شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

مسألة في كونه تعالى واحداً

1 المشاركات 05.0 / 5

وهو سبحانه واحد لا ثاني له في القدم والاختصاص بما ذكرناه من الصفات النفسية ، لأنه لو جاز وجود قديمين قادرين لأنفسهما ، لم يخل أن يكون مقدورهما واحدا من حيث كانا قادرين لأنفسهما ، أو متغايرا من حيث كانا قادرين ، وكون مقدورها واحدا يحيل كونهما قادرين ، وتغاير مقدورهما يحيل كونهما قادرين لأنفسهما ، فثبت أنه سبحانه واحد لا ثاني له .

وقلنا : إن من حق القادرين أن يتغاير مقدورهما .

لأن تقدير مقدور واحد لقادرين يصح له معه أن يدعو أحدها إلى إيجاده داع خالص من الصوارف ، وتتوفر صوارف الآخر عنه ، فإن يوجد يقتضي ذلك إضافته إلى من يجب نفيه عنه ، وإن لا يوجد يجب نفيه عمن يجب إضافته إليه ، وكلا الأمرين محال .

وقلنا : إن تقدير قادرين لأنفسهما يوجب كون مقدور ما واحدا .

لأن من حق القادر لنفسه أن يكون قادرا على كل ما يصح كونه مقدورا إذ تخصيص مقدوراته وانحصارها يخرجه عن كونه قادرا لنفسه ، وإذا صح هذا فمقدور كل قادر لنفسه يجب كونه مقدورا لمماثله في هذه الصفة ، وذلك يحيل تغاير مقدورهما .

 

طريقة أخرى

وهو لا يخلو أن يكون مقدورهما واحدا أو متغايرا ، وكونه واحدا يقتضي إضافة الفعل إلى من يجب نفيه عنه ، أو نفيه عمن يجب إضافته إليه ، لصحة اختلاف الدواعي والصوارف منهما ، وكونه متغايرا يقتضي اجتماع الضدين ، وارتفاع الفعل من القادر عليه لغير وجه ، وكلاهما محال ، فثبت أن صانع العالم سبحانه واحد .

وقلنا بذلك لأن تقدير تغاير مقدورهما يصحح توفر دواعي أحدهما إلى ما توفرت عنه صوارف الآخر ، فإن يوجد المقدوران يجتمع الضدان ، وإن يرتفعا فلغير وجه معقول ، من حيث علمنا أنه لا وجه يقتضي تعذر الفعل على القادر لنفسه .

وليس لأحد أن يقول : وجه ارتفاع المقدورين كونهما قادرين على ما لا نهاية له .

لأن المصحح لوقوع الفعل هو كون الذات قادرة ، فلا يجوز أن يجعل ذلك وجها لتعذره ، لأنه يقتضي كون المصحح للشئ محيلا له ، وذلك فاسد .

وليس له أن يقول : وجه التعذر أن أحدهما ليس بالوجود أولى من الآخر .

لأنا نعلم هذا في مقدوري الساهي ، وقد يوجد أحدهما .

وليس له أن يقول : اشتراكهما في العلم بالمقدورات والدواعي منهما يحيل اختلاف الدواعي منهما .

لأن الاشتراك في العلم بالشئ وما يدعو إلى فعله لا يمنع من اختلاف الدواعي إليه ، يوضح ذلك : علم كل عاقل بحسن التعقل ، وما للمحتاج إليه فيه من النفع وعدم الضرر لما ، وقد يدعو بعض العالمين بذلك دواعي فعله ، وينصرف عن ذلك آخرون .

 

طريقة أخرى

وهو أنا قد دللنا على أن فاعل العالم سبحانه مريد بإرادة موجودة لا في محل ، فلو كانا قديمين لم يخل إذا فعل أحدهما أو كلاهما إرادة على الوجه الذي يصح كونه مريدا بها ، لم يخل أن يوجب حالا لهما ، أو لأحدها ، أو لا يوجب .

وإيجابها لها محال إيجاب الإرادة الواحدة لحيين ، كاستحالة إيجابها لحي واحد حالتين ، لأن إيجاب الإرادة لحي واحد حالتين أقرب من إيجابها لحيين ، فإذا استحال أقرب الأمرين فالأبعد أولى بالاستحالة .

وأيضا فإن إيجاب الإرادة الحال أمر يرجع إلى ذاتها ، فلو أوجبت في بعض المواضع حالا لحيين لوجب أن يوجب ذلك في كل موضع ، لأن الحكم المسند إلى النفس لا يجوز حصوله في موضع دون موضع ، وقد علمنا استحالة الإرادة الواحدة حالا لحيين فيما بنينا ، فيجب الحكم بمثل ذلك في كل إرادة .

وإيجابها لأحدهما محال ، لأنه لا نسبة لها إلى أحد القديمين إلا كنسبتها إلى الآخر ، ولا وجه لتخصصها بأحدهما .

وإن لا يوجب حالا يوجب قلب جنسها ، وهو محال .

وإذا كانت دالة على كون فاعلها مريدا ، وكان تقدير قديم ثان يحيل كون فاعل العالم سبحانه مريدا ، ثبت أنه واحد لا ثاني له .

وليس لأحد أن يخصص إيجابها حالة المريد لمن هي فعله ، وتابعة لدواعيه دون الآخر ، كما يقولون فيمن فعل فيه إرادة لدخول النار وهو مشرف على الجنة :

في أن هذه الإرادة لا تؤثر ، لكونها غير تابعة لدواعيه ، ولا يدخل هذا المريد إلا

الجنة ، لمجرد الداعي .

لأن الدليل مبني على استحالة حصول موجب الإرادة ، وهو حال المريد مع تقدير قديمين ، ولا يفتقر ذلك إلى حدوثها تابعة لدواعي محدثها ، فإنما تحتاج إلى ذلك في تأثرها دون إيجابها الحالة المقتضاة عن نفسها الواجب حصولها بشرط وجودها على كل وجه ، ألا ترى أن الإرادة المفروض فعلها في الحي لدخول النار قد أوجبت كونه مريدا ، وإنها لم تؤثر دخولها لكونها غير تابعة لدواعيه ، فصار القدح وفقا للاستدلال على ما تراه ، والمنة لله .

ولأن اختلاف دواعي القديمين محال ، لاختصاص دواعي القديم بالحكمة المستحيل تعري قديم منها ، وعلى هذا الدليل ينبغي أن يعول من طريق العقل ، لاستمراره على الأصول وسلامته من القدح .

 

طريقة أخرى

وهو علمنا من طريق السمع المقطوع على صحته : أن صانع العالم سبحانه واحد لا ثاني له ، والاعتماد على إثبات صانع واحد سبحانه من طريق السمع أحسم لمادة الشغب وأبعد من القدح ، لأن العلم بصحة السمع لا يفتقر إلى العلم بعدد الصناع ، إذا كانت الأصول التي يعلم بصحتها صحة السمع سليمة ، وإن جوز العالم بها تكاملها لأكثر من واحد ، من تأمل ذلك وجده صحيحا .

وإذا لم يفتقر صحة السمع إلى تميز عدد الصناع أمكن أن يعلم عددهم من جهته ، فإذا قطع العدد بكونه واحدا وجب العلم به ، والقطع ينفي ما زاد عليه .

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية