شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

أنا الحسين بن علي

0 المشاركات 00.0 / 5

كان يزيد بن معاوية (لعنهما الله) جالساً على سرير فوقه غطاء من الديباج المزركش تتناثر عليه الطنافس الملونة في أحد قصور الأمويين في مدينة (حوارين) الواقعة شمال دمشق، بين حمص وتدمر، والتي كان يسكنها بقايا من النصارى الآراميين، وتمتاز بخرائبها وآثارها القديمة ومرابعها الواسعة التي كان غالباً ما يتردد عليها يزيد للصيد والقنص.

تقدم فارس ملثم طويل القامة من أحد حراس يزيد وهو يحمل قرطاساً قبض عليه بعناية، وأسرّ له قولاً.

فدخل الحارس على يزيد (لعنه الله) وقال له: لقد أتاك بريد من دمشق، وهو يطلب الدخول.

فنهره يزيد بصوت مخمور، قائلاً: إليك عني يا هذا، وأخبره أن ينتظر حتى الصباح.

فرجع الحارس إلى الفارس، ونقل إليه قول يزيد. فقال له الفارس بلهجة جادّة وحاسمة: أخبره أنّ الأمر يتعلق بالحكم، وليس من سبيل لإرجائه حتى الصباح.

فدخل الحارس ثانية على يزيد، وأخبره بكلام الفارس. فاعتدل يزيد في جلسته، وقال له: فليدخل.

فحلّ الفارس لثامه، ودخل وسلم على يزيد، ووقف بين يديه، وناوله القرطاس. ففضّه يزيد، وقرأه.

وكان كتاباً من الضحّاك بن قيس رئيس الشرطة، يخبره بموت معاوية بن أبي سفيان، ويحثّه على الإسراع في القدوم حتى يجدّد أخذ البيعة.

وكان معاوية قبيل مرضه الذي مات فيه قد أخذ البيعة ليزيد على كرهٍ من الناس بحيلةٍ له مع جماعة من الذين يتشيعون لبني أمية، ومنهم المغيرة بن شعبة، والضحاك بن قيس الفهري، وعمرو ابن سعيد بن العاص الملقب الأشدق، ويزيد بن المقنع العذري؛ بينما امتنع عنها نفر من المدينة المنورة.

فلما علم يزيد بموت أبيه، حزم أمره وتعجّل يطلب دمشق.

فوصلها بعد ثلاثة أيام من دفن معاوية.

وكان الضحاك بن قيس قد خرج لاستقبال يزيد على مشارف دمشق في جمع من الناس، فتقدّم يزيد في طريقه إلى دار الحاكم.

فلحق به الضحاك، وأشار عليه بالذهاب أولاً إلى قبر أبيه.

فنزل على رأيه، وذهب إلى قبر معاوية وألقى عليه نظرة، ثم انثنى على المسجد وارتقى المنبر، وخطب في الناس، فقال: (أيها الناس، لقد كان معاوية عبداً من عبيد الله، ثم قبضه الله إليه، ولا أزكيه على الله فإنه أعلم به، إن عفا عنه فبرحمته، وإن عاقبه فبذنبه، وقد وليت الأمر من بعده، ولست آسى على طلب ولا أعتذر من تفريط، وإذا أراد الله شيئاً كان؛ ولقد كان معاوية يغزو بكم في البحر، وإني لست حاملاً أحداً من المسلمين في البحر، وكان يشتّيكم بأرض الروم، ولست مشتّياً أحداً بأرض الروم، وكان يخرج عطاءكم أثلاثاً، وأنا أجمعه كله لكم).

وكان يزيد بذلك يمينهم بالراحة والسلامة والثراء، بينما هو قد طوى جوانحه على إعدادهم للمواجهة المرتقبة التي كان قد عقد العزم عليها ووطّد نفسه على خوضها في الداخل.

فلما أنهى يزيد خطبته، لم يتقدم أحد لتعزيته، ولم يمد له الحاضرون يداً. فأسقط في يده!

ولكنه تماسك وأخفى حنقه. وظل رابط الجأش، إلى أن قام رجل اسمه عبد الله بن همام السلولي، فقال: يا أمير، آجرك الله على الرزية، وبارك لك في العطية، وأعانك على الرعية. فتبعه رجل من ثقيف.. وآخر.. وآخر.

ثم أخذ الناس يعزونه بموت أبيه، ويهنئونه بتوليته الحكم.

فما لبث يزيد أن أقبل عليهم رغبة في التلميح إلى ما هو مقدّم عليه، ليستشف ما تنطوي عليه نفوسهم  فقال: (أبشروا يا أهل الشام، فإن الخير لم يزل فيكم، وستكون ملحمة بيني وبين أهل العراق، فمنذ ثلاث ليال رأيت في منامي كأن نهراً يجري بالدم جرياً شديداً بيني وبين أهل العراق، فجعلت أجهد نفسي لأجوزه، حتى جازه بين يديّ عبيد الله بن زياد، وأنا أنظر إليه ولم أقدر..!

فصاح أهل الشام: امض بنا حيث شئت يا أمير، فإن معك سيوفنا وقلوبنا؛ فأجزل يزيد لهم العطاء، وبعثر فيهم الأموال.

وخرج إلى دار الخلافة؛ واستتب الأمر ليزيد بن معاوية في دمشق، وتربع على الأريكة، وقبض على صولجان الحكم، ولم يكن يعكّر صفوه إلا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية البيعة ليزيد.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية