ما هي رسالة شهر رمضان؟ وما هي واجباتنا تجاهه

مع أن لشهر رمضان المبارك ميزات كثيرة على سائر الشهور، إلاّ أن هنالك خمس ميزات يمكن وضعها في إطار رسالية هذا الشهر الفضيل، ذلك أن لهذا الشهر رسالة كما أن له شخصية خاصة إذا عرفناها عرفنا واجبنا فيه، ومسؤوليتنا تجاهه ومنهجنا في لياليه وأيّامه.

 

أولاً: السموّ الرّوحي

فهو يعطي تمايزاً للروح على الجسد، وللقيم على المادة، ولذلك يجوع الإنسان فيه ويعطش، بينما روحه تحلّق في آفاق واسعة من الاتصال بالله، والتغذية بالمضامين الحضارية لرسالاته لأهل الأرض.
ألا ترى.. أنّ انشداداً خاصاً – تجاه الله – يعتريك، حينما يهاجم الجوع والعطش معدتك؟! فكيف إذا كان الجوع والعطش من أجله؟
إنّك – حينها – مهيّأ للذوبان في رسالته.. هذا تمايز لا بدّ من معرفته والتفاعل معه.
يقول الإمام علي عليه السلام: «ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات، تسكيناً لأطرافهم وتخشيعاً لأبصارهم وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً لقلوبهم..».

 

ثانياً: الانعتاق من الدنيا

فالمسلم على مدار السنة ملاحق من الدنيا، تلاحقه في بطنه وفرجه وحاجياته المادية، أما في هذا الشهر الكريم، فإن الدنيا تركن جانباً – هذا التعامل الصحيح معها – ويفسح المجال للآخرة لتأخذ دورها في توجيه الإنسان الوجهة السليمة، فالعطش والجوع، والشدّة والبلاء فيه، إنّما تذكر بشدّة أكبر، وجوع أشدّ وعطش أظمأ، إنّه عطش وجوع وشدّة يوم القيامة الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.
يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: «فاذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة وعطشه».
إنّ هذا الشهر الكريم يجعل الإنسان يعيش حياته بعد موته، وما أجمل أن يسبق الإنسان الزمن، فيموت قبل موته – كما يقول الإمام علي -، ويعيش الآخرة في الدنيا!

 

ثالثاً: تلخيص عام

في ليلة…
فإذا كان الله سبحانه، يقدّر للإنسان في ليلة القدر، ما الذي سيجري عليه في عام كامل، فجدير بالإنسان أن يجمّع كل قواه لهذه الليلة، ليطلب من الله ما الذي يريده هو أن يكون عليه، ومن سلامة وعافية، وحمل رسالة الله لخلقه، وتصحيح نيّته، وسلامة قلبه وطهارة عمله، وكسب الحلال فيه.. والانطلاق في الحياة بما يرضي الله في الدنيا والآخرة.
وهو يعني أن يخطط الإنسان لعامه القادم أيضاً، فيجعل لكل ساعة عملاً، ولكل فراغ شغلاً، فلا ينقرض عامه إلاّ وقد تقدّم خطوات للأمام، وتطور في الدنيا والآخرة.
فهذا الشهر الكريم، هو شهر التطوّر السليم نحو الأفضل، وهو التطوّر الذي يبينه الإنسان بنفسه، لا الذي يفرضه الآخرون عليه.

 

رابعاً: تجريب الإرادة

كثيرون هم الذين يتبجّحون بالقوة والشدة، ويدّعون لأنفسهم ما يصل إلى درجة العصمة في أنفسهم، ولكنهم في أول فترة امتحان يجرّون أذيال الاخفاق ذلك أنهم ما عرفوا أن القوي من غلب نفسه وهيمن عليها.
ولا يعرف ذلك إلاّ في الامتحان، وفيه يكرم المرء أو يهان.
وهذا الشهر الكريم، فرصة جيدة لتجريب الإرادة واكتشاف النفس، فالإنسان بطبعه ينهار أمام ضربات الجوع والعطش واللذة.. ولكنّه في هذا الشهر بحاجة لتغلّب إرادته على شهوته، وقيمه على لذّته. وإلاّ فإن الخضوع للذّة، أو عدم الصبر على جوع أو عطش، قد يدخل الإنسان ناراً سجرها جبّارها لغضبه.

 

خامساً: تحسُّس آلام الآخرين

لا يريد الإسلام المسلم فرداً، إنّما يريده الأمّة، واختلاف الإنسان الفرد عن الإنسان الأمّة إنّما هو في أنّ الأول لا يعرف إلاّ نفسه، ولا يسعى إلاّ وراء رزقه وراحته، بينما الثاني يرى أن سعادته جزء لا يتجزّأ من سعادة الآخرين، ورزقه لا يكون مساغاً إلاّ إذا أمن رزق الآخرين عن النهب والسرقة من قبل أصحاب القوة والسلطة، ولذلك لا يستكبر دفع نفسه في لهوات الحرب دفاعاً عن لقمة المحرومين، وحريّة المستضعفين.
وهذا الشهر الكريم محطّة يتحسّس المسلم فيها آلام الآخرين، فهو بجوعه خلال هذا الشهر يتذكر الذين يجوعون في أيام السنة، من الفقراء والمحرومين الذين يجوعون دائماً ويعطشون.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: «أمّا العلّة في الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك لأنّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجوع، فيرحم الفقير، لأنّ الغنيّ كلّما أراد شيئاً قدر عليه فأراد الله عزّ وجل أن يسوّي بين خلقه وأن يذيق الغنيّ مسّ الجوع والألم ليرقّ على الضعيف، ويرحم الجائع».
وسئل الإمام الحسين عليه السلام: لمَ افترض الله عز وجل على عبده الصوم؟ فقال عليه السلام: «ليجد الغنيّ مسّ الجوع، فيعود بالفضل على المسكين».
وكم هو الإسلام عظيم في طريقة تحسيس الإنسان بأخيه الإنسان، فأنت في زحمة الأعمال والأشغال، قد تنسى أقرب الناس إليك، لكن هذا الشهر الفضيل يقول لك توقف، وتذكّر الناس من حولك، وأمّن لهم ما أمّنت لنفسك، وإلاّ فأنت بريء منهم وهم براء منك.
كانت تلك خمس ميّزات رئيسية لهذا الشهر الفضيل، وجدير بكل مسلم أن يستوعب عملية الصيام من خلالها، وأن ينظر للجوع والعطش والامتناع عن اللذات المؤقّتة من منظارها، حتى لا يكون ممن عناهم الحديث الشريف: «كم من قائم ليس له من قيامه إلاّ السهر والتعب، وكم من صائم ليس له من صيامه إلاّ الجوع والعطش».
وكما أنّ هذا الشهر الفضيل برنامج رسالي للمسلم الفرد، كذلك هو برنامج رسالي للأمة الإسلامية، وأرى من الأهمية بمكان تبيان حقيقة هامة، وهي:
إن برنامج هذا الشهر يقوم على أساس تغيير العادات والتقاليد الروتينية للناس، فأنت على مجرى العام تفطر بعد ساعة أو ساعتين من بزوغ الشمس، ثم تأكل بحرية وسط النهار، ولك وجبة رئيسية بالليل، وأنت حرّ أيضاً في أي لحظة أردت فيها شرب الماء أو أي شيء آخر غير محرّم، كما لا توجد أي قيود عليك في ممارسة النكاح المحلل، هذه الأمور العادية كلها تتبدّل لدخول أول ليلة من شهر رمضان المبارك فلا تفطر حسب العادة، ولا تأكل وسط النهار، ولا تشرب الماء فيه، وتتضاعف المسؤولية عن كل كلمة منك.
إذن.. أراد الله هذا الشهر فرصة لتغيير العادات والتقاليد، والتوثب لاستبدالها بخير منها. ويخطئ من يظنّ أن التغيير مطلوب في الأمور المادية فحسب بل المهدوف إعطاء فسحة للإنسان وتهيئة الجولة لكي يغيّر نفسه وطبعه وسلوكه.
أي كما إنّك تغيّر عادة الطعام والشراب وممارسة الجنس والكلام، كذلك لابدّ أن تكون قادراً على تغيير عاداتك الأخرى، سواء ما يرتبط بعلاقاتك مع الناس أو بأمورك الشخصية، أو فيما يرتبط بأخلاقك وممارساتك.
يجب أن يخطو الإنسان في هذا الشهر الكريم، بعاداته وتقاليده خطوات إلى الأمام وأن يتوثّب من خلالها إلى واقع أفضل.
وهذه أفضل فرصة أمام الإنسان المسلم للانعتاق من قيود العادات والتقاليد السيّئة، واحلال تقاليد حسنة محلّها، ومن هنا يبدأ التغيير في الفرد والأمّة. كما قال القرآن الكريم: {إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم}.