انقاذ الأمة من التفرّق مسؤولية الجماهير والقيادة

التفرقة والتشرذم واقع حال في الامة وان كان مرّاً، لكن الأمر منه والانكى القبول بهذا الواقع وافرازاته السيئة من تخلف وحرمان وتبعية، وعدم العودة الى مصادر القوة والمنعة، وفي مقدمتها القرآن الكريم والكعبة المشرفة والتراث العظيم والخزين الهائل من القيم والمبادئ التي تخلو منها الديانات والمذاهب الاخرى في العالم. قبل التعرّف على كيفية تجاوز هذا الواقع، لابد ان نذكر بان الهزيمة الاولى التي ألحقها بنا الاعداء كانت نفسية وليست مادية، والحقيقة ان اول ما فقدناه هو الثقة بشكل عام وعلى كافة الاصعدة، ابتداءً بالدين والاخلاق والقيم وكل شيء. حتى باتت جميع القوى تتنافر وتباعد عن بعضها، ولم تستطع ان تعيد كل شيء الى نصابه، وبذلك تفرقت الأمة واختلفت، وتركت عمود عزها وهو الوحدة، بل انها هجرت حبل الله المتين. ونحن اليوم بحاجة الى الوحدة لكي نعطي للامة املاً، ومن هنا فان أبرز اهدافنا في الوقت الحاضر هو تحقيق الوحدة على مختلف الاصعدة. لكن كيف…؟

 

شروط الوحدة

هنالك شروط ومقدمات لتحقيق هذا الهدف على الواقع العملي وليس فقط كشعار نرفعه هنا وهناك:

 

أولاً: صفاء الروح والقلب :

ان من ابرز شروط الوحدة سواء على مستوى الافراد والتجمعات ام على مستوى الدول والامم هو صفاء الروح والقلب وتزكية النفس، وان لانبتغي من وراء هذه الوحدة ما ينافيها، ولا نفكر فيها من اجل استغلالها لاهدافنا الشخصية. والوحدة هي نعمة من الله جل جلاله على المؤمنين. فهو الذي يؤلف بين قلوبهم، وهو محيط علما بما في الصدور. فاذا كانت الصدور مريضة، والقلوب عليلة، والبصائر محجوبة، فان الله تعالى سوف لايهب للانسان هذه النعمة ؛ فان اردناها فلابد من ان نطهر انفسنا ونخلص نياتنا وان لا نطلب هذه الوحدة إلا من أجل الله، ومن اجل تحقيق المصالح الكبرى للامة.

 

ثانياً: تحكيم القيم :

من أهم الغايات المتوخاة من الوحدة تنمية الكفاءات في الأمة، وهذه الكفاءات والقدرات لايمكن ان تنمو وتحتل مكانتها اللائقة بها إلا إذا حكمنا القيم فيما بيننا ؛ فالوجاهات والوساطات والصداقات والانتماءات الخارجة عن اطار القيم، كل ذلك يعد حواجز في طريق تنمية الكفاءات في الأمة. ومن المعلوم ان الأمة لا تحسب بكمية ابنائها عدداً، بل بكيفية كفاءاتهم وقدراتهم. واذا اردنا ان نتقدم في هذا العصر حيث تقدم العلم وانتشار الصناعة والتقنية، فلابد من ان نضع العلماء والعاملين المجاهدين في مواضعهم، وان نرفع قيمة العلم والتقوى والعمل الصالح. وبناء على ذلك فلا يجوز للواحد منا اليوم ان يفضل صديقه الاقل علما وتقوى وجهاداً على شخص آخر يفوقه في تلك المواصفات، فالله سبحانه وتعالى رفع قيمة العلم والتقوى والعمل الصالح، فهل يجوز لي ان ارفع من وضعه الله، او أضع من رفعه الله ؟ وعندما تكون الوحدة قائمة على اساس القيم الرسالية التي بينها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، فان الكفاءات ستنمو، وعندما تنمو الكفاءات فان الجميع سوف يسعدون بهذه الوحدة.

 

ثالثاً: الذوبان في المجموع :

نحن لا نستطيع ان نصبح اخواناً إلاّ عندما ننسى الحواجز والفوارق والاختلافات، ونذوب جميعاً في بوتقة الاسلام. فاذا تجسدت الوحدة في شخص فينبغي على الجميع ان يسيروا على خطه، لانه هو نفسه كان قد ذاب في هذا الخط فلم يعد شخصاً، ولم يعد محجماً ضمن حدود او أطر معينة حتى استطاع بقلبه الكبير ان يحتوي كل تطلعات الأمة. واذا تجسدت الوحدة في هيئة او مجلس او اي عنوان آخر فلابد للجميع من ان يذوبوا في هذا العنوان. كذلك الحال في الجماهير، فهي التي تشكل الهدف الاول من تحركنا، ونحن نريد ان نعمل في سبيل الله تعالى، ومن أجل انقاذ الأمة، علينا ان نذوب في الجماهير بقدر ما تقتضيه أوامر الخالق. وعلى كل مجموعة قيادية ان تكون عارفة بلغة الجماهير واحاسيسها ومشاعرها وتطلعاتها واهدافها، وبالآلام التي يعانون منها، وهذا هدف آخر من اهداف الوحدة. من أين نبدأ ؟ وهنا يطرح السؤال التالي : ترى من المسؤول عن هذه الوحدة ؟ ومن اين نبدأ هذه المسؤولية لاتقتصر على العلماء والمثقفين، فنحن جميعا مسؤولون عن تحقيقها والمحافظة عليها. فالله سبحانه وتعالى يخاطب في كتابه الكريم الجميع قائلاً : “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا(آل عمران/ ۱۰۳). فهو لايوجه خطابه الى شخص معين او فئة معينة، بل على الجميع ان يعتصموا بهذا الحبل، وان يبـذلوا الجهود من اجل هذه الوحدة. واذا كان على الجميع ان يعتصموا بحبل الله، ويتحركوا في هذا المجال، فان هذا يعني ان بامكان الجميع ان يقوموا بدور ؛ فانت عندما تكون شابا تطلب العلم في مدرسة او معهد او جامعة، فانك تستطيع ان تساهم في بناء كيان الوحدة وذلك على الأسس الاسلامية. فعليك ان لاتشكل فريقاً ضد فريق آخر، وهذا هو معنى ولاية الله سبحانه وتعالى. فاذا كانت بينك وبين الآخرين حزازات فحاول منذ هذه اللحظة ان تفتش عن حلول لها، واذا كنت قد تعودت على بعض السيئات مثل سوء الظن والغيبة والتهمة والحقد على الآخرين والنميمة، فعليك منذ هذه اللحظة ان تترك هذه المحرمات وان تتحرك نحو ايجاد التلاحم وتصفية الاجواء والعودة الى أجواء الايمان والاخوّة. اما واجب العلماء فيتمثل في ان يكونوا هم المبادرين في هذه المسيرة، لان الله جل وعلا بعد ان بيّن ضرورة الوحدة قال: “وَلْتَكُن مِنكُمْ أمة يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(آل عمران/۱۰۴). فهو تعالى يؤكد في هذه الآية ان الذين يسعون من اجل تحقيق الوحدة هم المفلحون، وفي آية اخرى يقول عز من قائل : “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوْا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّآ أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(الحشر / ۹). ان هؤلاء الذين تشير اليهم الآيتان القرآنيتان السابقتان هم الصفوة والطليعة والنخبة الذين من خلالهم تتحقق الوحدة، إذن؛ لنحاول ان نشكل بين اوساطنا هذه الفئة القيادية الطليعية المؤلفة من العلماء والمثقفين الذين عرفوا الاسلام حق معرفته، واستقوه من مصادره ومنابعه الاصيلة المتمثلة بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، واقوال وافعال الائمة المعصومين عليهم السلام. وعلينا ان لاننسى في نفس الوقت ان الجماهير الاسلامية كلها مسؤولة بشكل مشترك هي الأخرى عن تحقيق هذه الوحدة، من خلال الإلتزام بأوامر القيادة، ومن خلال الابتعاد عن كل سلوك من شأنه ان يفرق الصفوف، ويثير الحزازات، ويؤجج الاختلافات والفتن، وتجنب الصفات الاخلاقية الذميمة التي تقضي على كيان الوحدة مثل سوء الظن والغيبة وتوجيه التهم والنميمة وما الى ذلك.