التشيع بعد مقتل الحسين(ع)

ويطالعنا رأي آخر مفاده أن مذهب التشيع قد ظهر بعد مقتل الحسين ( ع ) : إن دم الحسين الذي أراقته سيوف الحكومة القائمة يومذاك يعتبر البذرة الأولى للتشيع كعقيدة ( 1 ) .

يقول الدكتور كامل مصطفى الشيبي : إن استقلال الاصطلاح الدال على التشيع إنما كان بعد مقتل الحسين ( ع ) حيث أصبح التشيع كيانا مميزا له طابعه الخاص ( 2 ) .

في حين يذهب الدكتور عبد العزيز الدوري : إلى أن التشيع تميز سياسيا ابتداء من مقتل أمير المؤمنين علي ( ع ) ويتضمن ذلك فترة قتل الحسين ( ع ) حيث يعتبرها امتدادا للفترة السابقة ( 3 ) .

وقال الدكتور علي الخرطويل في كتابه ( تأريخ العراق في ظل العهد الأموي ) : لقد اختمرت العقيدة الشيعية بعد مقتل الحسين ( ع ) في النفوس وكانت دماؤه أبعد أثرا من دماء أبيه علي ( ع ) من حيث نمو الحركة الشيعية وازدياد أنصارها ، بل يمكننا أن نقول : إن الحركة الشيعية بدأ ظهورها في العاشر من المحرم وبعده صبغت مبادئ الشيعة بصبغة دينية ، كما اتجه الشيعة بعد مقتله اتجاها دينيا وتغلب الجانب الديني للتشيع على الجانب السياسي إلى غير ذلك مما نسب لهذا الفريق من المحاولات التي أتى بها لتقريب نظريته هذه .

ونحن لا ننكر على أصحاب هذا الرأي أن دماء الحسين ( ع ) أحدثت في الكوفة وفي العالم الإسلامي هزة عنيفة لا سيما لدي المخلصين ممن دعوا إليها وتعهدوا بنصرته : كسليمان بن صرد وأمثاله ، وعبأت الشيعة على الظلم والظالمين متخذين من مصرع

الحسين ( ع ) مثلا أعلى في الصبر على البلاء والاستشهاد وبالرغم مما أحيط بهم من اضطهاد فكري وسياسي بلغا أقصى الحدود في العصرين الأموي والعباسي فإن دماءه الزكية أقضت مضاجع الظالمين والحاكمين وكانت ولا تزال المثل الأعلى لكل ثائر ومناضل في سبيل حرية الإنسان وكرامته .

كما وأنا لا ننكر عليهم أن عقائد الشيعة قد تبلورت واتخذت صورتها النهائية بعد مصرع الحسين وفي عهد الإمامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ) بالذات بعد أن اشتد الصراع العقائدي وتخطى الإمامة إلى بعض الأصول الإسلامية بين القدرية والمعتزلة والمرجئة والخوارج وحتى بين المحدثين من السنة والشيعة وكانت النوادي مسرحا لهذه الصراعات وبلغ علم الكلام أوج ازدهاره لدى الشيعة والفرق الأخرى التي ظهرت طلائعها في أواخر القرن الأول ونشطت في العصر العباسي بعض النزاعات والاتجاهات التي تحولت بعد ذلك إلى مذاهب تجر من ورائها الالحاد والزندقة في مختلف البلاد .

وكان النزاع في الإمامة وشروطها والعصمة ومعناها والصفات من أبرز ما يجري بين أصحاب الأئمة وغيرهم من المحدثين والفرق الأخرى ، وكانت مدرسة الإمام الصادق ( ع ) من أبرز الجامعات في ذلك العصر من حيث إحاطتها بجميع العلوم الإسلامية وغيرها .

ففي هذا الدور قد تبلورت أصول التشيع ومبادئه واستقرت على ما هي عليه طوال تلك القرون بما لها من المفهوم الإسلامي الذي يتفق مع الكتاب والسنة بما في ذلك موضوع الإمامة وما يتصل به .

أما الأفكار الأخرى التي يعدها الكتاب من أصول التشيع :

كالتقية والبداء وحتى الرجعة فقد وردت في كلمات الأئمة وأحاديثهم ولكن لا على أساس أنها من أصول التشيع ومن المعتقدات التي لا يتم التشيع بدونها .

ومجمل القول : إنا لا ننكر أن لتلك الدماء الزكية دورا بارزا في نمو التشيع وبقائه وأنه تبلور وتميز عن غيره بأصوله ومفهومه الذي تكشف بعد مقتل الحسين ( ع ) ، ولكن الذي ننكره على هؤلاء إصرارهم على أنه قد حدث بعد مقتله وقبله لم تكن كلمة ( التشيع ) تعني المفهوم الذي ظهر لها بعد ذلك وأنه انفصل عن الإسلام السني انفصالا تاما في الآراء والمعتقدات .

ونصر على أنه قد رافق الإسلام منذ مراحله الأولى بمقتضى نصوص الرسول ( ص ) ومواقفه العديدة كما سنثبت ذلك خلال حديثنا . الآتي عن أدلة وجود التشيع أيام النبي ( ص ) .

ـــــــــــــــــــــــ
( 1 ) ستر وثمان – دائرة المعارف الإسلامية .
( 2 ) الصلة بين التصوف والتشيع : ص 23 .
( 3 ) مقدمة في تاريخ صدر الإسلام : ص 72.