حديث المنزلة هو أحد أدلة الإمامة

السؤال:

بالنسبة لحديث المنزلة، يقول أهل السنّة: إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) قاله فقط عندما خلّف عليّاً بالمدينة في غزوة تبوك، وهذا لا يدلّ على خلافته، فما هو ردّكم؟
وثانياً: إنّ هارون لم يصبح خليفة لموسى؛ لأنّه تُوفّي في زمنه، بل أصبح يوشع بن نون، فما هو ردّكم؟

 

الجواب:

نعلمكم أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) لم يقل حديث المنزلة مرّة واحدة ـ وذلك في غزوة تبوك ـ حتّى يرد الإشكال، بل قاله عدّة مرّات، وكرّره في عدّة مواطن، ومن تلك المواطن:
۱ـ عند مؤاخاة نفسه لأمير المؤمنين(عليه السلام)(۱).
۲ـ في خطبة غدير خم(۲).
۳ـ في قضية فاطمة ابنة حمزة سيّد الشهداء(۳).
۴ـ وجاء في حديث عن جابر في مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله) (۴).
۵ـ عند تسمية الإمام الحسن(عليه السلام)، عن أسماء بنت عميس: «… ثمّ قال(صلى الله عليه وآله) لعلي: أيّ شيء سمّيت ابني؟ قال: ما كنت لاسبقك بذلك، فقال: ولا أنا أسابق ربّي. فهبط جبرئيل(عليه السلام) فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول لك: عليّ منك بمنزلة هارون من موسى، لكن لا نبيّ بعدك…»(۵).
۶ـ ما جاء في حديث عن أُمّ سلمة(۶).
وموارد أُخرى. وعليه فالحديث يدلّ على خلافة وإمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله).
كما ويُؤيّد أنّ الحديث يدلّ على إمامة عليّ(عليه السلام) تمنّيات بعض أكابر الصحابة، أن لو كانت له هذه الفضيلة، كقول عمر: «في عليّ ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس»(۷) ويذكر فضيلة المنزلة.
أو قول سعد بن أبي وقّاص لمعاوية بن سفيان: «لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم»(۸).
وبالنسبة إلى سؤالكم الثاني فنقول: إنّ المقصود من كون هارون خليفة لموسى(عليه السلام) هو ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِح﴾(۹).
فهذا مقام لهارون بأمرٍ من الله تعالى، وقد نزّل نبيّنا عليّاً بهذه المنزلة من نفسه، ومن المقطوع به أنّ هذا المعنى لم يرد في حقّ غير عليّ(عليه السلام) من صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولذا ورد عن غير واحد منهم ـ كما مرّ ـ أنّه كان يتمنّى لو ورد هذا الحديث في حقّه عن النبيّ، وثبتت له هذه المنزلة منه.
وأمّا الاستخلاف بمعنى القيام مقام النبيّ بعد الموت، فهذا ممّا لم يثبت لهارون؛ لموته قبل موسى، وقد ثبت لعليّ لوجوده بعد الرسول الأعظم بحديث المنزلة، وغيره من الأحاديث القطعية المتّفق عليها بين المسلمين.
وبعبارة أوضح: إنّ رتبة الوصاية كانت موجودة عند هارون، ولكن لم يصل إليها لطروّ المانع وهو الموت، وأمّا في الإمام عليّ(عليه السلام) فلعدم وجود المانع كانت الوصاية قد وصلت إلى مرحلة الفعلية بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله).
وممّا يدلّ على هذا أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قد أخبر مسبقاً بأنّ النبوّة ليس لها اقتضاء في المقام، فإن كانت الوصاية أيضاً هكذا ـ فرضاً غير محقّق ـ كان عليه(صلى الله عليه وآله) أن يردفها بالنبوّة في جهة عدم الاقتضاء، وهذا ممّا لم يصدر عنه(صلى الله عليه وآله) قط.
وبالجملة: فإنّ الحديث يدلّ بدلالة قطعية على إمامة ووصاية أمير المؤمنين(عليه السلام).

-------------------
۱ـ المعجم الأوسط ۸/۴۰، المعجم الكبير ۵/۲۲۱ و۱۱/۶۳، الثقات ۱/۱۴۲، تاريخ مدينة دمشق ۲۱/۴۱۵ و۴۲/۵۳، سير أعلام النبلاء ۱/۱۴۲، المناقب: ۳۹ و۱۴۰ و۱۵۲ الدرّ المنثور ۴/۳۷۱٫
۲ـ المناقب: ۶۱، ينابيع المودّة ۳/۲۷۸٫
۳ـ تاريخ مدينة دمشق ۴۲/۱۷۰ و۱۸۶٫
۴ـ الجامع الكبير ۵/۳۰۴، كتاب السنّة: ۵۸۸، المعجم الكبير ۲/۲۴۷، تاريخ بغداد ۴/۵۶، تاريخ مدينة دمشق ۴۲/۱۳۹ و۱۷۶، البداية والنهاية ۷/۳۷۸٫
۵ـ ذخائر العقبى: ۱۲۰، نظم درر السمطين: ۱۹۴٫
۶ـ مسند أبي يعلى ۱۲/۳۱۰، صحيح ابن حبّان ۱۵/۱۵، المعجم الكبير ۱۲/۱۵، موارد الظمآن: ۵۴۳، تاريخ مدينة دمشق ۴۲/۴۲ و۱۶۹ و۱۸۱، البداية والنهاية ۷/۳۷۸٫
۷ـ تاريخ مدينة دمشق ۴۲/۵۸ و۱۶۷، المناقب: ۵۵، جواهر المطالب ۱/ ۲۹۶٫
۸ـ صحيح مسلم ۷/۱۲۰، الجامع الكبير ۵/۳۰۱، المصنّف لابن أبي شيبة ۷/۴۹۶، مسند سعد ابن أبي وقّاص: ۵۱، كتاب السنّة: ۵۹۶، السنن الكبرى للنسائي ۵/۱۰۸ و۱۲۳ و۱۴۴٫
۹ـ الأعراف: ۱۴۲٫