أدب الطف الجزء ٢

أدب الطف17%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 335

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 335 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62156 / تحميل: 10332
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وقال الإمام الصادق ـ في جواب السائل عن الكيفية له ـ: لا لأنّ الكيفيّة جهة والاحاطة، ولكن من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه(١) .

وهذه الأحاديث تحدّد موقف المعرفة وأنّها بين التعطيل والتشبيه.

فاتضح انّ رائدنا في مجال المعارف الإلهية أمران :

١ ـ الأقيسة العقليّة.

٢ ـ التأمّل في آثار الرب في العوالم المختلفة.

ولأجل ايضاح الحال وانّه يمكن الحصول على المعارف وصفات الواجب عزّ وجلّ عن طريق ترتيب الأقيسة المنطقيّة أوّلاً، والتدبّر في صنعه وخلقه ثانياً، نأتي بالبيان التالي :

١ ـ الاستدلال بالأقيسة العقليّة المنطقيّة

وله صور نشير إليها :

إذا ثبت كونه سبحانه غنيّاً غير محتاج إلى شيء بل الكلّ محتاج إليه فالعقل يتّخذه مبدأً لكثير من أحكامه على الواجب عزّ اسمه، فيصفه بما يناسب غناه وينزّهه عمّا لا يجتمع معه، وقد سلك الفيلسوف الإسلامي الكبير نصير الدين الطوسي هذا السبيل للبرهنة على جملة من الصفات الجلالية قال :

« ووجوب الوجود ( الغني ) يدل على سرمديته، ونفي الزائد، والشريك والمثل، والتركيب بمعانيه، والضد، والتحيّز والحلول، والاتحاد، والجهة، وحلول الحوادث فيه، والألم واللذّة والمعاني والأحوال والصفات الزائدة عيناً والرؤية. ».

__________________

(١) الكافي: ج ١ باب « اطلاق القول بأنّه شيء » الحديث ٢، ٥.

٢١

بل انطلق المحقّق من نفس هذه القاعدة لاثبات سلسلة من الصفات الثبوتيّة حيث قال: « ووجوب الوجود يدل على ثبوت الوجود، والملك والتمام والحقّية والخيرية والحكمة والتجّبر والقهر والقيوميّة »(١) .

فقد سبقه إلى ذلك صاحب كتاب « الياقوت » في علم الكلام إذ قال وهو بصدد تنزيهه سبحانه عن الصفات غير اللائقة بساحة قدسه: « وليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا حالاًّ في شيء ولا تقوم الحوادث به وإلّا لكان عرضاً »(٢) .

وإن شئت قلت: إنّ ذاته سبحانه نفس الكمال، وفوق ما يتصوّر من الكمال، وليس للنقص إليه سبيل، فإذا كان كذلك فيجب أن يوصف بكلّ ما يُعدّ كمالاً فينزّه عمّا يعدّ نقصاً، فالصفات الذاتية صفات كمال لا محيص عن الاتّصاف بها، كما أنّ الصفات السلبيّة صفات تنزيهيّة طاردة للنقص عن ساحة ذاته فيجب التنزيه عنها، فإذا كان العلم والقدرة والحياة أوصاف كمال وكانت الجسميّة والتركّب والحالّيّه والمحلّيّة صفات نقص فيجب التوصيف بالاُولى والتنزيه عن الثانية ولأجل ذلك قلنا: إنّ الصفات الثبوتية والسلبية ترجع إلى اثبات أمر واحد وهو الكمال، وسلب أمر واحد وهو النقص.

وبتعبير آخر لاثبات صفاته وهو أنّ الوجودات الامكانية وجودات متدلّية قائمة بوجود الواجب وما لها من صفات كمال كالعلم والقدرة والحياة، فالمالك الحقيقيّ لها هو الله سبحانه، والمعطي لها هو الله سبحانه. قال تعالى:( للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ) فالعلم والقدرة والحياة كلّها تجلّيات لعلمه وقدرته وحياته، فإذا كان كذلك فالعلم الأصيل والقدرة الأصيلة والحياة الحقيقيّة لله سبحانه.

__________________

(١) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: ص ١٧٨ ـ ١٨٥ ( ط صيدا ).

(٢) أنوار الملكوت في شرح الياقوت: ص ٧٦ ـ ٨٠ ـ ٨١ ـ ٩٢.

٢٢

يقول العلّامة الطباطبائي: نحن أوّل ما نفتح أعيننا، يقع ادراكنا على أنفسنا، وعلى أقرب الاُمور منا، وهي صلتنا بالكون الخارج، لكنّا لا نرى أنفسنا إلّا مرتبطة بغيرها ولا قوانا ولا أفعالنا إلّا كذلك، فالحاجة من أقدم ما يشاهده الإنسان، يشاهدها من نفسه ومن كلّ ما يرتبط به من قواه وأعماله والدنيا الخارجة. وعند ذلك يقضي بذات ما يقوم بحاجته ويصد خلّته، وإليه ينتهي كلّ شيء وهو الله سبحانه ويصدقنا في هذا النظر والقضاء قوله سبحانه:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الحَمِيدُ ) ( فاطر / ١٥ ).

ثمّ إنّ أقدم ما نواجهه في البحث عن المعارف الالهيّه إنّا نذعن بانتهاء كلّ شيء إليه، وكينونته ووجوده منه، فهو يملك كلّ شيء لعلمنا أنّه لو لم يملكها لم يمكن أن يفيضها ويفيدها لغيره، على أنّ بعض هذه الأشياء مما ليست حقيقته إلّا مبنيّة على الحاجة وهو تعالى منزّه عن كلّ حاجة ونقيصة لأنّه الذي يرجع إليه كلّ شيء في رفع حاجته ونقيصته.

فله الملك ـ بكسر الميم وضمها ـ على الاطلاق فهو سبحانه يملك ما وجدنا في الوجود من صفة كمال كالحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر والرزق والرحمة والعزّة.

فهو سبحانه حيّ، قادر، بصير، حليم، لأنّ في نفيها اثبات النقص ولا سبيل للنقص إليه، ورازق ورحيم وعزيز ومحيي ومميت ومبدع ومعيد وباعث إلى غير ذلك لأنّ الرزق والرحمة والعزّة والاحياء والاماتة والابداع والاعادة والبعث له سبحانه وهو السبّوح، القدّوس، العلي، الكبير، المتعال، إلى غير ذلك، فنعني بها نفي كلّ نعت عدمي، ونفي كلّ صفة نقص عنه(١) .

ترى أنّه ـ قدس الله سره ـ استدل على الصفات الثبوتية بمبدأ واحد وهو أنّ

__________________

(١) الميزان: ج ٨ ص ٣٦٦ ـ ٣٦٧.

٢٣

الملك له لا لغيره، فكلّ ما يملكه الإنسان فهو يملكه، فصار هذا منشأً لاثبات كثير من الصفات الثبوتية.

٢ ـ مطالعة الكون وآيات وجوده

الطريق الثاني التي يمكن التعرّف بها على ما في ذاته سبحانه من الجمال والكمال طريق التدبّر في النفس والكون أي في آياته الأنفسية والافاقية امتثالاً لقوله سبحانه :

( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) ( فصّلت / ٥٣ )(١) .

فمطالعة الكون المحيط بنا وما فيه من بديع النظام وغريب الموجودات يكشف لنا عن علمه الوسيع وقدرته المطلقة فمن خِلال هذه القاعدة وعبر هذا الطريق، يمكن للإنسان أن يهتدي إلى قسم كبير من الصفات الإلهية الجماليّة ( الثبوتية ) والجلالية ( السلبية ) وقد سلك هذا الطريق المحقّق نصير الدين وقال: « والأحكام والتجرّد واستناد كلّ شيء إليه دلائل علمه »(٢) .

وقول شيخنا المحقّق الطوسي ليس فريداً في ذلك الباب بل سبقه شيخنا أبو جعفر الطوسي في بعض كتبه وقال عند البحث عن علمه سبحانه :

« وأمّا الذي يدل على أنّه عالم هو أنّ الإحكام ظاهر في أفعاله كخلق الإنسان وغيره من الحيوان لأنّ فيه من بديع الصنعة ومنافع الأعضاء وتعديل الامزجة وتركيبها على وجه يصحّ معه أن يكون حيّاً لا يقدر عليه إلّا من هو عالم بما يريد فعله ،

__________________

(١) والاستدلال مبني على عود الضمير المنصوب في « انّه الحق » الى الله سبحانه.

(٢) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: ص ١٧٤ ( ط صيدا ) والاستدلال بالتجرّد، استدلال عقلي والاستدلال بالأحكام واستناد كل شيء اليه، استدلال بآيات وجوده على كماله.

٢٤

لأنّه لو لم يكن عالماً لما وقع على هذا الوجه من الإحكام والنظام، والاختلاف في بعض الأحوال ولـمـّا كان ذلك واقعاً على حد واحد، ونظام واحد، واتساق واحد دل على أنّ صانعه عالم »(١) .

وهناك ـ وراء الإستدلال العقلي والنظر في آثار الرب ـ طريقان آخران نشير إليهما.

٣ ـ المعرفة عن طريق الوحي

إنّ الوحي ادراك مصون عن الخطأ والزلل كما أنّ السنّة الصحيحة فرع من فروعه فكلّ ما ورد في الكتاب والسنّة من الإلهيات والمعارف، يصلح الاستدلال به غير أنّ الآيات القرآنية في ذلك المجال على قسمين: فتارة تتخد لنفسها موقف المعلم والمفكّر الذي يريد تعليم اتباعه فيكون موقف المخاطَب عندئذ موقف الاستلهام والاستعلام كما هو الحال في البراهين التي أقامها القرآن في مجال اثبات الصانع ونفي الشريك عنه وكثير من صفاته الثبوتية، فتكون تلك الآيات حجّة عقليّة من دون استلزام الدور، واُخرى يتخذ لنفسه موقف الرسول المتكلّم باسم الوحي المنبئ عن الله سبحانه فعندئذ يكون قوله حجّة تعبديّة ولا يمكن الاعتماد على مثله إلّا بعد ثبوت وجود الصانع وبعض صفاته وثبوت النبوّة العامّة والخاصة، ولكن الغالب على الآيات القرآنيه والسنّة الصحيحة المرويّة عن أئمّة أهل البيت هو الأوّل. يقف على ذلك من خالط القرآن روحه وقلبه وقرأ القرآن متدبّراً متعمّقاً.

٤ ـ المعرفة عن طريق الكشف والشهود

هناك طريق رابع وهو التعرّف على الحقائق من خلال الكشف والشهود، والقائلون به يرون أنّ سبيل الحصول على حقائق المعارف هو السعي إلى صفاء القلب

__________________

(١) الاقتصاد، الهادي الى سبيل الرشاد: ص ٢٨، ولاحظ إرشاد الطالبين للفاضل المقداد: ص ١٩٤.

٢٥

حتى ينعكس ما في ذلك العالم على قلب العارف وضميره، ويدرك ما في ماوراء الطبيعة من الجمال والكمال ادراكاً يقينيّاً لا يخالطه الشك، ولا يمازجه الريب، ولكنه طريق ( قلّ سالكيه ) يختصّ بطائفة خاصّة ولايكون حجّة إلّا لصاحب الكشف.

وعلى كلّ تقدير فليس المدّعى لمن يسلك هذه الطرق الأربعة هو معرفة كنه الذات الإلهية وكنه صفاته وأسمائه، بل المراد التعرّف على ما هناك من الجمال والكمال ونفي النقص والعجز حسب المقدرة الإنسانية.

إلى هنا تبيّن إنّ التفكير الصحيح ممّا دعى إليه الكتاب العزيز والفطرة السليمة، وهناك كلام للعلاّمة الطباطبائي حول التفكّر الذي يدعو إليه القرآن وهو بحث مسهب نقتبس منه ما يلي، قال :

« إنّك لو تتبّعت الكلام الإلهي ثم تدبّرت آياته، وجدت ما لعلّه يزيد على ثلاثمائة آية تتضمّن دعوة الناس إلى التفكّر أو التذكّر أو التعقّل أو تلقّن النبي الحجّة لاثبات حقّ أو ابطال باطل كقوله:( قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ) ( المائدة / ١٧ ).

أو ينقل الحجّة الجارية على لسان أنبيائه وأوليائه كنوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من الأنبياء العظام ولقمان ومؤمن آل فرعون كقوله :

( قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) ( إبراهيم / ١٠ ).

وقوله:( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) ( لقمان / ١٣ ).

وقوله:( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ) ( غافر / ٢٨ ).

وقوله حكاية عن سحرة فرعون( قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ

٢٦

وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الحَيَاةَ الدُّنْيَا ) ( طه / ٧٢ ). إلى آخر ما احتجّوا به.

ولم يأمر تعالى عباده في كتابه ولا في آية واحدة أن يؤمنوا به أو بشيء ممّا هو عنده أو يسلكوا سبيلاً على العمياء وهم لا يشعرون حتّى أنّه علّل الشرائع والأحكام التي جعلها لهم ممّا لا سبيل للعقل إلى تفاصيل ملاكاته، - علّل - باُمور تجري مجرى الاحتجاجات كقوله:( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ) ( العنكبوت / ٤٥ ).

وقوله:( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة / ١٨٣ ).

وقوله ( في آية الوضوء ):( مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( المائدة / ٦ ).

إلى غير ذلك من الآيات الواردة حول تحريم الخمر والميسر.

وهذا الادراك العقلي الذي يدعو إليه القرآن ويبني على تصديقه، ما يدعو إليه من حقّ أو خير أو نفع، ويزجر عنه من باطل أو شرّ أو ضرّ، هو الذي نعرّفه بالخلقة والفطرة ممّا لا يتغيّر ولا يتبّدل ولا يتنازع فيه إنسان وإنسان، والعجب انّ المخالفين للتفكّر المنطقي يعتمدون في اثبات دعاويهم ومقاصدهم على الاُسس المنطقيّة بحيث لو حلّلت مقالهم ودليلهم لعاد على صورة أقيسة منطقية يستدل بها المخالف على بطلان الاستدلال المنطقي(١) .

ونذكر من باب المثال قولهم: « لو كان المنطق طريقاً موصلاً لم يقع الاختلاف بين أهل المنطق، لكنّا نجدهم مختلفين في آرائهم » ترى أنّه استعمل القياس الاستثنائي من حيث لا يشعر وأمّا الجواب: فإنّ المنطق آلة تصون الفكر عن

__________________

(١) الميزان: ج ٥ ص ٢٧٤ ـ ٢٧٥.

٢٧

الخطأ في كيفية الاستدلال ولكن صحّة الاستدلال مبنيّة على دعامتين :

١ ـ صحّة المادّة.

٢ ـ صحّة الهيئة.

والمنطق يصون الإنسان عن الخطأ في الجانب الثاني دون الأوّل وأجاب عنه العلّامة الطباطبائي بوجه آخر وقال :

« إنّ معنى كون المنطق آلة الاعتصام انّ استعماله كما هو حقّه يعصم الإنسان عن الخطأ وأمّا انّ كلّ مستعمل له فإنّما يستعمله صحيحاً فلا يدعيه أحد وهذا كما انّ السيف آلة القطع لكن لايقطع إلّا عن استعمال صحيح »(١) .

القرآن الكريم يهدي العقول إلى استعمال ما فطروا على استعماله بحسب طبعهم وهو ترتيب المعلومات لاستنتاج المجهولات والذي فطرت عليه العقول هو ترتيب مقدمات حقيقيّة يقينيّة لاستنتاج المعلومات التصديقيّة الواقعيّة، وهو البرهان أو استعمال المقدّمات المشهورة أو المسلّمة وهو الجدل، أو استعمال مقدّمات ظنيّة لغاية الارشاد والهداية إلى خير مظنون وشر مثله وهو العظة، قال تعالى:( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ( النحل / ١٢٥ ).

والظاهر أنّ المراد بالحكمة هو البرهان كما ترشد إلى ذلك مقابلته بالعظة والجدل.

ثمّ إنّ آخر ما في كنانة القوم هو ادّعاء انّ جميع ما تحتاج إليه النفوس الإنسانيّة مخزونة في الكتاب العزيز، مودعة في الأحاديث فما الحاجة إلى أساليب الكفّار والملاحدة ؟

يلاحظ عليه: إنّ اشتمال الكتاب والسنّة على جميع ما يحتاج إليه لا يلازم

__________________

(١) الميزان: ج ٥ ص ٢٨٨.

٢٨

استغناء البشر عن التفكّر الصحيح الموصل إلى ما في الكتاب والسنّة، فليس فهم الكتاب والسنّة غنيَّا عن التدبّر والامعان، وليس أصحاب الفلسفة والمنطق من الكفّار والملاحدة، والواجب على المسلم الواعي هو استماع القول ـ من أيّ ابن اُنثى صدر ـ ثم اتّباع أحسنه.

وعلى كلّ تقدير فابطال الاستدلال العقلي عن طريق الاستدلال العقلي غريب وعجيب جداً ومن قابَلَ التفكّر والتعقّل واقامة البرهنة فقد عارض إنسانيّته وفطرته التي تدعوه إلى الاعتناء بالتفكر الصحيح والتعقّل الرصين عن طريق اعمال الأقيسة الصحيحة من حيث المادة والهيئة.

وبذلك تقف على قيمة عمل أهل الحديث واسلوب دعوتهم إلى المعارف والحقايق حتى إنّ الأشعري لـمّا تاب عن الإعتزال ولحق بأصحاب أحمد بن حنبل، واستدل على عقيدة أهل الحديث مثل الرؤية وكون أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه، رفضته الحنابلة قائلة: بأنّ الاستدلال ليس طريقاً دينياً، وإنّما الطريق البرهنة بالآية والحديث مكان التعقل.

قال ابن أبي يعلي في طبقات الحنابلة عن طريق الأهوازي قال: قرأت على عليّ القومسي، عن الحسن الاهوازي قال سمعت أبا عبد الله الحمراني يقول :

لـمّا دخل الأشعري بغداد جاء إلى « البربهاري » فجعل يقول رددت على الجبائي وعلى أبي هاشم ونقضت عليهم وعلى اليهود والنصارى والمجوس وقلت وقالوا وأكثر الكلام فلمّا سكت قال البربهاري: وما أدري ممّا قلت لا قليلاً ولا كثيراً، ولا نعرف إلّا ما قاله أبو عبد الله أحمد بن حنبل، فخرج من عنده وصنف كتاب « الابانة » فلم يقبله منه(١) .

هذا وإذا بان لك انّ الاستدلال المنطقي على المعارف العقليّة هو طريق

__________________

(١) تعليقة « تبيين كذب المفتري » ص ٣٩١.

٢٩

الفطرة التي دعا إليها القرآن، ولا يشذ عنها إلّا من احتجبت عنده الفطرة الإنسانيّة.

فيلزم علينا البحث عن أسمائه وصفاته الواردة في الذكر الحكيم وسنّة نبيه وأحاديث عترته صلوات الله عليهم أجمعين على ضوء البرهان والقياس العقلي.

٣٠

أسماؤه وصفاته

في القرآن الكريم

قد احتلّ البحث عن أسمائه وصفاته سبحانه في كتب الكلام والتفسير المكانة العليا، فالقدماء شرحوا معاني أسمائه وصفاته وأفعاله والمتأخّرون اكتفوا من مباحثهابالبحث عن أمرين :

١ ـ مغايرة الاسم للمسمّى.

٢ ـ كون أسمائه توقيفية.

ونحن في هذه الفصول نجمع بين الطريقين فنأتي بما يتعلّق بها من المباحث المفيدة ونعرض عمّا لا يهمّنا جدّاً ثم نفسّر أسماءه وصفاته الواردة في الذكر الحكيم، وبناء عليه سيقع البحث في اُمور :

١ ـ الفرق بين الاسم والصفة

دلّت الآيات الكريمة على أنّ له سبحانه الأسماء الحسنى كما ورد ذلك في الأحاديث أيضاً.

قال سبحانه:( وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ) ( الأعراف / ١٨٠ ).

وقال:( أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَىٰ ) ( الاسراء / ١١٠ ).

وقال:( اللهُ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَىٰ ) ( طه / ٨ ).

٣١

وقال:( هُوَ اللهُ الخَالِقُ الْبَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَىٰ ) ( الحشر / ٢٤ ).

وقال:( وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ) ( الأعراف / ١٨٠ ).

والاسم مشتق إمّا من « السمو » على ما ذهب إليه البصريون، أو من « السمة » على ما اختاره الكوفيون، وعلى كلّ تقدير فلو كان الملاك في تسميه اللفظ اسما هو سموّه على المعنى، وتقدمه عليه أو كونه علامة له، فالكلمه بأقسامها الثلاثه اسم لوجود كلا الملاكين فيها(١) .

ومع ذلك كلّه فالاسم في مصطلح النحويين يطلق على قسم واحد من أقسام الكلمة، وعرّفوه بأنّه ما دلّ على معنى في نفسه غير مقترن بالزمان، فالاسم بهذا المعنى يقابل الفعل والحرف، فالفعل يدل على معنى مستقل مقترن بالزمان، والحرف يدل على معنى في غيره.

وهناك اصطلاح ثالث للاسم وهو كلّ ماهيّة تعتبر من حيث هي هي فهو أسم أو من حيث انّها موصوفة بصفه معينة فهو وصف، فالأوّل كالسماء والأرض والرجل والجدار، والثاني كالخالق والرازق والطويل والقصير. ذكره الرازي وقال: هذا هو الفرق بين الاسم والصفة على قول المتكلّمين(٢) .

يلاحظ عليه: إنّ حاصل كلامه يرجع إلى أنّ الجوامد أسماء، وأسماء الفاعلين ونظائرها صفات مع أنّه لاينطبق على مصطلح المتكلّمين فإنّ الخالق والرازق من أسمائه سبحانه لا من صفاته، فكيف يعده من صفاته ومقابل أسمائه والحق أن يقال :

__________________

(١) اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ اطلاق الاسم على خصوص قسم من الكلمة لأجل كون معناه سامياً ومرتفعاً بين معاني سائر الكلمات أعني الفعل والحرف فعندئذ يختص بالقسم المعروف عند النحويين.

(٢) لوامع البينات للرازي ص ٢٧ ( طبع القاهره ).

٣٢

ما هو المختار في الفرق بين أسماءه وصفاته ؟

« الاسم هو اللفظ المأخوذ إما من الذات بما هي هي، أو بكونها موصوفاً بوصف أو مبدأ الفعل، فالأوّل كلفظ الجلالة له سبحانه والرجل والإنسان لغيره، والثاني كالعالم والقادر، والثالث كالرازق والخالق، وأمّا الصفة فهو الدال على المبدء مجرّداً عن الذات كالعلم والقدرة والرزق والخلقة ولأجل ذلك يصحّ أن يقال الاسم ما يصحّ حمله كما يقال الله عالم وخالق ورحمان ورحيم، والصفة لا يصحّ حملها كالعلم والخلق والرحمة، وهذا هو المشهور بين المتكلّمين بل الحكماء والعرفاء، فالصفات مندكة في الأسماء من غير عكس.

يقول العلّامة الطباطبائى: لا فرق بين الصفة والاسم، غير أنّ الصفة تدلّ على معنى من المعاني تتلبّس به الذات، أعم من العينيّة والغيريّة والاسم هو الدال على الذات مأخوذة بوصف، فالحياة والعلم صفتان، والحي والعالم اسمان(١) .

هذا كلّه على ما هو المشهور ويوافقه ظاهر الكتاب العزيز من أنّ أسماءه سبحانه من قبيل الألفاظ والمعاني فيكون لفظ الجلالة وسائر الأسماء كالرحمان والرحيم، والعالم والقادر أسماء الله الحسنى الحقيقية، ولها معان ومفاهيم فينتقل إليها الذهن عند السماع.

الأسماء والصفات عند أهل المعرفة

إنّ لأهل المعرفة اصطلاحاً خاصّاً فالأسماء والصفات عندهم ليست من قبيل الألفاظ والمفاهيم بل حقيقة الصفه ترجع إلى كمال وجودي قائم بالذات، والاسم عبارة عن تعيّن الذات بنفس ذلك الكمال والأسماء والصفات الملفوظة، أسماء وصفات لتلك الأسماء والصفات الحقيقية التي سنخها سنخ الوجود والكمال ،

__________________

(١) الميزان: ٨ / ٣٦٩.

٣٣

والتحقّق والتعيّن، فلفظ الجلالة ليس اسماً بل اسماً للاسم، ومثله العلم والقدرة والحياة فليست صفات بالحقيقة، بل مرايا لأوصافه الحقيقيّة.

فالقولان متّفقان على أنّ الذات مع التعيّن هو الاسم، والتعيّن بما هو هو، هو الوصف، ويختلفان من كونها من قبيل الألفاظ والمفاهيم أو من قبيل الحقايق والواقعيات. يقول أهل المعرفه: إنّ الذات الأحدية، بما أنّه وجود غير متناه، عار عن المجالي والمظاهر، يسمّى « غيب الغيب » وإذا لوحظ في رتبة متأخّرة، بتعيّن من التعيّنات الكماليّة كالعلم والقدرة، فهو مع هذا التعيّن اسم، ونفس التعيّن بلا ملاحظة الذات، وصف.

يقول الحكيم السبزواري: « فالذات الموجودة مع كلّ منها ( التعيّنات ) يقال لها الاسم في عرفهم، ونفس ذلك المحمول العقلي هي الصفه عندهم »(١) . ويقول في موضع آخر: « والوجود بشرط التعيّن هو الاسم، ونفس التعيّن هو الصفة »(٢) .

ويقول أيضاً: « الاسم عند العرفاء هو حقيقة الوجود مأخوذة بتعيّن من التعيّنات الصفاتية من كمالاته تعالى، أو باعتبار تجلّ خاص من التجليّات الإلهية » فالوجود الحقيقي مأخوذاً بتعين « الظاهرية بالذات » و « المظهرية للغير » اسم « النور » وبتعيّن كونه « ما به الانكشاف لذاته ولغيره » اسم « العليم » وبتعيّن « كونه خيراً محضاً » و « عشقا صرفاً » اسم « المريد » وبتعيّن « الفياضية الذاتية » للنورية عن علم ومشيئة، اسم « القدير » وبتعيّن « الدراكيّة » و « الفعاليّة » اسم « الحي » وبتعيّن « الاعراب عمّا في الضمير » المخفي والمكنون العيني اسم « المتكلّم » وهكذا »(٣) .

__________________

(١) شرح الاسماء الحسنى: ١٩.

(٢) شرح الاسماء الحسنى: ٢١٥.

(٣) شرح الاسماء الحسنى: ٢١٤.

٣٤

٢ ـ هل الاسم نفس المسمّىٰ أو غيره

من المباحث التي شغلت بال القدماء والمتأخّرين، هو مسألة اتحاد الاسم والمسمّى وهو بحث لا يحتاج إلى التفصيل، يقول الرازي: إنّ هذا البحث ممّا لا يمكن النزاع فيه بين العقلاء، فإن كان المراد من الاسم هو اللفظ الدال على الشيء بالوضع، وكان المسمّى عبارة عن نفس ذلك الشيء، فالعلم الضروري حاصل بأنّ الاسم غير المسمّى وإن كان الاسم عبارة عن ذات الشيء ( المدلول ) والمسمّى ايضاً ذات الشيء كان معنى قولنا الاسم نفس المسمّى هو أن ذات الشيء نفس ذات الشيء فثبت أن الخلاف الواقع في هذه المسألة إنّما كان بسبب أنّ التصديق ما كان مسبوقاً بالتصوّر وكان اللائق بالعقلاء أن لا يجعلوا هذا الموضع مسألة خلافية(١) .

هذا وان شيخ مذهبه « أبا الحسن الأشعري » قد زاد في الطين بلّة فعاد يفصّل فيها ويقول: إنّ الاسم ( يريد مدلوله ) عين المسمّى أي ذاته من حيث هي هي نحو الله فإنّه اسم للذات من غير اعتبار معنى فيه، وقد يكون غيره نحو الخالق والرازق ممّا يدل على نسبته إلى غيره، ولا شك انّ تلك النسبة غيره وقد يكون لا هو ولا غيره كالعليم والقدير مما يدل على صفة حقيقية قائمة بذاته(٢) .

ولا يخفى إنّ صحّة كلامه يتوقف على تسليم اصطلاح خاص له.

ففي الشق الأوّل الذي يدعى فيه انّ الاسم عين المسمّى يريد من الاسم المدلول لا اللفظ المتكلّم به وهو اصطلاح جديد لم نسمعه إلّا منه ومن أمثاله.

كما أنّ حكمه بأنّ الخالق والرازق غيره، مبني على كون المشتق بمعنى المبدء أي الخلق والرزق، وانّ معنى المشتق هو نسبة المبدء إلى الذات على نحو خروج الذات عن مدلول المشتق.

__________________

(١) لوامع البينات للرازي: ص ١٨.

(٢) شرح المواقف: ج ٨ ص ٢٠٧.

٣٥

وأمّا الثالث فهو نظرية أخرى بين القول بإتحاد صفاته الذاتية مع الذات ومغايرته، فالمعتزله على الأوّل وأهل الحديث على الثاني، ولـمـّا لم ينجح الشيخ في القضاء الحاسم بين النظريتين إختار قولاً ثالثاً وهو أنّه لا هو ولا غيره، وهو بحسب ظاهره أشبه بارتفاع النقيضين إلّا أن يفسّر بوجه يرفع ذلك الاشكال.

والشيخ الأشعري يصّر في كتاب « الابانة » على أنّ الاسم نفس المسمّى ولا يذكر وجهه(١) .

وما ذكرنا من المبني ( مراده من الاسم المدلول ) لتوجيه كلامه فإنّما ذكره اتباع مذهبه ك‍ « الايجي » في المواقف و « التفتازاني » في المقاصد وشرحه، والسيد الشريف في شرحه على المواقف.

يؤاخذ على الشيخ بأنّه أي حاجة في جعل هذا الاصطلاح أي اطلاق الاسم وارادة المدلول منه حتى نحتاج إلى هذه التوجيهات.

ثمّ إنّ القائلين بالاتحاد استدلّوا بوجوه :

١ ـ قالوا: إنّ الله تعالى أمر بتسبيح اسمه وقال:( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ) ( الاعلى / ١ ). ودلّ العقل على أنّ المسبّح هو الله تعالى لا غيره وهذا يقتضي انّ اسم الله تعالى هو هو لا غيره.

٢ ـ وقالو: إنّه سبحانه أخبر انّ المشركين عبدوا الأسماء وقال:( مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إلّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم ) ( يوسف / ٤٠ ).

والقوم ما عبدوا إلّا تلك الذوات فهذا يدل على أنّ الاسم هو المسمّى.

__________________

(١) وراجع مقالات الاسلاميين: ص ٢٩٠ ـ الطبعة الثالثة الفصل الخاص لبيان عقيدة أهل الحديث والسنّة.

٣٦

٣ ـ قالوا: اسم الشيء لو كان عبارة عن اللفظ الدال عليه لوجب ان لا يكون لله تعالى في الأزل شيء من الأسماء إذ لم يكن هناك لفظ ولا لافظ وذلك باطل.

٤ ـ قالوا: إذا قال القائل: محمد رسول الله فلو كان اسم محمد غير محمد لكان الموصوف بالرسالة غير محمد.

٥ ـ قالوا: إنّ لبيد يقول: « اسم السلام » ويريد نفس السلام حيث قال :

« إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبكِ عاماً كاملاً فقد اعتذر »(١) .

وهذه الحجج التي نقلها الرازي تعرب من أنّ للمستدل كالشيخ الأشعري إصطلاح خاص في الاسم، فهو كلّما يطلق الاسم إنّما يريد المدلول لا اللفظ الدال.

وعلى ضوء ذلك فنقول :

أمّا الدليل الأوّل: فلأنّ الظاهر أنّ الآية تحثّ على تسبيح الإسم وتقديسه وتنزيهه لا على تنزيه المسمّى وذلك لأنّه كما يجب تنزيه المدلول يجب تنزيه الدال، وذلك بأن لا يسمّى به غيره، فيكون ذلك نهياً عن دعاء غير الله تعالى باسم من أسماء الله فإنّ المشركين كانوا يسمّون الصنم باللات وكانوا يسمّون أوثانهم آلهة.

ويمكن أن يكون المراد تفسيره بما لا يليق بساحته ولا يصحّ ثبوته في حقه سبحانه.

وهناك وجه ثالث وهو أن تصان أسماء الله عن الإبتذال والذكر لا على وجه التعظيم.

ووجه رابع وهو أنّه يمكن أن يكون تسبيح الاسم كناية عن تسبيح الذات كما في قولهم سلام على المجلس الشريف والجناب المنيف إلى غير ذلك من الوجوه التي يمكن أن تكون باعثة لتسبيح الاسم نفسه.

__________________

(١) لوامع البينات للرازي: ص ٢١ ـ ٢٢.

٣٧

أمّا الدليل الثاني: فلأنّ المراد من قوله سبحانه:( مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إلّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا ) إنّه ليس لها من الاُلوهية إلّا التسمية وهي أسماء بلامسميات، وهذا كما يقال لمن سمّى نفسه باسم السلطان انّه ليس له من السلطنة إلّا الاسم وكذا هنا وعلى ذلك فالمراد من قوله:( مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إلّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا ) اي إلّا أشخاصاً أنتم سمّيتموها آلهة وليسوا بآلهة.

وأمّا الدليل الثالث: فلا محذور أن لا يكون له اسم ملفوظ في الأزل غير أنّ فقدان هذه الأسماء لا يلازم فقدان المدلولات، فالله سبحانه كان جامعاً لكمالات هذه الأسماء ومداليلها، وإن لم يكن هناك اسم على النحو اللفظي.

وأمّا الدليل الرابع: فساقط جداً لأنّ المبتدأ أعني قولنا: محمد يمثّل طريقاً إلى المدلول، والحكم على ذي الطريق لا على نفس الطريق، وهذا حكم كلّ لفظ موضوع اسما كان أو فعلاً أو حرفاً.

وأمّا الدليل الخامس: فهو تمسّك بشعر شاعر علم بطلانه ببديهة العقل ومن المحتمل جدّا أنّ اقحام لفظة اسم في البيت لأجل الضرورة وإلّا فلا وجه للعدول من « السلام عليكما » إلى « اسم السلام عليكما »(١) .

والرازي مع أنّه جعل المسألة بديهية، أخذ في الاستدلال على أنّ الاسم غير المسمّى لاقناع غيره الذي وقع في الشبهة مقابل البديهية، فقال: الذي يدل على أنّ الاسم غير المسمّى وجوه :

منها: إنّ أسماء الله كثيرة والمسمّى ليس بكثير.

منها قوله تعالى:( وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ) حيث أمرنا أن ندعو الله تعالى بأسمائه، والشيء الذي يدعي مغاير للشيء الذي يدعى به ذلك المدعو.

إلى غير ذلك من الوجوه التي لا تحتاج إلى الذكر والبيان.

__________________

(١) لاحظ لوامع البينات للرازي: ص ٢١ ـ ٢٢، وشرح المواقف: ج ٨ ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨، وشرح المقاصد للتفتازاني: ج ٢ ص ٦٩ ـ ٧٠.

٣٨

بيان آخر لوحدة الاسم والمسمّى

نعم هناك بيان آخر لتوحيد الاسم مع المسمّى غير معتمد على اصطلاح الأشعري من تفسير الاسم بالمدلول الذي هو متّحد مع المسمّى، وهذا الوجه هو ما أشار إليه علماء العرفان من أنّ كلاًّ من العالم والقادر والخالق ليس اسماً للذات المقدسة بل اسم للاسم، والاسم للذات المقدسة هو الذات المنكشفة بحقيقة العلم أو القدرة.

توضيح ذلك: إنّه قد يطلق الأسم على اللفظ الدال على الذات المتّصفة بوصف الكمال، دلالة بالجعل والمواضعة وعندئذ يكون الاسم من قبيل الألفاظ والمسمّى من قبيل الأمر الخارجي، وعلى ذلك فلا مسوّغ للبحث عن الاتحاد.

وقد يطلق على الذات المنكشفة، بوصف من صفاته الكمالية وذلك لأنّ ذاته سبحانه مبهمة في غاية الإبهام غير معروفة لأحد من خلقه، وإنّما تعرف عن طريق صفاته الجمالية، ولولا الصفات لما عرف سبحانه بوجه، وعلى ذلك يكون المراد من الاسم هو الحقيقية الخارجية المبهمة غاية الابهام، المنكشفة لنا بواحد من صفاته وعلى هذا يكون المراد من الاسم الذات المنكشفة، والمراد من الوصف نفس الكمال الواقعي، والاسم والوصف بهذا المعنى ليسا من الأمور الملفوظة أو الذهنية بل من الاُمور الواقعيّة الحقيقيّة العينيّة وعندئذ يكون ألفاظ الحي، والقادر، والعالم أسماء للاسم، كما يكون الحياة، والقدرة، والعلم أوصافاً للوصف لا أسماء وصفاتاً لذاته سبحانه، فالاسم نفس المسمّى لكن اسم الاسم غيره، وهذا المعنى الدقيق العرفاني لا يقف عليه إلّا من له قدم راسخ في الأبحاث العرفانية وأين هو من تفسير الشيخ، الاسم بالمدلول والحكم بأنّ المدلول نفس المسمّى ؟

وعلى أيّ تقدير فالظاهر من الروايات أنّ القول بالاتحاد كان ذائعاً في عصر أئمّة أهل البيت وما ذكره الشيخ الأشعري كان توجيهاً لتلك العقيدة الباطلة وإن كان أصحابها غافلين عن ذلك التوجيه، وإليك ما روي عنهم: في

٣٩

ذلك الباب :

١ ـ روى الكليني عن عبد الاعلى، عن أبي عبد الله7 قال: « اسم الله غيره، وكلّ شيء وقع عليه اسم شيء »(١) فهو مخلوق ما خلا الله، فأمّا ما عبّرته الألسن أو ما عملت الأيدي فهو مخلوق ـ إلى أن قال ـ: والله خالق الأشياء لا من شيء كان، والله يسمى بأسمائه وهو غير أسمائه والأسماء غيره(٢) .

٢ ـ روي الكليني عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله7 قال :

« من عبد الله بالتوهّم فقد كفر.

ومن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر.

ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك.

ومن عبد المعنى بايقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه، ونطق به لسانه في سرائره وعلانيته، فأولئك أصحاب أمير المؤمنين حقّاً »(٣) .

ترى أنّه7 يقسّم العابد حسب اختلاف المعبود إلى أقسام :

الف ـ فمن عابد لله سبحانه لكن بالتوهّم والشك فهو كافر بالله لأنّ الشك كفرٌ به.

ب ـ ومن عابد للاسم أي الحروف أو المفهوم الوضعي معرضاً عن المعنى المعبّر عنه فقد كفر أيضا لأنّه لم يعبد المعبّر عنه بالاسم لأنّ الحروف والمفهوم غير الواجب الخالق للكلّ فإنّما الاسم بلفظه ومفهومه تعبير عن المعنى المقصود.

__________________

(١) أي لفظ « الشيء ».

(٢) الكافي: ج ١ باب حدوث الأسماء ص ١١٢ الحديث ٤، وتوحيد الصدوق باب أسماء الله: ص ١٩٢ الحديث ٥.

(٣) الكافي: ج ١ باب المعبود ص ٨٧ الحديث ١.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أقول: والد المرتضى والرضي هو احمد الطاهر الحسين بن موسى الذي يسمى بالابرش.

وقال السيد حسن الصدر قدس‌سره في كتابه ( نزهة اهل الحرمين ): لقد تعرضتُ في تكملة امل الامل الى تحقيق قبري السيدين المرتضى والرضي وانهما في كربلاء، وان المكان المعروف في بلد الكاظمية بقبرهما هو موضع دفنهما فيه أولاً ثم نقلا منه الى كربلاء، ولا بأس بزيارتهما في هذا الموضع أيضا، وإنما أبقوه كذلك لعظم شأنهما.

قال رحمه‌الله يفتخر بأهل البيت عليهم‌السلام ويذكر قبورهم ويتشوقها:

ألا لله بادرة الطلاب

وعزم لا يروّع بالعتاب

وكل مشمر البردين يهوي

هوي المصلتات (١) الى الرقاب

أعاتبه على بعد التنائي

ويعذلني على قرب الاياب

رأيت العجز يخضع لليالي

ويرضى عن نوائبها الغضاب

ولولا صولة الايام دوني

هجمت على العلى من كل باب

ومن شيم الفتى العربي فينا

وصال البيض والخيل العراب

له كذب الوعيد من الاعادي

ومن عاداته صدق الضراب

سأدرّع الصوارم والعوالي

وما عرّيت من خلع الشباب

واشتمل الدجى والركب يمضي

مضاء السيف شذّ عن القراب

وكم ليل عبأت له المطايا

ونار الحي حائرة الشهاب

لقيت الارض شاحبة المحيا

تلاعب بالضراغم والذئاب

فزعت الى الشحوب وكنت طلقا

كما فزع المشيب الى الخضاب

ولم نرَ مثل مبيض النواحي

تعذبه بمسوّد الإهاب

أبيت مضاجعاً أملي وإني

أرى الآمال أشقى للركاب

__________________

١ - المصلتات: السيوف.

٢٢١

إذا ما اليأس خيّبنا رجونا

فشجعنا الرجاء على الطلاب

أقول اذا استطار من السواري

زفون القطر رقاص الحباب (١)

كأن الجو غصّ به فأومى

ليقذفه على قمم الشعاب

جدير أن تصافحه الفيافي

ويسحب فوقها عذب الرباب

اذا هتم (٢) التلاع رأيت منه

رضاباً في ثنيّات الهضاب

سقى الله المدينة من محلٍ

لباب الماء والنطف العذاب

وجاد على البقيع وساكنيه

رخيّ الذيل ملآن الوطاب

وأعلام الغري وما استباحت

معالمها من الحسب اللباب

وقبراً بالطفوف يضم شلواً

قضى ظمأ الى بَرد الشراب

وسامراً وبغداداً وطوساً

هطول الودق منخرق العباب

قبور تنطف العبرات فيها

كما نطف الصبير (٣) على الروابي

فلو بخل السحاب على ثراها

لذابت فوقها قطع السراب

سقاك فكم ظمئت اليك شوقاً

على عُدواء داري واقترابي

تجافي يا جنوب الريح عني

وصوني فضل بردك عن جنابي

ولا تسري إليّ مع الليالي

وما استحقبت من ذاك التراب

قليل أن تقاد له الغوادي

وتنحر فيه أعناق السحاب

أما شَرق التراب بساكنيه

فيلفظهم الى النعم الرغاب

فكم غدت الضغائن وهي سكرى

تدير عليهم كاس المصاب

صلاة الله تخفق كل يوم

على تلك المعالم والقباب

وإني لا أزال اكرّ عزمي

وإن قلّت مساعدة الصحاب

واخترق الرياح الى نسيم

تطلع من تراب أبي تراب

بودي ان تطاوعني الليالي

وينشب في المنى ظفري ونابي

__________________

١ - السواري: جمع سارية السحاب. زفون القطر: دفاع المطر. الحباب: فقاقيع الماء.

٢ - الهتم: كسر الثنايا من أصلها.

٣ - الصبير: السحاب الذي يصير بعضه فوق بعض.

٢٢٢

فارمي العيس نحوكم سهاماً

تغلغل بين أحشاء الروابي

ترامى باللغام على طلاها

كما انحدر الغثاء عن العُقاب (١)

وأجنَب بينها خرق المذاكي

فأملي باللغام على اللغاب

لعلي أن ابلّ بكم غليلاً

تغلغل بين قلبي والحجاب

فما لقياكم إلا دليل

على كنز الغنيمة والثواب

ولي قبران بالزوراء أشفي

بقربهما نزاعي واكتئابي

أقود اليهما نفسي واهدي

سلاماً لا يحيد عن الجواب

لقائهما يطهر من جناني

ويدرأ عن ردائي كل عاب

قسيم النار جدي يوم يلقى

به باب النجاة من العذاب

وساقي الخلق والمهجات حرّى

وفاتحة الصراط الى الحساب

ومن سمحت بخاتمه يمين

تضن بكل عالية الكعاب

اما في باب خيبر معجزات

تصدق أو مناجاة الحُباب

ارادت كيده والله يأبى

فجاء النصر من قبل الغراب

أهذا البدر يكسف بالدياجي

وهذي الشمس تطمس بالضباب

وكان إذا استطال عليه جانٍ

يرى ترك العقاب من العقاب

أرى شعبان يذكرني اشتياقي

فمن لي أن يذكركم ثوابي

بكم في الشعر فخري لا بشعري

وعنكم طال باعي في الخطاب

اجلّ عن القبائح غير أني

لكم أرمي وأرمى بالسباب

فأجهر بالولاء ولا أورّي

وأنطق بالبراء ولا أحابي

ومَن أولى بكم مني وليّاً

وفي أيديكم طرف انتسابي

محبكم ولو بغضت حياتي

وزائركم ولو عقرت ركابي

تباعد بيننا غِيَرُ الليالي

ومرجعنا الى النسب القراب (٢)

__________________

١ - اللغام: لعاب الابل والطلى العنق والغثاء البالي من ورق الشجر المخالط زبد السيل والعقاب جمع عقبة مرقى صعب من الجبال.

٢ - القراب: القريب.

٢٢٣

وقال وقد بلغه عن بعض قريش افتخار على ولد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام :

يُفاخرنا قومٌ بمن لم يَلدهم

بتيم اذا عدّ السوابق أو عدي

وينسون مَن لو قدموه لقدّموا

عذار جواد في الجياد مقلُد

فتى هاشم بعد النبي وباعها

لمرمى عُلى أو نيل مجد وسؤدد

ولولا عليٌ ما علوا سرواتها

ولا جعجعوا منها بمرعى ومورد

أخذنا عليهم بالنبي وفاطم

طلاع المساعي من مقام ومقعد

وطلنا بسبطي احمد ووصيه

رقاب الورى من متهمين ومنجد

وحُزناً عتيقاًوهو غاية فخركم

بمولد بنت القاسم بن محمد

فجدّ نبيٍّ ثم جدّ خليفة

فما بعد جدّينا عليٍ واحمد

وما افتخرت بعد النبي بغيره

يد صفقت يوم البياع على يد

  وفي ثنايا شعره يتمدح كثيراً بجده الحسين سيد أهل الاباء قال من قصيدة:

وجدى خابط البيداء حتى

تبدّى الماء من ثَغَب الرعان

قضى وجياده حول المعالى

ووفد ضيوفه حول الجفان

تكفّنه شَبا بيض المواضي

ويغسله دم السمر اللدان

  ومن روائعه التي سارت مسير الامثال:

الا إن رمحاً لا يصول لنبعة

وإن حساماً لا يقد قطيعُ

  وقوله:

وموت الفتى خير له من حياته

اذا جاور الايام وهو ذليل

وقوله:

اذا العدو عصاني خاف حدّيدي

وعرضه آمن من هاجرات فمي

٢٢٤

وقوله:

تشفّ خلال المرء لي قبل نطقه

وقبل سؤالي عنه في القوم ما اسمه

وقوله:

يمضي الزمان ولا نحسّ كأنه

ريح يمرّ ولا يشم نسيمها

وقوله:

فليت كريم قوم نال عرضي

ولم يدنس بذم من لئيم

وقوله:

ومنظر كان بالسراء يضحكني

يا قرب ما عاد بالضراء يبكيني

وقوله:

يا قوم ان طويل الحلم مفسدة

وربما ضرّ إبقاء وإحسان

وقوله:

وما تنفع المرء الشمال وحيدة

اذا فارقتها بالمنون يمينُ

وقوله:

لا تجعلن دليل المرء صورته

كم مخبر سمج عن منظر حسنِ

وقوله:

اذا ما الحُرّ أجدب في زمان

فعفّته له زاد وماء

وقوله:

أوطأتموه على جمر العقوق ولو

لم يُحرج الليث لم يخرج من الاجم

٢٢٥

وقوله:

قد يقدع المرء وإن كان ابن عم

ويقطع العضو الكريم للألم

  وقال رحمه‌الله :

وكم صاحبٍ كالرمح زاغت كُعوبُه

أبى بعد طول الغمز أن يتقوّما

تقبّلتُ منه ظاهراً متبلّجاً

وأدمج دوني باطناً متجهّما

فأبدى كروض الحزن رقت فروعه

وأضمر كالليل الخداري مُظلما

ولو أنني كشّفته عن ضميره

أقمتُ على ما بيننا اليوم مأتما

فلا باسطاً بالسوء إن سائني يداً

ولا فاغراً بالذم إن رابني فما

كعضوٍ رمت فيه الليالي بفادح

ومن حملَ العضو الأيم تألما

إذا أمر الطب اللبيب بقطعه

أقول عسى ظناً به ولعلّما

صبرتُ على إيلامه خوفَ نِقصِه

ومن لام مَن لا يرعوي كان ألوما

هي الكف مُضنِ تركها بعد دائها

وإن قُطعت شانت ذراعاً ومعصما

أراك على قلبي وإن كنتُ عاصياً

أعزّ من القلب المطيع وأكرما

حملتك حملَ العين لجّ بها القّذى

فلا تنجلي يوماً ولا تبلغ العمى

دع المرء مطويّاً على ما ذممتَه

ولا تنشر الداءَ العضال فتندما

اذا العضوُ لم يؤلمك إلا قطعته

على مضض لم تبق لحماً ولا دما

ومن لم يوطّن للصغير من الأذى

تعرّض ان يلقى اجل وأعظما

  وقال في الاقبال والادبار:

المرءُ بالإقبال يبلغُ

وادعاً خطراً جسيما

واذا انقضى إقباله

رجع الشفيعَ له خصيما

وهو الزمان إذا نبا

سلب الذي أعطى قديما

كالريح ترجع عاصفاً

من بعد ما بدأت نسيما

٢٢٦

وقال في اخوان الرخاء:

أعددتكم لدفاع كل ملمّة

عني فكنتم عون كلُ ملمة

وتخذتكم لي جنةً فكأنما

نظر العدوّ مقاتلي من جنتي

فلأرحلن رحيل لا متلهّف

لفراقكم أبداً ولا متلفت

ولا نفضن يديّ يأساً منكم

نفض الأنامل من تراب الميت

  تحقيق حول قبر السيدين المرتضى والرضي

ذكر كثير من المؤرخين عند ترجمة الشريف الرضي نقل جثمانه الى كربلاء المقدسة بعد دفنه بداره بالكرخ، فدفن عند ابيه ابي احمد الحسين بن موسى.

ويظهر من التاريخ ان قبره كان في القرون الوسطى مشهوراً معروفاً في الحائر المقدس. قال صاحب عمدة الطالب: وقبره في كربلاء ظاهر معروف وقال في ترجمة اخيه المرتضى: دفن عند ابيه واخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة. وروي في كتاب مدينة الحسين (ع) عن السيد محمد مهدي بحر العلوم الكبير قال: ان موضع قبر الشريف الرضي عند قبر جده ابراهيم المجاب، وهو في آخر الرواق فوق الرأس في الزاوية الغربية من الحرم الحسيني. وروى السيد حسن الصدر في كتابه نزهة الحرمين في عمارة المشهدين ان قبر الشريف الرضي عند قبر والده خلف الضريح الحسيني بستة أذرع ولعل هذا القبر هو الذي لاحظه العلامة السيد حسن اغا مير بنفسه عند التعميرات التي اجريت داخل الروضة المطهرة في سنة ١٣٦٧ هـ، وقال: هناك خلف الضريح بستة اذرع ثلاثة قبور شاهدت ذلك بنفسي عند حفر الاسس لدعائم القبه التي جرى بناؤها مؤخراً بـ ( الكونكريت ) المسلّح، فرجوت المعمار عدم مس تلك القبور الثلاثة. ومن المرجح ان هذه القبور الثلاثة هي لأبي أحمد الحسين بن موسى مع ولديه محمد الملقب بالشريف الرضي، وعلي الملقب بالمرتضى. اقول:

٢٢٧

نقلنا هذا باختصار عن اجوبة المسائل الدينية السنة الثانية ص ت ٣١٨ وجاء في مقدمة ديوان السيد المرتضى المطبوع في مصر بقلم الدكتور مصطفى جواد أقوال المؤرخين في نقل الشريف المرتضى من داره بالكرخ الى كربلاء بجوار جده الحسين (ع) وقال السيد جعفر بحر العلوم في تحفة العالم ممن فاز بحسن الجوار ميتاً الشريف ابو احمد الحسين بن موسى والد الشريفين الرضي والمرتضى سنة ٤٠٠ ببغداد وقد اناف على التسعين ثم حمل الى الحائر فدفن قريباً من قبر الحسين (ع) وفي كتاب الدرجات الرفيعة انه مدفون معه ولداه الرضي والمرتضى بعد ان دفنا في دارهم في بلد الكاظمين ثم نقلا الى جوار جدهما الحسين (ع).

وقال ابن شدقم الحسيني في كتابه زهر الرياض وزلال الحياض ان في سنة (٩٤٢) نبش قبره بعض قضاة الأروام فرآه كما هو لم تغيّر الأرض منه شيئا، وحكى من رآه أثر الحِنّاء في يده ولحيته وقد قيل أن الأرض لم تغيّر أجساد الصالحين. انتهى

وقال جدي بحر العلوم بعد نقل ما ذكر: والظاهر أن قبر السيد وقبر أخيه وأبيه في المحل المعروف بابراهيم المجاب. انتهى

وقيل انهم مدفونون مع ابراهيم الاصغر ابن الامام الكاظم وان قبره خلف ظهر الحسين بستة اذرع.

٢٢٨

القسم الثاني

٢٢٩

٢٣٠

شعراء القرن الخامس الهجري

ابو نصر بن نباتة

المهيار الديلمي

الشريف المرتضي

ابو العلاء المعري

زيد بن سهل الموصلي النحوي

أحمد بن عبد الله ( ابن زيدون )

أحمد بن أبي منصور القطان

ابن جبر المصري

الامير عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي

٢٣١

٢٣٢

أبو نصر بن نباتة

قال ابو نصر بن نباتة المتوفى ٤٠٥:

والحسين الذي رأى الموت في العزّ

حياة والعيش في الذل قتلا (١)

  قال الشيخ القمي في الكنى: ابن نباتة بضم النون هو ابو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد بن احمد بن نباتة الشاعر المشهور الذي طاف البلاد ومدح الملوك والوزراء والرؤساء، وله في سيف الدولة ابن حمدان غرر القصائد ونخب المدائح وكان قد أعطاه فرساً أدهم اغر محجلا.

له ديوان شعر كبير ومن شعره:

ومَن لم يمت بالسيف مات بغيره

تعددت الأسباب والموت واحدُ

  وهو الذي حكي عنه انه ذكر ان رجلاً من المشرق ورجلاً من الغرب وردا عليه وأرادا منه أن يأذنهما لروايته. توفى ببغداد سنة ٤٠٥.

أقول وهذه الكنية تطلق على جماعة. منهم ابو يحيى عبد الرحيم بن محمد ابن اسماعيل بن نباتة الفارقي صاحب الخطب المعروفة المتوفي ٣٧٤ وقد يطلق على جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة المصري الاديب الشاعر المتوفى سنة ٧٦٨.

__________________

١ - رواها السيد الأمين في الأعيان ج ٤ القسم الأول.

٢٣٣

المهيار الدسليمي

قال يرثي الحسين عليه‌السلام في شهر المحرم سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة:

مَشين لنا بين ميلٍ وهيفِ

فقل في قناةٍ وقل في نزيف (١)

على كل غصنٍ ثمارُ الشبا

بِ من مجتنيه دواني القطوفِ

ومن عجب الحسنِ أن الثقيـ

ـل منه يُدلّ بحمل الخفيف

خليليّ ما خُبر ما تبصرا

ن بين خلاخيلها والشنوف

سلاني به فالجمال اسمه

ومعناه مفسدةً للعفيف

أمن « عربية » تحت الظلام

تولّجُ ذاك الخيالِ المطيف؟

سرى عينها أو شبيهاً فكا

د يفضح نومي بين الضيوف

نعم ودعا ذكرَ عهدِ الصبا

سيلقاه قلبي بعهدٍ ضعيف

« بآل عليّ » صروف الزمان

بسطنَ لساني لذمّ الصروف

مصابي على بُعد داري بهم

مصابُ الأليف بفقد الأليف

وليس صديقي غيرَ الحزين

ليوم « الحسين » وغير الأسوف

هو الغصن كان كميناً فهبّ

لدى « كربلاء » بريح عصوفِ

قتيلٌ به ثار غلّ النفوس

كما نغر الجرح حكّ القروف

بكل يدٍ أمس قد بايعته

وساقت له اليوم أيدي الحتوف

__________________

١ - عن ديوان المهيار، طبع مصر.

٢٣٤

نسوا جدّه عند عهد قريبٍ

وتالَده مع حقّ طريف

فطاروا له حاملين النفاق

بأجنحة غِشّها في الحفيف

يعزّ عليّ ارتقاء المنون

الى جبلٍ منك عال منيف

ووجهك ذاك الأعزّ التريب

يُشهّر وهو على الشمس موفي

على ألعن امره قد سعى

بذاك الذميل وذاك الوجيفِ

وويل امّ مأمورهم لو أطاع

لقد باع جنّته بالطفيفِ

وأنت - وإن دافعوك - الإمام

وكان أبوك برغم الأنوف

لمن آيةُ الباب يومَ اليهود

ومَن صاحبُ الجنّ يوم الخسيف

ومَن جمع الدينَ في يوم « بدرٍ »

« وأحدٍ » بتفريق تلك الصفوف

وهدّم في الله أصنامهم

بمرأى عيونٍ عليها عكوف

أغير أبيك إمام الهدى

ضياء النديّ هزبر العزيف

تفلّل سيفٌ به ضرّجوك

لسوّدَ خزياً وجوهَ السيوف

أمرّ بفيّ عليك الزلال

وآلم جلدي وقع الشفوف

أتحملُ فقدَك ذاك العظيم

جوارح جسمي هذا الضعيف؟

ولهفي عليك مقالُ الخبيـ

ـر: أنك تبردُ حرّ اللهيف

أنشرك ما حملَ الزائرو

ن أم المسكُ خالط تُرب الطفوف؟

كان ضريحك زهر الربيـ

ـع هبّت عليه نسيمُ الخريف

أحبّكم ما سعى طائفٌ

وحنّت مطّوقة في الهتوف

وإن كنت من « فارس » فالشريـ

ـفُ معتلقٌ ودّه بالشريف

ركبت - على من يعاديكم

ويفسد تفضيلكم بالوقوف ـ

سوابق من مدحكم لم أهَب

صُعوبة ريّضها والقَطوف (١)

تُقَطّر غيرى أصلابها

وتزلّق أكفالها بالرديف (٢)

__________________

١ - القطوف: الدابة التي تسيء السير وتبطئ.

٢ - تقطر: تلقي الانسان على قطره وهو كاثبته وعجزه، والكاثبة: اعلى الظهر.

٢٣٥

المهيار الديلمي

المتوفي سنة ٤٢٨

هو أبو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي في الرعيل الأول من ناشري لغة الضاد دل على ذلك شعره العالي وأدبه الجزل وديوانه الفخم وكما كان عربياً في أدبه فهو علويُ في مذهبه مسلم في دينه يعتز ويفتخر باسلامه ويتمدح بآبائه الا كاسرة ملوك الشرق وجمع بين فصاحة العرب ومعاني العجم. أسلم على يد السيد الشريف الرضي سنة ٣٩٤ وتخرج عليه في الأدب والشعر وتوفي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادي الثانية سنة ٤٢٨ وجاهد بلسانه عن أهل البيت ومدح عليا وعدد مناقبه بشعر بديع ودافع عن حقوقه في الخلافة دفاعاً حاراً مؤثرا.

قال بعض العلماء: خيار مهيار خير من خيار الرضي وليس للرضي رديّ أصلا. قال ابن خلكان: كان جزل القول مقدماً على أهل وقته وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلدات، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد واثنى عليه وذكره ابو الحسن الباخرزي في دمية القصر فقال:

هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر وكاتب تجلى كل كلمه من كلماته كاعب وما في قصيدة من قصائده بيت يتحكم عليه يلو وليت فهي مصبوبة بقوالب القلوب وبمثلها يعتذر الزمان المذنب عن الذنوب ويتوب، وللسيد جمال

٢٣٦

الدين أحمد بن طاوس قدس‌سره شرح على لامية مهيار أسماه ( كتاب الازهار في شرح لامية مهيار ).

من أشهر الشعراء الذين برزوا في النصف الاخير من القرن الرابع والنصف الاول من القرن الخامس الهجري ولعله كان أشهرهم على الاطلاق بعد استاذه الشريف الرضي، اشتهر بالكتابة والادب والفلسفة كما اشتهر بالشعر، كان ثائر النفس عالي الهمة قوي الشخصية معتزاً بأدبه ونسبه وهذا الذي دفعه لأن يقول:

أُعجبت بي بين نادى قومها

أمّ سعد فمضت تسألُ بي

سرّها ما علمت من خلقي

فارادت علمها ما حسبي

لا تخالي نسباً يخفضني

انا من يرضيك عند النسب

قومي استولوا على الدهر فتى

ومشوا فوق رؤوس الحقب

عمموا بالشمس هاماتهم

وبنوا أبياتهم بالشهب

وأبي كسرى على أيوانه

أين في الناس ابٌ مثل أبي

سورة الملك القدامى وعلى

شرف الاسلام لي والادب

قد قبستُ المجد من خير أبٍ

وقبست الدين من خير نبي

وضممتُ الفخر من أطرافه

سودد الفرس ودينَ العرب

  فهو كما نراه يعتز بنسبه كما يعتز بدينه وعقيدته وأي انسان لا يعتز بقوميته ولا يفخر بنسبه، اما ان المهيار يوصم بالشعوبية لانه فخر بآبائه فذلك فما لا يقرّه الوجدان. لقد سئل الامام زين العابدين علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام عن العصبية فقال: العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شراراً قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم، انك لتقرأ في شعر مهيار من الاعتزاز بالاسلام اكثر من اعتزازه بابائه فأسمه يقول في قصيدته بعد أن أنعم الله عليه بنعمة الاسلام ثم يعيب على

٢٣٧

قومه حيث لم يهتدوا الى رشدهم ويرجعوا عن سفههم ويعيب عبادة النار.

دواعي الهوى لك أن لا تجيبا

هجرنا تُقى ما وصلنا ذنوبا

قَفَونا غرورك حتى انجلت

أمورٌ أرينَ العيون العيوبا

نصبنا لهم أو بلغنا بها

نُهىً لم تدع لك فينا نصيبا

وهبنا الزمان لها مقبلا

وغصن الشبيبة غضاً قشيبا

فقل لمخوّفنا أن يحول

صِباً هَرماً وشباب مشيبا

وددنا لعفّتنا أننا

وُلدنا اذا كُره الشيب شيبا

وبلّغ اخا صحبتي عن اخيك

عشيرته نائياً أو قريبا

تبدلتُ من ناركم ربّها

وخبثِ مواقدها الخلدَ طيبا

حبستُ عناني مستبصراً

بأيّة يستبقون الذنوبا

نصحتكم لو وجدتُ المصيخ (١)

وناديتكم لو دعوتُ المجيبا

أفيئوا فقد وعد الله في

ضلالة مثلكم أن يتوبا

وإلا هلموا أباهيكم

فمن قام والفخر، قام المصيبا

أمثل محمد المصطفى

اذا الحكمُ ولّيتموه لبيبا

بعدلٍ مكانَ يكون القسيم

وفصلٍ مكان يكون الخطيبا

أبان لنا الله نهج السبيل

ببعثته وأرانا الغيوبا

لئن كنتُ منكم فان الهجين

يُخرج في الفلتات النجيبا

  وقال يرثي أهل البيت عليهم‌السلام ويذكر بيان البركة بولائهم فيما صار اليه:

في الظِباء الغادين أمس غزالُ

قال عنه ما لا يقول الخيال

طارق يزعم الفراقَ عتابا

ويرينا أن الملالَ دلالُ

لم يزل يخدع البصيرة حتى

سرّنا ما يقول هو محالُ

لا عدمتُ الأحلامَ كم نوّلتني

من منيعٍ صعبٍ عليه النوال

__________________

١ - المصيخ: المصغي.

٢٣٨

لم تنغّص وعداً بمطل ولو يو

جب له مِنّةً عليّ الوصال

فلليلي الطويل شكري ودينُ الـ

ـعشق أن تُكره الليالي الطوال

لمن الظُّعُن غاصبتنا جمالا؟

حبذا ما مشت به الأجمالُ!

كانفاتٍ بيضاءَ دلّ عليها

أنها الشمس أنها لا تنالُ

جمع الشوق بالخليع فأهلاً

بحليمٍ له السلوّ عقال

كنتُ منه أيامَ مرتعُ لذّا

تي خصيبٌ وماء عيشي زلال

حيث ضلعي مع الشباب وسمعي

غَرضٌ لا تصيبه العُذّال

يا نديميّ كنتما فافترقنا

فاسلواني، لكل شيء زوال

ليَ في الشيب صارف ومن الحز

ن على « آل أحمد » إشغال

معشر الرشد والهدى حَكَم البغـ

ـي عليهم - سفاهةً - والضلال

ودعاة الله استجابت رجالُ

لهم ثم بُدّلوا فاستحالوا

حملوها يوم « السقيفة » أوزا

را تخفّ الجبال وهي ثقال

ثم جاؤوا من بعدها يستقيلو

ن وهيهات عثرةٌ لا تُقال

يا لها سوءة إذا « أحمد » قا

م غداً بينهم فقال وقالوا

ربع هميّ عليهم طلَلٌ با

ق وتبلى الهموم والأطلال

يا لقومٍ إذ يقتلون « علياً »

وهو للمحل فيهم قتّال

وتحالُ الأخبار والله يدري

كيف كانت يوم « الغدير » الحال

ولسبطين تابعَيه فمسمو

مٌ عليه ثرى « البقيع » يُهال

درسوا قبره ليخفى عن الزوّار

هيهات! كيف يخفى الهلال!

وشهيدٍ « بالطف » أبكى السموا

تِ وكادت له تزول الجبال

يا غليلي له وقد حُرّم الما

ء عليه وهو الشراب الحلال

قطعت وصلة « النبي » بأن تقـ

ـطع من آل بيته الأوصال

لم تنجّ الكهولَ سنّ ولا

الشبان زهد ولا نجا الأطفال

لهفَ نفسي يا آل « طه » عليكم

لهفةً كسبها جوىً وخَبال

وقليل لكم ضلوعي تهتـ

ـزّ مع الوجد أو دموعي تذال

٢٣٩

كان هذا كذا وودّي لكم حسـ

ـب وما لي في الدين بعدُ اتصال

وطروسي سود فكيف بي الآ

ن ومنكم بياضها والصّقال

حبكم كان فكّ أسرى من الشر

ك وفي منكبي له أغلال

كم تزمّلتُ بالمذلة حتى

قُمت في ثوب عزّكم أختالُ

بركات لكم محت من فؤادي

ما مَلّ الضلالَ عمّ وخال

ولقد كنت عالماً أن إقبا

لي بمدحي عليكم إقبال

لكم من ثنايَ ما ساعَدَ العمـ

ـرُ فمنه الإبطاء والاعجال

وعليكم في الحشر رجحانُ ميزا

ني بخيرٍ لو يُحصَر المثقال

ويقيني أن سوف تصدُق آما

لي بكم يومَ تكذب الآمال (١)

  وقال يمدح أهل البيت عليهم‌السلام :

سلا مَن سلا: مَن بنا استبدلا

وكيف محا الآخر الأولا

وأي هوىً حادث العهد أمـ

ـس أنساه ذاك الهوى المُحولا؟

وأين المواثيق والعاذلات

يضيق عليهنّ أن تعذلا؟

أكانت أضاليل وعدِ الزما

ن أم حلم الليل ثم انجلى؟

وممّا جرى الدمع فيه سؤا

ل مَن تاه بالحسن أن يسألا

أقول « برامة »: يا صاحبي

مَعاجاً - وإن فعلا ـ: أجملا

قفا لعليل فإن الوقوف

وإن هو لم يشفه علّلا

بغربي « وجرةَ » ينشدنه

وإن زادنا صلةً منزلا

وحسناء لو أنصفت حسنها

لكان من القبح أن تبخلا

رأت هجرها مرخصا من دمي

على النأى علقاً قديماً غلا

ورُبّت واشٍ بها منبضٍ (٢)

أسابقه الردّ أن يُنبلا

رأى ودّها طللا ممحلا

فلفّق ما شاء أن يَمحَلا

__________________

١ - عن الديوان.

٢ - المنبض: الذي يشد وتر القوس.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335