زكاة الفطر

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ / وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا / فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾(۱).

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. نقرأ في السورة المباركة، التي قرأناها في الركعة الأولى من صلاة العيد، في سورة: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾(۲)، نقرأ هذه الآيات: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى / وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى / بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا / وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى / إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى / صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾(۳).

 

وهذا المعنى، يعني معنى الزكاة.

في هذا اليوم، ورد في هذه السورة، وفي كثير من أدعية هذا اليوم، حتى في الخطبة المأثورة عن أمير المؤمنين، عليه السلام. الخطبة الوحيدة الباقية من تراثنا الإسلامي، يؤكد الإمام فيها على الزكاة.

وأنتم تعلمون أن الزكاة في هذا اليوم، واجب على كل فرد متمكن من نفسه، وعن أولاده، وعن عياله. عن جميع من يعيلهم، ولا شك أن هذا يرمز إلى تعميق الشعور الإنساني، والتأكيد بأن الإنسان، الإنسان الذي يريده الله، الإنسان الذي يرضى عنه الله، الإنسان الذي يريد أن يربيه الإسلام، الإنسان الذي لأجله الإسلام، ومنه الإسلام، وإليه الإسلام، هذا الإسلام يريد أن يكون الإنسان إنساناً لا يشعر بالفرح وهناك متعبون، كادحون، جائعون، فقراء.

لا يريد الإسلام أن يرى المسلم ينام شبعاناً وجاره جائع، وكما يقول أمير المؤمنين (سلام الله عليه): “أأقنع من نفسي أن يقال: أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش”.

وهكذا، “ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعاناً وجاره جائع” هذا الانسان الذي يتمكن أن يتجاهل جوع الجيران، وألم الأصدقاء، وعجز الفقراء، وحاجة المتعبين أمام عينه، وهو يكون مسروراً، فرحاً، مع أولاده وفي بيته، فهذا إنسان لا يرضى عنه الله.

أما الذي يرضى عنه الله، أما الذي يعتبره مصلحاً، ناجحاً، سعيداً، أما الذي يعتبره الاسلام إنساناً، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى / وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾، ولكن ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا / وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾(۴). حتى لأجلك، لأجل مصلحتك، يجب أن تفضل الآخرة على الدنيا. فإذاً، سعادة الإنسان تتم حينما يكون أخوه مسروراً معه، وجاره شبعاناً قبله، وصديقه مرتاحاً قبل أن يكون هو المرتاح. الإسلام يريد منا أن نشعر بأن جسدنا، ونفسنا أوسع من متر ونصف متر، يريد أن يرى فينا وجوداً واسعاً.

تتألم إذا مرض صديقك، وتبرد إذا برد جارك، وتئن إذا جاع رحمك، هكذا يريد. يريد أن يوسع هذا الشعور ويعمق هذه الصلة، ويجعل منك إنساناً أوسع جداً، وأكثر وجوداً من جسد طوله متر ونصف، وعرضه نصف متر. ولهذا يفرض عليك في هذا اليوم، الزكاة. ولا شك، أنكم أديتم الزكاة قبل الصلاة. ولكن، هل ترى أن الواجب ينتهي بزكاة المال، وبدفع المال؟ أنا أعتقد أن زكاة المال تبرز وترمز إلى زكاتك في كل شيء.

فاليوم، أنت يا أخي، كما تقدم من مالك زكاة لجارك أو لعائلتك، أو للفقير أيضاً، قدم من صحتك، من فرحك، من تجربتك، من سلامتك، من رأيك أيضاً، زكاة للمحتاج. فما المانع أن تمد يديك لكي تصافح من قاطعته وهو بحاجة إليك من دون أن تحتاج أنت إليه؟ فهل هناك من مانع أن توجه غشيماً؟ أو تعلم جاهلاً؟ أو تدخل السرور في قلب كئيب أو حزين؟ هذه أيضاً زكاة. وإنما زكاة تأتي من وراء هذا الرمز الذي هو زكاة المادة.

بعبارة موجزة، يريد الاسلام منك أيّها المسلم أن تضيء ليلة جارك المظلمة، قبل أن تضيء بيتك. ولهذا يقول لك: قبل أن تصلي وترجع إلى البيت، وتحتفل بأفراح العيد، زَكِّ. يريد لك أن تدخل السرور في بيت جارك قبل أن تدخله في نفسك. وهذا هو رمز الاسلام، وهذا هو معنى العيد، وهذه هي بركة العيد. فنسأل الله أن يكون هذا اليوم يوماً مباركاً ويوماً نقوم فيه بواجباتنا…