شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

من محاورات الشیطان قصة من الأدب الدینی.. صراع فی الظلا

0 المشاركات 00.0 / 5

في إحدى الليالي.. وربما كنت متعباً.. تكاسلت عن صلاة المغرب.. ودخلت العشاء.. وظللت ساعة أو زهاءها في الظلام.. فلم أقم حتى لاضى نور غرفة فخيل إليّ أنني أراه إلى جواري. فهو يأتي في مثل هذه الساعات والأحوال. فقلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. ولكنه لم يتحرك ولم يذهب… قلت عجباً.. ألست أنت الشيطان؟ قال: نعم إنني هو…

قلت: ولكنني استعذت بالله منك لتذهب.

فأجاب: إن الاستعاذة لم تكن صادرة من قلبك – مجرد كلمات رددها لسانك على أطرافه، حتى قلبك لم يكن حاضراً – وأما عزمك للخلاص مني فقد كان غائباً تماماً – إن الاستعاذة القوية التي يعنيها صاحبها هي سلاح لا أقوى على مواجهته.. ولكن هب أن معك مدفعا ذا طلقات معدة.. ولكنك وضعت المدفع بعيدا عنك.. فوق جبل بعيدة، ثم اعترضك في الطريق قاتل فقلت له: اذهب وإلا ضربتك بالمدفع الذي هناك.. إن هذا لا يكون غير نوع من السخف.. وهكذا الأمر بيننا إنك لم تكن جادا في الاستعاذة ولذلك فإنني هنا.. لقد غفلت عن صلاتك فهذه ساعتي، إنها حقي.

ثم تمهل الملعون وقال: ولكن لماذا تريد أن تصرفني؟.. إنني أستطيع أن أسليك ما دمت متعبا متكاسلاً عن الصلاة…

قلت: فأنت سعيد إذن بهذه الفرصة..؟

قال: سأحاول أن أكون صادقاً معك.. إنني أطلب إليك أن تزيح كلمة السعادة جانباً.. لقد مسحت هذه الكلمة من قاموس حياتي منذ أجيال موغلة في ظلمات القدم – منذ أخرجت آدم وأمكم من الجنة…

قلت: فأنت إذن تشعر بالندم..!!؟

قال: وماذا يجدي الندم. إنني أشعر بالحقد والرغبة في الانتقام.

إن عدوي الأكبر قد نال رضوان ربه منذ تلقى منه سبحانه كلمات فتاب عليه.. لقد زاد ذلك الغفران من غيظي.. لقد أفلت الأب من براثني فأنا أزرع الألغام في طرقات أبنائه.. إنها ألغام قد تبدو في صورة التحف.. إنني أبثها في أكثر الأحيان تحت شجيرات الورد. إن لذتي الكبرى حين أبصر أشلاء الذين تنسفهم ألغام ملذاتي.. إنهم يسمعون ضحكاتي حين يتخبطون وهم يهوون إلى الأعماق السحيقة…

قلت في غيظ شديد: ألا يستطيع أحد أن يراك على حقيقتك؟ فضحك المجرم الأبدي وأجاب، لا أعتقد إنك تظنني ساذجا إلى هذا الحد..!!، إذا مررت بالحانات، أو علب الليل، أو كثير من دور اللهو الأسود. فسوف ترى أقواما يتسامرون ويتنادمون ويقضون أوقاتهم في تعاطف كاذب.. إنني سيد هذه المواقف.. وهؤلاء الأخلاء هم أعواني.. إن بعضهم لبعض عدو في صورة صديق وإنني لبارع في إعداد هذه الصور في أزياء شتى، لقد يمضي وقت طويل دون أن يعرف كل منهم الآخر على حقيقته، إن الخيانات الزوجية.. وسرقات الأموال.

وما إلى ذلك من الجرائم، إنما تنشأ غالباً من بين هؤلاء الذين يتعارفون ويتسامرون تحت لوائي.. إنني أرى أنك توشك أن تسألني سؤالا عن أولئك الذين يتنكبون طريقي من الأتقياء، إن هؤلاء لا يروني لأنني لا أستطيع أن اقترب منهم على الإطلاق إلا في مثل هذه الساعة التي أنت فيها الآن.. وأنت تعرف أنني بالمرصاد.. إن اللص الذي يريد أن يسرق دارا فيها جواهر، فإنه يتوارى وهو يراقب تلك الدار منتهزاً فرصة يغيب عنها صاحبها فيسطو على الغنيمة.. إن غنيمتي هي قلوبكم فلا تلوموا غير أنفسكم حين تغفلون عنها.

قلت: وحين تغترس أحدا من بني البشر.. من أولئك المساكين الذين تنسف حياتهم وسعادتهم بقوة الألغام التي تبثها في الشهوات والملذات أتراك تنصرف عنهم بعد ذلك.!؟

قال بقوة: لو انصرفت عنهم لكان ذلك لوناً من ألوان الرحمة. وذلك شيء لا أعرفه. إنني أنتظر هؤلاء في ساعة الموت حين يكونون على أبواب الأبدية.. حين تبسط لهم الملائكة أيديهم قائلة: أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون.. حين تحاول أرواحهم أن تغيب في طيات الأجساد فتنتزع كما ينتزع السفود من الصدف.. إنني في هذه اللحظات أكون واقفاً عن بعد.. إنهم يرونني هازناً شامتاً ضاحكاً.. إنهم يرونني بقوة وأنا أزفهم إلى عرصات الجحيم…

قلت في أسى ووجيعة: يا لك من خسيس حقير. ترى هل تقف بك الشماتة بالمساكين من بني البشر عند هذا الحد..؟

أجاب وقد تجهم وجهه واسود حتى صار في لون القطران.. وما ظنك بهؤلاء الذين جمعوا الأموال وكدسوها دون إنفاق في الوجوه التي أمروا بها.. وما ظنك بهؤلاء الذين يفرون من واجب مقدس أو يكتفون بتهاوي الكلام.. وما ظنك بقاطعي الأرحام.. إن ألغامي ليست كلها شهوات وملذات حسية.. إن الاشحاء تعود أرواحهم من قبورهم لترى ماذا يصنع الوارث بأموالهم، ثم تلسعهم أموالهم بشواظ من نار.. وهؤلاء ليسوا أقل حظاً من الآخرين، ممن ذكرت أمرهم لك، أو من الذين يتيهون على الأرض مرحاً.. أو الذين تمر الآيات من آذانهم اليمنى لتخرج من اليسرى دون أن تحرك قلباً أو تدعو إلى إرادة السلوك والتطبيق.. إن في سجلات حسابي الكثير وفوق الكثير.. وهؤلاء وهؤلاء يظل شبحى الأسود مائلاً أمامهم في قبورهم.. إنني أتجرع وإياهم كؤوس الحسرات.. إننا من صنف واحد.. وقد اختار بعضنا بعضاً فلا مفر من المصير.

قلت: سواء كنت تسمي هؤلاء أعداء لك أو اصدقاء فإن الأمر سيان لأن العواقب لا تختلف، ولكنني أسألك هل ترصدهم عندك في سجلاتك السوداء في درجة سواء؟

فأجاب معاتباً: كيف تظن هذا الهراء..؟ كيف تردني أن أسوي بين التافه الحقير الذي يختلس بعض المال أو ذلك الخنزير القذر الذي يخلو في ظلمات العار والحرام بامرأة ما، كيف أسوي بين هذا أو ذاك بذلك المتربع على عرش سلطة عظمى ويأمر قاذفات النار بتدمير القرى على ألوف النساء والأطفال ثم يشرب سعيدا نخب هذا الانتصار!؟ إن هذا الرجل يسير تحت ظل جناحي على حين أدفع الآخرين بأطراف أناملي…

ثم استطرد اللعين وهو ينظر إلى بعيد: ولكنني أقول لك حقا وصدقا… إنني وضعت التاج على رأس ذلك الذي اخترع القنبلة الذرية.. إننا معشر الشياطين على مدار ألوف الألوف من الأجيال لم نستطع أن نفعل ما فعلتموه أنتم بأنفسكم…

قلت: أيها الكذوب لا تحاول أن تراوغ.. إنك أكبر عالم من علماء الشر الأسود.. أنت كبير علماء الذرة والصواريخ المدمرة، أنت الذي أوحيت بها ووضعت أفكارها في رؤوس هؤلاء…

فأجاب في تمعن: قد يكون الأمر كذلك على صورة ما.. ولكنني لا أفعل ذلك إلا حين أجد استجابة في القلوب.. لو كانت هناك ذرة من الحب الإنساني والتعاطف البشري في قلب هؤلاء لما استمعوا إليّ وما فعلوه…

إن الذي تعانون منه جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها هو ضياع الحب.. بالحب قامت السماوات والأرض.. إن ما تسمونه أنتم جاذبية الكواكب لبعضها.. تلك الجاذبية التي تمنعها من التردي في الفضاء.. هذه الجاذبية بين الجمادات.. بين ذرات الأحجار حتى تتماسك، كل هذا يمكن أن تسميه حبا.. إن الكائنات والجمادات والأشجار والنجوم والجبال والدواب تتعاطف أنتم فقط الذين تتغذون بالكراهية، وإنني أنتظر الساعة التي أرث فيها وحدي أرضكم.. ربما لا يمضي على ذلك وقت طويل.. إنكم تقتربون من ساعة الصفر.

قلت: إن الصياد حين يريد أن يصيد سمكة فإنه يضع لها طعما لذيذا في الشص ما هو الطعم الذي ترى أكثر الناس يحبونه؟

قال ضاحكاً أنت كعادتك تريد أن تغوص إلى أعماق مهنتي.. لا بأس.. إن أعظم طعم يحبه الناس هو الغرور.. الغرور يجعلهم يغفلون عن حقيقة اللذات… إنك تعرف أين تنتهي أعظم وجبات الطعام الشهي بعد ساعات من تناوله. ومع ذلك يرتكبون الجرائم في سبيل المزيد مما يهيء لهم ذلك.. وهم يرون مساكن الذين كانوا من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وبأسا، ويسمعون من التاريخ عن مصير أصحاب الصولجان.. ومع ذلك يتكالبون ليسلكوا نفس الطريق.. إنني أزين لهم ذلك.. إن الكشف عن الحقيقة في كل ذلك لا يحتاج إلى ذكاء كبير.. ولكنك ترى أن أعظم العيون قدرة على الابصار تستطيع أن تحجبها عن النظر بورقة صغيرة تضعها أمام العين.. إن الورقة التي في يدي وأضعها أمام عين الحقيقة هي الغرور.. إنهم بعد أن يذهبوا ويكشف عنهم الغطاء ويصبح بصرهم حديدا.. هنالك تظهر لهم الأمور على حقيقتها.. هنالك يأكلون الأصابع ندما ويقولون ليتنا نرجع مرة أخرى بعد أن أبصرنا..

.. إن التلميذ الصغير في أي مدرسة هو أسعد حظا من الإنسان في الآخرة.. إن التلميذ إذا رسب في امتحانه فأمامه فرصة الإعادة ودخول الامتحان مرة أخرى.. ولكنكم أنتم وا أسفاه معشر البشر ليس أمامكم غير امتحان واحد.. إنني أحجبه عنكم بهذه الورقة التي حدثتك عنها.. إنني أسبب لكم الغيظ الأبدي.. إن ما يثلج صدري هو أنه لا رجعة لكم بعد أن تذهبوا.. لا فرصة أخرى لإصلاح ما مضى وفات…

قلت: من الأمور التي لا لبس فيها إنك على صلة قوية بأولئك الذين يدعون أنفسهم بالسلفيين ويخيل لي أنهم أحباب لك وأنك تعتمد عليهم كثيراً. أليس الأمر كذلك تماما؟

قال: هذا سؤال خبيث فأنت تعلم جوابه.. وإنك لتدرك أنه ليس لي أحباب على الاطلاق، أما أن يكون هناك أعوان. فنعم.. وإنني لعلى صلة قوية بهم.. وسوف تظل هذه الصلة قائمة إلى آخر الدهر، إنني أنا وهم جميعاً قد طردنا من ظلال الرحمة، إن اللعنة قد حقت على كل منّا ومنهم، أعني على الشياطين وعليهم، فنحن إذن سواء، وإنني لأزهو بأنني أمليت عليهم دستورهم الاجرامي العظيم الذي يسمونه (بروتوكول حكماء السلفية) وإنني لأقرأ في عينيك أنك تريد أن تسألني سؤال آخر فتقول: وماذا أمليت عليهم في دستورهم ذاك يا إبليس..؟ حسناً.. سأجيبك على هذا السؤال الافتراضي الذي يدور في خلدك.. لقد رسمت لهم خط السير ليكونوا زعماء الفساد بشتى أنواعه، أعني الفساد الاجتماعي والاقتصادي والفساد السياسي والثقافي وما إلى ذلك في كل زمان وفي كل مكان يحلون فيه، حتى ما يمكن أن تسميه بالفساد العقائدي، إنني أنا الذي أمليت عليهم تلك الخرافات التي دسوها في دينكم ليشغلوا العامة منهم بكل ما هو تافه وليصرفوهم عن كل ما هو جوهري ونافع.

إن عددهم قليل ولكن فسادهم هائل ومريع، ولذلك فهم يعتمدون على التسلل من وراء الأبواب التي نام عنها أصحابها.

إنني أحبهم.. وإنني فخور بهم.. وأبارك ثمار أعمالهم.. أنني أضرب هؤلاء بهؤلاء وفي النهاية وقد تكون قريبا سيلعن بعضهم بعضا وسأقف من الطرفين ضاحكا شامتاً.

قلت: أصدقني الجواب.. لماذا تكشف لي بعض أسرارك على هذه الصورة!؟ ألا تخشى نشرها على الآخرين..؟ ألا تخشى أن يعرفوك على حقيقتك..؟ فقال ضاحكا ساخرا: نعم.. صدقت فيما تذهب إليه.. إنك تستطيع أن تنشر هذا عني.. ولكنني أعلم من تجاربي أنك سوف تنساه.. وسوف ينساه الآخرون.. أن مثل هذا كله كمثل الدخان في الهواء.

هل تذكر ما يقال عن صاحبي جحا..؟ أنه يقال أنه كانت له ساقية تدور وتدور، وتئن وهي تحمل الماء من البحر ثم تعود لتصبه في البحر من جديد أن التقوى من عمل الإرادة وليست من مجرد تريديد الكلام.

ثم أردف اللئيم وهو يتهيأ ليذوب في ظلام الليل، إنما أبغي من وراء أخباركم بهذا أن تعلموا ليكون العذاب أشد وأنكى، إن ذلك القول وفي الأعم الأغلب لن يتحول إلى عمل.. وإنك لتعلم أنه قد يغفر للجاهل أربعين مرة قبل أن يغفر لمن يعلم مرة واحدة.. من أجل هذا كشفت لك عن بعض أسراري حتى أزداد تشفيا منكم يوم لا ينفع الندم هناك – إنني أعلم أن هناك صراعاً أبديا بيني وبينكم ولكنه قلما يجدي – لأنه صراع يدور في الظلام.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية