الجبرية وإثبات مذهب حرية الإرادة ؟

يقول ابن المعلم: (الجبر: هو الحمل على الفعل، والاضطرار إليه بالقهر والغلبة، وحقيقة ذلك: إيجاد الفعل في الخلق من غير أنّ يكون له قدرة على دفعه، والامتناع من وجوده فيه.. ومذهب الجبر هو: قول من يزعم أنّ الله تعالى خلق في العبد الطاعة من غير أنّ يكون للعبد قدرة على ضدها، والامتناع منها، وخلق فيه المعصية) (40) أيضاً.

مذهب الجبرية أذان جملة "مزاعم" قوامها خلق الله الأفعال في الإنسان، وافتقار هذا الأخير إلى قدرة أو استطاعة فاعلة وحقيقية. ويستند ابن المعلم إلى تحليله معاني "القضاء" الدائرة بين "الخلق"، و"الأمر"، و"الإعلام"، و"الحكم" فيقول: (إذا ثبت ما ذكرناه من أوجه "القضاء" بطل قول المجبرة: إنّ الله خلق العصيان في خلقه، فكان يجب أنّ يقولوا: "قضى في خلقه بالعصيان"، ولا يقولوا: "قضى عليهم"؛ لأن الخلق فيهم لا عليهم، مع أنّ الله تعالى قد أكذب من زعم أنّه خلق المعاصي، لقوله سبحانه: (الذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه) (41) فنفى عن خلقه القبح وأوجب له الحسن، والمعاصي قبائح بالاتفاق.

ولا وجه لقولهم: "قضى بالمعاصي" على معنى:"أمر بها"؛ لأنه تعالى قد أكذب مدّعي ذلك بقوله: (إنّ الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) (42).

ولا معنى لقول من زعم أنّه "قضى بالمعاصي" على معنى أنّه "أعلم الخلق بها" إذا كان الخلق لا يعلمون أنهم في المستقبل يطيعون أو يعصون، ولا يحيطون علماً بما يكون في المستقبل على التفصيل.

ولا وجه لقولهم: إنه "قضى بالذنوب" على معنى: أنّه "حكم بها بين العباد"؛ لأن

أحكامه تعالى حق، والمعاصي منهم، ولا لذلك فائدة، وهو لغو بالاتفاق، فبطل قول من زعم أنّ الله تعالى يقضي بالمعاصي والقبائح.

والوجه عندنا في "القضاء والقدر" ـ بعد الذي بيناه في معنى: أنّ لله تعالى في خلقه قضاء وقدراً، وفي أفعالهم أيضاً قضاء وقدراً ـ معلوم، ويكون المراد بذلك: أنّه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها، وفي أفعالهم القبيحة بالنهي عنها، وفي أنفسهم بالخلق لها، فليس فعله فيهم بالإيجاد له والقدرة منه سبحانه ـ فيما فعله ـ إيقاعه منه في حقه، وفي موضعه، وفي أفعال عباده ما قضاه فيها من الأمر والنهي، والثواب والعقاب؛ لا، ذلك كله واقع موقعه، موضوع في مكانه، لم يقع عبثاً، ولم يصنع باطلاً. فإذا فسر القضاء ـ في أفعال الله تعالى ـ والقدر بما شرحناه زالت الشنعة منه، وثبتت الحجة به، ووضح الحق فيه لذوي العقول، ولم يلحقه فساد ولا إخلال) (43)؟

وبعد أنّ قرر ابن المعلم المعنى الصحيح "للقضاء والقدرة في الإسلام لم يتردد في نقد ما ذهب إليه الفكر الشيعي فقد ذهب أبو جعفر إلى القول: بأن (أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، ومعنى ذلك: أنّه لم يزل عالماً بمقاديرها) (44).

ويرد ابن المعلم على هذه الدعوى بقوله: (إنّ أفعال العباد غير مخلوقة لله، والذي ذكره أبو جعفر قد جاء به حديث غير معمول به، ولا مرضي الإسناد، والأخبار الصحيحة بخلافه، وليس يعرف في لغة العرب أنّ العلم بالشيء هو خلق له) (45).

وينقل عن أبي الحسن الثالث ـ عليه السلام ـ (أنّه سئل عن أفعال العباد، فقيل له: هل هي مخلوقة لله تعالى ؟ فقال ـ عليه السلام ـ: لو كان خالقا لها لما تبرأ منها، وقد قال سبحانه: (إنّ الله بريء من المشركين ورسوله)(46)، ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم، وإنّما تبرأ من شركهم وقبائحهم.

وسأل أبو حنيفة أبا حنيفة أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن أفعال العباد ممن هي ؟ فقال

له: إنّ أفعال العباد لا تخلو من ثلاثة منازل: إما أنّ تكون من الله خاصة، أو منه ومن العبد على وجه الاشتراك فهيا، أو من العبد خاصة)(47).

(فإن كانت من الله تعالى فهو أعدل وأنصف من أنّ يظلم عبده، ويأخذه بما لم يفعله)(48)؛ لأن الله الفاعل لها يكون الأولى "بالحمد على حسنها، والذم على قبحها، ولم يتعلق بغيره حمد ولا لوم فيها"(49).

(أما إنّ كانت الأفعال من الله والعبد معاً فهو شريكه، والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف) (50). ولو كانت الأفعال شركة حقاً (لكان الحمد لهما معاً فيها، والذم عليهما جميعاً فيها. وإذا بطل هذان الوجهان ثبت أنها من الخلق، فإن عاقبهم الله تعالى على جنايتهم بها فله ذلك، وإن عفى عنهم فهو أهل التقوى وأهل المغفرة) (51).

لقد قام الدليل النصي والعقلي على صحة نسبة المعاصي إلى الإنسان فاعلها دون الله.

يقول ابن المعلم: (إنّ كلّ ما قضى به الله حق دون ما سواه، قال الله تعالى: (الذي أحسن كلّ شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين)(52)، فخبر: بأن كلّ شيء خلقه حسن غير قبيح.. وفي حكم الله تعالى بحسن جميع ما خلق شاهد ببطلان قول من زعم أنّه خلق قبيحاً. وقال الله تعالى: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت)(53)، فنفى التفاوت عن خلقه، وقد ثبت أنّ الكفر والكذب متفاوت في نفسه، والمتضاد من الكلام متفاوت، فكيف يجوز أنّ يطلقوا على الله تعالى أنّه خالق لأفعال العباد، وفي أفعالهم من التفاوت والتضاد ما ذكرناه؟!)(54).

وفي الخبر الصحيح أنّه "إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق سألهم عما عهد

إليهم، ولم يسألهم عما قضى عليهم"(55) مما يدل على أنّ الأفراد محاسبون على ما كلفوا به، فعلوه أو لم يفعلوه، وليسوا محاسبين على ما فعله الله فيهم. فإذا صح الحساب، صح بالضرورة أنهم محاسبون على أعمالهم التي فعلوها.

العدل الإلهي

يرتبط مبدأ "العدل الإلهي" بحرية الإرادة الإنسانية، فلو كان الله غير عادل لصح مذهب الجبر، إذ يثيب من لا يد له في حسن، ويعاقب من لا قدرة له على معصية. أما: والله تعالى عادل: فإنه لا يثيب ولا يعاقب إلاّ على الأفعال التي قام بها الإنسان حرّاً، مختاراً، مستطيعاً.

إنّ "للعدل" في اللغة معان كثيرة، وما يتعلق منها بموضوع البحث هو: معنى الإنصاف في الحكم. وقد بين سعيد بن جبير هذا المعنى في رده على الخليفة عبد الملك حين كتب يسأله عن العدل ؟ فقال ابن جبير: (إنّ العدل على أربعة أنحاء: العدل في الحكم، قال الله تعالى: (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) (56). أما المعاني الأخرى فهي "العدل في القول" و"الفدية" و"الإشراك".

وفيما يتصل بالمعنى الأول: فإن العدل في الحكم والأفعال يعنيان: "المساواة"، يقال في اللغة: "فلأن يعدل فلاناً"، أي: يساويه ويقال: "ما يعدلك عندنا شيء" أي ما يقع عندنا شيء موقعك. وعدل "الموازين والمكاييل" سواها. و(عدل الشيء يعدله عدلاً وعادله: وازنه. وقيل العدل: تقويمك الشيء من غير جنسه حتّى تجعله له مثلاً) (57).

وإذا كان العدل هو: المساواة فإن ابن المعلم يقرر في ضوئه: أنّ (العدل هو: الجزاء على العمل بقدر المستحق عليه، والظلم هو: منع الحقوق، والله تعالى كريم، جواد، متفضل، رحيم، قد ضمن الجزاء على الأعمال، والعوض على المبتدئ من الآلام، ووعد

التفضل ـ بعد ذلك ـ بزيادة من عنده) (58).

تبين مما سبق: أنّ مفهوم "العدل الإلهي" عند ابن المعلم يعني: جزاء العباد بقدر ما فعلوه من خير أو شر، ويتضمن هذا المفهوم: أنّ الأفعال المجازى عليها هي من صنع العبد نفسه، وليست مخلوقة فيه، و إلاّ لكان جزاؤه بالجنة أو النار غير مساو لما فعله. ومن هنا تتضح حقيقة هامة في فكر ابن المعلم بخاصة، وفي الإسلام بعامة، وهي: حرية الإرادة الإنسانية.

يقول ابن المعلم: (إنّ الله ـ عز وجل ـ عدل، كريم، خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وعمهم بهدايته.. لم يكلف أحداً إلاّ دون الطاقة، ولم يأمره إلاّ بما جعل له عليه الاستطاعة..، لا قبيح في فعله، جل عن مشاركة عباده في الأفعال، وتعالى عن اضطرارهم إلى الأعمال، لا يعذب أحداً إلاّ على ذنب فعله، ولا يلوم عبداً إلاّ على قبح صنعه) (59).

وبالمقابل: فإن الجبرية قد (زعموا: أنّ الله تعالى خلق أكثر خلقه لمعصيته، وخص بعض عباده بعبادته.. وكلف أكثرهم ما لا يطيقون من طاعته، وخلق أفعال جميع بريته، وعذب العصاة على ما فعله فيهم من معصيته، وأمر بما لم يرد، ونهى عما أراد، وقضى بظلم العباد، وأحب الفساد، وكره من أكثر عباده الرشاد، تعالى عما يقول الظالمون) (60).

وهكذا، فغن مذهب الجبرية ـ دعامة حكم السلطان الظالم ـ يقوض فكرة الألوهية من أساسها بإسقاطه خيرية الله المطلقة، وإرادته الصلاح لعباده دون الفساد. إنّ الله يفعل الصلاح، بل الأصلح لعباده من جهة كما يقول ابن المعلم، وهو في الوقت نفسه لا يكرههم على إيمان أو معصية ليكون الجزاء عادلاً يوم الحساب.

يقول ابن المعلم: (إنّ الله تعالى لا يفعل بعباده ما داموا مكلفين، إلاّ أصلح الأشياء

لهم في دينهم ودنياهم، وإنه لا يدخرهم صلاحاً ولا نفعاً، وإن من أغناه فقد فعل به الأصلح في التدبير، وكذلك من أفقره، ومن أصحه، ومن أمرضه.."وإن من علم الله" أنّه إنّ أبقاه تاب من معصيته، لم يجز أنّ يخترمه، وإن عدل الله جل اسمه: وجوده، وكرمه، يوجب ما وصفته، ويقضي به، ولا يجوز منه خلافه؛ لاستحالة تعلق وصف العبث به أو البخل أو الحاجة) (61). وبهذا يتصح: أنّه لا فرق بين رأي ابن المعلم في الأصلح، بين رأي المعتزلة، إلاّ من جهة أنّ الأصلح يكون من الله ـ عند المعتزلة ـ بمقتضى العدل الإلهي، ويكون ـ عند ابن المعلم ـ من جهة الجود والكرم، وهذا تقرير يقبل الدفاع عنه بحجج أقوى بدون التعرض لاعتراضات الأشعري على الفكرة.

إنّ "الأصلح" بينة على حرية الإرادة الإنسانية المكلفة، والمحملة بالأعباء بعيداً عن الإكراه والقهر. ولابن المعلم دليل آخر على عدم تدخل الله في أفعال المكلفين، فحين يقول الله تعالى:( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا)(62) فإنه يفهم من ذلك: (الإخبار عن قدرته، وأنه لو شاء أن يلجئهم إلى الإيمان ويحملهم عليه بالإكراه والاضطرار لكان على ذلك قادراً، لكنه شاء تعالى منهم الإيمان على الطوع والاختيار وآخر الآية يدل على ما ذكرناه وهو قوله تعالى: أفأنت تكره الناس حتّى يكونوا مؤمنين) (63).

مكونات الإرادة الحرة

يوضح ابن المعلم أبعاد الإرادة الإنسانية الحرة، والمتمثلة في كونها وسطاً بين الجبر والتفويض، واستنادها إلى استطاعة سابقة على الفعل، وإرادة بها يكون الاختيار للفعل

أ ـ بين الجبر والتفويض:

رأى ابن المعلم: أن إيضاح مفهومه للإرادة الحرة يستلزم الحديث ـ أولاً ـ عن مذهبي الجبر والتفويض، وقد بينا رأيه في مذهب الجبر. أما "التفويض" فهو: (القول برفع الحظر عن الخلق في الأفعال، والإباحة لهم ماشاؤا من الأعمال) (64). وفي عبارة أخرى: فإن ادعاء التفويض يعني: إنكار التكليف، وأن الأفعال كلها مباحة لا حظر عليها، وهذا مرادف لإنكار الألوهية. لهذا يقول ابن المعلم: (إنّ التفويض قول الزنادقة وأصحاب الإباحات) (65) أي: الإباحيين.

إنّ الإرادة الإنسانية ليست خاضعة لقسر أو جبر، لكنها تعمل في ظل "مثال" أو تكليف تلتزمه في نشاطها. ومن هنا كانت حقيقتها (واسطة بين هذين القولين: (الجبر، والتفويض) أي: أن الله تعالى أقدر الخلق على أفعالهم، ومكنهم من أعمالهم، وحد لهم الحدود في ذلك، ورسم لهم الرسوم، ونهاهم عن القبائح بالزجر، والتخويف، والوعد، والوعيد، فلم يكن بتمكينهم من الأعمال مجبراً لهم عليها، ولم يفوض إليهم الأعمال لمنعهم من أكثرها) (66).

ومن الجلي أن ابن المعلم يحتذي في موقفه السابق برأي الإمام جعفر الصادق ـ عليه السلام ـ. وغير بعيد أن يكون قد وقف على رأي الفيلسوف أبي الحسن العامري في كتابه "إنقاذ البشر من الجبر والقدر". ولبيان أهمية الرأي الذي ينادي به ابن المعلم، علينا أن نشير بإيجاز إلى ما قرره العامري في هذا المجال. يقول:

(روي عن سيد علماء التابعين، جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام أنّه قال: "لا جبر ولا تفويض".. وروي عن زين الفقهاء أبي حنيفة أنّه قال: "أكره الجبر ولا أقول بالقدر، وأقول قولاً بين قولين". وهذان القولان مؤديان إلى معنى واحد، ويشبه أن يكون أبو حنيفة أخذ عن جعفر ـ عليه السلام ـ.

ثم إنّ مذهبي: الجبر والتفويض كلاهما قد فشيا في الناس، واستغنينا بشهرتهما عن

الوصف.. فالواجب أن نشرح المذهب المتوسط بينهما، فإنه كاد أن يندرس أثره، وتخفى على الناس حقيقته، هذا مع قوة الحق في نفسه، و وهي الباطل في ذاته) (67).

ويمضي في شرح المذهب المتوسط بين: "الجبر والتفويض " فينتهي إلى (أن من جرد النظر للجهة الأولى ـ وهو: جود الباري وحكمته ـ وسيب النظر إلى الجهة الثانية وهو: نزارة العبد وضعفه ـ أداه إهماله النظر الثاني إلى اعتقاد التفويض. ومن جرد النظر للجهة الثانية ـ وهو: نزارة العبد وضعفه ـ وسيب النظر إلى الجهة الأولى ـ وهو: جود الباري جل جلاله وحكمته ـ أداه إهماله النظر الأول إلى اعتقاد الجبر، ومتى جمع بينهما سلم عن الطرفين معاً) (68).

ونود أن نلفت أنظار الباحثين إلى ما بين عبارات العامري في هذا "الرسالة"، وعبارات ابن المعلم من تماثل في كثير من المصطلحات، فضلاً عن تطابق التحليل، والنتائج، والإستشهادات، سواء فيما يتعلق بمذهب حرية الإرادة المتوسطة بين "الجبر" و"التفويض" أو بموضوع خلق الأفعال، حيث نجد في حديث العامري تفصيلاً دقيقاً، وواضحاً لكثيرٍ من العبارات التي وردت عند ابن المعلم مجملة، أو ساقها بدون بيان كفا لمعانيها أو أبعادها.

ب ـ الاستطاعة:

الاستطاعة في اللغة هي: "الطاقة"، إلاّ أن "الاستطاعة" للإنسان خاصة، و"الإطاقة" عامة (69). فإذا قلنا: إنّ للإنسان استطاعة على الفعل قصدنا بهذا: أن الله تعالى قد أعطاه ما يمكنه من تسخير الأشياء له. وقد عرف ابن المعلم الاستطاعة فقال: إنها (في الحقيقة هي: الصحة والسلامة، فكل صحيح فهو مستطيع، وإنما يعجز الإنسان ويخرج عن الاستطاعة بخروجه عن الصحة. وقد يكون مستطيعاً للفعل من لا يجد آلة له، ويكون

مستطيعاً ممنوعاً من الفعل، والمنع لا يضاد الاستطاعة، وإنّما يضاد الفعل، ولذلك يكون الإنسان مستطيعاً للنكاح وهو لا يجد المرأة ينكحها، وقد قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) (70)، فأوجب الحج على الناس والاستطاعة قبل الحج) (71).

أيّد ابن حزمٍ كون الاستطاعة قبل الفعل بدليل: أن الكافر (لا يخلو من أمرين: إما أن يكون مأموراً بالإيمان، أو لا يكون مأموراً به، فإن قلتم: إنه غير مأمور بالإيمان فهذا كفر مجرد، وخلاف للقرآن والإجماع. وإن قلتم: هو مأمور بالإيمان ـ وهكذا تقولون ـ فلا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون أمر وهو يستطيع ما أمر به فهذا قولنا لا قولكم، أو يكون أمر وهو لا يستطيع ما أمر به فقد نسبتم إلى الله ـ عز وجل ـ تكليف ما لا يستطاع، ولزمكم أن تجيزوا تكليف الأعمى أن يرى، والمقعد أن يجري... وهذا كله جور وظلم والجو والظلم منفيان عن الله (ثم إنّ تكليف الله الإنسان بالحج "من استطاع إليه سبيلاً"، يعني: أنّه) لو لم تتقدم الاستطاعة الفعل لكان الحج لا يلزم أحداً قبل أن يحج) (72).

ويطرد التطابق بين رأي ابن حزم في هذه المسألة وبين رأي ابن المعلم باستثناء عد ابن حزم ارتفاع الموانع من الاستطاعة، فهذا خلاف ما قرره ابن المعلم. يقول ابن حزم: (سلامة الجوارح وارتفاع الموانع استطاعة) (73).

(ج) الإرادة:

ميز ابن المعلم بين "الإرادة الإلهية" والإرادة الإنسانية في معرض فحصه عن حقيقة الإرادة هل هي مرادة بنفسها، أم بإرادة غيرها، أم ليس إلى إرادة؟ فقال: (إنّ الإرادة لا تحتاج إلى إرادة؛ لأنها لو احتاجت إلى ذلك لما خرجت إلى الوجود إلاّ بخروج

ما لا أول له من الإرادات، وهذا محال بين الفساد.

وليس يصح أن تراد بنفسها؛ لأن من شأن الإرادة أن تتقدم مرادها فلو وجب أو جاز أن تراد الإرادة بنفسها لوجب أو جاز وجود نفسها قبل نفسها، وهذا عين المحال.

وقد أطلق بعض أهل النظر من أصحابنا: أن الإرادة مرادة بنفسها، وعنى به: أفعال الله تعالى الواقعة من جهته واختراعه وإيجاده؛ لأنها هي نفسها إرادته وإن لم تكن واقعة منه بإرادة غيرها، وليس يصح ذلك فيها، وهذا مجاز واستعارة) (74).

الإرادة الإلهية تتقدم مرادها شأن الإرادة الإنسانية، وكلتا الإرادتين لا تحتاج في الوجود إلى إرادة موجدة لها، والإ تسلسل الأمر إلى مالا نهاية.

ثم إنّ الإرادة (التي هي قصد لإيجاد أحد الضدين الخاطرين ببال المريد موجبة لمرادها، وأنه محال وجودها وارتفاع المراد بعدها بلا فصل، إلاّ أن يمنع من ذلك من فعل المريد) (75).

الإرادة في جوهرها ليست شيئاً آخر غير الاختيار، وبالتالي فإن إرادة الشيء هي: اختياره، كما أن (اختياره هو:إرادته وإيثاره. وقد تعبر هذه اللفظة عن المعنى الذي يكون قصداً لأحد الضدين، ويعبر بها أيضاً عن وقوع الفعل على علم به..، ويعبر بلفظ "مختار" عن القادر خاصة، ويراد بذلك: أنّه متمكن من الفعل وضده دون أن يراد به القصد والعزم) (76).

في الإرادة إذن علم بالمراد، وبكونه ضمن الاستطاعة والقدرة، مع إيثاره على موضوع آخر معلوم ومتمكن منه. وهذا التحليل "لعملية الإرادة" وفعلها يربط بينها وبين "الاستطاعة" مع توسطها بين "الجبر" و"التفويض". فالفعل المراد حقاً لا يتعلق بالمحال، بل بالممكن فقط، والممكن مرتبط ـ من الناحية الواقعية ـ بالاستطاعة. وبهذا فإن الإرادة حين تتعلق بالممكن تعني: ما هو فوق طاقتها، فتتلمس حدود الجبر، وتدرك

قدرتها على الممكن فتتلمس حدود التفويض، فهي تتحرك بين هذين الطرفين، ولا تكون في أحدهما قط. ومن هنا يقول ابن المعلم: (إنّ الإرادة عند الإنسان تعني: المشيئة والرغبة. وهي بلا ريب حادثة في الإنسان، فهي زائدة على ذاته، (و) وجودها يتبع أسبابه) (77).

ولا تختلف إرادة الإنسان في الدنيا عن إرادته في الآخرة، بمعنى: أنها إرادة حرة، والإنسان لا يفقد اختياره هناك. يقول ابن المعلم: (إنّ أهل الآخرة مختارون لما يقع منهم من الأفعال، وليسوا مضطرين ولا ملجئين وإن كان لا يقع منهم الكفر والفساد) (78)

ويرجع استغناؤهم عن فعل القبح (لتوفر دواعيهم إلى محاسن الأفعال، وارتفاع دواعي فعل القبيح عنهم على كلّ حال) (79). وهذا تفسير أدق وأكثر صحة مما ذهب إليه أبو الهذيل العلاف حين قال: (إنّ أهل الآخرة مضطرون إلى الأفعال) (80).

لقد تركت تحليلات ابن المعلم للإرادة والاختيار بصمات واضحة على الفكر الإسلامي، فقد ذهب ابن حزم إلى أن (الاستطاعة التي يكون بها الفعل هي قبل الفعل موجودة في الإنسان) (81)، والى (أن للإنسان اختياراً؛ لأن أهل الدنيا وأهل الجنة سواء في أنّه تعالى خالق أعمال الجميع. على أن الله تبارك وتعالى قال: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة)(82)، فعلمنا: أن الاختيار الذي هو فعل الله تعالى ـ وهو منفي عن سواه ـ هو غير الاختيار الذي أضافه إلى خلقه ووصفهم به. ووجدنا هذا أيضاً حساً؛ لأن الاختيار الذي توحد الله تعالى به هو: أن يفعل ما شاء، كيف شاء، وإذا شاء، وليست هذه صفة شيءٍ من خلقه. وأما الاختيار الذي أضافه الله تعالى إلى خلقه فهو ما خلق فيهم من الميل إلى شيءٍ، والإيثار له على غيره) (83).

من السهل أن نستخلص الأبعاد السياسية والاجتماعية لموقف ابن المعلم من الإرادة الإنسانية، والاستطاعة، فضلاً عن فهمه للعدل الإلهي، ومحاربته لمذهب الجبرية.

لقد تبنت الدولة الأموية والعباسية ـ مع استثناء محدود ـ مذهب الجبرية.

فالأمويون أرادوا أن يقولوا للناس من خلاله: إنّ ما حدث في "الجمل" و"صفين" وما تبع ذلك من استيلائهم على الحكم بغير وجه شرعي إنّما هو أمر مراد من الله، مقرر في اللوح المحفوظ، والله هو فاعله. وبالتالي فإن كلّ اعتراض عليه، أو محاولة للثورة والتغيير هي اعتراض على إرادة الله وفعله ! وإذا كان الإنسان "المواطن" مجبراً فهو مسلوب القدرة والإرادة، ولا ينبغي له أن يغير شيئاً؛ لأن الله هو الذي يغير ما يشاء وبهذه الفلسفة أراد الحكام أن يقنعوا المواطنين بأنهم أعجز ما يكون عن الفعل والتغيير؛ ليسلبوهم حقهم في الثورة على مظالمهم، فيسيطروا بهذا عليهم.

وبناء على فلسفة الجبر التي تبنتها الدولة صار وقوع الأشياء بغير حاجة إلى أسباب، فالله يفعل ما يشاء، متى شاء، وكيف شاء وليس لنا أن نسأل: لم اغتنى فلان ؟ فالله يرزق من يشاء بغير حساب، ولا، لم وقع هذا الفساد في الإدارة والمال ؟ لأن ما وقع قد وقع بإرادة الله وفعله، وقد يكون عقاباً أو مقدمة لخير لا نعلمه، وهكذا أفقدوا المواطن حقه في الرقابة على موظفي الدولة، من خلال تصويرهم لأحداث الكون وكأنها وليدة الإرادة الإلهية المستعصية على الفهم، وليست وليد نظام من الأسباب الممكن إدراكها بالعلم. وبهذا سيطرت اللاعقلانية على الفكر العربي الإسلامي، وتلاشت معها كلّ إمكانية لتبني التخطيط، أو العمل على التنمية والتقدم. وأكثر من هذا صار بعض المفكرين ينظروا للاعقلانية والجبرية، ويسوغ التخلف والارتجالية، فليس في الإمكان أبدع مما هو كائن. والتفاوت الطبقي، ومفاسد الحكام كلها مرادة من الله. وتفسر هذه الحقائق توالي الحركات والفرق الممثلة لمذهب الجبرية، وفي قمتها: الحركة الأشعرية التي تبنى السلاطين فكرها، وبثوه عبر المدارس النظامية، مثلما تبنى السلاطين المماليك من بعد الحركات الصوفية. فهذه كلها مهدئات توفرها السلطة للشعوب لتبقيها مخدرة، بعيدة عن التفكير بالثورة عليها.

وفي مقابل "الفسلفة" السابقة قامت المعارضة، وأقوى ممثليها المعتزلة والإمامية تنادي بحرية الإرادة الإنسانية، وقدرة الإنسان على الفعل، بمعنى: أن الفساد الواقع في الدولة والمجتمع ليس من الله، بل من رجال الحكم، وأن من حق المواطنين الثورة عليهم، وتغير الواقع وإصلاح المجتمع، فالله خير، ومستغن عن القبيح، وهو لا يغير ما بالإنسان حتّى يغير الإنسان ما به. وكل شيءٍ يقع وفقاً لأسبابه، فالله قد جعل لكل شيءٍ سبباً، (سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً)(84).

فليس من فساد أو صلاح، وخير أو شر، وغنى أو فقر، وعدل أو ظلم إلاّ وهو واقع بأسباب محددة يقدر العقل على اكتشافها ليصلح بها الفساد، ويحقق الخير والتقدم للإنسان. وهذا تصور علمي عقلاني قادر على تبني التخطيط، وتنمية المجتمع، وتفسير التخلف والتخلص منه، وتقرير التخطيط مقابل الارتجالية والقانون ودولة المؤسسات عوض إرادة الحاكم المستبد وارتجاليته، مما يكفل العدالة للجميع، ويمحو التباين غير المسوغ بين فئات المجتمع.

وفي إطار الفلسفة الأخيرة علينا أن نفهم أفكار"العدل" و"حرية الإرادة" و"استطاعة الإنسان" عند ابن المعلم، فقد كان واحداً من أبرز المفكرين الّذين أسسوا مبادئ الثورة، وسوغوها، ودعوا إليها في الإسلام. ولهذا حاربه الحكام أيّاً كانوا، سنة أو شيعة، فالمسألة ليست ماذا تعتنق أمام الناس ؟ بل ما تؤمن به حقاً.

 

___________________________

(*) كاتب وباحث إسلامي ـ الأردن.

1 ـ هو: أبو عبد الله محمّد بن محمّد النعمان المعروف بالشيخ المفيد الملقب بابن المعلم. من أعاظم علماء الإمامية في القرن الرابع. ولد عام 338 هـ في بلدة "عكبرا" من نواحي الدجيل بينها وبين بغداد عشرة فراسخ، وتوفي عام 413 هـ انتهت إليه رئاسة متكلمي الشيعة الإمامية.

2 ـ الفهرست لابن النديم: 226 و242.

3 ـ اللسان لابن حجر 5: 368، وانظر أيضاً ميزان الاعتدال 4: 30.

4 ـ الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان 1: 141.

5 ـ الشذرات لابن العماد الحنبلي 3: 200.

6 ـ المنتظم لابن الجوزي 8: 11.

7 ـ ص : 27.

8 ـ الأحزاب: 38.

9 ـ الفصول المختارة للمفيد: 72.

10 ـ رسالة في القدر للحسن البصري في رسائل العدل والتوحيد 1: 82.

11 ـ الحج: 10.

12 ـ المدثر: 37 ـ 38.

13 ـ.الزمر: 17 ـ 18.

14 ـ طه: 79.

15 ـ الليل 12 ـ 13.

16 ـ رسالة في القدر للحسن البصري: 83 ـ 86.

17 ـ المصدر السابق: 88.

18 ـ "الفصل في الملل والأهواء والنحل" لابن حزم 3: 52.

19 ـ الإسراء: 23.

20 ـ الإسراء: 4.

21 ـ البقرة: 117.

22 ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 3: 52.

23 ـ فصلت: 11 ـ 12.

24 ـ الإسراء: 23.

25 ـ الإسراء: 4.

26 ـ غافر: 20.

27 ـ الزمر: 69.

28 ـ شرح عقائد الصدوق (تصحيح الاعتقاد) للمفيد: 194.

29 ـ البقرة: 117 وآل عمران: 47.

30 ـ لسان العرب لابن منظور 5: 76 (مادة: جبر).

31 ـ فصلت: 10.

32 ـ القمر: 49.

33 ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 3: 52.

34 ـ المصدر السابق: 40 .

35 ـ لسان العرب لابن منظور 4: 116.

36 ـ مونتجمري وات "الجبرية"، دائرة المعارف الإسلاميّة (النسخة العربية) 11: 72.

37 ـ المصدر السابق 11: 73.

38 ـ القاضي عبد الجبار المعتزلي في شرح الأصول الخمسة: 363 ـ 387.

39 ـ أبو منصور الماتريدي في شرح الفقه الأكبر، طبع حيدر أباد، (1321 هـ): 12.

40 ـ ابن المعلم في شرح عقائد الصدوق، أو تصحيح الاعتقاد: 189.

41 ـ السجدة: 7.

42 ـ الأعراف: 28.

43 ـ ابن المعلم في شرح عقائد الصدوق، أو تصحيح الاعتقاد: 194.

44 ـ المصدر السابق: 186.

45 ـ المصدر السابق: 186.

46 ـ التوبة: 3.

47 ـ تصيح الاعتقاد للمفيد: 188.

48 ـ ابن المعلم في كتاب الفصول المختارة: 44.

49 ـ ابن المعلم في شرح عقائد الصدوق، أو تصحيح الاعتقاد: 188.

50 ـ ابن المعلم في الفصول المختارة: 44.

51 ـ ابن المعلم في شرح عقائد الصدوق، أو تصحيح الاعتقاد: 188.

52 ـ السجدة: 7.

53 ـ الملك: 3.

54 ـ ابن المعلم في شرح عقائد الصدوق، أو تصحيح الاعتقاد: 188.

55 ـ ابن المعلم في كتاب الإرشاد: 282.

56 ـ ابن منظور في لسان العرب 11: 431، والسورة هي: "المائدة": الآية 42، وفي الأصل: "العدل" وهو غير ما في القرآن.

57 ـ المصدر السابق 11: 432.

58 ـ ابن المعلم في شرح عقائد الصدوق، أو تصحيح الاعتقاد: 222.

59 ـ ابن المعلم في أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: طبع 63 إيران ـ قم (1371 هـ).

60 ـ المصدر السابق 63.

61 ـ المصدر السابق: 64.

62 ـ يونس: 99.

63 ـ ابن المعلم في شرح عقائد الصدوق، أو تصحيح الاعتقاد: 193. ويقول ابن المعلم: (إنّ الله ـ جل جلاله ـ عدل كريم، لا يعذب أحداً إلاّ على ذنب اكتسبه، أو جرم اجترمه، أو قبيح نهاه عنه فارتكبه، وهذا مذهب سائر أهل التوحيد، سوى الجهم بن صفوان، وعبد السلام الجبائي. فاما الجهم بن صفوان: فإنه كان يزعم: أن الله يعذب من اضطره إلى المعصية، ولم يجعل له قدرة عليها، ولا على تركها من الطاعة). أوائل المقالات: 67.

64 ـ ابن المعلم في شرح عقائد الصدوق أو تصحيح الاعتقاد: 189.

65 ـ المصدر السابق.

66 ـ تصحيح الاعتقاد للمفيد: 189.

67 ـ رسائل أبي الحسن العامري وشذراته الفلسفية، تحقيق د. سحبان خليفات، ورسالة "إنقاذ البشر من الجبر والقدر": 265.

68 ـ المصدر السابق: 267.

69 ـ ابن منظور في لسان العرب 8: 242 (مادة: طوع) بتصرف.

70 ـ آل عمران: 97.

71 ـ ابن المعلم في شرح عقائد الصدوق، أو تصحيح الاعتقاد: 199.

72 ـ ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل 3: 21.

73 ـ المصدر السابق: 3: 24.

74 ـ ابن المعلم في أوائل المقالات: 132.

75 ـ المصدر السابق.

76 ـ ابن المعلم في أوائل المقالات: 132.

77 ـ محمّد حسن آل ياسين في الشيخ المفيد: ص 5.

78 ـ ابن المعلم في أوائل المقالات: 106.

79 ـ المصدر السابق: 107.

80 ـ المصدر السابق: 106.

81 ـ ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل 3: 18.

82 ـ القصص: 68.

83 ـ ابن حزم في الفصل في الملل والاهواء والنحل 3: 20.

84 ـ الفتح: 23.