أدب الطف الجزء ٢

أدب الطف0%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 335

أدب الطف

مؤلف: العلامة السيد جواد شبر
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف:

الصفحات: 335
المشاهدات: 58990
تحميل: 9075


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 335 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 58990 / تحميل: 9075
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

وقال يرثي الحسين عليه‌السلام في يوم عاشوراء سنة خمس وثلاثين وأربعمائة:

يا ديار الأحباب كيف تحوّلـ

ـتِ قفاراً ولم تكوني قفارا؟

ومحت منك حادثات الليالي

رغم أنفي الشموس والأقمارا

واسترد الزمان منك « وماسا

ور » في ذاك كلّه ما أعارا

ورأتكِ العيون ليلاً بهيماً

بعد أن كنت للعيون نهارا

كم لياليّ فيك همّا طوال

ولقد كنّ قبل ذاك قصارا

لِمَ أصبحت لي ثماداً وقد كنـ

ـتِ لمن يبتغي نداكِ بحارا؟

ولقد كنتِ برهةً لي يميناً

ما توقعتُ أن تكوني يَسارا

إن قوماً حلوك دهراً وولَّوا

أوحشوا بالنوى علينا الديارا

زوّدونا ما يمنع الغمضَ للعين

ـن وينبي عن الجنوب القرار

يا خليلي كن طائعاً لي مادمت

ـت خليلاً وإن ركبتَ الخطارا

ما أبالي فيك الحذار فلا تخشن

إذا ما رضيت عنك حذارا

عُج بأرض الطفوف عيسك وأعقلهن

ـهن فيها ولا تجزهن دارا

وابكِ لي مُسعداً لحزني وأمنحني

ـني دموعاً إن كن فيك غزارا

فلنا بالطفوف قتلى ولا ذنبَ

سوى البغى من عدى وأُسارى

لم يذوقوا الردى جُزافاً ولكن

بعد أن أكرهوا القنا والشّفارا

وأطاروا فَراشَ كلّ رؤوس

وأماروا ذاك النجيع المسمارا

إن يوم الطفوف رنّحنى حُز

ناً عليكم وما شربتُ عقارا

وإذا [ ما ] ذكرتُ منه الذي ما

كنتُ أنساه ضيق الأقطارا

ورمى بي على الهموم وألقى

حَيَداً عن تنعمي وأزورارا

كدتُ لما رأيت إقدامهم فيه

عليكم أن أهتك الأستارا

وأقول الذي كتمتُ زماناً

وتوارى عن الحشا ما توارى

٢٨١

قل لقوم بنوا بغير أساس

في ديارٍ ما يملكون مَنارا

واستعاروا من الزمان وما زا

لت لياليه تستردّ المعارا:

ليس أمرٌ غصبتموه لزاماً

لا ولا منزل سكنتم قرارا

أيّ شيء نفعاً وضراً على ما

عوّد الدهر لم يكن أطوارا؟

قد غدرتم كما علمتم بقومٍ

لم يكن فيهم فتى غرارا

ودعوتم منهم إليكم مجيباً

كرماً منهم وعوداً نضارا

أمنوكم فما وفيتم وكم ذا

آمن من وفائنا الغدارا

ولكم عنهم نجاءٌ بعيد

لو رضوا بالنجاء منكم فرارا

وأتوكم كما أردتم فلما

عاينوا عسكراً لكم جرارا

وسيوفاً طووا عليها أكفّا

وقناً في أيمانكم خطارا

علموا أنكم خدعتم وقد يُخد

عُ مكراً مَن لم يكنَ مكارا

كان من قبل ذاك ستر رقيق

بيننا فاستلبتم الأستارا

وتناسيتم وما قدمَ العهـ

ـد عهوداً معقودة وذمارا

ومقالاً ما قيل رجماً محالاً

وكلاماً ما قيل فينا سرارا

قد سبرناكم فكنتم سراباً

وخبرناكم فكنتم خَبارا (1)

وهديناكم إلى طرق الحق

فكنتم عنا غفولاً حيارى

وأردتم عزاً عزيزاً فما أزدد

تم بذاك الصنيع إلا صغارا

وطلبتم ربحاً وكم عادت الأربا

ح ما بيننا فعدن خسارا

كان ما تضمرون فينا من الشر

ضماراً، فالآن عاد جهارا

في غدٍ تبصر العيون إذا ما

حُلن فيكم إقبالكم إدبارا

وتودّون لو يفيد تمنٍّ

أنكم ما ملكتم دينارا

لا ولا حزتم بأيديكم في

الناس ذاك الإيراد والإصدارا

عدّ عن معشر تناءوا عن

الحق وعن شعبه العزيز مزارا

__________________

1 - الخبار: بالفتح مالان من الارض واسترخى.

٢٨٢

لم يكونوا زيناً لقومهم الغُرّ

ولكن شيناً طويلاً وعارا

وكأنّي أثنيكم عن قبيح

بمقالي أزيدكم إصرارا

قد سمعتم ما قال فينا رسول

ـله يتلوه مرة ومرارا

وهو الجاعل الذين تراخوا

عن هوانا من قومه كفارا

وإذا ما عصيتم في ذويه

حال منكم إقراركم إنكارا

ليس عذر لكم فيقبله الـ

الله غداً يوم يقبل الأعذارا

وغررتم بالحلم عنكم وما زيـ

ـدَ جهول بالحلم إلا اغترارا

وأخذتم عما جرى يوم بدر

وحنين فيما تخالون ثارا

حاشَ لله ما قطعتم فتيلاً

لا ولا صرتم بذاك مصارا

إن نور الاسلام ثاوٍ وما اسطا

عَ رجال أن يكسفوا الأنوارا

قد ثللنا عروشكم وطمسنا

بيد الحق تلكم الآثارا

وطردناكم عن الكفر

بالله مقاماً ومنطقاً وديارا

ثم قدناكم إلينا كما قا

دت رعاة الأنعام فينا العشارا

كم أطعتم أمراً لنا واطرحنا

ماتقولون ذلة واحتقارا

وفضلناكم وما كنتم قطّ عن

الطائلين إلا قصارا

كم لنا منكم جروح رغاب

وجروح لما يكنّ جبارا

وضِرارٌ لولا الوصية بالسلـ

ـم وبالحلم خاب ذاك ضرارا

وادعيتم الى نزارٍ وأنى

صدقكم بعد أن فضحتم نزارا

واذا ما الفروع حدنَ عن الأصـ

ـل بعيدا فما قربن نجارا

إن قوماً دنوا إلينا وشبوا

ضَرماً بيننا لهم وأوارا

ما أرادوا إلا البوار ولكن

كم حَمى الله مَن أراد البوارا

فإلى كم والتجرباتُ شعاري

ودثاري الابس الاغمار (1)

وبطيئين عن جميل فإن عنّ

قبيحٌ سعوا له إحضارا

__________________

1 - الشعار: الثوب الذي يلي البدن، والدثار فوقه، والاغمار: الحمقى والجهلاء.

٢٨٣

قسماً بالذي تساق له البد

ن ويكسى فوق الستار ستارا

وبقوم أتوا منى لا لشيء

غير أن يقذفوا بها الأحجارا

وبأيد يُرفعن في عرفات

داعيات مخوّلاً غفارا

كم أتاها مخيّب ما يرجى

فانثنى بالغاً بها الأوطارا

والمصلين عند جمع يُرجّو

ن الذي ما استجير إلا أجارا

فوق خوص كللن من بعد أن

بلّغنَ تلك الآماد والأسفارا

وأعاد الهجير والقر والروحا

تُ منها تحت الهجار هجارا

يا بني الوحي والرسالة والتطـ

ـهير من ربهم لهم إكبارا

إنكم خير من تكون له الخضـ

ـراء سقفاً والعاصفات إزارا

وإذا ما شفعتم من ذنوب الـ

ـخلق طراً كانت هباء مطارا

ولقد كنتم لدين رسول

الله فينا الأسماعَ والأبصارا

كم أداري العدا فهل في غيوب

الله يوم أخشى به وأدارى؟

وأصادي اللئامَ دهري فهل يقـ

يقضى بأن بتّ للأكارم جارا؟

وأقاسي الشدات بُعداً وقرباً

وأخوض النغمار ثم الغمارا

وأموراً يعيين للخلق لولا

أنني كنتُ في الاذى صبارا

أنا ظام وليس أنقع أن أبـ

ـصر في الناس ديمة مدرارا

وطموح الى الخيار فما تبـ

صر عيني في الخلق الا الشرارا

ليت أني طِوال هذي الليالي

نلتُ فيهن ساعة إيثارا

وإذا لم أذق من الدهر إحلا

ءً مدى العمر لم أذق إمراراً

مِيّ أنى ليَ أن أقصر اليوم عن كل

الأماني إن أملك الإقصارا؟ (1)

سالياً عن غروس أيدي الليالي

كيف شاءت وقد رأيت الثمارا

أيُ نفعٍ في أن أراها دياراً

خاليات ولا أرى دَيّارا

وسُكارى الزمان بالطمع الكا

ذب فيه أعيوا عليّ السكارى

__________________

1 - مي: ترخيم مية، منادى محذوف حرف النداء الياء.

٢٨٤

فسقى الله ما نزلتم من الأر

ض عليه الأنواءَ والأمطارا

وإذا ما اغتدى اليها قطار

فثنى الله للرواح قطارا

ما حدا راكب بركب وما

دبّ مطيّ الفلاة فيها وسارا

لست أرضى في نصركم وقد

احتجتم الى النصر مني الأشعارا

غير أني متى نصرتم بطعن

أو بضربٍ أسابق النصارا

والى أن يزول عن كفي المنـ

ـع خذوا اليوم من لساني انتصارا

واسمعوا ناظرين نصر يميني

بشبا البيض فحليَ الهدّار

فلساني يحكي حسامي طويلاً

بطويل وما الغِرار غِرارا

وأمرنا بالصبر كي يأتي الأمـ

ـر وما كلنا يطيق اصطبارا

وإذا لم نكن صبرنا اختياراً

عن مراد فقد صبرنا اضطرارا

أنا مهما جريت في مدحكم شأ

واً بعيداً فلن أخاف العثارا

وإذا ما رثيتكم بقوافيّ

سراعاً فمُرجَل الحي سارا

عاضني الله في فضائلكم علـ

ـماً بشكٍّ وزادني استبصارا

وأراني منكم وفيكم سريعاً

كل يوم ما يُعجب الأبصارا (1)

  وقال يرثي جده الحسين عليه‌السلام في عاشوراء:

يا يوم أيُ شجىً بمثلك ذاقه

عصب الرسول وصفوة الرحمن؟

جرعتهم غصص الردى حتى أرتووا

ولذعتهم بلواذع النيران

وطرحتهم بدداً بأجواز الفلا

للذئب آونةً وللعقبان

عافوا القرارَ وليس غير قرارهم

أو بردهم موتاً بحدّ طعان

منعوا الفرات وصرّعوا من حوله

من تائق للوردِ أو ظمآن

أوَ ما رأيت قراعهم ودفاعهم؟

قدماً وقد أُعروا من الأعوان

متزاحمين على الردى في موقف

حشي الظبا وأسنّة المران

__________________

1 - عن الديوان.

٢٨٥

ما إن به إلا الشجاع وطائرٌ

عنه حذار الموت كل جبان

يوم أذلّ جماجماً من هاشمٍ

وسرى الى عدنان أو قحطان

أرعى جميم الحق في أوطانهم

رعي الهشيم سوائم العدوان

وأنار ناراً لا تبوخ وربما

قد كان للنيران لون دخان

وهو الذي لم يبق من دين لنا

بالغدر قائمة من البنيان

يا صاحبيّ على المصيبة فيهم

ومشاركيّ اليوم في احزاني

قوماً خذا نار الصلا من أضلعي

إن شئتما « والماء » من أجفاني

وتعلّما أن الذي كتّمته

حذر العدا يابى على الكتمان

فلو أنني شاهدتهم بين العدا

والكفر مُعلولٍ على الإيمان

لخضبتُ سيفي من نجيع عدوهم

ومحوت من دمهم حجول حصاني

وشفيت بالطعن المبرح بالقنا

داءَ الحقود ووعكة الأضغان

ولبعتهم نفسي على ضننٍّ بها

يوم الطفوف بأرخص الأثمان

  وقال يرثي جده الحسين عليه‌السلام :

عرّج على الدارسة القَفر

ومُر دموع العين أن تجري

فلو نهيت الدمع عن سَحّه

والدار وحش لم تطع أمري

منزلة أسلمها للبلى

« عَبرُ » هبوب الريح والقطر

فجِعتُ في ظلمائها عنوةً

بطلعة الشمس أو البدر

لهفان لا من حرّ جمرِ الجوى

سكران لا من نشوَة الخمر

كأنني في جاحمٍ من شجىً

ومن دموع العين في بحر

عُجتُ بها أُنفقُ في آيها

ما كان مذخوراً من الصبر

في فتيةٍ طارت بأوطارهم

« في ذيلهم » أجنحةُ الدهر

ضيموا وسُقّوا في عِراض الأذى

ما شاءت الأعداء من مُرّ

كلّ خميص البطن بادي الطوى

ممتلئ الجلد من الضر

يَبري لِحا صَعدته عامداً

بَريَ العَصا من كان لا يبري

٢٨٦

كأنّه من طول أحزانه

يُساق من امنٍ إلى حِذر

أو مفرد أبعده أهله

عن حَيّه من شفق العُر (1)

يا صاحبي في قعر مطويةٍ

لو كان يرضى لي بالقعر

أما تراني بين أيدي العدا

ملآن من غيظ ومن وتر

تسرى إلى جلدي رقش لهم

والشر في ظلمائها يسري

مردّد في كل مكروهةٍ

أنقلٌ من نابٍ إلى ظفر

كأنني نصل بلا مقبض

أو طائر ظل بلا وكر

بالدار ظلماً غير سكانها

وقد قرى من لم يكن يَقري

والسرح يرعى في حميم الحمى

ما شاء من أوراقه الخضر

وقد خبالي الجمرَ في طيّه

لوامعٌ ينذرن بالجمر

لا تبك إن أنت بكيت الهدى

إلا على قاصمة الظهر

وأبكِ حسيناً والأولى صرّعوا

أمامَه سطراً إلى سطر

ذاقوا الردى من بعد ما ذوقوا

أمثاله بالبيض والسُمر

قتل وأسر بأبي منكم

مَن نيل بالقتل وبالأسر

فقل لقومٍ جئتهم دارهم

على مواعيدٍ من النصر

قروكم لمّا حللتم بها

ولا قرى أوعيةَ الغدر

وأطرحوا النهج ولم يَحلفوا

بما لكم في محكم الذكر

واستلبوا إرثكم منكم

من غير حقٍ بيد القسر

كسرتم الدين ولم تعلموا

وكسرة الدين بلا جبر

فيالها مظلمةً أو لجت

على رسول الله في القبر

كانه ما فك أعناقكم

بكفه من ربقِ الكفر!

ولا كساكم بعد أن كنتم

بلا رياشٍ حِبرَ الفخر

فهو الذي شاد بأركانكم

من بعد أن كنتم بلا ذكر

__________________

1 - العرّ: الجرب.

٢٨٧

وهو الذي أطلع في ليلكم

من بعد يأس غرّة الفجر

يا عُصب الله ومَن حبهم

مخيّم ما عشت في صدري

ومن أرى « ودهم » وحدَه

« زادي » إذا وُسّدتُ في قبري

وهو الذي أعددته جُنتي

وعصمتي في ساعة الحشر

حتى إذا لم أكُ في نصرةٍ

من أحدٍ كان بكم نصري

بموقف ليس به سلعة

لتاجر أنفق من بِرّ

في كل يوم لكم سيدٌ

يُهدى مع النيب الى النحر

كم لكم من بعد « شمرٍ » مرى

دمائكم في الترب من شمر

ويح « ابن سعدٍ عمرٍ » إنه

باع رسول الله بالنزر

بغي عليه في بني بنته

واستلّ فيهم أنصل المكر

فهو وإن فاز بها عاجلاً

من حطب النار ولا يدري

متى أرى حقّكم عائداً

إليكم في السر والجهر؟

حتى متى أُلوى بموعودكم

أمطل من عام الى شهر؟

لولا هَناتٌ هنّ يلوينني

لبُحتُ بالمكتوم من سرّي

ولم أكن أقنع في نصركم

بنظم أبياتٍ من الشعر

فإن تجلت غمم ركّدٌ

تركنني وعراً على وعَر

رأيتموني والقنا شرّعٌ

أبذل فيهنّ لكم نحري

على مطا طِرفٍ خفيف الشوى

كأنه القِدح من الضُمرِ (1)

تخاله قد قدّ من صخرةٍ

اوجيب اذ حبيب من الحضر (2)

أعطيكم نفسي ولا أرتضي

في نصركم بالبذل للوفر

وإن يدم ما نحن في أسره

فالله أولى فيه بالعذر

__________________

1 - المطا: الظهر، والطرف « بكسر الطاء »: الجواد من الخيل، والشوى: الاطراف والقدح: السهم، والضمر: الهزال.

2 - جيب وقدّ بمعنى واحد أي: قطع، ومنه قوله تعالى « وثمود الذين جابوا الصخر بالواد » والحضر: الحجارة.

٢٨٨

وقال في يوم عاشرواء من « سنة 430 ».

يا خليلي ومعيني

كلما رمت النُهوضا

داوِ دائي أو فعدني

مع عوّادي مريضا

فقبيح بك أن تَر

فضَ من ليس رفوضا

قد أتى من يوم عاشو

راء ما كان بغيضا

دَع نشيجي فيه يعلو

ودموعي أن تفيضا

وبناني قد خضبن الـ

ـدم من سني عضيضا

وكن الناهض للحر

بِ متى كنت نهوضا

وأجعل الجيب لدمع

من مآقيك مغيصا

إنه يوم سقينا

من نواحيه مضيضا

هزل الدين ومن فيـ

ـه وقد كان نحيضا

ورمت مجهضة من

كان في البطن جهيضا

ودع الأطراب وأسمع

من مراثيه « القريضا »

لا ترد فيه وقد أد

نسنا ثوباً رحيضا

قل لقوم لم يزالوا

في الجهالات ربوضا

غرّهم أنهم سا

دوا وما شادوا بعوضا

في غدٍ بالرغم منكم

ستردّون القروضا

سوف تلقون بناءً

لكم طال نقيضا

والذي يحلو بأفوا

هكم اليوم حميضا

وقباباً أنتم فيـ

ـها وهاداً وحضيضا

واراها عن قريبٍ

كالدبى سوداً وبيضا

وترى للبيض والبيـ

ـض عليهن وميضا

وعلى أكتادها كل

فتىً يلفى جريضا (1)

__________________

1 - الاكتاد: الظهور، والجريض: المغموم.

٢٨٩

فبهم يطمع طرف

كان بالامس غضيضا

وبهم يبرأ من كا

ن - وقد ضيموا - المريضا

وبهم يرقد طرف

لم يكن وجداً غموضا

لأباةٍ دمهم سا

لَ على الأرض غريضا

رفع الرأس على عا

لي القنا يحكي الوميضا

وأنثنى الجسم الجرد الـ

ـخيل بالعَدوِ رضيضا

حاش لي أن أن أتخلى

منهم أو أستعيضا

فسقى الله قبوراً

لهم العذب الغضيضا

وأبت إلا ثرى الأخـ

ـضر والروض الأريضا

وإليهنّ يشدّ الـ

ـقوم هاتيك الغروضا

مانحوهنّ لندب

إنما قضوا فروضا

وحَيوهنّ استلاماً

يترك الأفواه فوضى

  وقال يذكر بني أمية ويرثي جده الحسين عليه‌السلام ( وقد سقط أولها ):

كأنّ معقري مهجٍ كرامٍ

هنالك يعقرون بها العباطا

فقل لنبي زياد وآل حرب

ومَن خلطوا بغدرهم خلاطا:

دماؤكم لكم ولهم دماء

ترويها سيوفكم البَلاطا

كلوها بعد غصبكم عليها انـ

ـتهاباً وازدراداً واستراطا

فما قدّمتم إلا سَفاهاً

ولا أُمرتم إلا غلاطا

ولا كانت من الزمن المُلحّى

مراتبكم به إلا سفاطا

أنحو بني رسول الله فيكم

تقودون المسوّمة السلاطا؟

تثار كما أثرتَ الى معينٍ

لتكرع من جوانبه الغَطاطا

وما أبقَت بها الروحات إلا

ظهوراً أو ضلوعاً او ملاطا

وفوق ظهورها عُصَبٌ غضابٌ

إذا أرضيتم زادوا اختلاطا

٢٩٠

وكل مرفّع في الجو طاطٍ

ترى أبداً على كنفيه طاطا (1)

إذا شهد الكريهة لا يبالي

أشاط على الصوارم أم أشاطا

وما مد القنا إلا وخيلت

على آذان خيلهم قِراطا

وكم نِعَم لجدّهم عليكم

لقينَ بكم جحوداً أو غماطا

هُم أتكوا مرافقكم وأعطوا

جنوبكم النمارقَ والنماطا

وهم نشطوكم من كل ذُل

حَللتم وسط عَقوتِه انتشاطا

وهم سدوا مخارمكم ومدوا

على شجرات دوحكم اللياطا

ولولا أنهم حدبوا عليكم

لما طُلتم ولا حزتم ضغاطا (2)

فما جازيتم لهم جميلاً

ولا أمضيتم لهم اشتراطا

وكيف جحدتم لهم حقوقاً

تبين على رقابكم اختطاطا؟

وبين ضلوعكم منهم تراتٌ

كمرخِ القيظِ أُضرم فاستشاطا

ووتر كلما عمدت يمين

لرقعِ خروقِه زدن انعطاطا

فلا نسبٌ لكم أبداً اليهم

وهل قربى لمن قطع المناطا؟

فكم أجرى لنا عاشور دمعاً

وقطّع من جوانحنا النياطا

وكم بتنا به والليل داج

نُميط من الجوى ما لن يُماطا

يُسقّينا تذكره سماماً

ويولجنا توجّعه الوراطا

فلا حديت بكم أبداً ركابٌ

ولا رُفعت لكم أبدا سياطا

ولا رفع الزمان لكم أديماً

ولا ازددتم به إلا نحطاطا

ولا عرفت رؤوسكم ارتفاعاً

ولا ألِفت قلوبكم اغتباطا

ولا غفر الإله لكم ذنوباً

ولا جُزتم هنالِكم الصراطا

__________________

1 - الطاط: الشجاع، والباشق من الطيور.

2 - الضغاط: جمع الضغيطة وهي النبتة الضعيفة.

٢٩١

وقال يذكر مناقب أهل البيت عليهم‌السلام :

يا آل خير عباد الله كلّهم

« ومَن لهم فوق » أعناق الورى مننُ

كم تُثلمون بأيدي الناس كلهم

وكم تُعرّس فيكم دهرها المحن (1)

وكم يذودُكم عن حقّكم حنقاً

مُمَلأ الصدر بالأحقاد مُضطغن

إن الذين نضوا عنكم تراثكم

لم يغبنوكم ولكن دينهم غَبَنوا

باعوا الجنان بدارٍ لا بقاء لها

وليس لله فيما باعه ثمن

احبّكم والذي صلى الجميع له

عند البناء الذي تُهدى له البُدن

وأرتجيكم لما بعد الممات إذا

وارى عن الناس جَمعاً أعظم جبن

وإن يضلّ أناسٌ عن سبيلهم

فليس لي غير ما أنتم به سَنَن

وما أبالي اذا ما كنتم وضحاً

لناظريّ، أضاء الخلق ام دجنوا

وأنتم يوم أرمي ساعدي ويدي

وأنتم يوم يرميني العِدا الجَنن

  وقال في التوسل الى الله تعالى بأهل البيت صلوات الله عليهم:

أقلني ربي بالذين أصطفيتهم

وقلتَ « لنا »: هم خيرُ من أنا خالقُ

وإن كنت قد قصرتُ سعياً إلى التقى

فإني بهم « إن » شئتَ عندك لاحق

هم أنقذوا لمّا « فزعتُ » إليهم

وقد صمّمت نحوى « النيوب » العوارق

وهم « جذبوا » ضبعى » إليهم من الأذى

وقد طرقت « بابي » الخطوب الطوارق

ولولاهم « مانلتُ » في الدين « حُظوةً »

ولا اتّسَعَت فيه عليّ المضائق

ولا سيّرت فضلي إليها مغاربٌ

ولا طيّرته بينهنّ مشارق

ولا صيّرت قلبي من الناس كلهم

لها وطناً تأوي إليه الحقائق

__________________

1 - تعرس: تقيم من التعريس وهو نزول المسافر للاستراحة.

٢٩٢

وقال يفتخر بابائه عليهم‌السلام :

لو لم يعاجله النوى لتحيرا

وقصاره وقد انتأوا أن يقصرا

أفكلما راع الخليط تصوبت

عبرات عين لم تقلّ فتكثرا؟

قد أوقدت حرق « الفراق » صبابة

لم تستعر ومرين دمعاً ما جرى

« شعفٌ » يكتمه الحياء ولوعة

خفيت وحق لمثلها أن يظهرا

« وأبى » الركائب لم يكن « ماعلنه »

صبراً ولكن كان ذاك تصبّرا

لبين داعية النوى فاريننا

بين القباب البيض موتاً أحمرا

وبعدن بالبين المشتت ساعة

« فكأنهن » بعدن عنا أشهرا

عاجوا على ثمد البطاح وحبهم

أجرى العيون غداة بانوا أبحرا

وتنكبوا وعرَ الطريق وخلفوا

ما في الجوانح من هواهم أوعرا

أما السلو فإنه لا يهتدى

قصد القلوب وقد حشين تذكرا

قد رمت ذاك فلم أجده وحق من

فقد السبيل إلى الهدى أن يعذرا

أهلاً بطيف خيال مانعة « الحبا »

يقظى ومفضلة علينا في الكرى

ما كان أنعمنا بها من زورة

لو باعدت وقت الورود المصدرا!

جزعت لوخطات المشيب وإنما

بلغ الشباب مدى الكمال فنوّرا

والشيب إن « فكرت » فيه موردٌ

لا بدّ يورده الفتى إن عمّرا

يبيضّ بعد سواده الشعر الذي

لو لم يزره الشيب واراه الثرى

زمن الشبيبة لاعدتك تحيةٌ

وسقاك منهمر الحيا ما استغزرا

فلطالما اضحى ردائي ساحباً

في ظلك الوافي وعودي اخضرا

أيام يرمقني الغزال إذا رنا

شعفاً ويطرقني الخيال إذا سرى

ومرنّحٍ في الكور يحسب أنه اصطبح

العقار وإنما اغتبق السُرى

بطل صفاه للخداع مزلّةٌ

فإذا مشى فيه الزماع تغشمرا (1)

« إما » سألت به فلا تسأل به

« ناياً » يناغي في البطالة مزمرا

__________________

1 - تغشمر: تنمر.

٢٩٣

وأسأل به الجرد العتاق مغيرةً

يخطبن هاماً أو يطأن سنّورا

يحملن كل مدججٍ يقرى الظبا

علقاً وأنفاس السوافي عثيرا

قومي الذين وقد دجت سبُل الهدى

تركوا طريق الدين فينا مقمرا

غلبوا على الشرف التليد وجاوزوا

ذاك التليد تطرفاً وتخيرا

كم فيهم من قسورٍ متخمطٍ

يردى إذا شاء الهزبر القسورا

متنمرٍّ والحرب إن هتفت به

أدّته بسام المحيّا مسفرا

وملوّم في بذله ولطالما

أضحى جديراً في العلا أن يشكرا

ومرفع فوق الرجال تخاله

يوم الخطابة قد تسنم منبرا

جمعوا الجميل إلى الجمال وإنما

ختموا إلى المرأى الممدّح مخبرا

سائل بهم بدراً وأحداً والتي

ردّت جبين بني الضلال معفّرا

لله درّ فوارسٍ في خيبر

حملوا عن الاسلام يوماً منكرا

عصفوا بسلطان اليهود وأولجوا

تلك الجوانح لوعة وتحسرا

واستلحموا أبطالهم واستخرجوا

الأزلام من أيديهم والميسرا

وبمرحبٍ ألوى فتىً ذو جمرة

لا تصطلي وبسالةٍ « لا تُعترى »

إن حزّ حزّ مطبقاً أو قال قا

ل مصدّقاً أو رام رام « مطهّرا »

فثناه مصفرّ البنان كأنما

لطخ الحمامُ عليه صبغاً أصفرا

« تهفوا » العقاب بشلوه ولقد هفت

زمناً به شم الذوائب والذرا

أما الرسولُ فقد أبان ولاءَه

لو كان ينفع « جائراً » أن ينذرا

أمضى مقالاً لم يقله معرّضاً

وأشاد ذكراً لم يشده « مُغرّرا »

وثنى اليه رقابهم وأقامه

علماً على باب النجاة مشهرا

ولقد شفى « يوم الغدير » معاشراً

ثلجت نفوسهم « وأدوى » معشرا

« قلقت » بهم أحقادهم فمرّجعٌ

نفسأً ومانع أنةٍ أن تجهرا

يا راكباً رقصت به مهريةٌ

أشبت بساحته الهموم فاصحرا

عج « بالغريّ » فإن فيه ثاوياً

جبلاً تطأطأ فاطمأن به « الثرى »

٢٩٤

واقرا السلام عليه من كلفٍ به

كشفت له حجاب الصباح فأبصرا

فلو استطعت جعلت دار إقامتي

تلك القبور الزُهر حتى أقبرا

  ومن روائعه قوله:

ومن السعادة أن تموت وقد مضى

من قبلك الحُساد والأعداء

فبقاءُ مَن حُرِمَ المراد فناؤه

وفناء من بلغ المراد بقاء

والناس مختلفون في أحوالهم

وهم إذا جاء الردّى أكفاء

وطلاب ما تفنى وتتركه على

من ليس يشكر ما صنعت عناء

  وقوله:

أحب ثرى نجد ونجد بعيدة

ألا حبذا نجد وإن لم تفد قربا

يقولون نجد لست من شعب أهلها

وقد صدقوا لكنني منهم حُبّا

كأني وقد فارقت نجداً شقاوة

فتى ضل عنه قلبه ينشد القلبا

  وقوله في اخرى:

ولقد زادني عشية جمع

منكم زائر على الآكام

بات أشهى الى الجفون وأحلى

في منامي غبّ السرى من منامي

كدتُ لما حللتُ بين تراقيه

حراماً أحل من إحرامي

وسقاني من ريقه فسقاني

من زلال مصفق بمدام

صدّ عني بالنزر إذ أنا يقظان

وأعطى كثيره في المنام

والتقينا كما اشتهينا ولا عيب

سوى أن ذاك في الأحلام

واذا كانت الملاقاة ليلاً

فالليالي خيرٌ من الأيام

  ومن قوله في قصيدة طويلة:

أترى يؤب لنا الأبيرق

والمنى للمرء شغل

طلل لَعزة لا يزال

على ثراه دم يُطلّ

٢٩٥

فتلوا وما قتلوا وعند

هم لنا قَودٌ وعقل

قل للذين على مواعدهم

لنا خُلفٌ ومطل

كم ضامني من لا أضيم

وملّني مَن لا أمَلّ

يا عاذلاً لعتابه

كَلّ على سمعي وثِقل

ان كنت تأمر بالسلو

فقل لقلبي كيف يسلو

قلبي رهين في الهوى

ان كان قلبك منه يخلو

ولقد علمتُ على الهوى

أنّ الهوى سقمٌ وذلٌ

وتعجبتُ جَملٌ لشيب

مفارقي وتشيبُ جمل

ورأت بياضاً في سواد

ما رأته هناك قَبل

كذُبالة رفعت على

الهضبات السارين ضلّوا

لا تنكريه - ويب غيرك

فهو للجُهلاء غُلّ (1)

  وله قدس الله سره:

مولاي يا بدر كل داجية

خذ بيدي قد وقعت في اللجج

حسنك ما تنقضي عجائبه

كالبحر حدّث عنه بلا حرج

بحق من خط عارضيك ومَن

سلّط سلطانها على المهج

مدّ يديك الكريمتين معاً

ثم ادع لي من هواك بالفرج

  وقوله:

ولما تفرقنا كما شاءت النوى

تبيّن ودّ خالصٌ وتوددُ

كأني وقد سار الخليط عشيةً

أخو جنّةٍ مما أقوم وأقعد

  وله من قصيدة:

الا يا نسيم الريح من أرض بابل

تحمّل الى أهل الخيام سلامي

وقل لحبيب فيك بعض نسيمه

أما آن تسطيع رجع كلامي

__________________

1 - ويب: كلمة ويل زنة ومعنى. والغل بالضم: طوق من حديد يجعل في اليد.

٢٩٦

رضيت ولولا ما علمتم من الجوى

لما كنتُ أرضى منكم بلمام

واني لأرضى أن اكون بأرضكم

على أنني منها استفدت سقامي

  وقوله:

بيني وبين عواذلي

في الحب أطراز الرماح

أنا خارجي في الهوى

لا حكم إلا للملاح

  وقوله:

قل لمن خده من اللحظ دامٍ

رقّ لي من جوانح فيك تُدمى

يا سقيم الجفون من غير سقم

لا تلمني إن مُتّ منهن سقما

أنا خاطرت في هواك بقلب

ركب البحر فيك إما وإما

  وقوله من قصيدة:

قل لمعزٍّ بالصبر وهو خليٌ

وجميل العذول ليس جميلا

ما جهلنا أن السلو مريح

لو وجدنا الى السلو سبيلا

  وقوله من مقطوع في الشيب:

يقولون لا تجزع من الشيبب ضِلّة

وأسهمه إياي دونهم تُصمي

وقالوا أتاه الشيب بالحلم والحجى

فقلتُ بما يَبرى ويعرق من لحمي

وما سرني حلم يفيء الى الردى

كفاني ما قبل المشيب من الحلم

اذا كان يعطيني من الحزم سالباً

حياتي فقل لي كيف ينفعني حزمي

وقد جرّبت نفسي الغداة وقاره

فما شدّ من وهنى ولا سدّ من ثلمي

وإني مذ أضحى عذاري قرارُه

أُعادُ بلا سُقم وأُجفى بلا جُرم

وسيّان بعد الشيب عند حبائبي

وقفن عليه أم وقفن على رسمي

٢٩٧

أبو العلاء المعرّي

وعلى الدهر من دماء الشهيدين

ـدين علي ونجله شاهدانِ

فهما في أواخر الليل فجرا

ن وفي أولياته شفقان

ثبتا في قميصه ليجيء الـ

ـحشر مستعدياً الى الرحمن

وجمال الأوان عقب جدود

كلُ جدٍ منهم جمال اوان

يا ابن مستعرض الصفوف ببدر

ومبيد الجموع من غطفان

أحد الخمسة الذين هم الاعـ

ـراض في كل منطق والمعاني

والشخوص التي خُلقن ضياء

قبل خلق المريخ والميزان

قبل أن تخلق السماوات أوتؤ

مر أفلاكهن بالدوران

لو تاتى لنطحها حمل الشهـ

ـب تروى عن رأسه الشرطان

أو أراد السماك طعناً لها عا

د كسير القناة قبل الطعان

أو رمتها قوس السماء لزال الـ

ـعجر منها وخانها الأبرهان

أو عصاها حوت النجوم سقاه

حتفه صائد من الحدثان

وبهم فضل المليك بني حوا

ء حتى سموا على الحيوان

شرفوا بالشراف والسمر عيدا

ن اذا لم يزنّ بالخرصان

  يشير ابو العلاء الى الحديث الشريف القائل بأن الله عز وجل خلق أنوار الخمسة: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الخلق.

٢٩٨

وقوله كما أورد سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص:

أرى الأيام تفعل كل نكرٍ

فما أنا في العجائب مستزيد

أليس قريشكم قتلت حسيناً

وكان على خلافتكم يزيد (1)

  أبو العلاء المعري (2) التنوخي: أحمد بن عبد الله:

ولد بمعرة النعمان سنة 363 وتوفي بها يوم الجمعة ثاني ربيع الأول سنة 449 عن 86 سنة. ولما مات أنشد على قبره أربعة وثمانون شاعراًً مراثي من جملتها أبيات لعلي بن الهمام من قصيدة طويلة:

إن كنت لم ترقِ الدماء زهادةً

فلقد أرقت اليوم من جفني دما

سيّرتَ ذكراً في البلاد كأنه

مسك مسامعها يضمّخُ أو فما

ونرى الحجيج اذا أرادوا ليلة

ذكراك أوجب فدية مَن أحرما

  ويقول أن ذكراك طيب والطيب لا يحل لمحرم فيجب عليه فدية، والحق ان ابا العلاء فلتة من فلتات الزمن ونابغة من نوابغ العالم. اختلف الناس فيه فمن قائل، هو مسلم موحّد، وبين مَن يرميه بالالحاد واذكر حديثاً للمرحوم المصلح الشيخ محمد حسين كاشف العَطاء برهن فيه على ايمانه وتشيعه، وذكر صاحب نسخة السحر انه من شعراء الشيعة.

__________________

1 - جاء في الحديث الشريف: لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط حتى يكون أول مَن يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد.

رواه ابن حجر في مجمع الزوائد ج 5 ص 241 عن مسند أبي يعلى والبزاز وفي الصواعق المحرقة ص 132 عن مسند الروياني عن أبي الدرداء عنه صلى الله عليه وآله وسلم: أول مَن يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد.

2 - المعري: نسبة الى معرة النعمان من بلاد الشام.

٢٩٩

ومن شعره تتنسم عبير التشيع فاسمعه يقول في قصيدته:

أدنياي اذهبي وسواي إمّي

فقد ألممت ليتك لم تلّمي

وكان الدهر ظرفاً لا لحمدٍ

تؤهله العقول ولا لذِمّ

وأحسب سانح الأزميم نادى

ببين الحيّ في صحراء ذَمّ (1)

اذا بكرُ جنى فتوّق عمراً

فإن كليهما لأب وأمِّ

وخف حيوان هذي الأرض واحذر

مجيء النطح من رَوق وجُمّ (2)

وفي كل الطباع طباع نكز

وليس جميعهنّ ذوات سُمّ

وما ذنب الضراغم حين صيغت

وصيّر قوتها مما تُدّمي

فقد جُبلت على فرس وضرس

كما جبل الوفود على التنمي

ضياء لم يبن لعيون كمهٍ

وقولٌ ضاع في آذان صُمّ

لعمرك ما أسرّ بيوم فطر

ولا أضحى ولا بغدير خُم

وكم أبدى تشيّعه غويُّ

لأجل تنسّبٍ ببلاد قمّ

  ومن شعره:

لقد عجبوا لآل البيت لما

أتاهم علمهم في جلدِ جفر

ومرآة المنجّم وهي صغرى

تريه كل عامرةٍ وقفر

  وقوله كما في نسمة السحر:

أمر الواحد فافعل ما أمر

واشكر الله ان العقل أمر

أضمر الخيفة واضمر قلّ ما

ادرك الطرف المدى حتى ضمر

أيها الملحد لا تعصى النهى

فلقد صحّ قياسٌ واشتهر

إن يعد في الجسم يوما روحه

فهو كالربع خلا ثم عمر

__________________

1 - ازميم: ليلة من ليالي المحاق. والهلا اذا دق في آخر الشهر واستقوس، ذم: الهلاك.

2 - الروق: القرن، جم جمع الاجم: الكبش لا قرن له.

٣٠٠