الإمامة

تعريف الإمامة:

أ- التعريف اللغوي:

من الناحية اللغوية فإنّ الإمامة مصدر وتعني الولاية العامة، ومنها الإمارة والسلطنة والإمام هو اسم مصدر، وهو من يؤتم به أو يقتدى به. قال ابن منظور: الإمام كُلّ من أئتم به قوم (سواء) كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين. قال تعالى: ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ  ) والجمع أئمة.

وقال الراغب الأصفهاني:  الإمام هو المؤتم به أنساناً كأن يقتدى بقوله أو فعله.

إذن الإمام هو القدوة للناس فتأتم به، فإنّ كان إمام حقّ، فيقودهم إلى الصراط المستقيم والجنة، وإن كان إمام ضلال فيقود الناس إلى النار.

ونلاحظ من هذا التعريف أنّ الإمام غير النبي وغير الرسول ، لأنّ النبي – كما يظهر من الروايات المروية عن أهل البيت (عليهم السّلام) – هو من يرى في المنام ما يوحى به إليه، واللفظ مشتقّ من النبأ وهو الخبر . أمّا الرسول فهو من يشاهد الملك فيكلمه ، ويرسل بالرسالة السماوية إلى قوم من الناس . أمّا الإمام فهو من يؤم الناس ويقتدى بقوله أو بفعله .

 

ب – التعريف الاصطلاحي:

اختلف المسلمون في تقديم تعريف جامع كامل للإمامة، وربما من المفيد الاطلاع على بعض هذه التعاريف ليمكن مقارنتها بما يذكره لنا القرآن الكريم من صفات الإمام.

1- الإمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص، نيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) (المواقف) .

2- الإمامة خلافة الرسول في إقامة الدين، بحيث يجب إتباعه على كافة الأمّة (المواقف)

3- الإمامة نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا. (مقدمة ابن خلدون)

4- الإمامة خلافة عن الرسول في إقامة الدين وحفظ الملة بحيث يجب إتباعه على كافة الأمّة (للفضل بن روز بهان).

ونلاحظ من هذه التعاريف إجماع علماء المسلمين على أنّ الإمامة ليست قيادة سياسية لأنّ الحكومة تمثل أمور الدنيا فقط ، ولكن الإمامة هي رئاسة عامة وولاية مطلقة للإمام على الشؤون الدينية والدنيوية للمجتمع الإسلامي، وهذا يقتضي أن يكون الإمام عالما بأمور الدين جميعها فلا تغيب عنه مسألة شرعية ولا يعجز عن جواب سؤال . وكذلك يجب أن يكون معصوماً من الخطأ والزلل والسهو والنسيان حتى تكون طاعته واجبة على المسلمين لأنها تعبر عن إرادة وأمر الله سبحانه وتعالى .

ولما كان الناس يجهلون من هو الإنسان المعصوم والعالم بجميع الأحكام فلا بدّ أن يكون الإمام منصوباً ومعيّنا من الله جلّ وعلا ، ولابدّ أن ينصّ عليه النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ويبينه للناس –بأمر الله – لكي يعرفوه ويتبعوه .

ومن المعلوم أنّ مثل هذه الصفات لا تنطبق على أحد من المسلمين سوى الإمام علي (عليهم السّلام) والأئمة الطاهرين من ذريته .

 

الإمامة أصل من أصول الدين:

الأصل الرابع من أصول الدين هو الإيمان بالإمامة. وقد اختلف المسلمون في موضوع الإمامة هل هي من أصول الدين أم من فروع الدين ، أي من التشريعات الفقهية، التي تخضع لاجتهاد المجتهدين باعتبار أنّها تتعلق بصفات الحاكم على المجتمع الإسلامي بعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم). ولكن الذي يتابع ما ورد في القرآن الكريم ، يعلم أنّ الإمامة هي امتداد النبوة ، وأنّ الإمام يجب أن يتصف بصفات خاصة من العلم والتقوى والعصمة لكي يكون مؤهلاً لأن ينال درجة الإمامة ، وتحمل مسؤوليتها الكبيرة المتعلقة بالإنسان والكون المحيط به، والحياة الدنيا والآخرة.

وكما أنّ النبوّة من أصول الدين التي يجب الإيمان بها عن طريق العقل فكذلك الإمامة، لأنّها استمرار لوظيفة النبوّة ما عدا الوحي الذي ينزل على الأنبياء ولا ينزل على الأئمة.

 

الأدلة العقلية على ضرورة الإمامة:

1- دليل اللطف :

وخلاصة هذا الدليل هو( إنّ نصب الإمام للناس لطف بالناس ، واللطف واجب عليه تعالى ، فيجب نصب الإمام عليه تعالى ) . وذلك لأنّ الإمامة - كما النبوّة – هي لطف من الله سبحانه وتعالى بعباده ، إذ كما يبعث الله الأنبياء لهداية الناس بسبب لطفه بعباده ، فإنّه لابدّ وأن يعين خليفة النبي الذي تستمر الهداية على يديه، فلا يخلو منه زمان لأنّ وجوده ضروري للأمة في كُلّ زمان .

قال تعالى : (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُسورة الشورى : 19 .

وإذا كانت البشرية تحتاج إلى أن يبعث الله سبحانه وتعالى أنبياء ورسل لهدايتهم فإنّ الحاجة ستكون مستمرة بعد وفاة النبي وتركه قومه، لأنهم سيبقون بحاجة إلى قيادة الهبة تقودهم إلى الصواب، ولا يمكن أن تترك هذه المسؤولية الخطيرة إلى كُلّ من يسيطر بالقوّة على مقاليد الأمور السياسية ويحكم المسلمين سواء كان عادلاً أو ظالماً، برّاًَ أو فاجراً، نافعاً أو ضارّاً ، عالماً أو جاهلاًَ ، فإنّ في ذلك الظلم والفساد .

إنّ دين الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يسلّم إلى إنسان عادي جاهل يحتاج هو بنفسه إلى من يهديه إلى الصواب. قال تعالى: ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) سورة يونس :35 .

2- دليل الحكمة :

إنّ وجود الإمام المعصوم يمثل الأصلح في حركة تكامل الإنسان ، وهدايته إلى الصواب . ولمّا كان الله سبحانه وتعالى لا يعمل في عباده إلاّ بمقتضى حكمته ، فإنّ مقتضى الحكمة أن تكون الإرادة الإلهية متعلقة بما هو الأصلح في حركة الإنسان . ومن البديهي أنّ وجود الإمام المعصوم من الخطأ –بعد النبيّ – هو الأصلح في النظام الاجتماعي والنظام الإنساني والنظام الكوني . ومن هنا يدرك العقل السليم بأنّ مقتضى الحكمة الإلهية تعيين الإمام على الناس بعد النبي ، وعدم ترك الأمّة بلا قيادة معصومة فتزل بها الأقدام وترد المهالك وتنحرف عن الصراط المستقيم ، وهو خلاف الحكمة الإلهية في خلقهم وهدايتهم نحو الكمال .

3- دليل العصمة :

إنّ الأهداف الرئيسية للإمامة وأدوارها هي :

أ- الدور الوجودي لحفظ نظام الكون وقيادة الإنسان نحو المثل الأعلى والكمال .

ب –الدور التشريعي وتفسير الدين والأحكام الإسلامية (على مستوى العقيدة والفقه والأخلاق وغيرها ) تفسيراً صحيحاً سليما لا لبس فيه ولا شبهة .

ج-القيادة السياسية للمجتمع الإنساني بشكل يوصله إلى الكمال المطلق في تطبيق الحقّ والعدل على كافة أرجاء الأرض ، وهو ما يصبو أليه كُلّ إنسان ، وتهدف إليه كُلّ الشرائع .

د- القدوة الصالحة والأسوة الحسنة بين الناس لتقتدي بها البشرية في حياتها العملية .

ومن البديهي أنّ مثل هذه الأهداف الكبرى لا يمكن أن تتحقق إلاّ بوجود قيادة إلهية معصومة من الخطأ لكي يكون قولها وفعلها وتقريرها متطابق تماماً مع القرآن الكريم والشريعة الإسلامية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

إنّ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد بيّن التعاليم الإسلامية خلال الثلاث والعشرين سنة من عمره بعد البعثة ، ولكن أكثر المسلمين لم يستوعبوا الأحكام كلها ولذلك اختلفوا بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلّم) اختلافاً كبيراً ، وانحرفوا عن الصواب بشكل كبير ، ولولا وجود أهل البيت( عليهم السلام ) لما بقي من الإسلام اسم ولا رسم . إذن لا بديل عن وجود الإمام المعصوم بعد النبيّ لرفع الاختلاف وهداية الناس .

ولما كان الناس يجهلون من هو الإمام المعصوم المؤهل لقيادة المجتمع الإسلامي والإنساني بعد النبيّ ، فيحكم العقل بأنّ تعيين ذلك لابدّ وأن يكون بأمر من الله سبحانه وتعالى ، وليس بانتخاب الناس أنفسهم . قال تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) سورة القصص :68

وهذه الأدلة العقلية هي التي تدفعنا إلى ضرورة البحث والدراسة لكي نتعرف على الإمام الحقّ الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى بإتباعه وبينه لنا خاتم الأنبياء والمرسلين محمد(صلى الله عليه وآله وسلّم).

 

صفات الإمام في القرآن الكريم:

يحدثنا القرآن الكريم في آيات كثيرة عن الصفات الراقية التي يتحلى بها الإمام والتي أهلته لأن يتبوأ هذا المقام الإلهي الشامخ ، وفيما يلي بعض هذه الصفات :

1- الإمامة(عهد) من الله للإمام ( المعصوم ) :

قال تعالى : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ  ) سورة البقرة:124

تشير هذه الآية الكريمة إلى أنّ الله سبحانه وتعالى ابتلى نبيه إبراهيم (عليهم السّلام) بكلمات ، فأتمهنّ ونجح في هذا الامتحان الذي امتحنه الله به ، وهذا ما أهّله لكي يعطى منصب الإمامة ، بعد أن كان قد نال درجة النبوّة . فلما رأى النبي إبراهيم(عليهم السّلام) عظم هذه الدرجة تمناها لذريته وسأل الله ذلك . فاستجاب الله سبحانه وتعالى طلب نبيه ولكن أوضح له أنّ هذه الدرجة العليا والتي هي عهد منه تعالى للإمام لا يمكن أن تنال ظالماً . ولما كان كُلّ ذنب يعد ظلما للإنسان نفسه ، فإنّ من عصى الله ولو مرّة واحدة في حياته لا يستحقّ أن يكون إماما. أمّا من سجد إلى صنم أو وثن فهو أبعد من أن ينال ذلك .

ونلاحظ أوّلاًً : أنّ الآية الكريمة تعبر عن الإمامة ب(عهدي) ومعنى ذلك أنّ الإمامة عهد من الله للإمام المعصوم ، وأنّ تعيين الإمام ونصبه للناس يكون بأمر الله سبحانه وتعالى ونصّه عليه ، وليس باختيار الناس وانتخابهم له . ولو كانت الإمامة تثبت للخليفة أو الإمام بالانتخاب أو الشورى أو البيعة أو غير ذلك من أمور ، لكانت عهداً بين الإمام والناس الذين انتخبوه وبايعوه ، بينما نرى أنّ الله يصرّح في قرآنه بأنّ الإمامة (عهدي ) وليست عهد الناس .

وثانياً : تصرّح الآية الكريمة بأنّ الإمامة لا يمكن أن تنال من كان ظالماًَ ، لأنّه غير مؤهل لذلك ، فهي للمعصوم من الناس فقط ، ولا تصحّ لمن لم يكن معصوماً في أي فترة من فترات حياته.

وقد ورد في الأحاديث الشريفة ما يؤيد ذلك ، فقد ورد عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في الآية عن قول الله لإبراهيم (عليهم السّلام) :( من سجد لصنم دوني لا أجعله إماما). وقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) : (وانتهت الدعوة إليّ والى أخي عليّ ، لم يسجد أحدنا لصنم قط ).

وفي الكافي عن الإمام الصادق (عليهم السّلام) : ( إنّ الله اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً ، وإنّ الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً ، وأنّ الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً ، وأنّ الله اتخذه خليلاً قبل أن يتخذه إماما ، فلما جمع له الأشياء قال: ( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) قال 0‘9 : فمن عظمها في عين إبراهيم قال: (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ  )  قال (عليهم السّلام) : لا يكون السفيه إمام التقي .

وفي تفسير العياشي ، عن صفوان الجمّال قال : كنّا بمكة فجرى الحديث في قول الله : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) قال : فأتمهنّ بمحمد وعلي والأئمة من ولد علي في قول الله : (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  ) . وهذه الرواية تشير إلى ما ورد من تفسير (الكلمة ) بالإمامة وذلك في قوله تعالى: ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) سورة الزخرف:آية28 . فيكون معني الآية:  (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ) هنّ إمامته وإمامة إسحاق وذريته ( فأتمهنّ ) بإمامة محمد وعلي والأئمة من أهل البيت من ولد إسماعيل ثم بيّن الأمر بقوله تعالى : ( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) إلى آخر الآية .

2- الإمام يهدي بأمر الله :

قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) سورة السجدة :24

وقال تعالى : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ  ) الأنبياء : 73

ونرى في هاتين الآيتين أنّ الإمام يهدي الناس إلى الحقّ والهدى بأمر الله سبحانه وتعالى . وهذا الأمر الإلهي هو من الملكوت وثابت الوقوع لأنّه من قبيل قوله تعالى: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) سورة ياسين :82- 83 . فالإمامة بحسب الواقع هي ولاية على الناس في أعمالهم ، وهدايتها هي إيصالهم إلى الكمال بأمر الله . وهذا الإيصال للكمال يختلف عن التبليغ والهداية باراءة الطريق والوعظ والإرشاد ، والذي هو شأن النبيّ والرسول والمؤمنين الذين يهدون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهدايتهم قد تحقق الهدف فتوصل الناس إلى المطلوب ، وقد لا تؤثر أثرها فيبقى الناس على ضلالتهم . قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ   ) سورة إبراهيم :4 . وقال تعالى : (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) سورة الرعد:7 .

وقد بيّن الله سبب استحقاقهم وحصولهم على الإمامة بقوله : ( لَمَّا صَبَرُوا ) وهذا الصبر المطلق على المكاره والابتلاء والامتحان وغير ذلك بسبب أنّهم وصلوا إلى درجة اليقين ( وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) . ومن يصل إلى درجة اليقين لابدّ وأن يكون معصوماً من كُلّ ذنب وخطأ ونسيان .

ومن الضروري الإشارة إلى أنّ الوحي النازل على الأئمة في قوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ  ) هو وحي الهام وتسديد ، وليس وحي تشريع ، لأنّ ذلك من شأن الأنبياء وختمت النبوة بنبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلا نبيّ بعده. وهذا الوحي للأئمة يتعلق بالفعل الصادر عنهم، وبالهام وتسديد من الله سبحانه وتعالى لهم ، وهو من الأدلة على عصمتهم لأنّ ما كان من الله فهو الحقّ ولا يتطرق إليه الباطل .

3- الإمام موجود في كُلّ زمان :

من الأمور الثابتة هي أنّ الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى لأنّ وجود الإنسان المعصوم هو ضرورة كونية . وقوله تعالى: ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ  ) لا يتحقق إلاّ بوجود الإمام المعصوم في كُلّ زمان ، لأنّ النبوة انقطعت وختمت بنبينا محمد(صلى الله عليه وآله وسلّم) ، ولابدّ إذن أن يكون استمرار الهداية على يد الإمام المعصوم .

قال تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) سورة الإسراء :71 ، ومعنى ذلك وجود إمام حقّ للمؤمنين يدعون به في يوم القيامة ويكون سبيلهم إلى الجنة ، وبخلافه أئمة الكفر يقودون أتباعهم إلى النار . ولعلّ دعوة كُلّ أناس بإمامهم على هذا الوجه كناية عن ملازمة كُلّ تابع لمتبوعه ، والباء للمصاحبة . وفي الدر المنثور عن علي (عليهم السّلام) أنّه قال:(قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) قال: يدعى كُلّ قوم بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم) .

وفي تفسير البرهان عن الإمام الصادق(عليهم السّلام) أنّه قال : ( ألا تحمدون الله؟ أنّه إذا كان يوم القيامة يدعى كُلّ قوم إلى من يتولونه ، وفزعنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وفزعتم أنتم إلينا ) .

وفي تفسير العياشي عن الإمام الصادق (عليهم السّلام) قال : (لا يترك الأرض بغير إمام يحلّ حلال الله ويحرّم حرامه ، وهو قول الله : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ). ثمّ قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) : من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية) .

وأئمة الهدى قد يكونوا أنبياء كالنبي إبراهيم(عليهم السّلام) والنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو سيد الأنبياء والمرسلين والأئمة ، وقد يكونوا غير أنبياء ، أي أوصياء الأنبياء كأمير المؤمنين علي (عليهم السّلام) والأئمة الطاهرين من ولده .

هذه بعض صفات الإمام في القرآن الكريم وهناك صفات أخرى لا مجال لذكرها في هذه المقالة . والحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة على محمد وآله الطاهرين .