أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين10%

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 378

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين
  • البداية
  • السابق
  • 378 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 165752 / تحميل: 9095
الحجم الحجم الحجم
أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ونهبت كلّ ما كان في ذلك الحرم المقدس من فرش غالية وهدايا ثمينة وغيرها، وحوّلت تلك الزمرة الوحشية البقيع المقدس إلى أرض قفراء موحشة (١) .

كما هجموا بمساحيهم ومعاولهم ووحشيتهم على قبة عبد الله بن عباس في الطائف، ثم استولوا على مكة، فبادروا إلى هدم ما في «المعلى» مقابر قريش من القباب، وهي كثيرة، منها قبة سيدنا عبد المطلب جدّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقبة سيدنا أبي طالب عليه‌السلام ، وقبة السيدة خديجة عليها‌السلام ، كما هدموا قبة مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومولد الامام علي عليه‌السلام ، وهدموا قبة زمزم، والقباب التي حول الكعبة، وتتبعوا جميع المواضع فيها آثار الصالحين فهدموها، وكانوا عند الهدم يرتجزون ويضربون بالطبول ويغنون ويبالغون في شتم القبور (٢) .

قال العلامة السيد صدر الدين الصدر:

لعمري إنّ فاجعة البقيع

يشيب لهولها فؤود الرضيع

وسوف تكون فاتحة الرزايا

إذا لم يصح من هذا الهجوع

أما من مسلم لله يرعى

حقوق بنية الهادي الشفيع

وقال آخر:

تب لأحفاد اليهود بما جنوا

لم يكسبوا من ذاك إلّا العارا

هتكوا حريم محمد في آله

يا ويلهم قد خالفوا الجبارا

هدموا قبور الصالحين بحقدهم

بعداً لهم قد أغضبوا المختارا

* * *

__________________

(١) أنظر: كشف الارتياب: ٢٨٧ الفصل التاسع.

(٢) أنظر المصدر السابق.

٢٤١

الفصل

السادس عشر

شريكات أم البنين عليها‌السلام

٢٤٢

شريكات أم البنين عليها‌السلام

إنّ لفاطمة الزهراء عليها‌السلام خصائص كثيرة تفوق فيها على الرجال فضلاً عن النساء، فلا يمكن والحال هذه أن نجعل الصديقة في صفّ واحد مع باقي نساء أمير المؤمنين عليه‌السلام ونعتبرهن شريكات لها وذلك لأنها:

أولاً: معصومة، وقد ثبت أنّ المعصومة لا يتزوجها إلّا معصوم، ولو جاز للزم القول بجعل السبيل للفاسق على المعصومة، وهو خلاف رضا الله تعالى، ويأبى الله المنان أن يجعل أمته المطيعة في حكم الرجل ال عاصي، نعم؛ يجوز العكس، فللأنبياء والأئمة عليهم‌السلام أن يتزوجوا غير المعصومات.

وإنّما قلنا أنّ المعصومة لا يتزوجها إلّا معصوم لأنّ المعصومة مصيبة وغير المعصوم مخطىء، وذو العصمة أشرف من غيره، ولا يجوز لأهل الصواب أن يدخلوا في حبائل أهل الخطاء وفرض إطاعة المخطىء ينافي رضا الحق كما ذكرنا.

وثانياً: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمر أمير المؤمنين عليه‌السلام أحياناً فيقول: يا علي أطع فاطمة ويأمر فاطمة فيقول: أطيعي علياً.

وإنّما يأمر علياً بطاعتها لعصمتها وصواب رأيها ولأنها لا تخطأ، وكأنّ رأي فاطمة رأي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولذا قال عليه‌السلام : «عاشرت فاطمة تسع سنين فلم تسخطني ولم أسخطها».

٢٤٣

وثالثاً: في البحار «إنّ الله حرّم النساء على علي ما دامت فاطمة حية» (١) .

ولو لم يكن أمير المؤمنين لم يكن لأحد أن يتزوجها لما ورد في الحديث «لو لم يكن علي لما كان لفاطمة كفؤ آدم فمن دونه».

ورابعاً: لأنّها عليها‌السلام سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين فكيف - إذن - تقاس بغيرها من النساء وتسمى لها شريكة؟!

ولكننا - بالرغم من ذلك - سنتعرض إلى ذكر شيء من فضائلها وحياتها باعتبار عدم إمكان التفكيك بينها وبين أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فالاتحاد المعنوي النبوي والعلوي جار في وجود سيدة العصمة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ولا شك أنّ فاطمة خلقت لأجل علي وأنّ علياً خلق لأجلها، وأنهما كفوان ومتحدان لا يفترقان في عالم الأبدية بلا شائبة وريبة.

فمقام فاطمة تالي المرتبتين، والنقطة بين الخطين، والواقفة بين الحدّين، ولازمة بالمعية منذ المبدأ في عالم الأنوار مشاركة دون انفكاك (٢) ، وليس باعتبار أن أم البنين عليها‌السلام أو غيرها من نساء أمير المؤمنين عليه‌السلام شريكات لها.

* * *

__________________

(١) البحار ٤٣ / ١٥ ح ١٤ باب ٢.

(٢) أنظر: الخصائص الفاطمية للكجوري ترجمة سيد علي أشرف ١ / ٥٢٢.

٢٤٤

فاطمة الزهراء عليها‌السلام

فضائل الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها‌السلام :

مما لا شك فيه أنّ فضائل الصديقة الطاهرة، أم الأبرار، لا تعدّ ولا تحصى، وهي الكوثر الذي لا ينضب، غير أننا سنذكر شيئاً منها تيمّناً وتبرّكاً.

١ - عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد يمشين أمام فاطمة كالحجاب لها إلى الجنة (١) .

٢ - عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال:... يا علي خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم.. وأفضلهن فاطمة (٢) .

٣ - عن عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: يا فاطمة أبشري فانّ الله - تعالى - اصطفاك على نساء العالمين، وعلى نساء الاسلام، وهو خير دين (٣) .

٤ - روى مجاهد قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ فاطمة شجنة مني، يسخطني ما أسخطها، ويرضيني ما أرضاها (٤) .

__________________

(١) البحار ٤٣ / ٣٧ ح ٤٠ باب ٣.

(٢) البحار ٤٣ / ٣٦ ح ٣٩ باب ٣.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) البحار ٤٣ / ٥١ ح باب ٣، عن كشغ الغمة، عن معالم العترة.

٢٤٥

٥ - وروى مجاهد أيضاً قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أخذ بيد فاطمة عليها‌السلام : من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله (١) .

٦ - في كتاب نوادر الراوندي قال: قال علي عليه‌السلام : استأذن أعمى على فاطمة عليها‌السلام فحجبت.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لم حجبتيه وهو لا يراك؟

فقالت: إن لم يكن يراني فأنا أراه، وهو يشمّ الريح.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أشهد أنك بضعة مني (٢) .

٧ - في سنن الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

٨ - في ينابيع المودة عن جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ابنتي فاطمة حوراء إنسية لم تحض ولم تطمث، إنّما سماها الله فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم ولدها ومحبيها عن النار (٤) .

٩ - عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش يا أهل الجمع؛ نكّسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين كالبرق اللامع (٥) .

__________________

(١) البحار ٤٣ / ٥٤ ج ٤٨ باب ٣.

(٢) البحار ٤٣ / ٩١ ح ١٦ باب ٤.

(٣) سنن الترمذي ٥ / ٧٠٣ ح ٣٨٧٨.

(٤) ينابيع المودة ٢ / ١٢١ رقم ٣٥٤ باب ٥٦.

(٥) البحار ٤٣ / ٥٣ ح ٤٨ باب ٣.

٢٤٦

١٠ - عن أنس وأبي عروة الأسلمي والخدري أنّه لما نزلت آية التطهير جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعين صباحاً إلى باب فاطمة وهو يتلو هذه الآية ويقول: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم.

وفي رواية: تسعة أشهر يسلم عليهم ويقرأ آية التطهير ويدعو لهم ويقول: الصلاة (١) .

١١ - عن ابن عباس قال: قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيت ليلة المعراج هذه الكلمات مكتوبة على سرادق العرض: لا الله إلّا الله، محمد رسول الله، علي حبيب الله، الحسن والحسين صفوة الله، فاطمة أمة الله، على باغضهم لعنة الله (٢) .

١٢ - في حديث طويل قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله - تبارك وتعالى - بنى جنة لعلي وفاطمة عليهم‌السلام (٣) .

١٣ - قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله فطم ابنتي وولديها ومن أحبهم من النار (٤) .

١٤ - روى النسفي عن علي عليه‌السلام قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للحسن والحسين عليهما‌السلام : أنتما كفتا الميزان، وفاطمة لسانه، ولا تعدل الكفتان إلّا باللسان، ولا يقوم اللسان إلّا على الكفتين، أنتما الأمان ولأمكما الشفاعة (٥) .

* * *

__________________

(١) أنظر: البحار ٣٧ / ٧٩ ح ٤٨ باب ٥٠.

(٢) المناقب للخوارزمي: ٣٠٢ ح ٢٩٧.

(٣) كفاية الطالب: ٣٢٠ - ٣٢١ باب ٨٩.

(٤) البحار ٤٣ / ١٨ ح ١٨ باب ٢، الصواعق المحرقة: ١٦٠ باب ١١ الفصل الأول الآية العاشرة.

(٥) أنظر الحديث وما سبقه مما ذكرناه وغيرها في الخصائص الفاطمية ٢ / ٥٤٥ وما قبلها وما بعدها.

٢٤٧

ولادتها ووفاتها عليها‌السلام :

ولدت عليها‌السلام في مكة المكرمة في (٢٠ جمادي الثاني) في السنة الخامسة للبعثة النبوية المباركة (١) .

فعاشت مع أبيها «٨» سنين في مكة و «١٠» في مدينة المنورة.

وتوفيت شهيدة بعد وفاة أبيها بـ «٧٥» يوماً في الثالث من جمادي الثانية سنة (١١ للهجرة).

* * *

__________________

(١) أنظر: المناقب لابن شهر آشوب ٣ / ٣٥٧، دلائل الإمامة: ١٠، أصول الكافي ١ / ٤٥٨، كشف الغمة ٢ / ٧٥.

٢٤٨

لماذا غصبت فدك؟!

فدك في القرآن:

قال الله تعالى: ( وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ... ) (١) .

الافاءة؛ الإرجاع، من الفيء بمعنى الرجوع.

ولامعنى: والذي أرجعه الله إلى رسوله من أموال بني النضير - خصه به وملّكه وحده إياه - فلم تسيروا عليه فرساً ولا إبلاً بالركوب حتى يكون لكم فيه حق، بل مشيتم إلى حصونهم مشاة لقربها من المدينة، ولكن الله يسلّط رسله على من يشاء، والله على كلّ شيء قدير، وقد سلّط النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على بني النضير فله فيئهم يفعل فيه ما يشاء.

وقوله: ( مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ... )

__________________

(١) سورة الحشر: الآيتان ٦ - ٧.

٢٤٩

ظاهره أنّه بيان لموارد صرف الفىء المذكور في الآية السابقة مع تعميم الفيء لفيء أهل القرى أعم من بني النضير وغيرهم.

وقوله: ( فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ) أي منه ما يختص بالله، والمراد صرفه وانفاقه في سبيل الله ما يراه الرسول، ومنه ما يأخذه الرسول لنفسه.

وقوله: ( وَلِذِي الْقُرْبَىٰ ) المراد بذي القربى قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا معنى لحمله على قرابة عامة المؤمنين، وهو ظاهر.

والمراد باليتامى الفقراء منهم كما يشعر به ال سياق، وإنّما أفرد وقدّم على «المساكين» مع شموله له للاعتناء بأمر اليتامى.

وقد ورد عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أنّ المراد بذي القربى أهل البيت، واليتامى والمساكين وابن السبيل منهم.

وفي المجمع: روى المنهال بن عمر عن علي بن الحسين عليه‌السلام قلت: وقوله: ( وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) قال: هم قربانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا (١) .

وروى ابن بابويه عن أبي سعيد الحذري قال: لما نزلت ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة لك فدك.

وعن علي بن الحسين عليه‌السلام قال: اقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام فدك.

وعن ابان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال: قلت: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى فاطمة عليها‌السلام فدك؟

قال: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقفها، فأنزل الله - تبارك وتعالى - ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) فأعطاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حقها.

__________________

(١) أنظر: الميزان ١٩ / ٢١١ ذيل الآية الشريفة.

٢٥٠

قلت: رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاها؟

قال: بل الله - تبارك وتعالى - أعطاها.

وقد تظاهرت الرواية من طرق أصحابنا بذلك، وثبت أنّ ذا القربى: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (١) .

فدك في نهج البلاغة:

قال مولى الموحدين أمير المؤمنين في كتابه لعثمان بن حنيف (٢) :

«.. بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلته السماء، فشحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس قوم آخرين، ونعم الحكم الله، وما أصنع بفدك وغير فدك، والنفس مظانها في غد جدث، تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها، وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر وسدّ فرجها التراب المتراكم، وإنّما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق».

قال ابن أبي الحديد: وهذا الكلام كلام شاكٍ متظلّم (٣) .

قوله تعالى: ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (٤) :

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث: إنّ الله - تبارك وتعالى - لما فتح على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فدك وما والاها، لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فأنزل الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) البحار ٢٩ / ٢١٥ باب جوامع الاحتجاج في أمر فدك.

(٢) نهج البلاغة كتاب: ٤٥.

(٣) شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٠٨.

(٤) سورة الاسراء: الآية ٢٦.

٢٥١

( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) ولم يدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هم، فراجع في ذلك جبرائيل عليه‌السلام ، وراجع جبرائيل ربّه، فأوحى الله: أن إدفع فدك إلى فاطمة عليها‌السلام .

فدعاها رسول الله فقال لها: يا فاطمة إنّ الله أمرني أن أدفع اليك فدك.

فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك... (١) .

وروى الثعلبي في «كشف البيان» وجلال الدين السيوطي في الجزء الرابع من تفسيره عن الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المفسر المتوفى سنة (٣٥٢ هـ)، وعن أبي سعيد الحذري، وكذلك روى الحاكم الحسكاني، وابن كثير عماد الله بن إسماعيل بن عمر الدمشقي فقيه الشافعية في تاريخه، والشيخ سليمان القندوزي البلخي الحنفي في الباب «٣٩» من ينابيع المودة عن تفسير الثعلبي، وجمع الفوائد، وعيون الأخبار: أنّه لما نزل قوله: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة فدك.

فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت تأخذ من غلتها مقدار القوت وتنفق الباقي في سبيل الله بين فقراء بني هاشم وغيرهم.

وفي عيون الأخبار في حديث:.. قول الله ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها، واصطفاهم على الأمة، فلمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ادعو ليفاطمة.

فدعيت له فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة.

قالت: لبيك يا رسول الله.

فقال: هذه فدك هي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهي لي خصة دون المسلمين، فقد جعلتها لك لما أمرني الله به، فخذيها لك ولولدك (٢) .

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ٤ / ١٧٣ ح ١٥٨.

(٢) تفسير نور الثقلين ٤ / ١٧٤ ح ١٥٦، ولأمير المؤمنين عليه‌السلام احتجاجات كثيرة في قضية فدك فمن شاء فليراجع في الاحتجاج للطبرسي.

٢٥٢

حدود فدك:

في المناقب عن كتاب أخبار الخلفاء: إنّ هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر: حدّ فدكاً حتى أردّها اليك، فيأبى، حتى ألحّ عليه.

فقال عليه‌السلام : لا آخذها إلّا بحدودها.

قال: وما حدودها؟

قال: إنّ حددتها لم تردّها.

قال: بحق جدّك إلّا فعلت.

قال: أما حدّ الأول فعدن.

فتغير وجه الرشيد وقال: إيهاً.

قال: والحد الثاني سمرقند.

فأربد وجهه.

قال: والحدّ الثالث إفريقية.

فاسودّ وجهه وقال: هنيه.

قال: والرابع سيف البحر ما يلي الخزر وأرمينية.

قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء، فتحوّل إلى مجلسي.

قال موسى: قد أعلمتك أنّني إن حددتها لم تردّها.

فعند ذلك عزم على قتله.

وفي رواية ابن أسباط أنّه قال:

أما الحدّ الأول فعريش مصر.

والثاني: دومة الجندل.

والثالث: أحد.

والرابع: سيف البحر.

٢٥٣

فقال: هذا كله؟! هذه الدنيا.

فقال عليه‌السلام : هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة فأفاءه الله على رسوله بلا خيل ولا ركاب فأمره الله أن يدفعه إلى فاطمة عليها‌السلام (١) .

قال المجلسي: هذان التحديدان خلاف المشهور بين اللغويين... ولعل مراده عليه‌السلام أن تلك كلّها في حكم فدك، وكأن الدعوى على جميعها وإنّما ذكروا فدك على المثال أو تغليباً.

عمر يمزق وثيقة فدك:

في الاختصاص (٢) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل: لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجلس أبو بكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة - صلوات الله عليها - فأخرجه من فدك، فأتته فاطمة عليها‌السلام ، وبعد احتجاجات طويلة قال أبو بكر: صدقت.

قال: فدعا بكتاب فكتبه لها بردّ فدك، فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر فقال: يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك؟

فقالت: كتاب كتب لي أبو بكر بردّ فدك.

فقال: هلميه إليّ، فأبت أن تدفعه اليه، فرفسها برجله - وكانت عليها‌السلام حاملة بابن اسمه المحسن - فأسقطت المحسن من بطنها، ثم لطمها، فكأني أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت، ثم أخذ الكتاب خرقه.

فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة مما ضربها عمر، ثم قبضت.

فلما حضرتها الوفاة دعت علياً - صلوات الله عليه - فقالت: إما تضمن وإلا أوصيت إلى الزبير.

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٩ / ٢٠٠ - ٢٠١ ح ٤١.

(٢) الاختصاص: ١٨٣ - ١٨٥.

٢٥٤

فقال علي عليه‌السلام : أنا أضمن وصيتك يا بنت محمد.

قالت: سألتك بحق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أنا متّ أن لا يشهداني (تعني عليها‌السلام أبا بكر وعمر) ولا يصليا عليّ.

قال: فلك ذلك (١) .

فلما قبضت - صلوات الله عليها - دفنها ليلاً في بيتها، وأصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتها، وأبو بكر وعمر كذلك.

فخرج اليهما علي عليه‌السلام فقالا له: ما فعلت بابنة محمد؟! أخذت في جهازها يا أبا الحسن؟

فقال علي عليه‌السلام : قد والله دفنتها.

قالا: فما حملك على أن دفنتها ولم تعلمنا بموتها؟

قال: هي أمرتني.

فقال عمر: والله لقد هممت بنبشها والصلاة عليها.

فقال علي - صلوات الله عليه -: أما والله مادام قلبي بين جوانحي وذوالفقار في يدي فانك لا تصل إلى نبشها، فأنت أعلم.

فقال أبو بكر: اذهب فانه أحقّ بها منا وانصرف (٢) .

موقف القرآن والنبي والأئمة ممن آذى فاطمة عليها‌السلام :

قال الله تبارك وتعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (٣) .

__________________

(١) أنظر: حلية الاولياء ٢ / ٤٣، المستدرك للحاكم ٣ / ١٦٣، أسد الغابة ٥ / ٢٥٤، الاستيعاب ٢ / ٧٥١، المقتل للخوارزمي ١ / ٨٣، إرشاد الساري للقسطلاني ٦ / ٣٢٦، الاصابة ٤ / ٣٧٨ - ٣٨٠، تاريخ الخميس ١ / ٣١٣، الامامة والسياسة ١ / ١٤ وغيرها....

(٢) البحار ٢٩ / ١٩٢.

(٣) سورة الاحزاب: الآية ٥٧.

٢٥٥

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله».

وقالت فاطمة عليها‌السلام : فوالله لقد آذيتماني (١) .

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مخاطباً فاطمة عليها‌السلام : إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (٢) .

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من تأثم أن يلعن من لعنه الله فعليه لعنة الله (٣) .

وقال الصادق عليه‌السلام : من شكّ في كفر أعدائنا والظالمين لنا فهو كافر (٤) .

وروى الصدوق باسناد معتبر - بشهادة المجلسي - عن ابن عباس قال: إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالساً؛ إذ أقبل الحسن عليه‌السلام ، فلما رأه بكى ثم قال: إليّ إليّ يا بني.. ثم أقبل الحسين.. ثم أقبلت فاطمة.. ثم أقبل أمير المؤمنين.. فسأله أصحابه.. فأجابهم فكان مما قاله لهم:

.. وأما ابنتي فاطمة، فانها سيدة نساء العالمين...

إلى أن قال: وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصب حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي، يا محمداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية....

إلى أن قال: ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة....

إلى أن قال: فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة.

__________________

(١) الامامة والسياسة ١ / ١٣ - ١٤.

(٢) أنظر: المستدرك للحاكم ٣ / ١٥٤، تذكرة الخواص: ١٧٥، المقتل للخوارزمي ١ / ٥٢، كفاية الطالب: ٢١٩، كنز العمال ٧ / ١١١، الصواعق المحرقة: ١٠٥.

(٣) رجال الكشي: ٥٢٩ ح ١٠١٢.

(٤) بحار الانوار ٢٧ / ٦٢.

٢٥٦

يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلل من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين (١) .

قال الرضا عليه‌السلام : كمال الدين ولايتنا والبراءة من عدونا (٢) .

فاطمة خيرة الله فلماذا ظلموها؟:

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيت مكتوباً على باب الجنة فاطمة خيرة الله (٣) .

وصية الصديقة عليها‌السلام :

روي أنّ أبا جعفر عليه‌السلام أخرج سفطاً أو حقّاً، وأخرج منه كتاباً فقرأه، وفيه وصية فاطمة عليها‌السلام :

«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصيت به فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أوصت بحوائطها السبعة إلى علي بن أبي طالب، فان مضى فإلى الحسن، فان مضى فإلى الحسين، فان مضى فإلى الأكابر من ولدي».

شهد المقداد بن الاسود، والزبير بن العوام، وكتب علي بن أبي طالب (٤) .

الواقدي: إنّ فاطمة لما حضرتها الوفاة أوصت علياً أن لا يصلي عليها أبو بكر وعمر فعمل بوصيتها.

__________________

(١) فرائد السمطين ٢ / ٣٤ - ٣٥، الأمالي للصدوق: ٩٩ - ١٠٠، إثبات الهداة ١ / ٢٨٠ - ٢٨١، إرشاد القلوب: ١٩٥، بحار الانوار ٢٨ / ٣٧ - ٣٩ و ٤٣ / ١٧٢ - ١٧٣، العوالم ١١ / ٣٩١ - ٣٩٢، المحتضر: ١٠٩.

(٢) بحار الانوار ٢٧ / ٥٨.

(٣) تاريخ بغداد ١ / ٢٥٩.

(٤) البحار ٤٣ / ١٨٥ ح ١٨.

٢٥٧

وأوصت إلى علي بثلاث:

أن يتزوج بابنة أختها أمامة لحبها أولادها.

وأن يتخذ نعشاً لأنّها كانت رأت الملائكة تصوروا صورته، ووصفته له.

وأن لا يشهد أحد جنازتها ممن ظلمها.

وأن لا يترك أن يصلي عليها أحد منهم (١) .

غسلها عليها‌السلام عند الوفاة:

روى أحمد بن حنبل باسناده قال: قالت أم سلمة امرأة أبي رافع: اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيها، وكنت أمرّضها، فأصبحت يوماً أسكن ما كانت، فخرج علي إلى بعض حوائجه فقالت: اسكبي لي غسلاً، فسكبت، فقامت واغتسلت أحسن ما يكون من الغسل، ثم لبست أثوابها الجدد، ثم قالت: افرشي فراشي وسط البيت، ثم استقبلت القبلة ونامت، وقالت: أنا مقبوضة، وقد اغتسلت فلا يكشفني أحد، ثم وضعت خدّها على يدها وماتت (٢) .

وروي: لما حضرتها الوفاة قالت لأسماء: إنّ جبرئيل أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما حضرته الوفاة بكافور من الجنة، فقسمه أثلاثاً: ثلثاً لنفسه، وثلثاً لعلي، وثلثاً لي، وكان أربعين درهماً فقالت: يا أسماء أئتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا فضعيه عند رأسي، فوضعته، ثم تسجت بثوبها وقالت: انتظريني هنيهة وادعيني فان أجبتك وإلّا فاعلمي أني قد قدمت على أبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فانتظرتها هنيهة ثم نادتها فلم تجبها فنادت: يا بنت محمد ال مصطفى، يا بنت أكرم من حملته النساء، يا بنت خير من وطىء الحصى، يا بنت من كان من ربّه قاب قوسين أو أدنى.

__________________

(١) البحار ٤٣ / ١٨٢ ح ١٦.

(٢) البحار ٤٣ / ١٨٣.

٢٥٨

قال: فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فاذا بها قد فارقت الدنيا، فوقعت عليها تقبلها وهي تقول: فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله فاقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام.

فبينا هي كذلك إذ دخل الحسن والحسين فقالا: يا أسماء ما ينيم أمنا في هذه الساعة؟

قالت: يا ابني رسول الله ليست أمكما نائمة، قد فارقت الدنيا، فوقع عليها الحسن يقبلها مرة ويقول: يا أماه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني.

قالت: وأقبل الحسين يقبل رجلها ويقول: يا أماه أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت.

قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله انطلقا إلى أبيكما علي فأخبراه بموت أمكما، فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء، فابتدرهما جميع الصحابة فقالوا: ما يبكيكما يا ابني رسول الله، لا أبكى الله أعينكما، لعلكما نظرتما إلى موقف جدّكما فبكيتما شوقاً اليه.

فقالا: لا؛ أو ليس قد ماتت أمنا فاطمة صلوات الله عليها.

قال: فوقع علي عليه‌السلام على وجهه يقول: بمن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزّى ففيم العزاء من بعدك.

ثم قال:

لكلّ اجتماع من خليلين فرقة

وكلّ الذي دون الفراق قليل

وإنّ افتقادى فاطماً بعد أحمد

دليل على أن لا يدوم خليل (١)

__________________

(١) البحار ٤٣ / ١٨٦ - ١٨٧.

٢٥٩

أبناء رسول الله يودّعون أمهم:

قال علي عليه‌السلام : والله لقد أخذت في أمرها وغسلتها في قميصها ولم أكشف عنها، فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة، ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكفنتها وأدرجتها في أكفانها، فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت يا أم كلثوم! يا زينب! يا سكينة! يا فضة! يا حسن! يا حسين! هلموا تزودوا من أمكم، فهذا الفراق واللقاء في الجنة.

فأقبل الحسن والحسين عليه‌السلام وهما يناديان واحسرتا لا تنطفىء أبداً من فقد جدنا محمد المصطفى وأمنا فاطمة الزهراء؛ يا أم الحسن يا أم الحسين إذا لقيت جدنا محمد المصطفى فاقرئيه منا السلام وقولي له: إنّا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّي أشهد الله أنها قد حنت وأنّت ومدّت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن إرفعهما عنها فلقد أبكيا - والله - ملائكة السماوات، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب.

أمير المؤمنين عليه‌السلام يودع فاطمة عليها‌السلام :

عن الحسين بن علي عليه‌السلام قال: لما قبضت فاطمة عليها‌السلام دفنها أمير المؤمنين عليه‌السلام سرّاً، وعفا على موضع قبرها، ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال:

السلام عليك يا رسول الله عني، والسلام عليك عن ابنتك، وزائرتك، والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي؛ إلّا أنّ في التأسي لي بسنتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري.

بلى؛ وفي كتاب الله لي أنعم القبول ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) قد استرجعت

٢٦٠

الوديعة، وأخذت الرهينة، وأخلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله.

أمّا حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، وهم لا يبرح من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد وقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا، وإلى الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هظمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول ويحكم الله، وهو خير الحاكمين.

والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم، فان انصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.

واهاً واهاً، والصبر أيمن وأجمل، ولو لا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية.

فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً، وتهضم حقها، ويمنع إرثها، ولم يتباعد العهد، ولم يخلق منك الذكر، وإلى الله - يا رسول الله - أحسن العزاء، صلى الله عليك و عليها‌السلام والرضوان (1) .

الظلمة يلاحقون فاطمة بعد الشهادة:

عن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل:... فلمّا أصبح أبو بكر وعمر.. فلقيا رجلاً من قريش فقالا له: من أين أقبلت؟

قال: عزّيت علياً بفاطمة.

قالا: وقد ماتت؟

قال: نعم، ودفنت في جوف الليل...

__________________

(1) البحار 43 / 194.

٢٦١

ثم أقبلا إلى علي عليه‌السلام فلقياه فقالا له: والله ما تركت شيئاً من غوائلنا ومسائتنا، وما هذا إلّا من شيء في صدرك علينا.. هل هذا إلّا كما غسلت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دوننا ولم تدخلنا معك؟؟؟!!! وكما علمت ابنك أن يصيح بأبي بكر أن: انزل عن منبر أبي....

فأجابهم أمير المؤمنين عليه‌السلام عن افتراءاتهم ثم قال: وأما فاطمة فهي المرأة التي استأذنت لكما عليها، فقد رأيتما ما كان من كلامها لكما، والله لقد أوصتني أن لا تحضرا جنازتها ولا الصلاة عليها، وما كنت الذي أخالف أمرها ووصيتها إليّ فيكما.

فقال عمر: دع عنك هذه الهمهمة، أنا أمضي إلى المقابر فأنبشها حتى أصلّي عليها.

فقال له علي عليه‌السلام : والله لو ذهبت تروم من ذلك شيئاً - وعلمت أنّك لا تصل إلى ذلك حتى يندر عنك الذي فيه عيناك - فاني كنت لا أعاملك إلّا بالسيف قبل أن تصل إلى شيء من ذلك.

فوقع بين علي عليه‌السلام وعمر كلام حتى تلاحيا واستبسل... (1) .

وفي عيون المعجزات:... ودفنها... وجدّد أربعين قبراً، فاستشكل على الناس قبرها، فأصبح الناس ولام بعضهم بعضاً، وقالوا إنّ نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله خلّف بنتاً ولم نحضر وفاتها والصلاة عليها ودفنها، ولا نعرف قبرها فنزورها.

فقال من تولّى الأمر: هاتوا من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور حتى نجد فاطمة عليها‌السلام فنصلّي عليها ونزور قبرها، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام فخرج مغضباً قد احمرت عيناه، ودرّت أوداجه، وعليه القباء الأصفر الذي كان يلبسه في الكريهة، وهو يتوكأ على سيفه ذي الفقار حتى أتى البقيع، فسار الناس من أنذرهم وقال:

__________________

(1) البحار 43 / 205.

٢٦٢

هذا علي قد أقبل كما ترونه وهو يقسم بالله لئن حوّل من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الآمرين.

فتلقاه الرجل ومن معه من أصحابه وقال له: مالك يا أبا الحسن، والله لننبشن قبرها ونصلّي عليها.

فأخذ علي بجوامع ثوبه ثم ضرب به الأرض وقال: يابن السوداء، أمّا حقّي فقد تركته مخافة ارتداد الناس عن دينهم، وأمّا قبر فاطمة فوالذي نفسي علي بيده لئن رمت أنت أو أصحابك شيئاً لأسقين الأرض من دمائكم، فان شئت فافعل يا ثاني.

وجاء الأول وقال له: يا با الحسن بحقّ رسول الله وبحقّ فاطمة إلّا خلّيت عنه فانا لسنا فاعلين شيئاً تكرهه، فخلى عنه وتفرّق الناس ولم يعودوا إلى ذلك (1) .

* * *

__________________

(1) دلائل الامامة: 47.

٢٦٣

أسماء بنت عميس

أسماء بنت عميس بن سعد بن الحارث بن تميم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الخثعمي، ولذا عرفت أسماء بالخثعمية.

وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث من كنانة.

وقد تزوجت هند مرتين:

الأول: هو الحارث بن حزن بن جبير الهلالي.

والثاني: عميس بن سعد.

وولدت منهما بنات كريمات زوجتهن من رجال كرام، وقال فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هي أكرم عجوز جمعت على الأرض أصهاراً.

فبناتها:

ميمونة زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأم الفضل زوجة العباس.

وأسماء بنت عميس التي سنتحدث عنها.

وسلمى زوجة حمزة سيد الشهداء.

وسلمة زوجة عبد الله بن كعب الخثعمي.

٢٦٤

وقد وعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هؤلاء الأخوات بدخول الجنة كما روى المرحوم الصدوق - طاب ثراه - في العلل والمرحوم المجلسي في البحار عن أبي بصير عن أبي جعفر الأول عليه‌السلام قال: سمعته يقول:

رحم الله الأخوات من أهل الجنة، فسماهن: أسماء بنت عميس الخثعمية، وكانت تحت جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام ، وسلمى بنت عميس الخثعمية، وكانت تحت حمزة، وخمس من بني هلال: ميمونة بنت الحارث، وكانت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأم الفضل عند العباس، واسمها هند، والغميصاء (وقيل: القميصان) أم خالد بن الوليد، وكانت أنصارية لازمت أمير المؤمنين عليه‌السلام في صفين، وغزة، وكانت في ثقيف عند الحجاج بن غلاظ بن خالد بن حوز بن هلال المكنى بأبي عبد الله، سكن المدينة وبنا بها مسجداً (1) .

وفي الحديث مدح لهؤلاء الأخوات معاً، يعني أنهن جميعاً من أهل الجنة لا تخرج منهن واحدة.

أسماء عند جعفر:

هاجرت أسماء بنت عميس مع زوجها جعفر إلى الحبشة فراراً من مشركي مكة، وولدت هناك ثلاثة أولاد: عبد الله وعون ومحمد.

وكان عبد الله أشهر أولادها من جعفر، وكان من الأجواد الأربعة، ولد للنجاشي ولد أيام ولادة عبد الله فسماه باسمه تيمناً وتبركاً، وأمر أن يرضع ولده بلبن عبد الله بن جعفر.

تزوج عبد الله بن جعفر السيدة زينب بنت أمير المؤمنين، فولدت له ولدين استشهدا يوم الطف بين يدي الحسين الشهيد عليه‌السلام .

__________________

(1) البحار 22 / 195 ح 8 باب 2.

٢٦٥

بقيت أسماء في الحبشة مع جعفر وأبنائه إلى السنة السابعة للهجرة وقدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قلاع خيبر مع جماعة، فلما قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أو بقدوم جعفر» (1) .

ثم نظر إلى جعفر وبكى وقال له: «ألا أمنحك؟ ألا أعطيك؟ ألا أحبوك؟! فقال: بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعلّمه الصلاة المعروفة باسم «صلاة جعفر»، وفضلها معروف، وهي مذكورة في كتب الأدعية والأخبار».

والعاقبة أنّ جعفر استشهد في البلقاء في أقصى أرض يثرب والحجاز على حدود الشام في جمادى الآخرة سنة ثمان للهجرة مع زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة، ووجد في جسده تسعون جراحة.

وأخبر جبرئيل النبي في المدينة بمقتل جعفر، فبكى صلى‌الله‌عليه‌وآله ودعى لذريته فقال: «اللهم إنّ جعفر قدم اليك فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك» (2) .

وبشّر أسماء بنت عميس أنّ الله أعطى جعفراً جناحين يطير بهما في الجنة، ثم أمر سلمى أن تصنع طعاماً شهياً من الشعير والزيت وتطعم أيتام جعفر، وكان يصحبهم معه أينما ذهب ثلاثة أيام يدور بهما على نسائه (3) .

وكان جعفر أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خَلقاً وخُلقاً، وكان يكنى «أبو المساكين» لأنه كان يحبهم ويطعمهم (4) .

أسماء عند أبي بكر:

استشهد جعفر فأخلف على أسماء بنت عميس أبو بكر بن أبي قحافة، فولدت له

__________________

(1) البحار 21 / 25 ح 22 باب 22.

(2) البحار 21 / 56 ح 8.

(3) أنظر: البحار 21 / 55 ح 8 باب 24.

(4) البحار 22 / 275 ح 5.

٢٦٦

محمداً، ومحمد بن أبي بكر يعزّ له النظير في جلالة القدر ورفعة الشان وعلو المقام وصلابة الايمان والثبات والاستقامة على ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام حتى استشهد في مصر بايعاز من معاوية، فقتل قتلة شنيعة، فلما سمع أمير المؤمنين خبر شهادته قال: شهادته قصمت ظهري، ثم تكلّم كلاماً ترتعد له الفرائص وترتجف له القلوب (1) .

وكان أبو بكر قد خطب أسماء في الاسلام وعنده حبيبة بنت الحارث الأنصاري، فلما توفي أبو بكر أوصى إلى أسماء بنت عميس أن تغسله، كما رواه الطبرسي، فقبلت أسماء الوصية - ولا منص لها إلّا القبول (2) - وتحملت عناء التنفيذ.

وهذه الوصية إنّما تدلّ على طهارة أسماء وتقواها، وكمال إيمانها وتدينها: لأنه أوصى لها من دون المسلمين ومن دون بقية أزواجه، وكان له ثلاث زوجات غيرها هن: أسماء بنت عبد العزي، ولد منها عبد الله، وأسماء ذات النطاقين، وأم رومان بنت عامر بن عمير من بني كنانة، ولد منها عبد الرحمن وعائشة وحبيبة.

والعجيب أنّه في مدة خلافته القليلة - سنتين وثلاثة أشهر وأيام - كانت أسماء في بيته تغذي ابنها محمد محبة أمير المؤمنين وولايته على مرأى ومسمع من أبي بكر، فخرّجت من بيته من جُبلوا على محبة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكأن أسماء كانت هي أشرف الأبوين لمحمد بن أبي بكر حيث ما فتأت توصيه دائماً بولاية آل طه وأهل بيت النبوة، فشبّ على ذلك، ولم يحد عنه بل بقي ثابتاً راسخاً.

ومن غرائب الوقائع وعجائب الدهر التي تكشف عن شهامة هذه المخدرة المكرمة وشدّة ولائها وصلابة إيمانها وشجاعتها أنها كانت في حبائل أبي بكر إلّا أنّها شهدت عليه، وردّت قوله في قصة فدك، ووقفت لتعلن على رؤوس الأشهاد

__________________

(1) أنظر: البحار 33 / 562 ح 722 باب 30.

(2) أنظر: تاريخ الطبرسي 3 / 421 أحداث سنة (13) قال: إنّ أسماء بنت عميس قالت: قال لي أبو بكر: غسليني قلت: لا أطيق ذلك قال: يعينك عبد الرحمن بن أبي بكر يصب الماء.

٢٦٧

كذب زوجها وتدليسه وغصبه لحق آل البيت عليهم‌السلام ، فشهدت خلافاً لهوى زوجها وهوى الآخرين، ولم تفزع من تهديداتهم، ولم تستسلم لقهرهم، وقالت لهم بشجاعة العارف بالله وبأهل بيته: «إنّكم ظلمة جائرون غصبتم حقّ من له الحق فأعيدوه إلى نصابه».

ولما أرادوا قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام وأمروا خالد بن الوليد بتنفيذ ذلك في الصلاة بعثت جاريتها إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وقالت له: ( إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) (1) .

فقال أمير المؤمنين للجارية: قولي لها: «إنّ الله يحول بينهم وبين ما يريدون».

أو أنّه قال: «فمن يقتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وإنّ الله بالغ أمره»؟!

فهدأ روعها وسكن قلبها وسلّمت لما قاله أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وبالفعل فقد ندم أبو بكر - وهو في الصلاة - على ما اتفق عليه مع خالد، وخاف من سيوف بني هاشم المسلولة ونفوسهم الأبية، وحال الله بينه وبين ما يريد، فقال قبل تسليم الصلاة: «أي خالد لا تفعل ما أمرتك» ثم سلم... إلى آخر الخبر (2) .

أسماء عند أمير المؤمنين عليه‌السلام :

فلمّا توفي أبو بكر انتقلت أسماء بكامل الخلوص والوفاء والصفاء الى حجرة سيد الأولياء، وسعدت بشرف الدخول في عداد زوجات سيد الأوصياء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأولدها يحيى وعون (3) .

ويكفي أسماء بنت عميس من الفضل أمور:

__________________

(1) سورة القصص: الآية 20.

(2) أنظر: البحار 28 / 305 ح 48 باب 4.

(3) أنظر: تذكرة الخواص: 57 الباب الثالث في ذكر أولاده عليه‌السلام .

٢٦٨

منها: أنّ النبي شهد لها بأنها من أهل الجنة.

منها: أدعية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لها ولذريتها.

ومنها: أنّها كانت ممن شهد لفاطمة الزهراء عليها‌السلام في قصد فدك (بالرغم من ظروفها الخاصة) فصارت في ذلك قرينة لأم أيمن، وصارت ممن لازم الحق في تلك الفتنة العمياء في قصة شهادتها لفاطمة عليها‌السلام .

ومنها: ما قاله عمر من محبتها لآل أبي طالب وأنها تشهد لبني هاشم (1) .

ومنها: الأخبار المروية في حقها عن الحضرة النبوية والعلوية والعصمة الكبرى لفاطمة الزهراء عليها‌السلام .

ومنها: أنّها شهدت وفاة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، وشاركت أمير المؤمنين عليه‌السلام في غسلها، ويا لها من مفخرة عظيمة.

ومنها: أنّها ممدوحة في كتب الشيعة والسنة، فقد مدحها العدو بالرغم من شدّة عناده، بل وثقوا ذريتها الكريمة وأثنوا عليهم وقالوا: «إنّهم خيار عباد الله» (2) .

ومنها: أنّها ولدت عبد الله بن جعفر زوج زينب الكبرى، وقد استشهد أولاده بين يدي الحسين عليه‌السلام ، فقدمت بذلك أسماء فداءً للحسين عليه‌السلام ، وولدت محمد بن أبي بكر، وكان كما قال أمير المؤمنين «محمد ابني من صلب أبي بكر» وراح شهيداً في سبيل الله دفاعاً عن ولاية أمير المؤمنين، وولدت عوناً من أمير المؤمنين وقد استشهد بين يدي الحسين عليه‌السلام في طف كربلاء.

فهنيئاً لها، والسلام عليها وعلى زوجها أمير المؤمنين وعلى أولادها المستشهدين.

* * *

__________________

(1) أنظر: العوالم 11 / 635 ح 27 باب 3.

(2) أنظر: الخصائص الفاطمية للكجوري ترجمة سيد علي أشرف 2 / 162 وما بعدها.

٢٦٩

أمامة بنت أبي العاص

أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمه هند بنت خويلد أخت خديجة عليها‌السلام ، واسم أبو العاص «لقيط» أو «مقسم» بسكر الميم، أو «ياسر» (1) ، أسر يوم بدر ففدته زينب فأطلقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمها زينب بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تزوجها ابن خالتها أبو العاص فولدت له ولداً وبنتاً، أما الولد فقد مات صغيراً، وأما البنت فاسمها «أمامة» تزوجها أمير المؤمنين عليه‌السلام تنفيذاً لوصية فاطمة الزهراء عليها‌السلام بعد تسع ليال من وفاة السيدة المخدرة الكبرى - حسب رواية المعالم - (2) .

ولدت أمامة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يحبها، وحملها في الصلاة، وكان إذا ركع أو سجد تركها وإذا قام حملها (3) .

وأهديت له هدية فيها قلادة فدعا أمامة فأعلقها في عنقها (4) .

__________________

(1) أنظر: أسد الغابة 6 / 196 ترجمة 6035.

(2) العوالم 11 / 1082 ح 14، الخصائص الفاطمية 1 / 456 ح 6.

(3) أسد الغابة 7 / 25 ترجمة 6717.

(4) المصدر نفسه.

٢٧٠

وكان على عينها غمص فمسحه بيده (1) الشريفة فعوفيت.

تزوجها أمير المؤمنين عليه‌السلام تنفيذاً لوصية السيدة الصديقة عليها‌السلام حيث قالت عليها‌السلام :.. أوصيك أولاً أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة فانها تكون لولدي مثلي، فان الرجال لابد لهم من النساء (2) .

وفي مصباح الأنوار: قالت: بنت أختي وتحنن على ولدي (3) .

وهذا وسام عظيم قلدته سيدة النساء لأمامة حيث شهدت لها بالولاء والمحبة والتحنن على ابناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولما كبرت أمامة توجعت وجعاً شديداً حتى اعتقل لسانها، فكان الامامان الحسن والحسين عليهما‌السلام يسألانها وهي تجيبهما بالاشارة (4) .

قيل: إنّها ماتت سنة خمسين للهجرة (5) .

* * *

__________________

(1) الاصابة 4 / 236.

(2) البحار 43 / 192.

(3) البحار 43 / 217.

(4) أنظر: التهذيب 8 / 258 ح 936.

(5) البحار 21 / 183.

٢٧١

ليلى النهشلية

وهي ليلى بنت مسعود بن جابر بن مالك بن ربعي بن سلم بن جندل بن نهشل بن دارم بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم (1) .

ولسلم يقول الشاعر:

تسود أقوام وليسوا بسادة

بل السيد الميمون سلم بن جندل

وأم ليلى بنت مسعود عميرة بنت قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر سيد أهل الوبر ابن عبيد بن الحارث، وهو مقاعس.

وأمها عناق بنت عاصم بن سنان بن خالد بن منقر.

وأمها بنت أعبد بن أسعد بن منقر.

وأمها بنت سفيان بن خالد بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم (2) .

في الغارات والبحار قال: لما نكح علي عليه‌السلام ليلى بنت مسعود النهشلية قالت:

__________________

(1) مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام للكوفي 2 / 48.

(2) مقاتل الطالبيين: 57.

٢٧٢

ما زلت أحبّ أن يكون بيني وبينه سبب منذ رأيته قام مقاماً من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) .

وقال: تزوج علي عليه‌السلام ليلى بنت مسعود النهشلية فضربت له في داره حجلة فجاء فهتكها وقال: حسب أهل علي ما هم فيه (2) .

وولدت له عبيد الله وأبا بكر (3) .

* * *

__________________

(1) الغارات 1 / 93، البحار 42 / 139.

(2) المصدر نفسه، شرح النهج 2 / 202.

(3) المناقب (للكوفي) 2 / 48.

٢٧٣

خولة الحنفية

وهي خولة بنت إياس بن جعفر جان الصفا الحنفية

ويقال: بل كانت أمة لبني حنيفة، سندية سوداء، ولم تكن من أنفسهم، وإنّما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق ولم يصالحهم على أنفسهم.

وقيل: إنّها كانت من سبي بني حنيفة، اشتراها علي واتخذها أم ولد، فولدت له محمداً (1) .

وفي الاصابة: رأها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في منزله فضحك ثم قال: يا علي أما إنّك تتزوجها من بعدي، وستلد لك غلاماً فسمه باسمي، وكنه بكنيتي وانحله (2) .

عن الكلبي، عن ميمون بن مصعب المكّي بمكّة قال: كنّا عند أبي العباس بن سابور المكّي فأجرينا حديث أهل الردّة، فذكرنا خولة الحنفيّة ونكاح أمير المؤمنين عليه‌السلام لها فقال: أخبرني عبد الله بن الخير الحسيني، قال: بلغني أنّ الباقر محمد بن علي عليهما‌السلام - قال -:

__________________

(1) الجوهرة في نسب الامام علي عليه‌السلام : 58.

(2) الاصابة 4 / 289 ترجمة 357.

٢٧٤

كان جالساً ذات يوم إذ جاءه رجلان، فقالا: يا أبا جعفر! ألست القائل أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يرض بإمامة من تقدّمه؟

فقال: بلى.

فقالا له: هذه خولة الحنفيّة نكحها من سبيهم ولم يخالفهم على أمرهم مذ حياتهم؟!

فقال الباقر عليه‌السلام : من فيكم يأتيني بجابر بن عبد الله؟ - وكان محجوباً قد كفّ بصره -.

فحضر وسلّم على الباقر عليه‌السلام فردّ عليه وأجلسه إلى جانبه.

فقال له: يا جابر! عندي رجلان كرا أنّ أمير المؤمنين رضي بإمامة من تقدّم عليه، فاسألهما ما الحجّة في ذلك؟

فسألهما فذكرا له حديث خولة، فبكى جابر حتى اخضلّت لحيته بالدموع.

ثم قال: والله - يا مولاي - لقد خشيت أن أخرج من الدنيا وأن أُسأل عن هذه المسألة، والله إنّي كنت جالساً إلى جنب أبي بكر - وقد سبى بني حنيفة مع مالك بن نويرة من قبل خالد بن الوليد - وبينهم جارية مراهقة -.

فلمّا دخلت المسجد قالت: أيّها الناس! ما فعل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قالوا: قُبض.

قالت: هل له بنية تقصد؟

قالوا: نعم هذه تربته وبنيته.

فنادت وقالت: السلام عليك يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أشهد أنّك تسمع صوتي وتقدر على ردّ جوابي، وإنّنا سبينا من بعدك، ونحن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك محمّداً رسول الله...

٢٧٥

ثم جلست فوثب إليها رجلان من المهاجرين أحدهما طلحة والآخر الزبير وطرحا عليها ثوبيهما.

فقالت: ما بالكم - يا معاشر الأعراب - تغيبون حلائلكم وتهتكون حلائل غيركم؟

فقيل لها: لأنّكم قلتم لا نصلّي ولا نصوم ولا نزكّي؟

فقال لها الرجلان اللذان طرحاً ثوبيهما: إنّا لغالون في ثمنك.

فقالت: أقسمت بالله وبمحمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّه لا يملكني ويأخذ رقبتي إلّا من يخبرني بما رأت أُمّي وهي حاملة بي؟ وأيّ شيء قالت لي عند ولادتي؟ وما العلّامة التي بيني وبينها؟ وإلّا بقرت بطني بيدي فيذهب ثمني ويطالب بدمي.

فقالوا لها: اذكري رؤياك حتى نعبرها لك.

فقالت: الذي يملكني هو أعلم بالرؤيا منّي؟

فأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وجلسوا، فدخل أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال: ما هذا الرجف في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

فقالوا: يا أمير المؤمنين امرأة حنفيّة حرّمت ثمنها على المسلمين وقالت: من أخبرني بالرؤيا التي رأت أُمّي وهي حاملة بي يملكني.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما ادّعت باطلاً، أخبروها تملكوها.

فقالوا: يا أبا الحسن! ما منّا من يعلم، أما علمت أنّ ابن عمّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قبض وأخبار السماء قد انقطعت من بعده.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أخبرها بغير اعتراض منكم؟

قالوا: نعم.

فقال عليه‌السلام : يا حنفيّة! أخبرك وأملكك؟

فقالت: لعلّك الرجل الذي نصبه لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في صبيحة يوم الجمعة بغدير خم علماً للناس؟

٢٧٦

فقال: أنا ذلك الرجل.

قالت: من أجلك نهبنا، ومن نحوك أتينا، لأنّ رجالنا قالوا: لا نسلّم صدقات أموالنا ولا طاعة نفوسنا إلّا لمن نصبه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فينا وفيكم علماً.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ أجركم غير ضائع، وإن الله يوفي كلّ نفس ما عملت من خبر.

ثم قال: يا حنفيّة! ألم تحمل بك اُمّك في زمان قحط قد منعت السماء قطرها، والأرضون نباتها، وغارت العيون والأنهار حتى أنّ البهائم كانت ترد المرعى فلا تجد شيئاً، وكانت اُمّك تقول لك: انّك حمل مشوم في زمان غير مبارك، فلمّا كان بعد تسعة أشهر رأت في منامها كأن قد وضعت بك، وأنّها تقول: إنّك حمل مشوم في زمان غير مبارك، وكأنّك تقولين: يا اُمّي لا تتطيّرن بي فإنّي حمل مبارك أنشأ منشأ مباركاً صالحاً، ويملكني سيّد، واُرزق منه ولداً يكون للحنفيّة عزّاً؟

فقالت: صدقت.

فقال عليه‌السلام : إنّه كذلك وبه أخبرني ابن عمّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقالت: ما العلامة التي بيني وبين اُمّي؟

فقال لها: لمّا وضعتك كتبت كلامك والرؤيا في لوح من نحاس وأودعته عتبة الباب، فلمّا كان بعد حولين عرضته عليك فأقررت به، فلمّا كان بعد ستّ سنين عرضته عليك فأقررت به، ثم جمعت بينك وبين اللوح وقالت لك: يا بنيّة إذا نزل بساحتكم سافكٌ لدمائكم، وناهب لأموالكم، وسابٍ لذراريكم، وسبيت فيمن سبي، فخذي اللوح معك واجتهدي أن لا يملكك من الجماعة إلّا من خبرك بالرؤيا وبما في هذا اللوح.

فقالت: صدقت... يا أمير المؤمنين عليه‌السلام .

ثم قالت: فأين هذا اللوح؟

٢٧٧

فقال: هو في عقيصتك.

فعند ذلك دفعت اللوح إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام .

ثم قالت: يا معاشر الناس! اشهدوا أنّي قد جعلت نفسي له عبدة، فقال عليه‌السلام : بل قولي زوجة، فقالت: اشهدوا أن قد زوّجت نفسي - كما أمرني - بعليّ عليه‌السلام . فقال عليه‌السلام : قد قلبتكِ زوجة، فماج الناس، فقال جابر: فملكها والله يا أبا جعفر بما ظهر من حجّته وثبت من بيّنته، فلعن الله من اتّضح له الحقّ ثم جحد حقّه وفضله، وجعل بينه وبين الحقّ ستراً (1) .

* * *

__________________

(1) البحار:

٢٧٨

الصهباء

وهي أم حبيبة بنت ربيعة بن بجير بن العبد بن علقمة بن الحارث بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن جيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل.

وكانت سبية أصابها خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر حين أغار على بني تغلب بناحية عين تمر، ولدت له عمر ورقية (1) .

* * *

__________________

(1) الطبقات الكبرى 3 / 19، البحار 42 / 90.

٢٧٩

أم مسعود

أم مسعود (سعيد) بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي، وولدت له عليه‌السلام رملة وأم الحسن (1) .

* * *

__________________

(1) المصدر نفسه.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378