أدب الطف الجزء ٢

أدب الطف17%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 335

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 335 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62226 / تحميل: 10349
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

سيّان عند الاله كلكم

خاذله منكم وذابحه

على الذي فاتهم بحقّهم

لعن يغاديه أو يراوحه

جهلتم فيهم الذي عرف البيـ

ـت وما قابلت أباطحه

إن تصمتوا عن دعائهم فلكم

يوم وغى لا يجاب صائحه

في حيث كبش الردى يناطح مَن

أبصر كبش الوغى يناطحه

وفي غد يعرف المخالف من

خاسر دين منكم ورابحه

وبين أيديكم حريق لظى

يلفح تلك الوجوه لافحه

إن عبتموهم بجهلكم سفها

ما ضر بدر السما نابحه

أو تكتموا فالقرآن مشكله

بفضلهم ناطق وواضحه

ما أشرق المجد من قبورهم

إلا وسكّانها مصابحه

قوم أبي حد سيف والدهم

للدين أو يستقيم جامحه

وهو الذي استأنس النبي به

والدين مذعورة مسارحه

حاربه القوم وهو ناصره

قدما وغشّوه وهو ناصحه

وكم كسى منهم السيوف دما

يوم جلاد يطيح طائحه

ما صفح القوم عندما قدروا

لمّا جنت فيهم صفائحه

بل منحوه العناد واجتهدوا

أن يمنعوه والله مانحه

كانوا خفافا الى أذيّته

وهو ثقيل الوقار راجحه

منخفض الطرف عن حطامهم

وهو الى الصالحات طامحه

بحر علوم اذا العلوم طمت

فهي بتيارها ضحاضحه

وان جروا في العفاف بذّهم

بالسبق عود الجران قارحه

يا عترة حبهم يبين به

صالح هذا الورى وطالحه

مغالق الشر أنتم يا بني أحمد

اذ غيركم مفاتحه

طبتم فان مرّ ذكركم عرضا

فاح بروح الجنان فائحه

أكاتم الحزن في محبتكم

والحزن يعيا به مكادحه

٤١

ليس سوى الدمع والاناء بما

يكون فيه لا بدّ راشحه

لو كنت في عصر دعبل عبدت

مدائحي فيكم مدائحه

  وقال:

بكاء وقلّ غناء البكاء

على رزء ذرية الانبياء

لئن ذل فيه عزيز الدمو

ع لقد عز فهي ذليل العزاء

اعاذلتي إن برد التقى

كسانيه حبي لاهل الكساء

سفينة نوح فمن يعتلق

بحبّهم معلق بالنجاء

لعمري لقد ضل رأي الهوى

بافئدة من هواها هوائي

واوصى النبي ولكن غدت

وصاياه منبذة بالعراء

ومن قبلها أمر الميتون

برد الأمور الى الاوصياء

ولم ينشر القوم غلّ الصدور

حتى طواه الردى في رداء

ولو سلّموا لامام الهدى

لقوبل معوجهم باستراء

هلال الى الرشد عالي الضياء

وسيف على الكفر ماضي المضاء

وبحر تدفق بالمعجزات

كما يتدفق ينبوع ماء

علوم سماوية لا تنال

ومَن ذا ينال نجوم السماء

وكم موقف كان شخص الحمام

من الخوف فيه قليل الخفاء

جلاه فان انكروا فضله

فقد عرفت ذاك شمس الضحاء

أراه العجاج قبيل الصباح

وردت عليه بعيد المساء

وان وتر القوم في بدرهم

لقد نقض القوم في كربلاء

مطايا الخطايا خذي في الظلام

فما همّ ابليس غير الحداء

لقد هتكت حرم المصطفى

وحلّ بهن عظيم البلاء

وساقوا رجالهم كالعبيد

وحازوا نساءهم كالاماء

فلو كان جدهم شاهدا

لتبع ظعنهم بالبكاء

٤٢

حقود تضرم بدرية

وداء الحقود عزيز الدواء

تراه مع الموت تحت اللواء

والله والنصر فوق اللواء

غداة خميس إمام الهدى

وقد عاث فيهم هزبر اللقاء

وكم انفس في سعير هوت

وهام مطيرة في الهواء

بضرب كما انقد جيب القميص

وطعن كما انحل عقد السقاء

اخيرة ربي من الخيّرين

وصفوة ربي من الاصفياء

طهرتم فكنتم مديح المديح

وكان سواكم هجاء الهجاء

قضيت بحبكم ما عليّ

اذا ما دعيت لفصل القضاء

وايقنت ان ذنوبي به

تساقط عني سقوط الهباء

فصلى عليكم آله الورى

صلاة توازي نجوم السماء

  وقال:

له شغل عن سؤال الطلل

اقام الخليط به أم رحل

فما ضمنته لحاظ الظبا

تطالعه من سجوف الكلل

ولا تستفز حجاه الخدود

بمصفرة واحمرار الخجل

كفاه كفاه فلا تعذلاه

كرّ الجديدين كرّ العذل

طوى الغيّ منتشرا في ذراه

تطفى الصبابة لما اشتعل

له في البكاء على الطاهرين

مندوحة عن بكاء الغزل

فكم فيهم من هلال هوى

قبيل التمام وبدر أفل

هم حجج الله في خلقه

ويوم المعاد على من خذل

ومَن انزل الله تفضيلهم

فردّ على الله ما قد نزل

فجدهم خاتم الانبياء

ويعرف ذاك جميع الملل

ووالدهم سيد الأوصياء

معطى الفقير ومردى البطل

٤٣

ومن علّم السمر طعن الكلا

لدى الروع والبيض ضرب القلل

ولو زالت الأرض يوم الهياج

فمن تحت اخمصه لم تزل

ومن صدّ عن وجه دنياهم

وقد لبست حليها والحلل

وكان إذا ما اضيفوا اليه

أرفعهم رتبة في مثل

سماء أضفت اليها الحضيض

وبحر قرنت اليه الوشل

وجود تعلّم منه السحاب

وحلم تولّد منه الجبل

وكم شبهة بهداه جلى

وكم خطة بحجاه فصل

وكم أطفأ الله نار الضلال

به وهي ترمي الهدى بالشعل

وكم ردّ خالقنا شمسه

عليه وقد جنحت للطفل

ولو لم تعد كان في رأيه

وفي وجهه من سناها بدل

ومن ضرب الناس بالمرهفات

على الدين ضرب غريب الابل

وقد علموا أن يوم الغدير

بغدرتهم جرّ يوم الجمل

فيا معشر الظالمين الذين

اذاقوا النبي مضيض الثكل

اتردي الحسين سيوف الطغاة

ظمآن لم يطف حر الغلل

ثوى عطشا وتنال الرماح

من دمه عَلّها والنهل

ولم يخسف الله بالظالمين

ولكنه لا يخاف العجل

لقد نشطت لعناد الرسول

أناس بها عن هداها كسل

فلا بوعدت أعين من عمى

ولا عوفيت أذرع من شلل

ويا رب وفق لي خير المقال

اذا لم أوفّق لخير العمل

ولا تقطعن املي والرجاء

فانت الرجاء وأنت الامل

٤٤

كشاجم

ابو الفتح محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك الرملي المعروف بكشاجم. نسبة الى الرملة من أرض فلسطين. وإنما لقب بكشاجم اشارة بكل حرف منها الى علم: فبالكاف الى انه كاتب، وبالشين الى انه شاعر، وبالالف الى انه اديب، وبالجيم الى انه منجم، وبالميم الى انه متكلم. فكان كاتباً شاعراً اديبا جامعا منجما، وكان مؤلفا صنف في افانين العلوم. ذكره ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت عليهم‌السلام المجاهرين وله قصائد في مدح آل محمد (ع)، وجمع ديوانه ابو بكر محمد بن عبد الله الحمدوني مرتبا على الحروف والحق به بعد ما تم جمعه زيادات اخذها عن ابي الفرج بن كشاجم سماه ( الثغر الباسم من شعر كشاجم ) مطبوع.

ذكر صاحب شذرات الذهب انه توفي سنة ٣٦٠.

اما الزر كلي في الاعلام فيقول: انه توفي سنة ٣٥٠.

قال الشيخ القمي في الكنى أقول: كانت عمة والد كشاجم اخت السندي من المحبين لاهل البيت (ع) وكانت تلي خدمة موسى بن جعفر (ع) لما كان في محبس السندي. قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد اخبرنا الحسن بن محمد العلوي قال: حدثني جدي حدثني عمار بن ابان قال: حبس ابو الحسن

٤٥

موسى بن جعفر عند السندي فسألته اخته ان تتولى حبسه وكانت تتدين - ففعل، فكانت في خدمته، فحكى لنا انها قالت: كان اذا صلى العتمة حمد الله ومجّده ودعاه فلم يزل كذلك حتى يزول الليل فاذا زال الليل قام يصلي حتى يصلي الصبح ثم يذكر قليلاً حتى تطلع الشمس ثم يقعد الى ارتفاع الضحى ثم يتهيأ ويستاك ويأكل ثم يرقد الى قبل الزوال ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة. فكان هذا دأبه، فكانت اخت السندي اذا نظرت اليه قالت: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل وكان عبدا صالحاً ( انتهى ).

٤٦

طلحة بن عبيد الله العَوني المصري

ابو محمد العوني المصري يرثي الحسين عليه‌السلام :

فيا بضعة من فواد النبي‏

بالطف أضحت كثيبا مهيلا

ويا كبداً من فواد البتول

بالطف شُلّت فأضحت أكيلا

قتلت فابكيت عين الرسول

وأبكيت من رحمة جبرئيلا

  وقال:

لم انس يوما للحسين وقد ثوى‏

بالطف مسلوب الرداء خليعا

ظمآن من ماء الفرات معطّشا

ريّان من غصص الحتوف نقيعا

يرنو الى ماء الفرات بطرفه

فيراه عنه محرما ممنوعا

  وقال:

غصن رسول الله أحكم غرسه‏

فعلا الغصون نضارة وتماما

والله ألبسه المهابة والحجى

وربا به أن يعبد الاصناما

ما زال يغذوه بدين محمد

كهلا وطفلا ناشئا وغلاما

  وقال:

يا قمرا غاب حين لاحا‍‍

أورثني فقدك المناحا

يا نوب الدهر لم يدع لي

صرفك من حادث صلاحا

أبعد يوم الحسين ويحيى

أستعذب اللهو والمزاحا؟!

٤٧

كربت كي تهتدي البرايا

به وتلقى به النجاحا

فالدين قد لفّ بردتيه

والشرك القى لها جناحا

فصار ذاك الصباح ليلا

وصار ذاك الدجى صباحا

فجاء إذا جاءهم تنحّوا

لكي يريها الهدى الصراحا

حتى إذا جاءهم تنحّوا

لا بل نحو قتله اجتياحا

وأنبتوا البيد بالعوالي

والقضب واستعجلوا الكفاحا

فدافعت عنه أولياه

وعانقوا البيض والرماحا

سبعون في مثلهم ألوفا

فاثخنوا بينهم جراحا

ثم قضوا جملة فلاقوا

هناك سهم القضا المتّاحا

فشد فيهم أبو علي

وصافحت نفسه الصفاحا

يا غيرة الله لا تغيثي

منهم صياحا ولا ضباحا

ثم انثنى ظامئا وحيدا

كما غدا فيهم وراحا

ولم يزل يرتقي الى ان

دعاه داعي اللقا فصاحا

دونكم مهجتي فاني

دُعيت أن أرتقي الضراحا

فكلكلوا فوقه، فهذا

يقطع رأسا وذا جناحا

يا بأبي أنفسا ظماء

ماتت ولم تشرب المباحا

يا بأبي أجسما تعرّت

ثم اكتست بالدمها وُشاحا

يا سادتي با بني عليّ

بكى الهدى فقدكم وناحا

أو حشتم الحِجر والمساعي

آنستم القفر والبطاحا

أو حشتم الذكر والمثاني

والسور الطوال الفصاحا

لا سامح الله مَن قَلاكم

وزاد أشياعكم سماحا

٤٨

أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن محمد بن أبي عون الغساني (١) المعروف بالعوني المصري:

توفي حوالي سنة ٣٥٠ بمصر.

عدّه ابن شهر اشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين قال وقد نظم أكثر المناقب ويسمونه بالغلو قال السيد الأمين في الاعيان: قلت ذكروا في احوال أحمد بن منير الاطرابلسي انه كان في اول أمره ينشد شعر العوني في أسواق طرابلس.

وعن العمدة لأبن رشيق هو أول من نظم الشعر المسمى بالقواديسي وأورد له في المناقب قوله من أبيات:

ولولا حجة في كل وقت‏

لاضحى الدين مجهول الرسوم

وحار الناس في طخياء منها

نجونا بالأهلة والنجوم

  وله:

يا صاحبيّ رحلتما وتركتما

قلبي رهين تصبر وتصابي

أبكي وفاءكما وأندبه كما

يبكي المحب معاهد الأحباب

  أخذهما المتنبي منه - كما عن العميدي في الابانة عن سرقات المتنبي فأشكل

__________________

١ - غسان: ماء باليمن تنسب اليه قبائل. وما بالشلل قريب من الجحفة:

٤٩

معنا هما بقوله:

وفاؤكما كالربع اشجاء طاسمه

بأن تسعدا والدمع أسقاه ساجمه

  حتى ان الناظر لا يفهم معنى هذا البيت الا بعد سماعهما.

وله في الائمة عليهم‌السلام أكثر من عشرة آلاف بيت.

قال الشيخ الأميني سلمه الله: وشعره في أهل البيت عليهم‌السلام مدحا ورثاءا مبثوت في ( المناقب ) لابن شهر اشوب و ( روضة الواعظين ) لشيخنا الفتال و ( الصراط المستقيم ) لشيخنا البياضي.

وقد جمعنا من شعره ما يربو على ثلثمائة وخمسين بيتا، وجمعه ورتّبه العلامة السماوي في ديوان، ومما رتبه قصيدته المعروفة بالمذهبة توجد في ( مناقب ابن شهر اشوب ) ناقصة الأطراف. انتهى.

٥٠

ابو القاسم الزاهي الشاعر، رواها ابن شهر اشوب في المناقب:

اعاتب نفسي اذا قصّرت

وأفنى دموعي اذا ما جرت

لذكراكم يا بني المصطفى

دموعي على الخد قد سُطّرت

لكم وعليكم جفت غمضها

جفوني عن النوم واستشعرت

أمثل اجسامكم بالعراق

وفيها الأسنة قد كسّرت

أمثلكم في عراص الطفوف

بدوراً تكسّف إذ أقمرت

غدت ارض يثرب من جمعكم

كخط الصحيفة إذ أقفرت

واضحى بكم كربلاء مغربا

لزهر النجوم اذا غورت

كأني بزينب حول الحسين

ومنها الذوائب قد نشرت

تمرّغ في نحره شعرها

وتبدي من الوجد ما أضمرت

وفاطمة عقلها طائر

اذا السوط في جنبها أبصرت

وللسبط فوق الثرى شيبة

بفيض دم النحر قد عفرت

ورأس الحسين امام الرماح

كغُرّة صبح اذا أسفرت

  وله يرثيه عليه‌السلام :

لست أنسى الحسين في كربلاء‏

وحسين ظام فريد وحيد

ساجد يلثم الثرى وعليه

قضب الهند ركع وسجود

يطلب الماء والفرات قريب

ويرى الماء وهو عنه بعيد

٥١

وقال:

يا آل احمد ماذا كان جرمكم

فكل أرواحكم بالسيف تنتزع

تلفى جموعكم شتّى مُفرّقة

بين العباد وشمل الناس مجتمع

وتستباحون أقمارا منكّسة

تهوى وأرؤسها بالسمر تقترع

ألستم خير من قام الرشاد بكم

وقوّضت سنن التضليل والبدع؟!

ووُحّد الصمد الاعلى بهديكم

إذ كنتم علما للرشد يتّبع؟

ما للحوادث لا تجري بظالمكم؟

ما للمصائب عنكم ليس ترتدع

منكم طريد ومقتول على ظمأ

ومنكم دنف بالسمر مُنصرع

وهارب في أقاصي الغرب مغترب

ودارع بدم اللبات مندرع

ومقصد من جدار ظل منكدرا

وآخر تحت ردم فوقه يقع

ومن محرّق جسم لا يُزار له

قبر ولا مشهد يأتيه مرتدع

وإن نسيت فلا أنسى الحسين وقد

مالت إليه جنود الشرك تقترع

فجسمه لحوامي الخيل مطرّد

ورأسه لسنان السمر مرتفع

  وله في رثائهم سلام الله عليهم قوله:

بنو المصطفى تفنون بالسيف عنوة‏

ويسلمني طيف الهجوع فأهجع؟

ظلمتم وذُبّحتم وقسّم فيثكم

وجار عليكم من لكم كان يخضع

فما بقعة في الأرض شرقا ومغربا

وإلا لكم فيه قتيل ومصرع

  وقال:

إبكي يا عين ابكي آل رسول

الله حتى تخد منك الخدود

وتقلّب يا قلب في ضَرم الحزن

فما في الشجا لهم تفنيد

فهم النخل باسقات كما قال

سوام لهن طلع نضيد

وهم في كتاب زيتونة النور

وفيها لكل نار وقود

٥٢

وبأسمائهم إذا ذكر الله

بأسمائه اقتران أكيد

غادرتهم حوادث الدهر صرعى

كل شهم بالنفس منه يجود

لست أنسى الحسين في كربلاء

وهو ظام بين الأعادي وحيد

ساجد يلثم الثرا وعليه

قضب الهند رُكّع وسجود

يطلب الماء والفرات قريب

ويرى الماء وهو عنه بعيد

يا بني الغدر مَن قتلتم؟ لعمري

قد قتلتم مَن قام فيه الوجود

٥٣

عليّ بن اسحاق الزاهي الشاعر

ابو القاسم علي بن اسحاق بن خلف البغدادي المعروف بالزاهي الشاعر المشهور.

ولد يوم الاثنين لعشر بقين من صفر سنة ٣١٨ وتوفي يوم الأربعاء لعشر بقين من جمادي الآخرة سنة ٣٥٢ ببغداد ودفن في مقابر قريش.

والزاهي نسبة الى قرية ( زاه ) من قرى نيسابور وبعضهم قال إنما لقب الزاهي لأنه أول من زها في شعره (١) وذكره ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت عليهم‌السلام المجاهرين فقال: ابو القاسم الزاهي الشامي وصاف، وذكره عميد الدولة ابو سعيد بن عبد الرحيم في طبقات الشعراء قال: وشعره في أربعة اجزاء واكثر شعره في أهل البيت ومدح سيف الدولة والوزير المهلبي وغيرهما من رؤساء وقته وذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان فقال: كان وصّافا محسنا كثير الملح، وذكره الخطيب في تاريخ بغداد وأشار الى انه كان قطاناً وروى له السيد الأمين في الأعيان بعض اشعاره في الغزل والوصف.

فمن شعره قوله:

فوجهك نزهة الابصار حسنا‏

وصوتك متعة الاسماع طيبا

رنا ظبياً وغنّى عندليباً

ولاح شقائقا ومشى قضيبا

__________________

١ - وهو الاصوب لأنه بغدادي، وقرية الزاه بنيشابور، فأين هو منها.

٥٤

وقوله:

ارى الليل يمضي والنجوم كأنها

عيون الندامى حين مالت الى الغمض

وقد لاح فجر يغمر الجو نوره

كما انفرجت بالماء عين على الارض

  ومن شعر الزاهي في مدح امير المؤمنين:

دع الشناعات ايها الخدعة

واركن الى الحق واغد متّبعه

مَن وحّد الله أولا وأبى

إلا النبي الاميّ وأتّبعه

مَن قال فيه النبي: كان من الـ

ـحق عليّ والحق كان معه

مَن سلّ سيف الإله بينهم

سيفا من النور ذو العلى طبعه

مَن هزم الجيش يوم خيبرهم

وهزّ باب القموص فاقتلعه

مَن فرض المصطفى ولاه على

الخلق بيوم « الغدير » إذ رفعه

أشهد أن الذي نقول به

يعلم بطلانه الذي سمعه

  وقال يمدحه:

أُقيم نجم للخلافة حيدر

ومن قبل قال الطهر ما ليس ينكر

غداة دعاه المصطفى وهو مزمع

لقصد تبوك وهو للسير مضمر

فقال: أقم عنّى بطيبة واعلمن

بأنك للفجّار بالحق تهر

ولمّا مضى الطهر النبيّ تظاهرت

عليه رجال بالمقال وأجهروا

فقالوا: عليّ قد قلاه محمد

وذاك من الأعداء إفك ومنكر

فأتبعه دون المعرس فانثنى

وقالوا: عليّ قد أتى فتأخروا

ولمّا أبان القول عمّن يقوله

وأبدى له ما كان يبدي ويضمر

فقال: أما ترضى تكون خليفتي

كهارون من موسى؟ وشأنك أكبر

وعلاه خير الخلق قدرا وقدرة

وذاك من الله العليّ مقدّر

وقال رسول الله: هذا إمامكم

له الله ناجى أيها المتحيّر

٥٥

ومن شعر الزاهي في الامام امير المؤمنين عليه‌السلام رواها الأميني في الغدير:

لا يهتدي الى الرشاد من فحص

إلا إذا والى عليّا وخلص

ولا يذوق شربة من حوضه

من غمس الولا عليه وغمص

ولا يشم الرَوح من جنانه

مَن قال فيه مَن عداه وانتقص

نفس النبي المصطفى والصنو والـ

ـخليفة الوارث للعلم بنص

مَن قد أجاب سابقا دعوته

وهو غلام والى الله شخص

ما عرف اللات ولا العزّى ولا

انثنى اليهما ولا حب ونص

مَن ارتقى متن النبي صاعدا

وكسّر الأوثان في أولى الفرص

وطهّر الكعبة من رجس بها

ثمّ هو للأرض عنها وقمص

مَن قد فدا بنفسه محمدا

ولم يكن بنفسه عنه حرص

وبات من فوق الفراش دونه

وجاد فيما قد غلا وما رخص

مَن كان في بدر ويوم أحد

قطّ من الأعناق ما شاء وقص

فقال جبريل ونادى: لا فتى

إلا عليّ عمّ في القول وخص

مَن قدّ عمرو العامريّ سيفه

فخرّ كالفيل هوى وما قحص

وراءها صاح: ألا مبارز

فالتوت الأعناق تشكو من وقص (١)

مَن أعطى الراية يوم خيبر

من بعد ما بها أخو الدعوى نكص

وراح فيها مبصرا مستبصرا

وكان أرمدا بعينيه الرمص

فاقتلع الباب ونال فتحه

ودكّ طود مرحب لمّا قعص

من كسح البصرة من ناكثها

وقصّ رجل عسكر بما رقص

وفرق المال وقال: خمسة

لواحد. فساوت الجند الحصص

وقال في ذي اليوم يأتي مدد

وعدّه فلم يزد وما نقص

ومّن بصفّين نضا حسامه

ففلق الهام وفرّق القصص (٢)

__________________

١ - الوقص: الكسر.

٢ - عظام الصدر.

٥٦

وصدّ بن عمرو وبسر كرماً

إذ لقيا بالسوأتين من شخص

ومن أسال ( النهروان ) بالدما

وقطّع العرق الذي بها رهص

وكذّب القائل أن قد عبروا

وعدّ مَن يحصد منهم ويحص

ذاك الذي قد جمع القرآن في

أحكامه الواجبات والرُخص

ذاك الذي آثر في طعامه

على صيامه وجاد بالقُرص

فأنزل الله تعالى هل اتى

وذكر الجزاء في ذاك وقص

ذاك الذي أستوحش منه أنس

أن يشهد الحق فشاهد البرص

إذ قال: مَن يشهد بالغدير لي

فبادَر السامع وهو قد نكص

فقال: أنسيت. فقال: كاذب

سوف ترى مالا تواريه القمص

يا بن أبي طالب يا من هو من

خاتم الانبياء في الحكمة فص

فضلك لا ينكر لكن الولا

قد ساغه بعض وبعض فيه غص

فذكره عند مواليك شفا

وذكره عند معاديك غُصص

كالطير بعض في رياض أزهرت

وابتسم الورد وبعض في قفص

  وله في مدح أهل البيت عليهم‌السلام قوله، رواها الأميني في الغدير:

يا لائمي في الولا هل أنت تعتبر

بمن يوالي رسول الله أو يذر؟

قوم لو أن البحار تنزف بالأ

قلام مشقا وأقلام الدنا شجر

والإنس والجن كتّاب لفضلهم

والصحف ما احتوت الآصال والبكر

لم يكتبوا العشر بل لم يعد جهدهم

في ذلك الفضل إلا وهو محتقر

أهل الفخار وأقطاب المدار ومن

أضحت لأمرهم الايام تأتمر

هم آل أحمد والصيد الجحاجحة الز

هر الغطارفة العلويّة الغرر

والبيض من هاشم والأكرمون أولوا

الفضل الجليل ومن سادت بهم مضر

فافطن بعقلك هل في القدر غيرهم

قوم يكاد إليهم يرجع القدر

اعطوا الصفا نهلا أعطوا البنوة من

قبل المزاج فلم يلحق بهم كدر

وتوجوا شرفا ما مثله شرف

وقلّدوا خطرا ما مثله خطر

٥٧

حسبي بهم حججاً لله واضحة

يجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

هم دوحة المجد والأوراق شيعتهم

والمصطفى الاصل والذريّة الثمر

  وقوله:

يا سادتي يا آل ياسين فقط

عليكم الوحي من الله هبط

لولاكم لم يقبل الفرض ولا

رحنا لبحر العفو من أكرم شط

أنتم ولاة العهد في الذر ومن

هواهم الله علينا قد شرط

ما أحد قايسكم بغيركم

ومازج السلسل بالشرب اللمط

إلا كمن ضاهى الجبال بالحصا

أو قايس الأبحر جهلا بالنقط

  * * *

صنو النبيّ المصطفى والكاشف الـ‏

ـغمّاء عنه والحسام المخترط

أوّل من صام وصلّى سابقاً

إلى المعالي وعلى السبق غبط

  * * *

وكلّم الشمس ومَن رُدّت له

ببابل والغرب منها قد قبط

وراكض الأرض ومن أنبع للعـ

ـسكر ماء العين في الوادي للقحط

بحر لديه كل بحر جدول

يغرف من تيّاره إذا اغتمط

وليث غاب كل ليث عنده

ينظره العقل صغيرا إذ قلط

باسط علم الله في الأض ومَن

بحبّه الرحمن للرزق بسط

سيف لو أن الطفل يلقى سيفه

بكفّه في يوم حرب لشمط

يخطو إلى الحرب به مدرّعاً

فكم به قد قدّ من رجس وقط

  وللزاهى:

توليت خير الخلق بدء وآخرا

والقيت رحلي في حماهم مجاورا

٥٨

هم الآل آل الله والقطب الذي

بهم فلك التوحيد اصبح دائرا

أئمة حق خاتم الرسل جدهم

ووالدهم من كان للحق ناصرا

علي امير المؤمنين الذي اغتدى

الى قرنه بالسيف لا زال باترا

وأمهم الزهراء أكرم برّة

غدا قلبها مضنى على الوجد صابرا

فمنهم قتيل السم ظلما ومنهم

امام له جبريل يكدح زائرا

قتيل بأرض الطف أروت دماؤه

رماح الأعادي والسيوف البواترا

ومنهم أخو المحراب سجاد ليله

وباقر بطن العلم افديه باقرا

وسادسهم ياقوته العلم جعفر

إمام هدى تلقاه بالعدل آمرا

وسابعهم موسى ابو العلم الرضا

ومن لم يزل بالفضل للخلق غامرا

وثامنهم مرسي خراسان مَن به

طفقت حزينا للهموم مساورا

وتاسعهم زين الانام محمد

أبو علم للقوم اصبح عاشرا

ومنهم امام سر من را محلّه

اقام لحادي العشر منهم مجاورا

وآخرهم مهدي آل محمد

فكان لعقد الفاطمين آخرا

عليهم سلام الله لا زال ممسيا

يواصل اجداثا لهم ومباكرا

ولا زالت الاكباد منا اليهم

تحن حنين الفاقدات زوافرا

وأعيننا تجري دموعا عليهم

لما كابدوا تلك الملوك الجبابرا

وسوف يديل الله من كل ظالم

بقائم عدل يعلن الحق ظاهرا

وانا لنرجو الله بالحزن والبكا

لهم ان يحط السيئات الكبائرا

ويرزقنا فيهم شفاعة جدهم

فانا اتخذناها لتلك ذخائرا

  قال السيد الامين في الاعيان: وله في امير المؤمنين عليه‌السلام :

ما زلت بعد رسول الله منفردا‏

بحراً يفيض على الوراد زاخره

أمواجه العلم والبرهان لجتّه

والحلم شطاه والتقوى جواهره

٥٩

وله في مدح الإمام عليه‌السلام :

وآل عليا واستضيء مقباسه

تدخل جناناً ولتسقى كأسه

فمن تولاه نجا ومَن عَدا

ما عرف الدين ولا أساسه

أول من قد وحّد الله وما

ثنى إلى الأوثان يوما رأسه

فدى النبي المصطفى بنفسه

إذ ضيقت أعداؤه أنفاسه

بات على فرش النبي آمنا

والليل قد طافت به أحراسه

حتى إذا ما هجم القوم على

مستيقظ بنصله أشماسه

ثار إليهم فتولّوا فرقاً

يمنعهم عن قربه حماسه

مكسّر الأصنام في البيت الذي

ازيح عن وجه الهدى غماسه

رقى على الكاهل من خير الورى

والدين مقرون به أنباسه

ونكّس اللات والقى هَبَلا

مهشماً يقلبه انتكاسه

وقام مولاي على البيت وقد

طهّره إذ قد رمى أرجاسه

وفي ديوان ابي القاسم علي بن اسحاق

ابن خلف الزاهي البغدادي المخطوط

قصائد هذه أوائلها وكلها في اهل البيت عليهم‌السلام .

١ - قد تركتني مصائبي حِرضا‏

ما سغت ريقا بها ولا جرضا

٢ - ساقها شوق الى طو

س ومن تحميه طوس

٣ - يا ابا السبطين وجدي عليكم

في مسائي مضرم وابتكاري

٤ - ايا صاحبي قد قطعنا الطريقا

وانت تحاول ما لن يليقا

  ونتف تتألف من خمسة أبيات واقل وأكثر قد جمعها المرحوم الشيخ محمد السماوي ونضدّها بخطه:

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

مُفْسِدِينَ ) (1) .

ثمّ إنّنا نلاحظ أيضا أنّ جماعة الأغنياء والمترفين ذوي الظاهر الحسن ، والباطن القبيح الخبيث ، الذين عبر عنهم بالملإ أخذوا بزمام المعارضة لهذا النّبي الإلهيّ العظيم ، وحيث أنّ عددا كبيرا من أصحاب القلوب الطيبة والأفكار السليمة كانت ترزح في أسر الأغنياء والمترفين ، قد قبلت دعوة النّبي صالح واتبعته ، لهذا بدأ الملأ بمخالفتهم لهؤلاء المؤمنين.

فقال الفريق المستكبر من قوم صالح للمستضعفين الذين آمنوا بصالح : هل تعلمون يقينا أنّ صالحا مرسل من قبل الله( قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ ) .

على أنّ الهدف من هذا السؤال لم يكن هو تحري الحق ، بل كانوا يريدون بإلقاء هذه الشبهات زعزعة الإيمان في نفوس من آمن ، وإضعاف معنوياتهم ، وظنا منهم بأن هذه الجماهير ستطيعهم وتكف عن متابعة صالح وحمايته ، كما كانت مطيعة لهم يوم كانت تحت سيطرتهم ونفوذهم.

ولكن سرعان ما واجهوا ردّ تلك الجموع المؤمنة القاطع ، الكاشف عن إرادتها القوية وعزمها على مواصلة طريقها ، حيث قالوا : إنّنا لسنا نعتقد بأنّ صالحا رسول من قبل الله فحسب ، بل نحن مؤمنون أيضا بما جاء به( قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ) .

ولكن هؤلاء المغرورين المتكبرين لم يكفوا عن عملهم ، بل عادوا مرّة أخرى إلى إضعاف معنوية المؤمنين( قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ) . وكانت هذه محاولة منهم لجرّ هؤلاء المستضعفين الى صفوفهم مرّة

__________________

(1) «تعثوا» مشتقة من مادة «عثى» معنى إيجاد الفساد ، غاية ما هنالك أنّ هذه المادة تستعمل في الأغلب في المفاسد الأخلاقية والمعنوية ، في حين تطلق مادة «عبث» على المفاسد الحسية ، وبناء على هذا يكون كلمة «المفسدين» بعد جملة «لا تعثوا» لغرض التأكيد ، لأنّ كليهما يعطيان معنى واحدا.

١٠١

أخرى.

كانوا المقدّمين في المجتمع والأسوة للآخرين على الدوام بما كانوا يتمتّعون به من قوة وثراء ، لهذا كانوا يظنون أنّهم بإظهار الكفر سيكونون أسوة للآخرين أيضا ، وأن الناس سوف يتبعونهم كما كانوا يفعلون ذلك من قبل ، ولكنّهم سرعان ما وقفوا على خطأهم ، وعلموا أنّ الناس قد اكتسبوا بالإيمان بالله على شخصيّة حضارية جديدة واستقلال فكري ، وقوة إرادة.

والجدير بالانتباه أنّ الأغنياء والملأ وصفوا في الآيات الحاضرة بالمستكبرين ، ووصفت الجماهير الكادحة المؤمنة بالمستضعفين ، وهذا يفيد الفريق الأوّل قد وصلوا بشعورهم بالتفوق ، وغصب حقوق الناس واستغلالهم إلى مرتبة ما يسمى في لغة العصر بـ «الطبقة المستغلّة» ، والفريق الآخر بالطبقة المستغلّة.

عند ما يئس الملأ والأغنياء المستكبرون من زعزعة الإيمان في نفوس الجماهير المؤمنة بصالحعليه‌السلام ، ومن جانب آخر رأوا أنّ وساوسهم وشائعاتهم لا تجدي نفعا مع وجود «الناقة» التي كانت تعدّ معجزة صالحعليه‌السلام ، لهذا قرّروا قتل الناقة ، مخالفين بذلك أمر ربّهم( فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ) (1) .

ولم يكتفوا بهذا أيضا ، بل أتوا إلى صالح نفسه وبصراحة( قالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) .

يعني أنّنا لا نخاف تهديداتك مطلقا ، وأن هذه التهديدات جميعها لا أساس لها والحقيقة أنّ هذا الكلام نوع من الحرب النفسية ضد صالحعليه‌السلام ، بهدف إضعاف روحيته وروحية المؤمنين به.

وعند ما وصل المعارضون بطغيانهم وتمرّدهم إلى آخر درجة ، وأطفأوا في

__________________

(1) المراد من العقر هو قطع عصب خاص خلف رجل الناقة أو الفرس هو سبب حركتها ، فإذا قطع سقط الحيوان ، وفقد القدرة على الحركة ، والتنقل.

١٠٢

نفوسهم آخر بارقة أمل في الإيمان ، حلّت بهم العقوبة الإلهية طبقا لقانون انتخاب الأصلح ، وإهلاك ومحو الكائنات الفاسدة والمفسدة( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ ) .

إنّها كانت زلزلة ورجفة عظيمة تهاوت على أثرها قصورهم وبيوتهم القوية ، واندثرت حياتهم الجميلة ، حتى أنّه لم يبق منهم إلّا أجساد ميتة هكذا أصبحوا.

و «جاثم» في الأصل مشتق من مادة «جثم» بمعنى القعود على الركب ، والتوقف في مكان واحد ، ولا يبعد أن يكون هذا التعبير إشارة إلى أنّ الزلزلة والرجفة جاءتهم وهم في حالة نوع هنيئة ، فجلسوا على أثرها فجأة ، وبينما كانوا قاعدين على ركبهم لم تمهلهم الرجفة ، بل ماتوا وهم على هذه الهيئة ، إمّا خوفا ، وإمّا بسبب انهيار الجدران عليهم ، وإمّا بفعل الصاعقة التي رافقت الزلزال!!

بأيّ شيء أهلك قوم ثمود :

وهنا يطرح سؤال وهو : يستفاد من الآية الحاضرة أنّ الشيء الذي أهلك هؤلاء المتمردون كان هو الزلزال ، ولكن يظهر من الآية (13) من سورة فصلت أنّه كان الصاعقة ، بينما نقرأ في الآية (15) من سورة الحاقة( فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ) يعني أنّ قوم ثمود اهلكوا بشيء مدمّر ، فهل هناك تناقض بين هذه التعابير؟

إنّ الجواب على هذا السؤال يمكن أن يلخص في جملة واحدة ، وهي جميع هذه العبارات ترجع إلى معنى واحد ، أو أنّه يلازم بعضها بعضا ، فكثيرا ما تحدث الرجة الأرضية في منطقة ما بفعل صاعقة عظيمة ، أي أنّه تحدث صاعقة أوّلا ، ثمّ تحدث على أثرها رجة أرضية.

وأمّا «الطاغية» فهي بمعنى كائن تجاوز عن حدّه ، وهذا ينسجم مع الزلزلة وكذا مع الصاعقة ، ولهذا فلا يوجد أي تناقض بين الآيات.

١٠٣

وفي آخر آية من الآيات المبحوثة يقول :( فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) أي بعد هذه القضية تولى صالح وهو يقول : لقد أديت رسالتي إليكم ، ونصحت لكم ولكنّكم لا تحبّون من ينصحكم.

وهنا يطرح سؤال آخر ، وهو : هل كلام صالح هذا كان بعد هلاك المتمردين من قومه ، أو أنّ هذا الكلام هو الحوار الأخير الذي جرى بينه وبين قومه قبيل هلاك القوم وموتهم ، أي بعد إتمام الحجّة عليهم ولكن ذكر في عبارة القرآن بعد قضية هلاكهم وموتهم بالرجفة؟

هناك احتمالان : والحقيقة أنّ الاحتمال الثّاني أنسب مع ظاهر الخطاب ، لأنّ الحديث مع قوم ثمود يفيد أنّهم كانوا أحياء. ولكن الاحتمال الأوّل هو أيضا غير بعيد ، لأنّه كثيرا ما تتم محادثة أرواح الموتى بمثل هذا الكلام ليعتبر الباقون الحاضرون ، تماما كما نقرأ نظير ذلك في تاريخ الإمام عليعليه‌السلام فإنّهعليه‌السلام وقف ـ بعد معركة الجمل ـ عند جسد طلحة وقال : «ويل أمّك ، طلحة! لقد كان لك قدم لو نفعك ، ولكن الشيطان أضلك فأزلك ، فعجلك إلى النّار».(1)

كما نقرأ ـ أيضا ـ في أواخر نهج البلاغة أنّ الإمام علياعليه‌السلام عند ما عاد من معركة صفّين وقف عند مدخل الكوفة والتفت إلى مقابر الموتى ، فسلّم على أرواح الماضين أوّلا ، ثمّ قال : «أنتم السابقون ونحن اللاحقون».

* * *

__________________

(1) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، ج 1 ، ص 248.

١٠٤

الآيات

( وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) )

التّفسير

مصير قوم لوط المؤلم :

في هذه الآيات يستعرض القرآن الكريم فصلا آخر غنيا بالعبر من قصص الأنبياء ، وبذلك يواصل هدف الآيات السابقة ويكمله ، والقصة هذه المرّة هي قصة النّبي الإلهي العظيم «لوط».

ولقد ذكرت هذه القصة في عدّة سور من القرآن الكريم ، منها سورة «هود» و «الحجر» و «الشعراء» و «الأنبياء» و «النمل» و «العنكبوت».

وهنا يشير القرآن الكريم ـ ضمن آيات خمس ـ إلى خلاصة سريعة عن

١٠٥

الحوار الذي دار بين لوط ، وقومه.

ويظهر أنّ الهدف الوحيد في هذه السورة (الأعراف) هو تقديم عصارات وخلاصات من مواجهات الأنبياء وحواراتهم مع الجماعات المتمردة من أقوامهم ، ولكن الشرح الكامل لقصصهم موكول إلى السور القرآنية الأخرى (وسوف نأتي بقصّة هذه الجماعة بصورة مفصلة في سورة هود والحجر إن شاء الله).

الآية الأولى تقول في البدء : اذكروا وإذ قال لوط لقومه : أترتكبون فعلا قبيحا لم يفعله أحد قبلكم من الناس؟( وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ ) ؟!

فهذه المعصية مضافا إلى كونها عملا قبيحا جدّا ـ لم يفعلها أحد قبلكم من الأقوام ـ وبذلك يكون قبح هذا العمل الشنيع مضاعفا ، لأنّه أصبح أساسا لسنّة سيئة ، وسببا لوقوع الآخرين في المعصية عاجلا أو آجلا.

ويستفاد من الآية الحاضرة أنّ هذا العمل القبيح ينتهي ـ من الناحية التأريخية ـ إلى قوم لوط ، وكانوا قوما أثرياء مترفين شهوانيين ، سنذكر أحوالهم بالتفصيل في السور التي أشرنا إليها إن شاء الله تعالى.

وفي الآية اللاحقة يشرح المعصية التي ذكرت في الآية السابقة ويقول :( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ ) .

وأي انحراف أسوأ وأقبح من أن يترك الإنسان وسيلة توليد النسل وإنجاب الأولاد ، وهو مقاربة الرجل للمرأة ، والذي أودعه الله في كيان كل إنسان بصورة غريزية طبيعية ، ويعمد إلى «الجنس الموافق» ، ويفعل بالتالي ما يخالف ـ أساسا ـ الفطرة ، والتركيب الطبيعي للجسم والروح الإنسانيين ، والغريزة السوية الصحيحة ، وتكون نتيجة عقم الهدف المتوخى من المقاربة الجنسية.

وبعبارة أخرى : يكون أثره الوحيد ، هو الإشباع الكاذب والمنحرف للحاجة

١٠٦

الجنسية ، والقضاء على الهدف الأصلي ، وهو استمرار النسل البشري.

ثمّ يقول تعالى في نهاية الآية :( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) أي تجاوزتم حدود الله ، ووقعتم في متاهة الانحراف والتجاوز عن حدود الفطرة.

ويمكن أن تكون هذه العبارة إشارة إلى أنّهم لم يسلكوا سبيل الإسراف في مجال الغريزة الجنسية فحسب ، بل تورطوا في مثل هذا الانحراف والإسراف في كل شي ، وفي كل عمل.

والجدير بالذكر أنّ الآية الأولى ذكرت الموضوع بصورة مجملة ، ولكن الآية الثّانية ذكرته بصورة مبيّنة وواضحة ، وهذا هو أحد فنون البلاغة عند بيان القضايا الهامة ، فإذا فعل أحد عملا شيئا قال له مرشده ووليه الواعي الحكيم ، لبيان أهمية الموضوع : أنت ارتكبت ذنبا عظيما ، فإذا قال له الشخص ، ماذا فعلت؟ يقول له مرّة أخرى : أنت ارتكبت ذنبا عظيما ، وفي المآل يكشف القناع عن فعله ويشرحه.

إنّ هذا النوع من البيان يهيء فكر الطرف الآخر ونفسه للوقوف تدريجا على شناعة عمله القبيح وخطورته ، وهو أبلغ في التأثير.

وفي الآية اللاحقة أشار القرآن الكريم إلى الجواب المتعنت وغير المنطقي لقوم لوط ، وقال : إنّهم لم يكن لديهم أي جواب في مقابل دعوة هذا النّبي الناصح المصلح ، إلّا أن قالوا : أخرجوا لوطا وأتباعه من مدينتكم. ولكن ما كان ذنبهم؟ إنّ ذنبهم هو أنّهم كانوا جماعة طاهرين لم يلوثوا أنفسهم بأدران المعصية( وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) .

وهذا ليس موضع تعجب واستغراب أن يطرد جماعة من العصاة الفسقة أشخاصا طاهرين لا لشيء إلّا لأنّهم أنقياء الجيب ، يجتنبون المنكرات ، وذلك لأنّ هؤلاء القوم يعتبرون هؤلاء مزاحمين لشهواتهم ، فكانت نقاط القوة لدى أولئك الأطهار نقاط ضعف وعيب في نظرهم.

١٠٧

ويحتمل أيضا في تفسير جملة( إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) أنّ قوم لوط كانوا يريدون بهذه العبارة أن يتهموا ذلك النّبي العظيم وأتباعه الأتقياء بالرياء والتظاهر بالتطهر ، كما سمعنا وقرأنا في الأشعار كثيرا حيث يتهم الخمارون الأشخاص الطيبين النزيهين بالرياء والتظاهر ، ويعتبرون (خرفتهم الملوثة بالخمر) أفضل من (سجادة الزاهد) وهذا نوع من التزكية الكاذبة للنفس التي يتذرع بها هؤلاء العصاة الأشقياء.

مع ملاحظة كل ما قيل في الآيات الثلاثة أعلاه ، يستطيع كل قاض منصف أن يصدر حكمه بحق مثل هذه الجماعات والأقوام الذين يتوسلون ـ في مقابل إصلاح المصلحين ونصيحة الناصحين ، ودعوة نبي إلهيّ عظيم ـ بالتهديد والاتهام ، ولا يعرفون إلّا لغة القوة والقهر ، ولهذا قال الله تعالى في الآية اللاحقة :( فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ ) (1) أي لما بلغ الأمر إلى هذا الحد أنجينا لوطا وأتباعه الواقعين وأهله الطيبين ، إلّا زوجته التي كانت على عقيدة قومه المنحرفين فتركناها.

قال البعض : إنّ كلمة «أهل» وإن كان المتعارف إطلاقها على العائلة ، ولكن في الآية الحاضرة استعملت في الأتباع الصادقين ـ أيضا ـ يعني أنّهم كانوا معدودين جزءا من أهله وعائلته أيضا ، ولكن يستفاد من الآية (36) من سورة الذاريات أنّه لم يؤمن بلوط ودعوته أحد من قومه قط إلّا عائلته وأقرباؤه ، وعلى هذا الأساس يكون لفظ الأهل هنا مستعملا في معناه الأصلي ، أي أقرباؤه.

من الآية (10) من سورة التحريم إجمالا أنّ زوجة لوط كانت في البداية امرأة صالحة ، ولكنّها سلكت سبيل الخيانة فيما بعد ، وجرأت أعداء لوط عليه.

وفي آخر آية من الآيات إشارة قصيرة جدا ـ ولكن ذات مغزى ومعنى

__________________

(1) يقال «الغابر» لمن ذهب أهله وفنوا وبقي وحده ، كما ذهبت عائلة لوط معه ، وبقيت زوجته وحدها معه ، وأصيبت بما أصيب به العصاة.

١٠٨

عميق ـ إلى العقوبة الشديدة والرهيبة التي حلّت بهؤلاء القوم ، إذ قال تعالى :( وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً ) أيّ مطر إنّه كان مطرا عجيبا حيث انهالت عليهم الشهب والنيازك كالمطر وأبادتهم عن آخرهم!! إنّ هذه الآية وإن لم تبيّن نوع المطر الذي نزل على القوم ، ولكن من ذكر لفظة «المطر» بصورة مجملة اتضح أنّ ذلك المطر لم يكن مطرا عاديا ، بل كان مطرا من الحجارة ، كما سيأتي في سورة هود الآية (83).

( فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) .

إنّ هذا الخطاب وإن كان موجها إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنّه من الواضح أنّ الهدف هو اعتبار جميع المؤمنين به.

هذا وسيأتي تفصيل قصّة هذه الجماعة ، وكذا مضار اللواط المتعددة ، وحكمه في الشريعة الإسلامية ، عند تفسير آيات سورة «هود» و «الحجر».

* * *

١٠٩

الآيات

( وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87) )

التّفسير

رسالة شعيب في مدين :

في هذه الآيات يستعرض القرآن الكريم فصلا خامسا من قصص الأقوام الماضين ، ومواجهة الأنبياء العظام معهم ، وهذا الفصل يتناول قوم شعيب.

١١٠

بعث شعيبعليه‌السلام الذي ينتهي نسبه ـ حسب كتب التاريخ ـ إلى إبراهيم عبر خمس طبقات ، إلى أهل مدين. وهي مدينة من مدن الشام ، كان أهلها أهل تجارة وترف قد سادت فيهم الوثنية ، وكذا الحيلة ، والتطفيف في المكيال والميزان ، والبخس في المعاملة.

وقد جاء تفصيل هذه المواجهة بين هذا النّبي العظيم وبين أهل مدين ، في سور متعددة من القرآن الكريم ، وبخاصّة في سورة «هود» و «الشعراء» ، ونحن تبعا للقرآن الكريم سنبحث بتفصيل هذه القصّة في ذيل آيات سورة هود إن شاء الله. أمّا هنا فنذكر شيئا عن هذه القصّة باختصار طبقا للآيات المطروحة هنا.

في البداية يقول سبحانه : ولقد أرسلنا إلى أهل مدين أخاهم شعيبا( وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً ) .

روى جماعة من المفسّرين ، مثل العلّامة الطبرسي في مجمع البيان ، والفخر الرازي في تفسيره المعروف ، أن «مدين» في الأصل اسم لأحد أبناء إبراهيم الخليل ، وحيث أنّ أبناءه وأحفاده سكنوا في أرض على طريق الشام سميت تلك الأرض «مدين».

هذا وقد أوضحنا السرّ في استعمال لفظة «أخاهم» في الآية (65) من هذه السورة.

ثمّ إنّه تعالى أضاف : إنّ شعيبا مثل سائر الأنبياء بدأ دعوته بمسألة التوحيد و( قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ) .

وقال : إنّ هذا الحكم مضافا إلى كونه من وحي العقل ، ثابت بواسطة الأدلة الواضحة التي جاءتهم من جانب الله أيضا :( قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) .

أمّا أنّ هذه «البيّنة» ما هي؟ فإنّه لم يرد كلام حولها في الآيات الحاضرة ، ولكن الظاهر أنّها إشارة إلى معجزات شعيبعليه‌السلام .

١١١

ثمّ أنّهعليه‌السلام بعد الدعوة إلى التوحيد أخذ في محاربة المفاسد الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية السائدة فيهم ، وفي البدء منعهم من ممارسة التطفيف ، والغش في المعاملة ، يقول :( فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ ) (1).

وواضح أن تسرّب أيّ نوع من أنواع الخيانة والغش في المعاملات يزعزع بل ويهدم أسس الطمأنينة والثقة العامّة التي هي أهم دعامة لاقتصاد الشعوب وتلحق بالمجتمع خسائر غير قابلة للجبران. ولهذا السبب كان أحد الموضوعات الهامّة التي ركز عليها شعيب هو هذا الموضوع بالذات.

ثمّ يشير إلى عمل آخر من الأعمال الأثيمة ، وهو الإفساد في الأرض بعد أن أصلحت أوضاعها بجهود الأنبياء ، وفي ضوء الإيمان فقال :( وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ) .

ومن المسلّم أنّه لا يستفيد أحد من إيجاد الفساد ومن الإفساد ، سواء كان فسادا أخلاقيا ، أو من قبيل فقدان الإيمان ، أو عدم وجود الأمن ، لهذا أضاف في آخر الآية قائلا :( ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) .

وكأنّ إضافة عبارة : «إن كنتم مؤمنين» إشارة إلى أنّ هذه التعاليم الاجتماعية والأخلاقية إنما تكون متجذرة ومثمرة إذا كانت نابعة من الإيمان ومستمدة من نوره. أمّا لو كانت قائمة على أساس سلسلة من ملاحظة المصالح المادية ، لم يكن لها بقاء ودوام.

وفي الآية اللاحقة يشير إلى رابع نصيحة لشعيب ، وهي منعهم عن الجلوس على الطرقات وتهديد الناس ، وصدّهم عن سبيل الله ، وتضليل الناس بإلقاء

__________________

(1) البخس يعني نقص حقوق الأشخاص ، والنّزول عن الحد بصورة توجب الظلم والحيف.

١١٢

الشبهات وتزييف طريق الحق المستقيم في نظرهم ، فقال :( وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ ، وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ ، وَتَبْغُونَها عِوَجاً ) .

وأمّا أنّه كيف كانوا يهدّدون الراغبين في الإيمان ، فقد ذكر المفسّرون في هذا المجال احتمالات متعددة ، فالبعض احتمل أنّه كان ذلك عن طريق التهديد بالقتل ، وبعض آخر احتمل أنّه كان عن طريق قطع الطريق ونهب أموال المؤمنين ، ولكن المناسب مع بقية العبارات الأخرى في الآية هو المعنى الأوّل.

وفي ختام الآية جاءت النصيحة الخامسة لشعيب ، التي ذكّر فيها قومه بالنعم الإلهية لتفعيل حسّ الشكر فيهم ، فيقول : تذكّروا عند ما كنتم أفرادا قلائل فزادكم الله في الأفراد وضاعف من قوتكم :( وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ ) .

ثمّ يلفت نظرهم إلى عاقبة المفسدين ونهاية أمرهم ومصيرهم المشؤوم حتى لا يتبعوهم في السلوك فيصابوا بما أصيبوا به ، فيقول :( وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) .

ويستفاد من الجملة الأخيرة أنّه على العكس من الدعايات غير المدروسة لتحديد النسل في هذه الأيّام فإنّ كثرة أفراد المجتمع ، يمكن أن تكون منشأ القوّة وعظمة وتقدم المجتمع في أكثر الموارد ، طبعا شريطة أن تضمن معيشتهم وفقا لبرامج منظمة ، من الناحية المادية والمعنوية.

إنّ آخر آية من الآيات المبحوثة هنا بمثابة إجابة على بعض استفهامات المؤمنين والكفار من قومه ، لأنّ المؤمنين ـ على أثر الضغوط التي كانت تتوجه إليهم من جانب الكفار ـ كان من الطبيعي أن يطرحوا هذا السؤال على نبيّهم : إلى متى نبقى في العذاب ونتحمل الأذى؟

وكان معارضوهم ـ أيضا ـ والذين تجرأوا لأنّهم لم تصبهم العقوبة الإلهية فورا يقولون : إذا كنت من جانب الله حقّا فلما ذا لا يصيبنا شيء رغم كل ما نقوم به

١١٣

من إيذاء ومعارضة؟ فيقول لهم شعيب : إن كانت طائفة منكم آمنت بما بعثت به ، وأعرض أخرى فلا ينبغي أن يكون ذلك سببا لغرور الكفار ، ويأس المؤمنين ، اصبروا حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فالمستقبل سوف يكشف عمن يكون على حق ، ومن يكون على باطل( وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ) .

* * *

١١٤

الآيتان

( قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) )

التّفسير

هذه الآيات تستعرض ردّ فعل قوم شعيب مقابل كلمات هذا النّبي العظيم المنطقية ، وحيث أنّ الملا والأثرياء المتكبرين في عصره كانوا أقوياء في الظاهر ، كان رد فعلهم أقوى من رد فعل الآخرين.

إنّهم كانوا ـ مثل كل المتكبرين المغرورين يهددون شعيبا معتمدين على قوتهم وقدرتهم ، كما يقول القرآن الكريم :( قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا ) .

قد يتصور البعض من ظاهر هذا التعبير «لتعودن إلى ملتنا» أنّ شعيبا كان قبل

١١٥

ذلك في صفوف الوثنيين ، والحال ليس كذلك ، بل حيث أنّ شعيبا لم يكن مكلّفا بالتبليغ ، لذلك كان يسكت على أعمالهم ، وكانوا يظنون أنّه كان على دين الوثنية في حين أنّ أحدا من النّبيين لم يكن وثنيا حتى قبل زمان النّبوة ، وإنّ عقول الأنبياء ودرايتهم كانت أسمى من أن يرتكبوا مثل هذا العمل غير المعقول والسخيف ، هذا مضافا إلى أنّ هذا الخطاب لم يكن موجها إلى شعيب وحده ، بل يشمل المؤمنين من أتباعه ـ أيضا ـ ويمكن أن يكون هذا الخطاب لهم.

على أن تهديد المعارضين لم يقتصر على هذا ، بل كانت هناك تهديدات أخرى سنبحثها في سائر الآيات المرتبطة بشعيب.

وقد أجابهم شعيب في مقابل كل تهديداتهم وخشونتهم تلك بكلمات في غاية البساطة والرفق والموضوعية ، إذ قال لهم : وهل في إمكانكم أن تعيدوننا إلى دينكم إذا لم نكن راغبين في ذلك :( قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ ) (1) ؟

وفي الحقيقة يريد شعيب أن يقول لهم : هل من العدل أن تفرضوا عقيدتكم علينا ، وتكرهوننا على أن نعتنق دينا ظهر لنا بطلانه وفساده؟ هذا مضافا إلى أنّه ما جدوى عقيدة مفروضة ، ودين جبريّ؟! وفي الآية اللاحقة يواصل شعيب قوله :( قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها ) .

إن هذه الجملة في الحقيقة توضيح للجملة السابقة المجملة ، ومفهوم هذه الجملة هو : نحن لم نترك الوثنية بدافع الهوى والهوس ، بل أدركنا بطلان هذه العقيدة بجلاء ، وسمعنا الأمر الإلهي في التوحيد بأذن القلب ، فإذا عدنا من عقيدة التوحيد إلى الشرك ـ والحال هذه ـ نكون حينئذ قد افترينا على الله عن وعي وشعور ، ومن المسلّم أنّ الله سيعاقبنا على ذلك بشدة.

__________________

(1) إنّ في هذه الجملة حذفا وتقديرا ، فالكلام في الأصل على هذه الصورة : «أتردوننا في ملتكم ولو كنّا كارهين».

١١٦

ثمّ يضيف شعيب قائلا :( وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ) .

ومراد شعيب من هذا الكلام هو أنّنا تابعون لأمر الله ، ولا نعصيه قيد شعرة ، فعودتنا غير ممكنة إلّا إذا أمر الله بذلك.

ثمّ من دون إبطاء يضيف : إنّ الله يأمر بمثل هذا ، لأنّ الله يعلم بكل شيء ويحط علما بجميع الأمور( وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ) وعلى هذا الأساس ليس من الممكن أن يعود عن أمر أعطاه ، لأنّه لا يعود ولا يرجع عن أمر أعطاه إلّا من كان علمه محدودا ، واشتبه ثمّ ندم على أمره ، أمّا الذي يعلم بكل شيء ويحيط بجميع الأمور علما فيستحيل أن يعيد النظر.

ثمّ لأجل أن يفهمهم بأنّه لا يخاف تهديداتهم ، وأنّه ثابت في موقفه ، قال :( عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا ) .

وأخيرا لأجل أن يثبت حسن نيّته ، ويظهر رغبته في طلب الحقيقة والسلام ، حتى لا يتهمه أعداؤه بالشغب والفوضوية والإخلال بالأمن يقول :( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ ) .

أي : يا ربّ أنت أحكم بيننا وبين هؤلاء بالحق ، وارفع المشاكل التي بيننا وبين هؤلاء ، وافتح علينا أبواب رحمتك ، فأنت خير الفاتحين.

وقد روي عن ابن عباس أنّه قال : ما كنت أعرف ماذا يعني الفتح في الآية حتى سمعت امرأة تقول لزوجها : أفاتحك عند القاضي ، يعني أطلبك عند القاضي للفصل بيننا ، فعرفت معنى الفتح في مثل هذه الموارد ، وأنّه بمعنى القضاء والحكم (لأن القاضي يفتح العقدة في مشكلة الطرفين)(1) .

* * *

__________________

(1) تفسير منهج الصادقين.

١١٧

الآيات

( وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (93) )

التّفسير

تتحدث الآية الأولى عند الدعايات التي كان يبثّها معارضو شعيب ضدّ من يحتمل فيهم الميل إلى الإيمان به فتقول :( وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ ) .

والمقصود من الخسارة ـ هنا ـ الخسارات المادية التي تصيب المؤمنين بدعوة شعيب ، إذ من المسلّم عدم عودتهم إلى عقيدة الوثنية ، وعلى هذا الأساس كان يجب يخرجوا من بلدهم وديارهم بالقهر ، ويتركوا بيوتهم وأملاكهم.

وهناك احتمال آخر في تفسير الآية ، وهو أنّ مرادهم هو الأضرار المعنوية

١١٨

بالإضافة إلى الأضرار المادية ، لأنّهم كانوا يتصورون أنّ طريق النجاة يتمثل في الوثنية لا في دين شعيب.

وعند ما وصل أمرهم إلى الإصرار على ضلالتهم ، وعلى إضلال غيرهم أيضا ، ولم يبق أي أمل في إيمانهم وهدايتهم ، حلّت بهم العقوبة الإلهية بحكم قانون حسم مادة الفساد ، فأصابهم زلزال رهيب شديد بحيث تهاوى الجميع أجسادا ميّتة ، في داخل بيوتهم ومنازلهم( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ ) .

وقد مرّ في ذيل الآية (78) من هذه السورة ـ تفسير لفظة «جاثمين» وقلنا هناك أنّه قد استعملت عبارات وألفاظ مختلفة للتعبير عن عامل هلاك هذه الجماعة لا منافاة بينها.

فمثلا : جاء في شأن قوم شعيب ـ في الآية الحاضرة ـ أنّ عامل هلاكهم كان هو : «الزلزال» وفي الآية (94) من سورة هود أنّه «صيحة سماوية» وفي الآية (189) من سورة الشعراء : أنّه «ظلة من السحاب القاتل» وتعود كلها إلى موضوع واحد ، وهو أنّ العذاب المهلك كان صاعقة سماوية مخيفة ، اندلعت من قلب السحب الكثيفة المظلمة ، واستهدفت مدينتهم ، وعلى أثرها حدث زلزال شديد (هو خاصية الصواعق العظيمة) ودمّر كل شيء.

في الآية اللاحقة شرح القرآن الكريم أبعاد هذا الزلزال العجيب المخيف الرهيب بالعبارة التالية :( الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ) (1) . أي أنّ الذين كذبوا شعيبا أبيدوا إبادة عجيبة ، وكأنّهم لم يكونوا يسكنون تلك الديار.

وفي ختام الآية يقول :( الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ ) .

وكأنّ هاتين الجملتين جوابا لأقوال معارضي شعيب ، لأنّهم كانوا قد هدّدوا بأن يخرجوه هو وأتباعه في حالة عدم انصرافهم من دين التوحيد إلى الدين

__________________

(1) «يغنوا» مشقة من مادة «غني» بمعنى «الإقامة في المكان» يقول الطبرسي في مجمع البيان : لا يبعد أن يكون المفهوم الأصلي للغنى هو عدم الحاجة ، لأنّ من كان عنده منزل حاضر ، فهو مستغن عن منزل آخر.

١١٩

السابق ، فقال القرآن : إنّهم أبيدوا كاملة ، وكأنّهم لم يسكنوا في تلك المنازل ، فضلا عن أن يستطيعوا إخراج غيرهم من البلد.

وفي مقابل قولهم : إنّ أتباع شعيب يستلزم الخسران ، قال القرآن الكريم : إنّ نتيجة الأمر أثبتت أنّ مخالفة شعيب هي العامل الأصلي في الخسران.

وفي آخر آية ـ من الآيات المبحوثة ـ نقرأ آخر كلام لشعيب مع قومه بعد اعراضه عنهم حيث قال : لقد بلّغت رسالات ربّي ، ونصحتكم بالمقدار الكافي ، ولم آل جهدا في إرشادكم :( فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ) .

ثمّ قال( فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ ) أي لست متأسّفا على مصير الكافرين ، لأنني قد بذلت كل ما في وسعي لهدايتهم وإرشادهم ، ولكنّهم لم يخضعوا للحق ولم يسلّموا ، فكان يجب أن ينتظروا هذا المصير المشؤوم.

أمّا أنّه هل قال شعيب هذا الكلام بعد هلاكهم ، أم قبل ذلك؟ هناك احتمالان ، فيمكن أن يكون قبل هلاكهم ، ولكن عند شرح القصة جاء ذكره بعد ذلك.

ولكن مع الالتفات إلى آخر عبارة ، والتي يقول فيها : إنّ مصير هؤلاء الكافرين المؤلم لا يدعو إلى الأسف أبدا ، يترجح للنظر أنّ هذه الجملة قيلت بعد نزول العذاب ، وأنّ هذه التعابير ـ كما أشرنا في ذيل الآية (79) من هذه السورة قيلت وتقال للأموات كثيرا (وقد أشرنا إلى شواهد ذلك).

* * *

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335