التخميس الشعري الحسيني
- نشر في
-
- مؤلف:
- يوسف آل إبريه
التخميس : هو أن يُقدّم الشاعر على البيت من شعر غيره ثلاثة أشطر على قافية الشطر الأول , فيصير خمسة أشطر ؛ ولذلك سمّي تخميساً .
مثال (البيت الأصل) :
إن كان دينُ محمّد لم يستقمْ | إلاّ بقتلي يا سيوف خذيني |
التخميس :
لولاك لانطمس الإباء وما عُلِمْ | وبصدرك احتمت الرسالة إذ هُشِمْ | |
أفديك مرتجزاً تقولُ وتبتسمْ | إن كـان ديـنُ محمّدٍ لم يــسـتقـمْ |
إلاّ بـقتلي يا ســيـوف خـذيني
ولم تكن فكرة التخميس موجودة في الشعر العربي القديم ، وإنما وُجِدتْ عند المولّدين ؛ فالتخميس فنٌّ من الفنون المستحدثة التي أوجدها المولّدون .
وكان الشعراء المولّدون إذا استحسنوا قصيدةً أو بيتاً أو أكثر عمدوا إلى مجاراته , ولهم في ذلك عدّة طرق , فمنها : أن يقوموا بتشطير الأبيات أو البيت , أو معارضة القصيدة ومحاولة الوصول إلى معاني صاحبها , أو (تخميسها) ؛ لعلّهم يلحقوا بصاحبها . واستمر الحال على ذلك مع توالي العصور .
وهناك قصائد كثيرة قام الشعراء بتخميسها ؛ لروعتها وجمالها , ولافتتانهم بها . ومن ذلك على سبيل المثال :
1 ـ مقصورة ابن دريد الأزدي التي مطلعها :
يا ظبيةً أشبه شـــيءٍ بالـمها | ترعى الخزامى بين أشجارِ النقا |
2 ـ لاميّة السيد الحميري , ومطلعها :
لاُمِّ عـمرو بالـلوى مربعُ | طامـسة أعـلامها بـلـقـعُ |
3 ـ ميميّة أبي فراس الحمداني المشهورة :
الحقُّ مهتضمٌ والدينُ مخترمُ | وفيءُ آلِ رسـولِ الله مُقـتـسمُ |
4 ـ تائيّة دعبل الخزاعي , ومطلعها :
تـجاوبنَ بالإرنانِ والزفـراتِ | نوائـحُ عُـجـمِ اللفظ والنّطقاتِ |
5 ـ ميميّة السيد جعفر الحلي , ومطلعها :
وجهُ الصباحِ عليَّ ليلٌ مُظلمُ | وربيعُ أيـامي عليَّ مُـحـرّمُ |
6 ـ لاميّة الشيخ علي بن الحسين الحلي , والتي منها :
يا مَن إذا عُـدّت مـناقبُ غيرِهِ | رجحت مـنــاقـبُهُ وكان الأفضلا |
7 ـ قصيدة البردة ؛ سواء بردة (كعب بن زهير) أو (البوصيري) أو (أحمد شوقي) .
ولم يظهر التخميس بالصورة الشائعة إلاّ عند الشعراء العراقيِّين , ولا سيّما شعراء الشيعة ؛ إذ نراهم قد أُغرموا بالتخميس , وقلّما تجد شاعراً منهم لم يَلُجْ فيه ، فكانوا إذا استحسنوا القصيدة عَمِدوا إلى تخميسها أو تخميس بعض أبياتها , ولعلّ أبرز تخاميسهم تظهر جليّة في تخميس البيت أو البيتين .
ولعلّ الذي ساعد على كثرة التخاميس عند الشيعة هو ما حلَّ بسادتهم من مصائب , فراحوا يتخيّرون المشهور من القصائد أو الأبيات ومجاراتها , وإدخالها في قالبٍ جديد هو قالب (التخميس) .
ولو أردنا أن نجمع ما نظَمه شعراء الشيعة تخميساً لاحتجنا إلى موسوعة ضخمة لإدراجه وتدوينه .
الإجادة والتقصير في التخميس
هناك من الشعراء مَن يجيد في تخميسه للقصيدة أو الأبيات التي يختارها ، ويأتيك بالمعاني الرائعة والجميلة ، وهناك مَن يقصر عن مجاراة الأصل فيأتي تخميسه باهتاً ركيكاً لا حياة فيه .
الفائدة من التخميس
التخميس يعطي للقارئ أو المستمع متعة وجماليّة وانشداد , ولا سيما إذا كان البيت المخمّس مشهوراً . والتخميس أيضاً يُضفي جماليّة على البيت الأصلي إذا سبك سبكاً قوياً وجميلاً ؛ ممّا يجعل المستمع أو القارئ ينجذب إليه ويسارع في حفظه .
الخطباء والتخميس
يوجد من الخطباء ـ حسب تتبّعي القاصر ـ مَن بلغ بالتخميس مبلغاً إبداعياً في حسن إلقائه , وصفاء صوته وعذوبته . ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر الشيخ أحمد الوائلي (رحمه الله) ، والشيخ فاضل المالكي ، والشيخ محمّد الهنداوي ، والسيد داخل حسن .
وهناك من الخطباء مَن تخونه القدرة على إتقانه وإيصاله إلى المستمع بالصورة المطلوبة ؛ وذلك لقدرته المتواضعة ؛ سواء في عدم تمكّنه منه , أو لطبيعة صوته .
فعلى كِلّ خطيب يريد أن يتفاعل المستمعون معه فعليه أولاً إجادة (طور التخميس) ؛ وذلك لرقته وانسيابه ؛ ولأنّ المستمعين أنفسهم يحفظونه لشهرته فيتفاعلون معه , ويشاركون الخطيب في ترديده .
طور التخميس في القراءة الحسينيّة
التخميس في المجالس الحسينيّة له حضور قويٌ وهام , فنجد الخطيب الحسيني قد يقرأ بيتاً من الشعر المخمّس أو مقطوعة تتكوّن من ثلاثة أبيات , أو أقل أو أكثر من الشعر العمودي .
قاعدة التخميس : المدُّ والترجيع في وسط كلّ شطر في أكثر من كلمة , مع مدٍّ وصعود خفيف في آخره .
وهناك ملاحظات حول (طور التخميس) لا بدّ من معرفتها , وهي :
1 ـ أن تكون بداية قراءة كلّ شطرٍ من التخميس سريعة , ثمَّ يكون الوقف على كلمة أو كلمتين من نفس الشطر لمدّها وترجيع الصوت فيها , وهكذا في بقيّة الأشطر الاُخرى .
2 ـ يُقرأ التخميس في ثلاثة مواطن من مجلس العزاء :
أ ـ في المقدمة (القصيدة) .
ب ـ المصيبة .
ج ـ الانتهاء (بيت التخلص) .
وإذا كان بيت التخلّص تخميساً , أو قرأ الخطيب بطور التخميس بيتاً أو أكثر فلا بدّ من النزول عن طور التخميس إلى (طور الدرج) في الشطر الأخير .
3 ـ يُقرأ التخميس بطريقتين , هما :
أ ـ العراقيّة .
ب ـ الأحسائيّة .
أمّا العراقيّة فتتميز بالمدّ في آخر الشطر , وأما الأحسائيّة فتمتاز بعدم المدّ أولاً , وثانياً بإدخال بعض الكلمات أثناء القراءة , مثل (يا أبا عبد الله ) .
4 ـ إذا قرأ الخطيب أثناء المصيبة تخميسين واحداً بعد الآخر ، فيستحسن إضافة بعض الكلمات ذات الصلة بمعنى البيتين , مثل : (آه ! وا إماماه ! وا حسيناه ! وا مظلوماه !) ؛ وذلك إذا كان المصاب حول الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وإلاّ فلا بدّ من ذكر كلمات تتناسب مع صاحب الذكرى .
5 ـ لا يقرأ (طور التخميس) في مقدمة المجلس ابتداءً ، بل يلزم التمهيد من طور (الدرج) إلى طور (التخميس) , أو من طور (الدشت) إلى طور (التخميس) , أو من طور (الدرج) ثمَّ طور (المثكل) ثمَّ طور (التخميس) .
وإذا كان لدى الخطيب بيتان أو ثلاثة من التخميس ويريد أن يفتتح بها المجلس ، فيلزم عليه قراءة الأول بطور (الدرج) أو طور (الدشت) , ثمَّ له الخيار بعد ذلك بأيّ طور يقرأ البقيّة ؛ لأن الافتتاح لا بدّ أن يكون بالدرج أو الدشت أو ما يقاربهما .
ملاحظات : وردت بعض الأطوار في معرض حديثنا مثل (الدرج , المثكل , الدشت) , فيلزم إيضاحها ليتكامل الموضوع .
الدرج : هو مأخوذ من التدرّج والارتقاء في قراءة مقدمة القصيدة , حيث يبدأ الخطيب بقراءة القصيدة قراءة عاديّة هادئة بإيقاع واحد , ويسلك فيه طريقة مريحة ، ثمَّ يرتقي شيئاً فشيئاً حتّى يتحوّل إلى طور آخر .
المثكل : وهو مأخوذ من الثُّكل ، فيقال للمرأة عندما تفقد ولدها : ثاكلة وثاكل وثكلى .
ولعلّ تسمية هذا الطور بـ (المثكل) لأنّه جاء من الحزن والأسى الذي يحدث في نفس السامع لدى سماعه (الطور المثكل) .
والمثكل من أرقّ الأطوار الحسينيّة وأعذبها ، وهو على قسمين :
أ ـ ذو الونّة الواحدة .
ب ـ ذو الونّتين .
وقاعدة المثكل : المدّ مع الترجيع الخفيف في بداية الشطر الأوّل , والإسراع في قراءة الشطر الثاني , والأنين في آخره .
الدشت : وهو كلمة فارسيّة , وتعني : (الهضبة) أو (الصحراء) أو (الأرض الفسيحة المستوية) .
والدشتي : الصحراوي , ويطلقون الدشتي أيضاً على اللحن الفارسي الذي يسمّيه العراقيّون (الدشت) .
ولعل سبب تسميته عند الفرس بالدشتي لانبثاقه من حناجر الصحراويِّين , أو أنّ الغناء به هو الغالب لديهم .
وهو من الأطوار الحسينيّة الذي يقرأ به قليل من الخطباء ، وهو طور شجيُّ ومثير للحزن في النفس .
قاعدة الدشت : رفع الصوت وخفضه مع الترجيع وتضخيم الحروف وإظهارها بنغمة فارسيّة خفيفة ؛ لأنّ الدشت فارسي الأصل كما ذكرنا سابقاً .
ويقرأ الدشت في المقدمة والمصيبة , ولا تكون فيه ونّة ؛ لعدم ملاءمتها له , وهو يقرأ بأغلب الأوزان الشعريّة .
ويعدّ الدشت من الأطوار الحسينيّة قليلة الاستعمال ؛ وذلك يعود لثقله في القراءة , ولأنه يحتاج إلى صوت ذي طبقة عالية وقدرة على الترجيع .
ولعل من أبرز مَن قرأ بطور الدشت هو المرحوم عبد الوهاب الكاشي , والخطيب البحراني الشيخ أحمد العصفور , والشيخ محمّد الهنداوي .
بعد كلّ هذا الحديث ، وبما أننا نعيش في أيام عاشوراء الإمام الحسين (عليه السّلام) رأيت من واجبي تسليط الضوء على هكذا موضوع ؛ لكي نتعرف على الكنوز الولائيّة في التراث الشيعي الشعري ، ولا سيما في هذا الجانب , جانب التخميس للقصائد الحسينيّة , لعلّنا بعملنا هذا نكسب الأجر والثواب في هذه الأيام العظيمة ، وفي الوقت نفسه نخلّد هذه التخاميس , ونُعرّف بها وبشعرائها الذين لا يعرفهم الكثير من أبنائنا اليوم .
ولا يفوتني أن اُؤكّد ثانياً بأنّ بعض الأبيات أو البيتين أو البيت الواحد قد يقوم بتخميسه ثلة من الشعراء ؛ لروعة معناه وجمال سبكه .
ولعلك تقول : لماذا لا تقدّم لنا نموذجاً يُمثّل ما ذكرت ؟
فأقول : سوف أذكر بيتين مشهورين قام بتخميسمها أكثر من شاعر ، فإليك الأصل :
بالأمس كانوا معي واليوم قد رحلوا | وخلّفوا في سويدا القلبِ نيرانا | |
نذرٌ عليّ لئنْ عادوا وإنْ رجـعوا | لأزرعنّ طريقَ الطـفِّ ريحانا |
(التخاميس) :
1 ـ التخميس الأوّل :
سآلتُ ربعَ النَّدى والدمعُ منهملُ | عن معشرٍ هاهنا عـهدي بهم نزلوا | |
أين استقلّوا عن الأوطانِ وانتقلوا | (بالأمس كانوا معي واليوم قد رحلوا |
وخلّفوا في سويدا القلب نيرانا)
يا عاذليَّ اقطعوا ما عـندكـمْ ودعوا | أبكي على مَن بقلبي حبَّهم طبعوا | |
غابوا وطيبَ الكرى عن ناظري منعوا | (نذرٌ عليّ لئن عادوا وإن رجعوا |
لأزرعنّ طريق الطفِّ ريحانا)
2 ـ التخميس الثاني لمحمّد بن عبد الوهاب :
دموعُ عـيني كمثلِ السيـلِ تنهملُ | وفي الفـؤادِ جوىً كالـنار يشـتعلُ | |
لمعشرٍ عن طريق العدلِ ما عدلوا | (بالأمس كانوا معي واليوم قد رحلوا |
وخلّفوا في سويدا القلب نيرانا)
يحقُّ للراسياتِ الشمِّ تـنصدعُ | لفقدهمْ وبـحورِ العلمِ تُـنـتـزعُ | |
وأصـرخنّ بصـوتٍ ليس ينقـطع | (نذرٌ عليّ لئـن عـادوا وإن رجعوا |
لأزرعنّ طريق الطفّ ريحانا)
3 ـ التخميس الثالث :
مَن منشدٌ ليَ عن صحبٍ هنا نزلوا | مثلُ البـدورِ بها الأنوارُ تشتعلُ | |
من طيبةٍ طلعوا فـي كربلا أفلوا | (بالأمس كانوا معي واليوم قد رحلوا |
وخلّفوا في سويدا القلب نيرانا)
لهفي لهم وبحدِّ السيف قد صُرعوا | من بعدهم للأسى والحزنِ أرتضعُ | |
بالله هـل لَهُمُ في رجعـةٍ طمـعُ | (نذرٌ عـليّ لئن عادوا وإن رجعوا |
لأزرعنّ طريق الطفّ ريحانا)
4 ـ التخميس الرابع للسيد محفوظ ابن السيد هاشم العوامي :
كيف السلوّ ونارُ الحزن تشتعلُ | تلـهّـباً ودموعُ العين تـنهـمـلُ | |
سحّاً على جيرةٍ في كربلا نزلوا | (بالأمس كانوا معي واليوم قد رحلوا |
وخلّفوا في سويدا القلب نيرانا)
هُـمُ الأمـانُ لـدهـرٍ راعـه فـزعُ | والواصلون إذا ما أهـله قطعوا | |
هل بعد غيبتهمْ في الوصل لي طمعُ | (نذرٌ عليّ لئن عادوا وإن رجعوا |
لأزرعنّ طريق الطفّ ريحانا)
5 ـ التخميس الخامس :
آسـادُ غيـلٍ لهـا الآسـادُ تـنجفلُ | وهم بدورُ الورى بالطفّ قد نزلوا | |
وهم شموسُ العُلا بالطفّ قد أفلوا | (بالأمس كانوا معي واليوم قد رحلوا |
وخلّفوا في سويدا القلب نيرانا)
ناشدتهمْ هل لهم في الدارِ مُرتجعُ | تحي العفات بهم والغيث ينتجعُ | |
أقول إنْ رجــعـوا للدار أو سمعـوا | (نذرٌ عليّ لئن عادوا وإن رجعوا |
لأزرعنّ طريق الطفّ ريحانا)
6 ـ التخميس السادس :
لمّا رأى السبطُ أصحابَ الوفا قُتلوا | نادى أبا الفضل أين الفارسُ البطلُ | |
وأيـن من دونيَ الأرواحَ قد بذلوا | (بالأمس كانوا معي واليوم قد رحلوا |
وخلّفوا في سويدا القلب نيرانا)
ملاحظة : البيت الثاني لم أعثر عليه , أو لعلّ الشاعر لم يقم بتخميسه ؛ ولهذا لا أثر له هنا .
اُخواني الأعزاء , أرجو أن أكون قد وفّقت في إعطاء فكرة بسيطة عن موضوع (التخميس الشعري الحسيني) ، وأرجو منكم أحبتي إثراء هذا الموضوع ؛ سواء بإضافة التخاميس المتعلقة بالبيتين اللذين قمنا بإيراد التخاميس حولهما ، أو بأيّ تخميسٍ حسيني آخر لتعم الفائدة على الجميع .
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين