أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين15%

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 378

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين
  • البداية
  • السابق
  • 378 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166114 / تحميل: 9140
الحجم الحجم الحجم
أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وفاء

أم البنين عليها‌السلام وابناؤها

أم البنين وشهادة زوجها أمير المؤمنين عليه‌السلام :

كان أمير المؤمنين عليه‌السلام دائم السهر في طاعة الله، أحيى ليالي عمره الشريف بالمناجاة مع خالق البريات... بيد أنّ لسهره ليلة التاسع عشر من شهر رمضان نكهة خاصة، فقد سهر في تلك الليلة فأكثر الخروج والنظر إلى السماء وهو يقول: «والله ما كذبت ولا كذبت وإنّها الليلة التي وعدت بها».

وكأنّ أم البنين عليها‌السلام ترقب الموقف بقلب واجف وجل وتقول لأمير المؤمنين عليه‌السلام : ماذا حدث لك يا أمير المؤمنين، أهذه الليلة من ليالي القدر التي وعدت؟

فيجيبها الامام عليه‌السلام : أوصيك بولدك العباس لا يتركن أخاه الحسين يوم يبقى وحيداً فريداً لا ناصر له ولا معين.

فلما طلع الفجر فقام يخرج فاستقبله الأوز فصحن في وجهه فقال: دعوهن فانهن صوائح تتبعها نوائح، وتعلقت حديدة على الباب في مئزره فشدّ إزاره وهو يقول:

أشدد حياز يمك للموت فان الموت لاقيك

ولا تجزع من الموت إذا حلّ بواديك (١)

__________________

(١) البحار ٤٢ / ٢٣٨.

٨١

فلما وصل إلى المسجد راح يصلي بخشوع وخضوع، واذا بسيف ابن ملجم المرادي المسموم يفرق هامته الشريفة ويرتفع صوت الامام عليه‌السلام : «فزت ورب الكعبة» (١) .

وارتفع صوت جبرئيل بين السماء والارض هاتفاً: «تهدمت والله أركان الهدى وانفصمت العروة الوثقى.. قتل علي المرتضى» (٢) .

وكأنّ أم البنين عليها‌السلام ارتفعت صرختها: يا وارث الأنبياء، ولا سيد الأوصياء، ويا إمام الدين، ويا خير الساجدين، ويا مولى الموحدين... يا علي، يا أمير المؤمنين.

قال الواقدي: قتل علي عليه‌السلام وترك أربع حرائر: أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليلى التميمية، وأم البنين الكلابية، وأسماء بنت عميس (٣) .

أم البنين عليها‌السلام لم تتزوج بعد أمير المؤمنين عليه‌السلام :

تزوج أمير المؤمنين عليه‌السلام من فاطمة ابنة حزام العامرية إما بعد وفاة الصديقة سيدة النساء، كما يراه بعض المؤرخين (٤) ، أو بعد أن تزوج بأمامة بنت زينب بنت رسول الله، كما يراه البعض الآخر (٥) ، وهذا بعد وفاة الزهراء عليها‌السلام لأنّ الله قد حرم النساء على علي عليه‌السلام ما دامت فاطمة موجودة (٦) .

فولدت أربعة بنين وأنجبت بهم: العباس، وعبد الله، وجعفر، وعثمان.

وعاشت بعده عليه‌السلام مدة طويلة، ولم تتزوج من غيره، كما أن أمامة وأسماء بنت

__________________

(١) البحار ٤٢ / ٢٣٩.

(٢) البحار ٤٢ / ٢٨٢.

(٣) تذكرة الخواص: ١٦٨.

(٤) الطبري ٦ / ٨٩، ابن الاثير ٣ / ١٥٨، أبو الفداء ١ / ١٨١.

(٥) المناقب لابن شهر آشوب ٢ / ١١٧، مطالب السؤول ٦٣، الفصول المهمة ١٤٥، الاصابة ٤ / ٣٦ ترجمة أمامة.

(٦) المناقب لابن شهر آشوب ٢ / ٩٣.

٨٢

عميس وليلى لم يخرجن إلى أحد بعده، وهذه الأربع حرائر توفي عنهم سيد الوصيين (١) .

وقد خطب المغيرة بن نوفل أمامة ثم خطبها أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث، فامتنعت وروت حديثاً عن علي عليه‌السلام أن أزواج النبي والوصي لا يتزوجن بعده، فلم يتزوجن الحرائر وأمهات الأولاد عملاً بالرواية (٢) .

وكانت أم البنين من النساء الفاضلات العارفات بحق أهل البيت عليهم‌السلام ، مخلصة في ولائهم، ممحضة في مودتهم (٣) ، وقد بقيت وفية لزوجها بعد استشهاده كما كانت وفية له في حياته.

وقد توفى عنها أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان أكبر أولادها العباس لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره، حيث تلفع هو وأخوته الصغار بغبار اليتم وذاقوا مرارة فقد الأب وهم في مقتبل العمر.

أم البنين عليها‌السلام ورعايتها لسبطي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

قامت السيدة أم البنين برعاية سبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانتيه وسيد شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليه‌السلام ، وقد وجدا عندها من العطف والحنان ما عوضهما من الخسارة الأليمة التي مُنيا بها بفقد أمها سيدة نساء العالمين، فقد توفيت وعمرها كعمر الزهور، فترك فقدها اللوعة والحزن في نفسيهما.

لقد كانت السيدة أم البنين تكن في نفسها من المودة والحب للحسين والحسين عليهما‌السلام ما لا تكنّه لأولادها اللذين كانوا ملء العين في كمالهم وآدابهم.

__________________

(١) كشف الغمة: ٣٢، الفصول المهمة: ١٤٥، المناقب لابن شهر آشوب ٢ / ٧٦، مطالب السؤول: ٦٣.

(٢) المناقب (لابن شهر آشوب) ٢ / ٧٦.

(٣) العباس (للمقرم): ١٣٢ - ١٣٣.

٨٣

لقد قدّمت أم البنين أبناء رسول الله على أبنائها في الخدمة والرعاية، ولم يعرف التاريخ أنّ شريكة تخلص لأبناء شريكتها وتقدّمهم على أبنائها سوى هذه السيدة الزكية، فقد كانت ترى ذلك واجباً دينياً لأن الله أمر بمودتهما في كتابه الكريم فقال تعالى: ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١) وهما وديعتا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانتاه، وقد عرفت أم البنين ذلك فوفت بحقهما وقامت بخدمتهما خير قام (٢) .

روي أنها لما زفت إلى بيت الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام وجدت الامامين الحسن والحسين عليهما‌السلام مريضين، فأخذت تمرضهما وتقوم برعايتهما، وتلاطفهما في القول، وتطيب ليهما الكلام، حتى عوفيا من مرضهما وبرئا من علتهما.

ثم إنّها - على ما قيل - طلبت من الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يعهد إلى أهل بيته بأن لا يدعوها أحد بعد ذلك باسمها «فاطمة»، مخافة أن يتذكر أبناء فاطمة الزهراء عليها‌السلام أمهم فيتجدّد حزنهم ويلكأ جرح مصابهم، فتثار أشجانهم وتعود اليهم ذكرياتهم، فدعاها أمير المؤمنين بـ «أم البنين» (٣) .

* * *

__________________

(١) سورة الشورى: الآية ٢٣.

(٢) العباس رائد الكرامة: ٢٧.

(٣) أنظر: الخصائص العباسية: ٢٥.

٨٤

أبناء أم البنين عليها‌السلام

تزوج أمير المؤمنين عليه‌السلام فاطمة ابنة حزام العامرية، وكانت واحدة من الحرائر الأربع اللواتي توفي عنهن سيد الوصيين، فولدت له أربعة بنين وأنجبت بهم: العباس وعبد الله وجعفر وعثمان... استشهدوا جميعاً بين يدي الحسين عليه‌السلام في كربلاء.

العباس بن أمير المؤمنين:

ولد سنة ست وعشرين من الهجرة وكان يلقّب في زمنه «قمر بني هاشم» ويكنى «أبا الفضل».

روي عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام أنّه قال: كان عمّنا العباس بن علي نافذ البصيرة، صلب الايمان، جاهد مع أبي عبد الله عليه‌السلام وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً.

وروي عن علي بن الحسين أنّه نظر يوماً إلى عبيد الله بن العباس بن علي عليه‌السلام فاستعبر ثم قال: ما من يوم أشدّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من يوم «أحد» قتل فيه عمّه حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله، وبعده يوم «مؤتة» قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب، ولا يوم كيوم الحسين عليه‌السلام إزدلف اليه ثلاثون ألف رجل

٨٥

يزعمون أنّهم من هذه الأمة كلّ يتقرّب إلى الله - عزّ وجل - بدمه، وهو يذكّرهم بالله فلا يتّعظون، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً.

ثم قال: رحم الله العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه، حتى قطعت يداه، فأبدله الله - عزّ وجل - منهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن ابي طالب عليه‌السلام ، وإنّ للعباس عند الله - تبارك وتعالى - منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة.

قال السيد المرقم رحمه‌الله : لقد كان من عطف المولى - سبحانه وتعالى - على وليه المقدس، سلالة الخلافة الكبرى، سيد الأوصياء، أن جمع فيه صفات الجلالة من بأس وشجاعة وإباء ونجدة، وخلال الجمال من سؤدد وكرم ودماثة في الخلق وعطف على الضعيف، كلّ ذلك من البهبجة في المنظر ووضاءة في المحيا، من ثغر باسم، ووجه طلق، تتموج عليه أمواه الحسن، ويطفح عليه رواء الجمال، وعلى أسرة جبهته أنوار الايمان، كما كانت تعبق م أعراقه فوائح المجد متأرجة من طيب العنصر، ولما تطابق فيه الجمالان الصوري والمعنوي قيل: له «قمر بني هاشم» (١) حيث كان يشوء بجماله في دنياه، كالقمر الفائق بنوره أشعة النجوم، وهذا هو حديث الرواة:

«كان العباس وسيماً، جميلاً، يركب الفرس المطهم ورجلاه يخطان في الأرض ويقال له: قمر بني هاشم» (٢) .

قال مؤلف «تذكرة الشهداء»: يكفى هذا الأبيّ العظيم شرفاً أنّه ابن أسد الله، وأخو قرطا عرش الله، وما أعظم فضله ومعرفته حتى كني بأبي الفضل، وليس ذاك لأنّه كان له ولد اسمه الفضل فحسب، بل لأنّه نال مراتب العلم والمعرفة والفضل.

__________________

(١) كان يقال لعبد مناف قمر البطحاء ولعبد الله والد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قمر الحرم.

(٢) مقاتل الطالبين ترجمة العباس بن علي عليه‌السلام .

٨٦

وما أسخاه وما أعظمه حيث أعرض عن الدنيا وزخرفها، ونسى الأهل والولد، وسعى إلى الشهادة جاهداً صابراً محتسباً، وبذل كلّ غالٍ ونفيس في سبيل الدفاع عن حريم إمامه وأخيه الحسين عليه‌السلام و «كمال الجود بذل الموجود» (١) .

أمير المؤمنين عليه‌السلام يقبّل يدي العباس عليه‌السلام :

كان الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام يرعى ولده العباس في طفولته، وكان يوسعه تقبيلاً.

يقول المؤرخون: إنّه أجلسه في حجره فشمر عن ساعديه فجعل الامام يقبلها، وهو غارق في البكاء، فبهرت أم البنين، وراحت تقول للامام: ما يبكيك؟

فأجابها الامام بصوت خافت حزين النبرات: «نظرت إلى هذين الكفين وتذكرت ما يجري عليهما...».

وسارعت أم البنين بلهفة قائلة: وماذا يجري عليهما؟

فأجابها الامام بنبرات مليئة بالأسى والحزن قائلاً: إنهما يقطعان من الزند....

وكانت هذه الكلمات كالصاعقة على أم البنين، فقد ذاب قلبها، وسارعت وهي مذهولة قائلة لماذا يقطعان؟

وأخبرها الامام عليه‌السلام بأنهما إنّما يقطعان في نصرة الاسلام والذبّ عن أخيه حامي شريعة الله، ريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأجهشت أم البنين في البكاء، وشاركها من كان معها من النساء لوعتها وحزنها.

وخلدت أم البنين إلى الصبر، وحمدت الله - تعالى - في أن يكون ولدها فداءً لسبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانته (٢) .

فبشر سيد الأوصياء بمكانة ولدها العزيز عند الله - جلّ شأنه - وما حباه عن يديه

__________________

(١) تذكرة الشهداء: ٢٤٣.

(٢) العباس رائد الكرامة والفداء (لباقر شريف القرشي): ٣٧، قمر بني هاشم للمقرم: ١٩.

٨٧

بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، كما جعل ذلك لجعفر بن أبي طالب، فقامت تحمل بشرى الأبد والسعادة الخالدة (١) .

تعويذ أم البنين له:

لقد كان أبو الفضل العباس آية بارعة في الجمال، وقد لقّب بقمر بني هاشم لروعة بهائه وجمال طلعته، وكان متكامل الجسم، قد بدت عليه آثار البطولة والشجاعة، ووصفه الرواة بأنه كان وسيماً جميلاً، يركب الفرس المطهم ورجلاه يخطان في الأرض.

وكان حبّه قد استوعب قلب أمه الحنون الزكية، فكان عندها أعزّ من الحياة، وكانت تخاف عليه وتخشى من أعين الحساد من أن تصيبه بأذى أو مكروه، وكانت تعوّذه بالله وتقول هذه الأبيات:

أعيذه بالواحد

من عين كلّ حاسد

قائمهم والقاعد

مسلمهم والجاحد

صادرهم والوارد

مولدهم والوالد (٢)

وكان من شدّة حبّ أبيه له أن قبلّ يديه تعبيراً عن مستوى عواطفه ومقدار ما إحتله الولد من قلب والده، تماماً كما كان يفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع الصديقة الطاهرة بضعته، حيث كان يقبّل يدها ويقوم لها ويجلسها مجلسه.

كنيته:

كنّى سيدنا العباس «أبي الفضل» وروى: إنّما كنّي بذلك لأن له ولداً اسمه الفضل.

__________________

(١) قمر بني هاشم (للمقرم): ٢٠.

(٢) العباس رائد الكرامة (للقرشي): ٣٦، عن المنمق في أخبار قريش: ٤٣٧.

٨٨

ويقول في ذلك بعض من رثاه:

أبا الفضل يا من أسس الفضل والابا

أبي الفضل إلّا أن تكون له أبا

وطابقت هذه الكنية حقيقة ذاته العظيمة، فلو لم يكن له ولد يسمّى بهذا الاسم، فهو - حقاً - أبو الفضل ومصدره الفياض، فقد أفاض في حياته ببره وعطائه على القاصدين لنبله وجوده، وبعد شهادته كان موئلاً وملجأً لكلّ ملهوف، فما استجار به أحد بنية صادقة إلّا كشف الله ما ألم به من المحن والبلوى.

ومن كناه أيضاً: «أبو القاسم» وكنّي بذلك لأن له ولداً اسمه «القاسم»، ذكر بعض ال مؤرخين أنّه استشهد معه يوم الطف، قدّمه العباس قرباناً لدين الله وفداءً لريحانة رسول الله (١) .

وأبى إلّا أن يكون قد واسى الحسين أخاه في كلّ شيء حتى في الفجيعة بولده وفلذة كبده.

العباس عليه‌السلام مع أبيه:

كان أمير المؤمنين عليه‌السلام معلم البشرية ومربّيها؛ سيما المجتمع الاسلامي الذي ساقه عليه‌السلام إلى ذرى الانسانية الشماء.

وقد قدم عليه‌السلام دروس الشهامة والفضيلة والكمال لمحبيه وشيعته، وخصّ بذلك أيضاً أبناءه عليه‌السلام ، وقد ربّى ولده أبا الفضل العباس عليه‌السلام - وكان غايته من زواجه بأم البنين عليها‌السلام - أحسن تربية، فأفاض عليه مكونات نفسه العظيمة العامرة بالايمان والمثل العليا، وأفاض عليه آداب الاسلام وعلوم القرآن والحديث والفضائل الاخلاقية، ولم يمنعه أي فيض من فيوضاته، فعلمه الزراعة والفروسية والرماية والمجالدة بالسيف، وشركه في حروبه الثلاثة - الجمل وصفين والنهروان - فعلّمه

__________________

(١) انظر العباس رائد الكرامة.

٨٩

على تجربة الحرب وخوض ساحات الوغى والمنون، حتى طار صيته في الآفاق، وصار العباس وشجاعته مثلاً تسير به الركبان، ويتحدّث به العرب في أنديتهم.

وفي الساعات الأخيرة من حياته الشريفة أخذ أمير المؤمنين عليه‌السلام يد العباس عليه‌السلام ووضعها في يد أخيه الحسين عليه‌السلام وأوصاهم بوصاياه المهمة.

العباس عليه‌السلام مع أخيه الحسين عليه‌السلام :

لما استشهد أمير المؤمنين عليه‌السلام انتقلت ودائع الامامة إلى ولده الحسن عليه‌السلام ، السبط الأكبر للنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتلقّد شيعته وأهل بيته، بل والمسلمون جميعاً قلادة الاطاعة لإمام زمانهم عليه‌السلام .

وكان العباس عليه‌السلام واقفاً إلى جنب أخيه في الحربين مع معاوية، ثابت القدم، راسخ الايمان، مما أكسبه تجارب عظيمة، وخبرة كبيرة في جفاء القوم وخيانة رؤوسهم وقادتهم.

فلما اتخذ الامام عليه‌السلام قرار «الصلح» مع معاوية - بناءً على المصلحة وعملاً بالأمر الالهي - أطاعه العباس عليه‌السلام في ذلك وسلّم لأمر إمامه، ومضت عشرة سنوات في الهدوء الظاهر، والصمت المخيم على الموقف التزاماً بالصلح، وإطاعة للامام حتى استشهد الامام المجتبى عليه‌السلام .

فتمادى الأمويون بالشر، وظهرت خفايا نفوسهم المنطوية على الحقد والعداء لآل البيت، فقد مانعت عائشة ووقف مروان بكلّ صلف ودناءة ليحولوا دون أن يدفن سبط النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانته عند جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوعزوا إلى عملائهم برمي جنازة الامام، فرموها بقسيّهم وسهامهم، وكادت الحرب أن تقع بين الهاشميين والأمويين، وأسرع أبو الفضل العباس إلى مناجرة الأمويين وتمزيقهم، ومدّ يده القوية إلى سيفه البتار، فمنعه أخوه الامام الحسين عليه‌السلام من القيام بأي عمل إمتثالاً لوصية أخيه حيث

٩٠

أوصاه بأن «لا يهراق في أمره ملء محجمة من دم»... ولو لا ذاك لانقض أبو الفضل على الحكام وأعوانهم وعائشة ومردتها.

وكان العباس يومها في الرابعة والعشرين من عمره، وهو يتمتع بكل هذه الهيبة والشجاعة والاقدام.

قاسماً بصارمه الصقيل وإنني

في غير صاعقة السما لا أقسم

لو لا القضا لمحا الوجود بسيفه

والله يقضي ما يشاء ويحكم

أبو الفضل مع أخيه الحسين عليه‌السلام :

بقي أبو الفضل العباس خلال فترة «الصلاح» مع معاوية ملتزماً بالمعاهدة إطاعة لامامه وامتثالاً لتكليفه، وكان طيلة فترة حياته مع أخيه حاضراً جاهزاً مطيعاً ممتثلاً لامام زمانه، ولم يؤثر عنه أنّه خاطبه ولا مرة واحدة بـ «أخي»، وإنّما كان يخاطبه بـ «مولاي» و «سيدي»، ولم يؤثر عنه أنّه عبّس وجهه إلا في وجوه الأعداء وكان ينقض كالصقر إذا ما سمع أمراً صادراً من إمامه الحسين عليه‌السلام ، فينفذه فوراً، وكان وفياً له حتى بعد شهادته.

فقد روي: أنّ ملكة الهند توسلت في حاجة لها بأبي الفضل العباس عليه‌السلام ونذرت إن قضى الله لها حاجتها أن تطلي منائر الروضة العباسية المباركة بالذهب، فقضى الله لها حاجتها ببركة أبي الفضل العباس عليه‌السلام ، فعزمت على أداء نذرها والوفاء بوعدها، فشدّت الرحال وتوجهت نحو المشاهد المشرفة والأعتاب المقدسة، وأخذت معها ذهباً كثيراً، واصطحبت معها مهندسين ماهرين بارعين.

فلما وصلت الملكة بموكبها إلى كربلاء المقدسة وعزمت على الشروع بتذهيب المنائر - إذ قد تمّ إعداد كلّ شيء من قبل - واستعد المهندسون والعمال لمباشرة أعمالهم في الصباح الباكر، وإذا بسادن الروضة العباسية المباركة يرى في نفس

٩١

الليلة - التي كان من المقرر أن يباشروا العمل في صبيحتها - في ما يرى النائم أبا الفضل العباس عليه‌السلام وهو يقول له - بما معناه -: إنّي لا أرضى بتذهيب منائر روضتي، فان منائر روضة سيدي الامام الحسين عليه‌السلام مذهّبة، ولا بد أن يكون ثمة فرق بين روضة العبد وروضة سيده.

وفي الصباح الباكر أقبل سادن الروضة العباسية المباركة وأخبرهم بما قاله أبو الفضل العباس عليه‌السلام وأدى رسالته اليهم، فكفوا عن العمل، وانفقوا الذهب الذي جاءت به الملكة على الفقراء والمعوزين بحساب أبي الفضل العباس (١) .

ويستفاد من هذه القصة أمران:

الأول: إنّ أدب أبي الفضل العباس عليه‌السلام ووفائه لأخيه الحسين عليه‌السلام لم يكن مقصوراً على أيام حياته، بل بقي كذلك حتى بعد شهادته، علماً لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.

والثاني: إنّ الفقراء والمعوزين كانوا من الكثرة بمكان في ذلك الزمان، وقد شملتهم أفضال أبي الفضل العباس عليه‌السلام .

شجاعة أبي الفضل العباس عليه‌السلام :

الشجاعة من أسمى صفات الرجولة، وهي صفة الاعتدال التي يحدّها الجبن والتهور، فالشجاع لا يخاف ولا يتهور فيتعدى على حقوق الآخرين ويتجاوز حدودهم، والشجاع لا يقهر الآخرين تهوراً وظلماً، وكل عمل دني غير إنساني يصدر من أحد إنّما يكون منشاه الجبن أو التهور؛ لأن الشجاعة بمعناها الصحيح حدّ وسط، وملكة نفسانية أكدت عليها التعاليم والآداب الدينية، وهي منحة إلهية تنم عن قوة الشخصية وصلابتها وتماسكها أمام الأحداث، فلا تفاض على كلّ أحد، بل لا بد

__________________

(١) انظر الخصائص العباسية: ٢٢٩ في وفاء العباس عليه‌السلام .

٩٢

أن يكون أهلاً لها، تماماً كشجاعة أمير المؤمنين عليه‌السلام الربانية التي صرع بها عمرو ابن ودّ، وقلع بها باب خيبر، فلما سئل عنها قال: «بقوة رحمانية لا بقوة جسمانية».

وقد ورث أبو الفضل هذه الصفة الكريمة من أبيه الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي هو أشجع إنسان في دنيا الوجود (١) .

وقد علمه الامام عليه‌السلام وأدبه بآدابه وأفاض عليه من ذاته، ولم يكن العباس عليه‌السلام قد ورث الشجاعة وتعلمها من أبيه فحسب، وإنّما كان بطلاً ضرغاماً له مؤهلاته الجسدية أيضاً حيث كان ذا بسطة في الجسم، معروفاً بالقوة والبسالة، فكان شجاعاً ظاهراً وباطناً.

وهكذا هم بنو هاشم كبيرهم وصغيرهم، فكيف بأبي الفضل العباس الذي كان علماً في البطولات، لم يخالج قلبه خوف ولا رعب في الحروب التي خاضها مع أبيه، بل لقن الأعداء درساً جعلهم يعرفون سيفه بين السيوف، وهو لمّا يزل شاباً، كما أبدى من الشجاعة يوم الطف ما صار مضرب المثل على امتداد التاريخ، حيث برز أمام تلك القوى التي ملأت البيداء، فجبّن الشجعان، وأرعب قلوب عامة الجيش، فزلزلت الأرض تحت أقدامهم وخيّم عليهم الموت (٢) .

عبست وجوه القوم

والعباس فيهم ضاحك متبسم

قلب اليمين على الشمال

وغاص في الأوساط يحصد للرؤوس ويحطم

بطل تورث من أبيه شجاعة

فيها أنوف بني الضلالة ترغم

__________________

(١) كما ورث هذه الصفة من أخواله الذين تميزوا بهذه الظاهرة وعرفوا بين سائر الأحياء العربية (أنظر العباس رائد الكرامة: ٥٥).

(٢) انظر العباس رائد الكرامة: ٥٥.

٩٣

فروسية أبي الفضل العباس عليه‌السلام :

كان عبد المطلب من زعماء مكة قبل الاسلام، وكان في زمانه رجل يقال له «سيف بن ذي يزن» وكان من ملوك اليمن، فجمع عبد المطلب رؤساء قريش وقال: يا قوم إنّكم تحتاجون أن تخرجوا معي نحو «سيف بن ذي يزن» لتهنئته في ولايته...

فلما ذهبوا اليه استقبلهم بحفاوة وأكرم مثواهم وجعلهم في دار الضيافة.

وفي ذات يوم دعا عبد المطلب لوحده، واختلى به وقال لخدمه: تباعدوا عنا، فلم يبق في المجلس غير الملك وعبد المطلب وثالثهم ربّ العزة - تبارك وتعالى -.

فقال له الملك: يا أبا الحارث، إنّ من آرائي أو أفوض اليك علماً كنت كتمته عن غيرك أريد أن أضعه عندك، فانك موضع ذلك، وأريد أن تطويه وتكتمه إلى أن يظهره الله - تعالى -.

فقال عبد المطلب: السمع والطاعة للملك وكذا الظن بك.

فقال الملك: اعلم يا أبا الحارث إن بأرضكم غلاماً حسن الوجه والبدن جميل القد والقامة، بين كتفيه شامة، المبعوث من تهامة، أنبت الله - تعالى - على رأسه شجرة النبوة، وظللته الغمامة، صاحب الشفاعة يوم القيامة، مكتوب بخاتم النبوة على كتفيه سطران: «لا اله الا الله» والثاني «محمد رسول الله» والله - تعالى - أمات أمه وأباه، وتكون تربيته على جدّه وعمه، وإني وجدت في كتب بني إسرائيل صفته، أبين وأشرح من القمر بين الكواكب، وإني أراك جدّه.

فقال عبد المطلب: أنا جده أيها الملك.

فقال الملك: مرحباً بك وسهلاً يا أبا الحارث.

ثم قال له الملك: أشهدك على نفسي - يا أبا الحارث - إني مؤمن به وبما يأتي به من عند ربّه، ثم تأوّه «سيف» ثلاث مرات بأن يراه، فكان ينصره....

٩٤

ثم إنّ الملك أمر لكل واحد منهم ببدرة بيض، فحمل كلّ واحد منهم على دابة وبغل، وأمر لكلّ واحد منهم بجارية وغلام وثياب فاخرة، ولعبد المطلب بضعفي ما وهب لهم.

ثم دعا الملك بفرسه «العقاب» وبغلته «الشهباء» وناقته «العضباء» وقال: يا أبا الحارث؛ إنّ الذي أسلمه اليك أمانة في عنقك تحفظها إلى أن تسلمها إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقال له: إعلم أني ما طلبت على ظهر هذه الفرس شيئاً إلا وجدته، وما قصدني عدو وأنا راكب عليها إلّا نجاني الله - تعالى - منه، وأما البغلة فاني كنت أقطع بها الدكداك والجبال لحسن سيرها، ولا أنزل عنها ليلي ونهاري، فأمره أن يتحفظ ويجعلها لي تذكرة، وبلغه عني التحية الكثيرة.

فقال عبد المطلب: السمع والطاعة.

ثم ودعوه وخرجوا نحو الحرم حتى دخلوا مكة....

ثم إنّ عبد المطلب لما رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نزل عن مركوبة وعانقه وقبّل ما بين عينيه وقال له: إنّ هذا الفرس والبغلة والناقة أهداها اليك «سيف بن ذي يزن» ويقرأ عليك التحية الطبية.

ثم أمر أن يحمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الفرس، فلمّا استوى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ظهر الفرس انتشط وصهل صهيلاً شديداً فرحاً برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ونسب هذا الفرس (١) أنّه: عقاب بن ينزوب بن قابل بن بطال بن زاد الراكب بن الكفاح بن الجنح بن موج بن ميمون بن ريح... (٢) .

فكان عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله العقاب والمرتجز وذو الجناح، وكانت من جياد الخيل

__________________

(١) كانت الخيل العربية ولا زالت ذات أنسابه عريقة وأصيلة بحيث يحتفظ بشجرتها عند أصحابها عادة.

(٢) البحار ١٥ / ١٥٠ - ١٥١ والقصة مفصلة طويلة.

٩٥

المدربة على الحروب، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما ركبها عادت قوية شابة بقوة الله وإعجاز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فلما توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انتقلت إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ومن ثم إلى السبطين عليهما‌السلام ومن ثم صار العقاب إلى أبي الفضل العباس، والمرتجز إلى علي الأكبر عليه‌السلام ، وذو الجناح إلى أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام .

وكان أبو الفضل العباس اذا ركب العقاب واقتحم الميدان أشرف على الجيش لطول قامته وارتفاع هامته.

الأمان:

قال أبو مخنف: لما كتب ابن زياد كتابه إلى عمر بن سعد بالتعجيل لحرب الحسين عليه‌السلام ، وقبضه شمر بن ذي الجوشن قام هو وعبد الله بن أبي المحل بن حزام الكلابي.

فقال عبد الله: أصلح الله الأمير؛ إنّ بني أختنا أم البنين: العباس وعبد الله وجعفر وعثمان مع الحسين عليه‌السلام ، فان رأيت أن تكتب لهم أماناً فعلت.

قال ابن زياد: نعم - ونعمة عين - فأمر كاتبه فكتب لهم أماناً...

فبعث به عبد الله بن أبي المحل مع مولى له يقال له «كزمان» (١) .

ولما قدم عليهم «كزمان» مولى عبد الله بن أبي المحل دعاهم فقال: هذا أمان بعث به خالكم.

فقال له الفتية: أقرأ خالنا السلام وقل له: أن لا حاجة لنا في أمانكم، أمان الله خير من أمان ابن سمية (٢) .

__________________

(١) مقتل أبي مخنف: ١٨٦ (مع الترجمة الفارسية).

(٢) مقتل أبي مخنف: ١٨٨.

٩٦

وفي اللهوف: وصاح شمر بأعلى صوته: أين بنو أختنا؟ أين العباس واخوته؟

فأعرضوا عنه فقال الحسين عليه‌السلام : أجيبوه ولو كان فاسقاً.

قالوا: ما شأنك وما تريد؟

قال: يا بني أختي أنتم آمنون لا تقتلوا أنفسكم مع الحسين والزموا طاعة أمير... يزيد.

فقال العباس: لعنك الله ولعن أمانك، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له، وتأمرنا أن ندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء (١) .

عشية اليوم التاسع:

وفي عشية اليوم التاسع من المحرم نادى عمر بن سعد: يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري، فركب الناس حتى زحف نحوهم بعد العصر، والحسين عليه‌السلام جالس أمام بيته محتبياً بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتيه، فسمعت أخته الضجة، فدنت من أخيها فقالت: يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت، فرفع الحسين عليه‌السلام رأسه فقال: إنّي رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الساعة في المنام فقال لي: إنّك تروح الينا، فلطمت أخته وجهها ونادت بالويل.

فقال لها الحسين عليه‌السلام : ليس لك الويل يا أخيه اسكتي رحمك الله.

ثم قال له العباس بن علي عليه‌السلام : يا أخي أتاك القوم.

فنهض ثم قال: يا عباس - اركب بنفسي أنت يا أخي - حتى تلقاهم وتقول لهم: مالكم وما بدالكم وتسألهم عما جاء بهم، فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارساً، فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر.

فقال لهم العباس: ما بدالكم وما تريدون؟

__________________

(١) ابن نما: ٢٨، مقتل الحسين عليه‌السلام (للمقرم): ٢٠٩.

٩٧

قالوا: قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم.

فقال: فلا تعجلوا حتى ارجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم.

فوقفوا وقالوا: ألقه فاعلمه ثم القنا بما يقول لك.

فانصرف العباس راجعاً يركض إلى الحسين عليه‌السلام يخبره الخبر، ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفونهم عن قتال الحسين عليه‌السلام ، فجاء العباس إلى الحسين عليه‌السلام فأخبره بما قال القوم فقال عليه‌السلام : ارجع اليهم، فان استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة، وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلّي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار.

فمضى العباس إلى القوم، ورجع العباس واستمهلهم العشية، فتوقف ابن سعد وسأل من الناس، فقال عمرو بن الحجاج: سبحان الله لو كانوا من الديلم وسألوك هذا لكان ينبغي لك أن تجيبهم اليه.

فبعث عمر بن سعد إلى الحسين عليه‌السلام يقول: إنّا قد أجلناكم إلى غد فان استسلمتم سرحناكم إلى أميرنا عبيد الله بن زياد وإن أبيتم فلسنا تاريكيكم... (١) .

حارس خيام الحسين عليه‌السلام :

في معالي السبطين عن فخر المخدرات زينب عليها‌السلام قالت: لما كانت عاشوراء من المحرم خرجت من خيمتي لأتفقد أخي الحسين عليه‌السلام وأنصاره، وقد أفرد له خيمة، فوجدته جالساً وحده يناجي ربّه ويتلوا القرآن، فقلت في نفسي: أفي مثل هذه الليلة يترك أخي وحده، والله لأمضين أخوتي وبني عمومتي وأعاتبهم بذلك.

فأتيت إلى خيمة العباس فسمعت منها همهمة ودمدمة، فوقفت على ظهرها فنظرت فيها فوجدت بني عمومتي وأخوتي وأولاد اخوتي مجتمعين كالحلقة

__________________

(١) الارشاد (للمفيد): ٢٣٠، مقتل الحسين عليه‌السلام (للمقرم): ٢١١.

٩٨

وبينهم العباس ابن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو جاث على ركبتيه كالأسد على فريسته، فخطب فيهم خطبة ما سمعتها إلّا من الحسين عليه‌السلام ، مشتملة بالحمد والثناء لله والصلاة والسلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثم قال في آخر خطبته: يا اخوتي وبني اخوتي وبني عمومتي إذا كان الصباح فما تقولون؟

فقالوا: الأمر اليك يرجع ونحن لا نتعدى لك قولك.

فقال العباس: إنّ هؤلاء - أعني الأصحاب - قوم غرباء، والحمل الثقيل لا يقوم إلّا بأهله، فاذا كان الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم، نحن نقدمهم للموت لئلا يقول الناس: قدموا أصحابهم، فلما قتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة.

فقامت بنو هاشم وسلّوا سيوفهم في وجه أخي العباس وقالوا: نحن على ما أنت عليه.

قالت زينب عليها‌السلام : فلما رأيت كثرة اجتماعهم وشدّة عزمهم وإظهار شيمتهم سكن قلبي وفرحت... (١) .

لقد قضى أبو الفضل العباس تلك الليلة في حراسة خيام الحسين عليه‌السلام ، فأطبق بجلاله وشهامته على الأجواء، حيث كانت ومضات سيفه البتار تسلب الليل سكونه، وعجز العدو على كثرتهم تلك الليلة عن القيام بأي حركة، بل سلب العباس النوم من عيونهم، كيف لا وهو شبل أسد الله وربيب علي المرتضى؟!

وهكذا قضى الحسين وأصحابه تلك الليلة بالمناجاة، ما بين قائم وقاعد، وراكع وساجد، ولهم في تلاوت القرآن دوي كدوي النحل، وأخلدن بنات النبي وعقائل الوحي والوصي، ومن معهن من الأطفال والصبية تلك الليلة إلى الاطمئنان والأمان؛ لأن الجميع كانوا في حماية العباس وحراسته.

__________________

(١) معالي السبطين ١ / ٣٤٠.

٩٩

لقاء بين زهير بن القين وأبي الفضل العباس عليه‌السلام :

ولما رجع العباس واخوته إلى الحسين وأعلموه بما أراده الماجن منهم، قام زهير بن القين إلى العباس وحدّثه بحديث.

فقال له: ألا أحدثك بحديث وعيته؟!

قال العباس عليه‌السلام : بلى حدثني به.

قال زهير: اعلم يا أبا الفضل إنّ أباك أمير المؤمنين عليه‌السلام طلب من أخيه عقيل - وكان عارفاً بأنساب العرب وأخبارها - أن يختار له امرأة ولدتها الفحولة من العرب وذوو الشجاعة منهم؛ ليتزوجها فتلد له غلاماً فارساً شجاعاً ينصر الحسين بطف كربلاء، وقد ادخرك أبوك لمثل هذا اليوم فلا تقصر عن نصرة أخيك وحماية أخواتك.

فثارث غيرته الهاشمية وتفجرت همته العلوية، فتمطى في ركابه حتى قطعه وقال: يا زهير تشجعني هذا اليوم، فوالله لأرينك شيئاً ما رأيته (١) .

فجدل أبطالاً ونكس رايات في حالة لم يكن همه القتال ولا منازلة الأبطال، بل كان همه إيصال الماء إلى الأطفال، ولكن لا مردّ للقضاء ولا دافع للأجل المحتوم.

وقع العذاب على جيوش أمية

من باسل هو في الوقائع معلم

ما راعهم إلّا تقحم ضيغم

غيران يعجم لفظه ويدمدم

عبست وجوه القوم خوف الموت

والعباس فيهم ضاحك متبسم

قلب اليمين على الشماء وغاص في

الأوساط يحصد في الرؤوس ويحطم

قسماً بصارمه الصقيل وإنني

في غير صاعقة السما لا أقسم

لو لا القضا لمحا الوجود بسيفه

والله يقضي ما يشاء ويحكم (٢) .

__________________

(١) أنظر: الخصائص العباسية: ٢٤٧، مقتل الحسين (للمقرم): ٧٩٤.

(٢) الخصائص العباسية: ٢٤٩.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

شهوة ، وبه قال الأوزاعي(1) .

وقال مالك : لا غسل عليه ، سواء خرج بعد البول أو قبله ، لأنّه قد اغتسل منه فلا يجب عليه أن يغتسل منه مرّة اُخرى(2) ـ وعنه في الوضوء روايتان(3) ـ وهو مذهب أبي يوسف ومحمد وإسحاق(4) . وهو غلط لما بيّنا من عدم اعتبار الشهوة ، ولو تقطّر من بوله قطرة أعاد الوضوء.

وأما إن لم يعلم أنّه مني ، فإن خرج بعد البول لم يجب الغُسل ، ووجب الوضوء ، لأنّ الظاهر أنّه من بقايا البول ، وإن كان قد استبرأ بالبول بعده ، أو اجتهد قبل البول ، واستبرأ فلا شيء ولا وضوء ولا غسل.

ب ـ لو شك في أنّه أنزل أم لا فلا غسل عليه ، ولو شك في أن الخارج مني اعتبره بالصفات ، واللذة ، وفتور الجسد ، لأنّها من الصفات اللازمة في الغالب ، فمع الاشتباه يستند إليها لقول الكاظمعليه‌السلام : « وإن لم يجد شهوة ولا فترة به فلا بأس »(5) .

ج ـ لا يشترط في المريض الدفق ، وتكفي الشهوة وفتور الجسد ،

__________________

الدارمي 1 : 194 ، سنن الترمذي 1 : 186 ، ذيل الحديث 112 ، سنن ابن ماجة 1 : 199/ 607 ، سنن أبي داود 1 : 56 / 217.

1 ـ اللباب 1 : 16 ، المبسوط للسرخسي 1 : 67 ، شرح فتح القدير 1 : 54 ، المجموع 2 : 139 ، فتح العزيز 2 : 126 ، المغني 1 : 233 ، الشرح الكبير 1 : 234.

2 ـ المغني 1 : 233 ، الشرح الكبير 1 : 234 ، الشرح الصغير 1 : 61 ، الجموع 2 : 139 ، فتح العزيز 2 : 125 ، المحلى 2 : 7.

3 ـ حلية العلماء 1 : 172.

4 ـ المغني 1 : 233 ، الشرح الكبير 1 : 234 ، المجموع 2 : 139 ، حلية العلماء 1 : 171.

5 ـ التهذيب 1 : 120 / 317 ، الاستبصار 1 : 104 / 342.

٢٢١

لقصور قوته لقول الصادقعليه‌السلام : « لأنّ الرجل إذا كان صحيحاً جاء الماء بدفقة قوية ، وإن كان مريضاً لم يجئ إلّا بعد »(1) .

د ـ لو شك هل أنزل أم لا لم يجب عليه الغسل.

هـ ـ إذا انتقل الماء إلى الذكر ولم يظهر ، لم يجب الغُسل حتى يظهر ـ وبه قال الشافعي(2) ـ لقولهعليه‌السلام لعليعليه‌السلام : ( إذا فضخت الماء فاغتسل )(3) ، والفضخ : الظهور(4) ، ولأن ما يتعلق به الطهارة يعتبر ظهوره كسائر الأحداث.

وقال أحمد : يجب قبل الظهور لأنّ المعتبر الشهوة وقد حصلت بانتقاله(5) ، والمقدمتان ممنوعتان ، فإن كمالها بظهوره.

و ـ إذا أنزلت المرأة وجب عليها الغُسل ، لأنّ ام سليم امرأة أبي طلحة قالت : يا رسول الله إنّ الله لا يستحي من الحق ، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال : ( نعم إذا رأت الماء )(6) .

ز ـ لو خرج المني من ثقبة في الذكر أو الانثيين أو الصلب وجب الغسل.

ح ـ لو استدخلت المرأة منيّ الرجل ثم خرج لم يجب عليها الغُسل ، لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن المرأة تغتسل من الجنابة ثم ترى نطفة

__________________

1 ـ التهذيب : 369 / 1124 ، الاستبصار 1 : 110 / 365 ، الكافي 3 : 48 / 4.

2 ـ المجموع 2 : 140 ، مغني المحتاج 1 : 70 ، كفاية الأخيار 1 : 24.

3 ـ مسند أحمد 1 : 109 ، سنن النسائي 1 : 111 ، سن ابي داود 1 : 53 / 206.

4 ـ اُنظر الفائق 3 : 124 ، النهاية لابن الاثير 3 : 453 ، مادة « فضخ ».

5 ـ المغني 1 : 231 ، الشرح الكبير 1 : 233 ، المجموع 2 : 140.

6 ـ صحيح مسلم 1 : 251 / 313 ، صحيح البخاري 1 : 44 ، سنن النسائي 1 : 114 ، سنن الترمذي 1 : 209 / 122 ، الموطأ 1 : 51 / 85.

٢٢٢

الرجل بعد ذلك هل عليها غسل؟ قال : « لا »(1) .

ولا يجب أيضاً الوضوء عند علمائنا ، خلافاً للشافعي(2) .

وكذا لو وطأها فيما دون الفرج فدب ماؤه إلى فرجها ثم خرج بعد أن اغتسلت ، أو وطأها في الفرج ثم خرج بعد غسلها ، وبه قال قتادة والأوزاعي وإسحاق والشافعي وأحمد(3) .

وقال الحسن : تغتسل ، لأنّه مني خارج فأشبه ماء‌ها(4) .

مسألة 65 : لو احتلم أنّه جامع وأمنى ، ثم استيقظ ولم ير شئيا لم يجب الغُسل إجماعاً ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عنه فقال : « ليس عليه الغُسل »(5) .

ولو رأى المني على جسده أو ثوبه وجب الغُسل إجماعاً لأنّه منه ، وإن لم يذكر الاحتلام ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن الرجل يرى في ثوبه المني بعدما يصبح ، ولم يكن رأى في منامه أنّه قد احتلم ، قال : « فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته »(6) .

فروع :

أ ـ لو استيقظ فرأى بللاً لا يعلم أنّه مني ، فلا غسل ، وإن احتلم بالجماع على إشكال ، لأنّ الطهارة متيقنة والحدث مشكوك.

__________________

1 ـ الكافي 3 : 49 / 3 ، التهذيب 1 : 146 / 413.

2 ـ المجموع 2 : 151.

3 ـ المحلى 2 : 7 ، المجموع 2 : 151 ، المغني 1 : 235 ، الشرح الكبير 1 : 232.

4 ـ المحلى 2 : 7 ، المجموع 2 : 151 ، المغني 1 : 235 ، الشرح الكبير 1 : 232.

5 ـ الكافي 3 : 48 / 1 ، التهذيب 1 : 120 / 316 ، الاستبصار 1 : 109 / 362.

6 ـ التهذيب 1 : 368 / 1118 ، الاستبصار 1 : 111 / 367.

٢٢٣

ب ـ لو رأى في ثوبه المختص منياً وجب عليه الغُسل ، وإن كان قد نزعه ، ما لم يشك في أنّه منيّ آدمي ، ويعيد من آخر نومة فيه إلّا مع ظن السبق ، وقال الشيخ : من آخر غسل رفع به الحدث(1) ، والوجه استحبابه من الوقت الذي يتيقن أنّه لم يكن منه.

ج ـ لو كان مشتركا لم يجب على أحدهما الغُسل ، بل يستحب ، ولا يحرم على أحدهما ما يحرم على الجنب ، ولاحدهما أن يأتم بصاحبه لأنّها جنابة سقط اعتبارها في نظر الشرع ، وقيل : تبطل صلاة المؤتم ، لأنّ الجنابة لا تعدوهما(2) .

السبب الثاني : الجماع ، ويجب به الغُسل بالإجماع ، بشرط التقاءالختانين إن كان في القبل ، بمعنى المحاذاة ، إلّا ما روي عن داود أنّه قال : لا يجب(3) ، لأنّ أبا سعيد الخدري روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من جامع ولم يمن فلا غسل عليه )(4) ، وفي بعض الالفاظ : ( من أقحط فلم يكمل فلا غسل عليه )(5) . وأقحط معناه : لم ينزل الماء : مأخوذ من القحط ، وهو انقطاع القطر(6) ، وهو محكي عن أبي ، وزيد ، ومعاذ بن جبل ، وأبي سعيد الخدري ، ثم رجعوا(7) .

والحديث منسوخ ، فإن أبي بن كعب قال : إنّ ذلك رخصة رخص فيها

____________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 28.

2 ـ القائل هو المحقق في المعتبر : 47.

3 ـ المجموع 2 : 136 ، المغني 1 : 236 ، الشرح الكبير 1 : 235 ، شرح الأزهار 1 : 106.

4 ـ صحيح مسلم 1 : 269 / 343 ، مسند أبي يعلى 2 : 432 / 262 ، ورد مؤداه فيهما.

5 ـ صحيح مسلم 1 : 270 / 345 ، سنن ابن ماجة 1 : 199 / 606 ، مسند أحمد 3 : 21 ، 26 ، 94 ، سنن البيهقي 1 : 165 ، مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 89 ، ورد مؤداه في المصادر المذكورة.

6 ـ النهاية لابن الاثير 4 : 17 « قحط ».

7 ـ الكفاية 1 : 56 ، المجموع 2 : 136 ، المبسوط للسرخسي 1 : 68 ، عمدة القارئ 3 : 247 ، المحلى 2 : 4.

٢٢٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أول الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد(1) ، وقالعليه‌السلام : ( إذا قعد بين شعبها الأربع وألصق الختان بالختان فقد وجب الغُسل )(2) ، أراد شعبتي رجليها وشعبتي شفريها ، والإلصاق : المقاربة.

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام قال : « قال عليعليه‌السلام : أتوجبون الجلد والرجم ، ولا توجبون صاعا من ماء؟! إذا التقى الختانان وجب الغُسل »(3) .

مسألة 66 : ودبر المرأة كالقبل ، وقاله السيد المرتضى(4) وجماعة من علمائنا(5) ، والجمهور(6) ، لقوله تعالى :( أو لمستُم النساء ) (7) ، ووجوب البدل يستلزم وجوب المبدل ، ولأنّه فرج ومحل الشهوة ، ولقول عليعليه‌السلام : « أتوجبون الجلد والرجم ولا توجبون صاعاً من ماءً »(8) ووجود العلة يستلزم المعلول.

وعن أحدهماعليهما‌السلام : « إذا أدخله فقد وجب الغُسل والمهر والرجم »(9) وادعى المرتضى الاجماع(10) .

__________________

1 ـ سنن أبي داود 1 : 55 / 214 ، 215 ، سنن ابن ماجة 1 : 200 / 609.

2 ـ سنن أبي داود 1 : 56 / 216 ، صحيح البخاري 1 : 80 ، سنن النسائي 1 : 110 ، سنن ابن ماجة 1 : 200 / 610.

3 ـ التهذيب 1 : 119 / 314.

4 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 48.

5 ـ منهم ابن ادريس في السرائر : 19 ، وابن حمزة في الوسيلة : 55 ، والمحقق في المعتبر : 48.

6 ـ المجموع 2 : 132 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235 ، الهداية للمرغيناني 1 : 17 ، الكفاية 1 : 56 ، شرح العناية 1 : 56 ، شرح فتح القدير 1 : 56 ، الهداية للأنصاري : 38.

7 ـ المائدة : 6.

8 ـ التهذيب 1 : 119 / 314.

9 ـ التهذيب 1 : 118 / 310 ، الاستبصار 1 : 108 / 358.

10 ـ حكاه عنه المصنف ايضاً في المختلف 1 : 31.

٢٢٥

وقال الشيخ : لا يجب ، ما لم ينزل(1) عملاً بالأصل ، ولأن المقتضي التقاء الختانين ، أو الإنزال ، وهما منفيّان.

والأصل يترك للمعارض ، وحصر السبب ممنوع.

مسألة 67 : وفي دبر الغلام قولان ، أحدهما : الوجوب ـ وهو قول الشافعي وأحمد(2) ـ قاله المرتضى(3) ، لقول عليعليه‌السلام : « أتوجبون عليه الجلد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء؟! »(4) والمعلول تابع ، ولأن الدليل قائم في دبر المرأة ، فكذا الغلام لعدم الفارق.

والثاني : العدم إلّا مع الإنزال ، والمعتمد الاول.

أما فرج البهيمة فقال الشيخ : لا نصّ فيه فلا غسل لعدم الدليل(5) ، وبه قال أبو حنيفة(6) ، لأنّه غير مقصود فأشبه إيلاج الاصبع.

وقال الشافعي وأحمد : يجب الغُسل(7) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا قعد بين شعبها الأربع )(8) ولأنّه مكلف أولج الحشفة منه في الفرج ، فوجب

____________

1 ـ الاستبصار 1 : 112 ذيل الحديث 373.

2 ـ المجموع 2 : 132 ، مغني المحتاج 1 : 69 ، كفاية الأخيار 1 : 23 ، السراج الوهاج : 20 ، المغني 1 : 235 ، الشرح الكبير 1 : 235.

3 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 48.

4 ـ التهذيب 1 : 119 / 314.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 28 ، الخلاف 1 : 117 مسألة 59.

6 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 17 ، شرح العناية 1 : 56 ، عمدة القارئ 3 : 252 ـ 253 ، شرح الأزهار 1 : 106 ، المجموع 2 : 136 ، فتح العزيز 2 : 117 ، الوجيز 1 : 17 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235.

7 ـ المجموع 2 : 136 ، فتح العزيز 2 : 117 ، مغني المحتاج 1 : 69 ، كفاية الأخيار 1 : 23 ، الوجيز 1 : 17 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235 ، الاُم 1 : 37.

8 ـ سنن أبي داود 1 : 56 / 216 ، سنن النسائي 1 : 110 ـ 111 ، سنن ابن ماجة 1 : 200 / 610 ، مسند أحمد 2 : 520 ، صحيح البخاري 1 : 80 ، صحيح مسلم 1 : 271 / 348.

٢٢٦

الغسل كقُبل المرأة.

فروع :

أ ـ لا يعتبر في الإيلاج الشهوة ولا الإنزال بالإجماع ، فلو أولج في فرج العجوز الشوهاء وجب الغسل.

ب ـ لا فرق بين الفاعل والمفعول في وجوب الغُسل ، سواء كان الموطوء ذكراً أو أنثى.

ج ـ لو أولج في فرج الميت وجب الغُسل ، وبه قال الشافعي وأحمد(1) للعموم.

وقال أبو حنيفة : لا يجب لأنّه غير مقصود(2) ، وينتقض بالعجوزة الشوهاء.

د ـ لو أولج بعض الحشفة لم يجب شيء حتى يولج جميعها.

هـ ـ كيف حصل الإيلاج وجب الغُسل ، فلو أدخلت فرجه في فرجها وهو نائم لا يعلم وجب عليهما الغُسل ، وبالعكس.

و ـ لو أولج فيما دون القُبل والدبر لم يجب الغُسل إلّا مع الإنزال ، كالسرة وشبهها إجماعا.

ز ـ لو أولج رجل في فرج خنثى مشكل ، فإن أولج في دبره وجب الغُسل ، وإن أولج في قبله ، قال بعض علمائنا : لم يجب(3) ـ وبه قال

__________________

1 ـ المجموع 2 : 132 ، فتح العزيز 2 : 117 ، الوجيز 1 : 17 ، كفاية الأخيار 1 : 23 ، الاُم 1 : 37 ، مغني المحتاج 1 : 69 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235.

2 ـ شرح فتح القدير 1 : 56 ، عمدة القارئ 3 : 253 ، 254 ، الوجيز 1 : 17 ، المجموع 2 : 136 ، فتح العزيز 2 : 117 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235.

3 ـ منهم المحقق الحلّي في المعتبر : 48.

٢٢٧

الشافعي(1) ـ لجواز أن يكون رجلاً ويكون ذلك عضواً زائداً من البدن ، ولو قيل بالوجوب كان وجهاً لقولهعليه‌السلام : ( إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل )(2) ، ولوجوب الحد به.

فلو أولجت هذه الخنثى في فرج امرأة ، قال بعض علمائنا والشافعي : وجب الغُسل على الخنثى خاصة(3) ، لأنّه إن كان رجلاً فقد أولج في فرج امرأة ، وإن كان امرأة فقد أولج الرجل في فرجها.

ولو أولج الخنثى في فرج امرأة فلا شيء على الخنثى لاحتمال أن يكون زائدا ، ويحتمل الوجوب للعموم(4) .

وقال الشافعي : يجب على المرأة الوضوء لخروج خارج من فرجها(5) ، ويحتمل عندي الغسل.

ولو أولج الخنثى في دبر الغلام فالأقرب عندي الغُسل عليهما ، وقيل : لاشئ على الخنثى لاحتمال أن يكون امرأة(6) ، وقال الشافعي : يجب على الغلام الوضوء بخروج شيء من دبره(7) .

ولو أولج خنثى في فرج خنثى فعلى ما قيل لا شيء عليهما ، لاحتمال ان يكونا رجلين.

ح ـ ولو أولج الصبي في الصبية تعلق بهما حكم الجنابة على إشكال

__________________

1 ـ المجموع 2 : 51 ، فتح العزيز 2 : 121 ، المهذب للشيرازي 1 : 36.

2 ـ مسند أحمد 6 : 239 ، سنن البيهقي 1 : 163.

3 ـ المجموع 2 : 51 ، فتح العزيز 2 : 121.

4 ـ اشار بذلك إلى حديث : إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل ، راجع مسند أحمد 6 : 239 ، وسنن البيهقي 1 : 163.

5 ـ فتح العزيز 2 : 121.

6 ـ القائل هو المحقق في المعتبر : 48.

7 ـ المجموع 2 : 51 ، فتح العزيز 2 : 121 ، مغني المحتاج 1 : 69.

٢٢٨

فيمنعان من المساجد ، وقراء‌ة العزائم ، ومس كتابة القرآن ، ويجب عليهما الغُسل بعد البلوغ ، وفي الاكتفاء بالغسل الأول عنه إشكال ، أقربه ذلك.

ولو أولج الصبي في البالغة ، أو البالغ في الصبية تعلق الحكم بالبالغ قطعاً ، وبالصبي على إشكال.

ط ـ لو أولج مقطوع الحشفة فأقوى الاحتمالات الوجوب لو غيب قدرها أو جميع الباقي ، وبهما قال الشافعي(1) ، والسقوط.

ي ـ لو لفّ خرقة على ذكره وأولج وجب الغُسل للعموم(2) ، وهو أحد وجوه الشافعية ، والعدم ، والفرق بين اللينة والخشنة(3) .

يا ـ لو استدخلت ذكراً مقطوعاً فوجهان كالشافعية(4) ، وكذا ذكر الميت والبهم.

ولو استدخلت ماءً الرجل فلا غسل ولا وضوء وإن خرج ، وعند الشافعية يجب الوضوء لو خرج(5) .

المطلب الثاني : في الغسل

و فيه بحثان :

الأول : في واجباته : وهي أربعة :

الأول : النيّة ، وقد تقدمت وهي شرط ، ويستحب إيقاعها عند غسل

__________________

1 ـ المجموع 2 : 133 ـ 134 ، فتح العزيز 2 : 116 ـ 117.

2 ـ أشار إلى عموم حديث : إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل ، راجع مسند أحمد 6 : 239 ، سنن البيهقي 1 : 163.

3 ـ المجموع 2 : 134 ، فتح العزيز 2 : 118 ـ 119 ، مغني المحتاج 1 : 69.

4 ـ المجموع 2 : 133 ، مغني المحتاج 1 : 71.

5 ـ المجموع 2 : 151.

٢٢٩

الكفين لأنّه أول أفعال الطهارة ، وتتضيق عند غسل الرأس ، فلو شرع فيه قبل فعلها وجب الاستئناف بعده ، ويجب استدامتها حكماً دفعا لمشقة الاستحضار دائما.

و لا بدّ من نيّة غسل الجنابة ، أو رفع الحدث وإن أطلق ، لأنّ الحدث هو المانع من الصلاة ، وهو أظهر وجهي الشافعي(1) ، فإن نوى رفع الاصغر متعمّداً لم يصح غسله ، وهو أظهر وجهي الشافعي(2) ، وكذا إنّ سهى ، وللشافعي في رفع الحدث عن أعضاء الوضوء وجهان(3) .

و لو نوت الحائض استباحة الوطء صحّ الغُسل ، وللشافعي وجهان(4) .

الثاني : غسل البشرة بما يسمى غسلاً بالإجماع والنص(5) ، فالدهن إنّ تحقق معه الجريان أجزأ وإلّا فلا ، لأنّ علياًعليه‌السلام كان يقول : « الغُسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجزأ مثل الدهن الذي يبل الجسد »(6) فشرط الجريان.

الثالث : إجراء الماء على جميع ظاهر البدن والرأس واصول الشعر كلّه ، خف أو كثف ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( تحت كلّ شعرة جنابة ، فبلّوا الشعر وأنقوا البشرة )(7) ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه

____________

1 ـ المجموع 1 : 322 ، كفاية الأخيار 1 : 24 ، مغني المحتاج 1 : 72 ، فتح العزيز 2 : 163.

2 ـ كفاية الأخيار 1 : 24 ، المجموع 1 : 332 ، فتح العزيز 2 : 163 ، مغني المحتاج 1 : 72.

3 ـ المجموع 1 : 322 ، فتح العزيز 2 : 163 ، كفاية الأخيار 1 : 24.

4 ـ المجموع 1 : 323 ، فتح العزيز 2 : 163 ـ 164.

5 ـ اُنظر على سبيل المثال : التهذيب 1 : 131 / 362 وما بعدها ، والاستبصار 1 : 118 / 398 و 123 / 419.

6 ـ التهذيب 1 : 138 / 385 ، الاستبصار 1 : 122 / 414.

7 ـ سنن أبي داود 1 : 65 / 248 ، سنن الترمذي 1 : 178 / 106 ، سنن ابن ماجة 1 : 196 / 597.

٢٣٠

السلام : من ترك شعرة من الجنابة متعمّداً فهو في النار(1) .

و لو لم يصل إلّا بالتخليل وجب ، ومن عليه خاتم ضيّق ، أو دملج ، أو سير وجب إيصال الماء إلى ما تحته ، إمّا بالتحريك أو النزع ، ولو كان يصل الماء استحب تحريكه والتخليل ، ويغسل ظاهر اذنيه وباطنهما ، ولا يدخل الماء فيما بطن من صماخه ، ولا يجب غسل باطن الفم والانف ، ولا غيرهما.

الرابع : الترتيب ، يبدأ برأسه ، ثم جانبه الأيمن ، ثم الأيسر ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، إلّا المرتمس وشبهه لأنّ عائشة قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخلّل شعره ، فإذا ظن أنّه أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ، ثم غسل سائر جسده(2) ، وعن ميمونة ، وساقت الحديث حتى أفاضعليه‌السلام على رأسه ثم غسل جسده(3) . فيجب اتّباعه.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سأله زرارة كيف يغتسل الجنب؟ إلى أن قال : « ثم صب على رأسه ثلاث أكف ، ثم صب على منكبه الأيمن مرتين ، وعلى منكبه الأيسر مرتين »(4) وتقديم الرأس يوجب تقديم الأيمن لعدم الفارق ، ولأن المأتي به بياناً إن كان غير مرتب وجب ، وليس كذلك بالإجماع فتعين الترتيب ، وقال الجمهور : لا يجب(5) بالأصل.

____________

1 ـ التهذيب 1 : 135 / 373.

2 ـ صحيح البخاري 1 : 76 ، سنن النسائي 1 : 205 ، سنن البيهقي 1 : 175.

3 ـ صحيح البخاري 1 : 77 ، سنن الترمذي 1 : 174 / 103 ، سنن البيهقي 1 : 177 ، سنن النسائي 1 : 137.

4 ـ الكافي 3 : 43 / 3.

5 ـ المجموع 2 : 197 ، المغني 1 : 252 ـ 253 ، الشرح الكبير 1 : 249 ، الشرح الصغير 1 : 65 ، بدائع الصنائع 1 : 17 ـ 18 و 34.

٢٣١

فروع :

الأول : يسقط الترتيب عن المرتمس دفعة واحدة ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك عن غسله »(1) .

وقال بعض علمائنا : يرتّب حكماً(2) .

الثاني : قال المفيد : لا ينبغي أن يرتمس في الراكد ، فإنه إن كان قليلاً أفسده(3) . وليس بجيد لما بيّنا من بقاء الطهورية بعد الاستعمال.

الثالث : لو وقف تحت الغيث حتى بل جسده طهر مع الجريان وإن لم يرتّب ـ خلافاً لبعض علمائنا(4) ـ لقول الكاظمعليه‌السلام وقد سئل أيجزي الجنب أن يقوم في القطر حتى يغسل رأسه وجسده ، وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ : « إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك »(5) وكذا البحث في الميزاب وشبهه.

البحث الثاني : في مسنوناته

وهي :

الأول : الاستبراء بالبول للمنزل الذكر ، فإن تعذر مسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثاً ، ومنه إلى رأسه ثلاثاً ، وينتره ثلاثاً ، وعصر رأس

__________________

1 ـ الكافي 3 : 43 / 5 ، التهذيب 1 ، 149 / 423 ، الاستبصار 1 : 125 / 424.

2 ـ وهو سلار كما في المراسم : 42 ، وهذا اختيار الشيخ في الاستبصار 1 : 125 ذيل الحديث 424 ، والمصنف في المختلف : 32.

3 ـ المقنعة : 6.

4 ـ منهم المحقق الحلّي في المعتبر : 49.

5 ـ التهذيب 1 : 149 / 424 ، الاستبصار 1 : 125 / 425 ، الفقيه 1 : 14 / 27 ، قرب الاسناد : 85.

٢٣٢

الحشفة ، وليس واجباً عند أكثر علمائنا(1) ، للأصل ، ولقوله تعالى :( فاطّهّروا ) (2) عقَّبَ به القيام ، وأذن في الدخول بعد الاغتسال ، وقال الشيخ بالوجوب(3) .

فروع :

أ ـ لا استبراء بالجماع من غير إنزال ، ولا على المرأة لاختلاف المخرجين.

ب ـ لو أخل بالاستبراء ، فإن لم يجد بللاً صحّ غسله ولا شيء ، وإن وجد بللاً فإن علمه منيا ، أو اشتبه وجب إعادة الغُسل دون الصلاة السابقة على الوجدان ، وإن علمه غير مني فلا شيء.

ج‍ ـ لو استبرأ بالبول ولم يستبرئ منه ثم وجد البلل ، فإن علمه منيا أعاد الغُسل خاصة ، وإن اشتبه فالوضوء ، وكذا إنّ اشتبه بالبول.

ولو استبرأ منهما ثم وجد المشتبه ، فلا غسل ، ولا وضوء لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّه من الحبائل »(4) .

الثاني : غسل اليدين ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء.

الثالث : المضمضة والاستنشاق ثلاثاً ثلاثا ، وقد تقدم.

الرابع : إمرار اليد على الجسد ، وليس واجباً ، ذهب إليه علماؤنا

__________________

1 ـ منهم السيد المرتضى في الناصريات : 224 المسألة 39 ، والمحقق الحلّي في المعتبر : 49 وابن إدريس في السرائر : 21.

2 ـ المائدة : 6.

3 ـ المبسوط للطوسي 1 : 29.

4 ـ الفقيه 1 : 47 / 10.

٢٣٣

أجمع ، والشافعي وأكثر العلماء(1) ، للأصل ، ولقولهعليه‌السلام لام سلمة وقد سألته عن غسل الجنابة : ( إنّما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماءً ثم تفيضي الماء على سائر جسدك ، فإذا أنت قد طهرت )(2) .

وقال مالك والمزني : إمرار اليد إلى حيث تنال واجب(3) ، لقوله تعالى :( حتى تغتسلوا ) (4) ولا يقال : اغتسل إلّا من دلك جسده ، ولأن ّالتيمم يجب فيه إمرار اليد ، فكذا الغسل.

ويبطل بقولهم : غسل الإناء وإن لم يمرّ اليد ، وكذا غسل يده ، والتراب يتعذر إمراره إلّا باليد ، ولأنّ المسح يتوقف عليه ، نعم لو لم يصل الماء إلا بالامرار وجب.

وكذا تخليل الاُذنين إن لم يصبهما الماء.

الخامس : الغُسل بصاع ، وليس واجباً للامتثال لو حصل بدونه ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « الجنب ما جرى عليه الماء من جسده »(5) وقال أبو حنيفة : يجب(6) وقد تقدم.

السادس : لا يجب غسل المسترسل من الشعر ، ويستحب عملاً بالأصل ، ويجب غسل اصوله في جميع الرأس والبدن.

__________________

1 ـ المغني 1 : 251 ، الشرح الكبير 1 : 247 ، المجموع 2 : 185 ، فتح العزيز 2 : 185 ، كفايةالاخيار 1 : 26 ، مغني المحتاج 1 : 74 ، عمدة القارئ 3 : 192 ، المحلى 2 : 30.

2 ـ سنن أبي داود 1 : 65 / 251 ، سنن إبن ماجة 1 : 198 / 603 ، سنن الترمذي 1 : 176 / 105.

3 ـ بداية المجتهد 1 : 44 ، المدونة الكبرى 1 : 27 ، المبسوط للسرخسي 1 : 45 ، عمدة القارئ 3 : 192 ، المجموع 2 : 185 ، فتح العزيز 2 : 185 ، بُلغة السالك 1 : 43 ، والشرح الصغير 1 : 43.

4 ـ النساء : 43.

5 ـ الكافي 3 : 21 / 4 ، التهذيب 1 : 137 / 380 ، الاستبصار 1 : 123 / 416.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 45 ، بدائع الصنائع 1 : 35 ، فتح العزيز 2 : 191 ، المغني 1 : 256 ، الشرح الكبير 1 : 256.

٢٣٤

وقال الشافعي : يجب غسل المسترسل(1) .

السابع : ينبغي أن يبدأ أولاً بغسل النجاسة عن بدنه ، فلو غسل رأسه قبله صحّ ، وهل يكفي غسلها عن غسل محلّها؟ إشكال ، وللشافعي فيه وجهان(2) .

المطلب الثالث : في الاحكام

مسألة 68 : يحرم على الجنب قراء‌ة الغزائم ، وهي أربع سور : سجدة لقمان ، وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم ربك ، دون ما عداها ، ويكره ما زاد على سبع آيات من غيرها ، ويتأكد ما زاد على سبعين.

أما تحريم العزائم فإجماع أهل البيتعليهم‌السلام عليه ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثياب ويقرآن من القرآن ما شاء‌آ إلّا السجدة »(3) .

و أما تسويغ غيرها فلقوله تعالى :( فاقرؤا ما تيسر منه ) (4) ، وللأصل ، ولقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل أتقرأ النفساء والجنب والحائض شيئا من القرآن؟ : « يقرؤون ما شاؤا »(5) .

والجمهور لم يفرقوا بين العزائم وغيرها ، ثم اختلفوا ، فقال الشافعي :

__________________

1 ـ المجموع 2 : 184 ، كفاية الأخيار 1 : 25 ، مغني المحتاج 1 : 73 ، الاُم 1 : 40 ، السراج الوهاج : 21.

2 ـ المجموع 2 : 199 ، مغني المحتاج 1 : 75 ، كفاية الأخيار 1 : 25 ، السراج الوهاج 1 : 22 ، فتح العزيز 2 : 171.

3 ـ التهذيب 1 : 371 / 1132.

4 ـ المزمل : 20.

5 ـ التهذيب 1 : 128 / 348.

٢٣٥

الجنب والحائض لا يجوز لهما قراء‌ة شيء من القرآن(1) ، لأنّ علياًعليه‌السلام قال : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يحجبه عن قراء‌ة القرآن شيء إلّا الجنابة »(2) وحكى ابن المنذر عن أبي ثور أنّه حكى عن الشافعي جواز أن تقرأ الحائض(3) .

وروي كراهة القراء‌ة عن عليعليه‌السلام ، وعمر ، والحسن البصري ، والنخعي ، والزهري ، وقتادة(4) ، لأنّ عبد الله بن رواحة رأته امرأته مع جاريته فذهبت لتأخذ سكيناً ، فقال : ما رأيتني أليس نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقرأ أحدنا وهو جنب؟ فقالت : إقرأ ، فقال :

شهدت بأنّ وعد الله حق

وأنّ النار مثوى الكافرينا

وأنّ العرش فوق الماء طاف

وفوق العرش ربّ العالمينا

تحمله ملائكة شداد

ملائكة الاله مسومينا

فقالت : صدق الله وكذب بصري ، فجاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبر فضحك حتى بدت نواجذه(5) ، وهذا يدل على اشتهار النهي بين الرجال والنساء.

وقال عبد الله بن عباس : يقرأ ورده وهو جنب(6) . وقيل لسعيد بن المسيب : أيقرأ الجنب؟ فقال : نعم ، أليس هو في جوفه ، وبه قال داود ،

__________________

1 ـ المجموع 2 : 156 و 158 ، فتح العزيز 2 : 133 ـ 134 ، مغني المحتاج 1 : 72.

2 ـ سنن ابن ماجة 1 : 195 / 594 ، سنن النسائي 1 : 144 ، سنن أبي داود 1 : 59 / 229 ، مسند أحمد 1 : 124.

3 ـ المجموع 2 : 356 ، فتح العزيز 2 : 143.

4 ـ المغني 1 : 165.

5 ـ المجموع 2 : 159.

6 ـ المغني 1 : 165 ، المجموع 2 : 158 ، شرح الأزهار 1 : 107 ، الشرح الكبير 1 : 240.

٢٣٦

وابن المنذر(1) ، لأنّ عائشة قالت : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يترك ذكر الله على كلّ أحيانه(2) ، ولا دلالة فيه.

وقال أبو حنيفة ، وأحمد : يقرأ دون الآية ، لعدم إجزائها في الصلاة فصارت كالاذكار(3) .

وقال مالك : الحائض تقرأ القرآن ، والجنب يقرأ آيات يسيرة ، لأنّ الحائض يطول أيامها ويكثر ، فلو منعناها من القرآن نسيت(4) .

وقال الأوزاعي : لا يقرأ الجنب إلّا آية الركوب والنزول والصعود(5) ( سبحان الذي سخر لنا هذا ) (6) ( رب أنزلني منزلاً مباركاً ) (7) .

فروع :

الأول : لو تيمم لضرورة ففي جواز قراء‌ة العزائم إشكال.

الثاني : أبعاض العزائم كهي في التحريم ، حتى البسملة إذا نواها منها.

الثالث : إذا لم يجد ماء‌اً ولا تراباً صلّى مع حدثه ، وقرأ ما لا بدّ له من

__________________

1 ـ المغني 1 : 165 ، المجموع 2 : 158 ، شرح الأزهار 1 : 107 ، الشرح الكبير 1 : 240 ، المحلى 1 : 79 و 80.

2 ـ صحيح مسلم 1 : 282 / 373 ، سنن أبي داود 1 : 5 / 18 ، سنن ابن ماجة 1 : 110 / 302.

3 ـ المغني 1 : 165 ـ 166 ، الشرح الكبير 1 : 240 ـ 241 ، شرح الأزهار 1 : 107 ، المحلى 1 : 78 ، شرح فتح القدير 1 : 148 ، نيل الأوطار 1 : 284 ، المجموع 2 : 158 ، الوجيز 1 : 18 ، فتح العزيز 2 : 134.

4 ـ المحلى 1 : 78 ، شرح الأزهار 1 : 107 ، المغني 1 : 165 ، الشرح الكبير 1 : 240 ، بداية المجتهد 1 : 49 ، المجموع 2 : 158 ، الوجيز 1 : 18 ، فتح العزيز 2 : 134 ، بُلغة السالك 1 : 67 ، الشرح الصغير 1 : 67 و 81.

5 ـ المغني 1 : 165 ، الشرح الكبير 1 : 240.

6 ـ الزخرف : 13.

7 ـ المؤمنون : 29.

٢٣٧

قراء‌ته عند الشافعي(1) للضرورة.

الرابع : لا يمنع من شيء من الأذكار حتى اسمه تعالى.

مسألة 69 : ويحرم عليه مسّ كتابة القرآن ، وعليه إجماع العلماء(2) ـ إلّا داود(3) ـ لقوله تعالى :( لا يمسه الا المطهرون ) (4) وقد تقدم ، ويحرم عليه أيضاً مسّ اسمه تعالى في أي شيء كان ، لما فيه من التعظيم لشعائر الله ، وقول الصادقعليه‌السلام : « لا يمس الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله تعالى »(5) .

قال الشيخان : ويحرم أيضاً مسّ أسماء أنبياء الله ، والائمةعليهم‌السلام تعظيماً لهم(6) .

مسألة 70 : الاشهر بين علمائنا تحريم الاستيطان في المساجد ، وبه قال الشافعي ، وسعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وعطاء ، ومالك ، وأبو حنيفة(7) ، لقوله تعالى :( ولا جنباً إلّا عابري سبيل ) (8) ، وقوله عليه

__________________

1 ـ المجموع 2 : 163 ، فتح العزيز 2 : 142 ، مغني المحتاج 1 : 72.

2 ـ المغني 1 : 168 ، الشرح الكبير 1 : 228 ، المجموع 2 : 72 ، فتح العزيز 2 : 97 ، تفسير القرطبي 17 : 226 ، عمدة القارئ 3 : 63 ، شرح فتح القدير 1 : 149 ، بدائع الصنائع 1 : 33 ، بداية المجتهد 1 : 49 ، بُلغة السالك 1 : 57 ، الشرح الصغير 1 : 57 ، شرح الأزهار 1 : 107.

3 ـ المغني 1 : 168 ، الشرح الكبير 1 : 228 ، المجموع 2 : 72.

4 ـ الواقعة : 79.

5 ـ التهذيب 1 : 126 / 340 ، الاستبصار 1 : 113 / 374.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 29 ، وحكى قول الشيخ المفيد المحقق في المعتبر : 50.

7 ـ المجموع 2 : 160 ، فتح العزيز 2 : 144 و 146 ، بداية المجتهد 1 : 48 ، مغني المحتاج 1 : 71 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، بُلغة السالك 1 : 67 ، الشرح الصغير 1 : 67 ، الهداية للمرغيناني 1 : 31 ، شرح العناية 1 : 146.

8 ـ النساء : 43.

٢٣٨

السلام : ( لا اُحل المسجد لحائض ولا جنب )(1) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام عن الجنب يجلس في المسجد ، قال : « لا ، ولكن يمرّ فيها كلها إلّا المسجد الحرام ، ومسجدالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(2) .

وقال أحمد وإسحاق : إذا توضأ جاز له اللبث فيه ، لأنّ الصحابة إذا كان أحدهم جنباً توضأ ودخل المسجد ، وتحدّث(3) ، ويحمل على العبور أو الغسل.

وقال المزني ، وداود ، وابن المنذر : يجوز اللبث وإن لم يتوضأ ، لأنّ الكافر يجوز له الدخول ولا يخلو من الجنابة ، فالمسلم أولى(4) . ونمنع الاصل.

فروع :

الأول : لا بأس بالاجتياز من غير لبث ـ وبه قال ابن عباس ، وابن مسعود ، وابن جبير ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، وعطاء ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، والمزني ، وابن المنذر(5) ـ لقوله تعالى :( إلا عابري سبيل ) (6) .

__________________

1 ـ سنن أبي داود 1 : 60 / 232.

2 ـ الكافي 3 : 50 / 4 ، التهذيب 1 : 125 / 338.

3 ـ المغني 1 : 168 ، الشرح الكبير 1 : 242 ، المجموع 2 : 160 ، فتح العزيز 2 : 148 ، تفسير القرطبي 5 : 206 ، نيل الأوطار 1 : 288.

4 ـ المجموع 2 : 160 ، فتح العزيز 2 : 148 ، تفسير القرطبي 5 : 206 ، نيل الأوطار 1 : 288.

5 ـ المجموع 2 : 160 ، المغني 1 : 166 ، الشرح الكبير 1 : 241 ، السراج الوهاج : 21 ، تفسير القرطبي 5 : 206 : التفسير الكبير 10 : 108 ، نيل الأوطار 1 : 287 ، كفاية الأخيار 1 : 50 ، واُنظر سنن البيهقي 2 : 443 ، مصنف ابن ابي شيء بة 1 : 146.

6 ـ النساء : 43.

٢٣٩

وقال جابر : كان أحدنا يمّر في المسجد وهو جنب مجتاز(1) ، والظاهرأنهم لم يفعلوا ذلك في زمانهعليه‌السلام إلّا بإذنه.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « لكن يمرّ فيها »(2) .

وقال مالك : لا يجوز له العبور بحال ـ وهو قول أصحاب الرأي(3) ـ لقولهعليه‌السلام : ( لا اُحل المسجد لجنب ولا حائض )(4) ولأن من لا يجوز له اللبث لا يجوز له العبور ، كالغاصب ، ونحن نقول بالحديث إذ المراد مسجدهعليه‌السلام ، ونمنع القياس ، لأنّ التصرف في الأصل ممنوع مطلقاً.

الثاني : لا يحل للجنب ولا للحائض الاجتياز في مسجد مكة ، ومسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ، ذهب إليه علماؤنا ـ ولم يفرق الجمهور(5) ـ لقولهعليه‌السلام : ( لا اُحل المسجد لجنب ولا حائض )(6) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « إلّا المسجد الحرام ، ومسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(7) .

الثالث : لو أجنب في أحد المسجدين تيمم واجباً وخرج للاغتسال ،

__________________

1 ـ المجموع 2 : 160 ، المغني 1 : 166 ، أحكام القرآن لابن العربي 1 : 436 ، نيل الاوطار 1 : 287 ، واُنظر سنن البيهقي 2 : 443 ، مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 146.

2 ـ الكافي 3 : 50 / 4 ، التهذيب 1 : 125 / 338.

3 ـ بداية المجتهد 1 : 48 ، بُلغة السالك 1 : 67 ، الشرح الصغير 1 : 67 ، فتح العزيز 2 : 148 ، نيل الأوطار 1 : 287 ، اللباب 1 : 43 ، المجموع 2 : 160 ، المغني 1 : 166 ، الشرح الكبير 1 : 241 ، شرح فتح القدير 1 : 146 ، الهداية للمرغيناني 1 : 631 الكفاية 1 : 146 ، شرح العناية 1 : 146.

4 ـ سنن أبي داود 1 : 60 / 232 وورد نحوه في سنن ابن ماجة 1 : 212 / 645.

5 ـ المجموع 2 : 160 و 172 ، فتح العزيز 2 : 148 ، المغني 1 : 166 ، الشرح الكبير 1 : 241 ، بداية المجتهد 1 : 48 ، شرح فتح القدير 1 : 146 ، اللباب 1 : 43 ، بُلغة السالك 1 : 67 ، نيل الأوطار 1 : 287.

6 ـ سنن ابي داود 1 : 60 / 232 ، وورد نحوه في سنن ابن ماجة 1 : 212 / 645.

7 ـ الكافي 3 : 50 / 4 ، التهذيب 1 : 125 / 338.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378