شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

المنكر للغدير خالد في النار

0 المشاركات 00.0 / 5

السنة العاشرة من الهجرة أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بصورة رسمية وعامة ولأول مرة النفير للحج، حيث أن يحضر من يستطيع إلى تلك المراسم, وسميت هذه السفرة بـ(حجة الوداع، أو حجّة الإسلام، أو حجّة البلاغ، أو حجّة الكمال، أو حجّة التمام).(موسوعة الغدير:١/٩)

وكان الهدف الأهم من هذه السفرة بيان أعظم ركن في الإسلام حتى يتَمم بها تبليغ الرسالة وهي الإمامة والولاية من بعده, حيث خرج من استطاع من المسلمين إلى الحج وأدّوا مناسكهم بتعليم مباشر من الرسول صلى الله عليه وآله, وبعد الانتهاء من المناسك أمر الرسول صلى الله عليه وآله بلال الحبشي أن ينادي بالناس (لا يبقى غداً أحد إلاّ خرج إلى غدير خم).

تحرَّكت تلك القافلة العظيمة نحو الغدير، وذلك في يوم الخامس عشر من ذي الحجة، أي بعد ثلاثة أيام من مراسم الحج, وعند منتصف الطريق في قبيل الظهر من يوم الإثنين, الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام، وقبل أن يتشعّب المصريّون والعراقيّون والشاميّون، ولدى وصولهم إلى منطقة (غدير خم) نزل جبرائيل عن الله تعالى بقوله: {يَا أَيهَا الرسُولُ بَلغْ مَا اُُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربكَ وَإِن لمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ إِن اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.[لمائدة:٦٧]

تسمَّر النبي صلى الله عليه وآله في مكانه وأصدر أمره إلى المسلمين بالتوقف. فتوقَّفت القافلة كلها في منطقة الغدير، وأخذ كل فرد يتدبَّر أمر إقامته هناك حيث نصبوا خيامهم وسكن الضجيج تدريجياً, وبأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله قام المقداد وسلمان وأبوذر وعمار بكسح الأشواك تحت الأشجار التي كانت هناك ورفع الأحجار وقطع الأغصان المتدلِّية إلى الأرض، ونظَّفوا المكان ورشُوه بالماء، ومدُوا ثياباً بين شجرتين لتظليل المكان.

ثم بنوا المنبر في وسط الظل، فجعلوا قاعدته من الأحجار ووضعوا عليها بعض أقتاب الإبل، حتى صار بارتفاع قامة ليكون مشرفاً على الجميع حتى يروا النبي صلى الله عليه وآله ويسمعوا صوته.

وبعد إقامة الصلاة ظهراً ارتقى النبي صلى الله عليه وآله المنبر ووقف على أعلى مرقاة منه، ثم دعا بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأمره أن يصعد المنبر ويقف إلى يمينه.

فجاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ووقف على المنبر أدنى من موقف النبي صلى الله عليه وآله بمرقاة بحيث وضع النبي صلى الله عليه وآله يده على كتفه وشرع النبي صلى الله عليه وآله في خطبته التاريخية و المشهورة، حيث إنّها آخر خطبة رسمية سمعها المسلمون من النبي صلى الله عليه وآله وألقاها إلى العالم أجمع، التي لم يذكر في التاريخ خطبة لنبي من الأنبياء مثلها وفي مثل هذا الحشد المهيب الذي اجتمع فيه أكثر من مائة وعشرين ألفاً من المسلمين.

استغرقت خطبة النبي صلى الله عليه وآله في الغدير نحو ساعة أو أكثر، لأنها كانت شاملة ومفصلة.

قسَّمنا الخطبة إلى أهم فقرات منها ما يلي:

 

الفقرة الأولى

في الفقرة الأُولى من الخطبة بدأ النبي صلى الله عليه وآله بحمد الله والثناء عليه، ذاكراً صفاته وقدرته ورحمته، شاهداً على نفسه بالعبودية المطلقة أمامه سبحانه وتعالى.

فقال صلى الله عليه وآله: «…الْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَلاَ فِي تَوْحِيدِهِ وَدَنَا فِي تَفَرُدِهِ وَجَلَّ فِي سُلْطَانِهِ وَعَظُمَ فِي أَرْكَانِهِ وَأَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ وَقَهَرَ جَمِيعَ الْخَلْقِ بِقُدْرَتِهِ وَبُرْهَانِهِ… بَارِئ الْمَمْسُوكَاتِ وَدَاحِي الْمَدْحُوَّاتِ مُتَفَضِّلٌ عَلَى جَمِيعِ مَنْ بَرَأَهُ مُتَطَوِّلٌ عَلَى كُلِّ مَنْ ذَرَأَهُ يَلْحَظُ كُلَّ نَفَسٍ وَالْعُيُونُ لاَ تَرَاهُ كَرِيمٌ حَلِيمٌ ذُو أَنَاةٍ قَدْ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَتُهُ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَتِهِ… لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ مُنْشِئٌ حَيٌّ حِينَ لاَ حَيَّ وَدَائِمٌ حَيٌّ وَقَائِمٌ بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ…».

وقد شهد على نفسه بالعبودية المطلقة فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «…أَشْهَدُ لَهُ بِأَنَّهُ اللهُ الَّذِي مَلأَ الدَّهْرَ قُدْسُهُ وَالَّذِي يَغْشَى الأَمَدَ نُورُهُ وَيَنْفُذُ أَمْرُهُ بِلاَ مُشَاوَرَةٍ وَلاَ مَعَ شَرِيكٍ فِي تَقْدِيرٍ وَلاَ يُعَاوَنُ فِي تَدْبِيرِهِ صَوَّرَ مَا ابْتَدَعَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ وَخَلَقَ مَا خَلَقَ بِلاَ مَعُونَةٍ مِنْ أَحَدٍ وَلاَ تَكَلُفٍ وَلاَ اخْتِبَالٍ شَاءَهَا فَكَانَتْ وَبَرَأَهَا فَبَانَتْ…».

 

الفقرة الثانية

وفي الفقرة الثانية ألفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين إلى الهدف الأصلي من الخطبة، وأخبرهم أنّ الوحي نزل عليه، وأنّه يجب عليه إبلاغهم الأمر الإلهي في علي بن أبي طالب، وإن لم يفعل فلا يؤمن عليه من عذاب الله وعقابه!

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «…وَأُشْهِدُ لَهُ بِالرُبُوبِيَّةِ وَأُؤَدِّي مَا أَوْحَى إِلَيَّ حَذَراً مِنْ أَنْ لاَ أَفْعَلَ فَتَحِلَّ بِي مِنْهُ قَارِعَةٌ لاَ يَدْفَعُهَا عَنِّي أَحَدٌ وَإِنْ عَظُمَتْ حِيلَتُهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لأَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَنِي أَنِّي إِنْ لَمْ أُبَلِّغْ مَا أَنْزَلَ إِلَيَّ فَمَا بَلَّغْتُ رِسَالَتَهُ وَقَدْ ضَمِنَ لِي تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْعِصْمَةَ وَهُوَ اللهُ الْكَافِي الْكَرِيمُ فَأَوْحَى إِلَيَّ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يا أَيُهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.[المائدة:٦٧]

مَعَاشِرَ النَّاسِ مَا قَصَّرْتُ فِي تَبْلِيغِ مَا أَنْزَلَهُ إِلَيَّ وَأَنَا مُبَيِّنٌ لَكُمْ سَبَبَ نزول هَذِهِ الآيَةِ، إِنَّ جَبْرَئِيلَ هَبَطَ إِلَيَّ مِرَاراً ثَلاَثاً يَأْمُرُنِي عَنِ السَّلامِ رَبِّي وَهُوَ السَّلاَمُ أَنْ أَقُومَ فِي هَذَا الْمَشْهَدِ فَأُعْلِمَ كُلَّ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخِي وَوَصِيِّي وَخَلِيفَتِي وَالإِمَامُ مِنْ بَعْدِي الَّذِي مَحَلُهُ مِنِّي مَحَلُ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي وَهُوَ وَلِيُكُمْ بَعْدَ اللهِ وَرَسُولِهِ…».

 

الفقرة الثالثة

وفي الفقرة الثالثة أعلن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إمامة اثني عشر إماماً من عترته إلى يوم القيامة، لكي يقطع بذلك طمع الطامعين بالسلطة بعده, ومن الأمور المهمة في هذه الخطبة الشريفة بيان النبي صلى الله عليه وآله عصمة الأئمة من بعده ونيابتهم عنه صلى الله عليه وآله في أُمور الدين والدنيا.

ثم أوضح صلى الله عليه وآله وسلم ببيانه الرائع ارتباط ركني الإسلام بين القرآن الكريم والعترة الطاهرة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «…فَاعْلَمُوا مَعَاشِرَ النَّاسِ أَنَّ اللهَ قَدْ نَصَبَهُ لَكُمْ وَلِيّاً وَإِمَاماً مُفْتَرَضَةً طَاعَتُهُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَعَلَى التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ وَعَلَى الْبَادِي وَالْحَاضِرِ وَعَلَى الأَعْجَمِيِّ وَالْعَرَبِيِّ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَعَلَى الأَبْيَضِ وَالأَسْوَدِ وَعَلَى كُلِّ مُوَحِّدٍ مَاضٍ حُكْمُهُ جَائِزٌ قَوْلُهُ نَافِذٌ أَمْرُهُ مَلْعُونٌ مَنْ خَالَفَهُ مَرْحُومٌ مَنْ تَبِعَهُ وَمَنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ وَلِمَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَأَطَاعَ لَهُ… فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ وَلِيُكُمْ وَإِلَهُكُمْ ثُمَّ مِنْ دُونِهِ رَسُولُكُمْ مُحَمَّدٌ وَلِيُكُمْ وَالْقَائِمُ الْمُخَاطِبُ لَكُمْ ثُمَّ مِنْ بَعْدِي عَلِيٌّ وَلِيُكُمْ وَإِمَامُكُمْ بِأَمْرِ اللهِ رَبِّكُمْ ثُم الإِمَامَةُ فِي ذُرِّيَّتِي مِنْ وُلْدِهِ إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ اللهَ عَزَّ اسْمُهُ وَرَسُولَهُ…».

 

الفقرة الرابعة

وفي الفقرة الرابعة من الخطبة وعندما كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام واقفاً على المنبر إلى جانب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أدنى منه بمرقاة، قال صلى الله عليه وآله وسلم له: «ادْنُ مني»؛ فاقترب منه أمير المؤمنين عليه السلام فأمسك النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضديه ورفعه من مكانه حتى حاذت قدماه ركبة النبي صلى الله عليه وآله وشاهد الناس بياض إبطيهما، وقال عند ذلك: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَه».

وبعد هذا المقطع من الخطبة الشريفة أعلن النبي صلى الله عليه وآله وسلم للناس نزول ملك الوحي عليه يخبره عن إكمال الدين وإتمام النعمة بولاية أمير المؤمنين عليه السلام: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}.[المائدة:٣]

فلمّا نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهُ أَكْبَرُ عَلَى إِكْمَالِ الدِّينِ وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ وَرِضَى الرَّبِّ بِرِسَالَتِي وَبِوِلاَيَةِ عَلِيٍّ مِنْ بَعْدِي».(مناقب علي عليه اسلام:١١٩/ح٦٦)

وهنا بدأ القوم يهنّؤون أمير المؤمنين، وممّن هنّأه في المقدّمة أبو بكر وعمر، حيث قال عمر: بخ بخ لك يا بن أبي طالب؛ أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.(شواهد التنزيل:١/٢٠٣)

 

الفقرة الخامسة

في الفقرة الخامسة قـال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فَمَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ وُلْدِي مِنْ صُلْبِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْعَرْضِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُون».

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَعَاشِرَ النَّاسِ قَدِ اسْتَشْهَدْتُ اللهَ وَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَتِي وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِين».

 

الفقرة السادسة

مجلة الوارث - العدد 99وفي الفقرة السادسة، بعد أن تلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة من آيات التحذير من العذاب واللعنة، ففي قوله تعالى {…مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى‏ أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولا}.[النساء:٤٧]

قال صلى الله عليه وآله وسلم: « بِاللهِ مَا عَنَى بِهَذِهِ الآيَةِ إِلاَّ قَوْماً مِنْ أَصْحَابِي أَعْرِفُهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِم قَدْ أُمِرْتُ بِالصَّفْحِ عَنْهُم‏… لأَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ قَدْ جَعَلَنَا حُجَّةً عَلَى الْمُقَصِّرِينَ وَالْغَادِرِينَ وَالْمُخَالِفِينَ وَالْخَائِنِينَ وَالآثِمِينَ وَالظَّالِمِينَ عَنْ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ».

ثم أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى أعداء الإسلام، الذين يدعون إلى النار وقال: «مَعَاشِرَ النَّاسِ سَيَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ».

ثم أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى وثيقة صحيفة المؤامرة التي كتبها بعض صحابته في حجة الوداع في مكة ووقَّعوا عليها، فقال: «…مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ وَأَنَا بَرِيئَانِ مِنْهُمْ مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّهُمْ وَأَنْصَارَهُمْ وَأَشْيَاعَهُمْ وَأَتْبَاعَهُمْ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ أَلاَ إِنَّهُمْ أَصْحَابُ الصَّحِيفَةِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ فِي صَحِيفَتِه…».

 

الفقرة السابعة

ثـم بيَّـن صلى الله عليه وآله وسلم فـي الفقــرة الســابعـة بـركـات ولايـة أهل البيت عليهم السلام ومحبتهم، وتلا على الناس سورة الحمد التي هي أُمُ الكتاب وقال: «فِيَّ نَزَلَتْ وَفِيهِمْ وَاللهِ نَزَلَتْ وَلَهُمْ شَمَلَتْ وَإِيَّاهُمْ خَصَّتْ وَعَمَّتْ أُولَئِكَ أَوْلِيَاءُ اللهِ الَّذِينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَحِزْبُ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ أَلاَ إِنَّ أَعْدَاءَهُمُ السُفَهَاءُ وَالْغَاوُونَ وَإِخْوَانُ الشَّيَاطِين».

ثم تلا صلى الله عليه وآله آيات من القرآن الكريم تتحدث عن أصحاب الجنة وأوضح أنّ المقصود بهم الشيعة وأتباع أهل البيت عليهم السلام,ثم تلا صلى الله عليه وآله وسلم آيات عن أصحاب النار وصرَّح بأنّ المراد بهم أعداء أهل البيت عليهم السلام.

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: «…مَعَاشِرَ النَّاسِ أَنَا صِرَاطُ اللهِ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِاتِّبَاعِهِ ثُمَّ عَلِيٌّ مِنْ بَعْدِي ثُمَّ وُلْدِي مِنْ صُلْبِهِ أَئِمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ».

 

الفقرة الثامنة

وفي الفقرة الثامنة من خطبة الغدير تطرَّق صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذكر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، فذكر أوصافه وبشَّر العالَم بالعدل والقسط على يده: فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «…أَلاَ إِنَّ خَاتَمَ الأَئِمَّةِ مِنَّا الْقَائِمُ الْمَهْدِيُ أَلاَ إِنَّهُ الظَّاهِرُ عَلَى الدِّينِ أَلاَ إِنَّهُ الْمُنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمِينَ أَلاَ إِنَّهُ فَاتِحُ الْحُصُونِ وَهَادِمُهَا أَلاَ إِنَّهُ قَاتِلُ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ أَلاَ إِنَّهُ الْمُدْرِكُ بِكُلِّ ثَارٍ لأَوْلِيَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَلاَ إِنَّهُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللهِ أَلاَ إِنَّهُ الْغَرَّافُ مِنْ بَحْرٍ عَمِيقٍ أَلاَ إِنَّهُ قَسِيمُ كُلِّ ذِي‏ فَضْلٍ بِفَضْلِهِ وَكُلِّ ذِي جَهْلٍ بِجَهْلِهِ أَلاَ إِنَّهُ خِيَرَةُ اللهِ وَاللهُ مُخْتَارُهُ أَلاَ إِنَّهُ وَارِثُ كُلِّ عِلْمٍ وَالْمُحِيطُ بِهِ أَلاَ إِنَّهُ الْمُخْبِرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمُنَبِّهُ بِأَمْرِ إِيمَانِهِ أَلاَ إِنَّهُ الرَّشِيدُ السَّدِيدُ أَلاَ إِنَّهُ الْمُفَوَّضُ إِلَيْهِ أَلاَ إِنَّهُ قَدْ بَشَّرَ بِهِ مَنْ سَلَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَلاَ إِنَّهُ الْبَاقِي حُجَّةً وَلاَ حُجَّةَ بَعْدَهُ وَلاَ حَقَّ إِلاَّ مَعَهُ وَلاَ نُورَ إِلاَّ عِنْدَهُ أَلاَ إِنَّهُ لاَ غَالِبَ لَهُ وَلاَ مَنْصُورَ عَلَيْهِ أَلاَ وَإِنَّهُ وَلِيُ اللهِ فِي أَرْضِهِ وَحَكَمُهُ فِي خَلْقِهِ وَأَمِينُهُ فِي سِرِّهِ وَعَلاَنِيَتِهِ…».

 

الفقرة التاسعة

ثم تطرَّق إلى مسألة البيعة في الفقرة التاسعة وبيَّن أهميتها وقيمتها فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الْبَيْعَةَ مِنْكُمْ وَالصَّفْقَةَ لَكُمْ بِقَبُولِ مَا جِئْتُ بِهِ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ الَّذِينَ هُمْ مِنِّي وَمِنْهُ أَئِمَّةٌ قَائِمَةٌ مِنْهُمُ الْمَهْدِيُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الَّذِي يَقْضِي بِالْحَق».

وأشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنّ هذه بيعة الله قائلاً: «…مَعَاشِرَ النَّاسِ قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ وَأَفْهَمْتُكُمْ وَهَذَا عَلِيٌّ يُفْهِمُكُمْ بَعْدِي أَلاَ وَإِنَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ خُطْبَتِي أَدْعُوكُمْ إِلَى مُصَافَقَتِي عَلَى بَيْعَتِهِ وَالإِقْرَارِ بِهِ ثُمَّ مُصَافَقَتِهِ بَعْدِي أَلاَ إِنِّي قَدْ بَايَعْتُ اللهَ وَعَلِيٌّ قَدْ بَايَعَنِي وَأَنَا آخِذُكُمْ بِالْبَيْعَةِ لَهُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ».

 

الفقرة العاشرة

وفي الفقرة العاشرة من هذه الخطبة المباركة تنبَّأ صلى الله عليه وآله وسلم بمستقبل المسلـمين ومـا سيـواجهـونه مـن مصـاعـب، فعيَّـن لـهـم أمير المؤمنين عليه السلام المرجع في ذلك.

كما أوجب على المسلمين إبلاغ خطاب الغدير إلى غيرهم تطبيقاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ هو أعظم مصداق لذلك.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَعَاشِرَ النَّاسِ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَئِنْ طَالَ عَلَيْكُمُ الأَمَدُ فَقَصَّرْتُمْ أَوْ نَسِيتُمْ فَعَلِيٌّ وَلِيُكُمْ وَيُبَيِّنُ لَكُمْ الَّذِي نَصَبَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدِي وَمَنْ خَلَقَهُ اللهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ يُخْبِرُكُمْ بِمَا تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَيُبَيِّنُ لَكُمْ مَا لاَ تَعْلَمُون».

 

الفقرة الحادية عشر

وفي هذه الفقرة من الخطاب النبوي الشريف أخذ في أمر البيعة قائلاً: «قد أمرني الله عز وجـل أن آخـذ من ألسنتـكم الإقـرار بما عقدتُ لعليٍّ أميرالمؤمنين ولمن جاء بعده من الأئمة».

ثم عيَّن عبارة فيها طاعة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام والمبايعة بالقلب واللسان واليد، والميثاق على عدم التغيير والشك والجحد وأداء هذه الأمانة إلى الأجيال.

ثم أمرهم أن يردِّدوا ما ذكره, فاستجاب المسلمون وفعلوا ما أمرهم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وردَّدوا ما قاله، وتمَّت البيعة العامة بهذه الصورة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم واقف على المنبر, وفي ختام الخطبة الشريفة دعا صلى الله عليه وآله وسلم للمبايعين كما دعا على المعاندين، وختم خطبته الشريفة بالحمد لله رب العالمين.

فبعد انتهاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خطبته ضج الناس قائلين: «نعم، سمعنا وأطعنا لأمر الله ورسوله بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا».(الاحتجاج:١/٦٥)

أهدى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله عمامته التي تسمى (السحاب) ووضعها على رأس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وألقى بحنكها على كتفه، على ما كان من عادة العرب عند إعلان رئاسة شخص.

ثم إنّ الحاضرين تزاحموا على النبي وأمير المؤمنين عليهما السلام وتسابقوا إلى البيعة والتهنئة بهذه المناسبة, ومن أجل تأكيد البيعة شرعياً ورسمياً أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الانتهاء من الخطبة أن تنصب خيمتان: إحداهما خاصة به والأخرى لأمير المؤمنين عليه السلام، وأمره بالجلوس فيها وأمر الناس بأن يهنِّؤوه ويبايعوه, وأقبل الناس مجاميع، كل مجموعة تدخل أولاً إلى خيمة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ويبايعونه ويباركون له هذا اليوم، ثم يذهبون إلى خيمة أمير المؤمنين عليه السلام ويهنِّؤونه ويبايعونه بخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإمامة والولاية من بعده، ويسلِّمون عليه بإمرة المؤمنين.(الغدير:١/٥٨)

وظهر جبرئيل في الغدير بشكل رجل حسن الصورة طيب الريح واقفاً بين الناس وقال: «…إِنَّهُ يَعْقِدُ عَقْداً لاَ يَحِلُهُ إِلاَّ كَافِرٌ بِاللهِ الْعَظِيمِ وَبِرَسُولِهِ وَيْلٌ طَوِيلٌ لِمَنْ حَلَّ عَقْدَهُ…».(الاحتجاج:٢/٦٧)

ثم أمـر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مناديـه أن يمشي بين النـاس ويكرر عليهم جوهر بيعة الغدير بهذه العبارة: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَه».

وفي ذلك اليوم تقدَّم حسّان بن ثابت الشاعر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستأذنه أن يقول شعراً بمناسبة الغدير، فأذن له وألقى حسان أول قصيدة عن الغدير في ذلك المكان لتبقى سنداً حياً وتاريخياً للواقعة.(سليم بن قيس:٢/٨٢٩)

واستمرت هذه المراسم ثلاثة أيام حتى شارك المسلمون الحاضرون جميعهم في البيعة, والنساء لم تستثن من البيعة حيث أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم النساء كذلك بالبيعة لعلي عليه السلام بإمرة المؤمنين وتهنئته، وقد أكَّد ذلك بصورة خاصة على زوجاته وأمرهن أن يذهبن إلى خيمته ويبايعنه!

فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإحضار إناء كبير فيه ماء، وأن يضرب عليه بستار بحيث إنّ النساء كنَّ يضعن أيديهن في الإناء خلف الستار، وأمير المؤمنين عليه السلام يضع يده في الإناء من الجانب الآخر، وبهذه الصورة تمت بيعة النساء.

وهكذا تمت مراسم الغدير في ثلاثة أيام وعرفت بعد ذلك بـ(أيام الولاية)، وبقيت أحداثها إلى اليوم راسخة في الأذهان.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية