شجاعة عمر

قالوا : دعا رسول الله(ص) عمر بن الخطّاب ليبعثه إلى مكّة فقال: يا رسول الله إنّي أخاف قريشا على نفسي وليس بمكّة من بني عديّ بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إيّاها وغلظتي عليها، ولكن أدلّك على رجل هو أعزّ بها منّي: عثمان بن عفّان فدعا رسول الله(ص) عثمان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنّه لم يأت لحرب وإنّما جاء زائرا لهذا البيت معظّما لحرمته.

 

أقول: شجاعة عمر

هذا عمر يخاف على نفسه من القتل وهو الذي قال: والله لو أمرنا الله قتل أنفسنا لفعلنا!. وانظر إلى قوله: "أدلّك" وكأنّ رسول الله(ص) في حاجة إلى دلالته. والعجيب أنّهم رووا أنّه في هجرته إلى المدينة هاجر نهارا متحدّيا قريشا !
وفي المستدرك: اقبل عليّ(رض)نحو رسول الله(ص) ووجهه يتهلّل فقال عمر بن الخطّاب: هلا سلبته درعه فليس للعرب درع خيرا منها؟فقال: ضربته فاتّقاني بسوءته، واستحييت ابن عمّي أن استلبه. وخرجت خيله منهزمة حتى أقحمت من الخندق.
أقول: وأنت ترى الفارق بين الهمّتين، همّة رجل مشغول بالدّفاع عن دين الله تعالى فلا يلتفت إلى حطام الدّنيا، وهمّة رجل مشغول بدرع لم يقاتل عليها! وفي جواب الإمام علي(ع) درس تربويّ عالي المضامين.
وقال[عمر]: فما زلت أضرب النّاس ويضربونني حتى أعزّ الله بنا الإسلام.
إذاً فهو يَضرب ويُضرب، وهذا شأن كلّ واحد في الدّفاع عن نفسه، لا يتميّز فيه عمر بن الخطّاب عن غيره، ولم نسمع أنّ رجلا ضرب عليّا أو حمزة عليهما السّلام؛ فأين إعزاز الله الإسلام بعمر؟!

 

موقف عمر من المتحيّزين:

عن سفيان بن عوف قال بعثني أبو عبيدة بن الجراح ليلة غدا من حمص إلى أرض دمشق فقال: أئت عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين وأبلغه مني السّلام، وأخبره بما قد رأيت وعاينت، وبما قد حدّثتنا العيون، وبما استقرّ عندك من كثرة العدوّ والذي رأى المسلمون من الرأي من التّنحّي؛ وكتب معه: بسم الله الرحمن الرحيم.. فذكر الكتاب. قال سفيان بن عوف: فلمّا أتيت عمر فسلّمت عليه قال: أخبرني بخبر النّاس؛ فأخبرته بصلاحهم ودفع الله عز وجل عنهم، قال فأخذ الكتاب فقال لي: ويحك ما فعل المسلمون؟ فقلت: أصلحك الله خرجت من عندهم ليلا بحمص وتركتهم وهم يقولون نصلّي الصّبح ونرتحل إلى دمشق، وقد أجمع رأيهم على ذلك؛ قال فكأنّه كرهه ورأيت ذلك في وجهه، فقال لي: وما رجوعهم عن عدوهم وقد أظفرهم الله بهم في غير موطن! وما تركهم أرضا قد حووها وفتحها الله عليهم فصارت في أيديهم؟! إنّي لأخاف أن يكونوا قد أساءوا الرّأي وجاءوا بالعجز وجرّوا عليهم العدوّ. قال فقلت له: أصلحك الله إنّ الشّاهد يرى مالا يرى الغائب، إنّ صاحب الرّوم قد جمع لنا جموعا لم يجمعها هو ولا أحد كان قبله لأحد كان قبلنا، ولقد جاء بعض عيوننا إلى عسكر واحد من عساكرهم أمر بالعسكر في أصل الجبل فهبطوا من الثّنية نصف النّهار إلى عسكرهم فما تكاملوا فيها حتى أمسوا، ثمّ تكاملوا حين ذهب أوّل الليل، هذا عسكر واحد من عساكرهم، فما ظنك بمن قد بقي؟ فقال عمر: لولا أنّي ربّما كرهت الشّيء من أمرهم يصنعونه فإذا الله يخير لهم في عواقبه لكان هذا رأيا أنا له كاره. أخبرني أجمع رأي جماعتهم على التّحوّل؟ قال قلت: نعم؛ قال: فإنّ الله إن شاء الله لم يكن يجمع رأيهم إلاّ على ما هو خير لهم.
وعن زيد بن أسلم قال: كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطّاب يذكر له جموعا من الرّوم وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر: أما بعد فإنّه مهما ينزل بعبد مؤمن من شدّة يجعل الله بعدها فرجا وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإنّ الله يقول في كتابه:{يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}.

 

أقول:

ههنا يأمر غيره بالصّبر في الجهاد، لكنّه لايلتزم بذلك حين يكون هو على رأس الجيش، وقصّة "يجبّنهم ويجبّنونه" أشهر من نار على علم. هذا مع أنّ الإسلام قد أجاز للجيش أن يناور وينسحب إذا كان عدد العدوّ يفوق بأضعاف كثيرة عدد المسلمين.
على أنّهم قد رووا في قضيّة مشابهة ما يخالف ما سبق ذكره. قال الجصّاص: قال عمر بن الخطّاب لمّا بلغه أنّ أبا عبيد بن مسعود استقتل يوم الجيش حتى قتل ولم ينهزم: رحم الله أبا عبيد، لو انحاز إليّ لكنت له فئة؛ فلمّا رجع إليه أصحاب أبي عبيد قال: أنا فئة لكم ولم يعنّفهم.
قال الشّوكانيّ: وأخرج ابن المنذر عن كليب قال: خطبنا عمر بن الخطّاب فكان يقرأ على المنبر آل عمران ويقول: إنها أحديّة ثمّ قال: تفرّقنا عن رسول الله(ص) يوم أحد فصعدت الجبل فسمعت يهوديّا يقول: قتل محمّد فقلت: لا أسمع أحدا يقول قتل محمّد إلاّ ضربت عنقه، فنظرت فإذا رسول الله(ص) والنّاس يتراجعون إليه فنزلت هذه الآية {وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل.} .

 

أقول:

هذا عمر يعترف بفراره وصعوده الجبل وتركه رسول الله بين سيوف الأعداء.!
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة [..]عن ابن عبّاس عن عمر بن الخطّاب قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون وفرّ أصحاب محمّد (ص) عنه، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدّم على وجهه، فأنزل الله عز وجل: {أو لما أصابتكم مصيبة } الآية..

 

أقول:

يتحدّث عمر عن الصّحابة يوم أحد ولا يدخل نفسه في الفارّين مع أنّه كان أوّلهم فرارا، وقد شهد عليه بذلك قتادة وشهد هو على نفسه كما في صحيح البخاريّ . ومع ذلك فقد أدخل نفسه في الفارّين يوما من الأيّام وهو يخطب.أخرج ابن جرير عن كليب قال خطب عمر يوم الجمعة فقرأ آل عمران وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها فلما انتهى إلى قوله{إنّ الذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان} قال: لمّا كان يوم أحد هزمنا ففررت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى والناس يقولون "قتل محمد" فقلت: لا أجد أحدا يقول قتل محمد إلا قتلته، حتى اجتمعنا على الجبل...

 

أقول:

كالأروى، أي كتيس الجبل، هكذا يصف عمر بن الخطاب نفسه وهو في حالة الفرار؛ ومن حقّ كل من يقرأ هذا الكلام أن يتخيّل شيخا في حدود الخمسين يطارده مشرك وهو ينزو كما ينزو تيس الجبل! إلى أين كان ذاهبا في فراره ذاك؟ أليس في القرآن الكريم {ففرّوا إلى الله..)؟
ولقد تفرّس عروة بن مسعود الثقفي في وجوه جماعة كانوا مع النبي(ص) يوم الحديبية وصدقت فراسته: قال عروة للنبي (ص)[103]: أي محمّد أرأيت لو استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فوالله إنّي لأرى وجوها وأرى أوباشا من النّاس خليقا أن يفرّوا ويدعوك! فقال له أبو بكر: امصص بظر اللاّت! أنحن نفرّ عنه وندعه؟ قال: من ذا؟ قال: أبو بكر؛ قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك وجعل يكلّم النبي(ص). والحقّ أنّ فراسة عروة بن مسعود الثّقفي كانت صادقة إذ فرّ أبو بكر وفريقه يوم حنين وتركوا رسول الله(ص) بين أيدي الأعداء.
قال ابن قتيبة: وكانت قريش يومئذ ثلاثة آلاف ورسول الله(ص) في سبعمائة وظاهر يومئذ بين درعين وأخذ سيفا فهزه وقال: من يأخذه بحقّه؟ فقال عمر بن الخطّاب: أنا! فأعرض عنه. وقال الزبير: أنا. فأعرض عنه؛ فوجدا في أنفسهما، فقام أبو دجانة سماك بن خرشة فقال: وما حقّه يا رسول الله؟ قال: تضرب به حتّى ينثني، فقال: أنا آخذه بحقه فأعطاه إياه.

 

أقول:

وأنت ترى كيف أعرض النّبي(ص) عن عمر حين قال:"أنا"، والإعراض ضدّ الإقبال؛ وفي وسع النبي الكريم(ص) غير ذلك وهو صاحب الخلق العظيم؟ لمَ يعرض عنه ؟ نعم، لابدّ من التّذكير أنّ النبي(ص) حكيم في أفعاله ولا يحبّ المجاملات على حساب الحقّ. والمقام مقام جدّ وشجاعة، وليس في سجلّ عمر بطولات يستحقّ بموجبها هذا السيف في مثل هذا اليوم. لذلك كان موقف النبّي(ص)حاسما.
قال الشّوكانيّ:وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطّاب قال: لا تغرّنّكم هذه الآية فإنما كانت يوم بدر وأنا فئة لكل مسلم.