معركة النهروان سنة 38 هـ

 معركة النهروان سنة 38 هـ

 (عن أحد المواقع)

بعد التحكيم الذي جرى في حرب صفّين عاد الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بجيشه الى الكوفة، وعندها تمرّدت مجموعة من الجيش قوامها أربعة آلاف رجل، فامتنعت من دخول الكوفة وسلكت طريقاً الى منطقة (حروراء) واستقرت هناك. ولقد كان من أهم صفات الخوارج هؤلاء هو التحجّر، والتمسّك بالظواهر، والتعصّب، والخشونة، وعدم التمييز بين الحق والباطل، وكانوا سريعي التأثّر بالشائعات، وقد أعلنت هذه الفئة الضالّة مبررات لخروجها على إمام زمانها. فقد خرجت تحت شعار (لاحكم إلاّ لله)، وأنهّم لا يرتضون أن يحكّموا من قبل أحد، واعتبروا أن اشتراكهم بالتحكيم خطيئة، وطالبوا الإمام (عليه السلام) بالرجوع للكوفة وإلاّ فهم منه براء.
وقد أوضح لهم الإمام الأخلاق الإسلامية التي تقتضي الوفاء بالعهد (الهدنة لمدة سنة)، وهو ما اُبرم بين المعسكرين، وقال لهم: ((ويحكم، بعد الرضا والعهد والميثاق أرجع)).
لقد استمر الخوارج في عنادهم وانضمت أعداد اُخرى إليهم من شذّاذ الآفاق، وراحوا يعلنون بشرك معسكر الإمام (عليه السلام)، واستباحوا دماء معسكر أمير المؤمنين. إلاّ أنهم لم يرعووا، وأصبحوا يشكّلون خطراً على الخلافة الإسلامية الحقة لأمير المؤمنين (عليه السلام).
وبدأ خطرهم عندما اغتالوا الصحابي الجليل عبد الله بن خبّاب، وبقروا بطن زوجته وهي حامل، وكذلك قتلوا نساءً من قبيلة طي. ونجد أن النبي أخبر عنهم، وعن فعالهم الشنيعة؛ إذ روي عنه (صلوات الله تعالى عليه) قال:((يخرج في هذه الاُمة قوم تحقّرون صلاتكم من صلاتهم، يقرؤون القرآن ولا يجاوز حلوقهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية)).
ولم تكن لتنفعهم المواعظ والمواقف، ولم يتمكن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من معالجة أمراضهم وانحرافاتهم، حيث تواترت عليه الحروب والتمرّدات في الجمل وصفين. وقد أرسل إليهم الإمام علي (عليه السلام) الصحابي الحارث بن مرّة العبدي ليتعرف على حقيقة طلبهم إلاّ أنهم قتلوه أيضاً، فلما علم الإمام علي (عليه السلام) بذلك تقدم نحوهم بجيش الى منطقة الأنبار، وبذل مساعيه لأجل رأب الصدع، وإصلاح الموقف، ولكن دون جدوى، فبعث إليهم ليرسلوا قتلة عبد الله بن الخباب والحارث العبدي وغيرهما وهو يكفّ عنهم، ولكنهم أجابوه: أنهم كلهم قاموا بالقتل.
ثم أرسل اليهم الصحابي قيس بن سعد فوعظهم وحذّرهم، وطلب إليهم الرجوع عن جواز سفك دماء المسلمين، وتكفير المسلمين دون مبرر فلم ينفع ذلك.
ثم تابع الإمام النصح لهم فأرسل أبا أيوب الأنصاري فنادى فيهم:(من جاء تحت هذه الراية ـ ممن لم يقتل ـ فهو آمن، ومن انصرف الى الكوفة أو المدائن فهو آمن لا حاجة لنا به بعد أن نصيب قتلة إخواننا). وهذا الطرح الأخير قد نجح جزئياً، حيث تفرق عدد كبير منهم، ولم يبق إلاّ أربعة آلاف معاند للحق، حيث قاموا بهجوم على جيش الإمام الهمام أمير المؤمنين (عليه السلام). فأمر الإمام أصحابه بالكفّ عن الهجوم حتى يبدءوهم بالهجوم والقتال، فلما بدءوا بالقتال شدّ عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بسيفه البتّار (ذوالفقار)، ثم شدّ أصحابه بعده فأفنوهم عن آخرهم، إلاّ تسعة نفر هربوا مولّين الأدبار. وانتصر الحق وزهق الباطل (إن الباطل كان زهوقاً).
وعاد جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) منتصراً ظافراً الى عاصمة الإسلام يومئذ الكوفة الرحباء.