• البداية
  • السابق
  • 86 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23576 / تحميل: 6014
الحجم الحجم الحجم
أضواء علي التقيّة

أضواء علي التقيّة

مؤلف:
الناشر: دليل ما
العربية

كريم الأصل، شريف الفضل، فاضل القبيلة، تقي العشيرة، زكي الركانة (1) ، مؤدي الأمانة من بني هاشم، وابن عم النبي صلى الله عليه وآله.

الإمام المهدي الرشاد، مجانب الفساد، الأشعث الحاتِم (2) ، البطل الجماجم (3) ، والليث المزاحم.

بدري، مكي، حنفي، روحاني، شعشعاني، من الجبال شواهقها، ومن ذي الهضاب رؤوسها، ومن العرب سيدها، من الوغاء ليثها.

البطل الهمام، والليث المقدام، والبدر التمام، محكّ المؤمنين، ووارث المشعرين، وأبو سبطين، الحسن والحسين.

والله أمير المؤمنين حقّاً حقّاً علي بن أبي طالب عليه من الله الصلوات الزكية والبركات السنية.

فلمّا سمع الحجّاج أمر بقطع رأسه رضوان الله عليه (4) .

هؤلاء باقة من الأبرار والشهداء الأحرار، وهم نماذج حيّة وأمثلة صادقة من تضحيات الشيعة، على مدّ التاريخ وتفانيهم في سبيل الدين والشريعة.. ممّن أعلنوا الحق، ونادوا بالحقيقة، بلا مداراة ولا تقيّة، حيث رأوا انّ احقاق الحق وابطال الباطل كامن في تضحيتهم، وأن مقتضى الدين وخصوصية المورد يدعو الى صراحتهم.

وهناك العشرات بل المئات من عظماء الشيعة سلكوا هذا الطريق ممّن تلاحظ جهادهم وجهودهم من كتاب شهداء الفضيلة لشيخنا العلّامة الأميني أعلى الله مقامه.

__________________

1. الركانة: الوقار.

2. الحاتم: القاضي.

3. الجماجم: العظماء.

4. معجم رجال الحديث: 15 / 89.

٢١

ممّا لا يترك أدنى شبهة في بطلان كلام الخصم فيما نسبه إلى الشيعة في مسألة التقيّة.

وماذا يرد أو يجيب الخصم في الخطاب الصارم الذي قرع به قنبر الشيعي الشجاع وصكّ مسامع ذلك الطاعن السفّاك، الحجّاج بن يوسف الثقفي، هل هو تقيّة أم تضحية؟!

والمسألة في التقيّة واضحة، والحقيقة فيها أوضح من الشمس، وأبين من الأمس بحيث يدركه الوجدان، ويراه كل شخص بالعيان.

لكن لأجل التشكيك التجاهلي من الخصم في الواضحات، والالتواء عن الحقيقة في البديهيّات، لابدّ من دراسات توضيحيّة، وبيان الأدلّة القطعيّة من الفريقين، للتجلّى صحّة التقيّة في البين.

فلنبين في البدء ما ادّعاه الخصم في التقيّة ثمت نجيب عنه ونوضح بطلان كلماته الادّعائيّة، ثمّ نستدل على حقيقة التقيّة وشرعيّتها، ونلقى الأضواء على تماميّتها وصحّتها بوجوه خمسة:

1 - الكتاب الكريم.

2 - السنّة النبويّة.

3 - سيرة صالحي الصحابة.

4 - أقوال فقهاء المذاهب وأفعالهم.

5 - حكم العقل والفطرة.

ومن الله التوفيق، ومنه العون انه خير ناصر ومعين.

٢٢

دعوى الخصم

هرّجوا على الشيعة الأبرار بأنّ التقيّة نفاق، كما طعن بذلك تعبيراً عن حقده الدفين ابن تيميّة ومن حذا حذوره.

قال في منهاجه عند افتراءه الخبيث في تشبيه الشيعة باليهود:

ومثل استعمال التقيّة وأظهار الباطل خلاف ما يضمرون من العداوة، مشابهةً لليهود (1) .

يريد بذلك أنّ التقيّة نفاق وأن حكمها الحرمة.

الجواب الفصل

ان هذا باطل، موضوعاً وحكماً.

فليست التقيّة نفاقاً موضوعاً، وليس حكم التقيّة حكم النفاق أي الحرمة شرعاً، وذلك لما يلي بيانه، ويلزم معرفته، فنقول:

1 - موضوع التقيّة

التقيّة في مفهومها الموضوعي هي: المداراة مع من يُخاف من سطوته، حذراً من غوائله وضرره، كما يشهد بذلك قوله تعالى: ( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) (2) أي تخافون منهم.

__________________

1. منهاج السنّة: ج 1، ص 9.

2. سورة آل عمران، الآية 28.

٢٣

بينما معنى النفاق هو: التظاهر بالحق مع إنطواء القلب على الباطل.

كما يشهد به قوله تعالى في توصيف المنافقين: ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) (1) .

كانوا يبطنون الكفر ويتظاهرون بالايمان.

وكذا قوله تعالى: ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) (2) .

كانوا يشهدون بالرسالة وقلبهم منطو على الجحود نفاقاً منهم.

فالمنافق يتظاهر بالايمان وقلبه مضمر للكفر، كما يشهد به قوله تعالى: ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ) (3) .

بينما المؤمن على العكس يتظاهر بمداراة العدو خوفاً، وقلبه منطو على الحق، كما صرّحت بذلك قضيّة عمّار بن ياسر ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ ) - أي على الكفر - ( وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) (4) .

فنلاحظ بوضوع ان موضوع التقيّة في منطق القرآن - وهو ال ميزان الحق - يغاير موضوع النفاق.

فالتقيّة في مفهومها الحقيقي هي المداراة مع الخصم خوفاً وتحذّراً فليست هي نفاقاً أو ضلالة.

__________________

1. سورة البقرة، الآية 14.

2. سورة المنافقون، الآية 1.

3. سورة التوبة، الآية 64.

4. سورة النحل، الآية 106.

٢٤

هذا، ولم نجد نصّاً واحداً في اللغة العربيّة تفسّر التقيّة بالنفاق، بل كلّ ما هنا لك من معاجم اللغة من الفريقين هو تفسيرها بالتحذّر والتحفّظ والتخوّف.

قال في مجمع البحرين (1) : قال تعالى: وإلّا أن تتّقوا منهم تقاة.. أي إتقاء مخافة القتل... والتقيّة والتقاة اسمان موضوعان موضع الاتقاء.

وقال في مرآة الأنوار (2) : إتقيت الشي تقيّة وتقاة: حذرته.

وقال في لسان العرب (3) : اتقيت الشيء، وتقيته، واتقيه واتقيت الشيء: حذرته.

وفي نهاية الأثيريّة (4) : توقّى واتّقى بمعنى، وفي حديث معاذ: توقّ كرائم أموالهم.. أي تجنّبها ولا تأخذها في الصدقة.

ومنه الحديث «تبقّه وتوقّه» أي استبق نفسك ولا تعرضها للتلف ولا تعرضها للآفات.

وفي المعجم الوسيط (5) : التقيّة: الخوف والحذر.

وعلى الجملة، يظهر بوضوح أنّ التقيّة في مفهومها الموضوعي من لغة العرب واستعمالهم ليست من النفاق في شيء، بل تنطبق هذه الكلمة على مفهوم المداراة. ومن البديهي أنه لا علاقة ولا مشابهة ولا أدنى مناسبة بين المداراة وبين النفاق الذي افتراه ابن تيميّة وشبّه به الشيعة باليهود الذين هو أولى بملتهم وبغضهم وعدائهم لآل الرسول صلى الله عليه وآله.

2 - حكم التقيّة

ممّا يشهد باختلاف موضوع التقيّة عن النفاق إختلاف حكمهما.

__________________

1. معجم البحرين: ص 96.

2. مرآة الأنوار: ص 223.

3. لسان العرب: ج 15، ص 402.

4. النهاية: ج 5، ص 217.

5. المعجم الوسيط (اللغة العصرية): ج 2، ص 1052.

٢٥

فقد اُجيزت التقيّة في كتاب الله تعالى بقوله: ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ ) (1) .

بينما النفاق وعد عليه الدرك الأسفل من النار في آية: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) (2) .

بل قام على جواز التقيّة الأدلّة الأربعة، وحسّنها العقل، وغُرزت في الفطرة.

بل قضى بوجوبها في بعض الموارد متظافر الأدلّة كما سيأتي.

فكيف يُقاس حكم التقيّة بحكم النفاق؟!

وكيف يُطعن بالتقيّة على الشيعة وهي مباحة عند السنّة أيضاً وفي صحاحهم ومسانيدهم؟!

وكيف تستنكر التقيّة وهي موجودة عند علمائهم وفي سيرتهم؟!

وكيف تلصق التقيّة بخصوص الشيعة وهي واردة في مقالات أعلامهم؟!

هذا ما سنستعرض له تفصيلاً، ليستبصر به المصنف النبيل، ويعرف أنه لا مجال ولا احتمال لما بهتوا به الشيعة، وشنّعوا على الشريعة من استعمال النفاق أو الخداع.

ولنعم ما قال الدكتور السماوي في دراسة تحليليّة منه للتقيّة في كتابه مع الصادقين (3) : قال بعد ما ذكر أدلّة الجواز ما نصّه:

فلا مبرّر لأهل السنة والجماعة في التشنيع والإنكار على الشيعة من أجل عقيدة يقولون بها هم أنفسهم ويروونها في صحاحهم ومسانيدهم بأنّها جائزة بل واجبة، ولم يزد الشيعة على ما قاله أهل السنّة شيئاً، سوى أنّهم اشتهروا بالعمل بها أكثر من غيرهم لما لاقوه من الأمويين والعباسيين من ظلم واضطهاد.

__________________

1. سورة النحل، الآية 106.

2. سورة النساء، الآية 145.

3. مع الصادقين: ص 187، نقلناه بطوله لفائدته.

٢٦

فكان يكفي في تلك العصور أن يقال: هذا رجلُ يتشيّع لأهل البيت ليلاقي حتفه ويُقتل شرّ قتله على يد أعداء أهل البيت النبوي.

فكان لابدّ لهم من العمل بالتقيّة اقتداء بما أشار عليهم أئمّة أهل البيت عليهم السلام، فقد رُوي عن الامام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: «التقيّة ديني ودين آبائي» وقال: «من لا تقيّة له لا دين له» وقد كانت التقيّة شعاراً لأئمّة أهل البيت أنفسهم دفعاً للضرر عنهم وعن أتباعهم ومحبّيهم، وحقناً لدمائهم، واستصلاحاً لحال المسلمين الذين فُتنوا في دينهم كما فُتن عمّار بن ياسر رضي الله عنه وحتّى أكثر.

أمّا أهل السنّة والجماعة؛ فقد كانوا بعيدين عن ذلك البلاء؛ لأنّهم كانوا في معظم عهودهم على وفاق تام مع الحكّام فلم يتعرّضوا لا لقتلٍ ولا لنهبٍ ولا لظلم، فكان من الطبيعي جدّاً أن ينكروا التقيّة ويشنّعون على العاملين بها وقد لعب الحكّام من بني أُميّة وبين العبّاس دوراً كبيراً في التشهير بالشيعة من أجل التقيّة.

وبما أنّ الله سبحانه أنزل فيها قرآناً يُتلى وأحكاماً تُقضى، وبما أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عمل هو نفسه بها كما - مرّ عليك في صحيح البخاري - وأنّه أجاز لعمّار بن ياسر أن يسبّه ويكفر إذا عاوده الكفّار بالتعذيب، وبما أنّ علماء المسلمين أجازوا ذلك إقتداء بكتاب الله وسنّة رسوله، فأي تشنيع وأي استنكارٍ بعد هذا يصحّ أن يوجّه إلى الشيعة؟!

وقد عمل بالتقيّة الصحابة الكرام في عهد الحكّام الظالمين أمثال معاوية الذي كان يقتل كلّ من امتنع عن لعن علي بن أبي طالب عليه السلام.

وقصة حجر بن عدي الكندي وأصحابه مشهورة، وأمثال يزيد وابن زياد والحجّاج وعبد الملك بن مروان.. وأضرابهم، ولو شئت جمع الشواهد على عمل الصحابة بالتقيّة لاستوجب كتاباً كاملاً، ولكن ما أوردته من أدلّة أهل السنّة والجماعة كاف بحمد الله.

ولا أترك هذه الفرصة تفوت لأروي قصّة طريفة وقعت لي شخصيّاً مع عالم من علماء أهل السنّة إلتقينا في الطائرة وكنا مدعوّين لحضور مؤتمر إسلامي في بريطانيا،

٢٧

وتحادثنا خلال ساعتين عن الشيعة والسنّة، وكان من دعاة الوحدة، وأعجبت به غير أنّه ساءني قوله بأنّ على الشيعة الآن أن تترك بعض المعتقدات التي تُسبّب إختلاف المسلمين والطعن على بعضهم البعض، وسألته مثل ماذا؟

وأجاب على الفور: مثل المتعة والتقيّة.

وحاولت جهدي إقناعه بأنّ المتعة هي زواج مشروع، والتقيّة رخصة من الله، ولكنّه أصرّ على رأيه ولم يقنعه قولي ولا أدلّتي، مدّعياً أن ما أوردته كلّه صحيح ولكن يجب تركه من أجل مصلحة أهم ألا وهي وحدة المسلمين.

واستغربت منه هذا المنطق الذي يأمر بترك أحكام الله من أجل وحدة المسلمين، وقلت له مجاملة: لو توقّفت وحدة المسلمين على هذا الأمر لكنت أوّل من أجاب.

ونزلنا من مكار لندن وكنت أمشي خلفه.

ولمّا تقدّمنا إلى شرطة المطار سُئل عن سبب قدومه إلى بريطانيا.

فأجابهم بأنّه جاء للمعالجة.

وادّعيت أنا بأنّي جئت لزيارة بعض أصدقائي.

ومررنا بسلام وبدون تعطيل إلى قاعة إستلام الحقائب، عند ذلك همست له: أرأيت كيف أنّ التقيّة صالحة في كلّ زمان؟

قال: كيف؟

قلت: لأنّنا كذبنا على الشرطة، أنا بقولي جئت لزيارة أصدقائي، وأنت بقولك جئت للعلاج، في حين أنّنا قدمنا للمؤتمر.

ابتسم وعرف بأنّه كذب على مسمع منّي! فقال: أليس في المؤتمرات الاسلاميّة علاج لنفوسنا؟

ضحكت قائلاً: أو ليس فيها زيارة لاخواننا؟

وعلى الجملة؛ ركيزة الكلام والذي يهمّ في المقام، ليتّضح الحق الناطق، وينبلج الصبح الصادق هو ذكر الأدلّة الكاملة في شرعيّة التقيّة، والوجوه الخمسة النقيّة فيها.

٢٨

التقيّة في القرآن الكريم

هناك آيات كريمة من الكتاب المجيد مبيحة للتقيّة، حتّى بتصريح مجامع العامّة وتفاسيرهم، منها:

1 - قوله تعالى: ( مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (1) .

ذكرها البخاري في باب خاص، وقال في عنوانه: (باب قوله: إلّا من اُكره وقلبه مطمئن بالايمان وهي التقيّة) (2) .

وقال القسطلاني في شرحه: إنّها - أي التقيّة - ثابتة إلى يوم القيامة، لا تختصّ بعهد النبي صلّى الله عليه [وآله - وسلّم] (3) .

وقال الفخر الرازي عند تفسير هذه الآية الشريفة:

إنّ عمّاراً أعطاهم ما أرادوا بلسانه مُكرهاً.

فقيل: يا رسول الله! إنّ عمّاراً كفر.

فقال: «كلّا إنّ عمّاراً ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه، واختلط الايمان بلحمه ودمه.

فأتى عمّار رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يبكي، فجعل رسول الله يمسح عينيه ويقول: مالك؟

إن عادوا لك فعد بما قلت» (4) .

__________________

1. سورة النحل (16): 106.

2. صحيح البخاري: ج 5، ص 52، ح 1.

3. إرشاد الساري: ج 8، ص 14.

4. التفسير الكبير: ج 20، ص 132.

٢٩

وقال السيوطي في تفسيره:

إنّ المشركين أخذوا عمّار بن ياسر، فعذّبوه حتّى قاربهم من بعض ما أرادوا، وسبّ النبي صلى الله عليه وآله وذكر الهتهم بخير.

قال صلى الله عليه وآله: «كيف تجد قلبك؟».

قال: مطمئناً بالايمان.

قال: «إن عادوا فعد».

وفي ذلك أنزل الله تعالى: ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) (1) .

وقال ابن عبد البرّ المالكي:

كان عمّار واُمّه سميّة ممّن عُذّب في الله، ثمّ أعطاهم عمّار ما أرادوا بلسانه، وقلبه مطمئن بالايمان، وهذا ممّا اجتمع عليه أهل التفسير) (2) .

هذا ما في تفاسير السنّة، وتلاحظ انها متّفقة على تقيّة عمّار، بصريح الكتاب، وتقرير النبي الأكرم له في مورد النزول.

ومثلها تفاسير الخاصّة فانّها مجمعة أيضاً رواية وتفسيراً في تقيّة عمّار، ومن ذلك الأحاديث التفسيريّة التي نجدها مجموعة في كنز الدقائق (3) ، عند ذكر الآية الشريفة مثل:

1 - حديث أبي بكر الحضرمي عن الامام الصادق عليه السلام قال: قال بعضنا: مدّ الرقاب أحبّ إليك أم البراءة من عليّ عليه السلام؟

قال: الرخصة أحبُّ إليّ؛ أما سمعت قول الله في عمّار ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ

__________________

1. الدرّ المنثور: ج 4، ص 132.

2. الاستيعاب: ج 3، ص 1136.

3. كنز الدقائق: ج 7، ص 271.. وغيره.

٣٠

بِالْإِيمَانِ ) (1) .

2 - حديث الحميري باسناده الى أبي عبد الله عليه السلام قال:

«إنّ التقيّة ترس المؤمن، ولا ايمان لمن لا تقيّة له!

قلت: جعلت فداك! أرأيت قول الله تبارك وتعالى: ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) ؟

قال: «وهل التقيّة إلّا هذا» (2) .

3 - عن ابن عبّاس: نزل قوله: ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) في جماعة أكرهوا: وعم عمّار، وياسر أبوه، وأُمّه سميّة، وصهيب، وبلال، وخبّاب.. عُذّبوا وقُتل أبو عمّار وأُمّه، فأعطاهم عمّار بلسانه ما أرادوا منه، ثمّ أخبر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله..

فقال: قومٌ: كفر عمّار.

فقال صلّى الله عليه وآله: «كلّا، إنّ عمّاراً ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه، واختلط الايمان بلحمه ودمه».

وجاء عمّار إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يبكي، فقال صلّى الله عليه وآله: «ما وراءك؟!»

قال: شرٌ - يا رسول الله - ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير.

فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح عينيه ويقول: «إن عادوا لك فعُد لهم بما قلت..» فنزلت الآية (3) .

__________________

1. تفسير العياشي: ج 2، ص 272.

2. قرب الاسناد: ص 35، ح 114.

3. مجمع البيان: ج 6، ص 597.

٣١

واعلم أنّ تقيّة عمّار وإن كانت من المشركين لكن تقيّة عمّار شأن نزول الآية وموردها، والمرد ليس مخصّصاً، فانّ الآية الشريفة عامة شاملة لكلّ تقيّة حتّى من المسلم، خصوصاً مع التعبير بكلمة (من) الموصولة التي هي عامّة شاملة، تشمل كلّ من اكره على شيء فارتكبه.

ثمّ إنّه اذا جازت التقيّة في اظهار الكفر بالله تعالى، واُبيجت لعمار فكيف بسائر الناس في سائر الأشياء دون الكفر بالله تعالى وعمّار ممّن ملئ ايماناً من قرنه إلى قدمه، واختلط الايمان بلحمه ودمه، وحرّم الله لحمه ودمه على النار، وروى فيه حتّى أهل السنّة ان «من عادى عمّاراً عاداه الله»، ومن أبغضه أبغضه الله، وإنّ الجنّة مشتاقة إليه (1) .

2 - قوله تعالى:

( لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) (2) .

فالآية الشريفة جوّزت التقيّة فيما هو من أبغض الأشياء إلى الله تعالى وهو اتّخاذ الكافرين أولياء وأحبّة (3) .

قال السيوطي في تفسيره:

__________________

1. سفينة البحار: ج 6، ص 507.

2. سورة آل عمران (3)، الآية 28.

3. في حديث الامام الصادق عليه السلام: (من أحبّ كافراً فقد أبغض الله، ومن أبغض كافراً فقد أحبّ الله). أطيب البيان: ج 3، ص 164.

وفي حديث الامام الرضا عليه السلام: (كن محبّاً لآل محمّد وإن كنت فاسقاً، وكن محبّاً لمحبّيهم وإن كانوا فاسقين).

قال العلّامة المجلسي: إنّ هذا الحديث موجود الآن بخط مولانا الامام الرضا عليه السلام في كروند باصفهان. أطيب البيان: ج 3، ص 165.

٣٢

أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله تعالى: ( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) قال: إلّا مصانعة في الدنيا ومخالفة.

وأخرج عبد بن حماد، عن الحسن قال: التقيّة جائزة إلى يوم القيامة (1) .

وقال الحاكم في المستدرك:

(التقة: التكلّم باللسان، والقلب مطمئن بالايمان، وذلك كما في قصّة عمّار وشتمه النبي، لخلاص نفسه) (2) .

وقال أبو بكر الرازي في تفسير الآية:

(يعني أن تخافوا تلف النفس أو بعض الأعضاء، فتتقوم باظهار الموالاة من غير اعتقاده لها.

وهذا هو ظاهر ما يقتضيه اللفظ، وعليه جمهور أهل العلم) (3) .

فتلاحظ تفسير الآية عند أهل السنّة بالتقيّة، وجوازها إلى يوم القيامة، ممّا يظهر عدم انحصارها بزمن خاص أو بواقعة خاصّة.

وهكذا تفسيرها عند الخاصّة هي مفسّرة بالتقيّة كما تلاحظ في مثل:

1 - حديث أمير المؤمنين عليه السلام: (وآمرك أن تستعمل التقيّة في دينك، فان الله يقول: ( لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) .

وإيّاكم ثمّ إيّاك أن تتعرّض للهلاك، وأن تترك التقيّة التي أمرتك بها، فانّك شائط بدمك ودم إخوانك، معرّضٌ لنعمك ولنعمهم للزوال، مذلٌّ لهم في أيدي أعداء الله، وقد أمرك

__________________

1. الدرّ المنثور: ج 2، ص 16.

2. المستدرك على الصحيحين: ج 2، ص 291.

3. أحكام القرآن: ج 2، ص 10.

٣٣

باعزازهم» (1) .

2 - حديث الامام الصادق عليه السلام قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: «لا ايمان لمن لا تقيّة له، فانّ الله يقول: ( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) (2) ».

3 - شيخ الطائفة الطوسي، قال: ( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) فالتقيّة الاظهار باللسان خلاف ما ينطوي عليه القلب للخوف على النفس إذا كان ما يبطنه هو الحق... والتقيّة عندنا واجبة عند الخوف على النفس، وقد روى رخصة في جواز الافصاح بالحق عندها (3) .

ومن أدلّة الكتاب على جواز التقيّة أيضاً قوله تعالى: ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) (4) حيث ان توصيفه بالايمان ومدحه بذلك مع بيان كتمان ايمانه ليس إلّا تقيّة من فرعون وطغيانه.

والذي يتخلّص من آي الكتاب أنّ القرآن الكريم الذي حكم على المنافق بالدرك الأسفل من النار هو بنفسه رخّص في التقيّة، وأجاز الاتقاء، فالتقيّة تكون جائزة بحكم كتاب الله تعالى.

__________________

1. تفسير كنز الدقائق: ج 3، ص 66.

2. تفسير العياشي: ج 1، ص 166.

3. تفسير التبيان: ج 2، ص 434.

4. سورة غافر (40)، الآية 28.

٣٤

التقيّة في السنّة النبويّة

هناك أحاديث عديدة تبيّن تقيّة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله حتّى من بعض المسلمين، كما في حديث البخاري الآتي.

ومن المعلوم أنّ فعله صلى الله عليه وآله دليل على الحليّة اقلا، بل مقتضٍ للاقتداء والتأسّي، لأنّه القدوة والأُسوة.

ومن ذلك ما في أحاديث أهل السنة مثل:

1 - ما أخرجه البخاري في صحيحه:

بسنده عن عائشة: أنّ رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وآله، فلمّا رآه قال: «بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة».

فلمّا جلس تطلّق النبي صلى الله عليه وآله في وجهه وانبسط إليه.

فلمّا انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله! حين رأيت الرجل قلت له: كذا وكذا، ثمّ تطلّقت في وجهه وانبسطت إليه (1) !!

__________________

1. لا يخفى أنّ هذا اعتراض من عائشة على رسول الله صلى الله عليه وآله - الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلّا وحي يوحى - وليس هذا الاعتراض منها أو قارورةٍ كُسرت في الاسلام، وإن شئت فلاحظ أحاديث تجاسرها على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في مثل:

أ) حديث أحمد بن حنبل في مسنده: ج 4، ص 271، عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبي فسمع صوت عائشة عالياً...

ب) حديث مالك بن أنس في الموطأ، باب صلاة الليل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة

٣٥

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «يا عائشة! متى عهدتني فحّاشاً؟»

إنّ شرّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتّقاء شرّه» (1) .

ولا يخفى انه بقرينة قوله «أخو العشيرة» في متن الحديث أوّلاً.

وبقرينة كون رواية الحديث من عائشة - التي دخل بها النبي صلى الله عليه وآله في المدينة التي كانت - بلد المسلمين ثانياً.

بهاتين القرينتين يستفاد أنّ تقيّة صلوات الله عليه وآله كانت من مسلم لا من المشركين، ممّا تدلّ على انّ التقيّة تكون عامة، وليست خاصّة بالتقية من المشرك أو في بلد الشرك. وجاء في كتاب بالاسرار انه كان ذلك عبد الله بن أبي سلول [الأسرار فيما كنى وعرف به الأشرار: ج 2، ص 18].

ومثل هذا الحديث بل أصرح منه ومصرّح بالمداراة التي هي التقيّة حديث الحافظ أبي نعيم في حلية الأولياء (2) قال ما نصّة:

حدّثنا أبو بكر بن خلّاد، حدّثنا الحارث بن أبي أُسامة، حدّثنا الخليل ابن زكريا، حدّثنا هشام الدستوائي، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال المرادي، قال: كنّا مع النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم - في سفر فأقبل رجل فيما نظر إليه رسول الله صلّى الله عليه و [آله] وسلّم قال: «بئس اخو العشيرة وبئس الرجل، فلمّأ دنا

__________________

أنها كانت تمدّ رجليها في قبلة رسول الله في صلاته.

ج) حديث النسائي في سننه، باب الغيرة والحسد أن صفية بنت عبد المطلب أهدت طعاماً إلى النبي فضربت عائشة على الاناء وكسرته.

د) حديث ابن ماجة في سننه، باب الحكم فيمن كسر شيئاً، روى أن حفصة سبقت عائشة فصنعت طعاماً للنبي فأكفئتها عائشة، فانكسرت القصعة، وانتشر الطعام.

1. صحيح البخاري: ج 7، ص 107، ح 6032، باب لم يكن النبي فاحشاً.

2. حلية الأولياء: ج 4، ص 191.

٣٦

منه أدنى مجلسه، فلمّا قام وذهب، قالوا: يا رسول الله! حين أبصرته، قلت: بئس أخو العشيرة وبئس الرجل ثم أدنيت مجلسه، فقال رسول الله صلّى الله عليه و [آله] وسلّم: «إنّه منافق اداريه عن نفاقه فأخشى أن يفسد على غيره» (1) .

2 - ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره:

قال عند قوله تعالى في سورة المائدة: ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

روى أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان أيّام إقامته بمكة يُهاجر ببعض القرآن ويخفى بعضه اشفاقاً على نفسه من تسرّع المشركين إليه وإلى أصحابه.

فلمّا أعزّ الله الاسلام وأيّده بالمؤمنين قال له: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) أي لا تراقبنّ أحداً (2) .

يستفاد من هذا الحديث انّه صلوات الله عليه وآله كان يتقى باخفاء بعض الآيات وعدم التجاهر به اشفاقاً من المشركين، ولو كانت التقيّة نفاقاً لما اتّقى صلّى الله عليه وآله حتّى من المشركين.

3 - ما رواه مسلم في صحيحه:

روى في أنّ الاسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بُدأ.

عن حذيفة... قال: قلنا: يا رسول الله! أتخاف علينا ونحن بين الستمائة والسبعمائة؟

قال صلى الله عليه وآله: «انّكم لا تدرون لعلّكم أن تُبتلوا».

قال حذيفة: فابتلينا حتى جعل الرجل منّا يصلّي سرّاً (3) .

هذا نزر يسير ممّا جاء من طرق العامّة.

__________________

1. حلية الأولياء: ج 4، ص 191.

2. تفسير الفخر الرازي: ج 12، ص 41.

3. صحيح مسلم، ج 1، ص 131، كتاب الايمان، باب الاستسرار بالايمان للخائف.

٣٧

وأمّا الأحاديث الواردة في تجويز التقيّة وفضيلتها من طرق الخاصّة؛ فهي فائقة على التواتر وقد اُشيد بها من قبل النبي الأكرم وجميع الأئمّة صلى الله عليه وآله بالتظافر، نختار جملة منها وهي:

1 - حديث عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «اتّقوا على دينكم فأحجبوه بالتقيّة؛ فانه لا إيمان لمن لا تقيّة له، إنّما أنتم في الناس كالنحل في الطير، لو أنّ الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شيء إلّا أكلته، ولو أنّ الناس علموا ما في أجوافكم أنّكم تحبّونا أهل البيت لأكلوكم بألسنتهم ولنحلوكم (1) في السرّ والعلانية، رحم الله عبداً منكم كان على ولايتنا» (2) .

2 - حديثحريز، عمّن أخبره، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّوجلّ: ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ) (3) قال: «التي هي أحسن التقيّة ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) (4) .

3 - حديث هشام الكندي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

«إيّاكم أن تعملوا عملاً يعيّرونّا به فإنّ ولد السوء يعيّر والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً ولا تكونوا عليه شيناً صلّوا في عشائركم (5) ، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير فأنتم أولى به منهم، والله ما عبد الله بشيء أحب إليه من الخبء».

__________________

1. يقال نحل فلاناً أي سابّه، وفي بعض النسخ: نجلوكم؛ من قولهم، نجل فلاناً: ضربه بمقدم رجله.

2. أُصول الكافي: ج 2، ص 218، ح 5.

3. سورة فصلت، الآية 34.

4. أُصول الكافي: ج 2، ص 218، ح 6.

5. أي عشائركم الذين فيهم المخالفين لكم في الدين.

٣٨

قلت: وما ألخبء؟ (1)

قال: «التقيّة» (2) .

4 - عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان أبي عليه السلام يقول: وأيّ شيءٍ أقرّ لعيني من التقيّة، إنّ التقيّة جنّة المؤمن» (3) .

5 - حديث محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدّم، فإذا بلغ الدّم فليس تقيّة» (4) .

6 - حديث حريزٍ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: «التقيّة ترس (5) الله بينه وبين خلقه» (6) .

7 - حديث إسماعيل الجعفي، ومعمّر بن يحيى بن سام، ومحمّد بن مسلم، وزرارة، قالوا: سمعنا أبا جعفرٍ عليه السلام يقول: «التقيّة في كلّ شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه الله له» (7) .

8 - الأحاديث الشريفة في تفسير الامام العسكري عليه السلام عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام منها ما جاي في الوسائل: مجموعاً في باب واحد (8) الأحاديث الآتية:

__________________

1. الخبء: من الخباء والستر.

2. أُصول الكافي: ج 2، ص 219، ح 11.

3. أُصول الكافي: ج 2، ص 219، ح 14.

4. أُصول الكافي: ج 2، ص 219، ح 19.

5. التُرس هو المعدن الذي يحمله المحارب يتقي به ضربات العدو، يسمى بالفارسية (سپر)، فالتقيّة تمنع من البلايا النازلة.

6. أُصول الكافي: ج 2، ص 219، ح 19.

7. أُصول الكافي: ج 2، ص 219، ح 18.

8. لاحظ وسائل الشيعة: ج 11، ص 473، الباب الثامن والعشرين.

٣٩

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «مثل مؤمنٍ لا تقيّة له كمثل جسدٍ لا رأس له...» إلى أن قال: «وكذلك المؤمن إذا جهل حقوق إخوانه فإنّه يفوّت ثواب حقوقهم فكان كالعطشان يحضره الماء البارد فلم يشرب حتّى طغا، وبمنزلة ذي الحواسّ الصّحيحة لم يستعمل شيئاً منها لدفع مكروهٍ ولا لانتفاع محبوبٍ، فإذا هو سليبٌ كلّ نعمةٍ مبتلىً بكلّ آفة».

9 - قال وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «التقيّة من أفضل أعمال المؤمن، يصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين، وقضاء حقوق الإخوان أشرف أعمال المتّقين، يستجلب مودّة الملائكة المقرّبين وشوق الحور العين».

10 - قال: وقال الحسن بن عليٍ عليهما السلام: «إن التقيّة يصلح الله بها أمّةً لصاحبها مثل ثواب أعمالهم فإن تركها أهلك أمّةً تاركها شريك من أهلكهم، وإن معرفة حقوق الإخوان يحبب إلى الرّحمن ويعظّم الزّلفى لدى الملك الدّيّان وإنّّ ترك قضائها يمقت إلى الرّحمن ويصغّر الرّتبة عند الكريم المنّان».

11 - قال: قال الحسين بن عليٍ عليهما السلام: «لو لا التقيّة ما عرف وليّنا من عدوّنا، ولو لا معرفة حقوق الإخوان ما عرف من السّيّئات شيءٌ إلّا عوقب على جميعها».

12 - قال: وقال عليُّ بن الحسين عليهما السلام: «يغفر الله للمؤمن كلّ ذنبٍ ويطهّره منه في الدّنيا والآخرة ما خلا ذنبين: ترك التقيّة، وتضييع حقوق الإخوان».

13 - قال: وقال محمّد بن عليٍ عليهما السلام: «أشرف أخلاق الأئمّة والفاضلين من شيعتنا استعمال التقيّة وأخذ النّفس بحقوق الإخوان».

14 - قال: وقال جعفر بن محمّدٍ عليهما السلام: «استعمال التّقيّة بصيانة الإخوان، فإن كان هو يحمي الخائف فهو من أشرف خصال الكرم.

والمعرفة بحقوق الإخوان من أفضل الصّدقات والزّكاة والحجّ والمجاهدات».

15 - قال: وقال موسى بن جعفرٍ عليهما السلام لرجلٍ: «لو جعل إليك التّمنّي في الدّنيا ما كنت تتمنّى؟!».

٤٠