أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير بأصحاب الكساء

قال الطحاوي في (مشكل الآثار)(1) تحت عنوان: (باب بيان مشكل ما روي عنه (عليه السلام) في المراد بقول الله: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) من هم؟) قال:

((حدثنا الربيع المرادي، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثنا بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا (عليهم السلام)فقال: اللهم هؤلاء أهلي)).

ثم قال: ((ففي هذا الحديث أن المرادين بما في هذه الآية هم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة وحسن وحسين)).

ثم قال: ((حدثنا فهد، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن جعفر بن عبد الرحمن البجلي عن حكيم بن سعد، عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة وحسن وحسين: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً))).

_________________________

(1) تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار 8/470 -471.

ثم قال الطحاوي: ((ففي هذا الحديث مثل الذي في الأول)).

وقال بعد أن ذكر مجموعة من الرّوايات لحديث الكساء من طريق السيدة أم المؤمنين أم سلمة رضوان الله تعالى عليها:

((فدل ما روينا في هذه الآثار مما كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أم سلمة مما ذكر فيها لم يرد به أنها كانت ممن أريد به ما في الآية المتلوة في هذا الباب، وأن المرادين فيها هم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة وحسن وحسين (عليهم السلام) دون من سواهم))(1).

 

وقال العلامة يوسف بن موسى الحنفي (أبو المحاسن):

((روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما نزلت هذه الآية (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهلي، وروي أنه جمع (عليا)(2) وفاطمة والحسن والحسين ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم جأر إلى الله تعالى، رب هؤلاء أهلي، قالت أم سلمة: يا رسو ل الله فتدخلني معهم؟ قال: أنت من أهلي يعني من أزواجه كما في حديث الإفك من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي لا أنها أهل الآية المتلوة في هذا الباب، يؤيده ما روي عن أم سلمة أن هذه الآية نزلت في بيتي فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: أنت على خير، إنك من أزواج النبي، وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين، وما روي أيضا عن واثلة بن الأسقع أنه قال: أتيت عليا فلم أجده، فقالت فاطمة: انطلق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يريده

_________________________

(1) تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار 8/476.

(2) لم يذكر عليا (عليه السلام) ضمن من جمعهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الكساء والظاهر أنه اشتباه منه أو من الناسخ.

قال: فجاء مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخلا ودخلت معهما فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن والحسين وأقعد كل واحد منهما على فخذه وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ثم لف عليهم ثوبا وأنا منتبذ ثم قال: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) ثم قال: اللهم هؤلاء أهلي اللهم هؤلاء أهلي، إنهم أهل حق، فقلت: يا رسول الله وأنا من أهلك؟ قال: وأنت من أهلي، قال واثلة: فإنها من أرجى ما نرجو، وواثلة أبعد من أم سلمة لأنه ليس من قريش، وأم سلمة موضعها من قريش موضعها فكان قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لواثلة: أنت من أهلي، لاتباعك إياي وإيمانك بي، وأهل الأنبياء متبعوهم، يؤيده قوله تعالى لنوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح، فكما خرج ابنه بالخلاف من أهله، فكذلك يدخل المرء في أهله بالموافقة على دينه وإن لم يكن من ذوي نسبته، والكلام لخطاب أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تم عند قوله: (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتينَ الزَّكاةَ...) وقوله تعالى: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) استئناف تشريعا لأهل البيت وترفيعا لمقدارهم، ألا ترى أنه جاء على خطاب المذكر فقال عنكم ولم يقل عنكن، فلا حجة لأحد في إدخال الأزواج في هذه الآية يدل عليه ما روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا أصبح أتى باب فاطمة فقال: السلام عليكم أهل البيت (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً)))(1).

 

وقال العلامة الشيخ حسن بن علي السقاف:

((وأهل البيت هم سيدنا علي والسيدة فاطمة وسيدنا الحسن وسيدنا الحسين (عليهم السلام)وذريتهم من بعدهم ومن تناسل منهم للحديث الصحيح الذي نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه على ذلك؛ ففي الحديث الصحيح:

_________________________

(1) معتصر المختصر 2/266 - 267.

نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) في بيت أم سلمة فدعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهــم الرجس وطهــرهم تطهيرا قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك، وأنت إلى خير))(1).

وقال في هامش صفحة 657 من نفس المصدر، وهو يرد على الشيخ الألباني في قوله: (وتخصيص الشيعة أهل البيت في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين (رضي الله عنهم) دون نسائه (صلى الله عليه وآله وسلم) من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارا لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه) فقال ردّا عليه:

((وهذا من تلبيساته وتمحله في رد السنة الثابتة في تفسيره لأهل البيت، وهو بهذا أراد أن يلبس على القارئ بأن من قال إن أهل البيت هم أهل الكساء أنهم الشيعة!! والحق أن من قال ذلك جميع أهل السنة والجماعة وقبلهم الذي لا ينطق عن الهوى (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن هذا هو النصب الذي يفضي بصاحبه إلى ما ترى كما شرحنا في موضعه)).

وقال العلامة أبو بكر الحضرمي في (رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي)(2):

((والذي قال به الجماهير من العلماء وقطع به أكابر الأئمة وقامت به البراهين وتظافرت به الأدلة أن أهل البيت المرادين في الآية هم سيدنا علي وفاطمة وابناهما، وما تخصيصهم بذلك منه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا عن أمر

_________________________

(1) صحيح شرح العقيدة الطحاوية 655.

(2) رشفة الصادي 13- 14، الباب الأول.

إلهي ووحي سماوي)).

وقال أيضا:

((والأحاديث في هذا الباب كثيرة وبما أوردته منها يعلم قطعا أن المراد بأهل البيت هم علي وفاطمة وابناهما رضوان الله تعالى عليهم ولا التفات إلى ما ذكره صاحب روح البيان من أن تخصيص الخمسة المذكورين (عليهم السلام) بكونهم من أهل البيت من أقوال الشيعة، لأن ذلك محض تهوّر يقتضي بالعجب، وبما سبق من الأحاديث وما في كتب أهل السنة السنية يسفر الصبح لذي عينين)).

وقال العلامة الشوكاني في: (إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق في علم الأصول) وهو يرد على من قال بأن الآية في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

((ويجاب عن هذا بأنه ورد بالدليل الصحيح أنها نزلت في علي وفاطمة والحسنين))(1).

وقال السمهودي في (جواهر العقدين)(2):

((وهؤلاء هم أهل الكساء فهم المراد من الآيتين)) ((آية المباهلة وآية التطهير)).

وقال أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن هبة الله المعروف بابن عساكر في كتابه (الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين) بعد أن ذكر رواية عن أم سلمة قالت فيها: (وأهل البيت رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين):

_________________________

(1) إرشاد الفحول 83 البحث الثامن من المقصد الثالث.

(2) جواهر العقدين 204 الباب الأول.

((هذا حديث صحيح)) ثم قال:

((وقولها وأهل البيت هؤلاء الذين ذكرتهم إشارة إلى الذين وجدوا في البيت في تلك الحالة، وإلا فآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلهم أهل البيت والآية نزلت خاصة في هؤلاء المذكورين والله أعلم))(1).

 

وقال العلامة سيدي محمد حبسوس في (شرح الشمائل):

((... ثم جاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معهم، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) وفي ذلك إشارة إلى أنهم المراد بأهل البيت في الآية))(2).

وقال العلامة محمد أحمد بنيس في شرح همزية البوصيري (لوامع أنوار الكوكب الدّري):

(((إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) أكثر المفسرين أنها نزلت في علي وفاطمة والحسنين (رضي الله عنهم)))(3).

وقال توفيق أبو علم وهو يرد على عبد العزيز البخاري في كتابه (أهل البيت)(4).

((أما قوله: أن آية التطهير المقصود منها الأزواج فقد أوضحنا

_________________________

(1) الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين 106.

(2) شرح الشمائل 1/ 107.

(3) لوامع أنوار الكوكب الدري 2/86.

(4) أهل البيت 35.

 

القول بأن آية التطهير خاصة بالزوجات اجتهاد في مقابل النص

الثاني: إن قوله أن هذه الآية نزلت في زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أنها خاصة بهن أو أنها تشملهن اجتهاد في مقابل النص، فالروايات التي نقلناها فيما سبق والخاصة بحديث الكساء نصوص صريحة في أن الآية خاصة بأصحاب الكساء فقط ولا علاقة لزوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بها، والشيخ عثمان الخميس يجتهد بقوله هذا في مقابل النص، والاجتهاد في مقابل النص حرام ولا يجوز شرعا.

 

آية التطهير نزلت مستقلة

الثالث: لا يوجد دليل واحد يثبت أن قوله تعالى: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) نزل بمعية تلك الآيات التي يخاطب الله سبحانه وتعالى بها زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعليه فلا يكون السياق دليلا يمكن الركون إليه لإثبات دعوى نزول هذه الآية في الزوجات ولا يصح التمسك لذلك بوحدة السياق ويكون قرينة على نزولها فيهن إلا بعد ثبوت نزول هذه الآيات دفعة واحدة وفي مناسبة واحدة، بل إن بعض روايات حديث الكساء صريحة في نزول آية التطهير لوحدها مستقلة، ففي بعضها تقول أم سلمة: نزلت هذه الآية في بيتي، وهذا يفيد أمرين؛ الأول: نزول هذه الآية مستقلة لوحدها، والثاني كونها آية كاملة.

 

القرآن الكريم لم يرتب حسب النزول

الرابع: إن المسلمين متفقون على أن القرآن الكريم لم يجمع حسب النزول، فليس نظم آيات القرآن الكريم كلها على أساس التسلسل الزمني

فكم من آية مدنية وقعت بين آيات مكية والعكس، وهذا مسلم لا يحتاج منا لإثبات، فيبطل بذلك أيضا دليل السياق.

لم يؤثر عن صحابي قول باختصاص آية التطهير بالزوجات
الخامس: لم يؤثر في رواية بسند صحيح أن واحدا من الصحابة ذكر أو ادّعى أن آية التطهير خاصة بزوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أو أنها تشملهن نعــم عثــــرت على روايتـين ينسب فيهما إلى ابــن عباس أنــه قال عـــن هـذه الآية بأنها نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، الأولى رواها الواحدي في أسباب النزول قال:

((أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، قال: أخبرنا محمد بن يعقوب، قال: أخبرنا الحسن بن علي بن عفان، قال: أخبرنا أبو يحيى الحماني، عن صالح بن موسى القرشي، عن خصيف عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ)))(1).

 

والأخرى ذكرها ابن كثير في تفسيره قال:

((عن ابن أبي حاتم، قال: حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) قال: نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة)) (2).

_________________________

(1) أسباب النزول للواحدي 203.

(2) تفسير ابن كثير 4/515.

ولكن بملاحظة سند هاتين الروايتين نجد أنهما ضعيفتان من هذه الناحية فلا اعتبار لهما لمخالفتهما النصوص الصريحة والصحيحة التي ذكرنا جملة منها فيما سبق والتي تدل على أن آية التطهير خاصة بأصحاب الكساء فقط.

فرواية الواحدي في سندها أكثر من راو ضعيف، يكفي في فساد الاستدلال بها أن نثبت ضعف بعض هؤلاء ففي سندها (أبو يحيى الحماني) وهو (عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني) وقد رمي بالإرجاء والخطأ(1)، وقال النسائي: (ليس بالقوي)(2)، وقال ابن سعد وأحمد: (كان ضعيفا)(3)، وقال العجلي: (كوفي ضعيف الحديث)(4).

وفي سندها (صالح بن موسى القرشي) وهو (الطلحي) قال فيه ابن معين: (ليس بشيء)(5)، وقال الأصفهاني: (يروي المناكير عن عبد الملك بن عمير وغيره متروك)(6)، وقال البخاري في ضعــفائه: (منكر الحديث)(7)، وقال النسائي: (متروك الحديث)(8)، وقال الذهبي: (واه)(9)، وقال العسقلاني: (متروك)(10).

_________________________

(1) الكاشف 1/617، تقريب التهذيب 2/334، تهذيب التهذيب 6/109.

(2) الكاشف 1/617، تهذيب التهذيب 6/109، تهذيب الكمال 16/454.

(3) تهذيب التهذيب 6/109.

(4) تهذيب التهذيب 6/109.

(5) الجرح والتعديل 4/415.

(6) ضعفاء الأصفهاني 1/93.

(7) ضعفاء البخاري 1/59.

(8) الضعفاء للنسائي 1/57.

(9) الكاشف 1/449.

(10) تقريب التهذيب 1/347.

وفي سندها (خصيف) وخصيف هذا الذي يروي عن سعيد بن جبير هو (خصيف بن عبد الرحمن الجزري) مولى عثمان بن عفان وقيل معاوية بن أبي سفيان قا ل عنه أحمد بن حنبل: (ليس بحجة ولا قوي في الحديث) وقال أيضا: (ضعيف الحديث)(1).

وقال أبو حاتم: (صالح يخلط وتكلم في سوء حفظه)(2)، وقال العسقلاني: (صدوق سيئ الحفظ خلط بآخره ورمي بالإرجاء)(3) وقال الذهبي: (صدوق سيئ الحفظ ضعفه أحمد)(4).

وأما رواية ابن كثير فساقطة سندا أيضا، ففي سندها (الحسين ابن واقد) وهو من المدلسين، وصفه بالتدليس الدارقطني وأبو يعلى الخليلي(5)وقال عنه ابن حبان: (كان على قضاء مرو، وكان من خيار الناس وربما أخطأ في الروايات)(6)، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: (ما أنكر حديث الحسين بن واقد عن أبي المنيب، وقال العقيلي: أنكر أحمد بن حنبل حديثه، وقال الأثرم: قال أحمد: في أحاديثه زيادة ما أدري أي شيء هي ونفض يده)(7).

وفيها (عكرمة البربري) مولى عبد الله بن عباس وهو ممن اشتهر كذبه على مولاه ابن عباس، فهذا سعيد بن المسيب يقول لغلامـه

_________________________

(1) تهذيب الكمال 2/385.

(2) تهذيب الكمال 2/385.

(3) تقريب التهذيب 1/220.

(4) الكاشف 1/236.

(5) طبقات المدلسين 1/20، أسماء المدلسين 1/70.

(6) تهذيب التهذيب 2/321.

(7) المصدر السابق.

(برد): (يا بـرد إياك وأن تكذب علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس)(1)، وقد قيّده علي بن عبد الله بن عباس على باب الكنيف ولما قيل له عن سبب ذلك، قال: (إنه يكذب على أبي) وكذبه سعيد بن جبير وابن سيرين، وذكروا أنه من الخوارج (2)، ورأي الخوارج معروف في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

 

لم تدعي زوجات النبي اختصاص آية التطهير بهن

السادس: لم تدعي واحدة من زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اختصاص الآية الكريمة بهن أو شمولها لهن، فلم يؤثر شيء من ذلك عن واحدة منهن مع ما هو معلوم عن السيدة عائشة من حرصها على بيان وذكر ما لها من فضائل ومناقب، بل أنها والسيدة أم سلمة ممن روى اختصاص الآية بأصحاب الكساء.

يقول ابن الجوزي: ((... والثاني: أنه خاص في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي والحسن والحسين، قاله أبو سعيد الخدري، وروي عن أنس وعائشة وأم سلمة نحو ذلك))(3).

 

النبي يمنع أم سلمة من الدخول تحت الكساء

السابع: إن بعض روايات حديث الكساء صريحة في أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لم يسمح للسيدة أم المؤمنين أم سلمة رضوان الله تعالى عليها بالدخول تحت الكساء عندما أرادت ذلك، فلو كانت الآية تعنيهن أو تشملهن لما كان لهذا المنع وجه، أو لقال لها عبارة أخرى غير قوله: (إنك إلى خير)

_________________________

(1) تهذيب التهذيب 7/238، تهذيب الكمال 7/213.

(2) تهذيب التهذيب 7/238، تهذيب الكمال 7/213 -214.

(3) زاد المسير في علم التفسير 6/381 - 382.

تفيد اختصاص الآية بهن أو شمولها لهن، وهذا ما لم يفعله فعلمنا أنهن غير معنيات بالآية ولا بمفهوم أهل البيت فيها.

النبي يحدد مفهوم أهل البيت في الآية بأصحاب الكساء
الثامن: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أن جمع عليا وفاطمة والحسن والحسين قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فقصر مفهوم أهل البيت فيهم، ولو كان المراد بهذا المفهوم فيها هم وغيرهم لكان الأنسب أن يقول: (اللهم هؤلاء من أهل بيتي...).

مجيء آية التطهير في سياق آيات نساء النبي غير مخل بالبلاغة
التاسع: ((إن الكلام البليغ يدخله الاستطراد والاعتراض؛ وهو تخلل الجملة الأجنبية بين الكلام المتناسق، كقوله تعالى في حكاية خطاب العزيز لزوجته إذ يقول لها: (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظيمٌ * يوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذا واسْتَغْفِري لِذَنْبِكِ) (1) فقوله: (يوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذا) مستطرد بين خطابيه معها كما ترى، ومثله قوله تعالى: (إِنَّ الْمُلوكَ إِذا دَخَلوا قَرْيَةً أَفْسَدوها وَجَعَلوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلونَ * وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلونَ) (2)فقوله: (وَكَذَلِكَ يَفْعَلونَ) مستطرد من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس، ونحـوه قوله - عز من قائل -: (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمونَ عَظيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَريمٌ) (3) تقديره فلا أقسم بمواقع النجوم، إنه لقرآن كريم، وما بينهما استطراد على استطراد وهذا كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب

_________________________

(1) يوسف 28 - 29.

(2) النمل 34 - 35.

(3) الواقعة 75- 77.

 

العاربة وغيرهم من البلغاء.

وآية التطهير من هذا القبيل جاءت مستطردة بين آيات النساء فتبين بسبب استطرادها أن خطاب الله لهن بتلك الأوامر والنواهي والنصائح والآداب لم يكن إلا لعناية الله تعالى بأهل البيت (أعني الخمسة) لئلا ينالهم - ولو من جهتهن - لوم، أو ينسب إليهم - ولو بواسطتهن - هناة، أو يكون عليهم للمنـافقين - ولو بسبههن - سبيـل ولولا هذا الاستطراد ما حصلت هذه النكتة الشريفة التي عظمت بها بلاغة الذكر الحكيم، وكمل إعجازه الباهر كما لا يخفى))(1).

 

قال عثمان الخميس:

((ثانيا: ذكر ميم الجمع بدل نون النسوة، لأن النساء دخل معهن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو رأس أهل بيته (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما قال الله تبارك وتعالى عن زوجة إبراهيم: (قالوا أَتَعْجَبينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ) (2)وكانت معــــه زوجته، وقال تعالى عــــن موسى: (فَلَمّا قَضى موسى الأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ) (3)وكانت معه زوجته، فالرجل من أهل البيت فقول الله: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) قال عنكم لدخول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع نسائه في هذه الآية لا أن عليا وفاطمة والحسن والحسين دخلوا ضمن هذه الآية، وإنما كان علي والحسن والحسين وفاطمة (رضي الله عنهم) من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدليل حديث الكساء لا بدليل الآية، فحديث الكساء هو الذي يدل على أن عليا وفاطمة والحسن

_________________________

(1) الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء 25 - 26.

(2) هود: 73.

(3) القصص: 29.

والحسين من آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك لما غطاهم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالكســاء قــــــــرأ: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) فأدخــلهم في أهـــل بيتــــــه)) (حقبة من التاريخ 188 - 189).

أقول: وفي هذا الوجه أيضا لم يأت بدليل أو رد ينقض فيه قول الشيعة بأن الإرادة في آية التطهير إرادة تكوينية، وأنها إخبار عن عصمة المخاطبين بها، وإنما أتى فيه بمحاولة أخرى من محاولاته اليائسة لإثبات اختصاص الآية الكريمة بنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيه يدّعي دعوى باطلة وهي أن آية التطهير لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بأصحاب الكساء وأنهم إنما دخلوا في مفهوم أهل البيت من حلال حديث الكساء!!! وما عشت أراد الدهر عجبا، وردّنا عليه هو:

أولا: إن زعمه بأن آية التطهير خاصة بزوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنها نزلت فيهن قد أثبتنا بطلانه فيما مضى من خلال الروايات التي هي صريحة في تخصيص الآية الكريمة بأصحاب الكساء (عليهم السلام)، وذكرنا تأييدا وتأكيدا لذلك أقوالا لبعض علماء أهل السنة ممن فهم من تلك الروايات اختصاها بهم (عليهم السلام)، كما وأبطلت عمدة ما استدل به هو السياق.

 

لا زال الإشكال قائما

ثانيا: وباعتبار أن صاحبنا واجه إشكالا قويا جدا وهو: إذا كانت آية التطهير خاصة بالزوجات وأنها نزلت فيهن وأن الخطاب متوجه فيها لهن فلماذا قال الله سبحانه وتعالى: (عنــكم) ولم يقــل: (عنـكن) و (يطهركم) ولم يقل (يطهركن)؟ فأراد أن يتخلص منه بالقول أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) داخل في هذا الخطاب لكونه رأس أهل بيته، وجوابنا عليه هو أن الله سبحانه وتعالى في آية التطهير قصــــر إرادته إذهاب الرجس عـــــن

المخاطبين بها بدليل أداة الحصر (إنما) وهذا يفيد أن الإرادة الإلهية فيها تكوينية لا تشريعية، لأن الله سبحانه وتعالى بإرادته التشريعية أراد لكل فرد تطهير نفسه من الأرجاس، وذلك من خلال امتثاله للتكاليف والتوجيهات الإلهية المتوجه إليه، وليس ذلك خاصا بأهل البيت المخاطبين في الآية، وعليه يكون قوله تعالى (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهـــــِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً): إما إخبارا عن دفع الرجس أو رفعه ولا ثالث لهما فإن كان الأول - دفع الرجس - فتكون الآية الكريمة إخبارا عن عصمتهم لأنها تثبت عدم تلبسهم بالرجس، فتكون زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على - هذا الوجه - خارجات قطعا من الآية الكريمة، وذلك لإجماع الأمة بأنهن غير معصــومات، ولأن بعضهن تلبس بالشرك قبل إسلامهن وهو أحد مصاديق الرجس، وقد ثبت في الأثر ممارسة بعضهن للمخالفات الشرعية، وإن كان الثاني - رفع الرجس - فإنها تثبت أن المخاطبين بها متلبسون بالرجس والله سبحانه وتعالى أراد رفعه عنهم، وقطعا يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)خارجا من الخطاب في الآية(1)لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يتلبس بالرجس لكونه معصوما فيأت نفس الإشكال مرة أخرى، وهو لماذا قال الله تعالى: (عنكم) ولم يقل: (عنكن) و (يطهركم) ولم يقل: (يطهركن)؟ فهل نجد عند الشيخ عثمان الخميس ردا آخر غير الذي ذكره يدفع به هذا الإشكال؟!.

 

المقصود من أهل البيت في آية التطهير

الثالث: إن عبارة (أهل البيت) في آية التطهير يراد بها أحد بيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ذلك البيت الذي اجتمع فيه أصحاب الكساء ونزلت

__________________________

(1) أما نحن الشيعة فنقول أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) داخل في هذا الخطاب، لأن مفاد الآية هو الإخبار عن دفع الرجس لا رفعه، وبهذا تكون الزوجات خارجات لا علاقة للآية بهن.

على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه الآية الكريمة، ومن ثم جللهم ودعا لهم، وهو بيت السيدة أم المؤمنين أم سلمة رضوان الله تعالى عليها.

قال ابن عساكر في كتابه: (الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين) معلقا على قول أم سلمة رضوان الله تعالى عليها الوارد ضمن إحدى الروايات التي ذكرتها في هذا الكتاب وهو قولها: (وأهل البيت رسول الله ص وعلي وفاطمة والحسن والحسين) قال: (وقولها وأهل البيت هؤلاء الذين ذكرتهم إشارة إلى الذين وجدوا في البيت في تلك الحالة، وإلا فآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلهم أهل البيت، والآية نزلت خاصة في هؤلاء)(1).

يؤيد قولنا هذا ما ورد في بعض الروايات المروية عن السيدة أم سلمة رضوان الله تعالى عليها من أنه لم يكن في البيت إلا هؤلاء، ففي (الدر المنثور) للسيوطي قال:

((وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: في بيتي نزلت: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين فجللهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكساء كان عليه ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا))(2).

وأخرج أيضا في نفس المصدر المذكور قال:

((وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في

__________________________

(1) الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين 106.

(2) الدر المنثور 6/604.

بيتي: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) وفي البيت سبعة جبريل وميكائيل (عليهما السلام) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (رضي الله عنهم) وأنا على باب البيت، قلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: إنك إلى خير، إنك من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)))(1).

 

الألف واللام في لفظ ( البيت ) هنا عهدية

الرابع: إن الألف واللام في لفظة (البيت) في قوله تعالى:(قالوا أَتَعْجَبينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ) عهدية، إشارة إلى أحد بيوت النبي إبراهيم (عليه السلام)، والذي كان إبراهيم (عليه السلام) مختليا فيه مع زوجته سارة حيث هبطت الملائكة لتبشيرهما بحمل سارة بمولود عزيز هو إسحاق وبحفيد يأتيهم من إسحاق، فتذهل سارة من هذه البشارة وكيفية تحققها في زوجين بلغا سنّ اليأس، فتجيب الملائكة سارة بالقول::(... أَتَعْجَبينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ).

 

الخميس يتشبث بأوهن الأدلة لإثبات اختصاص الآية بزوجات النبي

الخامس: إن الشيخ الخميس يحشر في استدلاله لإثبات اختصاص الآية بزوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض النصـوص القـرآنية، ومنها قوله تعالى: (فَلَمّا قَضى موسى الأَجَلَ وسارَ بِأَهْلِهِ) ليقول بأن الله سبحانه وتعالى قال عن زوجة موسى بأنها (أهله) وعليه فزوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)من أهله أيضا وهذا خلط كبير وقلة فهم، فلا أحد ينكر أن لفظة (أهل) قد تستخدم مع القرينة ويراد بها الزوجة كما في قوله تعالى: (فَلَمّا قَضى موسى

__________________________

(1) المصدر السابق.

الأَجَلَ وسارَ بِأَهْلِهِ) حيث المراد فيها هنا زوجته لوجود قرينة أنه لم يكن معه في سفره هذا إلا هي، وكما في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لزوجته أم سلمة - كما في بعض روايات حديث الكساء -: (إنك من أهلي) ولكن كلامنا حول مفهوم (أهل البيت) في آية التطهير لا عن لفظة (أهل) بمفردها فهل يراد به الزوجات وهل هو مختص بهن أو يشملهن أو أنه يراد به فقط أصحاب الكساء؟ كل الأدلة قائمة على أنه يراد به أولئك الذين جللهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالكساء.

 

دعوى باطلة

السادس: أما حول ادعائه الباطل بأن عليا وفاطمة والحسن والحسين دخلوا في أهل البيت بدعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما جللهم بالكساء لا أن آية التطهير نزلت فيهم فردنا عليه:

أولا: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أن جمعهم تحت الكساء تلا عليهم هذه الآية كما في العديد من نصوص حديث الكساء، ومنها رواية السيدة عائشة والتي أخرجها مسلم بن الحجاج في صحيحه وغيره ففيه قالت عائشة:

((خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً))) (1).

وكما في رواية ابن عباس التي أخرجها النسائي في خصائص

__________________________

(1) صحيح مسلم 4/1883.

الإمام علي (عليه السلام)، والسنن الكبرى وأحمد في مسنده، وفضائل الصحابة والحاكم في المستدرك على الصحيحين وهي رواية طويلة نقلتها فيما سبق حيث قال: (... وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً)...))(1).

فهذا نبي الله سبحانه وتعالى يجمعهم تحت الكساء ثم يخاطبهم بهذه الآية الكريمة كما خاطبهم الله عز وجل من قبل بها، وهو دليل على أنها نزلت فيهم ومختصة بهم، فلو لم تكن خاصة بهم ونازلة فيهم لما خاطبهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بها.

 

الثاني: أخرج الهيثمي في مجمع الزوائد فقال:

((إن الحسن بن علي حين قتل علي استخلف، فبينا هو يصلي بالناس إذ وثب إليه رجل فطعنه بخنجر في وركه فتمرض منها أشهر، ثم قام فخطب على المنبر فقال: يا أهل العراق اتقوا الله فينا، فأنا أمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل البيت الذي قال الله عز وجل: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) فما زال يومئذ يتكلم حتى ما ترى في المسجد إلا باكيا)).

قال الهيثمي: (رواه الطبراني ورجاله ثقات)(2).

__________________________

(1) خصائص الإمام علي 44 حديث رقم: 23، السنن الكبرى 5/112 حديث رقم: 8409، مسند أحمد 1/330 حديث رقم: 3062، فضائل الصحابة 2/ 682 حديث رقم: 1168).

(2) مجمع الزوائد 9/172.

فهذا أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) يستشهد بهذه الآية الكريمة ويذكر بأنهم المعنيون بها.

الثالث: لقد ورد في الأثر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى مدى ستة أشهر أو تسعة كان يأت كل صباح ويقف عند باب بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) وينادي الصلاة يا أهل البيت ثم يتلو الآية الكريمة: مخاطبا لهما بها، وهذا دليل أيضا على أنهم المعنيون والمخاطبون بهذه الآية المباركة.

ففي المستدرك على الصحيحين قال الحاكم النيسابوري:

((حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد، حدثنا الحسين بن الفضل البجلي، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرني حميد وعلي بن زيد عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمر بباب فاطمة (رضي الله عنها) ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَـــهِّرَكُمْ تَطْهيراً))).

ثم قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)(1).

وأخرجه الترمذي في جامعه الصحيح(2)، وأحمد بن حنبل في مسنده (3) وعبد حميد في مسنده(4)، وأبو داود الطيالسي في مسنده(5)

__________________________

(1) المستدرك على الصحيحين 3/172 حديث رقم: 4748.

(2) الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 5/352 حديث رقم: 3206.

(3) مسند أحمد 3/259 حديث رقم: 13754 و 3/285 حديث رقم: 14072.

(4) مسند عبد حميد 1/367 حديث رقم: 1223.

(5) مسند أبي داود 1/274 حديث رقم: 205.

والطبراني في المعجم الكبير(1)وابن أبي شيبة في مصنفه(2)، وأخرجه من طريق أبي الحميراء عبد حميــد في مسنده(3)والطبراني في المعجــــم الكبير(4)، وأخرجه من طريق أبي سعيد الخدري الطبراني في المعجم الأوسط(5).

قال عثمان الخميس: ((ثالثا: إن معنى أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتعدى زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويتعدى عليا والحسن والحسين وفاطمة إلى غيرهم كما في حديث زيد بن أرقم، وأنه لما قيل له نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته الذين حرموا الصدقة وهم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس، إذا اتسع مفهوم أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أكثر من ذلك فهم نساؤه بدليل الآية، وعلي وفاطمة والحسن والحسين بدليل حديث الكساء، وبدليل حديث زيد بن أرقم وآل العباس ابن عبد المطلب وآل عقيل بن أبي طالب وآل جعفر بن أبي طالب بدليل حديث زيد بن أرقم وآل الحارث بن المطلب، فكل هؤلاء هم أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل جميع بني هاشم من آل البيت وهم كل من حرم الصدقة)). (حقبة من التاريخ: 189).

الخميس يخلط بين مفهوم أهل البيت بمعناه الخاص ومعناه العام
أولا: إن صاحبنا يخلط بين مفهوم أهل البيت في آية التطهير الذي له معنى خاص وبين مفهوم أهل البيت بمعناه العام الذي يندرج تحته

__________________________

(1) المعجم الكبير 3/56 و 22/402.

(2) مصنف ابن أبي شيبة 6/388 حديث رقم: 32272.

(3) مسند عبد حميد 1/173 حديث رقم: 475.

(4) المعجم الكبير 3/56 و 22/200.

(5) المعجم الأوسط 8/111 حديث رقم: 8127.

أقرباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ممن حرمت عليهم الصدقة، وإن كان هذا ينبئ عن شيء فإنما ينبئ عن قلة فهم عند هذا الرجل، فمن المعلوم أن لدينا مفهوما باسم (أهل البيت) يندرج تحته كل من حرمت عليه الصدقة من بني هاشم، ولكن كلامنا حول مفهوم أهل البيت في آية التطهير فإنه مفهوم خاص فقط بأولئك الذين جللهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الكساء ودعا لهم بقوله: (اللهم هؤلاء أهل البيت فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) وخاطبهم بالآية الكريمة، وذلك للنصوص الصريحة والصحيحة التي تثبت تخصيص مفهوم أهل البيت في آية التطهير بهولاء فقط.

وأثبتا أيضا بما لا مزيد عليه هنا أن مفهوم أهل البيت في هذه الآية لا علاقة له بنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن الآية الوارد بها هذا المفهوم لم تنزل في الزوجات ولا تختص بهن ولا تشملهن أيضا لما سقناه من أدلة فدعــواه أن النساء تدخل في مفهوم أهل البيت للآية الكريمة دعوى باطلة وغير صحيحة بالمرة.

لماذا لم يجلل النبي بكسائه أحدا غير هؤلاء ؟
ثانيا: إذا كان مفهوم أهل البيت في آية التطهير - وكما يزعم عثمان الخميس - يشمل كل هؤلاء الذين ذكرهم، فلماذا لم يجلل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جميع هؤلاء ويقول: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)؟ لماذا خص نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) بالتجليل فقط؟ لماذا لم يفعل ذلك مع نسائه؟ الأمر الذي يفيدنا قطعا بأنه لا الزوجات ولا بقية بني هاشم يدخلون أو يندرجون تحت مفهوم أهل البيت في الآية.

زيد بن أرقم ينفي أن تكون نساء النبي من أهل بيته
ثالثا: إن هذا القول المنسوب لزيد بن أرقم نسب إليه أنه قاله بعد أن روى حديث الثقلين وليس بعد روايته لحديث الكساء، فهذا تدليس من الشيخ الخميس وتمويه على القارئ وخلط كبير، وقد أثبتنا في ردنا عليه حول حديث الثقلين أن لفظ (عترتي، أهل بيتي) الوارد فيه لا يراد به كل هؤلاء، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه يأمر بالتمسك بالكتاب والعترة ويجعل التمسك بهما عاصما من الضلالة، وبنو هاشم كما أن فيهم المتقي والورع والملتزم بالشريعة الإسلامية ومن له حظ من العلم بالكتاب والسنة فإن فيهم الجاهل والفاسق ومن لا يصلح أن يتمسك به، فكيف يكون اتباع مثل هؤلاء عاصما من الضلالة؟ الأمر الذي يفيد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد جماعة خاصة وفئة معينة في قوله: (وعرتي أهل بيتي).

إن الذي يستـــفاد من القــول المنسوب لزيد بن أرقم عندما سئل: (نساؤه من أهل بيته؟) هو نفي أن تكون النساء من أهل بيته حتى في حديث الثقلين، وليس إثبات ذلك، وذلك لأن قوله: (نساؤه مـــن أهل بيته) هو استفهام استنكاري بدليل أنه استـــدرك هذه العبارة بقوله: (ولكن أهل بيته...) ولوجود خبر صحيح في صحيح مسلم ينفي فيه أن تكون النساء داخلة في مفهوم أهل البيت في حديث الثقلين، ففي صحيح مسلم: (... وفيه فقلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده)(1).

قال الشيخ عثمان الخميس:

((رابعا: الآية ليس فيها أن الله أذهب عنهم الرجس، لأن هذه

__________________________

(1) صحيح مسلم 7/123.

الإرادة إرادة شرعية، إرادة محبة، وهي غير الإرادة القدرية، يعني الله يحب أن يذهب عنكم الرجس، ولا شك أن الله أذهب الرجس عن فاطمة والحسن والحسين وعلي وزوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، ولكن الإرادة هنا في هذه الآية هي الإرادة الشرعية، ولذلك في الحديث نفسه أن النبي لما جللهم بالكساء قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس، فإذا كان الله أذهب عنهم الرجس لماذا يدعو لهم بإذهاب الرجس؟!!

ودعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دليل أن هذه الإرادة الشرعية، مثل قول الله تبارك وتعالى: (يُريدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتوبَ عَلَيْكُمْ واللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ * واللَّهُ يُريدُ أَنْ يَتوبَ عَلَيْكُمْ وَيُريدُ الَّذينَ يَتَّبِعونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَميلوا مَيْلاً عَظيماً * يُريدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعيفاً) (1) كل هذه الإرادات التي ذكرها الله تبارك وتعالى إنما هي الإرادات الشرعية، الله يريد أن يخفف عن الناس جميعا، يريد أن يتوب على الناس جميعا، ولكن هل تاب الله على جميع الناس؟! (هُوَ الَّذي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ)(2) من الناس مؤمن ومن الناس كافر فلم يتب الله على جميع الناس)) ((حقبة من التاريخ: 191)).

أقول: وفي قوله هذا يعطينا الشيخ الخميس دليلا على سوء فهمه وخلطه وتخبطه، فهو يخلط بين الإرادة في آية التطهير والإرادة في بقية الآيات الكريمة التي أوردها، فيدعي أن الإرادة في آية التطهير إرادة تشريعية لا تكوينية وكما يعبر عنها هو بقوله: (إرادة المحبة) ويستدل لذلك بدعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأهل الكساء بقوله: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) حيث يقول مستفهما: إذا كان

__________________________

(1) النساء 26-28.

(2) التغابن: 2.