شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

الرد القاصم على من فضَّل عائشة على السيدة فاطمة بالعلم والمعرفة

0 المشاركات 00.0 / 5

حاولت طائفة من أعلام أهل السنة ومحدثيهم تسليط الضوء على كثرة ما روي عن عائشة من الروايات والأحكام والأخبار والاستفادة من هذه الكثرة في مسألة التفضيل فيما بينها وبين السيدة خديجة بنت خويلد والسيدة فاطمة بنت محمد عليها السلام، فزعموا أنّ كثرة الرواية والنقل تدل على العلم، والعلم يدل على الفضل، وليس للسيدة خديجة ولا السيدة فاطمة عليها السلام من الرواية والأحكام مثل ما لعائشة، وهذا يعني انها افضل، وهذا ملخص مفيد لمقاصد القوم ونياتهم على اختلاف ألفاظهم.

قال ابن القيم الجوزية في كتابه (بدائع الفوائد ج3 ص682): (فائدة التفضيل بين عائشة وفاطمة: الخلاف في كون عائشة أفضل من فاطمة أو فاطمة أفضل… وإن أريد بالتفضيل التفضل بالعلم فلا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها).

ويرد على كلام ابن القيم بأمور عديدة منها:

1: السيدة فاطمة عليها السلام أعظم ثوابا عند الله سبحانه من عائشة

ان التفضيل بكثرة الثواب عند الله سبحانه وان كان لا يطلع عليه إلا بالنص لأنه من أعمال القلوب، إلا أن النص موجود في مورد التفضيل ما بين السيدة فاطمة عليها السلام وعائشة، فالحديث الذي وصف السيدة فاطمة الزهراء بسيدة نساء أهل الجنة كافٍ لمعرفة كثرة ثوابها عند الله سبحانه؛ لأنها عليها السلام لو لم تكن أكثر نساء العالمين ثوابا لما صارت أفضلهن، فصيرورتها سيدة لنساء أهل الجنة يثبت فضلها على عائشة بنت أبي بكر بل على سائر نساء العالمين من حيث الثواب المتعلق بالجوارح والقلوب.

2: السيدة الزهراء عليها السلام أعظم علما واكبر فائدة من عائشة

وأما التفضيل بالعلم وقوله بأنه (لا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها) فهو غير مسلم بصحته، وهو أيضا يعبر عن وجهة نظر مذهبية، وهو قول أهل السنة فقط، وللشيعة الإثني عشرية أعزهم الله روايات كثيرة متواترة تنص على أن السيدة الزهراء تركت بعد موتها علما جما، كتبته في مصحف خاص سمي فيما بعد بمصحف فاطمة وهو كتاب يحتوي على روايات وأحكام سمعتها من النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، إضافة إلى أخبار أخرى تتعلق بما سيكون في مستقبل الأيام والدهور أخبرها به الملك الذي كان يواسيها ويؤنسها بعد رحيل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو عند الأئمة المعصومين عليهم السلام يتوارثه إمام بعد إمام، ولولا خوفهم عليهم السلام من أئمة الجور وأشياعهم وأتباعهم وأوليائهم لأخرجوه للناس ولاستفادت منه الأمة اشد وأعظم مما استفادته الأمة من أحاديث عائشة وأحكامها.

ثم ان السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام لم يمهلها الأجل ولم تعطها السلطة التي كانت عائشة إحدى ركائزها ودعائمها الفرصة لنيل ما تستحقه من العناية بها وبحديثها، فقد قطفت زهرة عمرها في الأيام الأولى لرحيل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الدنيا، فلم تحظ بفرصتها كمحدثة وعالمة، ولم تهتم السلطة بها وبحديثها مثلما اهتمت بعائشة وبحديثها، بل العكس هو الذي جرى عليها بأبي هي وأمي، فقد عاشت تلك الأيام القليلة بعد رحيل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهي حبيسة بيتها، بسبب ضرب السلطة ورموزها لها، حتى اسقطوا جنينها، وكسروا ضلعها، وصادروا نحلتها، ومنعوها إرثها، وروعوا أولادها، وأحرقوا بيتها، فهل ينتظر من مثل هؤلاء أن يصغوا إلى رواياتها، وينقلوا حديثها، ويقروا بعلمها، ويفضلوها على عائشة التي لولاها لما قامت لدولة أبيها قائمة، هيهات أن يفعلوا كل ذلك.

كما وهنالك شواهد عديدة تشير وبوضوح إلى أن السيدة فاطمة بنت محمد عليها السلام كانت في حياة أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أعلم من عائشة، بل وأعلم من سائر نساء المؤمنين حتى نساء النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ففي الحديث المروي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام انه قال: (قال لنا رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ ذات يوم: أي شيء خير للمرأة؟ فلم يكن عندنا لذلك جواب، فلما رجعت إلى فاطمة قلت: يا بنت محمد، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سألنا عن مسألة فلم ندر كيف نجيبه! فقالت: وعن أي شيء سألكم؟ فقلت: قال: أي شيء خير للمرأة؟ قالت: فما تدرون ما الجواب: قلت لها: لا، فقالت: ليس خير من أن لا ترى رجلا ولا يراها، فلما كان العشي جلسنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت له: يا رسول الله إنك سألتنا عن مسألة فلم نجبك فيها، ليس للمرأة شيء خير من أن لا ترى رجلا ولا يراها، قال: ومن قال ذلك؟ قلت: فاطمة: قال: صدقت، إنها بضعة مني) وهذا الحدث كان في وقت عائشة وزمانها فأين ذهب علمها عنها؟ ولماذا لم تجب عن سؤال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم؟.
مجلة الوارث 72
فضل فاطمة على عائشة

3: عائشة تصور نفسها للناس بأنها سفيهة قليلة المعرفة وكثيرة اللهو واللعب

إن عائشة بنت أبي بكر كانت ولحين وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصور نفسها بنفسها للتاريخ وتصف لنا شخصيتها وأنها الفتاة الصغيرة الحديثة السن والسفيهة بحسب تعبيرها، فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن (يحيى بن عباد بن عبد الله ابن الزبير عن أبيه عباد قال سمعت عائشة تقول مات رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم بين سحري ونحري وفي دولتي لم أظلم فيه أحدا فمن سفهي وحداثة سني ان رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم قبض وهو في حجري ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي) (مسند احمد ج 6 ص 274).

وصورت نفسها في رواية أخرى بأنها لم تكن تعرف كيف تغسل وجه أسامة بن زيد وجسمه بالماء حينما كان صبيا، فعن الشعبي عن عائشة قالت: (أمرني رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم أن أغسل وجه أسامة بن زيد يوما وهو صبي قالت وما ولدت ولا أعرف كيف يغسل الصبيان قالت فأخذته فغسلته غسلا ليس بذاك، قالت فأخذه ــ يعني النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ــ فجعل يغسل وجهه ويقول لقد أحسن بنا إذ لم تك جارية ولو كنت جارية لحليتك وأعطيتك) (كنز العمال ج13 ص272).

وصورت نفسها بأنها كانت حريصة على اللهو، فقد أخرج البخاري في صحيحه (ج 6 ص 159) عن عروة عن عائشة انها قالت: (رأيت النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم يسترني بردائه وأنا انظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأم فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو).

وقد وصفتها بريرة إحدى النساء اللاتي عشن مع عائشة زمنا طويلا وعلمن بحالها وشؤونها بوصف ينم عن إهمالها وعدم مبالاتها واكتراثها بما يدور حولها بقولها: (إنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله) (المصدر السابق ج 3 ص 147).

وأخرج البخاري (ج3 ص157) في قصة الإفك المزعومة اعترافها بأنها لم تكن تقرأ كثيرا من القرآن، وأنها أحقر من أن يتكلم القرآن بأمرها، فقالت: (…وأنا جارية حديثة السن لا اقرأ كثيرا من القرآن….ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيا ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري).

وانها وعلى الرغم من زواجها من النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ومضي سنين عديدة من هذا الزواج تصر على تصوير نفسها بأنها جارية صغيرة مدللة تأتي الجواري الصغار إليها يلعبن معها، وأنها كانت لديها دمى تلعب بها وغير ذلك من المضحكات، فقد روى البخاري (ج 7 ص 102)عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: (كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم إذا دخل يتقمعن منه فيسر بهن إلي فيلعبن).

وفي سنن أبي داود(ج 2 ص 462): (حدثنا مسدد، ثنا حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كنت ألعب بالبنات، فربما دخل علي رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وعندي الجواري، فإذا دخل خرجن، وإذا خرج دخلن).

وفي سنن أبي داود (ج 2 ص 462 ــ 463) أيضا عن عائشة قالت: (قدم رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم من غزوة تبوك، أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان؟ قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه).

فإذا جمعنا كلمات عائشة التي قالتها بنفسها عن نفسها فسنكتشف بأنها، لا تعرف حتى كيف يغسل وجه الصبي وبدنه مع أن هذا الأمر بديهي، فمثلما يغسل الإنسان وجه نفسه كذلك يغسل وجه غيره، ولكنها لم تدركه على الرغم من بداهته، وإنها كانت جارية حريصة على اللهو، وتنام عن عجين أهلها حتى تأتي الدابة فتأكله، وتدع أهلها بلا خبز ولا عجين، ولا تقرأ كثيرا من القرآن، وإنها كانت بمنزلة أحقر من أن يتكلم القرآن بأمرها، وإنها كانت على الرغم من زواجها من سيد المرسلين وخير الأنبياء والأولياء صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنها تصر على التصرف بطفولة وقلة اكتراث بمركزها الاجتماعي فكانت تلعب بالدمى شأنها شأن الأطفال الصغار وتدخل عليها الجواري الصغار ليلعبن معها، وان هذه الحالة من الطفولية والبساطة في التصرفات قد صاحبتها إلى حين وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث بقيت تصف نفسها بحداثة السن والسفاهة في الرأي والتصرف كما تقدم.

فامرأة بهذا الوصف وبهذه الشأنية وبهذا القدر والمنزلة كيف أصبحت يا ترى وبين ليلة وضحاها أفضل نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل وأفضل من سائر نساء المسلمين، وحتى غالى بعضهم وقارن بينها وبين مريم العذراء وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين، وإنها اعلم الصحابة، وإنها كما يقول ابن القيم (عائشة أعلم وأنفع للأمة وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها)، أو كما يقول ابن كثير في (البداية والنهاية ج 3 ص 159): (وروت بعده عنه عليه السلام علما جما كثيرا طيبا مباركا فيه) ، أو كما يقول ابن حجر في (فتح الباري لابن حجر ج 7 ص 82 ــ 83): (وقد حفظت عنه شيئا كثيرا وعاشت بعده قريبا من خمسين سنة فأكثر الناس الأخذ عنها ونقلوا عنها من الأحكام والآداب شيئا كثيرا حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها) ، فهل يعقل مسلم عاقل أن يأخذ ربع دينه من امرأة وصفت نفسها بالسفاهة تارة وبالحرص على اللهو واللعب تارة أخرى.

4: السيدة فاطمة عليها السلام أفضل من عائشة بشرف الأصل وجلالة النسب

وبهذا يندفع وجهان من أوجه التفضيل لعائشة على سيدة نساء العالمين عليها السلام فمن حيث كثرة الثواب فان الزهراء عليها السلام أكثر كما بينا في النقطة الأولى، ومن حيث العلم فان السيدة الزهراء اعلم كما بينا في النقطة الثانية والثالثة، وبقي وجهان من أوجه التفضيل التي أقرها ابن القيم بقوله في (بدائع الفوائد لابن القيم الجوزية ج3 ص682): (وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب فلا ريب أن فاطمة أفضل فإنها بضعة من النبي وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير أخواتها وإن أريد السيادة ففاطمة سيدة نساء الأمة وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل) ونحن نوافقه الرأي، ففاطمة وبلا خلاف بين المسلمين أفضل نسبا من عائشة بنت أبي بكر بل ومن سائر نساء النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ومن جميع نساء المسلمين، وبهذا تثبت أفضليتها عليها السلام بجميع أوجه التفضيل، وصار الكلام بعلم وعدل.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية