مناظرة الإمام الكاظم(ع) مع أبي حنيفة(۱) في أنّ المعصية من فعل العبد

قال الشيخ الصدوق ـ عليه الرحمة ـ : وأخبرني الشيخ أيده الله أيضاً قال: قال أبو حنيفة: دخلت المدينة فأتيت جعفر بن محمد عليه السلام فسلّمت عليه وخرجت من عنده فرأيت ابنه موسى عليه السلام في دهليز قاعداً في مكتب له وهو صبي صغير السن فقلت له : يا غلام ، أين يحدث الغريب عندكم إذا أراد ذلك ؟

فنظر إليَّ ثمّ قال : يا شيخ اجتنب شطوط الاَنهار ، ومسقط الثمار ، وفيىء النزَّال ، وأفنية الدور ، والطرق النافذة ، والمساجد ، وارفع وضع بعد ذلك حيث شئت.

قال : فلمّا سمعت هذا القول منه ، نَبُل في عيني وعظم في قلبي، فقلت له: جعلت فداك ، ممّن المعصية ؟

فنظر إليَّ نظراً ازدراني به ثمّ قال : اجلس حتى أخبرك ، فجلست بين يديه.

فقال: إنَّ المعصية لا بدَّ من أن تكون من العبد أو من خالقه أو منهما جميعاً، فإن كانت من الله تعالى فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وإن كانت منهما فهو شريكه والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الاَمر ، وإليه توجّه النهي ، وله حق الثواب ، وعليه العقاب ، ووجبت له الجنّة والنار.

قال أبو حنيفة : فلمّا سمعت ذلك ، قلت : ( ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (۲) .

قال الشيخ أيّده الله : وفي ذلك يقول الشاعر :

لم تخـل أفعالنــا اللاّتي يـُذمُّ بهـا   إحدى ثلاث معانٍ حيـن نأتيهــــا
إمــا تفــرد بارينـا بصنعتهــا   فيسقط اللوم عنّا حيـن ننشيهــــا
أو كـان يشركنــا فيهـا فيلحقــه   ما سوف يلحقنا من لائـم فيهــــا
أو لـم يكـن لاِلهي فـي جنايتهــا   ذنب فما الذنب إلاّ ذنب ‌جانيهــا (۳)

—————————————-

(۱) هو : النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه الفقيه الكوفي ، مولى تيم الله ابن ثعلبة وقيل : أصله من أبناء فارس ، أحد الاَئمّة الاَربعة ، وإمام أصحاب الرأي والقياس ، ولد بالكوفة سنة ۸۰ هـ ، عاصر بعض الصحابة أمثال أنس بن مالك ، وله : مسند في الحديث ، المخارج في الفقه ، الفقه الاَكبر. نقله أبو جعفر المنصور من الكوفة إلى بغداد ، فأراده على أن يوليه القضاء فأبى ، فأمر به إلى الحبس فكان يساط في كلّ يوم مائة سوط حتى توفّي في السجن سنة ۱۵۰ هـ ، ودفن بمقبرة الخيزران.
راجع ترجمته في : تاريخ بغداد للخطيب : ج ۱۳ ص ۳۲۳ ترجمة رقم : ۷۲۹۷ ، وفيات الاَعيان لابن خلكان : ج ۵ ص ۴۰۵ ، ترجمة رقم : ۷۶۵ ، الاَعلام للزركلي : ج ۹ ص ۴ ، سير أعلام النبلاء : ج ۶ ص ۳۹۰ ترجمة رقم : ۱۶۳٫
(۲) سورة آل عمران : الآية ۳۴٫
(۳) الفصول المختارة للمفيد : ص ۴۳ ـ ۴۴ ، كنز الفوائد للكراجكي : ج۱ ص ۳۶۶ ، بحار الاَنوار للمجلسي: ج ۱۰ ص ۲۴۷ ـ ۲۴۸ ح ۱۶ و ۱۷ بتفاوت .