أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين15%

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 378

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين
  • البداية
  • السابق
  • 378 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 165740 / تحميل: 9088
الحجم الحجم الحجم
أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

7 - فرض البيعة بالقوّة ليزيد الفاجر:

لقد كانت الخلافة أيام أبي بكر وعمر وعثمان ذات مسحة إسلامية وكانوا يحكمون تحت شعار خلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

على أنّ معاوية حينما بدأ بالسيطرة على زمام السلطة فإنّه - رغم الخداع والتضليل الذي عرفنا شيئاً عنه - لم يجترئ على تحدّي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ورسالته بشكل علني وصريح في بداية حكمه; إذ كان يستغل المظاهر الإسلامية لإحكام القبضة ولتحقيق مزيد من السيطرة على رقاب أبناء الأمة الإسلامية. ومن هنا وصف معاوية بالدهاء والذكاء المفرط; لأنه كان يُلبس باطله لباساً إسلامياً.

ولكن تحميله ليزيد الفاجر المعلن بفسقه على الأمة جاء هتكاً صريحاً للقيم الإسلامية واستهتاراً واضحاً لعرف المسلمين؛ وذلك لما عرفه المسلمون جميعاً من أنّ الخلافة الإسلامية ليست حكماً قيصرياً ولا كسروياً لينتقل بالوراثة، ولا يستحق هذا المنصب إلاّ العالم بالكتاب والسنّة، العامل بهما والقادر على تحقيق أهداف الرسالة الإسلامية وتطبيق أحكامها.

هذا مضافاً إلى أنّ فرض البيعة ليزيد على المسلمين كان جريمة كبرى ذات أبعاد اجتماعية وسياسية خطيرة تنتهي بتصفية الإسلام ومحوه من على وجه الأرض، لولا ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام سبط الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله الحافظ لدين جدّه من الضياع والدمار.

ولأجل الوقوف على عظمة هذه الجريمة; لابدّ أن نعرف أوّلاً من هو يزيد؟ وما هو السبب الذي جعله غير صالح للخلافة؟ ولماذا يكون فرض بيعته عدواناً صريحاً على الإسلام وارتداداً عنه وعودة إلى الجاهلية التي ناهضها الإسلام؟

١٠١

البحث الثاني: من هو يزيد بن معاوية؟

قبل الحديث عن تولّي يزيد للحكم وموقف الإمام الحسينعليه‌السلام من ذلك لابدّ وأن نعرف من هو يزيد في منظار الإسلام والمسلمين؟ وما هو رأي الإسلام في البيت الأموي بصورة عامة؟

لا يشك أحد من الباحثين والمؤرّخين في أنّ الأمويين كانوا من ألدّ أعداء الإسلام وأنكد خصومه منذ أن بزغ فجره وحتى آخر مرحلة من مراحل حكمهم. وأنهم لم يدخلوا فيه إلاّ بعد أن استنفدوا جميع إمكاناتهم في محاربته حتّى باؤوا بالفشل. ولمّا دخلوا فيه مرغمين أخذوا يخطّطون لتشويه معالمه وإعادة مظاهر الجاهلية بكلّ أشكالها بأسلوب جديد وتحت ستار الإسلام.

وكان معاوية يرتعش جزعاً ويضجر عندما كان يسمع النداء باسم النبي محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويشعر بانطلاق هذا الاسم المبارك في أجواء العالم الإسلامي من أعلى المآذن في كلّ يوم.

وهكذا كان غيره من حكّام ذلك البيت الذين حكموا باسم الإسلام وهم يعملون على تقويضه وإبرازه على غير واقعه وتشويه قوانينه وتشريعاته ومُثله.

ويزيد بن معاوية الذي وقف الإمام الحسينعليه‌السلام منه ذلك الموقف الخالد كان كما يصفه المؤرّخون والمحدّثون مستهتراً إلى حدّ الإسراف في الاستهتار، وممعناً في الفحشاء والمنكرات إلى حدّ الغلوّ في ذلك(1) .

____________________

(1) سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 41.

١٠٢

ولادة يزيد ونشأته وصفاته:

ولد يزيد سنة (25 أو 26 هـ )(1) وأمه ميسون بنت بجدل الكلبية، وقد ذكر المؤرّخون: أنّ ميسون بنت بجدل الكلبية أمكنت عبد أبيها من نفسها، فحملت بيزيد (لعنه الله) وإلى هذا أشار النسّابة الكلبي بقوله:

فإن يكن الزمان أتى علينا

بقتل الترك والموت الوحي

فقد قَتل الدعيُّ وعبدُ كلب

بأرض الطف أولادَ النبي

أراد بالدعيّ عبيد الله بن زياد لعنه الله... ومراده بعبد كلب يزيد بن معاوية، لأنّه من عبد بجدل الكلبي(2) .

وفيما يتّصل بصفاته الجسميّة فقد وصفه ابن كثير - في بدايته - بأنّه كان كثير اللحم عظيم الجسم وكثير الشعر مجدوراً(3) .

أمّا صفاته النفسية فقد ورث صفات الغدر والنفاق والطيش والاستهتار من سلفه، حتّى قال المؤرّخون: وكان يزيد قاسياً غدّاراً كأبيه، (إن كان من معاوية طبعاً) ولكنّه ليس داهيةً مثله، كانت تنقصه القدرة على تغليف تصرّفاته القاسية بستار من اللباقة الدبلوماسية الناعمة، وكانت طبيعته المنحلّة وخُلقه المنحطّ لا تتسرّب اليها شفقة ولا عدل. كان يقتل ويعذّب نشواناً للمتعة واللّذة التي يشعر بها، وهو ينظر إلى آلام الآخرين، وكان بؤرة لأبشع الرذائل، وها هم ندماؤه من الجنسين خير شاهد على ذلك، لقد كانوا من حثالة المجتمع(4) .

____________________

(1) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 179.

(2) بحار الأنوار: 44 / 309.

(3) سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 42.

(4) حياة الإمام الحسين: 2 / 181 - 182.

١٠٣

وقد نشأ يزيد عند أخواله في البادية من بني كلاب الذين كانوا يعتنقون المسيحية قبل الإسلام، وكان مرسل العنان مع شبابهم الماجنين فتأثّر بسلوكهم إلى حد بعيد، فكان يشرب معهم الخمر ويلعب معهم بالكلاب.

ولع يزيد بالصيد:

ومن مظاهر صفات يزيد ولعه بالصيد، فكان يقضي أغلب أوقاته فيه، قال المؤرّخون: كان يزيد بن معاوية كلفاً بالصيد لاهياً به، وكان يُلبِسُ كلابَ الصيد الأساورَ من الذهب والجلال المنسوجة منه، ويهب لكلّ كلب عبداً يخدمه(1) .

شغفه بالقرود:

وكان يزيد - فيما أجمع عليه المؤرّخون - ولعاً بالقرود، وكان له قرد يجعله بين يديه ويكنّيه بأبي قيس، ويسقيه فضل كأسه، ويقول: هذا شيخ من بني اسرائيل أصابته خطيئة فمسخ، وكان يحمله على أتان وحشية ويرسله مع الخيل في حلبة السباق، فحمله يوماً فسبق الخيل فسرّ بذلك وجعل يقول:

تمسّك أبا قيس بفضل زمامها

فليس عليها إن سقطتَ ضمانُ

فقد سبقتَ خيل الجماعة كلّها

وخيل أمير المؤمنين أتانُ

وأرسله مرّةً في حلبة السباق فطرحته الريح فمات فحزن عليه حزناً شديداً، وأمر بتكفينه ودفنه كما أمر أهل الشام أن يعزّوه بمصابه الأليم، وأنشأ راثياً له:

كم من كرام وقوم ذوو محافظة

جاءوا لنا ليعزوا في أبي قيس

____________________

(1) راجع الفخري لابن الطقطقي: 45، وتاريخ اليعقوبي: 2/230، وتاريخ الطبري: 4/368، والبداية والنهاية: 8/236 - 239.

١٠٤

شيخ العشيرة أمضاها وأجملها

على الرؤوس وفي الأعناق والريس

لا يُبعد الله قبراً أنت ساكنه

فيه جمال وفيه لحية التيس(1)

وذاع بين الناس هيامه وشغفه بالقرود حتى لقّبوه بها، ويقول رجل من تنوخ هاجياً له:

يزيد صديق القرد ملّ جوارنا

فحنّ إلى أرض القرود يزيد

فتبّاً لمن أمسى علينا خليفة

صحابته الأدنون منه قرود(2)

إدمانه على الخمر:

والظاهرة البارزة من صفات يزيد إدمانه على الخمر حتى أسرف في ذلك إلى حد كبير، فلم يُرَ في وقت إلاّ وهو ثمل لا يعي من فرط السكر، ومن شعره في الخمر:

أقول لصحب ضمّت الخمر شملهم

وداعي صبابات الهوى يترنّم

خذوا بنصيب من نعيم ولذّة

فكلّ وإن طال المدى يتصرّم(3)

وينقل المؤرّخون عن عبد الله بن حنظلة الذي خرج على يزيد بعد أن اصطحب وفداً من أهل المدينة إلى الشام في أعقاب استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام وصفه ليزيد بقوله: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنّه رجل ينكح الاُمهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله بلاءً حسناً(4) .

____________________

(1) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 182، نقلاً عن جواهر المطالب: 143.

(2) أنساب الأشراف: 2 / 2.

(3) حياة الإمام الحسين: 2 / 183، نقلاً عن تأريخ المظفري.

(4) تأريخ ابن عساكر: 7 / 372، وتأريخ الخلفاء للسيوطي: 81.

١٠٥

وقال أعضاء الوفد: قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويلعب بالكلاب(1) .

ونقل عن المنذر بن الزبير قوله في وصفه: والله إنّه ليشرب الخمر، والله إنّه ليسكر حتى يدع الصلاة(2) .

ووصفه أبو عمر بن حفص بقوله: والله رأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة مسكراً...(3)

ويتبدّى الكفر في وصفه للخمر في الأبيات الآتية:

شميسة كرم برجها قعردنِّها

ومشرقها الساقي ومغربها فمي

اذا اُنزلت من دنِّها في زجاجة

حكت نفراً بين الحطيم وزمزمِ

فإن حَرُمَتْ يوماً على دين أحمد

فخذها على دين المسيح ابن مريمِ(4)

وعنه قال المسعودي: وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب، وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد وذلك بعد قتل الحسين، فأقبل على ساقيه فقال:

إسقني شربةً تُروّي مُشاشي

ثم مِلْ فاسقِ مثلها ابن زيادِ

صاحب السرّ والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

ثم أمر المغنّين فغنّوا، وغلب على أصحاب يزيد وعمّاله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي وأظهر الناس شرب الشراب(5) .

____________________

(1) تأريخ ابن عساكر: 7 / 372، وتأريخ الخلفاء للسيوطي: 81.

(2) البداية والنهاية: 8 / 216، الكامل لابن الأثير: 4 / 45.

(3) المصدر السابق.

(4) تتمة المنتهى: 43.

(5) مروج الذهب: 2 / 94.

١٠٦

ويؤكّد في مكان آخر: وكان يسمّى يزيد السكران الخمّير(1) .

وكان ليزيد جماعة من الندماء الخليعين والماجنين يقضي معهم لياليه الحمراء بين الشراب والغناء (وفي طليعة ندمائه الأخطل الشاعر المسيحي الخليع، فكانا يشربان ويسمعان الغناء، وإذا أراد السفر صحبه معه، ولمّا هلك يزيد وآل أمر الخلافة إلى عبد الملك بن مروان قرّبه، فكان يدخل عليه بغير استئذان، وعليه جبّة خزّ، وفي عنقه سلسلة ذهب، والخمر يقطرمن لحيته)(2) .

إن مطالعة الحياة الماجنة ليزيد في حياة أبيه تكفي لفهم دليل امتناع عامة الصحابة والتابعين من الرضوخ لبيعة يزيد بالخلافة.

إنّ نوايا يزيد ونزعاته المنحرفة قد تجلّت بشكل واضح خلال فترة حكمه القصيرة، حتى أنّه لم يبال بإظهار ما كان يضمره من حقد للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وما كان ينطوي عليه من إلحاد برسالتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن دنّس يديه بقتل سبط الرسول وريحانته أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وهو متسلّط - بالقهر - على رقاب المسلمين باسم الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

إلحاد يزيد وحقده على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

لقد أترعت نفس يزيد بالحقد على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والبغض له، لأنّه وتره باُسرته يوم بدر، ولمّا أباد العترة الطاهرة جلس على أريكة الملك جذلان مسروراً، فقد استوفى ثأره من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتمنّى حضور أشياخه ليروا كيف أخذ بثأرهم، وجعل يترنّم بأبيات عبد الله بن الزبعرى:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسلْ

____________________

(1) مروج الذهب: 2 / 94.

(2) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني: 7 / 170.

١٠٧

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثم قالوا يا يزيد لا تشلْ

قد قتلنا القرم من أشياخهم

وعدلناه ببدر فاعتدلْ

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزلْ

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعلْ(1)

بل إنّ يزيداً جاهر بإلحاده وكفره عندما تحرّك عبد الله بن الزبير ضدّه في مكة، فقد وجّه جيشاً لإجهاض تحرّك ابن الزبير وزوّده برسالة إليه، ورد فيها البيت الآتي:

ادع إلهك في السماء فإنّني

أدعو عليك رجال عك وأشعرا(2)

جرائم حكم يزيد:

ذكر المؤرّخون أنّ يزيد ارتكب خلال فترة حكمه القصيرة التي لم تتجاوز ثلاث سنين ونصف، ثلاث جرائم مروّعة لم يشهد لها التأريخ نظيراً، بحيث لم تسوّد تأريخ الأمويين إلى الأبد فحسب; وإنّما شوّهت تأريخ العالم الإسلامي كذلك، ومن هذه الجرائم:

1 - انتهاك حرمة أهل بيت الوحي بقتل الإمام الحسين السبطعليه‌السلام ومن معه من أسرته وأصحابه وسبي نسائه وأطفاله وعرضهم على الجماهير من بلد إلى بلد سنة (61 هـ ) وهم ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وملايين المسلمين تقدّسهم وتذكر فيهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكلّ ما في الإسلام من حقّ وخير.

2 - إقدامه بعد ملحمة عاشوراء على انتهاك حرمة مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقتل أهلها وإباحة أعراضهم لجيش الشام، لأنّهم استعظموا قتل الإمام

____________________

(1) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 187، نقلاً عن البداية والنهاية: 8 / 192.

(2) مروج الذهب: 2 / 95.

١٠٨

الحسينعليه‌السلام وأنكروه عليه.

3 - إقدامه على حصار مكّة وتدمير الكعبة وقتل آلاف الأبرياء في الحرم الذي جعله الله حراماً وآمناً.

السرّ الكامن وراء نزعات يزيد الشرّيرة:

رجّح بعض المؤرّخين أنّ بعض نساطرة النصارى تولّى تربية يزيد وتعليمه، فنشأ نشأةً سيّئة ممزوجةً بخشونة البادية وجفاء الطبع، وقالوا: إنّه كان من آثار تربيته المسيحية أنّه كان يقرّب المسيحيين ويكثر منهم في بطانته الخاصة، وبلغ من اطمئنانه إليهم أن عهد بتربية ولده إلى مسيحي، كما اتّفق على ذلك المؤرّخون(1) .

ولا يمكن أن تعلّل هذه الصلة الوثيقة وتعلّقه الشديد بالأخطل وغيره إلاّ بتربيته ذات الصبغة المسيحية. هكذا حاول بعض المؤرّخين والكتّاب أن يعلّل استهتار يزيد بالإسلام ومقدّساته وحرماته.

وهذا التعليل يمكن أن يكون له ما يسوّغه لو كانت لحياة البادية وللتربية المسيحية تلك الصبغة الشاذّة التي برزت في سلوك يزيد من مطلع شبابه إلى أن أصبح وليّاً لعهد أبيه وحاكماً من بعده.

في حين أن العرب في حاضرتهم وباديتهم كانت لهم عادات وأعراف كريمة قد أقرّها الإسلام كالوفاء وحسن الجوار والكرم والنجدة وصون الأعراض وغير ذلك ممّا تحدّث به التأريخ عنهم، ولم يعرف عن يزيد شيء من ذلك، كما وأنّ التأريخ لم يحدّث عنهم بأنّهم استحلّوا نكاح الأخوات والعمّات كما حدّث التأريخ عنه. والذين ولدوا في البادية على النصرانية طيلة

____________________

(1) سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 42 وراجع أيضاً: حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 180. عن المناقب: 71 للقاضي نعمان المصري، وسمو المعنى في سموّ الذات: 59 العلائلي.

١٠٩

حياتهم قبل الفتح الإسلامي وعاشوا في ظلّ أعرافها وعاداتها حينما دخلوا في الإسلام تغلّبوا على كلّ ما اعتادوه وألفوه عن الآباء والأجداد.

فلابدّ إذن من القول بأنّ لذلك الانحراف الشديد والوبيء في شخصية يزيد وسلوكه سبباً وراء التربية والحضانة المسيحية.

إلى هنا نكون قد وقفنا على صورة واضحة عن واقع شخصية يزيد المنحرفة عن خطّ الإسلام انحرافاً لا يسوغ لأيّ مسلم الانقياد لها والسكوت عليها ما دام الإسلام يمنع الإباحية والفسق ويدعو إلى العدل والتقوى، ويحاول تحقيق مجتمع عامر بالتقوى، ويريد للمسلمين قيادة تحرص على تحقيق أهداف الإسلام المُثلى.

ومن هنا كان علينا أن نطالع بدقّة كل مواقف الإمام الحسينعليه‌السلام باعتباره القائد الرسالي الحريص على مصالح الرسالة والأمة الإسلامية وندرس تخطيطه الرسالي للوقوف أمام الانحراف الهائل الذي كان يمتدّ بسرعة في أعماق المجتمع الإسلامي آنذاك.

١١٠

الفصل الثاني:

مواقف الإمام الحسينعليه‌السلام وإنجازاته

البحث الأوّل: موقفهعليه‌السلام من البيعة ليزيد

1 - دعوة انتهازية وخطّة شيطانية:

عندما ارتفعت راية الحقّ مرفرفةً فوق ربوع مكّة ومعلنةً عن انتصارها; دخل أبو سفيان ومعاوية في الإسلام ونار الحقد تستعر في قلبيهما ونزعة الثأر من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام تكمن في صدريهما، فتحوّلا من كونهما كافرين إلى كونهما مستسلِمَين طليقين من طلقاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله . ولم يطل العهد حتى حكم عثمان بن عفان فتسرّب ما كان مختبئاً في القلب وظهر على لسان أبي سفيان وهو يخاطب عثمان بقوله: صارت إليك بعد تيم وعديّ فأدرها كالكرة فإنّما هو الملك ولا أدري ما جنّة ولا نار(1) .

وخاطب أبو سفيان بني أمية ثانيةً: يا بني أمية! تلقّفوها تلقّف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان مازلت أرجوها لكم، ولتصيرنّ إلى صبيانكم ورثة(2) .

وحين أطلّ معاوية من نافذة السقيفة على كرسيّ الحكم بانت نتائج

____________________

(1) الاستيعاب: 2 / 690.

(2) مروج الذهب: 1 / 440، تأريخ ابن عساكر: 6 / 407.

١١١

الانحراف واتّضحت خطورته; فإنّه قد لاحظ، أنّ أبا بكر وعمر وعثمان قد ملكوا قبله ولم تسمح لهم الظروف بإعادة صرح الجاهلية من جديد، ولا زال صوت الحقّ هادراً كلّ يوم بالتوحيد وبالرسالة لمحمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) .

كما أنّ الانحراف السياسي الذي ولّدته السقيفة وتربّت عليه فئات من الأمة استثمره معاوية أيّما استثمار، فقد احتجّ على الناس بأنّ أبا بكر بويع بدون نصّ سماويّ أو أمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّه خالف سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ جعل عمر خليفةً من بعده، وصنع عمر ما لم يصنعه قبله وخالف بذلك الله ورسوله وأبا بكر. ووفق هذا المنطق فإنّ الأمة ومصير الرسالة الإسلامية تكون ألعوبة بيد معاوية يسوسها كيف يشاء. من هنا قرّر أن يبايع بالخلافة ليزيد(2) من بعده.

وقد خلت الساحة السياسية للزمرة الأُموية بعد فتن ومصاعب أشعلها معاوية مستغلاًّ جهالة طبقات من الأمة، وموظّفاً كلّ الطاقات التي وقفت ضدّ الإمام عليعليه‌السلام لصالحه في مواجهة تيار الحقّ بقيادة الإمام الحسنعليه‌السلام . واستأثر بالحكم بعد قتله للإمام الحسنعليه‌السلام واستهتاره بقيم الإسلام وتعاليمه. وكان حاذقاً في إحكام سيطرته وملكه، ولكنّه لم يجرؤ لإعلان خطّته تثبيتاً لملك بني أُمية باستخلاف يزيد من بعده وفي الأمة من هو صاحب الخلافة الشرعية وهو الإمام الحسنعليه‌السلام ومن بعده أخوه الإمام الحسينعليه‌السلام الذي كان على الأمة أن تعود لقيادته بعد افتقادها للحسنعليه‌السلام .

يضاف إلى ذلك أنّ أحداً من الخلفاء الثلاثة لم يوصِ بالخلافة لولده من بعده. ونظراً لما كان ينطوي عليه يزيد من ضعف واستهتار ومجون

____________________

(1) مروج الذهب: 2 / 343، وشرح النهج: 2 / 357.

(2) الإمامة والسياسة: 1 / 189.

١١٢

فقد مضى معاوية بكلّ جدٍّ ليحبك الأمر ويدبّره بطريقة يخدع بها الأمة، بل يقهرها على قبول البيعة ليزيد. من هنا بادر إلى قتل الإمام الحسن السبطعليه‌السلام وخيار المؤمنين في خطوة أُولى ليرفع بذلك أهمّ الموانع التي كانت تحول بينه وبين تنفيذ خطّته.

على أنّ أصحاب النفوس الرذيلة والمطامع الدنيوية على استعداد تام لبلوغ أتفه المطامع من أيّ طريق كان. فقد روي أنّ المغيرة بن شعبة - الذي كان والياً من قبل معاوية على الكوفة - علم بأنّ معاوية ينوي عزله فأسرع إلى نسج خيوط مؤامرة جلبت الويلات على الأمة الإسلامية وليكون بذلك سمساراً يصافق على ما لا يملك; إذ همس في أذن يزيد يمنّيه بخلافة أبيه ويزيّن له الأمر ويسهّله. ووجد معاوية أنّ خطّة شيطانية يمكن أن يكون المغيرة عاملاً لتنفيذها(1) ، فسأله مخادعاً: ومن لي بهذا؟ فردّ عليه المغيرة: أكفيك أهل الكوفة ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك. وهكذا قبض المغيرة على ربح عاجل لصفقة مؤجّلة، ورجع إلى الكوفة بكلّ قوّة لينفّذ الخطّة وهو يقول: لقد وضعت رِجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمّد(2) .

ورفض زياد بن أبيه هذه الخطّة الخبيثة; ولعلّه لما كان يلمسه من رذائل في شخصية يزيد بحيث تجعله غير صالح لزعامة الأمة. وقد أثارت هذه الخطّة مطامع أطراف أخرى من بني أُمية، فمدّ كل من مروان بن الحكم وسعيد بن عثمان بن عفان عنقه لذلك(3) .

____________________

(1) الكامل في التأريخ: 3 / 249، وتأريخ اليعقوبي: 2 / 195، والإمامة والسياسة: 2 / 262.

(2) الكامل في التأريخ: 3 / 249.

(3) وفيات الأعيان: 5 / 389، والإمامة والسياسة: 1 / 182، وتأريخ اليعقوبي: 2 / 196.

١١٣

وجمّد معاوية رسمياً وبشكل مؤقّت خطّته لأخذ البيعة ليزيد؛ وذلك ليتّخذ إجراءات أخرى تمهّد للإعلان الرسمي وفي الفرصة المناسبة لذلك.

2 - أساليب معاوية لإعلان بيعة يزيد:

لمس معاوية رفض العائلة الأُموية المنحرفة لحكم يزيد من بعده، فكيف بصاحب الحقّ الشرعي - الإمام الحسنعليه‌السلام ومن بعده الإمام الحسينعليه‌السلام - وعدد من أبناء الصحابة؟!

من هنا مضى جادّاً باتّخاذ سبل أخرى تتراوح بين مخادعة الأمة وبين قهرها بالقوّة على بيعة الخليع يزيد، ومن تلك السبل:

أ - استخدام الشعراء لإسباغ فضائل على يزيد ولبيان مقدرته وإشاعة أمره، لكي تخضع الأمة لولايته(1) ، وأوعز إلى ولاته والخطباء في الأمصار لنشر تلك الفضائل المفتعلة.

ب - بذل الأموال الطائلة وشراء ذمم المعارضين ممّن كان يقف ضدّ يزيد لا بدافع العقيدة والحرص على الإسلام وإنّما بدوافع شخصية وذاتية(2) .

ج - استقدام وفود من وجهاء الأنصار(3) ومناقشة قضية يزيد معهم لمعرفة الرافض والمؤيّد منهم، ومعرفة نقاط الضعف لكي ينفذ منها إليهم.

د - إيقاع الخلاف بين عناصر بني أُمية الطامعين في الحكم كي يضعف منافستهم ليزيد، فقد عزل عامله على يثرب سعيد بن العاص واستعمل مروان ابن الحكم مكانه، ثم عزل مروان واستعمل سعيداً(4) .

هـ - اغتيال الشخصيات الإسلامية البارزة والتي كانت تحظى باحترام

____________________

(1) الأغاني: 8 / 71، وشعراء النصرانية بعد الإسلام: 234: للويس شيخو اليسوعي.

(2) الكامل في التأريخ: 3 / 250.

(3) الكامل في التأريخ: 3 / 250.

(4) تأريخ الطبري: 4 / 18.

١١٤

كبير في نفوس الجماهير، فاغتال الإمام الحسنعليه‌السلام وسعد بن أبي وقّاص وعبد الرحمن بن خالد وعبد الرحمن بن أبي بكر(1) .

و - استخدام سلاح الحرمان الاقتصادي ضدّ بني هاشم للضغط عليهم وإضعاف دورهم، فقد حبس عنهم العطاء سنة كاملة(2) ; إذ وقفوا مع الإمام الحسينعليه‌السلام يرفضون البيعة ليزيد.

3 - محاولات الإمام الحسينعليه‌السلام لإيقاظ الأمة:

لم يخلد الإمام الحسينعليه‌السلام إلى السكون والخمول حتى عند إقراره الصلح مع معاوية، فقد تحرّك انطلاقاً من مسؤوليّته تجاه الشريعة والأمة الإسلامية وبصفته وريث النبوّة - بعد أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام - مراعياً ظروف الأمة وساعياً إلى المحافظة عليها. وقد عمل الإمامعليه‌السلام في فترة حكم معاوية على تحصين الأمة ضدّ الانهيار التام فأعطاها من المقوّمات المعنوية القدرَ الكافي، كي تتمكّن من البقاء صامدةً في مواجهة المحن. وإليك جملة من هذه المواقف:

1 - مواجهةُ معاوية وبيعةِ يزيد.

2 - محاولة جمع كلمة الأمة.

3 - فضح جرائم معاوية.

4 - استعادة حقّ مضيّع.

5 - تذكير الأمة بمسؤوليّاتها.

____________________

(1) مقاتل الطالبيّين: 29، وتأريخ الطبري: 5 / 253، والكامل في التأريخ: 3 / 352.

(2) الكامل في التأريخ: 3 / 252، والإمامة والسياسة: 1 / 200.

١١٥

مواجهةُ معاوية وبيعة يزيد:

أعلن الإمام الحسينعليه‌السلام رفضه القاطع لبيعة يزيد وكذا زعماء يثرب، فقرّر معاوية أن يسافر إلى يثرب ليتولّى بنفسه إقناع المعارضين، فاجتمع بالإمام وعبد الله بن عباس، فأشاد بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأثنى عليه، وعرض بيعة ابنه ومنحه الألقاب الفخمة ودعاهما إلى بيعته، فانبرى الإمامعليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

(أمّا بعد يا معاوية فلن يؤدّي المادح وإن أطنب في صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد فهمتُ ما لبست به الخلف بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من إيجاز الصفة، والتنكّب عن استبلاغ النعت، وهيهات هيهات يا معاوية!! فضح الصبحُ فحمةَ الدجى، وبهرت الشمسُ أنوار السرج، ولقد فضّلت حتى أفرطت، واستأثرت حتى أجحفت، ومنعت حتى بخلت، وجُرت حتى تجاوزت، ما بذلت لذي حقّ من اسم حقّه من نصيب، حتى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ونصيبه الأكمل.

وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد من اكتماله، وسياسته لأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تريد أن توهم الناس في يزيد كأنّك تصفُ محجوباً أو تنعت غائباً، أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش، والحمام السبق لأترابهنّ، والقيان ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصراً.

ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه! فوالله ما برحتَ تقدح باطلاً في جور وحنقاً في ظلم حتى ملأتَ الأسقية، وما بينك وبين الموت إلاّ غمضة، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص، ورأيتك

١١٦

عرّضت بنا بعد هذا الأمر، ومنعتنا عن آبائنا تراثاً ولعمر الله لقد أورثنا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولادة، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فأذْعنَ للحجّة بذلك وردّه الإيمان إلى النصف.

فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل، وقلتم كان ويكون حتى أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يا أولي الأبصار.

وذكرتَ قيادةَ الرجلِ القومَ بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتأميرَه له، وقد كان ذلك لعمرو ابن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وببعثه له وما صار لعمرو يومئذ حتى أنف القوم إمرته وكرهوا تقديمه وعدّوا عليه أفعاله، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لا جَرَمَ يا معشرَ المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري، فكيف تحتجُّ بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجتمع عليه من الصواب؟ أم كيف ضاهيتَ بصاحب تابعاً وحولك من يُؤمن في صحبته، ويُعتمد في دينه وقرابته، وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون؟ تريد أن تُلبس الناس شبهةً يسعد بها الباقي في دنياه وتشقى بها في آخرتك، إنّ هذا لهو الخسران المبين، وأستغفر الله لي ولكم.

وذهل معاوية من خطاب الإمامعليه‌السلام ، وضاقت عليه جميع السبل

فقال لابن عباس: ما هذا يا ابن عباس؟ فقال ابن عباس: لعمر الله إنّها لذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأحد أصحاب الكساء ومن البيت المطهّر، فاسأله عمّا تريد فإنّ لك في الناس مقنعاً حتى يحكم الله بأمره وهو خير الحاكمين(1) .

وقد اتّسم موقف الإمام الحسينعليه‌السلام مع معاوية بالشدّة والصرامة، وأخذ يدعو المسلمين علناً إلى مقاومة معاوية، ويحذّرهم من سياسته الهدّامة التي تحمل الدمار إلى الإسلام.

____________________

(1) حياة الإمام الحسين: 2 / 219 - 220.

١١٧

محاولة جمع كلمة الأمة والاستجابة لحركة الجماهير:

وأخذت الوفود تترى على الإمام من جميع الأقطار الإسلامية وهي تعجّ بالشكوى وتستغيث به نتيجة الظلم والجور الذي حلّ بها، وتطلب منه القيام بإنقاذها من الاضطهاد، ونقلت العيون في يثرب إلى السلطة المحلّية أنباء تجمّع الناس واختلافهم إلى الإمامعليه‌السلام وكان الوالي مروان بن الحكم، ففزع من ذلك وخاف من عواقبه جداً، فرفع مذكّرة إلى معاوية جاء فيها: أمّا بعد فقد كثر اختلاف الناس إلى الحسين، والله إنّي لأرى لكم منه يوماً عصيباً(1) .

واضطرب معاوية من تحرّك الإمام الحسينعليه‌السلام فكتب إليه رسالةً جاء فيها: أمّا بعد، فقد أنهيت إليّ عنك أمور، إن كانت حقّاً فإنّي لم أظنّها بك رغبة عنها، وإن كانت باطلة فأنت أسعد الناس بمجانبتها، وبحظ نفسك تبدأ، وبعهد الله توفي فلا تحملني على قطيعتك والإساءة إليك، فإنّك متى تنكرني أنكرك، ومتى تكدني أكدك، فاتّق الله يا حسين في شقّ عصا الأمة، وأن تردّهم في فتنة(2) .

فضح جرائم معاوية:

كتب الإمامعليه‌السلام إلى معاوية مذكّرةً خطيرةً كانت ردّاً على رسالته يحمّله فيها مسؤوليّات جميع ما وقع في البلاد من سفك الدماء وفقدان الأمن وتعريض الأمة للأزمات. وتعدّ من أروع الوثائق الرسمية التي حفلت بذكر الأحداث التي صدرت من معاوية، وهذا نصّها: (أمّا بعد، بلغني كتابك تذكر فيه أ نّه انتهت اليك عنّي اُمور أنت عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير، وأنّ الحسنات لا يهدي لها

____________________

(1) حياة الإمام الحسين: 2/223.

(2) المصدر السابق: 2 / 224.

١١٨

ولا يسدّد إليها إلاّ الله تعالى. أمّا ما ذكرت أ نّه رقى إليك عنّي فإنّه إنّما رقاه إليك الملاّقون المشاءون بالنميمة، المفرّقون بين الجمع، وكذب الغاوون، ما أردت لك حرباً ولا عليك خلافاً، و إنّي لأخشى الله في ترك ذلك منك، ومن الإعذار فيه إليك وإلى أوليائك القاسطين حزب الظلمة.

ألستَ القاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم، ويستعظمون البدع، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولا يخافون في الله لومة لائم؟ قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم الأيْمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة، جرأةً على الله واستخفافاً بعهده.

أوَلستَ قاتل عمرو بن الحمق الخزاعي صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله العبد الصالح الذي أبلتْه العبادة فنحل جسمُه واصفرّ لونُه؟ فقتلته بعد ما أمّنته وأعطيته ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال.

أوَلستَ بمدّعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف، فزعمَت أ نّه ابن أبيك؟ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (الولدُ للفراش وللعاهر الحجر) فتركت سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تعمّداً، وتبعت هواك بغير هدىً من الله، ثم سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسملُ أعينهم ويصلبهم على جذوع النخل، كأنّك لست من هذه الأمة وليسوا منك.

أوَلستَ قاتل الحضرمي الذي كتب فيه اليك زياد أ نّه على دين عليّكرم الله وجهه، فكتبتَ إليه أن اقتل كلّ من كان على دين عليّ؟ فقتلهم ومثّل بهم بأمرك، ودين عليّ هو دين ابن عمّهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين رحلة الشتاء ورحلة الصيف.

وقلت فيما قلت: اُنظر لنفسك ودينك ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله واتّق شقّ عصا هذه الأمة

١١٩

وأن تردّهم إلى فتنة، وإنّي لا أعلم فتنةً أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها، ولا أعظم لنفسي ولديني ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من أن اُجاهرك، فإنْ فعلتُ فإنه قربة إلى الله، وإن تركتُه فإنّي استغفر الله لديني واسأله توفيقه لإرشاد أمري.

وقلت فيما قلت: إنّي إن أنكرتك تنكرني، وإن أكدك تكدني، فكدني ما بدا لك، فإنّي أرجو أن لا يضرّني كيدك، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك، لأنّك قد ركبت جهلك وتحرّصت على نقض عهدك، ولعمري ما وفيتَ بشرط، ولقد نقضتَ عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا أو قُتلوا، ولم تفعل ذلك بهم إلاّ لذكرهم فضلَنا وتعظيمهم حقَّنا، مخافة أمر لعلّك إن لم تقتلهم مُتّ قبل أن يفعلوا، أو ماتوا قبل أن يدركوا.

فأبشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحساب، واعلم أنّ لله تعالى كتاباً لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها، وليس الله بناس لأخذك بالظنّة، وقتلك أولياءه على التُّهم، ونفيك إيّاهم من دورهم إلى دار الغربة، وأخذك الناس ببيعة ابنك الغلام الحدث، يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب، ما أراك إلاّ قد خسرت نفسك، وبترت دينك، وغَشَشْتَ رعيّتك، وسمعت مقالة السفيه الجاهل، وأخفت الورع التقيّ)(1) .

ولا توجد وثيقة سياسية في ذلك العهد عرضت لعبث السلطة وسجّلت الجرائم التي ارتكبها معاوية غير هذه الوثيقة، وهي صرخة في وجه الظلم والاستبداد.

استعادة حقّ مضيّع:

وكان معاوية ينفق أكثر أموال الدولة لتدعيم ملكه، كما كان يهب

____________________

(1) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2/235 عن الإمامة والسياسة: 1 / 284، والدرجات الرفيعة: 334، وراجع الغدير: 10 / 161.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الثالث عشر من جمادي الثاني، وكان يوم جمعة، فدخل الفضل بن العباس عليه‌السلام ، وهو بالك حزين، وهو يقول:

لقد ماتت جدتي أم البنين، فانظر بالله عليك إلى هذا الدهر الخؤون كيف فجع أهل الكساء مرتين في شهر واحد فلا حول ولا قوة إلّا بالله...».

ثم عثرت بعد ذلك بمدة على خبر آخر في هامش» وقائع الشهور والأيام» للبيرجندي ونصه ما يلي:

«وفيه - يقصد الثالث عشر من جمادي الثاني - توفيت أم البنين الكلابية سنة (٦٤ هـ) عن الأعمش».

وعليه فهذان المصدران في تاريخ وفاة أم البنين أحدهما يذكر اليوم والآخر يذكر السنة التي توفيت فيها ملتحقة بالرفيق الأعلى بعد أن قامت بأدوارها الهامة في حياتها، من رعاية شؤون الحسنين عليهما‌السلام - كما تقدم - وتربية بنيها وتوجيههم، مضافاً إلى توجيه أبيهم الامام علي عليه‌السلام ، وتضحيتها بهم في سبيل الله بين يدي الحسين عليه‌السلام ، واقامتها المآتم على الحسين عليه‌السلام ، وتقديمه على كلّ عزيز ومفقود، ومشاطرتها العقيلة زينب والامام زين العابدين عليه‌السلام في الحزن والأسى، والقيام بتربية أبناء ولدها العباس، ووفاءها لزوجها أمير المؤمنين، ولسيدتها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، حتى لقيت ربّها وهو عنها راض.

فمنها من الكرامات ما أظهر - وما زال يظهر - شخصيتها أكثر، فلحقت ببعلها أمير المؤمنين عليه‌السلام وبينها الغر الميامين في جوار المصطفى الأمين وآله الأطهار في جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً.

فهي خالدة في النعيم هناك، وخالدة في أعماق قلوب المؤمنين، ولا زالت أنّتها ودموعها تسيل من كلّ عين، ولا زالت ندبتها للحسين ولولدها تسيل أسى وجمرات في زفات الشيعة والموالين.

٢٠١

لله من أم لنصر الدين لم

تحزن وقد ضحت له أولادها

تجري بصفحة ندبهم ندباً له

جعلت سواد العين ثم مدادها

فلولدها من ذاك أربعة ولي

ما زاد ندب السبط نص ودادها

* * *

٢٠٢

الفصل

الرابع عشر

المزارات في المدينة وضواحيها

٢٠٣

البقيع والمزارات والمساجد

المعروفة في المدينة وضواحيها

قبل أن نتعرّف على البقيع والمزارات الأخرى وقبر أم البنين عليها‌السلام ينبغي التعرّف - ولو بشكل إشارات - على مدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن ثم نعود للحديث عن البقيع:

* * *

٢٠٤

القسم الأول

مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : مكة حرم الله، والمدينة حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والكوفة حرمي، لا يريدها جبار بحادثة إلّا قصمه الله (١) .

أسماء المدينة الطيبة:

ذكر السمهودي في كتابه «وفاء الوفاء» أربعة وتسعين اسماً لهذه البلدة المقدسة، ورد بعضها في القرآن الكريم منها:

١ - المدينة:

قال تعالى: ( مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ ) (٢) .

٢ - أرض الله:

قال الله تعالى: ( أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ) (٣) .

__________________

(١) الكافي ٤ / ٥٦٤، التهذيب ٦ / ١٢ ح ٢١، وسائل الشيعة ١٤ / ٣٦٠ ح ١٩٣٨٦ باب ١٦.

(٢) سورة التوبة: الآية ١٢٠.

(٣) سورة النساء: الآية ٩٧.

٢٠٥

وفي هذه الاضافة من مزيد التعظيم ما لا يخفى.

٣ - الدار والايمان:

قال تعالى: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ) (١) .

عن عبد الله بن جعفر: سمّى الله المدينة الدار والايمان.

وقال البيضاوي في تفسيره: قيل: سمى الله المدينة بالايمان لأنّها مظهره ومصيره.

٤ - مدخل صدق:

قال الله تعالى: ( وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ) (٢) .

قال بعض المفسرين: مدخل صدق: المدينة ومخرج صدق: مكة (٣) .

الموقع الجغرافي:

تقع المدينة المنورة شرق مدينة جدّة، وشمال مكة المكرمة، وتبعد عن الأولى حدود «٤٢٥» كيلومتر، وعن الثانية حدود «٤٩٨» كيلومتر.

خصائص المدينة المنورة:

ذكر السمهودي في «وفاء الوفاء» تسعة وتسعين خصيصة للمدينة المنورة.

وقال: وهي كثيرة لا تكاد تنحصر ومنها:

الخاصة الأولى: إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خلق من طينتها.

الثانية: إنّها مدفن النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثالثة: إنّها محفوفة بالشهداء الذين بذلوا نفوسهم في ذات الله بين يدي نبيه كشهداء «بدر» و «أحد»، وهي مدفن لكثير من الصحابة.

__________________

(١) سورة الحشر: الآية ٩.

(٢) سورة الاسراء: الآية ٨٠.

(٣) انظر للتفصيل وفاء الوفاء ١ / ٨ وما بعدها.

٢٠٦

الرابعة: إنّ الله اختارها داراً وقراراً لأفضل خلقه وأكرمهم عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

الخامسة: إنّ الله اختار أهلها للنصرة والايواء.

السادسة: إنّ سائر البلاد افتتحت بالسيف وافتتحت هي بالقرآن.

السابعة: إنّ الله - تعالى - افتتح منها سائر بلاد الاسلام، حتى مكة المشرفة، وجعلها مظهر دينه القويم.

الثامنة: تأسيس مسجدها الشريف على يده صلى‌الله‌عليه‌وآله وعمل فيه بنفسه.

التاسعة: اختصاصها المسجد الذي أنزل الله فيه ( لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ) (١) .

العاشرة: اختصاصها بالروضة «بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة».

الحادية عشرة: إنّ إتيان مسجد «قبا» يعدل عمرة.

الثانية عشرة: اختصاصه بمزيد الأدب وخفض الصوت، لكونه بحضرة سيد المرسلين.

قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ) (٢) .

الثالثة عشرة: وجوب شفاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن زاره بها (٣) .

الحثّ على الاقامة بها:

لقد ورد الحثّ على السكن في المدينة والاقامة فيها، فان في كلّ خطوة من أرضها ما يذكر بالرسول الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله الميامين وصحبه المنتجبين،

__________________

(١) سورة التوبة: الآية ١٠٨.

(٢) سورة الحجرات: الآية ٢.

(٣) انظر للمزيد وفاء الوفاء ١ / ٧٣ وما بعدها.

٢٠٧

وتلك الأيام الغرّ التي صارت فيها هذه الأرض الطيبة مهبطاً للوحي، ومختلفاً للملائكة والروح المكين.

وقد ورد عن الحسين بن الجهم قال: سألت أبا الحسن عليه‌السلام : أيّهما أفضل المقام بمكة أو بالمدينة؟

فقال: أي شيء تقول أنت؟

فقلت: وما قولي مع قولك؟!

قال: إنّ قولك يردّ إلى قولي.

قال: فقلت له: أمّا أنا فأزعم أنّ المقام بالمدينة أفضل من الاقامة بمكة.

فقال: أمّا لئن قلت ذلك لقد قال أبو عبد الله عليه‌السلام ذلك يوم فطر، وجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسلّم عليه ثم قال: لقد فضلنا الناس اليوم بسلامنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

وعن مرازم قال: دخلت أنا وعمار وجماعة على أبي عبد الله عليه‌السلام بالمدينة فقال: ما مقامكم؟

فقال عمار: قد سرحنا ظهرنا وأمرنا أن نؤتى به إلى خمسة عشر يوماً.

فقال: أصبتم المقام في بلد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والصلاة في مسجده، واعملوا لآخرتكم وأكثروا لأنفسكم، إنّ الرجل قد يكون كيّساً في الدنيا فيقال: ما أكيس فلاناً، وإنّما الكيّس كيّس الآخرة (٢) .

وعن علي بن الحسين قال: لما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة قال: اللهم حبّب الينا المدينة كما حبّبت الينا مكة وأشدّ، وبارك في صاعها ومدّها، وانقل حماها ووباءها إلى الجحفة (٣) .

__________________

(١) الكافي ٤ / ٥٥٧ ح ١.

(٢) الكافي ٤ / ٢٥٥٧ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ / ٣٣٧ ح ١٥٦٩. والأحاديث جميعاً في الوسائل ١٤ / ٣٤٧ وما بعدها باب ١٠.

٢٠٨

القسم الثاني

مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قدم إلى المدينة مهاجراً، القى زمام ناقته فمشت حتى بركت عند باب المسجد، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هذا المنزل إن شاء الله».

ثم أخذ في النزول فقال: ( وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ) ، وبنى مسجده على أرض تقدر مساحتها بـ «٣٥ × ٣٠» متر، وأقامه على عشرة أساطين من جذوع النخل، وزاد فيه السنة السابعة للهجرة حتى صار مربعاً.

واستمر الخلفاء والسلاطين في توسيعه وإعماره جيلاً بعد جيل حتى بلغ اليوم - وبعد ألف وأربعمائة سنة من الهجرة - «١٦٣٢٦» متراً، وكانت آخر توسعة له في العهد السعودي زهاء «٦٠٢٤» متراً.

وكان لهذه التوسعات أثراً بالغاً في دثر معالم المسجد الذي بناه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بيديه الكريمتين وبأيدي أصحابه، إلّا أنّه - ومن حسن الحظ - لا زالت المعالم الأصلية من قبيل موضع حجراته صلى‌الله‌عليه‌وآله وحدوده الأصلية محددة من خلال تعليم الاسطوانات المنصوبة في الجهات الأربعة في المسجد (١) .

__________________

(١) أنظر: ما يخص المسجد النبوي الأعظم مفصلاً في وفاء الوفاء ١ / ٣٢٢ الباب الرابع.

٢٠٩

الحجرة الشريفة وحجرة فاطمة الصديقة:

لمّا بنى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مسجده الشريف بنى لأزواجه حجراً، وبنى حجرة لفاطمة عليها‌السلام ، وكانت هذه الحجرة باقية على حالها إلى سنة (٨٨) هجرية، وكانت الحجرة الشريفة في يد الامامين الحسنين ( عليهما‌السلام ).

قال المؤرخون: إنّ حجر أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أدخلت في المسجد بأمر الوليد بن عبد الملك.

قال عطاء الخراساني: أدركت حجرات أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من جريد على أبوابها المسوح من شعر أسود، فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يُقرأ يأمر بادخال حجر أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما رأيت يوماً أكثر باكياً من ذلك اليوم (١) .

محراب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

لم يكن في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله محراباً على عهد النبي، وزمان بعده، وكان اول من أحدث المحراب عمر بن عبد العزيز حيث بناه في الموضع الذي كان يصلي فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

القبر الشريف:

دفن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته ويقال لموضع قبره «الحجرة المطهرة»، وطولها «١٦» متراً وعرضها «١٥» متراً، ومساحتها الاجمالية «٢٤٠» متراً مربعاً.

وفي زوايا الحجرة الشريفة اسطوانات من الرخام المحكوك بدقة عالية بحيث تميزت عن سائر اسطوانات المسجد.

__________________

(١) انظر للزيادة وفاء الوفاء: الجزء الأول الباب التاسع والباب السادس عشر.

(٢) أنظر: وفاء الوفاء ١ / ٥٢٥ الفصل السابع عشر.

٢١٠

أساطين المسجد النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

كان في المسجد النبوي الشريف عدّة أساطين، بيد أن بعضها صار معلّماً وذا اسم خاص لمناسبة تاريخية أو حادثة مهمة اقترنت بها، ومنها:

١ - أسطوانة التوبة.

٢ - أسطوانة السرير.

٣ - أسطوانة المحرس.

٤ - أسطوانة الوفود.

٥ - أسطوانة المهاجرين.

٦ - أسطوانة مقام جبرئيل.

٧ - أسطوانة التهجد.

١ - أسطوانة التوبة:

وهي الأسطوانة التي ربط أبو لبابة نفسه اليها، وحلف لا يحلّ نفسه حتى يحلّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو تنزل توبته.

فلمّا نزلت توبته جاءت فاطمة عليها‌السلام تحلّه.

فقال: لا حتى يحلّني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما فاطمة بضعة مني (١) .

٢ - أسطوانة السرير:

وكان سرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوضع عندها.

__________________

(١) وفاء الوفاء ١ / ٤٤٣ الفصل السابع.

٢١١

٣ - أسطوانة المحرس:

وتسمى أسطوانة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وكان أمير المؤمنين يجلس في صفحتها التي تلي القبر، مما يلي باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يحرس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي خلف أسطوانة التوبة من جهة الشمال.

قال الأقشهري: إنّ أسطوان مصلّى علي - كرم الله وجهه - اليوم أشهر من أن تخفى على أهل الحرم، ويقصد الأمراء الجلوس والصلاة عندها إلى اليوم. وذكر أنّه كان يقال لها «مجلس القلادة» لشرف من كان يجلس فيه (١) .

٤ - أسطوانة الوفود:

وكان رسول الله يجلس اليها لوفود العرب إذا جاءته، وكانت تعرف أيضاً بمجلس القلادة لشرف من كان يجلس اليها من بني هاشم وسروات الصحابة وأفاضلهم (٢) .

٥ - أسطوانة القرعة:

وهي الأسطوانة التي هي واسطة بين القبر والمنبر عن يمينها إلى المنبر أسطوانتان، وبينها وبين القبر أسطوانتان، وبينها وبين الرحبة أسطوانتان، وهي واسطة بين ذلك. وإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى اليها بضع عشرة المكتوبة، ثم تقدم إلى مصلاه الذي وجاه الحراب في الصف الأوسط، وانّ المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها، وكان يقال لذلك المجلس مجلس المهاجرين، ويقال: الدعاء عندها مستجاب (٣) .

__________________

(١) وفاء الوفاء ١ / ٤٤٩ الفصل السابع.

(٢) أنظر: وفاء الوفاء ١ / ٤٤٩.

(٣) أنظر: وفاء الوفاء ١ / ٤٤٠.

٢١٢

٦ - أسطوانة مقام جِبرائيل:

كانت باب بيت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المربعة التي في القبر، وكان مسلم بن أبي مريم وغيره يقول: لا تنس حظك من الصلاة اليها، فانّها باب فاطمة عليها‌السلام الذي كان علي يدخل عليها منه.

ومن فضلها ما أسنده يحيى عن أبي الحمراء قال: شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعين صباحاً يجيىء إلى باب علي وفاطمة وحسن وحسين حتى يأخذ بعضادتي الباب ويقول: السلام عليكم أهل البيت ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .

وفي رواية له: رابطت بالمدينة سبعة أشهر كيوم واحد، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي باب عليّ كلّ يوم فيقول: الصلاة الصلاة ثلاث مرات ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) .

٧ - أسطوانة التهجد:

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج حصيراً كلّ ليلة إذا انصرف الناس إلى منازلهم، فيطرح وراء بيت علي، ثم يصلي صلاة الليل (٢) .

وقد دخلت بعض هذه الأسطوانات داخل شباك القبر الشريف، فحرم المؤمنون من فضيلة الصلاة عندها.

أصحاب الصفة:

الصفة: ظلّة في مؤخر مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يأوي اليها المساكين وضعفاء المسلمين ممن لا مأوى له ولا أهل، واليها ينسب «أهل الصفة».

__________________

(١) و (٢) وفاء الوفاء ١ / ٤٥٠.

٢١٣

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمر كلّ رجل، فينصرف برجل أو اكثر، فيبقى من بقي، فيؤتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعشائه فيتعشى معهم، فاذا فرغوا قال: ناموا في المسجد، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يجالسهم ويأنس اليهم، وإذا أتته الصدقة بعث بها اليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل اليهم وأصاب منها وأشركهم منها (١) .

عن فضال بن عبيد قال: كنّا نصلّي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيخرّ قوم من قامتهم من الخصاصة.

وروى آخر فقال: لقد رأيت سبعين من أهل الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء قد ربطوه، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته (٢) .

القبة الخضراء:

وهي قبة خضراء جعلت على ما يحاذي سقف الحجرة الشريفة بأعلى سقف المسجد، تميزاً لها، وهي مشيدة بالحجر الأخضر، تبدو للقادم إلى المدينة عن بعد، وتشدّ اليها روح الناظر، وتعرج به إلى سماء الحنين إلى سيد البشر وخاتم النبيّين صلى‌الله‌عليه‌وآله .

الضريح المقدس:

صنع الضريح المقدس من الفولاد، وله أربعة أبواب:

باب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في الطرف الجنوبي.

باب فاطمة عليها‌السلام في الجانب الشرقي.

__________________

(١) أنظر: وفاء الوفاء ١ / ٤٥٣ وما بعدها.

(٢) وفاء الوفاء ١ / ٤٥٤.

٢١٤

باب التهجد في الطرف الشمالي.

باب الوفود في الجانب الغربي.

وتوجد في جهة الرأس الشريف عمامة من الزمرد الأخضر تقدر بالمليارات (١) .

* * *

__________________

(١) أنظر: كتاب «أقرأ قبل الحج» لآية الله الحاج الشيخ علي الافتخاري الگلپايگاني.

٢١٥

القسم الثالث

المساجد المعروفة في المدينة وضواحيها

في المدينة المنورة مساجد كثيرة نشير إلى أسماء بعضها:

١ - مسجد قبا.

٢ - مسجد ذو القبلتين.

٣ - مسجد الجمعة.

٤ - مسجد الفضيخ.

٥ - مسجد الفتح.

٦ - مسجد الامام علي عليه‌السلام .

٧ - مسجد فاطمة عليها‌السلام .

٨ - مسجد الغمامة.

٩ - مسجد المباهلة.

١٠ - مسجد الشجرة.

١١ - مسجد أبو ذر.

١٢ - مسجد مشربة أم إبراهيم.

٢١٦

١٣ - مسجد ردّ الشمس.

١٤ - مسجد الاجابة.

١٥ - مسجد العسكر.

١٦ - مسجد الظفر.

١٧ - مسجد النفس الزكية.

١٨ - مسجد الأبواء.

١٩ - مسجد الجحفة.

٢٠ - مسجد غدير خم.

٢١ - مسجد بدر.

١ - مسجد قبا:

«قبا» قرية تبعد عن المدينة زهاء ميلين، وقد نزل فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في هجرته قبل دخوله المدينة، حيث أقام هناك ينتظر قدوم أمير المؤمنين عليه‌السلام بالفواطم.

وفي المعجم الكبير للطبراني عن جابر بن سمرة قال:

لما سأل أهل «قبا» النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبني لهم مسجداً.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليقم بعضكم فيركب الناقة.

فقام أبو بكر، فركبها فحرّكها، فلم تنبعث، فرجع فقعد.

فقام عمر، فركبها فلم تنبعث، فرجع فقعد.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه: ليقم بعضكم فيركب الناقة.

فقام علي عليه‌السلام ، فلمّا وضع رجله في غرز الركاب وثبت به.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرخ زمامها وابنوا على مدارها فانّها مأمورة (١) .

__________________

(١) وفاء الوفاء ١ / ٢٥١.

٢١٧

وهو المسجد الذي نزل فيه قوله تعالى ( لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ) (١) .

وتبلغ مساحة المسجد اليوم زهاء (١٣٥٠٠٠) متراً مربعاً، وبنايته غاية في الجمال والابداع.

٢ - مسجد القبلتين:

ويقع إلى الشمال الغربي من المدينة المنورة، وسمي بـ «مسجد القبلتين» لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي فيه صلاة الظهر، فأمر أن يتوجه إلى الكعبة ونزل قوله تعالى ( فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ) (٢) فاستدار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الكعبة.

تبلغ مساحة المسجد الحاية زهاء (٣٩٢٠) متراً مربعاً.

٣ - مسجد الجمعة:

إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا خرج من قباء مقدمه المدينة أدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلّاها في بطن الوادي، وكانت أول جمعة صلّاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنس، وبني في ذلك الموضع مسجداً سمي بـ «مسجد الجمعة» فكان ثاني المساجد - تاريخياً - بعد مسجد قبا.

٤ - مسجد الفضيخ:

وهو في نهاية شارع العوالي. و «الفضيخ» شراب يتخذ من التمر.

وقيل: إنّ نفراً من المسلمين كانوا يشربون فيه فضيخاً، فلما حرمت الخمر

__________________

(١) سورة التوبة: الآية ١٠٨.

(٢) سورة البقرة: الآية ١٤٤.

٢١٨

خرج الخبر اليهم، فحلّوا وكاء السقاء فهراقوه فيه، وأقاموا مسجداً، فبذلك سمي مسجد الفضيخ (١) .

٥ - مسجد الفتح:

وهو المسجد المرتفع على قطعة من جبل «سلع» في المغرب، غربيه وادي «بطحان» وقد دعا فيه النبي يوم الأحزاب فاستجاب له ربّه، ونصره على المشركين، وأباد جحافلهم وهزمهم.

٦ - مسجد أمير المؤمنين علي عليه‌السلام :

ويقع جنوب مسجد الفتح مشرفاً على وادي «بطحان»، وكان أمير المؤمنين علي عليه‌السلام يتعبّد فيه لما كانت المدينة محاصرة من قبل جيوش الأحزاب.

٧ - مسجد فاطمة عليها‌السلام :

ويقع بالقرب من مسجد الامام علي عليه‌السلام ، ويعدّ ضمن المساجد السبعة المعروفة، وتجتمع جميعاً حول مسجد الفتح ومنها «مسجد سلمان».

وقد أغلق باب مسجد «فاطمة عليها‌السلام » في السنين الأخيرة وبني بابه بالآجر في محاولة لمحو هذا المعلم المذكر ببنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن المسلمين والمؤمنين لازالوا يصلون لله - تعالى - في الساحة الصغيرة من الرصيف الواقع أمام الباب ويأبى الله إلّا أن يتم نوره ولو كره المشركون.

وهناك مسجد آخر بالقرب من مسجد الغمامة في السوق يقال: أنّه مسجد فاطمة عليها‌السلام أيضاً، وقد أعيد إعماره في الآونة الأخيرة، وهو مرتفع عن سطح الأرض عدة أمتار.

__________________

(١) أنظر: وفاء الوفاء ٣ / ٨٢١.

٢١٩

٨ - مسجد الغمامة:

قال الواقدي: صلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أول صلاة عيد في المدينة في السنة الثانية للهجرة، فخرج إلى الصحراء، فبني في ذلك الموضع مسجداً في القرن الثاني للهجرة.

وقيل في سبب تسمية المسجد بمسجد الغمامة: إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استسقى هناك ودعا، فلمّا أتمّ دعاءه تجمع الغمام وهطل المطر.

٩ - مسجد المباهلة:

إشارة إلى مباهلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لنصارى نجران حيث خرج صلى‌الله‌عليه‌وآله يباهلهم ومعه أمير المؤمنين عليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فأنزل الله تعالى ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (١) .

وقد تظافرت الروايات عن طرق الخاصة والعامة أنّ المراد من «أبناءنا» الحسن والحسين، و «نساءنا» فاطمة عليها‌السلام ، و «أنفسنا» أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكانت هذه الآية الشريف خاصة بالأنوار الخمسة.

١٠ - مسجد الشجرة:

يبعد هذا المسجد فرسخ ونصف الفرسخ عن المدينة تقريباً، وإنّما سمي بـ «مسجد الشجرة» لوجود أشجار السدر في المنطقة التي فيها المسجد.

وقد اكتسب هذا المسجد أهمية خاصة من خلال موقعه الخاص، حيث أحرم منه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لحجة الوداع، وهو الآن ميقات الحجاج الايرانيين - وغيرهم - للعمرة المفردة وللحج لمن يقصد المدينة قبل أعمال الحج.

__________________

(١) سورة آل عمران: الآية ٦١.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378