أخبار الزمان

أخبار الزمان0%

أخبار الزمان مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 282

أخبار الزمان

مؤلف: أبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف:

الصفحات: 282
المشاهدات: 58068
تحميل: 7978

توضيحات:

أخبار الزمان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 58068 / تحميل: 7978
الحجم الحجم الحجم
أخبار الزمان

أخبار الزمان

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

فلما فرغ مما أراده دخل على الملك وقال له إن رأى الملك أن ينفذني إلى الدرمشيل لارى هذا الرجل الذي عمل السفينة وأناظره وأجادله على ما جاء به من هذا الدين لذي يظهره، وأتبين حقيقة أمره فليفعل، فعسى أن يكون سبب هلاكه ودفعه عما يدعيه، فأعجب الملك منه وأمره بالخروج، وكتب معه إلى الدرمشيل.

فسار فيلمون بأهله وولده ومضى معه تلاميذه حتى انتهوا إلى أرض بابل فقصد نوحا فأخبره بما قصده، وسأله أن يشرح له دينه ففعل نوح عليه السلام ذلك، فآمن به فيلمون وجميع من معه، ولم يقصد فيلمون إلى الدرمشيل ولم يدفع إليه كتاب فرعان ولا رآه.

فقال نوح عليه السلام «من أراد الله به خيرا لم يصرف عنه ذلك» فلم يزل الكاهن مع نوح عليه السلام يخدمه هو وتلاميذه وولده إلى ان ركبوا السفينة.

وأقام فرعان الملك متمكنا في ضلاله وظلمه، مدمنا على لهوه وقد استخف بالهياكل، فضاقت أرضهم بها، وكثر الظلم والهرج وفسدت الزروع وأجدبت الارض من كل ناحية، وظلم الناس بعضهم بعضا، ولم ينكر ذلك عليهم، وسدت الهياكل والبرابي وطبقت أبوابها، فجاءهم الطوفان وأقبل عليهم المطر في اربع وعشرين من الشهر.

وكان فرعان سكرانا فلم يقم إلا والماء قد عظم، فوثب مبادرا يريد الهرم فتخلخلت الارض به، وسبق يريد الابواب فخانته رجلاه وسقط على وجهه، وجعل يخور كما يخور الثور إلى أن أهلكه الطوفان ومن دخل منهم الاسراب مات بغمها (1) ولحق الماء من [أعلى] (2) الاهرام إلى حد التربيع، وأثره ظاهر عليه إلى الآن.

__________________

(1) هكذا في الاصول، وفي ق: ولعل الصواب بفمها، أي قبل أن يصل إليها.

(2) زيادة عن ق.

١٨١

وقد ذكر أن مواضع سلمت من الطوفان يذكر ذلك الفرس، وتزعم أنها لا تعرف الطوفان، وكذلك الهند تزعم أنها لا تعرفه وليس بين أهل التاريخ اختلاف في عموم الطوفان لجميع الارض.

ذكر ملوك مصر بعد الطوفان

أجمع اهل مصر (1) أن أول من ملك مصر بعد الطوفان مصرايم بن بيصر (2) ابن حام بن نوح عليه السلام وذلك بدعوة سبقت له من جده.

والسبب في ذلك أن فيلمون الكاهن سأل نوحا أن يخلطه بأهله وولده، وقال له: يا نبي الله إنني تركت أهلي وولدي فاجعل لي رفقة أذكر بها بعد موتي، فزوج عليه السلام مصرايم بن بيصر بن حام بنت فيلمون، فولدت له ولدا فسماه فيلمون باسم جده.

فلما أراد نوح عليه السلام قسمة الارض بين بنيه، قال له فيلمون: ابعث معي يا نبي الله ابني، حتى أمضي به إلى بلدي وأظهره على كنوزه، وأوقفه على علومه وأفهمه رموزها، فبعثه مع جماعة من أهل بيته، وكان غلاما مراهقا.

فلما قرب من مصر بنى له عرشا من أغصان الشجر، وستره بحشيش ثم بنى له بعد ذلك مدينة في الموضع بنفسه وسماها درمان (3) أي باب الجنة وزرعوا وغرسوا الاشجار.

__________________

(1) في ق: أهل الاثر.

(2) في ب: مصريم بن تنصر، والتصحيح عن ق.

(3) في ق: درسان.

١٨٢

وكان بين درمان إلى البحر زروع وأجنة وعمارة، وكان القوم الذين كانوا مع مصرايم جبابرة، فقطعوا الصخور وبنوا المصانع والمعالم، وأقاموا في أرغد عيش.

ونكح مصرايم بنتا من بنات الكهنة، فولدت له ولدا فسماه قبطيما، وتزوج بعد تسعين سنة من عمره مرأة أخرى فولدت له أربعة نفر: يقطويم، واشمون، وابريت، وصابي، فكثروا وعمروا الارض وبورك لهم فيها.

وقيل ان عدد من كان مع مصرايم ثلاثون رجلا من الجبابرة، فبنوا مدينة سموها ناقة، بلغتهم معناها ثلاثون، وهي مدينة منف.

وكشف فيلمون الكاهن لمصرايم عن كنوز مصر وعلمه قراءة خط البرابي وما زبر على الحجارة، وعرض عليهم معادن الذهب والفيروزج والزبرجد وغير ذلك، ووصف لهم عمل الصنعة فجعل الملك أمرها إلى رجل يقال لسنطاس (1) ثقة من أهل بيته، فكان يعملها في الجبل الشرقي، فسمي الجبل به المقطم.

وعلمهم أيضا عمل الطلسمات وكانت تخرج من البحر دواب وتفسد زروعهم، وما قارب البحر من جهاتهم فعملوا لها الطلاسم فغابت ولم تظهر بعد.

وبنوا على غير البحر مدنا منها رقوده بمكان الاسكندرية، وجعلوا وسطها قبة من نحاس مذهب والقبة مذهبة.

ونصبوا فوقها مرآة معموله من أخلاط شتى قطرها خمسة أشبار، وكان ارتفاع القبة من الارض خمسمائة ذراع، فكانوا إذا قصدهم قاصديهم بأذاهم

__________________

(1) في ق: وكان عنده رجل ماهر يقال له مقيطام يعمل لهم الكيمياء والطلسمات الغريبة.

١٨٣

من البحر عملوا لتلك المرآة عملا فألقت شعاعها إلى ذلك القاصد ومراكبه فأحرقتهم اجمعين، ولم تزل على حالها حتى غلب عليها البحر فهدمها.

ويقال ان منارة الاسكندرية إنما عملت تشبيها بها، وقد كانت أيضا عليها مرآة يرى فيها من يقصدها من بلاد الروم، فاحتال عليها بعض الملوك، فوجه إليها من أزالها، وكانت من زجاجة مدبرة.

ولما حضرت مصرايم الوفاة عهد إلى ابنه، وقد كان قسم أرض مصر بين بنيه فجعل نم قفط إلى اسوان لقبطيم، وجعل لا شمون من أسوان إلى منف، ولا بريت الحوف كله، ولصابي ناحية البحر إلى قرب برقة والغرب، فهو صاحب افريقية وولده الافارق، وأمر كل واححد من بنيه أن يبني مدينة لنفسه في موضعه وأمرهم عند موته أن يحفروا في الارض سربا ويفرشوه بالمرمر، ويدفنوه فيه ويدفنوا معه جميع ما في خزائنه من الذهب والفضة والجوهر.

ويزبروا على ذلك أسماء الله العظام المانعة من الحوادث.

فحفروا له سربا، طولا مائة وخمسون ذراعا، وجعلوا في وسطه مجلسا مصحفا بصفائح الذهب، وجعلوا للمجلس أربعة أبواب على كل باب تمثال من ذهب عليه تاج مرصع بالجوهر، جالس على كرسي من ذهب قدامه آنية زبرجد، ونقشوا في صدر كل تمثال آيات مانعة، واجلسوا جسده في مجلس زبرجد أخضر، وزبروا عليه «مات مصرايم بن بيصر بن حام بعد سبعمائة سنة مضت لايام الطوفان، مات ولم يعبد الاصنام، فصار إلى حيث هو لا يوم هرم ولا سقم ولا حزن، وجعل جسده وماله في هذا السرب وحصنه بأسماء الله العظام، وبما لا يصل إليه بعده إلا ملك له من جدوده سبعة ملوك يأتي في آخر الزمان، يدين للملك الديان، ويؤمن بالمبعوث بالقرآن، الداعي إلى الايمان في عواقب الازمان».

١٨٤

وجعلوا معه في ذلك المجلس ألف قطعة من الزبرجد المخروط، وألف تمثال من الجوهر النفيس، وألف برنية ذهب مملوءة درايق سما، وألف آنية مملوءة بالصنعة الالهية والعقاقير السرية، وجعلوا مع ذلك طلسمات عجيبة، وسبائك ذهب مكدسة بعضها على بعض، وسقفوا ذلك بالصخور العظام، وهالوا عليه التراب والرمال حتى سدوا ما بين جبلين متقابلين، وجعلوا عليه علامات لا تخفى.

وولي الملك بعده ابنه قبطيم الملك، ويقال ان القبط منسوبون إليه وهو أول من عمل العجائب، واثار المعادن، وشق الانهار، ويقال انه [لحق] (1) البلبلة، وخرج منها بهذا اللسان القبطي، وعمل ما لم يعمله أبوه من العمارات، ونصب الاعلام والمنارات والعجائب والطلسمات.

وملكهم قبطيم ثمانين سنة، وهلك فاغتم عليه بنوه وأهله، ودفن في سرب تحت الجبل الكبير الداخل، وصفح بالمرمر الملون، وجعل فيه منافذ للريح فهي تتخرق فيه بدوي عظيم هائل، وجعل فيه كروس نحاس مطلية بأدوية تضئ أبدا كأنها سرج لا تطفأ، ولطخوا جسده بالمرمر والكافور والمومياء وجعلوه في جرن من ذهب وثياب منسوجة بالمرجان والدر، وكشفوا عن وجهه في جرنه تحت قبة على عمد من مرمر ملون وفي وسط القبة جوهرة معلقة تنير كالسراج، وبين كل عمودين تمثال في يده أعجوبة، وجعل تحت الجرن توابيت حجارة مملوءة جوهرا وذهبا وغير ذلك من التماثيل والصنعة، وحول ذلك مصاحف الحكمة، وسدوا عليه، وزبروا عليه كما زبروا على تابوت أبيه.

وتولى الامر بعده ابنه قفطويم الملك، وكان أكبر ولد أبيه، وكان جبارا

__________________

(1) زيادة عن ق.

١٨٥

عظيم الخلق، وهو الذي وضع أسرار الاهرام بالدهشور وغيرها، ليعمل ما عمله الاولون، وهو الذي بنى مدينة زرنده.

وهلكت عاد بالريح في آخر أيامه، وأثار من المعادن ما لم يثره أحد، وكان يجد الذهب على قدر الرحى والزبرجد مثل الاسطوانة، وغرس الا سارح في صحراء الغرب مثل النخلة.

وعمل من العجائب كثيرا، وعمل منارا عاليا في جبل قفط يرى منه البحر الشرقي، ووجد هنالك معادن زئبق فعمل منه بركة عظيمة، فقيل إنها هناك إلى اليوم.

وفي زمانه أثار ابليس وأعوانه الاصنام التي كان الطوفان أغرقها، وزينوا أمرها وعبادتها.

ويقال ان قفطويما بنى المدائن الداخلة، وعمل فيها عجائبا، منها الماء الملفوف القائم كالعمود ولا ينحل ولا يذوب ويسمى فلطيس، وصيادة الطير (1) إذا نصبها ومر عليها الطير سقط فيها ولم يقدر أن يبرح منها حتى يؤخذ.

وعمل بها أيضا عمودا من نحاس عليه صورة طائر، فإذا قرب الوحش والاسد والحيات من المدينة صفر ذلك الطائر صفيرا عاليا، فترجع تلك الدواب هاربة.

وكان للمدينة أربعة أبواب جعل لها أربعة أصنام، على كل باب صنم من نحاس لا يعبر غريب الا ألقى عليه النوم والسبات، فينام عند الباب فلا يبرح نائما حتى يأتيه أهل تلك المدينة، فينفخوا في وجهه فيقوم، فان لم يفعلوا ذلك لم يزل نائما حتى يهلك.

وعمل منارا لطيفا من زجاج ملون على قاعدة من نحاس، وعلى رأس المنارة

__________________

(1) في ق: والبركة التي تسمى فلسطين أي صيادة الطير، لا يمر عليها طير الا سقط فيها.

١٨٦

صورة صنم من زجاج كبيرة، وفي يده كالقوس، وكأنه يرمي به، فان عاينه غريب وقف في موضعه ولم يبرح حتى يجيئه أهل المدينة.

وكان ذلك الصنم يتوجه من ذات نفسه إلى مهب الرياح الاربع، وقيل ان هذا الصنم على حاله إلى اليوم، وإن الناس تحاموا تلك المدينة على ما فيها من الكنوز والعجائب الظاهرة خوفا من ذلك الصنم، فإذا وقع عين انسان عليه لا يزال نائما حتى يهلك.

وقد كان بعض الملوك عزم على قلعه بما أمكنه، فهلك في ذلك خلق كثير، ولم يقدر عليه.

وقيل إنه عمل في بعض المدن الداخلة مرآة يرى الانسان فيها جميع ما يسأل عنه.

وعمل من خلف الجبل وبين الواحات الداخلة مدنا، وعمل فيها عجائب كثيرة، ووكل بها الروحانيين الذين يمنعون منها، فلا يستطيع أحد أن يدنو منها ولا يدخلها حتى يعمل عقدا بين أولئك الروحانيين، فيصل حينئذ إليها ويأخذ من كنوزها ما أحب من غير مشقة ولا ضرر.

فأقام قفطويم ملكا أربعمائة سنة، وأكثر العجائب انما عملت في وقته ووقت أبيه.

وأمر قفطويم فعمل له ناووس في الجبل الغربي قريب من المدينة مدينة العمد، وقد كان عمل لنفسه قبة قبل موته في سرب تحت الارض معقود على أرج تحت الارض على هيئة الدار في سعة كثيرة، وعمل حول دورها خزائن واسعة منقورة في الجبل أيضا، وجعل في سقوفها مسارب للريح، وبلطت مع السرب وجميع الدار بالمرمر، وجعل في وسط الدار مجلسا على ثمانية

١٨٧

أركان مصفحا بالزجاج الملون المسبوك، وجعل في سقفه جواهر وحجارة تسرج.

وفي كل ركن من أركان المجلس تمثال ذهب بيده كالبرق الذي يبرق، وعمل في وسط المجلس بركة مصفحة بالذهب، وعمل لها حواشي زبرجد وفرش حرير، وجعل على جسده بعد أن لطخ بالادوية المجففة، وجعل حواليه ألف آنية من كافور، وأسدلت عليه ثياب منسوجة بالذهب ووجهه مكشوف، وعلى رأسه تاج مكلل، وعن جوانب البركة أربعة تماثيل من زجاج مسبوك في صورة النساء وفي ألوانهن، وبأيديهن كالمراوح من ذهب، وعلى صدره من فوق الثياب سيف فاخر من أفخر الحديد قائمه من زبرجد.

وجعل في تلك الخزائن من الذخائر وسبائك الذهب والتيجان والجواهر، وأواني الحكم وأصناف العقاقير، ومن الطلسمات العجيبة، والمصاحف الحاوية لجميع العلوم ما لا يحصى قدره كثرة.

وجعل على باب المجلس صورة ديك من ذهب على قاعدة من زجاج أخضر، وهو ناشر الجناحين مزبور عليه آيات عظام مانعة، وجعل على كل مدخل أزج صورتين من نحاس مشوهتين، بأيديهما سيفان كالبرق وبين أيديهما بلاطة تحتها لوالب لابد من وطئها إذا أراد أن يدنو منها، فإذا وطأها ضرباه بسيفهما فقتلاه.

وفي كل أزج كوة فيها لطوخ مدبرة تسرج وتضئ طول الزمان، وسدت أبواب الازج بالاساطين المرصعة ورصوا على السقف البلاطات العظام، وردموا فوقها بالرمال.

وزبروا على باب الازج الاول في حجر عظيم «هذا المدخل إلى جسد الملك العظيم المهيب الكريم قفطويم ذي الايد والقوة والفخر والغلبة والقهر،

١٨٨

حل هذا الموضع بجسده وبقي ذكره وعلمه فلا يوصل إليه، ولا يقدر عليه بحيلة إلا بعد مدد ودورات تمضي من السنين».

وملك بعده ابنه البودشير (1) الملك فتجبر وتكبر، وعمل بالسحر، واحتجب عن العيون، وقد كان أعمامه صابي وأبريت ملوكا على مواضعهم، إلا أنه كان أكبرهم سنا، فلذلك أذعنوا له.

فيقال إنه أرسل إلى هرمس المصري فبعثه إلى جبل القمر الذي يخرج النيل من تحته، حتى عمل له هناك هيكلا للتماثيل من نحاس، وعمل البطيحة التي ينصب عليها ماء النيل.

ويقال انه هو الذي عدل جنبي النيل، وقد كان يفيض في بعض مواضع وربما انقطع في مواضع، وأمره البودشير أن يسير مغربا لينظر ما هناك، فوقع إلى أرض واسعة متخرقة بالمياه والعيون كثيرة العشب، فبنى بها منائر ومتنزهات وأقام بها، وحول البودشير جماعة من أهل بيته، فعمروا تلك النواحي وبنوا فيها حتى صارت أرضا عامرة كلها، وأقاموا بذلك مدة كبيرة، وخالطهم البربر ونكح بعضهم في بعض.

ثم انهم تحاسدوا وتباغوا وكانت بينهم حروب افنتهم، فحينئذ خرب البلد وباد أهله الا بقية منازل تسمى الواحات.

ويقال إنه عمل في وقته كثيرا من العجائب، فمنها قبة لها أربعة أركان في كل واحد منها كوة يخرج منها دخان ملتف (2) في ألوان شتى في يوم معلوم في السنة من أول سنتهم.

فإذا خرج الدخان أخضر دل على العمارة والخصب وحسن الزرع وصلاح النبات، وإن خرج الدخان أبيض دل على الجدب وقلة الخيرات، وإن خرج

__________________

(1) في ق: البودسير. وفي ب: في هذا الموضع فقط البودشيم.

(2) في ق: ملفف.

١٨٩

أحمر دل على الدماء والحروب وقصد الاعداء، وإن كان أسود دل على كثرة الامطار والسيول وفساد بعض الارض بذلك، وان كان أصفر دل على النيران وعلى آفات تحدث في الفلك.

وما كان منه يخرج مختلط اللون دل على مظالم الناس وفساد بعضهم لبعض وإهمال ملوكهم الامور، وأشياء تدل على هذا الضرب، وكانت هذه القبة على منارة أقامت زمانا من ملكه ثم هدمها.

ومما عمل له أيضا بالغرب في الصحراء التي تقرب منه، وكانت الوحوش قد كثرت عليهم وأفسدت زرعهم، وكذلك خنازير الماء، فعمل شجرة من نحاس أقامها في موضع فما وصل إليها من الوحش لم يستطع الحركة ولا البراح من عندها حتى تؤخذ قبضا فيقتل، فاتسع الناس في لحوم تلك الوحوش، فوجه بعض الملوك المجاورين لمصر عن احتيال لتلك الشجرة فقلعها واحتملها ليضعها في بلده فيعمل له مثلها، فلما قلعت من موضعها بطل عملها فلم ينتفع بها، لانهم كانوا يعملون ما يعملونه من ذلك بطالع يأخذونه فلا يزال مستقيما إلى أن يغير مكانه وينقل عنه.

ومما عمل في وقته أن غرابا نقر عين صبي من أولاد الكهنة فقلعها، فعمل أبوه شجرة من نحاس عليها غراب في منقاره حية بادية الطرفين، وهو ناشر الجناحين، وكتب على ظهره كتابا، فكان الغربان يقعن على تلك الشجرة حتى يمتن أو يؤخذن فيقتلن، فهلك كثير منها وانتفى إلى الشام وغيرها من النواحي.

ولم يزل الامر كذلك إلى أن صار لبعض ملوكهم داء لم يكن له دواء إلا أن يطبخ له غراب فيأكل من لحمه ويشرب مرقه، فطلب له غراب فلم يكن في وجوده حيلة، فوجه إلى ناحية الشام من يأتيه بغراب فأبطأ وزادت علته

١٩٠

فاغتاظ، وأمر بنزع الشجرة فنزعت فرجعت الغربان فأخذ منها الملك ما يعالج به، فلم يعد رسوله من ناحية الشام حتى خرج الملك من علته.

ومما عمل في وقته، وكانت الرمال قد كثرت عليهم من ناحية الغرب حتى ربما طمت زروعهم، فعمل لذلك صنم من صوان أسود على قاعدة منه وفي يده كالقفة فيها مسحاة ونقش على جبهته وصدره وذراعيه وساقيه كتابات، ووجه به إلى المغرب، وجعل هناك فانكشفت تلك الرمال وزحفت بها الرياح إلى ورائها لتلك الآكام العالية في صحراء المغرب، فلم يزل الرمل يندفع عنهم إلى وراء ذلك الصنم حتى صار بحيث لا يؤذيهم منه شئ ولا يضرهم.

فأقام البودشير مدة ثم احتجب عن الناس [وكان يتجلى لهم في صورة وجه عظيم يكون ذلك في النادر] (1) وربما خاطبهم من حيث لا يرونه وصبروا وهم في طاعته مدة طويلة، إلى أن رآه عديم ابنه وهو يأمره بالجلوس مكانه على سريره [فجلس] (1) فتولى الامر بعده وجلس على سرير ملكه ابنه عديم الملك، وكان جبارا لا يطاق عظيم الخلق، فأمر بقطع الصخور ونحتها ليبني هرما كما فعل الاولون.

وكان في وقته الملكان اللذان أهبطا من السماء، ويقال إن عديما استكثر من علمهما، ثم انتقلا إلى بابل.

وأهل مصر والقبط يقولون إن هذين شيطانان يقال لهما مهلة ومهالة، وإن الملكين ببابل في بئر هناك يغشاها كثير من السحرة إلى أن تقوم الساعة ومن ذلك الوقت عبدت الاصنام، واتخذت الاوثان، وقال قوم كانت

__________________

(1) زيادة عن القرماني.

١٩١

الشياطين تظهر فتنصبها لهم، وقال قوم بل النمرود الاول أمر بنصبها وعبادتها.

وعديم الملك أول من صلب، وذلك أن امرأة زنت برجل من أهل الصناعات وكان لها زوج فأمر بصلبهما، على منابر وجعل ظهر كل واحد منهما إلى ظهر صاحبه، وزبر على المنابر اسميهما وما فعلاه، وتاريخ الوقت الذي عمل ذلك فيه، فانتهى الناس عن الزنا.

وبنى أربع مدائن وأودعها كثيرا من صنوف العجائب والطلسمات وغير ذلك، وكنز فيها كنوزا كثيرة وعمل على البحر الشرقي منارا، وأقام على رأسه صنما موجها إلى الشرق، باسط اليدين يمنع جميع دواب البحر والرمال أن تتجاوز حده، وزبر على صدره تاريخ الوقت الذي نصبه فيه.

ويقال إن هذا المنار قائم إلى وقتنا هذا، ولولا هذا المنار لغلب الماء المالح على ارض مصر من البحر الشرقي.

وعمل قنطرة على النيل في ارض النوبة، ونصب عليها أربعة أصنام موجهة إلى أربع جهات، في يد كل صنم منها سيف يضرب به إذا أتى آت من تلك الجهة، فأقامت على حالها مدة إلى أن تهدمت.

وهو الذي عمل البربا، وهي هناك إلى اليوم، ويقال انه عمل في إحدى المدائن الاربع التي ذكرنا [ها] حوضا من صوان اسود على ماء لا ينقص مدى الدهر، ولا يتغير بما اجتلب إليه من رطوبة الهواء والماء.

وعمل فيه حيلا عجيبة، وكان أهل تلك الناحية، وأهل تلك المدينة يشربون وينفقون منه، ولا ينقص ماؤه، وعمل ذلك لهم لبعدهم من النيل وقربهم من البحر المالح.

وذكر بعض كهنة مصر أن ذلك إنما تم لقربهم من البحر المالح، لان الشمس فيما ذكروا يرتفع نحوها بخار البحر وعذوبة ما فيه.

١٩٢

فحبس هو من البخار جزءا بالهندسة وبالطلسمات السحرية، وجعله ينحط في ذلك الحوض، ويمده الهواء برطوبته فلا ينقص ماؤه على الدهر، ولو شرب منه العالم.

وقد عمل أمام البربا حوضا لطيفا مدورا وجعله على قاعدة وملاه ماء، وحبس عليه جزء من البخار الرطب، فالخلق يشربون منه ولا ينقص وهو هناك إلى هذا الوقت.

وعمل أيضا قدحا لطيفا على مثل العمد، وأهداه حويل الملك إلى الاسكندر اليوناني، وملكهم مائة سنة وأربعين سنة، ومات وهو ابن تسعمائة سنة وثلاثين سنة.

وقيل إنه دفن في إحدى المدن ذوات العجائب في أزج من رخام ملون مبطن بزجاج أصفر، وطلي جسمه بما يمسكه، وجعل حوله كثير من ذخائره، وذلك في وسط المدينة وهي محروسة بمن يمنع منها من الروحانيين.

وذكر بعض أهل القبط أن ناووس عديم عمل له في صحراء قفط على وجه الارض، وهو قبة عظيمة من زجاج أخضر براق معقود على ثمانية آزاج من صنفها، وعلى رأسها كرة من ذهب عليها طائر من ذهب ناشر الجناحين موشح بجواهر تمنع من الدخول، وفي قطرها مائة ذراع في مثلها.

وجعل جسده في وسطها على سرير من ذهب مشبك بجوهر عقيق، وعليه ثياب منسوجة بالذهب مكشوف الوجه.

والآزاج مفتوحة، طول كل أزج منها ثمانية أذرع، وارتفاع القبة أربعون ذراعا، يلقي نورها على ما حولها من الارض، لصفاء لونها وبريقها، وجعل معه في القبة مائة وسبعون مصحفا من مصاحف الحكمة، وسبع موائد عليها أوانيها منها.

١٩٣

ومنها مائدة من ذهب عليمون أحمر يخطف الابصار، وهو الذي يعمل منه تيجان الملوك وأوانيها منها، ومائدة من حجر الشمس المضئ وأوانيها منها، ومائدة من الزبرجد الاخضر الذي يخطف لونه البصر وله شعاع أصفر، وهو الذي إذا نظرت إليه الافاعي سالت عيونها وآنيتها منها، ومنها مائدة من كبريت أحمر مدبر على ما ذكروه من تدبيرهم في مصاحف كتبهم وأوانيها منها، ومنها مائدة من ملح أبيض براق صاف يكاد لونها يعشي البصر وأوانيها منها، ومنها مائدة من زئبق معقود حافتاها وقوائمها زئبق أصفر معقود، وأوانيها عليها من زئبق أحمر معقود، وجعل معه في القبة جواهر كثيرة وبراني بلور مملوءة بغرائب مدبرة، وجعل حوله سبعة أسياف صاعقية وكاهنية، وأتراس حديد مدبر أبيض، وجعل معه تماثيل افراس سبعة من ذهب عليها اللجم، وسروج من ذهب، وسبعة توابيت من صوان أسود مملوءة من الدنانير التي كان ضربها، وصور عليها صورته، وجعل معه من أصناف العقيق والسموم والادوية المدبرة في أواني الحنتم والحجازة على ضروبها شئ كثير.

وقد ذكر من رأى القبة أنه مشى إليها مع جماعة وأقاموا عليها أياما، فما قدروا على دخولها، وأنهم إذا وصلوا إليها على ثمانية أذرع دارت القبة عن أيمانهم من شمائلهم، وقد رأوا ما فيها، ومتى دنوا منها دارت إلى جانب آخر.

ومن عجائب شأنها أنهم كانوا يحاذونها من كل أزج، ويتأملونها أزجا أزجا، فلا يرون من أزج إلا ما يرون من أزج آخر على شكل واحد، ومعنى واحد وذكروا أنهم رأوا وجهه على قدر الذراع والنصف، ولحيته كبيرة مكشوفة، وقد رأوا بدنه بطول عشرة أذرع وزيادة، وذكروا أنهم رأوا

١٩٤

فيها عجائب كثيرة وصنوفا من الوحش لم ير مثلها.

وفي كتاب القبط أنه لا يوصل إليها إلا ان يذبح لها ديك أبيض أفرق، ويبخر بريشه على بعد، وترسل البخور مع الريح على بعد حتى يصل إليها، ويكون بالكواكب النيرة على ما كانت عليه وقت نصبها، ويكون زحل والمشتري والمريخ في برج واحد والزهرة وعطارد في برج، ويتكلم عليها بصلاة الكهنة سبع مرات، فإذا وصل إليها لطخ حائطها بدم الديك الذي ذبح ويأخذ عند دخولها من المال والتماثيل ما استحسن ولا يكثر فيها من الجلوس وذكر أن هؤلاء الذين رأوها لم يكونوا من أهل الناحية، وإنما خرجوا يطلبون غيرها، وأنهم سألوا أهل قفط عنها، فما وجدوا أحدا يعرفها ولا رآها غير شيخ منهم.

فانه ذكر أن ابنا له خرج في بعض الامور، ومعه جمل، وأنه رآها ولم يصل إليها فبحث عن أمرها، فعرف أن قوما من أهل المشرق جاءوا في طلب هذه القبة وأنهم أقاموا بقفط أياما وخرجوا يريدونها، فما رجع منهم أحد ولا عرف لهم خبر.

وكان عديم الملك قد أوصى ابنه قبل موته أن يطوف ماشيا على أعمال بلاده، وأن ينصب في كل جزء من أجزاء عمومته منارا، ويزبر عليه اسمه ويعمل له علامات وملاعب.

وعمل في صحرائها منارا، وعمل عليه صنما ذا رأسين مقترنين، وسار إلى جزء إبريت فبنى به قبة على عمد وعلى أساطين بعضها فوق بعض وجعل على أعلاها صنما صغيرا من ذهب.

أخبار الزمان م (13)

١٩٥

وعمل هيكلا للكواكب، وكان أبوه البودشير أول من أقام للكواكب هيكلا، فتبعه ابنه على ذلك، ومضى إلى جزء صابي فعمل به منارة على رأسها امرأة من أخلاط ترى الناظر إليها جميع الاقاليم.

ثم رجع إلى أبيه فولاه الملك بعده وعهد إليه بما أراد ووصاه، ثم مات أبوه فلما أودعه الناووس، وفرغ منه جلس على سرير الملك شدات (1) الملك، وهو الذي بنى الاعلام بالدهشور بالاحجار التي قطعت في زمان أبيه.

وقال الذين ينكرون أن العادية دخلت مصر انما غلط الناس في اسم شدات فقالوا شداد بن عاد لكثرة ما يجري على ألسنتهم شداد وقلة ما يجري شدات.

وما قدر أحد قط من الملوك أن يدخل مصر الا عبد لبخت نصر بما قدمه من الحيل في افساد طلسماتها.

وشدات الملك هو الذي عمل مصاحف الزيجات التي يذكر فيها الملوك، ويقال انه وجد في بعض رموزهم ومصاحف كهانهم ان الملك بودشير بن قفطويم لما أجهد نفسه في عبادة الانوار العلوية، وعرف ان روحانياتها قد صارت فيه حبب إليها نفسه، وجوعها واستغنى جسده عن الطعام والشراب، فلما أدمن ذلك اشتاقته الانوار العلوية واشتاقها، فرفعته إلى مواضعها، وبرأته من شرور الارض المؤلمة، وجعلته نورا سابحا داخلا في نورها، يتصرف بتصرفها، فطوبى له من كاهن عرفت له كهانته، وأكرم بها وصير ملكا، فسبيل من بعده ان يبلغ خطته ويجعل بمثابته.

وهذا الكلام وشبيهه تضليل للناس لانهم كانوا يتعبدون للكواكب، فيقولون مثل هذا ترغيبا في دينهم.

__________________

(1) في ق: شداد.

١٩٦

وقد قالوا أيضا انهم على توحيد الله وان مدحهم لهذه الوسائط المدبرات لا يضر خالقها، وانهم يعظمونها تقربا إليه، كما قالت الهند والعرب وكثير من الامم.

وعمل شدات هيكل أرمنت وأقام فيه أصناما للكواكب من ذهب وفضة وحديد ابيض ورصاص مصفى وزئبق معقود، وهذه الاجساد المعدنية في طباع الكواكب وقسمتها.

فلما فرغ منه زين بأحسن الزينة، ونقش بأحسن النقوش، وأمر فزين بالجواهر الملونة، والزجاج الملون، وكسي بالوشي والديباج، ولم يترك شيئا من الغريب الا عمله فيه، وكذلك عمل في المدن الداخلة من جزء صابي هيكلا مثله، والقبة التي عملها بجزء ابريت، وعمل هيكلا بشرف الاسكندرية، وعمل لزحل صنما من صوان اسود على عبر النيل من الجانب الغربي.

وبنى شدات في الجانب الشرقي مدائن، وجعل في أحدهما صورة صنم قائم له احليل ظاهر إذا اتاه المعقود والمسحور والعنين الذي لا ينتشر احليله بكلتا يديه زال عنه ذلك وانتشر وقوي على الباه.

وعمل في احداها بقرة لها ضرعان كبيران إذا مسحتهما المرأة التي نقص لبنها وتعقد ضرعها در وصلح.

وفي أيامه بنيت العالية، بناها لابن له كان سخط على أمه فحولها إليها، وأسكنها قوما من أهل الحكمة ومن أهل الصناعات.

وقيل ان سفط بنيت في أيامه والصورتين اللتين بها الملتصقتان للمهل، وكانت الحبشة والسودان عاثوا في بعض بلده فأخرج ابنه منقاوس (1) في جيش

__________________

(1) في ق: منقاوش.

١٩٧

عظيم إليهم فقتل منهم وسبا، وكل من سباه استعبده فصار ذلك سنة فيهم.

واقتطع معدن الذهب، وأقام فيه من سباه منهم يعملون الذهب ويحملونه إليه، وألزم المقام معهم من يحرسهم من جيشه.

وهو أول من أحب الصيد واتخذ الجوارح وولد الكلاب السلوقية من الذئاب والكلاب الاهلية، وعمل البيطرة وجميع ما يعالج به الدواب، وعمل من العجائب والطلاسم لكل شئ ما لا يحصى كثرة.

وجمع التماسيح في بركة في ناحية اسيوط بطلسم لها، وكانت تنصب إليها من النيل انصبابا فيقتلها، ويستعمل جميع جلودها في السفن وغيرها، ويدخل لحومها وشحومها في الاغذية ومؤلفات العقاقير.

والقبط تحكي انه عمل بمصر اثنتي عشرة اعجوبة وطلسما، ولم يعمل في بلد ما عمل فيها ولا تهبأ ذلك له، وقد بقيت آثار أكثرها قائمة بعد خرابها وإفساد معالمها.

واقام شدات بن عديم تسعين سنة ملكا، وخرج فطرد صيدا فأكب به فرسه في هوة فقتله.

وفي بعض كتبهم أنه أخذ بعض خدمه، وقد خالفه في امر من الامور، فألقاه من اعلى الجبل إلى اسفله فتقطع ثم ندم على ذلك من فعله، ورأى انه سيصيبه مثل ذلك، وكان يتوقى ان يصعد جبلا، وأوصى ان اصابه شئ ان يجعل ناووسه في الموضع الذى يلحقه فيه ما يلحقه، وان يزبر عليه «ليس ينبغي لذي القدرة ان يخرج عن الواجب، وان لا يفعل ما لا يجوز له فعله، وهذا ناووس شدات بن عديم بن قفطويم الملك، عمل ما لا يحل فكوفئ عليه».

ولما هلك عمل سرب في سفح الجبل عليه قبة على مجلس قد صفح بالفضة

١٩٨

واجلس فيه على سرير ملكه، وجعل معه من المال والجوهر والتماثيل واصناف الحكم والمصاحف شئ كثير، ومات وله أربعمائة واربعون سنة.

وولي الامر من بعده ابنه منقاوس الملك فقام مقام أبيه، وملك بحزم وحكمة فأظهر مصاحف الحكمة، وأمر بالنظر فيها وان تنسخ بخط العامة ليفهموها، ورد الكهنة إلى مراتبهم.

وهو أول من عمل الحمام من ملوك مصر وكان كثير النكاح، وتزوج عدة نسوة من بنات عمه ومن بنات الكهنة، وجعل لكل امرأة منهن مكانا قد أصلحه بالبنيان العجيب والصور المونقة والفرش الحسنة، والآلات العجيبة، وأسكنهن فيها.

وقال بعض أهل الاثر إنه هو الذي بنى منف لبناته، وكن ثلاثين بنتا ورحلهن إليها، وعمل مدنا غيرها ومصانع، وبنى هيكلا لصور الكواكب وأصنامها على ثمانية فراسخ من منف، وعمل بتلك الناحية طلسمات كثيرة وغرائب أغرب فيها بفضل حكمته على أبيه وجده، وعمل للسنة اثني عشر عيدا يعمل في كل عيد من الاعمال ما كان موافقا لبرج الشهر، وكان يعظم الناس في تلك الاعياد ويوسع عليهم في أحوالهم وأرزاقهم، ورأوا معه من الخير ما لم يروه مع غيره، وفتح عليه من المعادن ما لم يفتح على أحد قبله.

وألزم أصحاب الكيمياء العمل، فكانوا لا يفترون ليلا ولا نهارا، فاجتمعت عنده أموال عظيمة وجوهر كثير وزجاج مسبوك من الادرك وغيره، فأحب كنزها، فدعا أخا له كان يكرمه ويحبه، فقال له قد كثر ما عملناه من التماثيل، وعظم ما ادخرناه من الذهب والجواهر، ولست آمن أن يتسامع الملوك بكثرة ذلك، فيتألفوا على غزونا فخذ ذلك كله، وتوجه به

١٩٩

فأمعن في أرض الغرب، ثم انظر مكانا حريزا خفي الاثر فأحرزه فيه. وأسس عليه وعلمه بعلامات واكتب صفة المكان وعلاماته ومن أين الطريق إليه، وعد الي إن شاء الله تعالى.

فيقول أهل الاثر انه حمل مع نفسه إثنا عشر الف عجلة، منها من الجواهر النفيسة ثلاثمائة، وسائرها ذهب إبريز، وصفائح مضروبة، وطرائف الملوك من آلاتهم وسلاحهم وأوانيهم، وسار في الجنوب يوما واحدا، ثم سار في الغرب يوما كاملا وبعض آخر، فانتهى في اليوم الثالث إلى جبل أسود منيع ليس له مصعد بين جبال مستديرة به، فعمل تحت ذلك الجبل أسرابا ومغاير فدفن فيها ما كان معه، وردم عليه كما أمره أخوه، وعلم وزبر وأتقن ذلك جهده، ورجع إلى أخيه فأعلمه.

فمكث بعد ذلك أربع سنين يبعث في كل سنة عجلا كثيرا فيدفن فيها في أكواخ شتى، وهو الذي عمل بيتا فيه تماثيل تنفع من جميع العلل، وكتب على رأس كل هيكل تمثال ما يعالج به، فانتفع الناس بها زمانا إلى أن أفسدها بعض الملوك بالحكمة.

وفي هذه المدينة صورة امرأة من حجر مبتسمة لا يراها مهموم إلا تبسم ونسي همه، وكان الناس يتناوبونها، ويطوفون حولها، ثم عبدوها من بعد.

وعمل تمثالا طائرا روحانيا من ظفر مذهب كأنه يشير بجناحيه، ووضعه على اسطوانة في وسط المدينة، وكان لا يمر به زان ولا زانية إلا كشف عورته بحضرته، وكان الناس يمتحنون به فامتنع الناس من الزنا فرقا منه، فأقاموا كذلك إلى زمان فاكن (1) الملك ففسد أمره وبطله.

__________________

(1) هكذا في الاصل، ولعله كلكن.

٢٠٠