تاريخ آل زرارة

تاريخ آل زرارة23%

تاريخ آل زرارة مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 243

تاريخ آل زرارة
  • البداية
  • السابق
  • 243 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 160166 / تحميل: 7386
الحجم الحجم الحجم
تاريخ آل زرارة

تاريخ آل زرارة

مؤلف:
العربية

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى اكرمنا بهدايته لدينه وألهمنا معرفة انبيائه وحججه، والصلاة والسلام على سيد رسله محمد وآله الطاهرين واللعنة على اعدائهم إلى يوم لقائه.

أما بعد فان بيت آل اعين وأسرتهم الجليلة من بيوت اذن الله تعالى ان ترفع برجال فيهم قد صدقوا فيما عاهدوا الله عليه فتمسكوا بولاية آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ووعوا حديثهم، ونشروا رواياتهم، وكانوا عيبة علومهم، وأمناءهم على الحلال والحرام واحبوا وليهم في الله، وابغضوا عدوهم في الله، وقد توفرت فيهم الفضائل فصارت منزلتهم عند أئمة اهل البيت عليهم‌السلام عظيمة، ومكانتهم في حديث الشيعة وعلوم الشريعة رفيعة، فلذلك جمع أبو عبدالله الحجاج رحمه‌الله محدثي آل اعين، وألف شيخ هذه العصابة وبقية آل اعين أبو غالب احمد بن محمد الزرارى رحمه‌الله رسالة فيهم وذكر فيها شطرا من أحوالهم ثم استدرك على هذه الرسالة تلميذه الجليل شيخ مشايخ الشيعة أبو عبدالله الحسين بن عبيدالله الغضائري رحمه‌الله بعض ما فات منه ثم استدرك عليها سيد الطائفة في عصره العلامة بحر العلوم رحمه‌الله فذكر ما لم يذكراه في آل اعين فجزاهم الله احسن الجزاء، ومع ذلك كله لم يستوف في شيئى من ذلك اسمائهم ولا استقصى فيها أحوالهم مما ورد في فضلهم من الاحاديث أو كلمات الاعلام، فرأيت أن افرد في آل زرارة بن اعين رسالة وافية بما ورد فيهم جامعة لاسمائهم ولما وقفنا عليه من أحوالهم وتراجمهم ونسئله تعالى ان يتقبل ذلك باحسن قبوله انه هو الموفق والمعين.

٣

٤

سنسن

سنسن، وهو كما عن التاج كهدهد، وبالسين المهملة المضمومة قبل النون الساكنة وبعدها والنون الاخرى اخيرا كما في الخلاصة وغيره: اسم عجمى يسمى به السواديون، وهو لقب جماعة.

وكان سنسن جد زرارة فارسيا راهبا في بلد الروم. ذكره الشيخ في الفهرست (٧٤) ترجمة زرارة وقد دخل بلاد الروم في اول الاسلام، وكان من غسان. ذكره أبو غالب في الرسالة ص ١٠ ولم يظهر انه اسلم وترك الرهبانية كما يقتضيه ظاهر كلام أبى غالب في الرسالة وابن الغضائري في التكملة، أو انه لم يسلم فيزور ابنه اعين بأمان. قال أبو غالب في ابنه اعين: فلما كبر قدم عليه ابوه من بلاد الروم، وكان راهبا، اسمه سنسنا، وذكر انه من (غسان) ممن دخل بلاد الروم في اول الاسلام، وقيل: انه كان يدخل بلاد الاسلام بأمان فيزور ابنه اعين ثم يعود إلى بلاده. وقال ابن الغضائري في التكملة (١٠٢): وكان (أي أبو غالب) ايضا يكره (يذكر - ظ) سنسن جد بكير وبنى اعين وولاه بنى شيبان، وانه من الرومي. وقال ابن النديم في الفهرست (٣٢٢) في آل زرارة بن أعين بن سنسن: وكان سنسن راهبا في بلد الروم.

اعين بن سنسن الشيباني

كان اعين مولى لبنى عبدالله بن عمرو السمين بن اسعد بن همام بن مرة بن دهل بن شيبان. ذكره النجاشي في ترجمة زرارة.

وقال أبو غالب (١٩): كان اعين غلاما روميا اشتراه رجل من بنى شيبان من حلب (جلب خ ـ)، فرباه وتبناه، وأحسن تأديبه، وحفظه القرآن، (فحفظ

٥

القرآن - خ) وعرف الادب، فخرج بارعا أديبا، فقال له مولاه: استلحقك؟ فقال: لا، ولائي منك احب إلى من النسب، فلما كبر قدم عليه ابوه من بلاد الروم وكان راهبا..

وقال ابن الغضائري في التكملة (١٠١): ووجدت بخط أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود القمى قال حدثنى أبو على محمد بن على بن همام قال حدثنى أبو الحسن على بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن اعين المعروف بالزرارى.. وذكران اعين كان رجلا من الفرس، فقصد أمير المؤمنين عليه‌السلام ليسلم على يديه ويتوالى إليه فاعترضه في طريقه قوم من بنى شيبان فلم يدعوه حتى توالى إليهم. الحديث بطوله.

قال ابن الغضائري بعد تمام الحديث: وهذا الحديث الذى ذكره ابن همام رحمه‌الله لم يقع لابي غالب رضي‌الله‌عنه ، ولو وقع إليه، أو كان سمعه من عم أبيه لحدثنا به، ولذكره في هذه الرسالة لانه كان شديد الحرص على جمع شيئى من آثار اهله رحمهم‌الله تعالى، وكان يكره سنسن جد بكير، وبنى اعين، وولاه بنى شيبان، وانه من الرومي، وانما وجدت هذا بعد وفاته في سنة ثلاث.

وقال ابن النديم في الفهرست ص ٣٢٢ عند ذكر آل زرارة بن اعين: وكان اعين بن سنسن عبدا روميا لرجل من بنى شيبان، تعلم القرآن ثم اعتقه، فعرض عليه ان يدخل في نسبه، فأبى اعين ذلك، وقال: أقرنى على ولائي.

وقال الشيخ في الفهرست في ترجمة زرارة ص ٧٤: وكان اعين بن سنسن عبدا روميا لرجل من بنى شيبان، تعلم القرآن، ثم اعتقه، فعرض عليه ان يدخل في نسبه فابى اعين ان يفعله، وقال له، أقرنى على ولائي، وكان سنسن راهبا

٦

في بلد الروم. وروى ابن ابى الحديد في شرح نهج البلاغة (ج ٤ ص ١٠٩ طبع مصر) عن زرارة بن اعين عن ابيه عن ابى جعفر محمد بن على عليهما‌السلام قال: كان على عليه‌السلام إذا صلى الفجر لم يزل معقبا إلى ان تطلع الشمس فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء والمساكين وغيرهم من الناس فيعلمهم الفقه والقرآن الحديث. ورواه في البحار (ج ٤١ ص ١٣٢ (باب) ١٠٧ جوامع مكارم أمير المؤمنين عليه‌السلام عنه.

آل اعين

قال أبو غالب الزرارى في ديباجة رسالته في آل أعين ص ٢: اما بعد فانا أهل بيت أكرمنا الله عزوجل بمنه علينا بدينه، واختصنا بصحبة أوليائه وحججه على خلقه من اول نشئتنا إلى وقت الفتنة التى امتحنت بها الشيعة، فلقى عمنا حمران سيدنا وسيد العابدين على بن الحسين صلوات الله عليهما الخ.

وقال ايضا ص ٦: وآل اعين اكبر اهل بيت الشيعة وأكثرهم حديثا وفقها، وذلك موجود في كتب الحديث، ومعروف عند رواته.

وقال ايضا بعد ذكر زرارة وفضائله: ولآل اعين من الفضائل وما روى فيهم اكثر من ان اكتبه لك وهو موجود في كتب الحديث.

وقال ص ١٧: وقل رجل منا الا وقد روى الحديث. وحدثني أبو عبدالله الحجاج رحمه‌الله ، وكان من رواة الحديث انه قد جمع من روى الحديث من آل اعين فكانوا ستين رجلا. وحدثني أبو أحمد جعفر بن محمد بن لاحق الشيباني ان بنى اعين بقوا اربعين سنة (اربعين - خ) رجلا لا يموت منهم رجل الا ولد لهم فيهم غلام..

٧

وقال أبو عبدالله الحسين بن عبيد الله الغضائري ره في التكملة بعد حكاية عدد بنى اعين عن كتاب الرجال للعقيقى كما يأتي (١٠٢): وروى ان بنى أعين أقاموا اربعين سنة (اربعين - خ) رجلا، كلما مات منهم رجل ولد فيهم ذكر..

وروى باسناده عن ابى العباس بن عقدة قال في آل اعين: كل واحد (كان) فقيها يصلح ان يكون مفتى بلد ما خلا عبد الرحمان بن اعين.. وقال الشيخ ره في الفهرست في ترجمة زرارة ص ٧٤: عند ذكر آل اعين: ولهم روايات كثيرة، واصول وتصانيف سنذكرها في ابوابها ان شاء الله، ولهم ايضا روايات عن على بن الحسين، والباقر، والصادق عليهم‌السلام نذكرهم في كتاب الرجال ان شاء الله الخ.

وروى الكشى في رجاله ص ١٠٧ في اخوة زرارة باسناد صحيح عن ثعلبة بن ميمون عن بعض رجاله قال قال ربيعة الرأى لابي عبدالله عليه‌السلام : ما هؤلاء الاخوة الذين يأتونك من العراق، ولم أر في أصحابك خيرا منهم، ولا أهيأ. قال عليه‌السلام : اولئك اصحاب ابى، يعنى ولد أعين.

وروى في الكافي ج ٢ - ٣٩ باسناده عن عبيد بن زرارة مدحهم بقوله: وهم بيت كبير. وقال أبو غالب في الرسالة ص ٤٢: ولم يبق في وقتى من آل اعين احد يروى الحديث ولا يطلب العلم وشححت على اهل هذا البيت الذى لم يخل من محدث ان يضمحل ذكرهم ويدرس رسمهم ويبطل حديثهم من اولادهم..

وروى الحسين بن عبيدالله الغضائري في التكملة ص ١٠٠ باسناده عن ابى العباس احمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الحافظ المشهور في آل أعين قال: كان كل واحد منهم فقيها يصلح ان يكون مفتى بلد ما خلا عبد الرحمان بن اعين

٨

الحديث ويأتى تمامه في عبد الرحمان بن أعين.

وقال أبو جعفر محمد بن على الشلمغانى ايام استقامته ووساطته من قبل ابى القاسم الحسين بن روح بن الناس وبين الناحية المقدسة لما دخل أبو غالب عليه وعرف نفسه قائلا: يا سيدى انا من ولد بكير بن أعين اخى زرارة فقال: اهل بيت جليل القدر في هذا الامر. رواه الشيخ في كتاب الغيبة ص ١٨٣ في حديث طويل قال أبو عمر والكشى في ترجمة زرارة بن أعين ص ٩٩ - ٣١: حدثنى محمد بن مسعود قال حدثنى جبرئيل بن أحمد عن محمد بن عيسى عن يونس عن اسماعيل بن عبد الخالق عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال: ذكر عنده بنو أعين، فقال: والله ما يريد بنو أعين الا ان يكونوا على غلب.

قلت: ذكرنا في الشرح على الكشى ضعفه سندا ودلالة. وقد حققنا القول في الاخبار الدالة على طعون في آل اعين.

وقال في النجاشي ترجمة حفص بن البخترى ص ١٠٣: وانما كان بينه وبين آل اعين بنوة فغمزوا عليه بلعب الشطرنج.

وقال العلامة السيد بحر العلوم قده في رسالته في البيوتات: آل اعين اكبر بيت في الكوفة من شيعة اهل البيت عليهم‌السلام ، واعظمهم شأنا وأكثرهم رجالا وأعيانا وأطولهم مدة وزمانا ادرك اوائلهم السجاد، والباقر والصادق عليهم‌السلام ، وبقى اواخرهم إلى اوائل الغيبة الكبرى، وكان فيهم العلماء، والفقهاء، والقراء والادباء، ورواة الحديث. ومن مشاهيرهم حمران وزرارة إلى ان قال: وابو غالب احمد بن محمد بن سليمان وكان أبو غالب رحمه‌الله شيخ علماء عصره وبقية آل اعين، وله في بيان احوالهم ورجالهم رسالة عهد فيها إلى ابن ابنه محمد بن عبدالله بن احمد. وهو آخر من عرف من هذا البيت.

٩

خلفاء الجور مع آل اعين

لم يزل خلفاء الجور يحاولون القبض على خواص اصحاب الائمة عليهم‌السلام وتشديد الامر عليهم حتى يتفرق الشيعة من حول الائمة عليهم‌السلام وكانوا يفتشون عن احوالهم ولذلك قد صدر لحفظ جماعة منهم طعون من الائمة عليهم‌السلام كما صدر لحفظ زرارة بن اعين طعون ذكرها الكشى في رجاله وقد اخبر الامام الصادق عليه‌السلام بانها كانت لحفظه وصيانته من العدو رواه الكشى وغيره. وكان الامر كذلك على هؤلاء حتى قدم الحجاج الكوفة.

ولما قدم الحجاج الثقفى اللعين إلى الكوفة قال: لا يستقيم لنا الملك، ومن آل اعين رجل تحت الحجر، فاختفوا وتواروا، فلما اشتد الطلب عليهم ظفر بعبد الرحمان بن اعين هذا المفتى من بين اخوته، فادخل على الحجاج، فلما بصربه قال: لم تأتوني بآل اعين، وجئتموني بزبارها، وخلى سبيله وكان كل واحد منهم فقيها يصلح ان يكون مفتى بلد ما خلا عبد الرحمان بن اعين، فكان يتعاطى الفتوى إلى ايام الحجاج. رواه الحسين بن عبيدالله الغضائري في التكلمة ص ١٠٠.

مسجد آل اعين ومحلتهم بالكوفة

وكان من موضع آل اعين في الكوفه ومنزلتهم في الشيعة ان لهم مسجدا دخل فيه أبو عبدالله الصادق عليه‌السلام وصلى فيه، وكان من المساجد الممدوحة بالكوفة ولهم محلة، ودرب تعرفان بهم، ودورهم متقاربة.

قال أبو غالب في الرسالة (١٨): ولهم مسجد الخطة (الحنطة. خ) يصلون فيه وقد دخله سيدنا أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، وصلى فيه.

وفي هذه المحلة دور بنى اعين متقاربة، وقد بقى منها إلى هذا الوقت

١٠

دار وقفها محمد بن عبد الرحمان بن حمران على اهله ثم على الاقرب فالاقرب إليه، وكانت في ايدى بنى عقبة الشيباني، ولم يتكلم فيها احد من اهلي، ولا تعرض لها حتى تكلمت أنا فيها في سنة اربع وستين وثلثمائة، واشهدت على الحسن بن محمد بن (على بن - خ) محمد بن عقبة الشيباني الذى كانت في يده أنها وقف في يده على بنى أعين وأخذت من أجارتها ما سلمته إلى ولد عم ابى: جعفر بن سليمان.. وقال: ولنا درب في خطبة بنى اسعد بين محلتهم، وهو في ظهر دار من دورنا وقف لم يبق لبنى أعين في تلك المحلة دار غيرها وأنا اذكر حالها بعد ان شاء الله وبين خطة بنى تميم وكانت تعرف بدرب الجهم إلى ان فنى بنو أعين فنسب إلى بقال على بابه فهو يعرف به إلى هذا الوقت. وقال ص ١٥: وكانت دارنا بالكوفة من حدود دور بنى عباد في دار الخزازين في زقاق عمرو بن حريث الشارع من جانبيه بقية من بناء سليمان، ودار بناها جدى محمد بن سليمان ودار بنيتها أنا، ودار اصطبل، ودور للسكان ليس في الشارع وجانبيه دار لغيرنا الا دارا لعمى على بن سليمان، ودارا لعمات أبى الثلاث، وكن مقيمات ببغداد في دار عبيدالله بن عبدالله بن طاهر، وربما وردن الكوفة للزيارة فنزلن بدارهن إلى ان مات عبدالله ومتن قبله وبعده بيسير فأقام عبدالله في دوره بالكوفة..

وقال (١٢): وكان سليمان خال عبيدالله وانتقل إليه من الكوفة وباع عقاره بها في محلة بنى أعين وخرج معه إلى خراسان.. ثم عاد إلى الكوفة وليس له بها دار فنزل دور أهله ومحلتهم إذ ذاك بقية، فنزل بالقرب من المسجد الجامع رغبة فيه على قوم من التجار يعرفون ببنى عباد خزازين في خطة بنى زهرة، ثم ابتاع في موضعه دورا واسعة بقيت في أيدى ولده.

١١

معرفة آل اعين لاهل البيت

قد تشرف آل أعين بمعرفة أهل البيت عليهم‌السلام وفازوا بمحبتهم، بدء منهم بذاك أعين بن سنسن فقصد أمير المؤمنين عليه‌السلام ليسلم على يديه، ويتوالى إليه، وتشرفوا بصحبة الائمة عليهم‌السلام كما يأتي وكانت لهم منزلة عظيمة عندهم وورد عنهم عليهم‌السلام في جماعة منهم مدائح كثيرة، وصاروا بطانة لهم حتى عرفوهم قبر الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام حين لا يخبروا به الا الخواص من أصحابهم، وعرضوا لهم نسخة كتاب الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام بخطه واملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وغير ذلك مما سيأتي ان شاء الله عند ذكرهم.

وروى أبو غالب في الرسالة (٢١) ان لاخوة زرارة اختا يقال لها: ام الاسود، ويقال انها اول من عرف هذا الامر منهم من جهة ابى خالد الكابلي الحديث. قلت: الاخبار المأثورة فيهم تدل بوضوح على شدة محبتهم لاهل البيت ومعرفتهم بامامتهم غير مليك، وقعنب على ما يأتي من انهما يذهبان مذهب العامة وغيرهم عبدالله بن بكير فانه فطحى قال بامامة عبدالله بن جعفر الافطح لكنه ثقة جليل معدود من اصحاب الاجماع كما يأتي.

وقد افتخر بذلك أبو غالب الزرارى بقية آل اعين في الرسالة (٢) قائلا: اما بعد فانا اهل بيت اكرمنا الله عزوجل بمنه علينا بدينه، واختصنا بصحبة اوليائه وحججه على خلقه من اول نشئتنا إلى وقت الفتنة التى امتحنت بها الشيعة.

اصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام من آل زرارة بن اعين

لم نجد تصريحا من اصحابنا على تشرف أحد من آل اعين بزيارة الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام بل قال ابن الغضائري في تكملة الرسالة (١٠١) في ذيل روايتي ابن حمزة الطبري،

١٢

وابن داود القمى: وذكرا ان اعين كان رجلا من الفرس قصد أمير المؤمنين عليه‌السلام ليسلم على يده ويتوالى إليه، فاعترضه في طريقه قوم من بنى شيبان فلم يدعوه حتى توالى إليهم. قلت: عدم التوالى إليه عليه‌السلام لو ثبت بهذه الرواية فلا يقتضى عدم الصحبة والتشرف بزيارته. ثم ان بقائه إلى ايام أبى جعفر الباقر عليه‌السلام كما يأتي في الرواية يقتضى ادراكه ايام الامامين السبطين والسجاد عليهم‌السلام ولكن لم اقف على تصريح بذلك ولا على رواية له عنهم.

اصحاب السجاد عليه‌السلام من آل زرارة بن اعين

قال الشيخ في ترجمة زرارة من الفهرست (٧٤) بعد ذكر اعين واولاده: ولهم روايات عن على بن الحسين، والباقر، والصادق عليهم‌السلام نذكرهم في كتاب الرجال ان شاء الله.

وقال أبو غالب في الرسالة (٢): فلقى عمنا حمران سيدنا وسيد العابدين على بن الحسين صلوات الله عليهما.

قلت: ان صحت رواية اعين عن الباقر عليه‌السلام كما تأتى فتقتضى ادراكه ايام السجاد عليه‌السلام وان لم يرو عنه، كما ان عبدالملك بن اعين لم يبعد ادراكه ايامه حيث انه كان من كبار اصحاب ابى جعفر الباقر عليه‌السلام كما يأتي عند ذكره.

اصحاب ابى جعفر الباقر عليه‌السلام من آل زرارة بن اعين

روى ابن أبى الحديد في شرح النهج (ج ٤ ص ١٠٩ طبع مصر) عن زرارة عن ابيه عن أبى جعفر محمد بن على عليهما‌السلام قال: كان على عليه‌السلام إذا صلى الفجر لم يزل معقبا إلى ان تطلع الشمس فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء والمساكين فيعلمهم الفقه

١٣

والقرآن. الخبر ورواه في البحار ج ٤١ ص ١٣٢ باب ١٠٧ جوامع مكارم امير المؤمنين عليه‌السلام عنه نحوه.

وكان اكثر بنى أعين من خواص أصحاب الباقر عليه‌السلام غير قعنب ومليك حيث كانا يذهبان مذهب العامة فلم تظهر روايتهما عنه، ولا عن أبى عبدالله عليهما‌السلام وكان زرارة من عيبة علومه وامينه على الحلال والحرام ومستودع سره وكان حمران أمينه ووكيله الممدوح الذى مدحه عليه‌السلام بقوله: (لا يرتد والله ابدا) وسيأتى عند ذكره.

قال أبو غالب في الرسالة (٣): ولقى حمران عمنا، وجدانا زرارة، وبكير ابا جعفر محمد بن على عليهما‌السلام ، وقال ايضا في مدح حمران: وروى انه قرأ على أبى جعفر محمد بن على عليهما‌السلام . وقال ابن الغضائري في التكملة (٩٧): ان حمران، وزرارة، وعبد الملك وبكيرا، وعبد الرحمان بنى اعين كانوا مستقيمين مات منهم اربعة في زمن أبى عبدالله عليه‌السلام ، وكانوا من اصحاب ابى جعفر عليه‌السلام وبقى زرارة إلى ان مات أبو عبدالله عليه‌السلام . قلت: وروى الكشى بطريقين نحوه ص ١٠٧ وفي آخره: وبقى زرارة إلى عهد ابى الحسن عليه‌السلام فلقى ما لقى. وذكرهم ابن النديم في الفهرست (٣٢٢) عند ذكر آل اعين من فقهاء الشيعة ومحدثيهم وعلمائهم ومشايخهم الذين رووا الفقه عن الائمة عليهم‌السلام ومصنفيهم قائلا: آل زرارة بن اعين، زرارة، واسمه: عبد ربه، واخوه حمران بن اعين، وكان نحويا، وابنه حمزة بن حمران، ومحمد بن حمران، وبكير بن أعين، وابنه عبدالله بن بكير، وعبد الرحمان بن اعين، وعبد الملك بن اعين، وابنه ضريس بن عبدالملك من اصحاب أبى جعفر

١٤

محمد بن على عليهما‌السلام .

قلت: قد ذكرنا في طبقات اصحاب أبى جعفر عليه‌السلام من آل اعين من رواياتهم عنه جماعة هم: اعين بن سنسن، بكير، حمران، زرارة، عبد الرحمان، عبدالملك، عبد الجبار عبدالاعلى، عبدالله، عيسى بنو أعين، والحسين بن زرارة، وعبيد بن زرارة (روى عنه عليه‌السلام كما في اصول الكافي ج ١ ص ٢٧٠)، وحمزة بن حمران، ومحمد بن حمران، وعبد الله بن بكير، وضريس بن عبدالملك.

وكان عمران بن اعين من طبقة اصحابه الا انه لم اقف على رواية ولا تصريح من أحصابنا على انه من اصحابه، فروى عن جعيد الهمداني عن السجاد عليه‌السلام كما يأتي ومات من بنى أعين في حياة أبى عبدالله عليه‌السلام أربعة على ما رواه الكشى وغيره وذكره أبو غالب، وابن الغضائري والشيخ وغيرهم كما اشرنا إليه ويأتى عند ذكرهم، وهم: بكير، وحمران، وعبد الملك، وصلى، وترحم، وبكى على هؤلاء الثلثة أبو عبدالله عليه‌السلام ، وعبد الرحمان كما في الرواية ولكن الشيخ ذكره في أصحاب الصادق عليه‌السلام (٢٣١)

وقال: يكنى أبا محمد، بقى بعد ابى عبدالله عليه‌السلام . ويأتى عند ذكره ما ينفع المقام، بل ربما يظهر مما يأتي ان عبدالله بن أعين ومالك بن أعين. وبريد بن مالك بن اعين بل وعبد الاعلى بن أعين، وعبد الجبار بن أعين، وعيسى بن اعين ليسوا ممن مات في حياته فلا حظ وتأمل.

اصحاب الصادق عليه‌السلام من آل زرارة بن اعين

قد روى جماعة من آل أعين عن أبى عبدالله عليه‌السلام وذكر هم الشيخ وغيره في اصحابه فمن بنى اعين: بكير، وحمران، وزرارة، وعبد الاعلى وعبد الرحمان، وعبد الملك، وعبد الجبار، وعبد الله، وسميع، وضريس، وعمران، وعيسى،

١٥

وقعنب، ومالك، ومليك، وموسى ويأتى ذكرهم وأما ام الاسود بنت أعين فهى وأن ادركت... ايامه ولكن لم اجد من ذكرها في اصحابه ولم اجد لها رواية عنه. وبقيت إلى ايام أبى الحسن عليه‌السلام وهى التى اغمضت زراره ذكر العقيقى على ما في الخلاصة.

ومن بنى بكير بن اعين: عبدالله، وعبد الاعلى، وعبد الحميد، والجهم، وعمر ومن بنى حمران بن اعين: محمد بن حمران، وابراهيم بن محمد بن حمران، وحمزة بن حمران، وعقبة بن حمران.

ومن بنى زرارة بن اعين: الحسن، الحسين، رومى، عبدالله، عبيد، محمد، يحيى، ويعقوب. ويأتى ذكرهم بتفصيل.

ومن بنى عبدالملك بن اعين: ضريس، على، محمد، يونس، المثنى، وغسان ومن بنى قعنب بن أعين: جعفر بن قعنب، ويونس بن قعنب. ومن بنى مالك بن أعين: بريد، عثمان، غسان، وضريس بن بريد مولى بنى شيبان الكوفى. كما ذكره البرقى في اصحابه عليه‌السلام .

قلت: تقدم ما ينفع المقام في ذكر اصحاب ابى جعفر عليه‌السلام من آل اعين، ويأتى ذكرهم بتفصيل. تنبيه: قد ورد عن ابى عبدالله عليه‌السلام ذموم في آل اعين رواها الكشى ص ٩٨ - ٢٨ وص ٩٩ - ٣١ فربما يتوهم بعمومها لكل واحد منهم ان من لم يصرح منهم بتوثيق خاص يدخل في المذمومين ولكن الظاهر انها وردت في زرارة بن اعين وسيأتي ان ما صح منها انما كان حفظا لدمه من كبد السلطان وقد حققناه في الشرح على الكشى، وفي كتابنا (اخبار الرواة) وستأتى الاشارة إلى ضعفها عند ذكر زرارة فانتظر.

١٦

اصحاب ابى الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام من آل زرارة بن اعين

تشرف جماعة من آل اعين بصحبة الامام ابى الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام وبالرواية عنه، كما نبه عليه أبو غالب في الرسالة وغيره. فمن بنى أعين:

عبد الرحمان بن أعين أبو محمد فقال الشيخ في اصحاب الصادق عليه‌السلام (٢٣١) عند ذكره: بقى بعد أبى عبدالله عليه‌السلام . وروى في التهذيب ج ٥ - ٣٣ - ١٠٠ باسناد صحيح عنه، وعن عبد الرحمان بن الحجاج قالا: سألنا أبا الحسن موسى عليه‌السلام الحديث. قلت: وفي الاخبار المصرحة بمن مات من بنى اعين في حياة الصادق عليه‌السلام ما يخالفه كما تقدم فلاحظه كما تأتى عند ذكره.

ومنهم زرارة فقد اتفقت الروايات على بقائه إلى أيامه، وصرح به أصحابنا والجمهور ايضا الا انها دلت على كونه مريضا في ايامه ومات في مرضه هذا، ولا تقتضي كونه من اصحابه وممن روى عنه عليه‌السلام ، الا ان البرقى، والشيخ قد ذكراه من اصحابه في رجالهما، بل ما رواه البرقى في المحاسن (٥٠٣) باب الارز يدل على تشرفه بزرايته ايام أبيه، كما يؤيده الاعتبار وطول مصاحبته لابيه ومنزلته عنده والظاهر أنه لو صحت صحبته وروايته عنه فانما كانت ايام أبيه الصادق عليه‌السلام ، ولا يعتمد على ما يظهر من بعض رواياتنا، وما ذكره بعض العامة انه قد دخل بعد وفاته عليه‌السلام على عبدالله الافطح وأنه مال إليه اولا ثم توقف ويأتى عند ذكره ما ينفع المقام.

وروى من اولاد بنى اعين عن ابى الحسن عليه‌السلام جماعة. فمن بنى زرارة: رومى، عبيد بن زرارة، عبدالله، وعبيدالله.

ومن بنى بكير: عبدالله، عبدالحميد، وابو محمد الحسن بن الجهم بن بكير.

١٧

ومن بنى حمران: عمران.

ومن بنى عبد الرحمان بن اعين: اعين.

اصحاب الرضا عليه‌السلام من آل زرارة بن اعين

قد ادرك الرضا عليه‌السلام وروى عنه من آل اعين: الحسن بن الجهم بن بكير بن اعين. ذكره النجاشي والشيخ وغيرهما وقال أبو غالب في الرسالة: وكان جدنا الادنى الحسن بن الجهم من خواص سيدنا ومولانا أبى الحسن الرضا عليه‌السلام وله كتاب معروف، وقد رويته..

والحسين بن الجهم. ذكره الشيخ في أصحابه بزيادة لقب (الرازي)

ولا يبعد كونه مصحف (الزرارى) ومحمد بن عبدالله بن زرارة. وقد أوصى ان تباع تركته ويحمل ثمنه إلى أبى الحسن عليه‌السلام .

اصحاب ابى جعفر الجواد عليه‌السلام

كان من اصحاب أبى جعفر عليه‌السلام من آل زرارة بن اعين: الحسن بن الجهم بل وغيره ممن ادرك ايام ابى الحسن عليه‌السلام على ما نشير إليه وذكرناهم في طبقات اصحابهما اصحاب ابى الحسن على بن محمد العسكري عليهما‌السلام من آل زرارة بن أعين سليمان بن الحسن بن الجهم

قال أبو غالب في رسالته ص ١١ عند ذكر جده سليمان بن الجهم: وأول من نسب منا إلى زرارة جدنا سليمان، نسبه إليه سيدنا أبو الحسن على بن محمد صاحب العسكر عليهما‌السلام ، وكان إذا ذكره في توقيعاته إلى غيره قال: (الزرارى) تورية عنه وسترا له، ثم اتسع ذلك، وسمينا به، وكان عليه‌السلام يكاتبه في امور له بالكوفة وبغداد.. إلى ان قال ص ١٦: فاقام سليمان في دوره بالكوفة، وعبيدالله بن عبدالله ابن اخته ان ذاك ببغداد يتقلدها، وله المنزلة الرفيعة من السلطان، وكان

١٨

عمال الحرب والخراج يركبون إلى سليمان. وسيدنا أبو الحسن عليه‌السلام يكاتبه، وكان يحمل إليه من غلة زوجته بخراسان في كل سنة مع الحاج ما يحمل، فمات (ومات - خ) سليمان في طريق مكة بعد خمسين ومأتين بمدة وليس احصيها.

وكان محمد بن عبدالله بن زرارة ممن ادرك ايام الهادى عليه‌السلام ، كما ذكرناه في محله واشرنا إليه في شرح الرسالة ص ٢١٥.

اصحاب أبى محمد الحسن العسكري عليه‌السلام

لا يبعد ادراك سليمان بن الجهم المتوفى بعد خمسين ومأتين ايام أبى محمد العسكري عليه‌السلام إذا كان وفات أبى الحسن عليه‌السلام سنة ٢٥٤.

وكان من اصحابه عليه‌السلام محمد بن سليمان بن الحسن بن الجهم أبو طاهر الزرارى. ذكره النجاشي في مصنفي الشيعة ص ٢٦٧ - ٩٣٩ وقال: حسن الطريقة، ثقة، عين، وله إلى مولانا أبى محمد عليه‌السلام مسائل والجوابات، له كتب..

ولا يبعد ادراك جماعة من آل اعين ابا محمد عليه‌السلام ممن يأتي ذكرهم في اصحاب الحجة عليه‌السلام .

اصحاب الامام الحجة ارواحنا له الفداء من آل زرارة بن اعين

كان من آل زرارة بن اعين جماعة ممن تشرف بزيارة الامام المنتظر عجل الله فرجه الشريف أو بتوقيع من الناحية المقدسة إليه أو بوكالة أو بمكاتبة أو باتصال بوجه ذكرناهم في طبقات اصحاب فمنهم:

على بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن اعين أبو الحسن الزرارى. ذكره النجاشي في مصنفي الشيعة (١٩٨) وقال له اتصال بصاحب الامر عليه‌السلام ، وخرجت إليه توقيعات، وكانت له منزلة في اصحابنا، وكان ورعا، ثقة، فقيها لا يطعن عليه في شئ له كتاب..

١٩

محمد بن سليمان بن الحسن بن الجهم أبو طاهر الزرارى

قال أبو غالب الزرارى في الرسالة (١٧): وكاتب الصاحب عليه‌السلام جدى محمد بن سليمان بعد موت ابيه إلى ان وقعت الغيبة.

وكان أبو طاهر الزرارى رحمه‌الله هو الذى وصى إليه امامنا الحجة ارواحنا له الفداء أبا سورة احد مشايخ الزيدية المذكورين حينما تشرف بزيارته عند زيارته قبر أبى عبدالله الحسين عليه‌السلام يوم عرفة في حديث طويل ذكره الشيخ في الغيبة (١٨١) قال عليه‌السلام له: فامض إلى أبى طاهر الزرارى فيخرج اليك من منزله، وفي يده الدم من الاضحية، فقل له: شاب من صفته كذا يقول لك: صرة فيها عشرون دينارا جاءك بها بعض اخوانك، فخذ ها منه، وفي روايه اخرى: اعط هذا الرجل الصرة الدنانير التى عند رجل السرير.

قال أبو سورة: فتعجبت من هذا ثم فارقني ومضى وجهه لا ادرى أين سلك، ودخلت الكوفة فقصدت أبا طاهر محمد بن سليمان الزرارى، فقرعت بابه كما قال لى، وخرج إلى، وفي يده دم الاضحية، فقلت له: يقال لك: اعط هذا الرجل الصرة الدنانير التى عند السرير، فقال: سمعا وطاعة، ودخل فاخرج إلى الصرة، فسلمها إلى، فاخذتها وانصرفت.

أبو الحسن على بن يحيى ابن الزرارى

وله حديث لابي سورة محمد بن الحسن بن عبدالله التميمي الزيدى الذى ارسله الامام الحجة عليه‌السلام إلى بابه لاخذ المال الذى عنده ذكره الشيخ ره في الغيبة (١٦٣) ١٣ و ١٤ في حديث طويل في تشرفه بزيارته عليه‌السلام وفيه: ثم قال عليه‌السلام لى: تمر إلى ابن الزرارى على بن يحيى فتقول له: يعطيك المال الذى عنده، فقلت له: لا يدعه إلى، فقال عليه‌السلام لى: قل له بعلامة انه كذا وكذا مغطى، فقلت له: و

٢٠

فكان العالم المجرّب الحكيم والناقد الخبير، وكان لطيف الحسّ، نقيّ الجوهر، وضّاء النفس، سليم الذوق، مستقيم الرأي، حسن الطريقة، سريع البديهة، حاضر الخاطر، عارفاً بمهمّات الأُمور(١) .

عبادته وتقواهعليه‌السلام :

اشتهر عليّ بن أبي طالب بتقواه التي كانت علّة الكثير من تصرّفاته مع نفسه وذويه والناس... وفيما ترى العبادة لدى المعظم رجع أصداء الضعف في نفوسهم أحياناً، ومعنىً من معاني التهرّب من مواجهة الحياة والأحياء أحياناً أُخرى، وهوساً موروثاً ثمّ مدعوماً بهوس جديد مصدره تقديس الناس والمجتمع لكلّ موروث في أكثر الأحيان... تراها تشتهر عند الإمام أخْذاً من كلّ قوّة ووصلاً لأطراف الحلقة الخلقية التي تشتدّ وتمتدّ حتى تجمع الأرض والسماء، ومعنىً من معاني الجهاد في سبيل ما يربط الأحياء بكلّ خير، وهي على كلّ حال شيء من روح التمرّد على الفساد يريد محاربته من كلّ صوب، ثمّ على النفاق وروح الاستغلال والاقتتال من أجل المنافع الخاصّة.. وعلى المذلّة والفقر والمسكنة والضعف، ثمّ على سائر الصفات التي تميّز بها عصره المضطرب القلق.

إنّ من تبصّر في عبادة الإمام، تبيّن له أنّ عليّاً متمرّد في عبادته وتقواه، كما هو متمرّد في أُسلوبه في السياسة والحكم، ففي عبادته افتتان الشاعر يقف في هيكل الوجود الرحب صافي النفس ممتلئ القلب، حتى إذا انكشفت له جمالات هذا الكون; تجاوبت وما في كيانه من أصداء وأظلال وموازين، فأطلق هذه الكلمة الرائعة التي نرى فيها دستوراً كاملاً لتقوى الأحرار وعبادة عظماء النفوس: (وإنّ قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإنّ

ــــــــــــ

(١) راجع: مقدمة شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم.

٢١

قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار)(١) .

إنّ عبادة الإمام ليست شيئاً من سلبيّة الخائف الهارب أو التاجر الراغب كما هي الحال عند الكثيرين من المتعبّدين، بل هي شيء من إيجابية الإنسان العظيم الواعي نفسه والكون على أساس من خبرة المجرّب وعقل الحكيم وقلب الشاعر.

وبهذا المفهوم للتقوى والعبادة كان عليّ يوجّه الناس إلى أن يتّقوا الله في سبيل الخير الإنساني العام، أو قل: في سبيل أمر أجلّ من رغبة تجّار العبادات في نعيم الآخرة، كان يوجّههم إلى التقوى لعلّ فيها ما يحملهم على أن يعدلوا وينصفوا المظلوم من الظالم فيقول:) عليكم بتقوى الله وبالعدل على الصديق والعدوّ ( (٢) . ولا خير في التقوى في نظر الإمام; إلاّ إذا دفعتك إلى أن تعترف بالحقّ قبل أن تشهد عليه، وألاّ تحيف على من تبغض ولا تأثم، والحياة ـ بهذا المعنى للعبادة ـ لا تبتغى لمتاع ولا تُرجى للذّة عابرة.

زُهدهعليه‌السلام :

لقد زهد عليّ في الدنيا وتقشّف، وكان صادقاً في زهده كما كان صادقاً في كلّ ما نتج عن يمينه أو بَدَر من قلبه ولسانه، زهد في لذّة الدنيا وسبب الدولة وعلّة السلطان وكلّ ما يطمح لبلوغه الآخرون، ويَرَوْن أنّه مرتكز وجودهم، فإذا هو يسكن مع أولاده في بيت متواضع تأوي إليه الخلافة لا المُلك، وإذا هو يأكل الشعير تطحنه امرأته بيديها فيما كان عمّاله يعيشون على أطايب الشام وخيرات مصر ونعيم العراق، وكثيراً ما كان يأبى على زوجته أن تطحن له، فيطحن لنفسه وهو أمير المؤمنين، ويأكل من الخبز اليابس الذي يكسره على ركبته، وكان إذا أرعده البرد واشتدّ عليه الصقيع لا يتّخذ له عدّة من دثار يقيه أذى البرد، بل يكتفي بما رقّ من لباس الصيف إغراقاً منه في صوفيّة الروح.

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة طبعة صبحي الصالح : ٥١٠ الحكمة ٢٣٧ ط دار الهجرة قم.

(٢) بحار الأنوار: ٧٧/٢٣٦ باب وصيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام ط الوفاء .

٢٢

روى هارون بن عنترة عن أبيه، قال: دخلتُ على عليّ بالخورنق، وكان فصل شتاء، وعليه خلق قطيفة هو يرعد فيه، فقلت: يا أمير المؤمنين! إن الله قد جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيباً وأنت تفعل ذلك بنفسك؟ فقال: (والله ما أرزؤكم شيئاً، وما هي إلاّ قطيفتي التي أخرجتها من المدينة) (١) .

وأتى أحدهم عليّاً بطعام نفيس حلو يقال له: الفالوذج، فلم يأكله عليّ ونظر إليه يقول:(والله إنّك لطيّب الريح حسن اللون طيّب الطعم، ولكن أكره أن أُعوِّد نفسي ما لم تعتد) (٢) .

ولعمري إنّ زهد عليّ هذا ليس إلاّ معنىً ومزاجاً من معاني فروسيّته ومزاجها وإن بدا للبعض أنّهما مختلفان.

وقد حملت هذه السيرة الطيّبة عمر بن عبد العزيز ـ أحد خلفاء الأسرة الأموية التي تكره عليّاً وتختلق له السيّئات وتسبّه على المنابر ـ على أن يقول: أزهد الناس في الدنيا عليّ بن أبي طالب(٣) .

والمشهور أنّ عليّاً أبى أن يسكن قصر الإمارة الذي كان معدّاً له بالكوفة، لئلاّ يرفع سكنه عن سكن أولئك الفقراء الكثيرين الذين يقيمون في خِصاصهم البائسة، ومن كلامه هذا القول الذي انبثق عن أُسلوبه في العيش انبثاقاً:) أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر؟ !( (٤) .

إباؤه وشهامتهعليه‌السلام :

مثّل عليّ بن أبي طالب الفروسيّة بأروع معانيها وبكلّ ما تنطوي عليه

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٠/٣٣٤ ط الوفاء.

(٢) المصدر السابق : ٤٠/٣٢٧.

(٣) المصدر السابق : ٤٠/٣٣١ باب ٩٨ ذ ح ١٣ ط الوفاء.

(٤) نهج البلاغة طبعة صبحي الصالح: ٤١٨ الكتاب ٤٥ .

٢٣

من ألوان الشهامة. والإباء والترفّع أصلان من أصول روح الفروسيّة، فهما إذن من طبائع الإمام، لذلك كان بغيضاً لديه أن ينال أحداً من الناس بالأذى وإن آذاه، وأن يبادر مخلوقاً بالاعتداء ولو على ثقة بأنّ هذا المخلوق يقصد قتله.

وروح الإباء والترفّع هذه هي التي ارتفعت به عن مقابلة الأمويين بالسباب يوم كانوا يرشقونه به.. بل إنّه منع على أصحابه أن ينالوا الأمويين بالشتيمة المقذعة حتى قال لهم: (إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم; كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إيّاهم: اللهمّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتّى يعرف الحقّ مَن جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان مَن لهج به ) (١) .

مروءتهعليه‌السلام :

إنّ مروءة الإمام أندر من أن يكون لها مثيل في التأريخ، وحوادث المروءة في سيرته أكثر من أن تعدّ، منها أنّه أبى على جنده ـ وهم في حال من النقمة والسخط ـ أن يقتلوا عدوّاً تراجع، كما أبى عليهم أن يكشفوا ستراً أو يأخذوا مالاً، ومنها: أنّه حين ظفر بألدّ أعدائه الذين يتحيّنون الفرص للتخلّص منه; عفا عنهم وأحسن إليهم وأبى على أنصاره أن يتعقّبوهم بسوء وهم على ذلك قادرون(٢) .

صدقه وإخلاصهعليه‌السلام :

وتتماسك هذه الصفات الكريمة في سلسلة لا تنتهي; وبعضها على بعض دليل، ومن أروع حلقاتها: الصدق والإخلاص، وقد بلغ به الصدق مبلغاً أضاع به الخلافة، وهو لو رضي عن الصدق بديلاً في بعض أحواله; لما نال منه عدوّ ولا انقلب عليه صديق.. لقد رفض أن يقرّ معاوية على عمله وقال:( لا أداهن في ديني

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة طبعة صبحي الصالح: ٣٢٣ ، الخطبة ٢٠٦.

(٢) البداية والنهاية: ٧ / ٢٧٦.

٢٤

ولا أعطي الدنيّة في أمري ) ولمّا ظهرت حيلة معاوية; أطلق عبارته التي صحّت أن تكون صيغة للخلق العظيم:( والله ما معاوية بأدهى منّي، ولكنّه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر; لكنت من أدهى الناس ) (١) . وقال مشدّداً على ضرورة الصدق مهما اختلفت الظروف:( الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك ، على الكذب حيث ينفعك ) (٢) .

شجاعتهعليه‌السلام :

إن شجاعة الإمام هي من الإمام بمنزلة التعبير من الفكرة وبمثابة العمل من الإرادة، لأنّ محورها الدفاع عن طبع في الحق وإيمان بالخير، والمشهور أنّ أحداً من الأبطال لم ينهض له في ميدان.. فقد كان لجرأته على الموت لا يهاب صنديداً، بل إنّ فكرة الموت لم تجل مرة في خاطر الإمام وهو في موقف نزال، وأنّه لم يقارع بطلاً إلاّ بعد أن يحاوره لينصحه ويهديه.

وكان عليّ مع قوته البالغة يتورّع عن البغي أيّاً كان الظرف، وأجمع المؤرّخون على أنّه كان يأنف القتال إلاّ إذا حُمِل عليه حملاً، فكان يسعى أن يسوّي الأُمور مع خصومه على وجوه سلميّة تحقن الدم وتحول دون النزال.

وطبيعة التورّع عن البغي أصل من أصول نفسيّة عليّ وخلق من أخلاقه، وهي متّصلة اتّصالاً وثيقاً بمبدئه العام الذي يقوم بمعرفة العهد وصيانة الذمّة والرحمة بالناس حتى يخونوا كلّ عهد ويقسوا دون كلّ رحمة.

وما كان لعليّ أن يستنجد الصداقة على العداوة; لولا ذلك الفيض العظيم من الوفاء والحنان الذي تزخر به نفسه ويطغى على جنانه.

ولكنّ صاحب المودّات لم يرعَ أصدقاؤه له مودّة، لأنّهم لم يكونوا ليطمعوا

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة، الخطبة : ٢٠٠.

(٢) نهج البلاغة، قصار الحكم: ٤٥٨.

٢٥

بأن يحولوا بينه وبين نفسه، فيطلق أيديهم في خيرات الأرض دون سائر الخلق، يقول عليّعليه‌السلام :( والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلُبها جَلبَ شعيرة ما فعلتُ، وإنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة ) (١) وليس عليّ في هذا المجال قائلاً ثمّ عاملاً، بل هو القول يجري من طبيعة العمل الذي يُعمل والشعور الذي يُحَسّ... فعليّ أكرم الناس مع الناس، وأبعد الخلق عن أن ينال الخلق بالأذى، وأقربهم إلى بذل نفسه في سبيلهم على أن يقتنع ضميره بضرورة هذا البذل، أوَليست حياته كلّها سلسلة معارك في سبيل المظلومين والمستضعفين، وانتصاراً دائماً للاُمّة دون من يريدونه آلة إنتاج لهم من السادة ورثة الأمجاد العائلية، أولم يكن سيفاً صارماً فوق أعناق القرشيّين الذين أرادوا استغلال الخلافة والإمارة للسلطان والجاه وتكديس الأموال ؟! أَلمْ يَضع الخلافةَ والحياةَ على الأرض لأنّه أبى مسايرة أهل الدنيا في استعباد إخوانهم الضعفاء والفقراء والمظلومين ؟

عدلهعليه‌السلام :

ليس غريباً أن يكون عليٌّ أعدل الناس، بل الغريب أن لا يكونَهُ، وأخبار عليّ في عدله تراثٌ يشرّف المكانة الإنسانية والروح الإنساني.

وكان الإمام يأبى الترفّع عن رعاياه في المخاصمة والمقاضاة، بل إنّه كان يسعى إلى المقاضاة إذا وجبت لتشبّعه بروح العدالة.

وتجري في روحه العدالة حتى أمام أبسط الأُمور، ووصايا الإمام ورسائله إلى الولاة تكاد تدور حول محور واحد هو العدل، وقد انتصر العدل في قلب عليّ وقلوب أتباعه وإن ظلموا وظلم.

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة، الخطبة: ٢٢٤.

٢٦

تواضعهعليه‌السلام :

إنّ من أصول أخلاق الإمام أنّه كان يعتمد البساطة ويمقت التكلّف. وكان يقول:( شر الإخوان من تكلّف له ) (١) . ويقول:( إذا احتشم المؤمن أخاه فقد فارقه ) (٢) ويقصد بالاحتشام مراعاته حتى التكلّف.

وكان لا يتصنّع في رأي يراه أو نصيحة يسديها أو رزق يهبه أو مال يمنعه. وكانت هذه الطبيعة تلازمه حتى يسأم أصحاب الأغراض من استرضائه بالحيلة. وإذا هم ينسبون إليه القسوة والجفوة والزهو على الناس، وليس صدق الشعور وإظهاره زهواً وليس جفوة، بل إنّه كان يمقت الزهو والعجب.. ولطالما نهى ولدَه وأعوانه وعمّاله عن الكبر والعجب قائلاً:( إيّاك والإعجاب بنفسك، واعلم أنّ الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب ) (٣) . وكره التكلّف في محبّيه الغالين كما كره التكلّف في مبغضيه المفرطين فقال:( هلك فيّ اثنان: محبٌ غال ومبغضٌ قال ) (٤) .

لقد كان يخرج إلى مبارزيه حاسر الرأس ومبارزوه مقنعون بالحديد، أفعجيب أن يخرج إليهم حاسر النفس وهم مقنعون بالحيلة والرياء؟.

نقاؤهعليه‌السلام :

وتميّز عليّ بسلامة القلب، فهو لا يحمل ضغينة على مخلوق ولا يعرف حقداً على ألدّ أعدائه ومناوئيه ومن يحقدون عليه حسداً وكرهاً.

كرمهعليه‌السلام :

وكان من خلقه أنّه كان كريماً ولا حدود لكرمه، ولكنّه الكرم السليم

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة، قصار الحكم: ٤٧٩.

(٢) المصدر السابق: ٤٨٠.

(٣) المصدر السابق من كتاب ٣١ رقم ٥٧.

(٤) نهج البلاغة : ١١٧.

٢٧

بأصوله وغاياته لا كرم الولاة الذين (يكرمون) بأموال الناس وجهودهم. وهذا الكرم لم يعرفه عليٌّ مرّة في حياته، وإنّما كرمه هو الذي يعبّر عن جملة المروءات، ففيما كان يزجر ابنته زجراً شديداً إذ هي استعارت من بيت المال قلادة تتزيّن بها في عيد من الأعياد. كان يسقي بيده النخل لقوم من يهود المدينة حتى تمْجلَ يده فيتناول أجرته فيهبها لأهل الفاقة والعوز ويشتري بها الأرقاء ويحرّرهم في الحال.

وقد شهد معاوية على كرم عليّ قائلاً: لو ملك عليّ بيتاً من تبر وبيتاً من تبن لأنفد تبره قبل تبنه(١) .

علمه ومعارفهعليه‌السلام :

قال ابن أبي الحديد: (وما أقول في رجل تُعزى إليه كلّ فضيلة، وتنتمي إليه كلّ فرقة، وتتجاذبه كلّ طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عُذْرِها، وسابق مضمارها، ومجلّي حَلْبتها، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ، وله اقتفى، وعلى مثاله احتذى. وإنّ أشرف العلوم ـ وهو العلم الإلهي ـ من كلامهعليه‌السلام اقتبس وعنه نقل وإليه انتهى ومنه ابتدأ... وعلم الفقه هو أصله وأساسه وكلّ فقيه في الإسلام فهو عيال عليه ومستفيد من فقهه... وعلم تفسير القرآن عنه أُخذ ومنه فُرّع وعلم الطريقة والحقيقة وأحوال التصوّف(؟!) إنّ أرباب هذا الفنّ في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون، وعنده يقفون.. وعلم النحو والعربية قد علم الناس كافة أنّه هو الذي ابتدعه وأنشأه، وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعَه وأصوله...)

ثم قال: (وأمّا الفصاحة، فهوعليه‌السلام إمام الفصحاء وسيّد البلغاء، وفي كلامه قيل: (دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين)، ومنه تعلّم الناس الخطابة والكتابة ..

ــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق لابن عساكر : ٤٣/٤١٤ ترجمة علي بن أبي طالب عليه‌السلام .

٢٨

فوالله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره، ويكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه دلالةً على أنّه لا يجارى في الفصاحة ولا يُبارى في البلاغة...)

ثم قال: (وأمّا الزهد في الدنيا، فهو سيّد الزهاد، وبدل الأبدال، وإليه تشدّ الرحال، وعنده تُنْفَضُ الأحلاس، ما شبع من طعام قطّ، وكان أخشنَ الناس مأكلاً وملبساً(.

وأمّا العبادة فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاةً وصوماً، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد وقيام النافلة، وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على وِرده أن يُبسَط له نِطَعٌ بين الصفّين ليلةَ الهرير(١) فيصلّي عليه ورده والسهام تقع بين يديه وتمرّ على صِماخيه يميناً وشمالاً، فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته... وأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله وما يتضمّنه من الخضوع لهيبتهِ والخشوع لعزّته والاستخذاء له; عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص، وفهمت من أيّ قلب خرجت، وعلى أيّ لسان جَرَت. وقال عليّ بن الحسين وكان الغاية في العبادة:عبادتي عند عبادة جدّي كعبادة جدّي عند عبادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأمّا قراءته القرآن واشتغاله به فهو المنظور إليه في هذا الباب; اتّفق الكلّ على أنّه كان يحفظ القرآن على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يكن غيره يحفظه، ثمّ هو أوّل من جمعه. وإذا رجعت إلى كتب القراءات وجدت أئمّة القرّاء كلّهم يرجعون إليه.

وما أقول في رجل تحبّه أهل الذمّة على تكذيبهم بالنبوّة، وتعظّمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملّة، وتصوِّر ملوك الإفرنج والروم صورته في بِيَعها وبيوت عباداتها، حاملاً سيفه؟ وما أقول في رجل أحبّ كلُّ واحد أن يتكثّر به، وودّ كلُّ أحد أن يتجمّل ويتحسّن بالانتساب إليه؟

ــــــــــــ

(١) هي أشد ليلة مرّت على الجيشين في معركة صفّين، راجع مروج الذهب : ٢ / ٣٨٩ .

٢٩

وما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى.. لم يسبقه أحد إلى التوحيد إلاّ السابق لكلّ خير محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ؟

ــــــــــــ

(١) من مقدمة ابن أبي الحديد لشرح نهج البلاغة ١ / ١٦ ـ ٣٠ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.

٣٠

الباب الثاني: فيه فصول:

الفصل الأول: نشأة الإمام عليعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام عليعليه‌السلام .

الفصل الثالث: من الولادة إلى الإمامة.

الفصل الأول: نشأة الإمام عليعليه‌السلام

نسبه الوضّاء :

هو الإمام أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إياس بن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان.

جدّه الكريم :

عبد المطلب شيبة الحمد، وكنيته أبو الحرث، وعنده يجتمع نسبه بنسب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان مؤمناً بالله تعالى، ويعلم بأنّ محمداً سيكون نبيّاً(١) .

ولمّا حضرت عبد المطلب الوفاة دعا ابنه أبا طالب، فقال له: يا بني! قد علمت شدّة حبّي لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووجدي به أنظر كيف تحفظني فيه قال أبو طالب: يا أبه! لا توصني بمحمّد فإنّه ابني وابن أخي(٢) .

ــــــــــــ

(١) الطبقات لمحمد بن سعد: ١ / ٧٤ ط. ليدن.

(٢) كمال الدين للصدوق : ١٧٠ ط النجف الأشرف و ١٧٢ ط طهران عن ابن عباس. وفي موسوعة التاريخ الإسلامي: ١/٢٨٥.

٣١

والده :

عبد مناف، وقيل: عمران، وقيل: شيبة، وكنيته أبو طالب، وهو أخو عبد الله والد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأُمه وأبيه. ولد أبو طالب بمكّة قبل ولادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمس وثلاثين سنة، وانتهت إليه بعد أبيه عبد المطلب الزعامة المطلقة لقريش، وكان يروي الماء لوفود مكّة كافّة لأنّ السقاية كانت له، ورفض عبادة الأصنام فوحّد الله سبحانه، ومنع نكاح المحارم وقتل الموؤدة والزنا وشرب الخمر وطواف العراة في بيت الله الحرام(١) . ولمّا توفّي عبد المطلب; تكفّل أبو طالب رعاية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان أبو طالب يحبّه حبّاً شديداً لا يحبّه ولده، وكان لا ينام إلاّ إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وكان يخصّه بالطعام دون أولاده.

وروي أنّ أبا طالب دعا بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما اتّبعتم أمره، فاتّبعوه وأعينوه ترشدوا. وما زالت قريش كافّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى مات أبو طالب(٢) .

توفّي أبو طالب قبل الهجرة بثلاث سنين وبعد خروج بني هاشم مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الشِعب وعمره بضع وثمانون سنة(٣) ، وكان للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعلّق شديد بأبي طالب، فقد عاش في كنفه (٤٣) عاماً منذ الثامنة من عمره الشريف حينما توفّي جدّه عبد المطلب.. وقد ثبت أنّ أبا طالب كان موحّداً مؤمناً بالله ومعتقداً بالإسلام أرسخ الاعتقاد، وبقي على حاله هذه حتى وافاه الأجل، وإنّما أخفى إيمانه ليتمكّن أن يكون له شأن واتّصال مع كفّار مكّة، وليطّلع على

ــــــــــــ

(١) روضة الواعظين للفتال: ١٢١ ـ ١٢٢ وصية أبي طالب لبني هاشم.

(٢) الطبقات لابن سعد: ١ / ٧٥.

(٣) الكامل في التأريخ لأبن الأثير: ٢ / ٩٠، راجع : موسوعة التاريخ الإسلامي : ١/٤٣٦.

٣٢

مكائدهم ومؤامراتهم، فكان يعيش حالة التقيّة، وكان مثله كأصحاب الكهف في قومهم، وهو ممّن آتاهم الله أجرهم مرّتين لإيمانه وتقيّته(١) .

أُمّه :

فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، تجتمع هي وأبو طالب في هاشم، أسلمت وهاجرت مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت من السابقات إلى الإيمان وبمنزلة الأُم للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ربّته في حجرها، ولمّا ماتت فاطمة بنت أسد; دخل إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجلس عند رأسها وقال:( رحمك الله يا أُمي، كنت أُمي بعد أُمي، تجوعين وتشبعيني، وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله والآخرة ) .

وغمّضها، ثمّ أمر أن تغسل بالماء ثلاثاً، فلمّا بلغ الماء الّذي فيه الكافور سكبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده، ثمّ خلع قميصه فألبسه إيّاها وكفّنت فوقه ودعا لها أسامة بن زيد مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطّاب وغلاماً أسود فحفروا لها قبرها، فلمّا بلغوا اللّحد حفره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده، وأخرج ترابه ودخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبرها فاضطجع فيه، ثمّ قال:( الله الّذي يحيي ويميت، وهو حيّ لا يموت، اللّهمّ اغفر لأُمّي فاطمة بنت أسد بن هاشم، ولقّنها حجتها، ووسّع عليها مدخلها بحقّ نبيّك والأنبياء من قبلي، فإنّك أرحم الراحمين ) وأدخلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللحد والعباسُ وأبو بكر(٣) .

فقيل: يا رسول الله رأيناك وضعت شيئاً لم تكن وضعته بأحد من قبل:

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٣٥ / ٧٢. وانظر: منية الطالب في إيمان أبي طالب للشيخ الطبسي، وأبو طالب مؤمن قريش للشيخ عبد الله الخُنيزي وموسوعة التاريخ الإسلامي: ١/٥١٤ ـ ٥١٧ و ٥٩٦ ـ ٦٠١.

(٢) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ٣١.

(٣) بصائر الدرجات : ٧١ عن الصادق عليه‌السلام ، وراجع: موسوعة التاريخ الإسلامي: ٢/٤٣٣ ـ ٤٣٧ .

٣٣

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة، واضطجعت في قبرها ليخفّف عنها من ضغطة القبر، إنّها كانت من أحسن خلق الله صُنعاً إليّ بعد أبي طالب رضي اللّه عنهما ورحمهما ( (١) .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام عليّعليه‌السلام

ولد الإمام عليعليه‌السلام قبل البعثة النبوية بعقد واحد، وعاصر إرهاصات البعثة وكل حركة الرسالة خلال العهد المكّي ـ وهو عهد بناء الأمة المسلمة وتكوين القاعدة الرسالية الصلبة ـ كما عاصر كل أحداث العهد المدني، حيث تم فيه بناء الدولة الإسلامية بقيادة سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وساهم بكل وجوده في بناء هذا الكيان الشامخ حتى تجلّى للجميع عمق وجوده في هذا البناء الرسالي الفريد.

وحمل الإمامعليه‌السلام بأمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشعل الهداهية الربّانية والقيادة الإسلامية بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رغم تراجع جمع من الصحابة وتمرّدهم على نصوص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخذلانهم للإمامعليه‌السلام والحيولة دون استلامه للقيادة السياسية ولكنه استمر في انجاز مهمامّه الرسالية في تلك الظروف العصيبة وعايس الخلفاء رغم انه كان يرى محلّه من القيادة محل القطب من الرحى فصبر وفي العين قذى مدة عقدين وصنف عقد حتّى انكشفت للأمة جملة من نتائج انحرافها الخطير عن تخطيط الرسول الأمين.

من هنا التجأت الأمة إلى الإمام لتسلم له زمام أمرها بعد تلك الخطوب وذلك التصدع الذي طال كيانه فحمل عبء القيادة بكل جدارة خلال نصف عقد فقط حتّى قدّم دمه الطاهر في سبيل الله رخيصا يبتغي به رضوان الله تعالى تثبيتا للقيم الرسالية التي جاهد من أجل إرسائها في وجدان المجتمع الإسلامي وضمير المجتمع الإنساني.

وعلى هذا تنقسم حياة الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إلى شطرين رئيسين:

الشطر الأول: حياته منذ ولادته وحتّى وفاة سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الشطر الثاني: حياته من حين وفاة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتولّيه لمهامّ الإمامة الشرعية وحتّى استشهادهعليه‌السلام في محراب العبادة.

ــــــــــــ

(١) الفصول المهمة لابن الصباغ: ٣٢، وفي فرائد السمطين: ١ / ٣٧٩: (صنعت شيئاً لم تصنعه بأحد) وروى إسلام فاطمة بنت أسد وهجرتها وحنانها ورعايتها للرسول ووفاتها وما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضلها كثير من الحفّاظ والمؤلّفين في كتبهم كابن عساكر وابن الأثير وابن عبد البرّ ومحب الدين الطبري ومحمد بن طلحة والشبلنجي وابن الصبّاغ البلاذري وغيرهم.

٣٤

ونظرا لتنوّع الأدوار والظروف التي عاشهاعليه‌السلام يمكننا أن نصنّف حياته إلى عدّة مراحل:

المرحلة الأولى: من الولادة إلى البعثة النبويّة المباركة.

المرحلة الثانية: من البعثة إلى الهجرة.

المرحلة الثالثة: من الهجرة إلى وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذه المراحل الثلاث تدخل في الشطر الأول من حياته وقد تجلّى فيها انقياده المطلق للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والدفاع المستميت عن الرسالة والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

المرحلة الرابعة: حياة الإمام في عهد (أبي بكر وعمر وعثمان(.

المرحلة الخامسة: حياته في عهد دولته.

وسوف ندرس المراحل الثلاث الأولى في الفصل الثالث من الباب الثاني.

كما نبحث عن المرحلة الرابعة من حياته في الباب الثالث بفصوله الأربعة، ونخصص الباب الرابع بالمرحلة الخامسة من حياتهعليه‌السلام .

الفصل الثالث: المرحلة الأولى : من الولادة إلى البعثة النبوية المباركة

ولادته :

قال عليّعليه‌السلام :(فإنّي ولدتُ على الفطرة وسَبقتُ إلى الإيمان والهجرة ( (١) .

ولِد الإمام عليّعليه‌السلام بمكّة المشرّفة داخل البيت الحرام وفي جوف الكعبة في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، ولم يولد في بيت الله الحرام قبله أحد سواه، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لتكرمته(٢) .

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة (صبحي الصالح): الخطبة ٥٧ ص٩٢، وأمالي الطوسي: ص٣٦٤ الرقم ٧٦٥، ومناقب آل أبي طالب: ٢ / ١٠٧، وشرح النهج لابن أبي الحديد: ٤ / ١١٤، وبحار الأنوار: ٤١ / ٢١٧.

(٢) خصائص أمير المؤمنين للشريف الرضي: ٣٩، والغدير للأميني: ٦ / ٢٢، والمستدرك للحاكم النيشابوري: ٣/٤٨٣، والكفاية للحافظ الكنجي الشافعي والخريدة الغيبيّة في شرح القصيدة العينيّة للآلوسي صاحب التفسير، ومروج الذهب للمسعودي، والسيرة النبوية، وموسوعة التاريخ الإسلامي: ١/٣٠٦ ـ ٣١٠.

٣٥

روي عن يزيد بن قعنب أنّه قال: كنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب وفريق من بني عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكانت حاملاً به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق، فقالت: يا ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنّي مصدّقة بكلام جديّ إبراهيم الخليلعليه‌السلام وإنّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الّذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الّذي في بطني إلاّ ما يسّرت عليَّ ولادتي.

قال يزيد: فرأيت البيت قد انشق عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله عَزَّ وجَلَّ، ثمّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (١) .

وأسرع البشير إلى أبي طالب وأهل بيته فأقبلوا مسرعين والبِشر يعلو وجوههم، وتقدّم من بينهم محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضمّه إلى صدره، وحمله إلى بيت أبي طالب ـ حيث كان الرسول في تلك الفترة يعيش مع خديجة في دار عمه منذ زواجه ـ وانقدح في ذهن أبي طالب أن يسمّي وليده (عليّاً) وهكذا سمّاه، وأقام أبو طالب وليمةً على شرف الوليد المبارك، ونحر الكثير من الأنعام(٢) .

كناه وألقابه :

إن لأمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ألقاباً وكنىً ونعوتاً يصعب حصرها والإلمام بها، وكلّها صادرة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شتى المواقف والمناسبات العديدة التي وقفهاعليه‌السلام لنشر الإسلام والدفاع عنه وعن الرسول.

فمن ألقابهعليه‌السلام : أمير المؤمنين، ويعسوب الدين والمسلمين، ومبير(٣)  الشرك والمشركين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ومولى المؤمنين، وشبيه هارون، والمرتضى، ونفس الرسول، وأخوه، وزوج البتول، وسيف الله المسلول، وأمير البررة، وقاتل الفجرة، وقسيم الجنّة والنار، وصاحب اللواء، وسيّد

ــــــــــــ

(١) علل الشرائع للصدوق: ص٥٦، وروضة الواعظين للفتال النيسابوري: ص٦٧، وبحار الأنوار: ٣٥ / ٨ ، وكشف الغمة للأربلي: ١ / ٨٢ .

(٢) بحار الأنوار: ٣٥ / ١٨.

(٣) اليعسوب: يقصد به هنا سيّد قومه. المبير: المهلك.

٣٦

العرب، وخاصف النعل، وكشّاف الكرب، والصدّيق الأكبر، وذو القرنين، والهادي، والفاروق، والداعي، والشاهد، وباب المدينة، والوالي، والوصيّ، وقاضي دين رسول الله، ومنجز وعده، والنبأ العظيم، والصراط المستقيم، والأنزع البطين(١) .

وأمّا كناه فمنها: أبو الحسن، أبو الحسين، أبو السبطين، أبو الريحانتين، أبو تراب.

الإعداد النبويّ للإمام عليّعليه‌السلام :

كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتردّد كثيراً على دار عمّه أبي طالب بالرغم من زواجه من خديجة وعيشه معها في دار منفردة، وكان يشمل عليّاًعليه‌السلام بعواطفه، ويحوطه بعنايته، ويحمله على صدره، ويحرّك مهده عند نومه إلى غير ذلك من مظاهر العناية والرعاية(٢) .

وكان من نِعَم الله عزّ وجلّ على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وما صنع الله له وأراده به من الخير أنّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للعبّاس ـ وكان من أيسر بني هاشم ـ : يا عبّاس، إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة، فانطلق بنا، فلنخفّف عنه من عياله، آخذُ من بيته واحداً، وتأخذ واحداً، فنكفيهما عنه ، قال العباس: نعم.

فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له:إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه ، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا

ــــــــــــ

(١) كشف الغمة للأربلي: ١ / ٩٣. وقد وردت ألقاب أُخرى عديدة لأمير المؤمنين في مصادر الرواة والمحدّثين منها: صحيح الترمذي والخصائص للنسائي والمستدرك للحاكم النيسابوري وحلية الأولياء للأصفهاني وأُسد الغابة لابن الأثير وتأريخ الإسلام للذهبي وغيرهم.

(٢) بحار الأنوار: ٣٥ / ٤٣.

٣٧

ما شئتما، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام فضمّه إليه وكان عمره يومئذ ستة أعوام، وأخذ العبّاس جعفراً، فلم يزل عليّ بن أبي طالب مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بعثه الله نبيّاً، فاتّبعه عليّعليه‌السلام فآمن به وصدّقه، ولم يزل جعفر عند العبّاس حتّى أسلم واستغنى عنه(١) .

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن اختار عليّاًعليه‌السلام : (قد اخترت من اختاره الله لي عليكم عليّاً ( (٢) .

وهكذا آن لعليّعليه‌السلام أن يعيش منذ نعومة أظفاره في كنف محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث نشأ وترعرع في ظل أخلاقه السماويّة السامية، ونهل من ينابيع مودّته وحنانه، وربّاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفقاً لما علّمه ربّه تعالى، ولم يفارقه منذ ذلك التأريخ.

وقد أشار الإمام عليّعليه‌السلام إلى أبعاد التربية التي حظي بها من لدن أستاذه ومربّيه النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومداها وعمق أثرها، وذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة: (وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة (٣) ، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جَسده، ويشمّني عَرْفه (٤) ، وكان يمضع الشيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة (٥) في فعل) .

إلى أن قال:(ولقد كنت أتّبعه اتباع الفصيل (٦) أثر أمه، يرفع لي في كلّ يوم من

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري: ٢ / ٥٨ ط مؤسسة الأعلمي بيروت، وشرح ابن أبي الحديد: ١٣ / ١٩٨، وينابيع المودة: ٢٠٢، وكشف الغمة: ١ / ١٠٤، وموسوعة التاريخ الإسلامي : ١ / ٣٥١  ـ ٣٥٦.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١ / ١٥ ، نقلاً عن البلاذري والأصفهاني.

(٣) الخصيصة: الخاصة.

(٤) عرفه (بالفتح): رائحته، وأكثر استعماله في الطيب.

(٥) الخطلة: الخطأ ينشأ من عدم الرؤية.

(٦) الفصيل: ولد الناقة.

٣٨

أخلاقه علماً (١) ، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء (٢) ، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة، ولقد سمعت رنّة (٣) الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان آيس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلاّ أنّك لست بنبيّ، ولكنّك وزير، وأنّك لعلى خير) (٤) .

المرحلة الثانية : من البعثة إلى الهجرة

عليّعليه‌السلام أول المؤمنين برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

لقد نشأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قيم إلهية سامية كما صرّح بذلك القرآن الكريم بقوله تعالى:( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٥) ، فكان النموذج المغاير لإنسان الجزيرة في معتقده وتفكيره وسلوكه وأخلاقه، فسلك منذ نعومة أظفاره خطّاً موازياً لقيم رسالات الأنبياء سيَّما شيخهم إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، وكان في قناعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ هذا الخطّ لا يلتقي بقيم المجتمع الجاهلي، من هنا بدأصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإنشاء نواة الأسرة المؤمنة المتكونة منه وخديجة وعليّعليهم‌السلام .

وقرّر أن يشقّ مجرى التأريخ، وأن يفتح طريقاً وسط التيار العام، وأن يقاوم بتلك الأسرة الانحراف السائد، وأن يُحدث موجاً هادراً يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى تيار جارف للوثنية والجاهلية من ربوع الأرض، إنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام والذي تربّى في حِجر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يسجد لصنم قطّ، ولم يُشرك بالله طرفة

ــــــــــــ

(١) عَلَماً: فضلاً ظاهراً.

(٢) حراء: جبل قرب مكّة.

(٣) رنّة الشيطان: صوته.

(٤) شرح نهج البلاغة للفيض: ٨٠٢ ، الخطبة ٢٣٤.

(٥) القلم (٦٨) : ٤.

٣٩

عين. وعندما نزل الوحي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عليّعليه‌السلام إلى جانبه، وكان أوّل من آمن برسالتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما شهدت بذلك عامّة مصادر التأريخ.

وعن أنس بن مالك قال : أنزلت النبوّة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الاثنين وصلّى عليّعليه‌السلام يوم الثلاثاء(١) .

كما روي عن سلمان الفارسي أَنّه قال: أوّل هذه الأمة وروداً على نبيّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض، أوّلها إسلاماً عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (٢) .

وعن العباس بن عبد المطلب أنّه سمع عمر بن الخطاب وهو يقول: كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالب إلاّ بخير، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: في عليّ ثلاث خصال، وددت أنّ لي واحدةً منهنّ، كلّ واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، وذلك أنّي كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح ونفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ ضرب النبي على كتف عليّ بن أبي طالب وقال: يا عليّ، أنت أوّل المسلمين إسلاماً، وأنت أول المؤمنين إيماناً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، كذب من زعم أنّه يحبّني وهو مبغضك (٣) .

وإذ اتّفق المؤرّخون على أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أوّل الناس إسلاماً(٤) ;  فقد

ــــــــــــ

(١) تأريخ دمشق لابن عساكر: ١ / ٤١، والكامل في التأريخ: ٢ / ٥٨، وتأريخ الطبري: ٢ / ٥٥، وسنن الترمذي: ٥ / ٦٠٠ الحديث ٣٧٣٥.

(٢) الاستيعاب لابن عبد البرّ المالكي بهامش الإصابة: ٣ / ٢٩، وتأريخ الطبري: ٢ / ٥٥ وفيه: عليّ أول من أسلم، وفي تأريخ دمشق لابن عساكر: ١ / ٣٢، ٣٦، ٦٥ ذكر أنّ عليّاً أول من أسلم، وتأريخ بغداد: ٢ / ٨١ رقم ٤٥٩.

(٣) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ١٢٦، وتأريخ دمشق لابن عساكر: ١ / ٣٣١ رقم الحديث ٤٠١.

(٤) من مصادر حديث أنّ علي بن أبي طالب أول من أسلم: سنن البيهقي: ٦ / ٢٠٦، ومسند أبي حنيفة: رقم ٣٦٨ ص١٧٣، وتأريخ الطبري: ٢ / ٥٥ ط مؤسسة الأعلمي، والكامل في التأريخ: ٢ / ٥٧، واُسد الغابة: ٤ / ١٦، تاريخ ابن خلدون : ج٣ / ص٧١٥ ، بدء الوحي والسيرة النبوية: ١ / ٢٦٢، والسيرة الحلبية: ١ / ٤٣٢، ومروج الذهب: ٢ / ٢٨٣، وعيون الأثر: ١ / ٩٢، والإصابة في معرفة الصحابة: ٢ / ٥٠٧، وتأريخ بغداد للخطيب البغدادي: ٢ / ١٨.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243