النبي (صلى الله عليه وآله ) سيد الأحياء عند ربه وهو ينفع حياً وميتاً

من الإشكالات عليهم أن المسلم الذي يدافع عن بيته وماله فيقتل فهو حيٌّ عند ربه يرزق بنص القرآن، بقوله تعالى: (وََلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ). (سورة آل عمران: 169) فكيف تجعلون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو أفضل الخلق ميتاً لايسمع ولاينفع من يتوسل به إلى ربه، لأنه لا يستطيع أن يدعو له؟!
وأصل مشكلة هؤلاء المشايخ أنهم ينقصون من مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يفهمون شخصيته الربانية المقدسة، لغلظة أذهانهم وغلبة التفكير المادي عليهم!
فهم يتصورون أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا مات فقد انقطع عن الدنيا، فكأنهم غربيون لايؤمنون بعالم الغيب والروح، وحياة الشهداء عند ربهم، ولايستوعبون أن الأنبياء (عليهم السلام) أحياءٌ عند ربهم بحياة أعلى من حياة الشهداء.
والعجيب فيهم أنهم يغمضون أعينهم عن الأحاديث الشريفة الصحيحة الصريحة في حياة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن سلامنا يبلغه، وأنه يرد الجواب على من سلَّم عليه، وأن صلاتنا عليه تبلغه، وأعمالنا تعرض عليه!
وينسون أن الله تعالى أمرنا بآية صريحة في كتابه أن نأتي إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ونستغفر الله عنده ونطلب منه أن يستغفر لنا، فقال: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (سورة النساء: 64)
وهو أمرٌ عام لكل عصر، ومطلقٌ لحياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعد وفاته، وتخصيصه بحياته تحكُّمٌ بلا دليل.
قال الحافظ الصديق المغربي في الرد المحكم المتين ص44: (فهذه الآية عامة تشمل حالة الحياة وحالة الوفاة وتخصيصها بأحدهما يحتاج إلى دليل وهو مفقود هنا.
فإن قيل: من أين أتى العموم حتى يكون تخصيصها بحالة الحياة دعوى تحتاج إلى دليل؟ قلنا: من وقوع الفعل في سياق الشرط. والقاعدة المقررة في الأصول أن الفعل إذا وقع في سياق الشرط كان عاماً، لأن الفعل في معنى النكرة لتضمنه مصدراً منكراً، والنكرة الواقعة في سياق النفي أو الشرط تكون للعموم وضعاً). انتهى.
ولايتسع المجال لاستقصاء الأدلة من الآيات والأحاديث وفتاوى فقهاء المذاهب، على حياة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ربه، وسماعه سلامنا وصلاتنا عليه وتوسلنا به، واستغفاره ودعائه لنا، فنكتفي ببعضها:
منها: ما رواه في مجمع الزوائد:9/24 قال: (باب ما يحصل لأمته (ص) من استغفاره بعد وفاته): عن عبدالله بن مسعود، عن النبي (ص) قال: إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام. قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:حياتي خير لكم تحدثون وتحدث لكم، ووفاتى خير لكم تُعرض عليَّ أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم). رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. انتهى. كما صححه عدد كبير من علماء
السنة، وقد عدَّدَ من صححه الحافظ السقاف في الإغاثة ص11.
ومنها: أنه لوكان نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) لايسمع توسل المتوسلين إلى الله تعالى به كما يزعمون، فإن من اللغو والعبث أن يخاطبه المسلمون في صلاتهم فيقولون: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)؟!
وقد تحير أتباع ابن تيمية الحراني بهذا الإشكال، لأنهم مع جميع المسلمين يقولون في صلواتهم: (السلام عليك أيها النبي)!
وقد ارتكب الألباني محاولة مفضوحة للهروب من هذا الإشكال فوجد رواية ضعيفة عن ابن مسعود أعرض عنها المسلمون تقول أن بعض المصلين قال: (السلام على النبي ورحمة الله وبركاته) فتشبث بها وحاول أن يغير صيغة السلام في صلاة المسلمين، من الخطاب إلى الغيبة!
وقد رد عليه الحافظ الصديق المغربي في رسالته (القول المقنع في الرد على الألباني المبتدع ص13) وكذا في رسالته (إرغام المبتدع الغبي في جواز التوسل بالنبي) فقال في الأخيرة ص19: (تواتر عن النبي (ص) تعليم التشهد في الصلاة، وفيه السلام عليه بالخطاب ونداؤه (السلام عليك أيها النبي) وبهذه الصيغة علمه على المنبر النبوى أبو بكر وعمر وابن الزبير ومعاوية، واستقر عليه الإجماع كما يقول ابن حزم وابن تيمية!
والألباني لابتداعه خالف هذا كله وتمسك بقول ابن مسعود (فلما مات قلنا السلام على النبي)، ومخالفة التواتر والاجماع هي عين الابتداع). انتهى.
ولاينفع الألباني وغيره من علمائهم أن يغيروا صيغة السلام على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصلاة، لأن إمامهم ابن تيمية وابن عبد الوهاب كانا يقولان في صلاتهما: (السلام عليك أيها النبي) فيخاطبونه وهو ميت، وهو نوع من التوسل وهو عندهما شرك أكبر! فإن أرادوا أن يخلصوا أنفسهم من (الشرك) فقد وقع فيه أئمتهم!
ومنها: ما رواه الحافظ الممدوح في رفع المنارة ص62، قال: (قد صح أن النبي (ص) قال: الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. أخرجه البيهقي في حياة الأنبياء ص15، وأبو يعلى في مسنده:6/147، وأبو نعيم في أخبار أصبهان:2/44، وابن عدي في الكامل:2/739. وقال الهيثمي في المجمع:8/211: ورجال أبى يعلى ثقات. ا هـ، والحديث له طرق.
وقال رسول الله (ص): مررت على موسى وهو قائم يصلي في قبره. أخرجه مسلم:4/1845، وأحمد:3/12 ، والبغوي في شرح السنة:13/351، وغيرهم.
وقال ابن القيم في نونيته عند الكلام على حياة الرسل (عليهم السلام) بعد مماتهم (النونية مع شرح ابن عيسى:2/16 ).
والرسل أكمل حالةً منه (الشهيد) بلا شك، وهذا ظاهر التبيـان
فلذاك كانوا بالحيـاة أحق مـن شهدائنـا بالعقـل والبرهـان
وبأن عقد نكاحه لـم ينفسـخ فنساؤه في عصمة وصيان
ولأجل هـذا لـم يحـل لغيره منهن واحدة مدى الأزمان
أفليـس في هـذا دليل أنـه حيٌّ لمن كانـت له أذنان
ومن العجيب أن ابن القيم تلميذٌ مغال في شيخه ابن تيمية، ومع ذلك يعترف بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيٌّ عند ربه يسمع وينفع, مع أن شيخه يقول إن التوسل به (صلى الله عليه وآله وسلم) شرك لأنه ميت لايسمع ولا ينفع!!
قال الشيخ أحمد زيني دحلان شيخ الشافعية في الدرر السنية:1/42، في حديثه عن محمد بن عبد الوهاب: (حتى أن بعض أتباعه كان يقول:عصاي هذه خير من محمد، لأنها ينتفع بها في قتل الحية ونحوها، ومحمد قد مات ولم يبق فيه نفع أصلاً!!). انتهى.
ونقله أيضاً الشيخ الزهاوي شيخ الأحناف في العراق، في كتابه الفجر الصادق ص18. والشيخ أبو حامد الإستانبولي من علماء الأحناف في تركيا في كتابه التوسل بالنبي ص245. والسيد محسن الأمين من علماء الشيعة في كتابه كشف الإرتياب ص127.
على أن اعتقاد أتباع ابن تيمية بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته لاينفع، ثابتٌ عليهم لايحتاج إلى رواية مسندة عن ابن عبد الوهاب ولاغيره، لأن ذلك عقيدتهم إلى اليوم، وعليه يرتكز تحريمهم التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكل الأموات، وإن سألت أي شيخ منهم هل ينفع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اليوم؟ لرأيته يلف ويدور ولايقول ينفع! بينما تراهم يجوزون التوسل بأي شخص حي حتى لو كان كافراً بوالاً على عقبيه! (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) (سورة النساء: 88)

 

الأسئلة

1 ـ إذا كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاينفع لأنه ميت، فكيف وصف الله تعالى عن الشهداء العاديين بأنهم (أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) وهم أقل درجة من الرسل؟!
2 ـ لقد فهم جميع المسلمين قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ...) بأنها تشمل حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد وفاته، وعملوا بها، وأفتى بها فقهاء جميع المذاهب ودونوها في مناسكهم! فما دليكم على حصرها بحياته (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وهل كان المسلمون كلهم على ضلال حتى جاء ابن تيمية في القرن الثامن واكتشف أن جميع المسلمين مشركون كفار لأنهم يقصدون زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتوسلون إلى الله به عند قبره؟!!
3 ـ ما رأيكم في الأدلة الثلاثة التي ذكرناها على حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ربه؟
4 ـ هل تخاطبون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صلاتكم فتقولون كما يقول المسلمون: (السلام عليك أيها النبيُّ ورحمة الله وبركاته) أم تقلدون الألباني؟
وإذا قلدتم الألباني، فهل أن من يسلم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بصيغة الخطاب، يكون مشركاً، ومنهم أئمتكم؟!
5 ـ هل يستطيع أحدكم أن يجيب بلا مواربة ولا تقية على السؤال التالي:
أيهما أنفع الآن برأيكم: العصا، أم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)