أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين15%

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 378

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين
  • البداية
  • السابق
  • 378 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 165871 / تحميل: 9109
الحجم الحجم الحجم
أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الثالث عشر من جمادي الثاني، وكان يوم جمعة، فدخل الفضل بن العباس عليه‌السلام ، وهو بالك حزين، وهو يقول:

لقد ماتت جدتي أم البنين، فانظر بالله عليك إلى هذا الدهر الخؤون كيف فجع أهل الكساء مرتين في شهر واحد فلا حول ولا قوة إلّا بالله...».

ثم عثرت بعد ذلك بمدة على خبر آخر في هامش» وقائع الشهور والأيام» للبيرجندي ونصه ما يلي:

«وفيه - يقصد الثالث عشر من جمادي الثاني - توفيت أم البنين الكلابية سنة (٦٤ هـ) عن الأعمش».

وعليه فهذان المصدران في تاريخ وفاة أم البنين أحدهما يذكر اليوم والآخر يذكر السنة التي توفيت فيها ملتحقة بالرفيق الأعلى بعد أن قامت بأدوارها الهامة في حياتها، من رعاية شؤون الحسنين عليهما‌السلام - كما تقدم - وتربية بنيها وتوجيههم، مضافاً إلى توجيه أبيهم الامام علي عليه‌السلام ، وتضحيتها بهم في سبيل الله بين يدي الحسين عليه‌السلام ، واقامتها المآتم على الحسين عليه‌السلام ، وتقديمه على كلّ عزيز ومفقود، ومشاطرتها العقيلة زينب والامام زين العابدين عليه‌السلام في الحزن والأسى، والقيام بتربية أبناء ولدها العباس، ووفاءها لزوجها أمير المؤمنين، ولسيدتها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، حتى لقيت ربّها وهو عنها راض.

فمنها من الكرامات ما أظهر - وما زال يظهر - شخصيتها أكثر، فلحقت ببعلها أمير المؤمنين عليه‌السلام وبينها الغر الميامين في جوار المصطفى الأمين وآله الأطهار في جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً.

فهي خالدة في النعيم هناك، وخالدة في أعماق قلوب المؤمنين، ولا زالت أنّتها ودموعها تسيل من كلّ عين، ولا زالت ندبتها للحسين ولولدها تسيل أسى وجمرات في زفات الشيعة والموالين.

٢٠١

لله من أم لنصر الدين لم

تحزن وقد ضحت له أولادها

تجري بصفحة ندبهم ندباً له

جعلت سواد العين ثم مدادها

فلولدها من ذاك أربعة ولي

ما زاد ندب السبط نص ودادها

* * *

٢٠٢

الفصل

الرابع عشر

المزارات في المدينة وضواحيها

٢٠٣

البقيع والمزارات والمساجد

المعروفة في المدينة وضواحيها

قبل أن نتعرّف على البقيع والمزارات الأخرى وقبر أم البنين عليها‌السلام ينبغي التعرّف - ولو بشكل إشارات - على مدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن ثم نعود للحديث عن البقيع:

* * *

٢٠٤

القسم الأول

مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : مكة حرم الله، والمدينة حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والكوفة حرمي، لا يريدها جبار بحادثة إلّا قصمه الله (١) .

أسماء المدينة الطيبة:

ذكر السمهودي في كتابه «وفاء الوفاء» أربعة وتسعين اسماً لهذه البلدة المقدسة، ورد بعضها في القرآن الكريم منها:

١ - المدينة:

قال تعالى: ( مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ ) (٢) .

٢ - أرض الله:

قال الله تعالى: ( أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ) (٣) .

__________________

(١) الكافي ٤ / ٥٦٤، التهذيب ٦ / ١٢ ح ٢١، وسائل الشيعة ١٤ / ٣٦٠ ح ١٩٣٨٦ باب ١٦.

(٢) سورة التوبة: الآية ١٢٠.

(٣) سورة النساء: الآية ٩٧.

٢٠٥

وفي هذه الاضافة من مزيد التعظيم ما لا يخفى.

٣ - الدار والايمان:

قال تعالى: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ) (١) .

عن عبد الله بن جعفر: سمّى الله المدينة الدار والايمان.

وقال البيضاوي في تفسيره: قيل: سمى الله المدينة بالايمان لأنّها مظهره ومصيره.

٤ - مدخل صدق:

قال الله تعالى: ( وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ) (٢) .

قال بعض المفسرين: مدخل صدق: المدينة ومخرج صدق: مكة (٣) .

الموقع الجغرافي:

تقع المدينة المنورة شرق مدينة جدّة، وشمال مكة المكرمة، وتبعد عن الأولى حدود «٤٢٥» كيلومتر، وعن الثانية حدود «٤٩٨» كيلومتر.

خصائص المدينة المنورة:

ذكر السمهودي في «وفاء الوفاء» تسعة وتسعين خصيصة للمدينة المنورة.

وقال: وهي كثيرة لا تكاد تنحصر ومنها:

الخاصة الأولى: إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خلق من طينتها.

الثانية: إنّها مدفن النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثالثة: إنّها محفوفة بالشهداء الذين بذلوا نفوسهم في ذات الله بين يدي نبيه كشهداء «بدر» و «أحد»، وهي مدفن لكثير من الصحابة.

__________________

(١) سورة الحشر: الآية ٩.

(٢) سورة الاسراء: الآية ٨٠.

(٣) انظر للتفصيل وفاء الوفاء ١ / ٨ وما بعدها.

٢٠٦

الرابعة: إنّ الله اختارها داراً وقراراً لأفضل خلقه وأكرمهم عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

الخامسة: إنّ الله اختار أهلها للنصرة والايواء.

السادسة: إنّ سائر البلاد افتتحت بالسيف وافتتحت هي بالقرآن.

السابعة: إنّ الله - تعالى - افتتح منها سائر بلاد الاسلام، حتى مكة المشرفة، وجعلها مظهر دينه القويم.

الثامنة: تأسيس مسجدها الشريف على يده صلى‌الله‌عليه‌وآله وعمل فيه بنفسه.

التاسعة: اختصاصها المسجد الذي أنزل الله فيه ( لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ) (١) .

العاشرة: اختصاصها بالروضة «بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة».

الحادية عشرة: إنّ إتيان مسجد «قبا» يعدل عمرة.

الثانية عشرة: اختصاصه بمزيد الأدب وخفض الصوت، لكونه بحضرة سيد المرسلين.

قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ) (٢) .

الثالثة عشرة: وجوب شفاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن زاره بها (٣) .

الحثّ على الاقامة بها:

لقد ورد الحثّ على السكن في المدينة والاقامة فيها، فان في كلّ خطوة من أرضها ما يذكر بالرسول الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله الميامين وصحبه المنتجبين،

__________________

(١) سورة التوبة: الآية ١٠٨.

(٢) سورة الحجرات: الآية ٢.

(٣) انظر للمزيد وفاء الوفاء ١ / ٧٣ وما بعدها.

٢٠٧

وتلك الأيام الغرّ التي صارت فيها هذه الأرض الطيبة مهبطاً للوحي، ومختلفاً للملائكة والروح المكين.

وقد ورد عن الحسين بن الجهم قال: سألت أبا الحسن عليه‌السلام : أيّهما أفضل المقام بمكة أو بالمدينة؟

فقال: أي شيء تقول أنت؟

فقلت: وما قولي مع قولك؟!

قال: إنّ قولك يردّ إلى قولي.

قال: فقلت له: أمّا أنا فأزعم أنّ المقام بالمدينة أفضل من الاقامة بمكة.

فقال: أمّا لئن قلت ذلك لقد قال أبو عبد الله عليه‌السلام ذلك يوم فطر، وجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسلّم عليه ثم قال: لقد فضلنا الناس اليوم بسلامنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

وعن مرازم قال: دخلت أنا وعمار وجماعة على أبي عبد الله عليه‌السلام بالمدينة فقال: ما مقامكم؟

فقال عمار: قد سرحنا ظهرنا وأمرنا أن نؤتى به إلى خمسة عشر يوماً.

فقال: أصبتم المقام في بلد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والصلاة في مسجده، واعملوا لآخرتكم وأكثروا لأنفسكم، إنّ الرجل قد يكون كيّساً في الدنيا فيقال: ما أكيس فلاناً، وإنّما الكيّس كيّس الآخرة (٢) .

وعن علي بن الحسين قال: لما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة قال: اللهم حبّب الينا المدينة كما حبّبت الينا مكة وأشدّ، وبارك في صاعها ومدّها، وانقل حماها ووباءها إلى الجحفة (٣) .

__________________

(١) الكافي ٤ / ٥٥٧ ح ١.

(٢) الكافي ٤ / ٢٥٥٧ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ / ٣٣٧ ح ١٥٦٩. والأحاديث جميعاً في الوسائل ١٤ / ٣٤٧ وما بعدها باب ١٠.

٢٠٨

القسم الثاني

مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قدم إلى المدينة مهاجراً، القى زمام ناقته فمشت حتى بركت عند باب المسجد، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هذا المنزل إن شاء الله».

ثم أخذ في النزول فقال: ( وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ) ، وبنى مسجده على أرض تقدر مساحتها بـ «٣٥ × ٣٠» متر، وأقامه على عشرة أساطين من جذوع النخل، وزاد فيه السنة السابعة للهجرة حتى صار مربعاً.

واستمر الخلفاء والسلاطين في توسيعه وإعماره جيلاً بعد جيل حتى بلغ اليوم - وبعد ألف وأربعمائة سنة من الهجرة - «١٦٣٢٦» متراً، وكانت آخر توسعة له في العهد السعودي زهاء «٦٠٢٤» متراً.

وكان لهذه التوسعات أثراً بالغاً في دثر معالم المسجد الذي بناه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بيديه الكريمتين وبأيدي أصحابه، إلّا أنّه - ومن حسن الحظ - لا زالت المعالم الأصلية من قبيل موضع حجراته صلى‌الله‌عليه‌وآله وحدوده الأصلية محددة من خلال تعليم الاسطوانات المنصوبة في الجهات الأربعة في المسجد (١) .

__________________

(١) أنظر: ما يخص المسجد النبوي الأعظم مفصلاً في وفاء الوفاء ١ / ٣٢٢ الباب الرابع.

٢٠٩

الحجرة الشريفة وحجرة فاطمة الصديقة:

لمّا بنى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مسجده الشريف بنى لأزواجه حجراً، وبنى حجرة لفاطمة عليها‌السلام ، وكانت هذه الحجرة باقية على حالها إلى سنة (٨٨) هجرية، وكانت الحجرة الشريفة في يد الامامين الحسنين ( عليهما‌السلام ).

قال المؤرخون: إنّ حجر أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أدخلت في المسجد بأمر الوليد بن عبد الملك.

قال عطاء الخراساني: أدركت حجرات أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من جريد على أبوابها المسوح من شعر أسود، فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يُقرأ يأمر بادخال حجر أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما رأيت يوماً أكثر باكياً من ذلك اليوم (١) .

محراب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

لم يكن في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله محراباً على عهد النبي، وزمان بعده، وكان اول من أحدث المحراب عمر بن عبد العزيز حيث بناه في الموضع الذي كان يصلي فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

القبر الشريف:

دفن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته ويقال لموضع قبره «الحجرة المطهرة»، وطولها «١٦» متراً وعرضها «١٥» متراً، ومساحتها الاجمالية «٢٤٠» متراً مربعاً.

وفي زوايا الحجرة الشريفة اسطوانات من الرخام المحكوك بدقة عالية بحيث تميزت عن سائر اسطوانات المسجد.

__________________

(١) انظر للزيادة وفاء الوفاء: الجزء الأول الباب التاسع والباب السادس عشر.

(٢) أنظر: وفاء الوفاء ١ / ٥٢٥ الفصل السابع عشر.

٢١٠

أساطين المسجد النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

كان في المسجد النبوي الشريف عدّة أساطين، بيد أن بعضها صار معلّماً وذا اسم خاص لمناسبة تاريخية أو حادثة مهمة اقترنت بها، ومنها:

١ - أسطوانة التوبة.

٢ - أسطوانة السرير.

٣ - أسطوانة المحرس.

٤ - أسطوانة الوفود.

٥ - أسطوانة المهاجرين.

٦ - أسطوانة مقام جبرئيل.

٧ - أسطوانة التهجد.

١ - أسطوانة التوبة:

وهي الأسطوانة التي ربط أبو لبابة نفسه اليها، وحلف لا يحلّ نفسه حتى يحلّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو تنزل توبته.

فلمّا نزلت توبته جاءت فاطمة عليها‌السلام تحلّه.

فقال: لا حتى يحلّني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما فاطمة بضعة مني (١) .

٢ - أسطوانة السرير:

وكان سرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوضع عندها.

__________________

(١) وفاء الوفاء ١ / ٤٤٣ الفصل السابع.

٢١١

٣ - أسطوانة المحرس:

وتسمى أسطوانة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وكان أمير المؤمنين يجلس في صفحتها التي تلي القبر، مما يلي باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يحرس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي خلف أسطوانة التوبة من جهة الشمال.

قال الأقشهري: إنّ أسطوان مصلّى علي - كرم الله وجهه - اليوم أشهر من أن تخفى على أهل الحرم، ويقصد الأمراء الجلوس والصلاة عندها إلى اليوم. وذكر أنّه كان يقال لها «مجلس القلادة» لشرف من كان يجلس فيه (١) .

٤ - أسطوانة الوفود:

وكان رسول الله يجلس اليها لوفود العرب إذا جاءته، وكانت تعرف أيضاً بمجلس القلادة لشرف من كان يجلس اليها من بني هاشم وسروات الصحابة وأفاضلهم (٢) .

٥ - أسطوانة القرعة:

وهي الأسطوانة التي هي واسطة بين القبر والمنبر عن يمينها إلى المنبر أسطوانتان، وبينها وبين القبر أسطوانتان، وبينها وبين الرحبة أسطوانتان، وهي واسطة بين ذلك. وإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى اليها بضع عشرة المكتوبة، ثم تقدم إلى مصلاه الذي وجاه الحراب في الصف الأوسط، وانّ المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها، وكان يقال لذلك المجلس مجلس المهاجرين، ويقال: الدعاء عندها مستجاب (٣) .

__________________

(١) وفاء الوفاء ١ / ٤٤٩ الفصل السابع.

(٢) أنظر: وفاء الوفاء ١ / ٤٤٩.

(٣) أنظر: وفاء الوفاء ١ / ٤٤٠.

٢١٢

٦ - أسطوانة مقام جِبرائيل:

كانت باب بيت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المربعة التي في القبر، وكان مسلم بن أبي مريم وغيره يقول: لا تنس حظك من الصلاة اليها، فانّها باب فاطمة عليها‌السلام الذي كان علي يدخل عليها منه.

ومن فضلها ما أسنده يحيى عن أبي الحمراء قال: شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعين صباحاً يجيىء إلى باب علي وفاطمة وحسن وحسين حتى يأخذ بعضادتي الباب ويقول: السلام عليكم أهل البيت ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .

وفي رواية له: رابطت بالمدينة سبعة أشهر كيوم واحد، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي باب عليّ كلّ يوم فيقول: الصلاة الصلاة ثلاث مرات ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) .

٧ - أسطوانة التهجد:

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج حصيراً كلّ ليلة إذا انصرف الناس إلى منازلهم، فيطرح وراء بيت علي، ثم يصلي صلاة الليل (٢) .

وقد دخلت بعض هذه الأسطوانات داخل شباك القبر الشريف، فحرم المؤمنون من فضيلة الصلاة عندها.

أصحاب الصفة:

الصفة: ظلّة في مؤخر مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يأوي اليها المساكين وضعفاء المسلمين ممن لا مأوى له ولا أهل، واليها ينسب «أهل الصفة».

__________________

(١) و (٢) وفاء الوفاء ١ / ٤٥٠.

٢١٣

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمر كلّ رجل، فينصرف برجل أو اكثر، فيبقى من بقي، فيؤتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعشائه فيتعشى معهم، فاذا فرغوا قال: ناموا في المسجد، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يجالسهم ويأنس اليهم، وإذا أتته الصدقة بعث بها اليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل اليهم وأصاب منها وأشركهم منها (١) .

عن فضال بن عبيد قال: كنّا نصلّي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيخرّ قوم من قامتهم من الخصاصة.

وروى آخر فقال: لقد رأيت سبعين من أهل الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء قد ربطوه، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته (٢) .

القبة الخضراء:

وهي قبة خضراء جعلت على ما يحاذي سقف الحجرة الشريفة بأعلى سقف المسجد، تميزاً لها، وهي مشيدة بالحجر الأخضر، تبدو للقادم إلى المدينة عن بعد، وتشدّ اليها روح الناظر، وتعرج به إلى سماء الحنين إلى سيد البشر وخاتم النبيّين صلى‌الله‌عليه‌وآله .

الضريح المقدس:

صنع الضريح المقدس من الفولاد، وله أربعة أبواب:

باب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في الطرف الجنوبي.

باب فاطمة عليها‌السلام في الجانب الشرقي.

__________________

(١) أنظر: وفاء الوفاء ١ / ٤٥٣ وما بعدها.

(٢) وفاء الوفاء ١ / ٤٥٤.

٢١٤

باب التهجد في الطرف الشمالي.

باب الوفود في الجانب الغربي.

وتوجد في جهة الرأس الشريف عمامة من الزمرد الأخضر تقدر بالمليارات (١) .

* * *

__________________

(١) أنظر: كتاب «أقرأ قبل الحج» لآية الله الحاج الشيخ علي الافتخاري الگلپايگاني.

٢١٥

القسم الثالث

المساجد المعروفة في المدينة وضواحيها

في المدينة المنورة مساجد كثيرة نشير إلى أسماء بعضها:

١ - مسجد قبا.

٢ - مسجد ذو القبلتين.

٣ - مسجد الجمعة.

٤ - مسجد الفضيخ.

٥ - مسجد الفتح.

٦ - مسجد الامام علي عليه‌السلام .

٧ - مسجد فاطمة عليها‌السلام .

٨ - مسجد الغمامة.

٩ - مسجد المباهلة.

١٠ - مسجد الشجرة.

١١ - مسجد أبو ذر.

١٢ - مسجد مشربة أم إبراهيم.

٢١٦

١٣ - مسجد ردّ الشمس.

١٤ - مسجد الاجابة.

١٥ - مسجد العسكر.

١٦ - مسجد الظفر.

١٧ - مسجد النفس الزكية.

١٨ - مسجد الأبواء.

١٩ - مسجد الجحفة.

٢٠ - مسجد غدير خم.

٢١ - مسجد بدر.

١ - مسجد قبا:

«قبا» قرية تبعد عن المدينة زهاء ميلين، وقد نزل فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في هجرته قبل دخوله المدينة، حيث أقام هناك ينتظر قدوم أمير المؤمنين عليه‌السلام بالفواطم.

وفي المعجم الكبير للطبراني عن جابر بن سمرة قال:

لما سأل أهل «قبا» النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبني لهم مسجداً.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليقم بعضكم فيركب الناقة.

فقام أبو بكر، فركبها فحرّكها، فلم تنبعث، فرجع فقعد.

فقام عمر، فركبها فلم تنبعث، فرجع فقعد.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه: ليقم بعضكم فيركب الناقة.

فقام علي عليه‌السلام ، فلمّا وضع رجله في غرز الركاب وثبت به.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرخ زمامها وابنوا على مدارها فانّها مأمورة (١) .

__________________

(١) وفاء الوفاء ١ / ٢٥١.

٢١٧

وهو المسجد الذي نزل فيه قوله تعالى ( لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ) (١) .

وتبلغ مساحة المسجد اليوم زهاء (١٣٥٠٠٠) متراً مربعاً، وبنايته غاية في الجمال والابداع.

٢ - مسجد القبلتين:

ويقع إلى الشمال الغربي من المدينة المنورة، وسمي بـ «مسجد القبلتين» لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي فيه صلاة الظهر، فأمر أن يتوجه إلى الكعبة ونزل قوله تعالى ( فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ) (٢) فاستدار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الكعبة.

تبلغ مساحة المسجد الحاية زهاء (٣٩٢٠) متراً مربعاً.

٣ - مسجد الجمعة:

إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا خرج من قباء مقدمه المدينة أدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلّاها في بطن الوادي، وكانت أول جمعة صلّاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنس، وبني في ذلك الموضع مسجداً سمي بـ «مسجد الجمعة» فكان ثاني المساجد - تاريخياً - بعد مسجد قبا.

٤ - مسجد الفضيخ:

وهو في نهاية شارع العوالي. و «الفضيخ» شراب يتخذ من التمر.

وقيل: إنّ نفراً من المسلمين كانوا يشربون فيه فضيخاً، فلما حرمت الخمر

__________________

(١) سورة التوبة: الآية ١٠٨.

(٢) سورة البقرة: الآية ١٤٤.

٢١٨

خرج الخبر اليهم، فحلّوا وكاء السقاء فهراقوه فيه، وأقاموا مسجداً، فبذلك سمي مسجد الفضيخ (١) .

٥ - مسجد الفتح:

وهو المسجد المرتفع على قطعة من جبل «سلع» في المغرب، غربيه وادي «بطحان» وقد دعا فيه النبي يوم الأحزاب فاستجاب له ربّه، ونصره على المشركين، وأباد جحافلهم وهزمهم.

٦ - مسجد أمير المؤمنين علي عليه‌السلام :

ويقع جنوب مسجد الفتح مشرفاً على وادي «بطحان»، وكان أمير المؤمنين علي عليه‌السلام يتعبّد فيه لما كانت المدينة محاصرة من قبل جيوش الأحزاب.

٧ - مسجد فاطمة عليها‌السلام :

ويقع بالقرب من مسجد الامام علي عليه‌السلام ، ويعدّ ضمن المساجد السبعة المعروفة، وتجتمع جميعاً حول مسجد الفتح ومنها «مسجد سلمان».

وقد أغلق باب مسجد «فاطمة عليها‌السلام » في السنين الأخيرة وبني بابه بالآجر في محاولة لمحو هذا المعلم المذكر ببنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن المسلمين والمؤمنين لازالوا يصلون لله - تعالى - في الساحة الصغيرة من الرصيف الواقع أمام الباب ويأبى الله إلّا أن يتم نوره ولو كره المشركون.

وهناك مسجد آخر بالقرب من مسجد الغمامة في السوق يقال: أنّه مسجد فاطمة عليها‌السلام أيضاً، وقد أعيد إعماره في الآونة الأخيرة، وهو مرتفع عن سطح الأرض عدة أمتار.

__________________

(١) أنظر: وفاء الوفاء ٣ / ٨٢١.

٢١٩

٨ - مسجد الغمامة:

قال الواقدي: صلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أول صلاة عيد في المدينة في السنة الثانية للهجرة، فخرج إلى الصحراء، فبني في ذلك الموضع مسجداً في القرن الثاني للهجرة.

وقيل في سبب تسمية المسجد بمسجد الغمامة: إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استسقى هناك ودعا، فلمّا أتمّ دعاءه تجمع الغمام وهطل المطر.

٩ - مسجد المباهلة:

إشارة إلى مباهلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لنصارى نجران حيث خرج صلى‌الله‌عليه‌وآله يباهلهم ومعه أمير المؤمنين عليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فأنزل الله تعالى ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (١) .

وقد تظافرت الروايات عن طرق الخاصة والعامة أنّ المراد من «أبناءنا» الحسن والحسين، و «نساءنا» فاطمة عليها‌السلام ، و «أنفسنا» أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكانت هذه الآية الشريف خاصة بالأنوار الخمسة.

١٠ - مسجد الشجرة:

يبعد هذا المسجد فرسخ ونصف الفرسخ عن المدينة تقريباً، وإنّما سمي بـ «مسجد الشجرة» لوجود أشجار السدر في المنطقة التي فيها المسجد.

وقد اكتسب هذا المسجد أهمية خاصة من خلال موقعه الخاص، حيث أحرم منه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لحجة الوداع، وهو الآن ميقات الحجاج الايرانيين - وغيرهم - للعمرة المفردة وللحج لمن يقصد المدينة قبل أعمال الحج.

__________________

(١) سورة آل عمران: الآية ٦١.

٢٢٠

تاريخ بغداد للخطيب :

حدّثنا الحسن بن أحمد بن سليمان السراج ، حدّثنا عبد السلام بن صالح ، حدّثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه ، عن أبي سعيد التميمي ، عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : ( دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي وتذكر علياً ، وقالت : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق والحق مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة )(1) .

مجمع الزوائد :

( فإنّي سمعت : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق ، أو : الحق مع علي حيث كان. قال : من سمع ذلك؟ قال : قاله في بيت أم سلمة ، قال : فأرسل إلى أم سلمة فسألها ، فقالت : قد قاله رسول الله في بيتي ، فقال الرجل لسعد : ما كنت عندي قط ألوم منك الآن ، فقال ولم؟ قال : لو سمعت هذا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم أزل خادماً لعلي حتّى أموت )(2) .

( وعن أم سلمة أنّها كانت تقول : كان علي على الحق ، من اتّبعه اتّبع الحق ، ومن تركه ترك الحق ، عهد معهود قبل يومه هذا )(3) .

الإمامة والسياسة :

__________________

1 ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 14 / 321 ، ونحوه في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب tat من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 3 / 119 ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 tat / 73 ، وفرائد السمطين للحمويني ج 1 / 177 ، أرجح المطالب لعبيد الله الحنفي ص tat 598 ط لاهور.

2 ـ مجمع الزوائد 7 : 235.

3 ـ مجمع الزوائد 9 : 134.

٢٢١

( فدخل [ محمّد بن أبي بكر ] على أخته عائشة ، قال لها : أما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : علي مع الحق والحق مع علي )(1) .

ربيع الأبرار للزمخشري :

( استأذن أبو ثابت مولى علي على أم سلمة رضي الله عنها فقالت : مرحباً بك يا أبا ثابت ، أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها؟ قال : تبع علي بن أبي طالب. قالت : وفقت والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق والقرآن ، والحق والقرآن مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )(2) .

تفسير الرازي :

( وأمّا أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر ، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى ، والدليل عليه قوله عليه السلام : اللهم أدر الحق مع علي حيث دار )(3) .

مناقب ابن مردويه :

__________________

1 ـ الإمامة والسياسة : 73.

2 ـ ربيع الأبرار للزمخشري ، وبهذا اللفظ أخرجه الخوارزمي في ( المناقب ) من طريق tat الحافظ ابن مردويه ، والحموي في ( فرائد السمطين ) في الباب السابع والعشرين عن tat طريق الحافظين أبي بكر البيهقي والحاكم أبي عبد الله النيسابوري.

3 ـ تفسير الرازي 1 : 205 ، ومستدرك الحاكم 3 ص 125 ، جامع الترمذي 2 ص 213 ، tat كنز العمال 6 ص 157 ، نزل الأبرار 24 ، مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 7 ص 35 ، tat وقال : رواه أبو يعلى ، ورجاله ثقات.

٢٢٢

( عن أبي ذر أنّه سئل عن اختلاف الناس فقال : عليك بكتاب الله والشيخ علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنّي سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق والحق معه وعلى لسانه ، والحق يدور حيثما دار علي )(1) .

ولا عجب أن يكون الحقّ معه يدور حيثما دار ، وهو من وصفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه بمنزلة رأسه من بدنه وأنّه كنفسه ، وأنّه معيار الحقّ ولو كان لوحده وكلّ الناس في صفّ آخر و

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( علي منّي بمنزلة رأسي من بدني )(2) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ، ولتؤتن الزكاة ، أو لأبعثن إليكم رجلاً منّي أو كنفسي فأخذ بيد علي فقال هو هذا )(3) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً ، وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي ، ودع الناس ، فإنّه لن يدلك على ردى ، ولن يخرجك من

__________________

1 ـ انظر : مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه : 113 ـ 118.

2 ـ المناقب للخوارزمي ص 87 و 91 ط الحيدرية ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 92 حديث 135 و 136 ، الجامع الصغير للسيوطي ج 2 / 56 ط الميمنية ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 30 ، الرياض النضرة للطبري ج 2 / 172 و214 ، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 7 / 12 ط السعادة بمصر ، ذخائر العقبى للمحب الطبري ص 63.

3 ـ المستدرك على الصحيحين ج 2 / 120 ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق ج 2 / 368 ح 867 ، مجمع الزوائد ج 9 / 163 ، الصواعق المحرقة ص 75 ط الميمنية ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 40 ، 285 ط اسلامبول ، كنز العمال ج 15 / 144 حديث 412 ط 2 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 89 ط الحيدرية وص 32 ط بيروت ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص 40 ط الحيدرية ، المناقب للخوارزمي الحنفي ص 81.

٢٢٣

هدى )(1) .

وفي رواية : ( يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً ، يا عمار ، إنّ طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله عزّ وجلّ.

وفي رواية : ( يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً ، من تقلّد سيفاً أعان به علياً على عدّوه ، قلّده الله يوم القيامة وشاحين من در ، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدو علي عليه ، قلّده الله يوم القيامة وشاحين من نار ، فقال علقمة والأسود لأبي أيوب : يا هذا حسبك! حسبك رحمك الله! حسبك رحمك الله )(2) .

هذه كلمات عربية يفهمها كلّ من عرف العربية ، وهي عمن لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى ، فلابدّ من أخذ كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجدّية وتدبّر ؛ لأنّه كلام مرشد الأمّة.

وقفة مع بعض العبارات في النصوص السابقة :

1 ـ قول عائشة : فأقبل عليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم غضباناً محمرّاً وجهه ، فقال : والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي وغيرهم إلّا خرج من الإيمان ، وإنّه مع الحق والحق معه.

2 ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أعيذك بالله أن تكوني منبحة كلاب الحوأب ).

3 ـ أترين يا حميراء أنّي لا أعرفك إن لأمتي منك يوماً مراً.

__________________

1 ـ ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ج 3 / 170 ح 1208 ، المناقب للخوارزمي ص 57 وص 105 ح 110.

2 ـ تاريخ بغداد 13 / 186 ، كنز العمال 12 / 212 ، فرائد السمطين 1 / 178 ، مناقب الخوارزمي : 57 و 124 رواه ابن عساكرعن أبي صادق ، والخطيب البغدادي في البداية والنهاية : 7 / 307 ، وابن جرير في كنز العمال : 11 / 352.

٢٢٤

4 ـ أما أنّي قد أرى مكانه ولو فعلت لنفرتم عنه كما نفرت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران.

5 ـ شهادة أم سلمة وعمار وسعد و بمقام عليعليه‌السلام .

6 ـ ألا وأنّه ليس أحد أفقه في دين الله ، ولا أعلم بكتاب الله ، ولا أقرب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فانفروا إلى أمير المؤمنين وسيّد المسلمين

7 ـ لو سمعت هذا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم أزل خادماً لعلي حتّى أموت.

8 ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي مع الحق.

علي مع القرآن.

علي نفسي.

علي بمنزلة رأسي من بدني.

يا عمار ، إذا رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي.

طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله

إذن ثبت أنّ علياًعليه‌السلام هو ممثل الحق ، وفرقته هي صاحبة الحق في كلّ عصر ، وقد بيّنا أنّ أتباعه من نصروه في الجمل وصفين والنهروان ، ومن وفى له في ذريته في كربلاء وغيرها ، ومن نهج نهجه ، وأخذ عنه ومنه ، وتمسّك بحبله عبر الخط الرسالي المستمر في ذرّيته الذين لا تخلو الأرض من حجّة منهم كي لا تبطل

٢٢٥

حجج الله وبيّناته :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيم ) (1) .

__________________

1 ـ الأنفال : 47.

٢٢٦
٢٢٧

الدليل الثاني عشر : آية المباهلة

قوله تعالى :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (1) .

المباهلة : مفاعلة من البهلة ، وهي : اللعنة ، ومأخذها من الإبهال ، وهو : الإهمال والتخلية ؛ لأن اللعن والطرد والإهمال من واد واحد ، ومعنى المباهلة أنّ يجتمعوا إذا اختلفوا ، فيقولوا بهلة الله على الظالم منّا )(2) .

بهل : أصل البهل كون الشيء غير مراعى ، والباهل البعير المخلى عن قيده أو عن سمة أو المخلّى ضرعها عن صرار. قالت امرأة : أتيتك باهلاً غير ذات صرار ، أي : أبحت لك جميع ما كنت أملكه لم استأثر بشيء دونه ، وأبهلت فلاناً خليته وإرادته تشبيهاً بالبعير الباهل.

والبهل والابتهال في الدعاء الاسترسال فيه والتضرّع ، نحو قوله عزّ وجلّ :( ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) ، ومن فسر الابتهال باللعن فلأجل أنّ الاسترسال في هذا المكان لأجل اللعن ، قال الشاعر : نظر الدهر إليهم فابتهل ، أي : استرسل فيهم فأفناهم )(3) .

__________________

1 ـ آل عمران (3) : 61

2 ـ الفائق في غريب الحديث 1 : 125.

3 ـ مفردات غريب القرآن : 63.

٢٢٨

قصّة المباهلة :

نصّ ماجاء في معرفة علوم الحديث للنيسابوري :

حدّثنا علي بن عبد الرحمن بن عيسى الدهقان بالكوفة ، قال : حدّثنا الحسين ابن الحكم الحبري ، قال : ثنا الحسن بن الحسين العرني ، قال ثنا حبّان بن علي العنزي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وفي قوله عزّ وجلّ :( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) إلى قوله( الكاذبين ) نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى نفسه ، ونساءنا ونساءكم في فاطمة ، وأبناءنا وأبناءكم في حسن وحسين ، والدعاء على الكاذبين نزلت في العاقب والسيّد وعبد المسيح وأصحابهم.

قال الحاكم : وقد تواترت الأخبار في التفاسير عن عبد الله بن عباس وغيره أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين ، وجعلوا فاطمة وراءهم ، ثمّ قال هؤلاء أبناءنا وأنفسنا ونساءنا ، فهلمّوا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ، ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين )(1) .

أحكام القرآن للجصّاص :

ونصّه مايلي : ( مطلب : في المباهلة وما رواه أصحاب السير في شأنها.

قوله تعالى( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) الاحتجاج المتقدّم لهذه الآية على النصارى في قولهم : إنّ المسيح هو ابن الله ، وهم وفد نجران ، وفيهم السيّد والعاقب قالا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل رأيت ولداً من غير ذكر؟ فأنزل الله تعالى( إن مثل عيسى عند الله

__________________

1 ـ معرفة علوم الحديث : 49.

٢٢٩

كمثل آدم ) ، روي ذلك عن ابن عباس والحسن وقتادة.

وقال قبل ذلك فيما حكي عن المسيح( ولأحلّ لكم بعض الذي حرم عليكم ) إلى قوله تعالى :( إنّ الله ربي وربكم فاعبدوه ) ، وهذا موجود في الإنجيل ؛ لأنّ فيه : ( إنّي ذاهب إلى أبي وأبيكم ، وإلهي وإلهكم ). والأب السيّد في تلك اللغة ألا تراه قال : ( وأبي وأبيكم ) فعلمت أنّه لم يرد به الأبوّة المقتضية للبنوّة فلمّا قامت الحجّة عليهم بما عرفوه واعترفوا به وأبطل شبهتهم في قولهم : إنّه ولد من غير ذكر بأمر آدم عليه السلام ، دعاهم حينئذ إلى المباهلة ، فقال تعالى :( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) الآية ، فنقل رواة السير ونقلة الأثر لم يختلفوا فيه : ( أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة رضي الله عنهم ، ثمّ دعا النصارى الذين حاجّوه إلى المباهلة ، فأحجموا عنها ، وقال بعضهم لبعض : ( إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم ناراً ، ولم يبق نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة ).

وفي هذه الآيات دحض شبه النصارى في أنّه إله أو ابن الإله ، وفيه دلالة على صحّة نبوّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لولا أنّهم عرفوا يقيناً أنّه نبي ما الذي كان يمنعهم من المباهلة؟ فلمّا أحجموا وامتنعوا عنها دلّ أنّهم قد كانوا عرفوا صحّة نبوّته بالدلائل المعجزات ، وبما وجدوا من نعته في كتب الأنبياء المتقدّمين.

وفيه الدلالة على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه أخذ بيد الحسن والحسين حين أراد حضور المباهلة وقال :( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) ولم يكن هناك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بنون غيرهما ، وقد

٢٣٠

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال للحسن رضي الله عنه : ( إن ابني هذا سيّد ). وقال حين بال عليه أحدهما وهو صغير : ( لا تزرموا ابني ). وهما من ذريته أيضاً ، كما جعل الله تعالى عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام بقوله تعالى :( ومن ذريته داود وسليمان ) إلى قوله تعالى :( وزكريا ويحيى وعيسى ) وإنما نسبته إليه من جهة أمّه ؛ لأنه لا أب له.

مطلب : في أنّ ولد البنت هل ينسب إلى قوم أبيه أو قوم أمّه.

ومن الناس من يقول : إنّ هذا مخصوص في الحسن والحسين رضي الله عنهما أنّ يسمّيا ابني النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم دون غيرهما ، وقد روي في ذلك خبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يدلّ على خصوص إطلاق اسم ذلك فيهما دون غيرهما من الناس ؛ لأنه روي عنه أنّه قال : ( كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي ). وقال محمّد فيمن أوصى لولد فلان ولم يكن له ولد لصلبه وله ولد ابن وولد ابنة : ( إنّ الوصيّة لولد الابن دون ولد الابنة ). وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنّ ولد الابنة يدخلون فيه. وهذا يدّل على أنّ قوله تعالى وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك مخصوص به الحسن والحسين في جواز نسبتهما على الإطلاق إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم دون غيره من الناس لما ورد فيه من الأثر ، وأنّ غيرهما من الناس إنّما ينسبون إلى الآباء وقومهم دون قوم الأم ، ألا ترى أنّ الهاشمي إذا استولد جارية رومية أو حبشية أنّ ابنه يكون هاشمياً منسوباً إلى قوم أبيه دون أمّه ، وكذلك قال الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

فنسبة الحسن والحسين رضي الله عنهما إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبنوة

٢٣١

على الإطلاق مخصوص بهما لا يدخل فيه غيرهما ، هذا هو الظاهر المتعارف من كلام الناس فيمن سواهما )(1) .

شواهد التنزيل :

ونصّه ما يلي : ( قوله عزّ اسمه :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) .

حدّثني الحاكم الوالد رحمه الله ، عن أبي حفص بن شاهين في تفسيره ، [ عن ] موسى بن القاسم ، [ عن ] محمّد بن إبراهيم بن هاشم ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني أبو عبد الله محمّد بن عمر بن واقد الأسلمي ، عن عتبة بن جبيرة ، عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن سعد بن معاذ قال قدم وفد نجران العاقب والسيد فقالا : يا محمّد إنك تذكر صاحبنا؟ فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : ومن صاحبكم؟ قالوا : عيسى بن مريم. فقال النبي : هو عبد الله ورسوله. قالا : فأرنا فيمن خلق الله مثله وفيما رأيت وسمعت. فأعرض النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) عنهما يومئذ ونزل [ عليه ] جبرئيل [ بقوله تعالى ] :( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ) (2) الآية.

فعادا وقالا : يا محمّد هل سمعت بمثل صاحبنا قط؟ قال : نعم. قالا : من هو؟ قال : آدم ، ثمّ قرأ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ) الآية. قالا : فإنّه ليس كما تقول. فقال لهم رسول الله [ صلّى

__________________

1 ـ أحكام القرآن 2 : 18.

2 ـ آل عمران (3) : 59.

٢٣٢

الله عليه وآله وسلم ] :( تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) الآية ، فأخذ رسول الله بيد علي ومعه فاطمة وحسن وحسين [ و ] قال : هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا. فهمّا أنّ يفعلا ، ثمّ إنّ السيّد قال للعاقب : ما تصنع بملاعنته؟ لئن كان كاذباً ما تصنع بملاعنته ، ولئن كان صادقاً لنهلكن!! فصالحوه على الجزية ، فقال النبي [صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] يومئذ : والذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد )(1) .

فتح الباري :

( ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عند مسلم والترمذي قال قال معاوية لسعد : ما منعك ان تسب أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبّه ، فذكر هذا الحديث [ حديث المنزلة ] وقوله : لأعطين الراية رجلاً يحبّه الله ورسوله ، وقوله لما نزلت :( فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ) دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين فقال : اللهم هؤلاء أهلي )(2) .

تفسير ابن كثير :

( قال : ( والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرّة الأولى وإنّ إبليس لمعهم ) ، ثمّ سألهم وسألوه ، فلم تزل به وبهم المسألة حتّى قالوا له : ما تقول في عيسى فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى يسرّنا إن كنت نبيّا أنّ نسمع ما تقول فيه؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( ما عندي فيه شيء يومي هذا ، فأقيموا حتّى

__________________

1 ـ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت 1 : 155.

2 ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 7 : 60.

٢٣٣

أخبركم بما يقول لي ربّي في عيسى ).

فأصبح الغد وقد أنزل الله هذه الآية :( إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم ـ إلى قوله ـ الكاذبين ) فأبوا أنّ يقرّوا بذلك.

فلمّا أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدّة نسوة ، فقال شرحبيل لصاحبيه : لقد علمتما أنّ الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلّا عن رأيي ، وإنّي والله أرى أمراً ثقيلا ، والله لئن كان هذا الرجل مبعوثاً فكنّا أوّل العرب طعناً في عينيه وردّاً عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتّى يصيبنا بجائحة وأنا لأدنى العرب منهما جواراً ، ولئن كان هذا الرجل نبيّاً مرسلاً فلاعنّاه لا يبقى منّا على وجه الأرض شعر ولا ظفر إلّا هلك ، فقال صاحباه : فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال : أرى أنّ أحكمه فإنّي أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً ، فقالا له : أنت وذاك.

قال : فتلّقى شرحبيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : إنّي قد رأيت خيراً من ملاعنتك فقال : ( وما هو )؟ فقال : حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( لعلّ وراءك أحداً يثرب عليك )؟ فقال شرحبيل : سل صاحبي ، فسألهما فقالا : ما يرد الوادي ولا يصدر إلّا عن رأي شرحبيل ، فرجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يلاعنهم حتّى إذا كان من الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب.

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لنجران ـ إن كان عليهم حكمه ـ في كلّ ثمرة وكلّ صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فاضل

٢٣٤

عليهم وترك ذلك كلّه لهم على ألفي حلّة ، في كلّ رجب ألف حلّة ، وفي كلّ صفر ألف حلة. وذكر تمام الشروط وبقية السياق.

والغرض أنّ وفودهم كان في سنة تسع لأنّ الزهري قال : كان أهل نجران أوّل من أدّى الجزية إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وآية الجزية إنّما أنزلت بعد الفتح وهي قوله تعالى :( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) الآية.

وقال أبو بكر بن مردويه : حدّثنا سليمان بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن داود المكي ، حدّثنا بشر بن مهران ، حدّثنا محمّد بن دينار ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن جابر قال : قدم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم العاقب والطيّب فدعاهما إلى الملاعنة ، فواعداه على أنّ يلاعناه الغداة. قال : فغدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ، ثمّ أرسل إليهما فأبيا أنّ يجيبا ، وأقرّا له بالخراج. قال : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( والذي بعثني بالحق لو قالا : لا ، لأمطر عليهم الوادي ناراً ).

قال جابر : وفيهم نزلت( ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) قال جابر( أنفسنا وأنفسكم ) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي بن أبي طالب ،( وأبناءنا ) الحسن والحسين( ونساءنا ) فاطمة.

وهكذا رواه الحاكم في مستدركه ، عن علي بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن الأزهري ، عن علي بن حجر ، عن علي بن مسهر ، عن داود بن أبي هند به بمعناه. ثمّ قال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا )(1) .

__________________

1 ـ تفسير القرآن العظيم 1 : 379.

٢٣٥

جامع البيان ، الطبري :

عن قتادة في قوله :( فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) قال : بلغنا أنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج ليلاً عن أهل نجران ، فلمّا رأوه خرج ، هابوا وفرقوا ، فرجعوا. قال معمر ، قال قتادة : لما أراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين وقال لفاطمة : ( اتّبعينا ) ، فلمّا رأى ذلك أعداء الله رجعوا.

حدّثنا الحسن بن يحيى ، قال : ( أخبرنا ) عبد الرزاق ، قال : ( أخبرنا ) معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لو خرج الذين يباهلون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً.

حدّثنا أبو كريب ، قال : ثنا زكريا ، عن عدّي قال : ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله.

حدّثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد إلّا أهلك الله الكاذبين ).

حدّثني يونس ، قال : ( أخبرنا ) ابن وهب ، قال : ثنا ابن زيد ، قال : قيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو لاعنت القوم بمن كنت تأتي حين قلت( أبناءنا وأبناءكم ) ؟ قال : ( حسن وحسين ).

حدّثني محمّد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الحنفي ، قال : ثنا المنذر بن ثعلبة ، قال : ثنا علباء بن أحمر اليشكري ، قال : لما نزلت هذه الآية :( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) الآية ، أرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شاب من اليهود :

٢٣٦

ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ لا تلاعنوا! فانتهوا )(1) .

صحيح مسلم :

( ولما نزلت هذه الآية( فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال اللهم هؤلاء أهلي )(2) .

وقفة مع شاهد في كلامهم يجب الالتفات إليه :

1 ـ عبارة : ( الدلالة على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه أخذ بيد الحسن والحسين حين أراد حضور المباهلة وقال تعالوا : ندع أبناءنا وأبناءكم ، ولم يكن هناك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بنون غيرهما ).

2 ـ عبارة : ( وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال للحسن رضي الله عنه : إنّ ابني هذا سيّد وقال حين بال عليه أحدهما وهو صغير : لا تزرموا ابني. وهما من ذريته أيضاً كما جعل الله تعالى عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام ).

3 ـ قال معاوية لسعد : ما منعك ان تسبّ أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبّه ( معاوية يأمر بسبّ علي ، وعليك التعليق ).

4 ـ( أنفسنا وأنفسكم ) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي بن أبي

__________________

1 ـ جامع البيان عن تأويل آي القرآن لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري3 : 409.

2 ـ صحيح مسلم 7 : 120 ، باب فضائل عليعليه‌السلام ، مسند أحمد 1 : 185 ، مسند أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص.

٢٣٧

طالب( وأبناءنا ) الحسن والحسين( ونساءنا ) فاطمة.

5 ـ فقال اللهم هؤلاء أهلي.

6 ـ عبارة : ( وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدّة نسوة ).

7 ـ لو لم يكن من دليل إلّا احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من احتجاجه آية المباهلة ، وهذه القصّة مشهورة ، وكلّهم أقروا بما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام وصدقوه في ما قال ، وهذا الاحتجاج في الشورى مروي من طرق السنة أنفسهم ، كما في الصواعق المحرقة لابن حجر : ( أخرج الدارقطني ان علياً يوم الشورى احتجّ على أهلها ، فقال لهم : أنشدكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الرحم منّي ، ومن جعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه وأبناءه أبناءه ونساءه نساءه غيري؟ قالوا : اللهم لا )(1) .

وكذلك هناك روايات كثيرة في احتجاج أبناء الإمام عليعليه‌السلام ، ومن ذلك ما روي أنّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضاعليه‌السلام بقوله : هل لك دليل من القرآن الكريم على إمامة علي ، أو أفضلية علي؟ فذكرله الإمامعليه‌السلام آية المباهلة ، واستدل بكلمة :( وأنفسنا ) ، كما جاء في الفصول المختارة للشيخ المفيد ما هذا نصّه.

وحدّثني الشيخ أدام الله عزّه أيضاً قال : قال المأمون يوماً للرضا عليه السلام : أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام يدلّ عليها القرآن قال : فقال له الرضا عليه السلام : فضيلته في المباهلة ، قال الله جلّ جلاله :( فمن حاجّك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا

__________________

1 ـ الصواعق المحرقة 2 : 454 ، الباب الحادي عشر ، الآية التاسعة.

٢٣٨

ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذببن ) ، فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسين عليهما السلام فكانا ابنيه ، ودعا فاطمة عليها السلام فكانت في هذا الموضع نساءه ، ودعا أمير المؤمنين عليه السلام فكان نفسه بحكم الله عزوجل ، وقد ثبت أنّه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجل من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأفضل فوجب أنّ لا يكون أحد أفضل من نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحكم الله عزّ وجلّ.

قال : فقال له المأمون : أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع وإنّما دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنيه خاصّة ، وذكر النساء بلفظ الجمع وإنّما دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنته وحدها ، فلم لا جاز أنّ يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين عليه السلام ما ذكرت من الفضل؟ قال : فقال له الرضا عليه السلام : ليس بصحيح ما ذكرت يا أمير المؤمنين ؛ وذلك أنّ الداعي إنّما يكون داعياً لغيره ، كما يكون الآمرآمراً لغيره ، ولا يصح أنّ يكون داعياً لنفسه في الحقيقة ، كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة ، وإذا لم يدع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلاً في المباهلة إلّا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه ، وجعل حكمه ذلك في تنزيله. قال : فقال المأمون : إذا ورد الجواب سقط السؤال )(1) .

8 ـ اعتراف ابن تيمية ـ الذي من طبيعته تكذيب فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ـ بعدم خروج أحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله في قضية المباهلة غير هؤلاء

__________________

1 ـ عن الفصول المختارة للشيخ المفيد : 38.

٢٣٩

الأربعة إلّا أنّه يقول بأن عادة العرب في المباهلة كانت أنّ يخرجوا الأقرب نسباً وإن لم يكن ذا فضيلة ، وإن لم يكن ذا تقوى ، وإن لم يكن ذا منزلة خاصّة أو مرتبة عند الله سبحانه وتعالى. لكنه يعترض على نفسه ويقول : إن كان كذلك ، فلم لم يخرج العباس عمه معه ، والعباس أقرب إلى رسول الله من علي؟ ويقول في الجواب على نفسه : بأنّ العباس لم يكن في تلك المرتبة لأن يحضر مثل هذه القضية ، فلذا يكون لعلي في هذه القضية نوع فضيلة(1) .

ونجيبه على قوله : إنّ العرب تأخذ الأقرب في المباهلة بقولنا :

أوّلاً : أنّ الرسول هو القدوة الحسنة لكلّ مسلم ، وكلامه وفعله ليس عن الهوى ، ولا يقلّد العرب ، ولا غيرهم في شيء ، وأنّ كلامه وأفعاله ما هي إلّا وحي يوحى.

ثانياً : أنّ العباس ( رضي الله عنه ) هو أقرب من عليعليه‌السلام ، إذ بالإجماع أنّ العم أقرب من ابن العم ، فلِمَ لم يأخذ إلّا عليعليه‌السلام ؟ وقد اعترف بذلك بنفسه.

ثالثاً : أنّ الإمام عليعليه‌السلام له فضائل ودلائل غير آية المباهلة تدلّ على أولويته بالخلافة ، بل ثبت وجوب اتّباعه من الصحاح والمسانيد والتفاسير السنية المعتبرة ، مضافاً إلى اجماع الشيعة.

رابعاً : يعترض ابن تيمية بقوله : ( لم تكن الفضيلة هذه لعلي فقط ، وإنّما كانت لفاطمة والحسنين أيضاً ، إذن ، لم تختص هذه الفضيلة بعلي ).

نقول : إنّ البحث لم يكن في تفضيل علي على فاطمة والحسنين عليهم

__________________

1 ـ منهاج السنّة 7 : 122 ـ 130.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378