أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين10%

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 378

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين
  • البداية
  • السابق
  • 378 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 165359 / تحميل: 9001
الحجم الحجم الحجم
أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الفصل العاشر

أم البنين وثورة عاشوراء

١٤١

أم البنين عليها‌السلام

ورحيل الحسين عليه‌السلام عن المدينة

لما دخل الامام الحسين عليه‌السلام على الوليد نعى اليه معاوية فاسترجع الامام.

قال له: لماذا دعوتني؟

قال: دعوتك للبيعة.

فطلب منه الامام تأجيل البيعة قائلاً: إنّ مثلي لا يبايع سراً ولا يجتزىء بها مني سراً، فاذا خرجت إلى الناس ودعوتهم للبيعة دعوتنا معهم كان الأمر واحداً...

لقد أراد الامام أن يعلن رأيه أمام الجماهير في رفضه البيعة ليزيد، وعرف مروان قصده فصاح بالوليد:

ولئن فارقك - يعني الحسين عليه‌السلام - الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، إحبسه فان بايع وإلّا ضربت عنقه.

ووثب أبي الضيم كالأسد فقال للوزغ ابن الوزغ:

يا ابن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو؟ كذبت والله ولؤمت (١) .

__________________

(١) تاريخ ابن الاثير ٣ / ٢٦٤.

١٤٢

وأقبل على الوليد فأخبره عن عزمه وتصميمه على رفضه الكامل للبيعة ليزيد قائلاً: أيّها الأمير إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، وقاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أينا أحقّ بالخلافة والبيعة... (١) .

وبعد ما أعلن الامام رفضه الكامل لبيعة الطاغية يزيد عزم على مغادرة يثرب (٢) .

روى عبد الله بن سنان الكوفي عن أبيه عن جدّه قال: خرجت بكتاب أهل الكوفة إلى الحسين عليه‌السلام ، وهو يومئذٍ بالمدينة، فأتيته فقرأه فعرف معناه فقال: انظرني إلى ثلاثة أيام، فبقيت في المدينة، ثم تبعته إلى أن صار عزمه بالتوجه إلى العراق، فقلت في نفسي: أمضي وأنظر إلى ملك الحجاز كيف يركب؟ وكيف جلالته وشأنه؟

فأتيت إلى باب داره فرأيت الخيل مسرجة والرجال واقفين والحسين عليه‌السلام جالس على كرسي وبنو هاشم حافون به، وهو بينهم كأنه البدر ليلة تمامه وكماله، ورأيت نحواً من أربعين محملاً، وقد زينت المحامل بملابس الحرير والديباج.

قال: فعند ذلك أمر الحسين عليه‌السلام بني هاشم بأن يركبوا محارمهم على المحامل، فبينما أنا انظر وإذا بشاب قد خرج من دار الحسين عليه‌السلام وهو طويل القامة ووجهه كالقمر الطالع، وهو يقول: تنحو يا بني هاشم، وإذا بامرأتين قد خرجتا من الدار وهما تجران أذيالهما على الأرض حياءً من الناس، وقد حفت بهما إماؤها، فتقدم ذلك الشاب إلى محمل من المحامل وجثى على ركبتيه وأخذ بعضديهما وأركبهما المحمل.

فسألت بعض الناس عنهما، فقيل: أما أحدهما فزينب والأخرى أم كلثوم بنتا أمير المؤمنين.

__________________

(١) حياة الامام الحسين ٢ / ٢٥٥.

(٢) السيدة زينب (للقرشي): ١٩١.

١٤٣

فقلت: ومن هذا الشاب؟

فقيل لي: هو قمر بني هاشم العباس ابن أمير المؤمنين.

ثم رأيت بنتين صغيرتين كأنّ الله - تعالى - لم يخلق مثلهما، فجعل واحدة مع زينب والأخرى مع أم كلثوم، فسألت عنهما، فقيل لي: هما سكينة وفاطمة بنتا الحسين عليه‌السلام .

ثم خرج غلام آخر كأنه البدر الطالع ومعه امرأة وقد حفت بها إماؤها، فأركبها ذلك الغلام المحمل، فسألت عنها وعن الغلام، فقيل لي: أما الغلام فهو علي الأكبر ابن الحسين عليه‌السلام والامرأة أمه ليلى زوجة الحسين عليه‌السلام .

ثم خرج غلام وجهه كفلقة القمر ومعه امرأة، فسألت عنها فقيل لي: أما الغلام فهو القاسم بن الحسن المجتبى والامرأة أمه.

ثم خرج شاب آخر وهو يقول: تنحوا عني يا بني هاشم، تنحو عن حرم أبي عبد الله، فتنحى عنه بنو هاشم، وإذا قد خرجت امرأة من الدار وعليها آثار الملوك وهي تمشي على سكينة ووقار، وقد حفت بها إماؤها، فسألت عنها، فقيل لي: أما الشاب فهو زين العابدين ابن الامام وأمّا الامرأة فهي أمه شاه زنان بنت الملك كسرى زوجة الامام، فأتى بها وأركبها على المحمل.

ثم أركبوا بقية الحرم والأطفال على المحامل، فلما تكاملوا نادى الامام عليه‌السلام :

أين أخي؟ أين كبش كتيبتي؟ أين قمر بني هاشم؟

فأجابه العباس: لبيك لبيك يا سيدي.

ففقال له الامام عليه‌السلام : قدّم لي يا أخي جوادي.

فأتى العباس عليه‌السلام بالجواد اليه، وقد حفت به بنو هاشم، فأخذ العباس بركاب الفرس حتى ركب الامام.

ثم ركب بنو هاشم وركب العباس وحمل الراية أمام الامام.

١٤٤

قال: فصاح أهل المدينة صيحة واحة وعلت أصوات بني هاشم بالبكاء والنحيب وقالوا: الوداع.. الوداع، الفراق.. الفراق.

فقال العباس: هذا والله يوم الفراق والملتقي يوم القيامة.

ثم صاروا قاصدين كربلاء مع عياله وجميع أولاده ذكوراً وإناثاً إلا ابنته فاطمة الصغرى، فانها كانت مريضة (١) .

وكأني بأم البنين عليها‌السلام تشهد هذا الموقف الذي تتألم له صم الصخور، وهي تودع ريحانة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحرمه وابناءها البررة، وتوصي أولادها بأخواتهم وسيدهم ومولاهم الحسين عليه‌السلام ، وتقول لهم: كونوا فداءً لسيدكم وكونوا له عيناً ودرعاً، واجعلوا قلوبكم دروعكم للدفاع عنه وعن حرمه، ولا تقصروا في الذبّ عنه، وبيضوا وجهي عند أمه وأبيه وجده وأخيه وعنده.

حوار بين أم البنين عليها‌السلام وبشير:

قال في «اللهوف»: قال الراوي: ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة قال بشير بن حذلم: فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين فحط رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال: يا بشر رحم الله أباك لقد كان شاعراً فهل تقدر على شيء منه؟

فقلت: بلى يا ابن رسول الله، إني لشاعر.

فقال عليه‌السلام : ادخل المدينة وانع أبا عبد الله.

قال بشير: فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة، فلما بلغت مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رفعت صوتي بالبكاء فأنشأت أقول:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قتل الحسين فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج

والرأس منه على القناة يدار

__________________

(١) معالي السبطين ١ / ٢٢١.

١٤٥

قال: ثم قلت: هذا علي بن الحسين عليه‌السلام مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم، وأنا رسوله اليكم أعرفكم مكانه.

قال: فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلّا برزن من خدورهن، مكشوفة شعورهن، مخمشة وجوههن، ضاربات خدودهن، يدعون بالويل والثبور، فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم، ولا يوماً أمرّ على المسلمين منه (١) .

قال بشير: ورأيت امرأة كبيرة تحمل على عاتقها طفلاً وهي تشق الصفوف نحوي، فلمّا وصلت قالت: يا هذا أخبرني عن سيدي الحسين عليه‌السلام ، فعلمت أنها ذاهلة؛ لأني أنادي «قتل الحسين» وهي تسألني عنه، فسألت عنها، فقيل لي: هذه أم البنين عليها‌السلام ، فأشففت عليها وخفت أن أخبرها بأولادها مرة واحدة.

فقلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك عبد الله.

فقالت: ما سألتك عن عبد الله، أخبرني عن الحسين عليه‌السلام .

قال: فقلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك عثمان.

فقالت: ما سألتك عن عثمان، أخبرني عن الحسين عليه‌السلام .

قلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك جعفر.

قالت: ما سألتك عن جعفر، فانّ ولدي وما أظلته السماء فداءً للحسين عليه‌السلام ، أخبرني عن الحسين عليه‌السلام .

قلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك أبي الفضل العباس.

قال بشير: لقد رأيتها وقد وضعت يديها على خاصرتها وسقط الطفل من على عاتقها وقالت: لقد والله قطعت نياط قلبي، أخبرني عن الحسين.

قال: فقلت لها: عظم الله لك الأجر بمصاب مولانا أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام .

__________________

(١) معالي السبطين ٢ / ٢٠٣.

١٤٦

ما أعظم موقفها عليها‌السلام وأعظم مصابها برزية الامام، مما يكشف عن مدى إيمانها ورسوخ اعتقادها وولاءها الوثيق وحبها الذي يوصف للحسين عليه‌السلام ، ولطالما كانت تقول: ليت أولادي جميعاً قتلوا وعاد أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام سالماً.

إنّ شدة حبها للحسين يكشف عن علو مرتبتها في الايمان وقوة معرفتها بمقام الامامة بحيث تستسهل شهادة أولادها الأربعة - وهم لا نظير لهم أبداً - في سبيل الدفاع عن إمام زمانها (١) .

قال السيد محمد كاظم الكفائي:

أم على أشبالها أربع

جاءت لبشر وبه تستعين

وتحمل الطفل على كتفها

تستهدي فيه خبر القادمين

ملهوفة مما بها من أسى

ترى بذاك الجمع شيئاً دفين

فقال يا أم ارجعي للخبا

وابكي بنيك قتلوا أجمعين

فما انئنت وما بكت أمهم

وخاب منه ظنه باليقين

كأنهم الطود وما زلزلت

وحق أن تجري لهم دمع عين

فقال يا أم البنين اعلمي

بأن عباساً قتيلاً طعين

قالت طعنت القلب مني فقل

النفس والدنيا وكل البنين

نمضي جميعاً كلنا للفنا

نكون قرباناً فدىً للحسين

فقال يا أم البنين البسي

ثوب حداد الحزن لا تنزعين (٢)

لقاء أم البنين عليها‌السلام مع زينب الكبرى عليها‌السلام :

كانت أم البنين عليها‌السلام من النساء الفاضلات العارفات بحقّ أهل البيت عليهم‌السلام مخلصة

__________________

(١) أنظر: تنقيح المقال ٣ / ٧٠.

(٢) أم البنين للسيد الكفائي: ٨٢.

١٤٧

في ولائهم ممحضة في مودتهم، ولها عندهم الجاء الوجيه والمحل الرفيع، وقد زادتها زينب الكبرى بعد وصولها المدينة تعزيها بأولادها الأربعة كما كانت تزورها أيام العيد (١) .

ويقال: لمّا دخل بشير إلى المدينة ناعياً الحسين عليه‌السلام وخرج الرجال والنساء وخرجت من جملتهن أم البنين، فلما سمعت بقتل الحسين عليه‌السلام خرّت مغشياً عليها، وحبى عائلة الحسين عليه‌السلام إلى المنازل، فقالت زينب عليها‌السلام : لا أريد أحداً يدخل عليّ في هذا اليوم إلّا من فقدت لها عزيزاً في كربلاء، وجلست في منزلها وجعلت فضة على الباب.

فلما أفاقت أم البنين عليها‌السلام من غشيتها سألت عن الحوراء زينب وعن العائلة فأخبروها بذلك، فبينما هنّ في البكاء والعويل وإذا بالباب تطرق.

فقالت فضة: من بالباب فانّ سيدتي زينب لا تريد أحداً يدخل عليها إلّا من فقدت لها عزيزاً في كربلاء.

فقالت: قولي لسيدتك زينب إنّي شريكتها في هذا العزاء وأريد أن أدخل عليها لأساعدها فاني مثلها في المصاب.

فلما أخبرت فضة زينب قالت: سليها من هي التي تكون مثلي في المصاب، ثم قالت: إن صدق ظني فانها أم البنين عليها‌السلام .

فرجعت فضة وقالت لها: تقول سيدتي من أنت التي مثلها في المصاب؟

قالت: إني الثاكلة أم المصيبة العظمى.

قالت: أوضحي لي؟

قالت: الحزينة صاحبة الفاجعة الكبرى.

قالت: أوضحي لي من تكونين؟

__________________

(١) العباس عليه‌السلام (للمقرم): ٧٢.

١٤٨

قالت: أو ما عرفتني، إنّي أم البنين عليها‌السلام .

فقالت فضة: لقد صدقت سيدتي في ظنها وإنّك - والله - كما تقولين، أم المصيبة العظمى والفاجعة الكبرى، ثم فتحت لها الباب.

فلمّا دخلت استقبلتها زينب واعتنقتها وبكت وقالت: عظم الله لك الأجر في أولادك الأربعة.

قالت: وأنت عظم الله لك الأجر في الحسين عليه‌السلام وفيهم، وبكت وبكى من كان حاضراً (١) .

أم البنين تندب أبناءها:

روى أحمد بن عيسى عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام مسنداً قال: إنّ زيد بن رقاد الجهني وحكيم بن الطفيل الطائي، قتلا العباس بن علي.

وقال أبو الفرج الاصفهاني: وكانت أم البنين عليها‌السلام أم هؤلاء الأربعة الاخوة القتلى تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرها فيجتمع الناس اليها يسمعون منها، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي (٢) (٣) .

__________________

(١) مولد العباس لمحمد علي الناصري: ٤٤.

(٢) لقد كانت ندبة أم البنين عليها‌السلام مشجية «صم الصخور لهولها تتألم» ولكن ذلك لا يعني أبداً أن يرقّ قلب الوزغ ابن الوزغ مروان ابن الحكم، فقد يستفاد من قول أبي الفرج أن ندبة أم البنين كانت محرقة للقلوب بحيث تأثر بها مروان على قساوته إلّا أن هذا مما لا يمكن تصويره في حق هذا اللعين، وهو الذي حارب أهل البيت عليهم‌السلام ولم يفتر عن حربهم لحظة من عمره المشؤوم، وهو الذي ألّب عليهم وحرض وكاد لهم أحياءً وأمواتاً، وهو المتشفي بقتل الحسين عليه‌السلام وقد أظهر الفرح والشماته بقوله لما نظر إلى رأس الحسين عليه‌السلام :

يا حبذا بردك في اليدين

ولونك الأحمر في الخدين

كأنه بات بعسجدين

شفيت نفسي من دم الحسين

(٣) مقاتل الطالبيين: ٩٠ ذيل ترجمة العباس عليه‌السلام .

١٤٩

وقال العلامة السماوي في «إبصار العين»: وقد كانت تخرج إلى البقيع كلّ يوم ترثيه وتحمل ولده عبيد الله فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة، وفيهم مروان بن الحكم، فيبكون لشجى الندبة، وكان من قولها عليها‌السلام :

يا من رأى العباس كر

على جماهير النقد

ووراه من أبناء حيدر

كل ليث ذي لبد

انبئت أن ابني أصيب

برأسه مقطوع يد

ولي على شبلي أما

ل برأسه ضرب العمد

ولو كان سيفك في يد

يك لما دنا منه أحد

وقولها عليها‌السلام :

لا تدعوني ويك أم البنين

تذكريني بليوث العرين

كانت بنون لي ادعى بهم

واليوم أصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الربى

قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان أشلائهم

فكلهم أمسى صريعاً طعين

يا ليت شعري أكما أخبروا

بان عباساً قطيع اليمين (١)

أم البنين تحيي ذكرى عاشوراء:

كانت أم البنين من النساء الفاضلات العارفات بزمانها والعارفات بحقّ أهل البيت عليهم‌السلام ، كما كانت فصيحة لسنة ورعة، وكانت ممن حمى حريم الحسين، وأقامة العزاء عليه لتشارك في حفظ ثورته والوفاء لدمه الذي سكن الخلد، وتشكل حلقة مهمة في امتداد الثورة، وتكون صوتاً للحنجرة المقدسة التي قطعت.

وقد اتخذت من أسلوب الندبة والنياحة سبيلاً للنداء بمظلومية الحسين

__________________

(١) إبصار العين: ٣١ - ٣٢.

١٥٠

وآل البيت عليهم‌السلام فكانت - كما مر قبل قليل - تحمل عبيد الله بن العباس وتخرج إلى البقيع تقيم المآتم على قتيل العبرات، وتندب أولادها أشجى ندبة، وتتمنى لو كان الحسين حياً وتموت هي وأولادها ومن على الأرض فداءً له، وكانت تتوخى من وراء ذلك:

١ - إقامة المآتم على سيد الشهداء وريحانة الرسول وتعظيم شعائر الله.

٢ - تعلن للملأ عن شجاعة الحسين وأولادها ومظلوميتهم وتفخر بهم على التاريخ.

٣ - تشرح أحداث كربلاء وما وقع فيها من ظلامات لآل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفجائع يخجل منها كل مخلوق، وتصيغ ذلك بأسلوب الندبة العاطفي، وتعلن بذلك عن اعتراضها على الوضع القائم وحكومة الطاغوت.

٤ - تفضح الحكام الظلمة الذين تسلطوا على مقدرات الأمة وحاولوا تضليل الناس، وقلب الحقائق على مرّ التاريخ، فكانت أم البنين عليها‌السلام تبين الحق والحقيقة من خلال ذلك.

٥ - تحرض الناس ضد بني أمية وأذنابهم وتطالب بدماء الأحراء من آل البيت عليهم‌السلام .

٦ - وكانت تخرج إلى البقيع - مع أن قبر العباس وأخوته في كربلاء - ليجتمع الناس هناك ويتذكرون مظالم الحسن وريحانة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الصديقة الطاهرة وتعيد لهم ذكرياتهم مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هناك وتذكرهم بمواقف المسلمين في صدر الاسلام في الذبّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ضمتهم الآن هذه المقبرة المقدسة.

٧ - وكانت تحمل معها عبيد الله بن العباس - حفيدها - باعتباره كان موجوداً في يوم الطف فهو شاهد عيان ودليل وبرهان حي يروي لهم ولمن سيأتي من الأجيال ويجتمع له أترابه والكبار والصغار....

١٥١

لقد ساهمت أم البنين عليها‌السلام في إبلاغ خطاب عاشوراء إلى المجتمع المعاصر لها وأبلغت مسامع الايام ليتردد صوتها إلى جانب صوت أم المصائب زينب عليها‌السلام حينما وقفت كالطود الشامخ لا تحركه العواصف لتحمي ثورة الحسين عليه‌السلام ، وتحفظ الحق ورسالة التوحيد على طول خط التاريخ.

* * *

١٥٢

الفصل

الحادي عشر

التوسل بأم البنين عليها‌السلام

١٥٣

التوسل بأم البنين عليها‌السلام

من سنن الله الجارية في أوليائه ( وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ) (١) إكرامهم باظهار ما لهم من الكرامة عليه والزلفى منه، وذلك غير ما ادخره لهم من المثوبات الجزيلة في الآجلة، تقديراً لعملهم واصحاراً بحقيقة أمرهم ومبلغ نفوسهم من القوة وحثاً للملأ على اقتفاء آثارهم في الطاعة، ومهما كان العبد يخفى الصالحات من أعماله فالمولى سبحانه يراغم ذلك الاخفاء باشهار فضله، كما يقتضيه لطفه الشامل ورحمته الواسعة وبرّه المتواصل، وأنّه جلت آلاؤه يظهر الجميل من أفعال العباد ويزوي القبيح رأفة منه وحناناً عليهم.

ومن هذا الباب ما نجده على مشاهد المقربين وقباب المستشهدين في سبيل الله من آثار العظمة وآيات الجلال من إنجاح المتوسل بهم اليه - تعالى شأنه - وإجابة الدعوات تحت قبابهم المقدسة، وإزالة المثلات ببركاتهم، وتتأكد الحالة إذا كان المشهد لأحد المنتسبين للبيت النبوي؛ لأنه جلت حكمته ذرأ العالمين لأجلهم؛ ولان يعرفوا مكانتهم فيحتذوا أمثالهم في الأحاكم والأخلاق، فكان من المحتم في باب لطفه وكرمه - عظمت نعمه - أن يصحر الناس بفضلهم الظاهر.

__________________

(١) سورة فاطر: ٤٣.

١٥٤

ومن المنتسبين إلى ذلك البيت الطاهر الذي أذن الله أن يرفع فيه اسمه «أم البنين عليها‌السلام »، فانها في الطليعة من أولئك الذين بذلوا في الله ما عزّ لديهم وهان حتى اتصلت النوبة إلى أولادها وفلذة كبدها، بل أذهبت نفسها في زفراتها الحارة على الحسين وآله عليهم‌السلام ، فكان ذلك كلّه نصب عينه - تعالى ذكره - فأجرى الله سنته الجارية في الصديقين فيها بأجلى مظاهرها؛ ولذلك تجد المؤمنين في أصقاع الأرض يتوسلون بها إلى الله، ويستشفعون بها في حاجاتهم في آناء الليل وأطراف النهار، ويجعلونها باباً من أبواب رحمة الله، فيطرقه أرباب الحوائج من عاف يستمنحه بره، إلى حمى أمنه، إلى أنواع من أهل المقاصد المتنوعة، فينكفأ فلج الفؤاد بنجح طلبيته، قرير العين بكفاية أمره، إلى منتجز باعطاء سؤله، كلّ هذا ليس على الله بعزيز، ولا من المقربين من عباده ببعيد.

توسلوا بأمي أم البنين عليها‌السلام :

يقول المؤلف: حدّث العالم الفقيه آية الله الحاج السيد محمد الحسيني الشيرازي قدس‌سره في تاريخ ٢٧ ذي الحجة الحرام سنة (١٤١٦) ضمن حديثه عن عظمة شخصية أبي الفضل العباس عليه‌السلام :

رأى أحد العلماء في عالم المكاشفة قمر بني هاشم أبا الفضل العباس عليه‌السلام وقال له: سيدي إن لي حاجة فبمن أتوسل حتى تقضي حاجتي؟

فأجابه عليه‌السلام : توسل بأمي أم البنين عليها‌السلام .

ونحن نذكر هنا بعض الختومات وآداب التوسل بتلك السيدة المباركة من المجربات التي رويت عن بعض الأساطين:

١٥٥

١ - إهداء الصلوات:

قال المرحوم آية الله الحاج السيد محمود الحسيني الشاهرودي المتوفي في ١٧ شعبان (٣٩٤ هـ):

إني أصلّي على محمد وآل محمد مائة مرة وأهديها إلى أم البنين عليها‌السلام فتقضي حاجتي.

٢ - نذر الاطعام:

أن ينذر لأم البنين عليها‌السلام ويطعم الفقراء باسم أبي الفضل العباس عليه‌السلام ، وهو من المجربات في قضاء الحوائج.

٣ - ختم سورة «يس»:

قراءة سورة «يس» عشرة مرات في أربع أسابيع كالتالي، وهو مؤثر إن شاء الله تعالى:

يقرأها في ليلة الجمعة من الأسبوع الأول ثلاث مرات، وفي ليلة الجمعة من الأسبوع الثاني يقرأ ثلاث، وفي ليلة الجمعة من الأسبوع الثالث يقرأ ثلاث أيضاً، وفي ليلة الجمعة الأخيرة في الأسبوع الرابع يقرأها مرة واحدة ويهديها لأم البنين عليها‌السلام نيابة عن أبي الفضل العباس عليه‌السلام ، فانه ستقضى حاجته إن شاء الله على أتم وجه.

٤ - تجهيز من يزور كربلاء نيابة عن أم البنين عليها‌السلام :

حدثني الحاج الشيخ محمود الخليلي في شوال المكرم سنة (١٤١٨ هـ) في منزل آية الله السيد شهاب الدين المرعشي النجفي قدس‌سره قال:

إنّ آية الله الحاج السيد محمد الروحاني قدس‌سره كان يتوسل في المهمات والمشاكل المعضلة بأم البنين عليها‌السلام ، وكان توسّله بتلك المخدرة المجللة أن ينذر لله أن

١٥٦

يقضي حاجته ويكشف كربته على أن يبعث إلى كربلاء من يزور هناك نيابة عن أم البنين عليها‌السلام ، ويتحمّل كافة مصروفات سفره.

وأتذكر جيداً أني حظيت في سنة (١٣٨٣ هـ) بشرف زيارة كربلاء نيابة عن السيدة أم البنين من قبل السيد قدس‌سره فدفع لي مبلغ «نصف دينار» ما يعادل عشرة دراهم، وكانت الأجرة يومها ذهاباً وإياباً تتراوح بين ثلاثة أو أربعة دراهم.

قال أيضاً: ابتلي آية الله الروحاني ذات مرة بألم شديد في سنّه، وكن ألماً مبرحاً لا يطاق، فراجع طبيبه الدكتور الطريحي فلم يجده، فلما اشتد الألم اشتداداً مروعاً نذر لله إن نجّاه من هذا الألم أن يستأجر من يزور كربلاء نيابة عن أم البنين عليها‌السلام في ليلة الجمعة القادمة، فلم تمض لحظات حتى سكن الألم وكأن لم يكن شيئاً، وفي عصر اليوم التالي عاد الالم مجدداً فقال السيد: يبدو أن الطبيب قد حضر، فراجعه فوجده في مطبه، فقلع سنه وارتاح من بلائه، كلّ ذلك ببركة أم البنين عليها‌السلام .

وأضاف الشيخ الخليلي: إنّي علّمت هذا التوسل بهذه الطريقة لكثير من ذوي الحاجات فكان نافعاً في قضاء حوائجهم وكشف كربهم.

٥ - إهداء الصلوات للمعصومين وقراءة دعاء التوسل:

ختم مذكور في كتاب «مجموعة علم جعفر» ووقته بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العشاء، والأفضل أن يشرع به في أول الشهر وهو كالتالي:

في اليوم الأول: ألف مرة «اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم» ويهديخا إلى خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي اليوم الثاني: أيضاً ألف مرة على النحو المذكور لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام .

١٥٧

وفي اليوم الثالث: لسيدة النساء فاطمة الزهراء عليها‌السلام .

وفي اليوم الرابع: للامام المجتبى ريحانة الرسول الحسن المظلوم عليه‌السلام .

وهكذا على عدد المعصومين عليهم‌السلام حتى يصل إلى صاحب الأمر والزمان - أرواح العالمين له الفداء -.

وفي اليوم الخامس عشر: أيضاً ألف مرة على النحو المذكور لأبي الفضل العباس عليه‌السلام .

وفي اليوم السادس عشر: لأم البنين عليها‌السلام

وفي اليوم السابع عشر: لزينب الكبرى عليها‌السلام .

وفي اليوم الأخير: بعد أن ينتهي من الصلوات يقرأ الدعاء المعروف المذكور في مفاتيح الجنان وأوله «اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة...».

قال في الكتاب المذكور: نقل لي من أثق به أنّ جماعة التزموا هذا الختم وأدوه جماعة، فلمّا انتهوا منه تشرفوا بزيارة العباس عليه‌السلام فقال لهم: «حاجتكم مقضية».

أقسم الرجل المذكور أيماناً مغلظة قائلاً: كنّا جماعة وقد قضى الله حوائجنا جميعاً والحمد لله (١) .

٦ - قراءة الفاتحة لام البنين عليها‌السلام :

مما اشتهر بين الناس سيما من يعرف منهم مقام أم البنين عليها‌السلام ومنزلتها أنّه إذا فقد حاجة وضاعت منه وأراد أن يبحث عنها فانّه يقرأ سورة الفاتحة ويصلي على محمد وآل محمد ويهديها لأم البنين عليها‌السلام ، فانّه يجد ضالته باذن الله، وقد جرب ذلك مراراً.

__________________

(١) استفدنا ذلك من مذكرات السيد مرتضى المجتهدي السيستاني.

١٥٨

٧ - إهداء ختمة قرآن لأم البنين عليها‌السلام :

بعث الحاج الشيخ محمد علي إسلامي رسالة إلى «انتشارات مكتب الحسين عليه السالم» بتاريخ ذي الحجة الحرام (١٤١٩ هـ) وقال فيها:

«.. إنّي المدعو «محمد علي بن أحمد الاسلامي» حدثت لي معضلة لا يمكن حلّها عادة، وكانت متعلقة بعدة دوائر رسمية، وقد سدّت جميع الأبواب في وجهي، ولم أجد أي حيلة أو سبيل لحلّها، فتوسلت بالسيدة أم البنين عليها‌السلام وقلت لها: سيدتي أُم البنين.. إنّ لك عند الله جاهاً عريضاً وأنا سأختم القرآن الكريم وأهدي ثوابه لروحك المقدسة وفي المقابل توسلي أنت إلى الله في حلّ مشكلتي.

أجل؛ هكذا نذرت وشرعت في تلاوة القرآن الكريم وقبل إتمام الختمة تيسر أُموري كلّها وقضيت حاجتي، فكنت إذا راجعت أي دائرة من الدوائر وجدت السبيل مفتوحة والأُمور ميسرة والوجوه طلقة، وكأن لم يكن شيئاً مذكوراً.

هكذا هي هذه الأُسرة الجليلة شفيعتنا في الدنيا والآخرة.

٨ - إهداء زيارة عاشوراء لأم البنين عليها‌السلام :

السيد محمد حسين جعفر زاده عقيد متقاعد يسكن في منطقة «عظيمية» في كرج من ضواحي طهران العاصمة.. أرسل رسالة إلى «مكتب الحسين عليه‌السلام » ذكر فيها كرامة لقمر العشيرة أبي الفضل العباس عليه‌السلام وضمّنها توسلين بأُم البنين عليها‌السلام فقال:

١ - قضيت ثلاثين سنة من عمري في خدمة الجيش في الجمهورية الإسلامية، ومن ثم أحلت على التقاعد، فقدمت لي دعوة من «منظمة الاعلام الاسلامي» أولاً، ومن ثُمَّ من إحدى المراكز الناشطة في المدينة «كرج» لأقوم بتدريس فن قراءة المراثي وإقامة العزاء «ما يسمى عند الناس بالرادود» فقبلت الدعوة وشرعت بالتدريس على بركة الله، وقد كتبت - لحد الآن - أربعة كتب في هذا الفن وقدمتها لخدام المنبر الحسيني.

١٥٩

وفي ذات يوم - وكان اليوم جمعة - كنت مشغولاً بالتدريس وقت الحصر إذ دخل أحد التلاميذ ذاهلاً فاستأذن وقال: إنّ أبي الآن يعالج الموت، وقد تركته في سكراته محتضراً ووجهته إلى القبلة، وجئت لأعتذر اليك عن التأخير وأعود اليه.

فقلت له: اسمع مني سأروي لك حديثاً عن سيدتي فاطمة الزهراء عليها‌السلام فانها قالت: سألت أبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أي ساعة أفضل لاستجابة الدعاء؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : عند الغروب يوم الجمعة.

فنحن ندعو ولكن الأفضل أن تنذر أنت أيضاً نذراً قال: إنّي الآن في حالة من الاضطراب وتشتت البال بحيث لا أدري ماذا أفعل وماذا أنذر، أرجوا أن تنصحني وتعلمني وترشدني إلى ما أفعل؟

فقلت له: إنذر الآن أن تقرأ زيارة عاشوراء عشرة مرات وتهديها لأم البنين عليها‌السلام بقصد شفاء والدك.

فقال: أفعل، ورجع إلى البيت مسرعاً، فلمّا دخل البيت بلغ به العجب غايته، إذ رأى أباه واقفاً في ساحة الدار مشتغلاً بالوضوء والاستعداد لصلاة المغرب، فسأل عن ذلك، فأخبروه أنّه منذ نصف ساعة تقريباً انقطعت عنه الحمى فجأة وأخذ يتماثل إلى الشفاء وبدأت أعراض المرض تزول منه حتى قام قائماً على قدميه.

قال العقيد جعفر زاده:

وها هو ذا الأب حفظه الله يشتغل بالقرب منا يزاول عمله سالماً غانماً.

٢ - في يوم ٢٢ رمضان سنة ١٤٢٠ قالت لي زوجتي: إنّ تحت ابطي غدة بحجم «بيضة»، وبقيت على هذه الحال إلى أن انتهى الشهر الكريم، فراجعنا الطبيب الجراح فأخذ نموذجاً من الغدة وأرسلها إلى ال مختبر لتجرى عليها زراعة وتحليل لتشخيصها، إلّا أنّه لوّح لنا في كلامه إلى أنّها غدة خبيثة، وكانت نظرات العاملين في المختبر تحكى ذلك أيضاً. فتوجهت إلى الأئمة الأطهار وتوسلت بهم

١٦٠

وألححت كثيراً على المولى أمير المؤمنين عليه‌السلام وفاطمة الزهراء عليها‌السلام وأم البنني عليها‌السلام .

ومضى علينا أسبوع قبل أن تخرج النتيجة من المختبر، وبعد أسبوع رأيت في عالم الرؤيا شخصاً ينادي، وأنا أسمع صوته ولا أرى وجهه، فقال: يا جعفر زاده، بشراك إننا شافينا زوجتك، فاستيقظت على هذا الصوت منشرحاً، فصلّيت نافلة الليل وسجد لله شكراً، وصلّيت صلاة الصبح وعدت إلى النوم، فرأيت مرة ثانية في عالم الرؤيا الامام علي عليه‌السلام ومعه أم البنين عليها‌السلام وقد شرفانا في بيتنا، فجلست أنا بين يدي مولاي وجلست أم البنين عليها‌السلام قريباً من زوجتي ومسحت بيدها المباركة على موضع الغدة، وعندئذٍ استيقظت من نومي فجأة، وفتحت عيني وأنا أشكر الله - تبارك وتعالى - على هذه الموهبة العظيمة، وشكرت سيدي ومولاي أمير المؤمنين عليه‌السلام وأم البنين عليها‌السلام . وتيقنت أنّ زوجتي قد شوفيت مما فيها، فدعوت الناس وأقمت مجلس العزاء في بيتي تعبيراً عن شكري لألطاف أهل البيت عليهم‌السلام كلّ ذلك قبل أن نستلم جواب التحليل، فلما استلمناه ذهبنا به إلى الطبيب فنظر فيه ونظر إلى موضع الغدة وتبسم في وجوهنا وهو لا يعلم أنّ الطبيب الأصلي أبا الفضل العباس قد سبقه إلى العلاج.

ثم ذيل رسالته بأبيات رائعة بالفارسية في مدح أمير المؤمنين عليه‌السلام وزوجته.

سفرة أم البنين عليها‌السلام :

حدّث السيد صادقي واعظ، وهو من الموالين لأهل بيت العصمة والطهارة ومن المبرزين في الحوزة العلمية في قم قال:

كنت أرتقي المنبر في طهران، وكان اليوم التاسع من المحرم، فاكتريت سيارة للذهاب إلى مسجد السيد أحمد البروجردي رحمه‌الله حيث كنت أرتقي المنبر هناك، وكان علينا أن نمر بساحة «الشهداء» باتجاه منطقة «صد دستگاه» حيث يقع المسجد المذكور، وكان الشارع مزدحماً جداً لا تكاد السيارة تقطع الطريق إلّا بشق

١٦١

الأنفس؛ وذك لكثرة المواكب المنطلقة ذلك اليوم، فتساءل السائق قائلاً: ماذا حدث؟ لماذا كلّ هذا الزحام؟

فقلت له: ألست مسلماً؟! ألا تدري أنّ اليوم هو اليوم التاسع من المحرم، وهو يوم عزاء أهل البيت عليهم‌السلام ومصابهم.

قال: كلا أنا مسيحي.

قلت: اليوم هو يوم العباس عليه‌السلام .

قال: نعم أنا أعرف أبا الفضل العباس جيداً، واستطرد قائلاً:

كنت عقيماً محروماً من نعمة الولد، وبعد زمان رزقت ولداً إلّا أنّه كان مشلولاً مقعداً، فصرفت كلّ ما عندي وبعت بيتي وسيارتي وأنفقتها في علاجه دون نتيجة.

وفي ذات ليلة دخلت بيتي - وكنت مستأجراً أسكن مع صاحب الدار - فرأيت زوجتي تبكي فقلت لها: ماذا حدث؟

قالت: إنّ صاحبة الدار دعتني للحضور على سفرة أم البنين عليها‌السلام .

قلت: من هي أم البنين؟

فشرحت لي ما سمعته عنها ثم قالت: لقد أخذت ولدي وأجلسته على سفرة أم البنين عليها‌السلام ، فتعال نجلس هذا الطفل في حجرنا هذه الليلة ونتوسل بأبي الفضل العباس معاً.

وبالفعل اتفقنا وفعلنا ذلك حتى أخذنا التعب، فتركنا الصبي لحاله واضجعنا في الايوان (البلكون)، وفي منتصف الليل رأيت - بهذه عيني - الطفل وقد قام معتمداً على رجليه وأخذ يركض، ففزعت وصرخت به: ماذا حدث؟

قال: من هذا السيد الفارس الذي جاءني؟

هذه هي معجزة أبي الفضل العباس عليه‌السلام التي رأيتها بعيني فكيف لا أعرفه؟!

* * *

١٦٢

الفصل

الثاني عشر

كرامات أم البنين عليها‌السلام

١٦٣

1 - أريد تأشيرة (فيزا)

إلى كربلاء وأريدها اليوم بالذات وليس غدا

قال آية الله الحاج السيد طيب الجزائري - حفظه الله - ضمن رسالة بعث بها إلى «انتشارات مكتب الحسين عليه‌السلام »:

كنت أسكن في النجف الأشرف في سنة (1962 م)، وكنت أسافر في كلّ سنة أيام محرم الحرام إلى الپاكستان للتبليغ، وفي سنة من السنين التقيت في مشهد المقدسة بأحد العلماء الپاكستانيين فسألته عن وجهته بعد زيارة المشهد الرضوي عليه‌السلام فقال: أرجع إلى الپاكستان فقلت له: سماحة السيّد أليس من الخسارة أن تقطع كلّ هذه المسافة فتأتي مشهد المقدسة ثم ترجع من هنا ولا تزور كربلاء والنجف الأشرف؟! في حين أنّ المسافة الباقية هي نصف المسافة إذا احتسبت من مشهد.

فأثر فيه كلامي وعزم على أن يأتي إلى كربلاء، فاتفقنا وتوجهنا معاً إلى طهران، ومن هناك إلى السفارة العراقية للحصول على التاشيرة «الفيزا».

فلمّا وصلنا إلى هناك وجدنا أبواب السفارة مغلقة والزوّار مزدحمين على باب السفارة في وضع يرثى له حيث كان الكثير منهم قد فرش فراشه وجلس هناك في الانتظار، وقد تداخلت صفوفهم وتشابكت بسطهم، فسألنا فإذا منهم من قد قضى

١٦٤

هناك ليلتين، ومنهم من قضى ثلاث ليالي، وأقل من ذلك وأكثر يبيتون على الرصيف، وباب السفارة لا يفتح إلّا نادراً، فالتفت إلى صاحبي وقلت له: هل أنت عازم على السفر إلى كربلاء؟

فقال: عجباً!! ولماذا إذن جئت من مشهد إلى هنا؟!

فقلت له: كيف تريد الذهاب إلى كربلاء ووضع التأشيرة كما ترى؟!

قال: لا أعلم.

قلت: أنا أعرف الحلّ!

قال: وما هو؟

قلت: تنذر ألف صلوات (أي تقول ألف مرة: اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد) لأُم البنين وأنا أيضاً أفعل ذلك وستحصل التأشيرة إن شاء الله.

فنذرنا معاً ألف صلوات على النبي وآله هدية لأُم البنين عليها‌السلام ، ثم وقفنا قليلاً مقابل باب السفارة فلم نر أي طارق يتحرك ذهاباً أو إياباً، دخولاً أو خروجاً، فليس من والج ولا من خارج وكأنّ بناية السفارة على ضخامتها مهجورة وليس فيها ديار.

بصيص أمل:

وفجأة قال صديقي: تذكرت الآن أنّي أحمل رسالة إلى سكرتير السفير الپاكستاني، فلنذهب إليه ونسلمها إياه ما دمنا قد وصلنا إلى هنا ومن ثُمّ نعود إلى هنا لننظر ماذا يكون.

اكترينا سيارة وتوجهنا إلى سفارة الپاكستان، وبالفعل فقد وجدنا الشخص المطلوب وسلمناه الرسالة، وكان استقباله لنا حاراً وقد أحاطنا بالحفاوة والتكريم وسألنا: أين ستذهبون بعد طهران؟

١٦٥

قلنا: لقد عزمنا على الذهاب إلى العراق فيما لو حصلنا على التأشيرة.

فقال: من حسن ال حظ أنّي - أيضاً - أريد أن أذهب إلى العراق فاصبروا هنا قليلاً حتى أهيئ وثائقي ونذهب جميعاً إلى السفارة فآخذ لكم تأشيرة معي.

قال ذلك ودخل غرفته واشتغل بطبع الوثائق.

تبدد الأمل مرة أُخرى:

وبعد فترة خرج من الغرفة وقال: تعطلت آلة الطابعة فأرجو أن تصبروا قليلاً حتى استطيع طباعة الوثيقة ثم أصطحبكما إلى السفارة، قال ذلك ثم دخل الغرفة مرة أُخرى يحاول الاستمرار في الكتابة على آلة الطباعة....

وبعد حين امتلكني القلق على التأشيرة لأن الوقت المعلن لمنح التأشيرات الذي كتبته السفارة العراقية في لوحة إعلاناتها هي الساعة الواحدة بعد الظهر فيما كانت الساعة الحادية عشر ونحن في السفارة الپاكستانية وصاحبنا غائب لا نعلم أين ذهب وماذا حلّ به وبوثائقه، والوقت يمضي بسرعة تحطم الأعصاب، ولكن سرعان ما خرج صاحبنا من الغرفة وهو يحمل رسالة وقال: آسف لا أدري أي مصلحة وراء الأمر فان آلة الطباعة تعطلت تماماً فلم استطع من كتابة الوثيقة الخاصة بي إلّا أنّها عملت بمقدار ما كتبت فيه كتاباً للقنصل العراقي بطلب التأشيرة لكما وأرجو أن توفقا لذلك.

أخذت الرسالة منه فوراً وخرجنا من السفارة واكترينا سيارة وتوجهنا إلى السفارة العراقية، فنظرت إلى ساعتي فإذا هي الثانية عشرة تماماً.

كانت السيارة تسير بسرعة وتلتهم الطريق التهاماً نحو السفارة، وأنا أحدّث نفسي وأقول: إنّ الموانع أمامنا ليست باليسيرة ولا بالقليلة، فكم من مانع يعترضنا:

فأولاً: إنّنا لا ندري أنّ هذه الرسالة موجهة لأي شخص في السفارة، فلا ندري لمن ينبغي تسليمها سيما وأنّ باب السفارة لا تفتح لأحد من الناس.

١٦٦

وثانياً: إنّهم لن يسمحوا لنا بلقاء القنصل بأي حال.

وثالثاً: هب أننا عرفنا الشخص ووصلنا إلى القنصل، ولكن من قال أنّ هذه الرسالة ستؤثر لأننا لسنا من العاملين في السفارة الپاكستانية وإنما نحن أفراد عاديين.

وحينئذ توجهت لسيدتي أُم البنين عليها‌السلام وخاطبتها قائلاً: يا سيدتي يا أُم البنين عليها‌السلام إنّ أريد تأشيرة إلى كربلاء وأريدها اليوم بالذات وليس غداً، وذلك لأني لو حصلت عليها في الغد فهو أمر عادي، وأنا أريد أن أحصل عليها بشكل خارق للعادة؛ لأنني أعلم أنّ الحصول على التأشيرة اليوم وفي هذا الوقت الضيق والحرج قضية مستحيلة فإذا حصلت على التأشيرة اليوم فاني سأتيقن بما لا يعتريه الشك أن ذلك من ألطافكم.

وأخيراً توقفت السيارة أمام مبنى السفارة العراقية، وما أن وصلنا إلى الباب حتى رأينا باب السفارة تفتح وخرج منها رجل انجليزي، فدخلنا أنا وصاحبي فوراً فسألنا البواب: لماذا دخلتم؟ فلم نجبه وإنّما قدمنا له الرسالة المذكورة فأخذها البواب وأغلق الباب وقال: قفا مكانكما حتى أعود، قال ذلك وذهب مسرعاً إلى الداخل. فقمنا هناك وقوفاً على أقدامنا والهواجس تعصف في قلوبنا، فحدثت نفسي: إنّ هذا البواب سيعود ويجيبنا الرد، وعلى فرض أنّه لم يردنا فانه سوف يؤجلنا إلى غد أو بعد غد؛ لأنّ هذا هو الاحتمال الوحيد الذي يمكن تصوره فيما لو لم يردنا إلّا أن تحدث معجزة، وفي هذه الاثناء جاء البواب يحمل معه إستمارتين وسألنا: هل معكما صور فتوغرافية قلنا: نعم. قال: إذن املأوا هذه الاستمارات.

فكّرنا أنّ علينا أن نملأ الاستمارات بدقة لئلا نخطأ في الجواب على الأسئلة الكثيرة والمعقدة التي فيها، فمن المحتمل أن يرد طلبنا إذا كانت ثمة إشتباهات أو إرتباكات في الأجوبة، ولهذا كنا نحتاج إلى وقت أكثر لملأ الاستمارات، بيد أنّ

١٦٧

البواب استعجلنا ولم يمهلنا وقال: تعجلوا ولا تتأخروا فانّ القنصل على وشك الخروج من السفارة، فاضطربنا وملأنا الاستمارات كيف ما اتفق وبحط رديء لا يكاد يسلم منه حرف، فكتبنا مكان اسم الأب اسم الأُم، ومكان اسم الأُم اسم الأب، وهكذا قدمنا الاستمارات والصور والجوازات، فأخذها البواب وقال: اذهبوا الآن وانتظروا في الخارج إلى الساعة الواحدة وستسمعون الجواب من البوابة الصغيرة التي نسلّم منها الوثائق.

خرجنا إلى الشارع فنظرت إلى ساعتي فوجدت أنّ علينا أن ننتظر عشرين دقيقة أُخرى حتى تكون الساعة الواحدة، فتوجهنا إلى البوابة الصغيرة (النافذة) وقلوبنا تخفق ولها وجيب؛ لأننا لا ندري ماذا ستكون النتيجة؟

وفي تمام الساعة الواحدة انفتحت النافذة وأخذوا ينادون بالأسماء الواحد تلو الآخر، وكان الاسم الأول هو اسمي ومن بعده اسم صاحبي، فدفعوا إلينا الجوازات فأخذتها وقلبي يخفق لأني لم أكن بعد مصدّقاً، ففتحت الجواز متوجساً مترقباً قلقاً مضطرباً، فوجدت فيه تأشيرة لثلاثة أشهر، فغمرتني الفرحة وامتلكني البكاء، فتحادرت دموع الفرح من عيني.

أخذنا الجوازات وتوجهنا من هناك فوراً إلى حرم السيد عبد العظيم الحسني عليه‌السلام في ري وبعد الزراية والصلاة أدى كل واحد منا ألفي صلوات بدل الألف التي نذرها، وأهديناها لأُم البنين عليها‌السلام .

نرجو من الله أن يقضي حوائج جميع المؤمنين ببركة أُم باب الحوائج قمر بني هاشم أبي الفضل العباس عليه‌السلام . آمين.

١٦٨

2 - شملتنا رحمة الله

حدثني الشيخ علي مير خلف زاده عن أحد المؤمنين قال: اشتريت بيتاً سنة (1986 - 1987 م) وكان قديماً متهاوياً على أثر الأمطار وإهمال الورثة، وكان مهجوراً ولا تزيد مساحته على ثلاثين متراً مربعاً، فعزمت على بناء مرافق صحية له، فلمّا باشرنا العمل كانت ضربة المعول الأُولى كافية لانهيار سقف الغرفة بالكمال والتمام، بيد أنّ رحمة الله الرؤوف الرحيم شملتننا فلم نصب بأذى، والحمد لله، ولكن مصيبتي صارت مصائب عديدة لأني لا أمتلك ما يساعدني على إعادة بناء الغرفة، ولا ترميم البيت المتداعي على أثر الخراب الذي لحقه فوق ما فيه.

وبعد مرور عدة شهور شملتنا عناية المولى صاحب الأمر والزمان - عجل الله تعالى فرجه - فاستطعت من إعادة بناء البيت، فاضطررت هذه المرة - طبق القانون - إلى استأذان «البلدية»، ولمّا دخل المسؤولون إلى البيت أخذوا يمطرونا بالاشكالات التي تذكرك ببني إسرائيل وتدقيقاتهم، ويضعوا الموانع تلو الموانع، ويؤجلونا كلّ يوم إلى بعده، فرأيت أنّ الأمر إذا دام كذلك فانه يلزم أن تستمر القضية إلى شهور عديدة، فنذرت مائة صلوات لأُم البنين عليها‌السلام اقرؤها بقصد طلب السلامة للامام صاحب الزمان - عجل الله تعالى فرجه - فلعل الله أن يرحمني وينجز عملي بسرعة.

١٦٩

وما أن شرعت بها حتى ناداني المهندس المسؤول وقال: لا تقلق فليس في عملك أي إشكال وسأنجز لك ما تحتاجه من قضايا قانونية بنفسي.

وبالفعل فقد تمّ ما كان ينبغي أن يتم في عدة شهور خلال يومين فقط ببركة ذلك النذر وببركة «اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم» (1) .

__________________

(1) عن كتاب «داستانهايي از صلوات بر محمد وآل محمد»: 99 - 100.

١٧٠

3 - لماذا رفضت زيارة أمي؟

حدّث المرحوم الحاج عبد الرسول علي الصغار، التاجر المعروف، ورئيس غرفة تجارة بغداد حينذاك قال:

في الخمسينات تشرفت بحج بيت الله الحرام وزيارة النبي وأهل بيته العظام - صلوات الله عليهم وسلامه - وكان زملائي في السفرة كلّ من السيد هادي مگوطر، من السادة المحترمين ومن رؤساء عشائر الفرات من رجال ثورة العشرين ضدّ المستعمر الانجليزي، والشيخ عبد العباس آل فرعون، رئيس عشائر آل فتلة، وهي أعرق وأكبر عشائر الفرات الأوسط في العراق.

ولمّا وصلنا المدينة المنوّرة للتشرف بزيارة المرقد الطاهر للرسول الأعظم ومواقد أهل بيته الطاهرين - صلوات الله عليه وعليهم أجمعين -، وفي عصر أحد الأيام قصدنا كالعادة زيارة مراقد الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام في «بقيع الغرقد» وبعد الانتهاء من مراسيم الزيارة قصدنا زيارة قبور المنتسبين إلى أهل البيت عليهم‌السلام وبعض الصحابة الكرام حتى انتهينا إلى قبر السيدة فاطمة بنت حزام الكلابية «أُم البنين» أُم العباس عليه‌السلام .

فقلت لعبد العباس آل فرعون: تعال نزور قبر «أُم البنين».

١٧١

فأجابنا بتعاليه وغطرسته المعهودتين: دعنا من هذا، أتريدنا نزور النساء هذه المرة ونحن رجال.

وتركنا وخرج من البقيع، ذهبت أنا والسيد هادي المگوطر لزيارتها.

وفي فجر اليوم التالي استيقظت من نومي وتفقدت عبد العباس فلم أجده في فراشه، وكنا في غرفة واحدة، فانتظرته قليلاً وقلت في نفسي: ربما ذهب إلى الحمام، ولكن طال انتظاري ولم يعد، فقلقت عليه، وأيقظت زميلي الآخر السيد هادي المگوطر وقلت له: أين ذهب يا ترى؟ فهذه بعض ملابسه، كما أنّ هميانه لا يزال تحت وسادته، فاشتد قلقنا عليه أكثر فأكثر، ولما طالت مدة غيابه بدأنا نفكر إلى أين نذهب؟ وكيف نبحث عنه؟ ومن نسأل؟ وممن نستفسر؟

وبعد فترة قصيرة فتح باب الغرفة ودخل علينا وهو في حالة مثيرة من شدة تأثره، وعيناه حمراوان كعلقة الدم من شدة البكاء، فقمنا بوجهه وقلنا له: خيراً إن شاء الله، أين كنت، وما هذه الحالة التي نراك عليها؟ قال: دعوني استريح حتى أحدثكم: وبعد أن استقرّ به المقام واستراح قال: تذكرون حادثة عصر يوم أمس عندما رفضت زيارة قبر أٌم البنين عليها‌السلام وخرجت من البقيع؟

قلنا: نعم نتذكرها جيداً.

فقال: قبل الفجر رأيت فيما يرى النائم كأني في صحن أبي الفضل العباس عليه‌السلام في كربلاء، ورأيت الناس يدخلون إلى الحرم الشريف زرافات زرافات لزيارة أبي الفضل العباس، وعندما هممت بدخول الحرم الشريف مع الداخلية منعت من الدخول فاستغربت وسألت: من الذي منعني؟ لماذا لم يأذن لي بالدخول؟

قال الحارس: إنّ سيدي أبا الفضل قد أمرني بذلك.

فقلت للحارس: لماذا؟

قال: لا أعلم.

١٧٢

وكلما حاولت أن أعرف السبب لم أعرفه، وهممت بالدخول مراراً فمنعت أشد المنع، وحيل بيني وبين خول الحرم حتى وصل بي الأمر إلى التوسل والبكاء على رغم عزة دمعتي وندرتها - كما تعلمون - حتى أضناني التعب والاجهاد، ولما لم أجد نتيجة تووسلت هذه المرة بالحارس ورجوته أن يذهب إلى سيدي أبي الفضل ويسأله عن سبب منعي من الدخول إلى حرمه؟!

ذهب الحارس برهة ثم رجع وقال: يقول لك سيدي أبو الفضل: لماذا رفضت زيارة قبرة أُمي وتعاليت عليها؟ فاني لا أذن لك بالدخول حتى تقصدها وتزورها.

فاستيقظت لهول الرؤيا فزعاً وذهبت إلى البقيع مسرعاً وبدون شعور لزيارة قبر السيدة الطاهرة أُم البنين، والاعتذار إليها عما صدر مني من التقصير تجاهها، والتوسل إليها لتشفع لي عند ولدها ليعفو عني ويقبلني، وها أنا قد رجعت من عندها تواً كما ترون، سلام الله عليهم أجمعين (1) .

__________________

(1) ذكرياتي للشاكري 2 / 117.

١٧٣

4 - إنبهار لجنة الأطباء

بعث الحاج السيد جواد الموسوي الزنجاني إمام جمعة «شهرك قدس» برسالى إلى «انتشارات مكتب الحسين عليه‌السلام » ضمنها الكرامة التالي لأُم البنين عليها‌السلام . قال: رجعت ابنتي من المدرسة إلى البيت قبيل الغروب، بيد أنها لم تكن كعادتها بشوش منطلقة؛ بل كانت منكمشة تشكو صداعاً شديداً وآلاماً مبرحة في رأسها، وكانت تأنّ وتتضور وتتقيأ بين الفنية والأُخرى، فلما رأيتها بتلك الحالة داخلني حزن شديد واضطراب وقلق، فسارعت بها إلى الدكتور «شمس» ففحصها الطبيب ولم يستطيع من تشخيص المرض وقال: إنّه زكام، وكتب لها وصفة طويلة عريضة تراكمت فيها الأدوية ثم قال: خذها إلى البيت واعطها الأدوية فان حسنت فالحمد لله وإلّا فيمكنك الاتصال بي وأنا اليوم طبيب خفر في مستشفى «سينا».

أخذتها إلى البيت وأعطيتها الأدوية فلم تتحسن، فاتصلت بالطبيب الخفر وقلت له: إنّ المريض لم تتحسن حالته على أثر الدواء بل ازدادت سوءاً، وهي الآن يغمى عليها ساعة بعد ساعة.

فقال: انقلها فوراً إلى مستشفى «مهر».

فنقلناها فوراً إلى هناك، فلما فحصها الطبيب المتخصص قال: إنّها مصابة بـ «منزيت» حاد قد سرى إلى تمام أرجاء المخ ولم يبق فيه منطقة سالمة، وهذا

١٧٤

النوع من الالتهاب الحاد لا يمكن معالجته بعد أن يصل إلى هذا الحد، لقد فات الأوان لأن الجراحة استوعبت كل مكان.

فلما سمعنا كلام الطبيب أسقط ما في أيدينا، واهتز أرحامي ومن معي للخبر، حتى أخذ بعضهم يصرخ صراخاً جنونياً في ردهات المستشفى، وسقط بعض إلى الأرض.

وأخيراً تشكلت لجنة طبية من أطباء المستشفى ومن خارج المستشفى، ووقف الجميع على سرير المريض، واتصل وزير الصحة يومذاك وأوصى المسؤولين والأطباء باجراء اللازم والاهتمام الفائق، فبذلوا ما في وسلعهم وحالة ابنتي من سيء إلى أسوء، ولا زالت في حالة الاغماء الكامل.

وبقيت هكذا إلى ليلة التاسع من المحرم وكنت في حالة عسيرة جداً حيث أنظر إلى ابنتي المريضة فأجدها قد تقطعت بها الأسباب الظاهرية، وقد يأس الأطباء من علاجها يأساً مطلقاً، ومن جهة ثانية أرى البيت يغرق في الصراخ والعويل والندبة رجالاً ونساءً، فأحسست بالاضطرار، ودخلت غرفتي فصليت ركعتين، وبعد الفراغ منهما صلّيت على محمد وآل محمد مائة مرة وأهديتها لأم قمر بني هاشم أبي الفضل العباس سيدتي ومولاتي أم البنين عليها‌السلام ، وتوجهت اليها بالخطاب فقلت لها: سيدتي إنّ كل ولد صالح يطيع أمه وأنا أرجوك وأتوسل اليك يا سيدتي العظيمة وزوجة أمير المؤمنين الوفية أن تطلبي من ولدك باب الحوائج أبي الفضل العباس أن يطلب شفاء ابنتي من الله - عزّ وجل -.

وانتظرت حتى وقت السحر فاتصل بي مرافق المريض من المستشفى قبل الفجر وقال: البشرى لقد خرجت المريضة من الاغماء وهي الآن في وعي كامل.

فخرجت مسرعاً أسابق رجلاء، واقتحمت المستشفى اقتحاماً، فوجدتها في حالة عادية تتكلم وترى، في حين كان الأطباء المتخصصون قد أخبرونا أن

١٧٥

احتمال شفاء المريض أقل من واحد بالألف، وعلى هذا الفرض فلابد أن تفقد بصرها أو سمعها أو تصاب بشلل، ولا يمكن بحال أن تنجو من كل هذه الحالات أو من واحدة منها، إلّا أن بركة أم البنين عليها‌السلام وولدها أبي الفضل العباس شفتها شفاءً كاملاً دون أي نقص، وكانت يومها مخطوبة، وهي الآن تعيش مع زوجها وقد رزقها الله طفلين سالمين.

والجدير بالذكر: أنّ في نفس تلك الليلة التي شوفيت ابنتي ببكرة أبي الفضل العباس أخبرتني إمرأة صالحة من جيراننا أنها رأت أبا الفضل العباس في الرؤيا وقال لها: إنّ الموسوي طلب مني شفاء ابنته وقد أعطاني الله شفاءها؛ أوصيه أن يهتم بالمآتم التي تقام لي وبمن يقيمون عزائي، وأنا - امتثالاً لأمر المولى - استقبل سنوياً في يوم تاسوعاء المواكب في بيتي حيث يقصدونه لطماً على الصدور وضرباً بالسلاسل وأنا أقدم لهم خروفين في كلّ عام.

١٧٦

5 - دخيلك يا أم البنين عليها‌السلام

في شهر ذي الحجة من عام (1415 هـ) كان عبد الحسين وعائلته يعودون من سفرة لهم إلى العاصمة بغداد، وفي الطريق تعطلت السيارة فجاءة، وكلما حاول عبد الحسين أن يكتشف العطل ليصلحه ويعاود المسير لم يفلح أبداً، وبقي وسط الطريق حائراً لا يدري ماذا يفعل، وبدأ الخوف يتسرّب إلى قلبه وقلب مرافقيه وخصوصاً زوجته، فقد أقبل عليهم الليل وأخذ الظلام يداهمهم رويداً رويداً، والأرض مقفرة ولا من مستطرق يمر في الشارع، فالوحدة والغربة والظلام والصحراء والحيوانات واحتمال المداهمة من أي قاطع طريق أو حيوان مفترس أو لص، وهنا توجهت زوجة عبد الحسين إلى الله سامع الدعوات وقالت: رباه نجنا مما نحن فيه بحرمة أم البنين عليها‌السلام التي يتحدث الركبان بكراماتها يسرّ لنا أمرنا، وفجاءة لاح لهم قادم من بعيد، فظن عبد الحسين أنّه يعرف تعمير السيارة، فقصده وسأله أن يعينه، فاستجاب الرجل وجاء يتفحص السيارة فلم يكن بأنفع من عبد الحسين نفسه، وسرعان ما أعلن عن عجزه وتقدم لعبد الحسين باقتراح أن يبحث عن سيارة تجره إلى المدينة!! ثم انصرف إلى حيث يريد، وزوجة عبد الحسين لا زالت تكرر بصوت متحشرج ولهجة خاضة خاشعة متوسلة «دخيلك يا أم البنين عليها‌السلام ».

١٧٧

فعاد عبد الحسين إلى سيارته وحاول تشغيلها من جديد فما أن دار المفتاح حتى علا صوت الماكنة وانطلقت السيارة على أحسن ما يرام وأخذت تلتهم الطريق وتسابق الريح حتى وصلت بهم إلى باب الدار ببركة أم البنين عليها‌السلام ، وزوجة عبد الحسين ما فتر لسانها عن تكرار «دخيلك يا أم البنين عليها‌السلام » (1) .

__________________

(1) عن كتاب أم البنين: 48، للسيد سلمان هادي طعمة.

١٧٨

6 - شكراً لك يا أم البنين عليها‌السلام

توفيق أفندي موظف حكومي من أهل الموصل، وكان يسكن كربلاء بحكم وظيفته.

وفي أوائل الشهر السابع من سنة (1961 م) أحس فجأة بآلام مروعة في مثانته، فراجع الطبيب المختص في العاصمة (بغداد) فأجريت له فحوصات وتحليلات أثبتت أنّه يحمل «حصاة» كبيرة جداً وذات شعب بحيث لا يمكن استخراجها إلا بعملية جراحية.

وما أصعب العملية الجراحية يومها إلّا أنّه استسلم للأمر الواقع واتفق مع الطبيب على تاريخ إجراء العملية ثم عزم راجعاً إلى كربلاء بانتظار اليوم الموعود.

فلما وصل إلى كربلاء عرج إلى زيارة الحسين عليه‌السلام وأخيه أبي الفضل العباس قبل أن يدخل بيته، وفي حرم أبي الفضل رأى توفيق أفندي شاباً واقفاً وبيده كيس صغير فيه «آبنبات» (1) فقدم لتوفيق أفندي وقال له: خذ منه واحدة وانذر لله أن يشفيك فتشتري من هذا كيلو وتوزعه باسم أم البنين عليها‌السلام ، فنذر توفيق أفندي لله واستشفع بأم البنين عليها‌السلام ورجع إلى بيته، وبات ليلته، وفي صباح اليوم اتالي استيقظ

__________________

(1) نوع من الحلوىى تصنع من السكر والزعفران.

١٧٩

وقد استولى عليه الألم وأخذ منه كلّ مأخذ، فانتبه إلى أن «الحصاة» قد سدّت عليه سبيل البول وبعد عصرة شديدة من الألم الذي هجم عليه رأى «الحصاة» تخرج منه وكانت بشكل مذهل، فأصابه الذعر، وبعد لحظة غمره الفرح، فخرج إلى الشارع وهو يصرخ: الحمد لله.. الله أكبر.. شكراً لك يا أم البنين عليها‌السلام .. وتوجه من هناك إلى حرم أبي الفضل العباس وأدى نذره (1) .

__________________

(1) عن أم البنين: 43، لسلمان هادي طعمة.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378