اتهم البخاري النبي صلى الله عليه وآله بأنه كان يعبد الأصنام ويذبح لها ! وزعم أن ابن عم عمر كان أتقى من النبي صلى الله عليه وآله

بَلْدَح، وادٍ قرب مكة، عند التنعيم وفخ(معجم ماستعجم:1/273). وقد عسكرَ فيه المشركون في أيام صلح الحديبية، وفيه ماء كثير وأصنام ( طبقات ابن سعد:2/95 ومناقب آل أبي طالب:1/91).
قالت روايات قريش إن النبي صلى الله عليه وآله قصد بلدح مع خادمه زيد بن حارثة وذبحوا شاة قرباناً لصنم هناك، فورد عليهم زيد بن عمرو بن نفيل، وهو ابن عم عمر بن الخطاب، فدعوه ليأكل فقال إني لاآكل ماذبحتم للأصنام ! وقد جعلوا من زيد هذا شخصية مهمة قبل الإسلام ! وزعموا أنه كان أتقى من النبي صلى الله عليه وآله !

 

فلننظر كيف روى البخاري هذه القصة المفتراة :

قال في صحيحه:4/232: (عن عبد الله بن عمر أن النبي(ص)لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح، قبل أن ينزل على النبي الوحي، فقدمت إلى النبي سفرة فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد إني لست آكل مماتذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلاما ذكر اسم الله عليه. وإن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله؟! إنكاراً لذلك وإعظاماً له )!! انتهى.
ثم رواها البخاري برواية أكثر صراحة، قال في:6/225: (فقدم إليه رسول الله (ص)سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه ) !!
وقد حاول شراح البخاري كالقاضي عياض، وابن بطال، وابن منير، وغيرهم أن يفسروا الرواية بأن السفرة قدمتها قريش الى النبي صلى الله عليه وآله فرفض أن يأكل منها، ثم قدمها الى زيد فرفض كذلك.. وكذبوا في ذلك وتمحلوا وأطالوا كعادتهم ! مع أن الرواية لم تذكر وجود أحد في القصة غير النبي صلى الله عليه وآله وزيد !
قال ابن حجر في فتح الباري:7/1 8: (وقال ابن بطال:كانت السفرة لقريش قدموها للنبي(ص)فأبى أن يأكل منها، فقدمها النبي(ص)لزيد بن عمرو فأبى أن يأكل منها، وقال مخاطباً لقريش الذين قدموها أولا: إنا لا نأكل ما ذبح على أنصابكم. انتهى. وما قاله محتمل لكن لا أدري من أين له الجزم بذلك ! فإني لم أقف عليه في رواية أحد ! وقد تبعه بن المنير في ذلك، وفيه ما فيه) !
ومال ابن حجر الى أن السفرة كانت للنبي صلى الله عليه وآله وأن الذي ذبح القربان للصنم هو خادمه زيد بن حارثة ! وهذا هو المفهوم من قول البخاري:(فقدم إليه رسول الله (ص)سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه ) !!
لكن ابن حجر حاول أن يبرر ذلك، بأنه لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وآله !!
ومن عادة رواتهم وعلمائهم في التبرير أن يغمضوا عيونهم عن الروايات التي تنقض ما يريدون، حتى لو كانت صحيحة، وكانت أضعاف ما يتشبثون به !
وإلا فلماذا لم يذكروا هنا ما رواه أحمد في مسنده، وفي فضائل الصحابة، والنسائي في سننه، والبيهقي في سننه، وابن حبان في صحيحه، والطبراني في معجمه الكبير، وابن عساكر في تاريخه، وابن سعد في طبقاته، والمزي في تهذيبه، والتيمي الأصفهاني في دلائله، وغيرهم.. ؟!
ورواياتها تنص على أن النبي صلى الله عليه وآله وزيداً قصدا بلدح وذبحا قرباناً لصنم هناك، ثم لقيا زيد بن نفيل، وأن النبي صلى الله عليه وآله قدم له السفرة... الى آخر القصة !
فكيف يتمسكون بما أغفل ذبح الشاة للصنم، ويغمضون أعينهم عما فسر إجمال روايات البخاري ومسلم، مع أنه يجب حمل المجمل على المفسر ؟!
بل روى أحمد وغيره هذه الفضيلة لزيد ! وذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وزيداً قصدا الصنم ليذبحا عنده، فذبحا الشاة وشوياها، وحملاها عائدين الى مكة، فلقيهما زيد بن نفيل...الخ.
قال أحمد في فضائل الصحابة ص25: (عن زيد بن حارثة قال خرج رسول الله (ص)وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب فذبحنا له شاة ثم صنعناها له حتى إذا نضجت جعلناها في سفرتنا ثم أقبل رسول الله(ص)يسير وهو مردفي في يوم حار من أيام مكة، حتى إذا كنا بأعلى الوادي لقيه زيد بن عمرو بن نفيل...الخ.).
بل وصفت بعض رواياتها كيف صنعوا الشاة بعد ذبحها للصنم، وأنهم شووها في (الإرة) حتى نضجت، وفسر اللغويون وأصحاب غريب الحديث (الإرة) بكسر الهمزة وفتح الراء، بأنها التنور وشبهه، واستشهد بعضهم بالحديث !
قال الطبراني في معجمه الكبير:5/86: (خرج رسول الله(ص)وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب فذبحنا له شاة، ثم صنعناها في الإرة، فلما نضجت استخرجناها في سفرتنا، ثم ركب رسول الله(ص)ناقته وهو مردفي...الخ.) !
وفيه نص على أن النبي صلى الله عليه وآله هو الذي قصد الصنم ليذبح له، وأنه أمر زيداً بعد ذبح الشاة بشويها في تنور وجعلها في سفرة، وعاد بها الى مكة مشوية تحمل بركة الصنم، فقد كان سفره إذن خاصاً لأجل تقديم قربان للصنم!
فهل يمكنهم التغطية على هذه الفرية؟!
وهل ينفع البخاري بتره للحديث وأخذ منه الجزء الذي يدل على فضيلة لزيد بن نفيل ابن عم الخليفة عمر، حيث خاطب زيد النبي صلى الله عليه وآله بقوله: (إني لاآكل مما تذبحون على أنصابكم)! على حد تعبير بخاري !
وهذه هل الرواية الكاملة صحيحة عندهم لهذه الفرية المزعومة، وأظن أن أصلها عن سعيد بن زيد بن نفيل، فلا يستبعد عليه أن يضع في مدح أبيه، بعد أن شهد عليه أمير المؤمنين عليه السلام بأنه وضع حديث العشرة المبشرة في عهد عثمان:
قال الهيثمي في مجمع الزوائد:9/417 :(وعن زيد بن حارثة قال: خرجت مع رسول الله(ص) يوماً حاراً من أيام مكة وهو مرد في إلى نصب من الأنصاب وقد ذبحنا له شاة فأنضجناها، قال فلقيه زيد بن عمرو بن نفيل فحيا كل واحد منهما صاحبه بتحية الجاهلية فقال النبي(ص): يا زيد مالي أرى قومك قد شنفوا لك ؟ قال والله يا محمد ذلك لغير نائله لي منهم، ولكني خرجت أبتغي هذا الدين، حتى أقدم على أحبار فدك وجدتهم يعبدون الله ويشركون به. قال: قلت ما هذا الدين الذي أبتغي. فخرجت حتى أقدم على أحبار الشام فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به! قلت: ما هذا الدين الذي أبتغي. فقال شيخ منهم: إنك لتسأل عن دين ما نعلم أحداً يعبد الله به إلا شيخ بالحيرة. قال: فخرجت حتى أقدم عليه فلما رأني قال: ممن أنت ؟ قلت: من أهل بيت الله، من أهل الشوك والقرظ، فقال: إن الدين الذي تطلب قد ظهر ببلادك، قد بعث نبي، قد ظهر نجمه وجميع من رأيتهم في ضلال، فلم أحس بشئ بعد يا محمد.
قال: وقرب إليه السفرة فقال: ما هذا يا محمد ؟ فقال: شاة ذبحناها لنصب من الأنصاب ! فقال: ما كنت لآكل مما لم يذكر اسم الله عليه !
قال زيد بن حارثة: فأتى النبي(ص)البيت فطاف به وأنا معه، وبين الصفا والمروة صنمان من نحاس أحدهما يقال له يساف والآخر يقال له نائلة، وكان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما فقال النبي(ص): لاتمسحهما فإنهما رجس! فقلت في نفسي لأمسنهما حتى أنظر ما يقول النبي(ص) ! فقال النبي(ص)لزيد: إنه يبعث أمة وحده. رواه أبو يعلى والبزار والطبراني إلا أنه قال فيه فأخبرته بالذي خرجت له فقال:كل من رأيت في ضلال وإنك لتسأل عن دين الله وملائكته وقد خرج في أرضك نبي أو هو خارج، فارجع فصدقه وآمن به. وقال أيضاً : فقال زيد: إني لا آكل شيئاً ذبح لغير الله. ورجال أبي يعلى والبزار وأحد أسانيد الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث ). انتهى. ( راجع فضائل الصحابة ص25، ومسند أحمد:2/68 و89، و127، وسنن البيهقي:9/25 ، و الآحاد والمثاني للضحاك:1/199، وسنن النسائي: 5/54 وصحيح ابن حبان:12/47، والمعجم الكبير للطبراني:5/86، ودلائل النبوة لإسماعيل الأصبهاني ص79، والطبقات الكبرى:3/38 ، وتاريخ دمشق:19/345، و5 8، وتهذيب الكمال:1/39 ).

 

وزعموا أن التقي زيد بن نفيل وعظ النبي صلى الله عليه وآله !

مفهوم رواياتهم أن النبي صلى الله عليه وآله وإن أكل الشاة في ذلك اليوم ولم يرمها ! لكنه اتعظ للمستقبل من التقي زيد بن عمرو بن نفيل، فلم يأكل بعد ذلك مما ذبح للأصنام ! ففي المعجم الكبير للطبراني:1/152: (فما رؤي النبي(ص)يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذلك حتى بعث. قال: وجاء سعيد بن زيد إلى النبي(ص) فقال يا رسول الله إن زيداً كان كما رأيت أو كما بلغك فاستغفر له، قال: نعم أستغفر له فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده ). ونحوه: فتح الباري:7/1 9، والزوائد:9/417
قال السيد ابن طاووس في الطرائف ص369: (ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضاً، في الحديث الرابع عشر من إفراد البخاري من مسند عبد الله بن عمر أنه كان يحدث عن رسول الله (ص) أنه لقي زيد بن عمر بن نفيل بأسفل بلدح وذاك قبل أن ينزل الوحي على رسول الله(ص)فقدم إليه رسول الله سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه !
( قال عبد المحمود): أنظروا رحمكم الله الى هذه الرواية التي شهدوا بصحتها وأن نبيهم ممن يذبح على الأنصاب ويأكل منه ! وقد ذكروا في كتبهم أن الله كان يتولى تربيته وتأديبه وجبرئيل يلازم تهذيبه، وأنه ما كانت له متابعة للجاهلية، ولا رضي شيئاً من أمورهم ! فكيف كذَّبوا أنفسهم في ذلك كله، وفي مدح الله تعالى له ومدحهم له لأول أمره وآخره وظاهره وباطنه، ثم مع هذا يشهدون عليه أن زيد بن عمر بن نفيل كان أعرف بالله منه وأتم حفظاً لجانب الله ؟! فكيف أقتدي أنا وغيري من العقلاء بقوم يروون مثل هذا ويصححونه؟! ولقد سألت علماء أهل العترة من شيعتهم فرأيتهم ينكرون تصديق ذلك غاية الإنكار).

 

الأسئلة

1 ـ هل تقبلون الروايات القرشية في أن النبي صلى الله عليه وآله كان يعبد الأصنام ويذبح لها ويأكل مما ذبح على النصب ؟
2 ـ هل تقبلون الروايات القرشية في زيد بن نفيل وورقة بن نوفل ؟ وإذا صح ذلك وكانا في الجاهلية أفضل من النبي صلى الله عليه وآله فلماذا بعث الله محمداً دونهما ؟!
3 ـ ألا تلاحظون روايات مدح زيد بن نفيل وورقة بن نوفل وتعظيمهما، وفي مقابلها روايات ذم والدي النبي صلى الله عليه وآله، وعمه أبي طالب، وجده عبد المطلب وأنهم كانوا كفاراً، وأنهم في قعر جهنم ؟!