أخبار الزمان

أخبار الزمان20%

أخبار الزمان مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 282

أخبار الزمان
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61259 / تحميل: 9115
الحجم الحجم الحجم
أخبار الزمان

أخبار الزمان

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٣٠) كتاب طب النفوس.

٣١) كتاب حدائق الاذهان، في أخبار الرسول.

٣٢) كتاب القضايا والتجارب.

٣٣) كتاب الواجب في الفروض اللوازم.

٣٤) كتاب الزلف.

يظهر أن كتبه هذه كلها قد ضاعت ولم يقف العلماء على شئ منها سوى:

(١) مروج الذهب، وهو أوسع ما طبع من مؤلفاته.

(٢) هذا القسم من كتاب أخبار الزمان ومن أباده الحدثان.

(٣) كتاب التنبيه والاشراف، وقد قمت بطبعه على النسخة المطبوعة في ليدن.

(٤) الكتاب الاوسط، وفي مكتبة أكسفورد نسخة يظن انها هو.

٢١

للمسعودي

٣٤٥ أو ٣٤٦ ـ ٩٥٧

من هو؟

هو أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي المعتزلي الشافعي، من ذرية عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل.

فأما منشؤه فان الثقات من المؤرخين يروون انه نشأ في بغداد، على أن ابن النديم يروي أنه من أهل المغرب، فلعله شخص آخر، أو لعل بعض أجداده نزحوا إلى المغرب.

وعلى أية حال فقد قضى زهرة شبابه في بغداد، ولكنه غادر اقليم العراق وإرضاء لميوله واذواقه، ورغبة منه في التجول، فخرج عن بغداد سنة ٣٠١ ليقوم برحلة قيل انها استمرت أعواما ثلاثة، وقد قضاها متنقلا بين ربوع فارس وكرمان.

ثم بعد ذلك جاب بلاد الهند وصيمور، قطن أخيرا في مدينة بومباي حتى سنة ٣٠٤، ومن المحتمل أن يكون قد أقام حينذاك في جزيرة سيلان.

ومن ثم وصل إلى مدينة عمان، ويمكن أن نستنتج أنه ذهب إلى قناطر ماليسية العجيبة العظيمة، وشارف الصين.

ومع أنه خاطر بتلك الرحلة وخصص لها نفسه ووقته، فانه تعمق في دراسات الحدود الاسلامية، واستعان على ذلك بالآيات العلمية، التي كانت معروفة في حياته.

٢٢

وهو يحدثنا انه كان في سنة ٣١٤ في فلسطين وفي انطاكية، وظل بعد ذلك متنقلا بين العراق وسوريا ومصر على أن جل ما ورد عن إقامته كان في مصر.

فهو يحدثنا بعد انه كان في سنة ٣٣٦ قد أتم تأليف كتابه مروج الذهب في فسطاط مصر، وكان قد بدأ تأليفه سنة ٣٣٢.

ويذكر كذلك انه في سنة ٣٤٤ كان يشتغل بوضع النسخة الاولى من كتاب التنبيه والاشراف في الفسطاط نفسه، ثم في سنة ٣٤٥ زاد فيها وأصلحها.

ويظهر مما ذكره من الكتب التاريخية في صدر كتابه، مروج الذهب، والتنبيه والاشراف، ان المكتبة العربية التاريخية في عصره كانت غنية جدا، عامر بالمؤلفات، فقد أورد فيهما عددا وفيرا من اسماء الكتب، وأسماء المؤلفين.

والمؤرخون، يذكرون انه توفي سنة ٣٤٥ وبعض يقول في ٣٤٦، والخطب يسير، لكنه يجل حين نذكر ان ذلك العالم المؤرخ الكبير الذي عاش معنيا بالعلم وبالعالم، والعلماء وبالتاريخ والمؤرخين أهمله التاريخ، ولم يذكر المؤرخون شيئا من نعوته، ولا من تاريخ طفولته أو حياته.

ولكن يكفينا عزاء بقاء اسمه حيا في بطون ما بقي من كتبه، تعمر به قلوب العلماء وصدور الاجلاء، فرحمه الله رحمة واسعة.

وقد اعتمدت في طبع هذا الكتاب على النسخة المأخوذة من الاصل الباريسي بالتصوير الشمسي والمحفوظة بدار الكتب الملكية تحت رقم ٨٧٩ تاريخ وقد رمزت إليها باشارة (ب) اول كلمة باريس، وهي نسخة معتبرة وخطها يقرأ بعسر ويذهب القارئ فيه مذاهب شتى لتشابه حروفه، وقد حدث في اثناء التصوير ارتجاج احدث فسادا في طبع بعض الصفحات وقد لقينا مجهودا كبيرا في مراجعتها، والتهدي إلى صوابها.

٢٣

هناك اصل آخر في المكتبة التيمورية كثر فيه الحذف والبتر وكانت الورقة الاولى منه قد ضاعت فأكملها احد الناسخين فدل على سوء علمه ورأيه وعدم امانته وهذه النسخة محفوظة تحت رقم ٦١٤ تاريخ وهي كثيرة الخطأ ولم أعتمد عليها الا قليلا بل لقد تركت الاعتماد عليها عندما قاربت منتصف الكتاب لكثرة ما فيها من الخلل والتحريف والنقص وقد رمزت على ما انتفعت به منها بإشارة (ت) أول كلمة من تيمور.

وقد اعتمدت فيما جاء فيه من اخبار مصر وملوكها على تاريخ القرماني المسمى بأخبار الدول وآثار الاول لابي العباس احمد بن يوسف بن احمد الدمشقي الشهير بالقرماني وقد طبع في مدينة بغداد سنة ١٢٨٢.

وقد لاحظت انه اطلع على نسخة من اخبار الزمان، لانه يذكر حوادث وأخبارا بنصوصها وعبارتها وألفاظها الا انه مختصر.

وقد أفاد هذا الكتاب كثيرا في تصحيح بعض الاسماء وكشف بعض ما عميت قراءته ولا سيما تلك الصفحات التي حدث بها الارتجاج اثناء التصوير الشمسي في باريس.

وقد رمزت إلى تاريخ القرماني بالاشارة (ق) اول حرف من كلمة قرماني، هذا وان ألفت نظر حضرات الادباء والعلماء إلى ان الفضل في اختيار هذا الكتاب، والانفاق على طبعه لحضرة الفاضل السيد عبد الحميد افندي حنفي عامله الله بلطفه الخفي، وشكر له مسعاه وأبلغه احسن ما يتمناه، وأنا ارجوا ان اكون قد قمت ببعض ما يجب علي من تصحيح هذا الكتاب، وأسأل الله ان يتداركني بلطفه، وان يوفقني إلى ما فيه الخير في الدنيا والاخرى، وأن يلهمني السداد، انه على ما يشاء قدير.

عبد الله الصاوي

٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

وهو حسبنا ونعم الوكيل

«قال الشيخ أبو الحسن، علي بن الحسين بن علي بن عبد الله الهذلي المسعودي رحمه الله ورضي عنه».

نبتدئ بحمد الله وذكره وشكره، والثناء عليه والشكر له، والصلاة على أنبيائه ورسله وملائكته، ونخص سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأزواجه وأصحابه، بأفضل صلواته، وأكمل تحياته، وأزكى بركاته.

ثم نذكر ما وقع الينا من أسرار الطبائع، وأصناف الخلق، مما يكون ذلك (١) مشاكلا لقصدنا، ونصل ذلك بذكر ما يجب ذكره من ملوك

__________________

(١) أول الكتاب في ت: مفقود، وقد انتحل الناسخ ديباجة أولها: الحمد لله الذي اختص نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بكتاب أخرس الفصحاء، وأعجز البلغاء عن مثل أقصر سورة من سوره، بل آية آياته. وبجوامع الكلم، وبدائع الحكم. وأيد أقواله، وأشهر أفعاله، وقصرت الالسن عن مدح نعت كماله، وقد سطع بدر وجوده، وفاض على الثقلين سح جوده، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلاة وسلاما دائمين ما دام النيرين (*) وسلم تسليما، وبعد، لما رأيت فن التاريخ شريف (**) ، ولهج به كل ظريف، قصدت تأليف هذا الكتاب جهدي، ليكون تذكرة من بعدي، فأقول كان ابتداؤنا به ابتداء الموجودات والمحسوسات مشاكلا الخ...

__________________

(*) الصواب النيرين.

(**) الصواب شريفا، وهذا يدل على فرط جهل الناسخ المنتحل.

٢٥

الارض، وما عملوه من عجائب الاعمال، وشيدوه من عجائب البلدان (١) ووصفوة من الآلات المستطرفة والطلاسمات (٢) المستعملة، وما بنوا من هياكلهم، وأودعوه نواويسهم، وزبروه على أحجارهم. على حسب ما نقل الينا من ذلك.

ونبدأ بما جاء من الآثار الشرعية، والملة الحنيفية، ثم نذكر ما روي عن الحكماء الاول المتقدمين، وبالله أستعين، وهو حسبي ونعم الوكيل.

وقد سميت كتابي هذا بكتاب [تاريخ] (أخبار الزمان ومن (٣) أباده الحدثان وعجائب البلدان والغامر (٤) بالماء والعمران) فأنا أقول:

«أما بعد» فان الله جل جلاله، وتقدست أسماؤه، خلق خلقه من غير ضرورة كانت منه إلى خلقهم، وأنشأهم من غير حاجة كانت منه إلى إنشائهم. بل خلقهم ليعبدوه، فيجود عليهم بنعمه ويحمدوه، فيزيدهم من فضله فيشكروه ويمجدوه. كما قال عزوجل (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد ان يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) فلم يزده خلقه إياهم وإيجادهم مثقال ذرة، ولم ينقصه إفناؤهم وإعدامهم وزن شعرة، لانه سبحانه لا تغيره الاحوال، ولا يدخله الملال، ولا تتقاضي سلطانه الايام والليال. بل خصهم بأسماع وأبصار، وعقول وافكار. يصلون بها إلى الحق والباطل، فيعرفون بذلك المنافع والمضار. وجعل لهم الارض بساطا، ليسلكوا منها سبلا فجاجا، والسماء سقفا محفوظا. أنزل منها الغيث المدرار، والارزاق بمقدار، وأجرى لهم فيها قمر الليل وشمس النهار. يتعاقبان لمصالحهم دائبين. وجعل لهم الليل سكنا،

__________________

(١) في ت: البنيان.

(٢) ت: الطلسمات.

(٣) في ب: وما أباده وهو خطأ عربية وغير موافق لما ينقله في كتبه، وفي ت: وما أباد.

(٤) ت: والناس.

٢٦

والنهار معاشا. ومحا آية الليل، وجعل آية النهار مبصرة. ليصلوا (١) بذلك العلم بأوقات فروضهم التي فرضها عليهم. من الصلاة والزكاة والصيام والحج، وليعلموا عدد السنين والحساب، وحين تحل ديونهم، وتجب حقوقهم. قال الله عزوجل وعلا: (يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) وقال (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، ما خلق الله ذلك إلا بالحق) إنعاما منه وطولا، وإحسانا منه وفضلا.

روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: «الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضت ستة آلاف ومئون من السنين، وليأتين عليها مئون ليس عليها موحد لله تعالى».

وعن نافع عن ابن عمر، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما أجلكم في آجال من خلا من الامم، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس».

وعن أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «بعثت أنا والساعة كهاتين» وأشار بالسبابة والوسطى.

وفي حديث سهل بن سعد الساعدي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما مثلي ومثل الساعة إلا كفرسي رهان».

وعن ابن عباس قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم «أول ما خلق الله القلم خلقه من نور طوله خمسمائة عام، وخلق اللوح المحفوظ من درة بيضاء، حافاته من ياقوت أحمر، عرضه مابين السماء والارض، خلقهما قبل أن يخلق الخلق والسموات والارض. فقال للقلم اكتب، قال وما أكتب؟ قال اكتب علمي

__________________

(١) ت وب: ليصلون.

٢٧

في خلقي إلى يوم القيامة، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، وما هو في علم الله، ينظر الله تعالى في ذلك اللوح كل يوم ثلاثمائة نظرة وستين نظرة، فيخلق ويرزق ويحيي ويميت، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد».

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق والسموات والارض؟ قال «كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء».

وسئل ابن عباس «على أي شئ كان الماء؟ قال: على متن الريح فلما أراد الباري جل جلاله أن يخلق الخلق سلط الريح العقيم على الماء فطفت أمواجه وارتفع زبده، وعلا دخانه، وصعد فوق الماء وسما عليه، فسماه الله سماء، وجمد الزبد فصار أرضا فجعل الارض على حوت، والحوت هو الذي ذكره الله تعالى في كتابه فقال (ن والقلم وما يسطرون) والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة، والصفاة على متن الريح، فتزلزلت الارض فأمر الامواج فأرست عليها جبالا جامدة، فاستقرت وثبتت فذلك قوله عزوجل (وجعل فيها رواسي من فوقها)، (وجعلنا في الارض رواسي أن تميد بكم).

قال ابن عباس: أتت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ابتداء الخلق فقال (خلق الله الارض يوم الاحد ويوم الاثنين وخلق الجبال وما فيها من المنافع يوم الثلاثاء وخلق الماء والشجر والمدائن والعمران يوم الاربعاء فذلك قوله جلت قدرته (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين إلى قوله سواء للسائلين) وخلق يوم الخميس السماء والكواكب والنجوم والملائكة)

وخلق يوم الجمعة الجنة والنار، وآدم عليه السلام، قالوا: ثم ماذا يا محمد؟ قال: ثم استوى على العرش، قالوا: قد أصبت، لو أتممت وقلت ثم استراح.

٢٨

فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا فأنزل الله عليه (ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة أيام، وما مسنا من لغوب، فاصبر على ما يقولون).

وفي رواية أسد بن موسى قال «أمر الله تبارك وتعالى السماء أن ترتفع وتسموا، وأمر الارض أن تنبسط وتنخفض فانبسطت، فدحاها من موضع بيت الله الحرام».

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الدنيا موج مكفوف، ولولا ذلك لاحرقت الشمس والقمر الارض ومن عليها» وبين كل سماء والتي تليها خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والعرش مسيرة ألف عام. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هو الاول فلا شئ قبله، والآخر فلا شئ بعده».

وعن زرارة بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «قلت لجبريل هل رأيت ربك قط؟ فانتفض، ثم قال يا محمد إن بيني وبينه سبعين (١) ألف حجاب من نور، لو دنوت إلى واحد منها لا حترقت» ولما أراد الله عزوجل أن يخلق آدم أمر جبريل أن ينزل إلى الارض ويقبض (٢) القبضة التي خلقه منها، فقالت له الارض أعوذ بالله منك أن تأخذ مني شيئا، فرجع إلى ربه، وقال يا رب تعوذت بك مني.

فأرسل إسرافيل، فقال مثل ذلك، فارسل ملك الموت فتعوذت بالله منه، فقال ملك الموت إن ربي أمرني وأنا أعوذ به أن أرجع إليه بغير ما أمرني به.

وروي بعض أهل الاثر أن أول ما أجرى الله الروح في آدم أجراه في رأسه وعينيه قبل سائر جسده، فلما رأى ثمار الجنة أراد النهوض إليها قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه فلم يستطع، فذلك قوله عزوجل (وكان الانسان

__________________

(١) في ب وت: سبعون، والصوا ب ما ذكرناه

(٢) ت: فيقبض.

٢٩

عجولا) فلما خلق الله آدم عجبت الملائكة منه فأمرهم بالسجود له كلهم، فسجدوا طاعة لله تعالى إلا إبليس فانه تكبر وامتلا حسدا ومعصية، فغضب الله عليه ولعنه، وكان ذلك سبب هبوطه إلى الارض

وأما الحكماء المتقدمون (١) فانهم يقولون: إن الله تعالى جمع الدراري في الحمل فجعل الشمس ملكا، وصير عطارد كالكاتب، والمشتري كالقاضي، والمريخ كالشرطي وكمن يحمل السلاح، والقمر كالخازن، والزهرة كالصاحبة، وزحل كالشيخ المشاور، والجوزهر (٢) كالمقوم لامر الفلك

وذكرت الاوائل أنه كان في الارض ثمان وعشرون أمة مخلوقه روحانية ذوات قوة وبطش، وصورمختلفات بحذاء الثمان (٣) والعشرين منزلة لكل منزلة، أمة مفردة

ويزعمون أن الامم الماضية، تعالى الله عن قولهم، إنما كان تدبيرها للكواكب الثابتة وهي ألف كوكب وعشرون كواكبا، يقطع كل كوكب منها البرج في ثلاثة آلاف سنه، وهي التي تعمل الاعمال كلها، وبها يكون جميع الامور

وقال بعض أهل الاثر: إن الله خلق الافلاك من بخار وإنه لما صعد انعقد وهي سبعة أفلاك، وفوقها البيت المعمور، وله ثلاثمائة وستون بابا، جعلت درجا للفلك، وإن كل رحمة وبركة إنما تنزل من تلك الابواب، مقسومة على البروج والكواكب حتى تصير إلى الارض.

وقالوا إن الله خلق هو ملء (٤) ملكه يسمي الروح، ومن فوقه الحجب وذلك كله داخل في الكرسي. وهو قوله عزوجل (وسع كرسيه السموات

__________________

(١) في الاصلين: المتقدمين، والصواب عربية ما ذكرناه.

(٢) كذا في ب، ت: وهذه التسمية يذكرها المسعودي في كتبه كالتنبيه والا شراف.

(٣) في الاصلين: الثمانية.

(٤) في ب، ت: مليؤ وهو خطأ املائي.

٣٠

والارض) والكرسي وما حوى داخل في العرش، والعرش وما حوى داخل في علم الله، جلت عظمته.

وأعلا الدراري السبعة زحل ثم المشتري ثم المريخ ثم الشمس ثم الزهرة ثم عطارد ثم القمر.

وزعم قوم من الحكماء الاوائل ان الكواكب ملائكة، وانه جعل لها من تدبير العالم ما لم يجعل لغيرها، فلذلك عظموها وعبدوها.

وزعم قوم منهم ان الخلق العالية الذين هم الملائكة (١) اثنا عشر صنفا بحذاء البروج الاثني عشر، وأنهم يتوارثون، جعل الله فيمن شاء منهم حولا وقوة يقدر أحدهم أن يكون في صورة تملا الارض عظما، ويقدر احدهم ان يكون في صورة تدخل من خرق الابرة لطفا، ويغوص في تخوم الارض والبحار والجبال، لا يمنعه من ذلك مانع، ومنهم من له من الاجنحة مثنى وثلاث ورباع، كما قال الله عزوجل، يلتحقون اقطار الارض كلمحة البصر ومنهم مخلوق من النور، ومنهم زرق من نور النار، ومنهم شعاعيون، ومنهم ملائكة الرحمة، ومنهم الحفظة والخزنة.

وهؤلاء مخلوقون من رطوبة الماء وهم حسان الوجوه سمر الالوان، ومنهم مشغولون بعبادة الله لا يعرفون غيرها، وهم في صور لا تحصى.

وقال اصحاب الطبيعة: ان الافلاك لما تم خلقها كانت كالاجسام (٢) لكواكبها وكانت الكواكب كالارواح لها.

وقال هرمس لما خلق الله عزوجل البروج قسم لها دوامها في سلطانه، فجعل للحمل اثني عشر ألف سنة، وللثور أحد عشر ألف سنة، وللجوزاء عشرة آلاف سنة، وللاسد ثمانية آلاف سنة، وللسنبلة سبعة آلاف سنة، وللميزان ستة آلاف سنة، وللعقرب خمسة آلاف سنة، وللقوس اربعة آلاف

__________________

(١) في هامش، ت: عنوان (ذكر الملائكة)

(٢) في ب: الاجسام والتصحيح عن ت.

٣١

سنة، وللجدي ثلاثة آلاف سنة، وللدلو ألفي سنة، وللحوت ألف سنة، فصار للدور ثمانية وسبعون ألف سنة، والباقي لسائر الكواكب.

ولم يكن في عدد الحمل والثور والجوزاء حيوان، وذلك ثلاثة وثلاثون ألف سنة، ولا في الارض عالم روحاني (١) .

فلما كان عالم السرطان تكونت دواب الماء وهوام الارض، ولما استقام الاسد في سلطانه تكونت ذوات الاربع من الدواب والبهائم.

فلما دخل سلطان السنبلة تكون الانسانان أدمانوس وحيوانوس، وكانت الطيور في سلطان الميزان.

وأما مقادير الكواكب عندهم.

فقالوا ان الشمس اكبر من الارض بمائة مرة وثلاث وستين (٢) مرة، وزحل اكبر من الارض باحدى وتسعين مرة ونصف مرة، والمشتري بإحدى وثمانين مرة، والمريخ بثلاث (٣) وسبعين مرة والزهرة بنيف وستين مرة وعطارد (٣) ثلاثين مرة وثلث مرة، والقمر بسبع عشرة مرة (٤) وربع مرة وكانت الشمس كالملك والدراري كما ذكرنا

ومن الفلاسفة من يقول ان الكواكب حية ناطقة حساسة. ومنهم من قال ان لها حاسة السمع والبصر واللمس، وليس لها حاسة الذوق والشم. لانها (٥) مشتغلة عن ذلك. ومنهم من زعم ان الفلك حي مميز لجميع ما فيه، ذو صورة فكذلك جميع ما فيه بهذه المنزلة.

__________________

١) في ب وت: روحانيا.

٢) فيهما: ثلاثة وستون، والصحيح ما أثبتناه.

٣) فيهما: بثلاثة. في الموضعين.

٤) فيهما: بسبعة عشر.

٥) ت: كأنها.

٣٢

وقالوا إن ضياء القمر مأخوذ من ضوء الشمس، لانهما إذا اجتمعا لم يكن للقمر نور.

وقال قوم منهم العالم محدث إلا أنه لا يبيد لانه حكمة وصنعة حكيم، والحكيم لا يفسد صنعته.

ذكر عمر الدنيا

فأما ما ذكروه من توقيت الزمان ومدته إلى انقضائه، فانهم قالوا فيه أقوالا لاتسلم لهم، إنما تسمع وتذكر على ما يتعجب منه لاعلى جهة التصديق به، نعوذ بالله. ففي كتاب السند هند الذي عمل منه المجسطي وغيره من الزيجات أن دوران الشمس من أول سيرها من الحمل انما سيرها ينقضي على ما حسبوه من الآلاف ألف ألف وأربعمائة ألف ألف وعشرون ألف دورة لكل دورة سنة، والسنة ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم.

وقالوا إن أصل الدور أربعة آلاف ألف ألف وثلاثمائة ألف ألف وعشرون ألف ألف عند كل بدء ألف سنة.

وأما أهل الاثر، فزعم قوم أن عمر الزمان إلى آدم عليه السلام سبعة آلاف منه، ورواية محمد بن جرير الطبري على ما قدمناه ذكره أن من آدم إلى انقضاء الخلق سبعة آلاف.

وذكر طلوع الشمس من مغربها قبل انقضاء العالم.

وقال قوم: إذا بلغ القلب خمس عشرة درجة (١) من الاسد كان طوفان نار يحرق العالم بأسره فلا يبقى على وجه الارض حيوان ولا في البحار،

__________________

(١) في ب وت: خمسة عشر.

٣٣

وتبقى الارض خرابا من العالم، ثم يستأنف الله عزوجل ما أراد في الخلق.

وكان أرسطا طاليس يرى أن الزمان لا يبيد، ولا ينفد. وأن الطبيعة قديمة، وأنه لا أول لها ولا آخر، تعالى الله جل جلاله.

ذكر الامم المخلوقات قبل آدم عليه السلام

يقال إنه كانت الجملة ثمانيا وعشرين أمة بأزاء المنازل العالية التي يحلها لقمر، لانه المستولي عندهم لتدبير العالم الارضي باذن الله تعالى جل ذكره خلقت من أمزجة مختلفة أصلها الماء والهواء والنار والارض، فهي متباينة الخلق.

ومنها أمة طوال خفاف زرق ذات أجنحة كلامهم فرقعة، ومنها أمة أبدانهم كأبدان الاسد ورؤسهم رؤس الطير لها شعور وأذناب طوال كلامهم دوي، ومنها أمة لها وجهان قدامها وخلفها وأرجل كثيرة وكلامهم كلام الطير. ومنها الجن. ومنها صفة الجن، وهي أمة في صور الكلاب لها أذناب وكلامها همهمة لا يفهم. ومنها أمة تشبه بني آدم أفواههم في صدورهم يصفرون تصفيرا. ومنها أمة في خلق الحيات الطوال لها أجنحة وأرجل وأذناب. ومنها أمة يشبهون نصف شق الانسان لهم عين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة يقفزون تقفيزا، وكلامهم مثل كلام الغرانيق. ومنها أمة لها وجوه كوجوه الناس وأصلاب كأصلاب السلاحف، وفي ايديهم مخالب وفي رؤسهم قرون طوال، كلامهم كعوي الذئاب. ومنها أمة لكل واحد منهم رأسان ووجهان كوجوه الاسد طوال لا يفهم كلامهم، ومنها أمة مدورة الوجوه لها شعور بيض وأذناب كأذناب البقر يزرقون الناس من أفواههم. ومنها أمة في خلق النساء لهم شعور وثدي ليس فيهم ذكر،

٣٤

تلقح من الريح وتلد أمثالها، ولها أصوات مطربة يجتمع إليها كثير من هذه الامم لحسن أصواتها. ومنها أمة في خلق الهوام والحشرات إلا أنها عظيمة الاجسام تأكل وتشرب مثل الانعام. ومنها أمة تشبة دواب البحر لها انياب كالخنازير بارزة وآذان طوال.

وبقية الثمان والعشرين (١) امة على خلق لا يشبه بعضها بعضا الا إنها وحشية المنظر، ويقال ان هذه الامم تناتجت فصارت مائة وعشرين امة.

ذكر الجن وأجناسهم وقبائلهم

وسئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، هل كان في الارض خلق من خلق الله تعالى قبل آدم يعبدون الله تعالى؟ فقال: نعم خلق الله تعالى الارض، وخلق فيها أمما من الجن يسبحونه ويقدسونه لا يفترون، وكانوا يطيرون إلى السماء، ويلقون الملائكة، ويسلمون عليهم ويتعلمون منهم الخير، ويعلمون منهم بخبر ما يجري في السماء، ثم إن طائفة من الجن تمردوا وعتوا عن أمر الله عزوجل، وبغوا في الارض بغير الحق، وعلا بعضهم على بعض، حتى سفكوا الدماء، وأظهروا الفساد، وجحدوا الربوبية. وأقام الآخرون المطيعون على دينهم وعبادتهم وباينوا الذين عتوا عن أمر الله، وكان يصعد إلى السموات عنها للطاعة، وخلق الملائكة كما قدمناه ذكره روحانيين ذوي (٢) أجنحة يطيرون بها حيث صيرهم الله تعالى، وأسكنهم ما بين أطباق السموات يسبحونه ويقدسونه لا يفترون، حتى اصطفى الله تعالى منهم الملائكة فكان أقربهم منه اسرافيل، ثم ميكائيل ثم جبرائيل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين.

__________________

(١) في ب، وت: الثمانية وعشرين.

(٢) فيهما ذو.

أخبار الزمان ـ م (٣)

٣٥

فصل

وأما الجن فذكرت الهند والفرس واليونان ولادات الجن وقبائلهم وأسماء ملوكهم، وزعموا أنهم مفترقون على احدى (١) وعشرين قبيلة، وبعد خمسة آلاف سنة ملكوا عليهم ملكا منهم، يقال له الملك شمائيل بن أرس جن، ثم افترقوا، فملكوا عليهم خمسة (٢) ملوك فأقاموا بذلك دهرا طويلا، ثم أغار بعض الجن على بعض، وكانت بينهم وقائع كثيرة وحروب شديدة، وكان إبليس منهم، وله أسماء كثيرة باختلاف اللغات غير أن اسمه بالعربية الحارث. ويكنى أبا مرة. عظيم الخلق مطيقا (٣) وكان يصعد إلى السماء ويقف في صفوف الملائكة، ويجتهد في العبادة، فلما بغي بعض على بعض، وكانت تلك الحروب بينهم اهبط إلى الارض في جند من الملائكة فهزمهم وقتلهم، وجعل ملكا على الارض فتجبر وطغا، وكان امتناعة من السجود لآدم عليه السلام. كما أنبأنا الله عزوجل في كتابه، فاهبط في أقبح صورة وأشدها (٤) تشويها فأنكره جميع قبائل الجن واستوحشوا منه. فلما رأى ذلك سكن البحر، وجعل له عرشا على الماء. ثم جعل له ولادة كما جعلت لآدم عليه السلام. فألقيت عليه شهوة السفاد (٥) وجعل لقاحة كلقاح الطير وبيضه كبيضه.

وذكر بعض العلماء صنوف الجن فزعم (*) أن الشياطين خمس (٦) وثلاثون قبيلة وأن الذين يطيرون في الجو خمس عشرة قبيلة (٧) وان الذين مع لهب النار عشر

__________________

(١) في الاصلين احد.

(٢) فيهما: خمس ملوك.

(٣) في ت: مطيعا.

(٤) فيهما: وأشرها.

(٥) ت: الفساد.

(*) ما بين هاتين العلامتين في هذه الصفحة والتي تليها

مبتور في ت.

(٦) فيهما: خمسة وثلاثون.

(٧) في ب: خمسة عشر، وهو خطأ عربية.

٣٦

قبائل وأن مسترقي السمع ثلاثون قبيلة، ولهذا القبائل كلها ملوك من كل قبيلة لدفع شرهم.

وحكي أن صنفا من السعالي يتصورون (١) في صور النساء الحسان ويتزوجن برجال الانس كما حكي عن رجل يقال سعد بن جبير، أنه تزوج امرأة منهن وهو لا يعلم ما هي: فأقامت عنده وولدت عنده أولادا وكانت معه ليلة على سطح يشرف على الجبانة، إذا بصوت في أقصى الجبانة نساء يتألمن فطربت وقالت لبعلها أما ترى نيران السعالي شأنك وببنيك استوص بهم خيرا فطارت فلم تعد إليه

ومنهم من تظفر (٢) بالرجال الخالي في الصحراء أو الخراب، فتأخذه بيده فترقصه حتى يتحير ويسقط فتمص دمه

ومنهم صنف لا تفارق صور الحياة وربما قتلها الرجل فهلك يحكى ان فتى من الانصار قريب عهد بعرس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقدمه يوم الخندق وأن يلم بأهله فأذن له فلما انتهى إلى منزله وجد امرأته قائمة بالباب فأدركته غيرة وأهوى إليها برمحه، فقالت له لا تعجل وادخل حتى تنظر ما على فراشك فدخل فرأى على فراشه حية عظيمة، فطعنها برمحه فقتلها، فمات هو من ساعته.

وتذكر العرب عن عبيد بن (٣) الابرص الاسدي أنه خرج في سفر له يريد الشام مع نفر، فلما صار ببعض الطريق إذ هو بشجاع يلهث عطشا وخلفه حية سوداء تطرده، فنزل (٤) فقتل الحية السوداء وحل إدواته ونضح على

__________________

(١) ب: يتصورون

(٢) ب: يظفر.

(٣) ب، ت: عبيد الابرص.

(٤) ت: ثم نزل.

٣٧

الشجاع من الماء فشرب وانساب حتى دخل جحره، ومضى عبيد حتى قضى حوائجه بالشام.

فلما انصرف أغفى وهو في مفازة فلما انتبه وجد قلوصه قد ضل، وهو على غير الطريق فأقام مكانه فلما جنه الليل إذا بهاتف يقول:

يا صاحب البكر البعيد مذهبه

ما عنده من ذي رشاد يصحبه

دونك هذا البكر منا تركبه

حتى إذا الليل تولى غيهبه

واقبل الصبح ولاح كوكبه

فبعد حط رحله تستلبه (١)

فلما سمع عبيد ذلك من الهاتف التفت، فإذا عنده بكر كأحسن ما يكون فركبه فسار به بقية ليلته فأصبح في منزله، وكان بينه وبين منزله إحدى وعشرون مرحلة فنزل عنها وأنشأ يقول:

يا صاحب البكر قد أنجيت من عطب

ومن حمام يضل المدلج الهادي

ارجع حميدا فقد اوليتنا مننا

جوزيت من رائح بالخير أو غادي

فأجابه البكر:

أنا الشجاع الذي ألفيتني رمضا (٢)

في مهمه نازح عن أهله صادي (٣)

فجدت بالماء لما ضن حامله (٤)

رويت منه ولم تلمم بأنكاد (٥)

الخير يبقى وإن طال الزمان به

والشر أخبث ما اوعيت من زاد

ثم قال إن الاسود الذي رأيته يطردني عبد من عبيدي أراد قتلي فكفيتني شره، وأرويتني من ظمئي ولن يضيع الخير واستخلف الله عليك.

وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: أكثر الحيوان الداجن صفة الجن، وان الكلاب من الجن، فإذا رأوكم تأكلون فألقوا إليهم من طعامكم، فان

__________________

(١) ت: فحط عنه رحله وسيبه

(٢) ب: ومضا.

(٣) ب: ماد.

(٤) ب: ظن جاهله.

(٥) ب: أرويت هامي ولم تهمم بانكاد. وفي ب أوتيت منه.

٣٨

لهم أنفسا ـ يعني يأخذون بالعين.

والعرب تذكر راكبا على جمل (١) في قدر الشاة وفد عليهم بسوق عكاظ [نادى] ألا من يهبني ثمانين بكرة هجانا وأدما، فلم يجبه أحد.

فلما رأى ذلك ضرب جمله (٢) وطار به بين السماء والارض كالبرق، فعجبوا منه فحدثهم رجل قال: لقيت رجلا في بعض المفاوز راكبا على نعامة وعيناه مشقوقتان بطول وجهه، فأخذتني منه روعة ثم استوقفته فقلت له: اتروي شيئا من الشعر؟ قال: نعم وأقرضه، وأنشدني: أتاركة تحيتها (٣) قطام وضنا (٤) بالتحية والسلام حتى أتى على آخرها فقلت له: هيهات سبقك إليها أخو بني ذبيان، فقال: أنا والله يا أخي، نطقت بها على لسانه بسوق عكاظ، وكنت قلتها قبل ذلك بأربعمائة عام.

ويقال إن الله تعالى خلق ألفا وعشرين أمة حذاء الكواكب الثابته (٥) منها في البحر ستمائة أمة، ومنها في البر أربعمائة أمة وعشرين أمة أحسنها الانسان وأتمها وأحبها إلى الباري سبحانه وتعالى وأفضلها، فانه خلق على صورة إسرافيل عليه السلام وهو أقرب الملائكة إلى الله تعالى.

وفي التوراة خلق الله تعالى آدم على صورته، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وفي الحديث «لا تضربوا الوجوه فإنها على صورة إسرافيل عليه السلام» وفي الحديث «تلجوا بالنظر إلى وجوه المرد فان فيها لمحات من الحور العين».

ويقال أن في الانسان من كل الخلق، فلذلك سخر له جميع الحيوان وسلط عليها فاقتنصها وذللها وسخر أكثرها، وجمع له المأكول من النبات

__________________

(١) ب: حمل

(٢) في ب وت: جمله.

(٣) في ت: تدللها.

(٤) ت: وظنا

(٥) ت: اليابانية.

٣٩

والحيوان [البهيمي والوحشي وغيره] (١) ، وله خلقت اللذات جميعا، وعمل بهذه جميع الاعمال.

وله المنطق والضحك، والفكر الفطنة، واختراعات الاشياء، وله خاطب الباري عزوجل، وعليه وقع الامر والنهي

والانسان هو الذي استنبط الاشياء وجمع العلوم، وعمل الآلات، وأثار المعادن، وأخرج ما في قعور البحار، وسخر له كل شئ.

ومن العجائب خلق النسناس وهو كمثل نصف الانسان بيد واحدة ورجل واحدة، ويثب وثبا ويعدو عدوا شديدا، وكان ببلاد اليمن، وربما كان ببلاد العجم، والعرب تصيده وتأكله. وفي بعض أخبارهم أن سيارة وقعوا في أرض كثيرة النسانس، فصادوا واحدا وذبحوه وطبخوه وكان سمينا، فلما جلسوا يأكلونه قال أحدهم: لقد كان هذا النسناس سمينا، فقال نسناس آخر، قد اختفى في شجرة بالقرب منهم: إنه كان يأكل السرو فلذلك سمن، فنبههم على نفسه فأخذوه وذبحوه. فقال آخر من شجرة أخرى، قد اختفى فيها عنهم: لو كان عاقلا صمت ولم ينطق، فاخذوه وذبحوه. فناداهم نسناس آخر تخبأ في بعض خروق الارض: اني قد احسنت فلم أتكلم فأخذوه وذبحوه، وكان لهم فيها قوت. وقيل إنه يغتذي بالثمار والنبات، ويصبر على العطش.

وقيل إن في شرقي القلزم مما يلي في البحر أمة متولدة من صنف من السباع وبني آدم، وجوهها عراض كثيرة الشعر مثل وجوه السباع، وعيونها مدورة بصاصة، وأنيابها بارزة طوال، وآذانها طوال، وأبدانها كأبدان الناس إلا

__________________

(١) عن ت.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

مسألة ٨٧ : إذا تاب الغالّ قبل القسمة ، وجب ردّ ما غلّة في المغنم إجماعاً ؛ لأنّه حقُّ لغيره، فيجب عليه ردّه إلى أربابه.

ولو تاب بعد القسمة ، فكذلك - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه مالٌ لغيره ، فيجب ردّه إلى أربابه ، كما لو تاب قبل القسمة.

وقال مالك : إذا تاب بعد القسمة ، أدّى خُمْسه إلى الإمام ، وتصدّق بالباقي - وبه قال الحسن البصري - بناءً على فعل معاوية(٢) (٣) . وليس حجّةً.

فإن تمكّن الإمام من قسمته ، فَعَل ، وإلّا تصدّق به بعد الخُمْس ؛ لأنّ تركه تضييع له وتعطيل لمنفعته التي خلق لها ، ولا يتخفّف به شي‌ء من إثم الغالّ ، وفي الصدقة به نفع لمن يصل إليه من المساكين ، وما يحصل من أجر الصدقة يصل إلى صاحبه ، فيذهب به الإثم عن الغالّ ، فيكون أولى.

مسألة ٨٨ : لو سرق من الغنيمة شيئاً ، فإن كان له نصيب من الغنيمة بقدره أو أزيد بما لا يبلغ نصاب القطع ، لم يجب عليه القطع ؛ لأنّه وإن لم يملكه لكن شبهة الشركة درأت عنه الحدّ ، وإن زاد على نصيبه بمقدار النصاب الذي يجب فيه القطع ، وجب عليه القطع ؛ لأنّه سارق.

هذا إذا لم يعزل منه الخُمْس ، ولو عزل الإمام الخُمْس ثمّ سرق ولم يكن من أهل الخُمْس ، فإن كان من الخُمْس ، قُطع ، وإن كان من أربعة الأخماس ، قُطع إن زاد على نصيبه بقدر النصاب.

____________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي - هامش إرشاد الساري - ٨ : ٢٤ ، وانظر : المغني ١٠ : ٥٢٧ ، والشرح الكبير ١٠ : ٥٢٨.

(٢) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٧٠ / ٢٧٣٢.

(٣) المغني ١٠ : ٥٢٦ - ٥٢٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٧ - ٥٢٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٤ : ٢٦١ ، صحيح مسلم بشرح النووي - هامش إرشاد الساري - ٨ : ٢٤.

١٤١

وللشافعي وجهان :

أحدهما : إذا سرق من أربعة الأخماس ما يزيد على نصيبه بقدر النصاب ، وجب القطع.

والثاني : لا يُقطع ؛ لأنّ حقّه لم يتعيّن ، فكلّ جزء مشترك بينه وبينهم ، فكان كالمال المشترك - وهو رواية(١) عندنا - ولأنّا لو قلنا : إنّه يُقطع في المشترك ، فإنه لا يُقطع هنا ؛ لأنّ حقّ كلّ واحد من الغانمين متعلّق بجميع المغنم ؛ لأنّه يجوز أن يُعرض الباقون ، فيكون الكلّ له. وعلى كلّ حال فيُستردّ المسروقُ إن كان [ باقياً ، وبدلُه إن كان ](٢) تالفاً ، ويُجعل في المغنم(٣) .

ولو كان السارق عبداً ، فهو كالحُرّ ؛ لأنّه يُرضخ له ، فإن كان ما سرقه أزيد ممّا يُرضخ له بقدر النصاب ، وجب القطع ، وإلّا فلا. وكذا المرأة.

ولو سرق عبد الغنيمة منها ، لم يُقطع ؛ لئلّا يزيد ضرر الغانمين. نعم ، يؤدّب حسماً للجرأة.

ولو كان السارق ممّن لم يحضر الوقعة ، فلا نصيب له منها ، فيُقطع.

ولو كان أحد الغانمين ابناً للسارق ، لم يُقطع إلّا إذا زاد ما سرقه عن نصيب ولده بمقدار النصاب ؛ لأنّ مال الولد في حكم ماله.

ولو كان السارق سيّد عبدٍ [ له نصيب ](٤) في الغنيمة ، كان حكمه حكم‌

____________________

(١) الكافي ٧ : ٢٢٣ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ١٠٤ - ١٠٥ / ٤٠٦ ، الاستبصار ٤ : ٢٤١ / ٩١٠.

(٢) أضفناها من العزيز شرح الوجيز.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٠٧ - ٢٠٨.

(٤) ما بين المعقوفين لم يرد في « ق ، ك» ومتن الطبعة الحجريّة ، وورد في هامشها وعليه علامة « ظ ».

١٤٢

مَنْ له نصيب ؛ لأنّ مال العبد لسيّده. وبذلك كلّه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) . وزاد الشافعي : الابن إذا سرق وللأب سهم في الغنيمة أو أحد الزوجين(٢) . وزاد أبو حنيفة : إذا كان لذي رحم محرم منه فيها حقّ ، لم يُقطع(٣) .

والغالّ هو الذي يكتم ما أخذه من الغنيمة ولا يطّلع الإمام عليه ولا يضعه مع الغنيمة. ولا ينزّل منزلة السارق في القطع ، إلّا أن يغلّ على وجه السرقة ؛ فإنّ الغلول أخْذُ مالٍ لا حافظ له ولا يُطّلع عليه غالباً ، والسرقة أخْذُ مالٍ محفوظ.

والسارق عندنا لا يُحرق رحله.

وقال بعض العامّة : يُحرق(٤) .

مسألة ٨٩ : ليس لأحد الغانمين أن يبيع غانماً آخرَ شيئاً من الغنيمة ، فإن باعه ، لم يصح؛ لأنّ نصيبه مجهول ، وكذا وقوعه في نصيبه. وكذا لا يصحّ لو كان طعاماً ؛ لأنّ إباحة التناول لا تقتضي إباحة البيع ، فيُقرّ في يد المشتري ، وليس للمشتري ردّه إلى البائع ولا للبائع قهره عليه ؛ لأنّه أمانة في يدهما لجميع المسلمين. ولو لم يكن من الغانمين. لم تقرّ يده عليه.

ولو أقرضه الغانم لمن لا سهم له ، لم يصح ، واستُعيد من القابض. وكذا لو باعه منه. وكذا لو جاء رجل من غير الغانمين فأخذ من طعام الغنيمة ، لم تقرّ يده عليه ؛ إذ لا نصيب له ، وعليه ضمانه.

____________________

(١) المغني ١٠ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٢٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٨ - ٤٣٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٤.

(٢) الاُمّ ٧ : ٣٦٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٨ - ٤٣٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٤ ، وانظر : المغني ١٠ : ٥٥١ ، والشرح الكبير ١٠ : ٢٧٥.

(٣) المغني ١٠ : ٥٥١ ، الاُم ٧ : ٣٦٥.

(٤) المغني ١٠ : ٥٥١.

١٤٣

ولو باعه من غير الغانمين ، بطل البيع ، واستُعيد.

ويجوز للإمام أن يبيع من الغنيمة شيئاً قبل القسمة لمصلحةٍ ، فلو عاد الكفّار وأخذوا المبيع من المشتري في دار الحرب ، فضمانه على المشتري ، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين.

وفي الاُخرى : ينفسخ البيع ، ويكون من ضمان أهل الغنيمة ، فإن كان المشتري قد وزن الثمن ، استعاده ، وإلّا سقط إن كان [ لا ](١) لتفريطٍ منه ، وإن كان لتفريطٍ منه ، مثل أن خرج به من العسكر وحده ، فكقولنا(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ التلف في يد المشتري ، فلا يرجع بالضمان على غيره ، كغيره من المبيعات.

وإذا قُسّمت الغنائم في دار الحرب ، جاز لكلّ مَنْ أخذ منهم التصرّفُ فيه كيف شاء بالبيع وغيره ، فلو باع بعضهم شيئاً فغُلب المشتري عليه ، لم يضمنه البائع.

ولأحمد روايتان(٣) .

ويجوز لأمير الجيش أن يشتري من مال الغنيمة شيئاً قبل القسمة وبعدها.

وقال أحمد : ليس له ذلك ؛ لأنّه يحابي(٤) .

ويندفع الخيال بأخذه بالقيمة العدل.

مسألة ٩٠ : لا يسقط حقّ الغانم من الغنيمة بالإعراض بعد القسمة ،

____________________

(١) أثبتناها لأجل السياق.

(٢) المغني ١٠ : ٤٩١ - ٤٩٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٨.

(٣) المغني ١٠ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٨ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٩ - ١٥٠ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٣.

(٤) المغني ١٠ : ٤٩٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٥٠.

١٤٤

كسائر الأملاك ، وأمّا قبلها فالأقرب سقوطه.

ولو اُفرز الخُمْس ولم تقسّم الأخماس الأربعة بعدُ ، فالأقرب أنّ الإعراض مُسقط ؛ لأنّ إفراز الخُمْس لا يعيّن حقوق الواحد فالواحد من الغانمين ، فلا يلزمهم في حقوقهم عكس ما كانوا عليه من قبل ، وهو أصحّ قولي الشافعي(١) .

والثاني : أنّه لا يسقط ؛ لأنّ بإفراز الخُمْس تتميّز حقوقهم عن الجهات العامّة ، ويصير الباقي لهم ، كسائر الأملاك المشتركة(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : إذا استقسم الغانمون الإمامَ ، لم يسقط حقّ أحدهم بالإعراض ؛ لأنّه يشعر باختيار التملّك وتأكيد الحق ، دون ما إذا استبدّ الإمام بإفراز الخمس ، فإنّهم لم يحدثوا ما يشعر بقصد التملّك(٣) (٤) .

ولو قال : اخترت الغنيمة ، ففي منعه من الإعراض للشافعيّة وجهان :

أحدهما : لا ، فقد يتغيّر الرأي في الشي‌ء المقدور(٥) عليه ، والاستقرار لا يحصل قبل القسمة.

والثاني : نعم ، كما أنّ ذا الخيار في العقود إذا اختيار أحد الطرفين لا يعدل إلى الآخر(٦) .

ولو أعرض الغانمون بأجمعهم ففي صحّة إعراضهم لهم وجهان :

أحدهما : لا يصحّ ، وإلّا لاستحقها أرباب الخُمْس ، فيزيد حقّهم والله تعالى قد عيّن لهم الخُمْس.

وأصحّهما : الصحّة ، وتُصرف الأخماس الأربعة إلى مصارف‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٢.

(٣) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : الملك. وما أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٤.

(٥) في المصدر : « المعزوم » بدل « المقدور ».

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٢.

١٤٥

الخُمْس ؛ لأنّ المعنى المصحّح للإعراض يشمل الواحد والجمع(١) .

وأمّا الخُمْس : فسهم الله تعالى وسهم رسوله وسهم ذوي القُربى للإمام عندنا خاصّة ، فيصحّ إعراضه ، كما يصحّ إعراض الغانم.

وعند العامّة أنّ سهم ذوي القُربى لكلّ مَنْ يستحقّ الخُمْس.

وفي صحّة إعراضهم وجهان :

أحدهما : يصحّ ، كما يصحّ إعراض الغانمين.

والثاني : المنع ؛ لأنّ سهمهم منحة أثبتها الله تعالى لهم من غير معاناة وشهود وَقْعةٍ ، فليسوا كالغانمين الذين يُحمل حضورهم على إعلاء الكلمة(٢) .

والمفلس الذي حَجَر عليه القاضي لإحاطة الديون به يصحّ إعراضه ؛ لأنّ اختيار التملّك بمنزلة ابتداء الاكتساب ، وليس على المفلس الاكتساب.

وفي صحّة إعراض السفيه المحجور عليه نظر ، أقربه : أنّه ليس له إسقاط الملك ولا إسقاط حقّ الملك ، فلو صار رشيداً قبل القسمة وانفكّ عنه الحَجْر ، صحّ إعراضه.

ولا يصحّ إعراض الصبي عن الرضخ ولا إعراض الوليّ عنه ، فإن بلغ قبل القسمة ، صحّ إعراضه.

ولا يصحّ إعراض العبد عن الرضخ ، ويصحّ إعراض السيّد ؛ فإنّه حقّه.

والأقرب : صحّة إعراض السالب عن السَّلَب - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٣) - كإعراض الغانمين.

والثاني : لا يصحّ ؛ لأنّه متعيّن له ، فأشبه الوارث(٤) .

مسألة ٩١ : مَنْ أعرض من الغانمين يُقدّر كأنّه لم يحضر الوقعة ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٣.

(٣ و ٤) الوجيز ٢ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٣.

١٤٦

ويقسّم المال أخماساً : خُمسه لمستحقّيه ، وأربعة أخماسٍ لباقي الغانمين ، وهو أصحّ قولي الشافعي(١) .

والثاني : أنّ نصيب المـُعْرض يُضمّ إلى الخُمْس ؛ لأنّ الغنائم في الأصل لله تعالى ؛ لقوله تعالى :( قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ ) (٢) فمن أعرض رجعت حصّته إلى أصلها(٣) .

ولو مات واحد من الغانمين ولم يُعرض ، انتقل حقّه إلى الورثة ؛ لأنّه ثبت له ملك أو حقّ ملك ، وكلاهما موروث ، فإن شاؤا أعرضوا ، وإن شاؤا طلبوا.

وللشافعيّة ثلاثة أوجه في أنّه هل يملك الغانمون قبل القسمة؟

أظهرها : أنّهم لا يملكون بل يملكون إن تملّكوا ؛ بدليل صحّة الإعراض ، ولو ملكوا بالاستيلاء ، لما سقط عنهم بالإعراض. ولأنّ للإمام أن يخصّ كلّ طائفة بنوعٍ من المال ، ولو ملكوا لم يجز إبطال حقّهم عن بعض الأنواع بغير اختيارهم.

والثاني : يملكون بالحيازة والاستيلاء ؛ لأنّ الاستيلاء على ما ليس بمعصوم من الأموال سببٌ للملك(٤) . ولأنّ ملك الكفّار زال بالاستيلاء ، فلو لم يملكه الغانمون ، بقي الملك(٥) لا مالك له. نعم ، هو مِلْكٌ ضعيف يسقط بالإعراض ، ولا تجب الزكاة فيه قبل اختيار التملّك على الأظهر.

والثالث : أنّ ملكهم موقوف ، إن سلمت الغنيمة إلى أن اقتسموا ، ظهر‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٣.

(٢) الأنفال : ١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٣.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : الملك. وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

(٥) في « ق ، ك» : ملك.

١٤٧

أنّهم ملكوها بالاستيلاء ، وإلّا بانّ بالموت أو الإعراض عدم الملك ؛ لأنّ قصد الاستيلاء على المال لا يتحقّق إلّا بالقسمة ؛ لما تقدّم من أنّ الغرض إعلاء كلمة الله تعالى ، فإذا اقتسموا تبيّنّا قصد التملّك بالاستيلاء.

وإذا قلنا بالوقف ، قال الجويني : لا نقول : نتبيّن بالقسمة أنّ حصّة كلّ واحد من الغانمين على التعيين صارت ملكاً بالاستيلاء ، بل نقول : إذا اقتسموا ، تبيّنّا أنّهم ملكوا الغنائم أوّلاً ملكاً مشاعاً ثمّ تتميّز الحصص بالقسمة(١) .

مسألة ٩٢ : لو وقع في المغنم مَنْ يُعتق على بعض الغانمين ، لم يُعتق حصّته ما لم يقع في حصّته ، ولم يمنعه ذلك عن الإعراض ، قاله بعض الشافعيّة(٢) .

وقال الشيخرحمه‌الله : الذي يقتضيه المذهب أن نقول : ينعتق منه نصيبه منه ، ويكون الباقي للغانمين(٣) . وبه قال أحمد(٤) .

وقال الشافعي : إنّه لا ينعتق عليه لا كلّه ولا بعضه(٥) . وهو مقتضى قول أبي حنيفة(٦) .

لنا : ما تقدّم من أنّ الملك يثبت للغانمين بالاستيلاء التامّ وقد وُجد ،

____________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٣.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٣.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢ - ٣٣.

(٤) المغني ١٠ : ٥٥٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٩.

(٥) مختصر المزني : ٢٧٤ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٨ ، المغني ١٠ : ٥٥٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٣.

(٦) المغني ١٠ : ٥٥٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٣.

١٤٨

ولأنّ ملك الكفّار قد زال ولا يزول إلّا إلى المسلمين ، وهو أحدهم ، فيكون له نصيب مشاع في الغنيمة ، فينعتق عليه ذلك النصيب.

احتجّ الشافعي : بأنّه لم يحصل تملّك تام ؛ إذ للإمام أن يعطيه حصّته من غيره ، فنصيبه غير متميّز من الغنيمة.

قال الشيخرحمه‌الله : والأوّل أقوى(١) .

ثمّ قال الشيخ(٢) : ينعتق نصيبه ، ولا يلزمه قيمة ما يبقى للغانمين ؛ لأصالة البراءة ، ولا دليل على شغلها(٣) . والقياس على المعتق باطل ؛ لأنّ هناك إنّما وجب عليه التقويم ؛ لأنّ العتق صدر عنه.

أمّا لو جعله الإمام في نصيبه أو نصيب جماعة هو أحدهم ، فإنّه ينعتق نصيبه قولاً واحد.

ولو رضي بالقسمة ، فالأقرب التقويم عليه ؛ لأنّ ملكه برضاه.

هذا إذا كان موسراً ، ولو كان معسراً ، عُتق قدر نصيبه ، ولم يقوّم عليه الباقي.

ولو أسر أباه منفرداً به ، لم ينعتق عليه ؛ لأنّ الأسير لا يصير رقيقاً بالأسر ، بل باختيار الإمام؛ لأنّ للإمام حقّ الاختيار إن شاء قَتَله ، وإن شاء استرقّه ، وان شاء منَّ عليه ، وإن شاء فاداه ، فإن اختار الإمام استرقاقه ، عُتق على السبابي أربعة أخماسه ، وقوّم الخُمْس عليه إن كان موسراً ، قاله بعض الشافعيّة(٤) .

قال : ولو أسر اُمّه ، أو ابنه الصغير ، فإنّه يصير رقيقاً بالأسر ، فإن‌

____________________

(١ و ٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢ - ٣٣.

(٣) أي : شغل الذمّة.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٩.

١٤٩

اختار تملّكهما ، عُتق عليه أربعة أخماسهما ، وقوّم الباقي عليه إن كان موسراً ، وإن كان معسراً ، رقّ الباقي ، وإن لم يختر(١) التملّك ، كان أربعة الأخماس لمصالح المسلمين وخُمْسه لأهل الخُمْس(٢) .

قال : ولو أنّ حربيّاً باع من المسلمين امرأته وقد قهرها ، جاز. ولو باع أباه أو ابنه بعد قهرهما ، لم يجز ؛ لأنّه إذا قهر زوجته ، ملكها ، فيصحّ بيعها ، وإذا قهر أباه أو ابنه ، ملكه فعُتق عليه فلا يجوز بيعه(٣) .

ولو أعتق بعض الغانمين عبداً من الغنيمة قبل القسمة ، فإن كان ممّن لم يثبت فيه الرقّ ، كالرجل قبل استرقاقه ، لم يُعتق ؛ لأنّهعليه‌السلام قال : « لا عتق إلّا في ملك »(٤) وإن كان ممّن يملك، كالصبي والمرأة ، فالوجه عندنا أنّه يُعتق عليه قدر حصّته ويسري إلى الباقي ، فيقوّم عليه ، ويطرح باقي القيمة في المغنم.

هذا إذا كان موسراً ، وإن كان معسراً ، عُتق عليه قدر نصيبه ؛ لأنّه موسر بقدر حصّته من الغنيمة ، فإن كان بقدر حصّته من الغنيمة ، عُتق ولم يأخذ من الغنيمة شيئاً ، وإن كان دون حصّته(٥) ، أخذ باقي نصيبه ، وإن كان أكثر ، عُتق قدر نصيبه.

ولو أعتق عبداً آخر وفضل من حقّه عن الأوّل شي‌ء ، عُتق بقدره من‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : لم يتخيّر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٦ - ٤٤٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٩.

(٣) لم نعثر عليه في المصادر المتوفّرة لدينا.

(٤) سنن أبي داوُد ٢ : ٢٥٨ / ٢١٩٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٨٦ / ١١٨١ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٢٠ ، سنن سعيد بن منصور ١ : ٢٥٣ / ١٠٢٧ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٤١٩ بتفاوت يسير.

(٥) في « ق ، ك» : « حقّه » بدل « حصّته ».

١٥٠

الثاني ، وإن لم يفضل شي‌ء ، كان عتق الثاني باطلاً.

مسألة ٩٣ : ليس للغانم وطء جارية المغنم قبل القسمة ، فإن وطئ عالماً بالتحريم ، حُدّ بقدر نصيب غيره من الغانمين قلّوا أو كثروا ، وبه قال مالك وأبو ثور والشافعي في القديم(١) .

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد : لا حدّ ؛ للشبهة(٢) .

قال الشافعي : بل يعزّر ، ولا ينفذ الاستيلاد في نصيبه. وإن قلنا : يملك ، ففي نفوذه للشافعيّة وجهان ؛ لضعف الملك(٣) .

وقيل : إن قلنا : يملك ، نفذ ، وإن قلنا : لا يملك ، فوجهان ، كاستيلاد الأب جارية الابن ، فإن نفذ في نصيبه وهو موسر بما يخصّه من الغنيمة أو بغيره ، سرى ، والولد جميعه حُرُّ ، وفي وجوب قيمة حصّة غيره من الولد إشكال ينشأ من أنّه ينتقل الملك إليه قبل العلوق أو بعده؟

وأمّا الحدّ : فلا يجب ، والمهر يجب جميعه إن قلنا : لا ملك له ، ويوضع في المغنم ، وإن قلنا : يملك ، حُطّ عنه قدر حصّته(٤) .

____________________

(١) المغني ١٠ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٤.

(٢) الاُمّ ٤ : ٢٦٩ - ٢٧٠ ، مختصر المزني : ٢٧٤ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٥ ، الوجيز ٢ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٢ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٠ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٢ ، المغني ١٠ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢١.

(٣ و ٤) الوجيز ٢ : ١٩٣ ، وانظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٩ وما بعدها ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٦٤ وما بعدها ، والحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٥ وما بعدها.

١٥١

ولو وطئها جاهلاً بالتحريم ، فلا حدّ إجماعاً ؛ لأنّ الشركة شبهة ، وهو غير عالم.

وأمّا المهر : فقال الشيخ : لا يجب عليه المهر ، لعدم الدلالة على شغل الذمّة به(١) .

وقال الشافعي : يجب عليه ؛ لأنّه وطئ(٢) في غير ملكٍ سقط فيه الحدّ عن الواطئ ، فيجب المهر ، كوطىء الأب جارية ابنه(٣) .

ولو أوجبنا المهر ثمّ قسّمت الغنيمة فحصلت الجارية في نصيبه ، لم يسقط ؛ لأنّه وجب بالوطىء السابق.

ولو أحبلها ، قال الشيخرحمه‌الله : يكون حكم ولدها حكمها ، فيكون له منه بقدر نصيبه من الغنيمة ، ويقوّم بقيّة سهم الغانمين عليه ، ويلزمه سهم الغانمين ، وينظر فإن كانت القيمة قدر حقّه ، فقد استوفى حقّه ، وإن كان أقلّ ، اُعطي تمام حقّه ، وإن كان أكثر ، ردّ الفضل ، ويلحق به الولد لحوقاً صحيحاً ؛ لأنّه شبهة ، وتكون الجارية اُمَّ ولده(٤) . وبه قال الشافعي وأحمد(٥) .

وقال أبو حنيفة : يكون الولد رقيقاً ولا يلحق نسبه ؛ لأنّ وطئه لم يصادف‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢.

(٢) في « ق » : وطؤٌ.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٤ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧١ ، المغني ١٠ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢١.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢.

(٥) مختصر المزني : ٢٧٤ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٦ و ٢٣٧ ، الوجيز ٢ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٢ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٦ ، المغني ١٠ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢١.

١٥٢

ملكاً ؛ لأنّ الغانم يملك بالقسمة(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ ملكهم(٢) يتحقّق بالاستيلاء ، فلهُمْ نصيبٌ.

قال الشيخرحمه‌الله : هذه الجارية تصير اُمّ ولده في الحال(٣) . وبه قال أحمد(٤) .

وقال الشافعي : لا تصير اُمّ ولد في الحال ، لأنّها ليست ملكاً له ، فإذا ملكها بعد ذلك ، ففي صيرورتها اُمّ ولد قولان(٥) .

فعلى قول الشيخرحمه‌الله تُقوّم الجارية عليه ، ويغرم سهم الغانمين(٦) . وبه قال أحمد(٧) . وللشافعي قولان(٨) .

قال الشيخرحمه‌الله : إذا وضعت ، نُظر فإن كانت قُوّمت عليه قبل الوضع ، فلا يُقوّم عليه الولد ؛ لأنّ الولد إنّما يُقوّم إذا وَضَعَتْ وفي هذه الحال وَضَعَتْه في ملكه ، وإن كانت بعدُ لم تُقوّم عليه ، قُوّمت هي والولد معاً بعد الوضع ، واُسقط منه نصيبه ، واُغرم الباقي للغانمين(٩) ؛ لأنّه منع من رقّه ؛ لشبهةٍ بالوطىء.

____________________

(١) بدائع الصنائع ٧ : ١٢٢ ، المغني ١٠ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٦ و ٢٣٧.

(٢) أي : ملك الغانمين.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢.

(٤) المغني ١٠ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٠ و ٤٤١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٤ ، المغني ١٠ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٢.

(٦) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢.

(٧) المغني ١٠ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٢.

(٨) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٧ و ٢٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤١ و ٤٤٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٦.

(٩) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢.

١٥٣

وعن أحمد روايتان :

إحداهما : أنّه تلزمه قيمته حين الوضع تُطرح في المغنم ؛ لأنّه فوّت رقّه ، فأشبه ولد المغرور.

والثانية : لا ضمان عليه بقيمته ؛ لأنّه ملكها حين علِقَتْ ، ولم يثبت ملك الغانمين في الولد بحال ، فأشبه ولد الأب من جارية ابنه إذا وطئها ، ولأنّه يُعتق حين علوقه ولا قيمة له حينئذٍ(١) .

والحقّ ما قاله الشيخ ؛ لأنّها قبل التقويم ملك الغانمين. ونمنع عتقه من حين علوقه ، وبعد التقويم ولدت على ملكه ، فكان الولد له ، ولا قيمة عليه للغانمين.

ولو وطئها وهو معسر ، قال الشيخرحمه‌الله : تُقوّم عليه مع ولدها ، ويستسعى في نصيب الباقين ، فإن لم يسع في ذلك ، كان له من الجارية مقدار نصيبه والباقي للغانمين ، ويكون الولد حُرّاً بمقدار نصيبه ، والباقي يكون مملوكاً لهم ، والجارية اُمّ ولد وإن ملكها فيما بعدُ(٢) .

وقال بعض العامّة : إذا وطئها وهو معسر ، كان في ذمّته قيمتها وتصير اُمَّ ولد ؛ لأنّه استيلاد جعل بعضها اُمّ ولد ، فجعل جميعها اُمّ ولد ، كاستيلاد جارية الابن(٣) .

وقال آخرون : يحسب عليه قدر حصّته من الغنيمة ، ويصير ذلك المقدار اُمَّ ولد ، والباقي رقيق للغانمين(٤) .

____________________

(١) المغني ١٠ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٣.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢.

(٣ و ٤) المغني ١٠ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٢.

١٥٤

ولو وطئ الأب جاريةً من المغنم وليس له نصيب فيها بل لولده ، كان الحكم فيه كما لو وطىء الابن.

البحث الثاني : في الاُسارى.

مسألة ٩٤ : الاُسارى ضربان : ذكور وإناث ، والذكور إمّا بالغون أو أطفال ، وهُمْ مَنْ لم يبلغ خمس عشرة سنة.

فالنساء والأطفال يُملكون بالسبي ، ولا يجوز قتلهم إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن قتل النساء والولدان(١) . ويكون حكمهم مع السبي حكم سائر أموال الغنيمة : الخُمْس لأهله ، والباقي للغانمين.

ولو أشكل أمر الصبي في البلوغ وعدمه ، اعتبر بالإنبات ، فإن أنبت الشعر الخشن على عانته ، حُكم ببلوغه ، وإن لم ينبت ذلك ، جُعل من جملة الذرّيّة ؛ لأنّ سعد بن معاذ حكم في بني قريظة بهذا ، وأجازه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

ومن طريق الخاصّة : رواية الباقرعليه‌السلام ، قال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عرضهم يومئذٍ على العانات ، فمَنْ وجده أنبت قَتَله ، ومَنْ لم يجده أنبت ألحقَه بالذراري »(٣) .

وأمّا البالغون الأحرار : فإن اُسروا قبل تقضّي الحرب وانقضاء القتال ، لم يجز إبقاؤهم بفداء ولا بغيره ، ولا استرقاقهم ، بل يتخيّر الإمام بين قتلهم‌

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٥٤ / ٢٦٧٢ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٣٩ / ٢٦٢٦ و ٢٦٢٧ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٥ : ٢٠٢ / ٩٣٨٤ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٩ : ٧٥ / ١٥٠.

(٢) شرح معاني الآثار ٣ : ٢١٦ ، المغني ٤ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٧ ، وانظر : سنن البيهقي ٦ : ٥٨.

(٣) التهذيب ٦ : ١٧٣ / ٣٣٩.

١٥٥

وبين قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف فيتركهم حتى ينزفوا بالدم ويموتوا.

وإن اُسروا بعد أن وضعت الحرب أوزارها وانقضى القتال ، لم يجز قتلهم ، ويتخيّر الإمام بين أن يمنّ عليهم فيطلقهم ، وبين أن يفاديهم على مالٍ ويدفعونه إليه ، ويخلص به رقابهم من العبوديّة ، وبين أن يسترقّهم ويستعبدهم. ذهب إليه علماؤنا أجمع.

وقال الشافعي : يتخيّر الإمام بين أربعة أشياء : أن يقتلهم صبراً بضرب الرقبة ، لا بالتحريق ولا بالتغريق ، ولا يمثّل بهم ، أو يمنّ عليهم بتخلية سبيلهم ، أو يفاديهم بالرجال أو بالمال على ما يراه من المصلحة لا على اختيار الشهوة ، أو يسترقّهم ، ويكون مال الفداء ورقابُهم إذا استُرقّوا كسائر أموال الغنيمة(١) . وهو رواية عن أحمد(٢) ، ولم يفرّقوا بين أن يستأسروا قبل انقضاء القتال أو بعده.

وقال أبو حنيفة : ليس له المنّ والفداء ، بل يتخيّر بين القتل والاسترقاق لا غير(٣) .

وقال أبو يوسف : لا يجوز المنّ ، ويجوز الفداء بالرجال دون الأموال(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٨ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٠ - ٤٥١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٣ ، الأحكام السلطانية - للماوردي - : ١٣١ ، المغني ١٠ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٩.

(٢) المغني ١٠ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٨ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٢٧ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٢.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠١ - ٣٠٢ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٩ - ١٢٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤١ - ١٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٧٣ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٤ ، الأحكام السلطانية - للماوردي - : ١٣١ ، المغني ١٠ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٩.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٢ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٩ - ١٢٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤١ - ١٤٢.

١٥٦

وقال مالك : يتخيّر بين القتل والاسترقاق والفداء بالرجال دون المال(١) . وهو رواية عن أحمد(٢) ، وبه قال الأوزاعي وأبو ثور(٣) .

وفي رواية عن مالك : لا يجوز المنّ بغير فداء(٤) .

وحكي عن الحسن البصري وعطاء وسعيد بن جبير كراهة قتل الاُسارى(٥) .

لنا : قوله تعالى :( فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً ) (٦) .

وقتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بَدْر عقبة بن أبي مُعيط والنضر بن الحارث(٧) .

وروى العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قَتَل عقبة صبراً(٨) . وقَتَل أبا عزّة يوم اُحد(٩) . ومَنَّ على ثمامة بن أثال(١٠) . وقال في اُسارى بَدْر : « لو كان مُطعم ابن عَدي حيّاً ثمّ سألني في هؤلاء النتنى(١١) لأطلقتهم له »(١٢) وفادى اُسارى‌

____________________

(١) الأحكام السلطانيّة - للماوردي - : ١٣١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠.

(٢ - ٥) المغني ١٠ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٩.

(٦) سورة محمد : ٤.

(٧) الحاوي الكبير ١٤ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠ ، المغني ١٠ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٠.

(٨) المغني ١٠ : ٣٩٤.

(٩) سنن البيهقي ٩ : ٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠ ، المغني ١٠ : ٣٩٤.

(١٠) سنن البيهقي ٦ : ٣١٩ ، و ٩ : ٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠ ، المغني ١٠ : ٣٩٤.

(١١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « السبي » بدل « النَتْنى ». وما أثبتناه من المصادر. وفي النهاية - لابن الأثير - ٥ : ١٤ « نتن » : النَتْنى يعني اُسارى بَدْر ، واحدهم نَتِنُ ، كزَمِنٍ وزَمْنى ، سمّاهم نَتْنى ؛ لكفرهم. انتهى.

(١٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٦١ / ٢٦٨٩ ، سنن البيهقي ٦ : ٣١٩ ، مسند أحمد ٥ : ٣٥ / ١٦٢٩١ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٢ : ١١٧ / ١٥٠٥ ، المغني ١٠ : ٣٩٤.

١٥٧

بَدْر - وكانوا ثلاثةً وسبعين رجلاً - كلّ واحد بأربعمائة(١) . وفادى رجلاً أسره أصحابه برجلين أسرتهما ثقيف من أصحابه(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لم يقتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلاً صبراً قطّ غير رجل واحد عقبة بن أبي معيط ، وطعن ابن أبي خلف فمات بعد ذلك »(٣) .

ولأنّ كلّ خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح من غيرها في بعض الأسرى ، فإنّ ذا القوّة والنكاية في المسلمين قتله أنفع وبقاؤه أضرّ ، والضعيف ذا المال لا قدرة له على الحرب ، ففداؤه أصلح للمسلمين ، ومنهم مَنْ هو حسن الرأي في الإسلام ويرجى إسلامه ، فالمنّ عليه أولى أو يرجى بالمنّ عليه المنّ على الاُسارى من المسلمين(٤) ، أو يحصل بخدمته نفع ويؤمن ضرره ، كالصبيان والنساء ، فاسترقاقه أولى ، والإمام أعرف بهذه المصالح ، فكان النظر إليه في ذلك كلّه.

وأمّا الذي يدلّ على التفصيل : قول الصادقعليه‌السلام : « كان أبي يقول : إنّ للحرب حكمين : إذا كانت الحرب قائمةً لم تضع أوزارها ولم تضجر أهلها ، فكلّ أسير اُخذ في تلك الحال فإنّ الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه ، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم وتركه يتشحّط في دمه حتى يموت » إلى أن قال : « والحكم الآخر : إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها فكلّ أسير اُخذ على تلك الحال وكان في أيديهم فالإمام فيه‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٣٩٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠.

(٣) التهذيب ٦ : ١٧٣ / ٣٤٠.

(٤) في « ق ، ك» : على اُسارى المسلمين.

١٥٨

بالخيار إن شاء مَنَّ عليهم(١) ، وإن شاء فاداهم أنفسهم ، وإن شاء استعبدهم ، فصاروا عبيداً»(٢) .

احتجّ مالك بأنّه لا مصلحة في المنّ بغير عوض(٣) . وهو ممنوع.

واحتجّ عطاء بقوله تعالى :( فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً ) (٤) فخيّره بعد الأسر بين هذين لا غير(٥) .

وهو تخيير في الأسير بعد انقضاء الحرب.

واحتجّ أبو حنيفة : بقوله تعالى :( اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ )(٦) بعد قوله (فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً ) (٧) لأنّ آية المنّ نزلت بمكة وآية القتل نزلت بالمدينة في آخر سورة نزلت ، وهي براءة ، فيكون ناسخاً(٨) .

ونمنع النسخ ؛ فإنّ العامّ والخاصّ إذا تعارضاً ، عُمل بالعامّ في غير صورة الخاصّ.

وهذا التخيير ثابت في كلّ أصناف الكفّار ، سواء كانوا ممّن يُقّر على دينه بالجزية ، كأهل الكتاب ، أو لا ، كأهل الحرب - وبه قال الشافعي(٩) - لأنّ الحربيّ كافر أصلي ، فجاز استرقاقه كالكتابيّ ، ولأنّ حديث الصادق(١٠) عليه‌السلام

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « عليه » بدل « عليهم ». وما أثبتناه من المصادر.

(٢) الكافي ٥ : ٣٢ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٤٣ / ٢٤٥ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٣) المغني ١٠ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٩.

(٤) سورة محمد : ٤.

(٥) المغني ١٠ : ٣٩٣ - ٣٩٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٩.

(٦) التوبة : ٥.

(٧) سورة محمّد : ٤.

(٨) اُنظر : بدائع الصنائع ٧ : ١٢٠ ، والمغني ١٠ : ٣٩٤ ، والشرح الكبير ١٠ : ٣٩٩.

(٩) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٧ ، روضة الطالبين. ٧ : ٤٥١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٧٦ ، المغني ١٠ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٨.

(١٠) اُنظر الهامش (٢)

١٥٩

عامّ في كلّ أسير.

وقال الشيخرحمه‌الله : إن اُسر رجل بالغ ، فإن كان من أهل الكتاب أو ممّن له شبهة كتاب ، فالإمام مخيّر فيه على ما مضى بين الأشياء الثلاثة ، وإن كان من عَبَدة الأوثان ، تخيّر الإمام فيه بين المفادة والمنّ ، ويسقط الاسترقاق(١) . وبه قال أبو سعيد الاصطخري(٢) . وعن أحمد روايتان(٣) .

وقال أبو حنيفة : يجوز في العجم دون العرب(٤) . وهو قول الشافعي في القديم(٥) .

واحتجّ الشيخرحمه‌الله بأنّه لا يجوز له إقرارهم بالجزية ، فلا يجوز له إقرارهم بالاسترقاق.

ونمنع الملازمة ، ويبطل بالنساء والصبيان ، فإنّهم يسترقّون ولا يُقرّون بالجزية.

وهذا التخيير تخيير مصلحة واجتهاد لا تخيير شهوة ، فمتى رأى الإمام المصلحة في خصلة من هذه الخصال ، تعيّنت عليه ، ولم يجز العدول عنها ، ولو تساوت المصالح ، تخيّر تخيير شهوة.

وقال مالك : القتل أولى(٦) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٠.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ١٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠.

(٣) المغني ١٠ : ٣٩٣ و ٣٩٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٨.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٢ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٩ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ١١٧ - ١١٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٦٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٧٦ ، المغني ١٠ : ٣٩٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥١.

(٦) المغني ١٠ : ٣٩٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٠.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282