أدب الطف الجزء ٢

أدب الطف17%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 335

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 335 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62228 / تحميل: 10351
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

سيّان عند الاله كلكم

خاذله منكم وذابحه

على الذي فاتهم بحقّهم

لعن يغاديه أو يراوحه

جهلتم فيهم الذي عرف البيـ

ـت وما قابلت أباطحه

إن تصمتوا عن دعائهم فلكم

يوم وغى لا يجاب صائحه

في حيث كبش الردى يناطح مَن

أبصر كبش الوغى يناطحه

وفي غد يعرف المخالف من

خاسر دين منكم ورابحه

وبين أيديكم حريق لظى

يلفح تلك الوجوه لافحه

إن عبتموهم بجهلكم سفها

ما ضر بدر السما نابحه

أو تكتموا فالقرآن مشكله

بفضلهم ناطق وواضحه

ما أشرق المجد من قبورهم

إلا وسكّانها مصابحه

قوم أبي حد سيف والدهم

للدين أو يستقيم جامحه

وهو الذي استأنس النبي به

والدين مذعورة مسارحه

حاربه القوم وهو ناصره

قدما وغشّوه وهو ناصحه

وكم كسى منهم السيوف دما

يوم جلاد يطيح طائحه

ما صفح القوم عندما قدروا

لمّا جنت فيهم صفائحه

بل منحوه العناد واجتهدوا

أن يمنعوه والله مانحه

كانوا خفافا الى أذيّته

وهو ثقيل الوقار راجحه

منخفض الطرف عن حطامهم

وهو الى الصالحات طامحه

بحر علوم اذا العلوم طمت

فهي بتيارها ضحاضحه

وان جروا في العفاف بذّهم

بالسبق عود الجران قارحه

يا عترة حبهم يبين به

صالح هذا الورى وطالحه

مغالق الشر أنتم يا بني أحمد

اذ غيركم مفاتحه

طبتم فان مرّ ذكركم عرضا

فاح بروح الجنان فائحه

أكاتم الحزن في محبتكم

والحزن يعيا به مكادحه

٤١

ليس سوى الدمع والاناء بما

يكون فيه لا بدّ راشحه

لو كنت في عصر دعبل عبدت

مدائحي فيكم مدائحه

  وقال:

بكاء وقلّ غناء البكاء

على رزء ذرية الانبياء

لئن ذل فيه عزيز الدمو

ع لقد عز فهي ذليل العزاء

اعاذلتي إن برد التقى

كسانيه حبي لاهل الكساء

سفينة نوح فمن يعتلق

بحبّهم معلق بالنجاء

لعمري لقد ضل رأي الهوى

بافئدة من هواها هوائي

واوصى النبي ولكن غدت

وصاياه منبذة بالعراء

ومن قبلها أمر الميتون

برد الأمور الى الاوصياء

ولم ينشر القوم غلّ الصدور

حتى طواه الردى في رداء

ولو سلّموا لامام الهدى

لقوبل معوجهم باستراء

هلال الى الرشد عالي الضياء

وسيف على الكفر ماضي المضاء

وبحر تدفق بالمعجزات

كما يتدفق ينبوع ماء

علوم سماوية لا تنال

ومَن ذا ينال نجوم السماء

وكم موقف كان شخص الحمام

من الخوف فيه قليل الخفاء

جلاه فان انكروا فضله

فقد عرفت ذاك شمس الضحاء

أراه العجاج قبيل الصباح

وردت عليه بعيد المساء

وان وتر القوم في بدرهم

لقد نقض القوم في كربلاء

مطايا الخطايا خذي في الظلام

فما همّ ابليس غير الحداء

لقد هتكت حرم المصطفى

وحلّ بهن عظيم البلاء

وساقوا رجالهم كالعبيد

وحازوا نساءهم كالاماء

فلو كان جدهم شاهدا

لتبع ظعنهم بالبكاء

٤٢

حقود تضرم بدرية

وداء الحقود عزيز الدواء

تراه مع الموت تحت اللواء

والله والنصر فوق اللواء

غداة خميس إمام الهدى

وقد عاث فيهم هزبر اللقاء

وكم انفس في سعير هوت

وهام مطيرة في الهواء

بضرب كما انقد جيب القميص

وطعن كما انحل عقد السقاء

اخيرة ربي من الخيّرين

وصفوة ربي من الاصفياء

طهرتم فكنتم مديح المديح

وكان سواكم هجاء الهجاء

قضيت بحبكم ما عليّ

اذا ما دعيت لفصل القضاء

وايقنت ان ذنوبي به

تساقط عني سقوط الهباء

فصلى عليكم آله الورى

صلاة توازي نجوم السماء

  وقال:

له شغل عن سؤال الطلل

اقام الخليط به أم رحل

فما ضمنته لحاظ الظبا

تطالعه من سجوف الكلل

ولا تستفز حجاه الخدود

بمصفرة واحمرار الخجل

كفاه كفاه فلا تعذلاه

كرّ الجديدين كرّ العذل

طوى الغيّ منتشرا في ذراه

تطفى الصبابة لما اشتعل

له في البكاء على الطاهرين

مندوحة عن بكاء الغزل

فكم فيهم من هلال هوى

قبيل التمام وبدر أفل

هم حجج الله في خلقه

ويوم المعاد على من خذل

ومَن انزل الله تفضيلهم

فردّ على الله ما قد نزل

فجدهم خاتم الانبياء

ويعرف ذاك جميع الملل

ووالدهم سيد الأوصياء

معطى الفقير ومردى البطل

٤٣

ومن علّم السمر طعن الكلا

لدى الروع والبيض ضرب القلل

ولو زالت الأرض يوم الهياج

فمن تحت اخمصه لم تزل

ومن صدّ عن وجه دنياهم

وقد لبست حليها والحلل

وكان إذا ما اضيفوا اليه

أرفعهم رتبة في مثل

سماء أضفت اليها الحضيض

وبحر قرنت اليه الوشل

وجود تعلّم منه السحاب

وحلم تولّد منه الجبل

وكم شبهة بهداه جلى

وكم خطة بحجاه فصل

وكم أطفأ الله نار الضلال

به وهي ترمي الهدى بالشعل

وكم ردّ خالقنا شمسه

عليه وقد جنحت للطفل

ولو لم تعد كان في رأيه

وفي وجهه من سناها بدل

ومن ضرب الناس بالمرهفات

على الدين ضرب غريب الابل

وقد علموا أن يوم الغدير

بغدرتهم جرّ يوم الجمل

فيا معشر الظالمين الذين

اذاقوا النبي مضيض الثكل

اتردي الحسين سيوف الطغاة

ظمآن لم يطف حر الغلل

ثوى عطشا وتنال الرماح

من دمه عَلّها والنهل

ولم يخسف الله بالظالمين

ولكنه لا يخاف العجل

لقد نشطت لعناد الرسول

أناس بها عن هداها كسل

فلا بوعدت أعين من عمى

ولا عوفيت أذرع من شلل

ويا رب وفق لي خير المقال

اذا لم أوفّق لخير العمل

ولا تقطعن املي والرجاء

فانت الرجاء وأنت الامل

٤٤

كشاجم

ابو الفتح محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك الرملي المعروف بكشاجم. نسبة الى الرملة من أرض فلسطين. وإنما لقب بكشاجم اشارة بكل حرف منها الى علم: فبالكاف الى انه كاتب، وبالشين الى انه شاعر، وبالالف الى انه اديب، وبالجيم الى انه منجم، وبالميم الى انه متكلم. فكان كاتباً شاعراً اديبا جامعا منجما، وكان مؤلفا صنف في افانين العلوم. ذكره ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت عليهم‌السلام المجاهرين وله قصائد في مدح آل محمد (ع)، وجمع ديوانه ابو بكر محمد بن عبد الله الحمدوني مرتبا على الحروف والحق به بعد ما تم جمعه زيادات اخذها عن ابي الفرج بن كشاجم سماه ( الثغر الباسم من شعر كشاجم ) مطبوع.

ذكر صاحب شذرات الذهب انه توفي سنة ٣٦٠.

اما الزر كلي في الاعلام فيقول: انه توفي سنة ٣٥٠.

قال الشيخ القمي في الكنى أقول: كانت عمة والد كشاجم اخت السندي من المحبين لاهل البيت (ع) وكانت تلي خدمة موسى بن جعفر (ع) لما كان في محبس السندي. قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد اخبرنا الحسن بن محمد العلوي قال: حدثني جدي حدثني عمار بن ابان قال: حبس ابو الحسن

٤٥

موسى بن جعفر عند السندي فسألته اخته ان تتولى حبسه وكانت تتدين - ففعل، فكانت في خدمته، فحكى لنا انها قالت: كان اذا صلى العتمة حمد الله ومجّده ودعاه فلم يزل كذلك حتى يزول الليل فاذا زال الليل قام يصلي حتى يصلي الصبح ثم يذكر قليلاً حتى تطلع الشمس ثم يقعد الى ارتفاع الضحى ثم يتهيأ ويستاك ويأكل ثم يرقد الى قبل الزوال ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة. فكان هذا دأبه، فكانت اخت السندي اذا نظرت اليه قالت: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل وكان عبدا صالحاً ( انتهى ).

٤٦

طلحة بن عبيد الله العَوني المصري

ابو محمد العوني المصري يرثي الحسين عليه‌السلام :

فيا بضعة من فواد النبي‏

بالطف أضحت كثيبا مهيلا

ويا كبداً من فواد البتول

بالطف شُلّت فأضحت أكيلا

قتلت فابكيت عين الرسول

وأبكيت من رحمة جبرئيلا

  وقال:

لم انس يوما للحسين وقد ثوى‏

بالطف مسلوب الرداء خليعا

ظمآن من ماء الفرات معطّشا

ريّان من غصص الحتوف نقيعا

يرنو الى ماء الفرات بطرفه

فيراه عنه محرما ممنوعا

  وقال:

غصن رسول الله أحكم غرسه‏

فعلا الغصون نضارة وتماما

والله ألبسه المهابة والحجى

وربا به أن يعبد الاصناما

ما زال يغذوه بدين محمد

كهلا وطفلا ناشئا وغلاما

  وقال:

يا قمرا غاب حين لاحا‍‍

أورثني فقدك المناحا

يا نوب الدهر لم يدع لي

صرفك من حادث صلاحا

أبعد يوم الحسين ويحيى

أستعذب اللهو والمزاحا؟!

٤٧

كربت كي تهتدي البرايا

به وتلقى به النجاحا

فالدين قد لفّ بردتيه

والشرك القى لها جناحا

فصار ذاك الصباح ليلا

وصار ذاك الدجى صباحا

فجاء إذا جاءهم تنحّوا

لكي يريها الهدى الصراحا

حتى إذا جاءهم تنحّوا

لا بل نحو قتله اجتياحا

وأنبتوا البيد بالعوالي

والقضب واستعجلوا الكفاحا

فدافعت عنه أولياه

وعانقوا البيض والرماحا

سبعون في مثلهم ألوفا

فاثخنوا بينهم جراحا

ثم قضوا جملة فلاقوا

هناك سهم القضا المتّاحا

فشد فيهم أبو علي

وصافحت نفسه الصفاحا

يا غيرة الله لا تغيثي

منهم صياحا ولا ضباحا

ثم انثنى ظامئا وحيدا

كما غدا فيهم وراحا

ولم يزل يرتقي الى ان

دعاه داعي اللقا فصاحا

دونكم مهجتي فاني

دُعيت أن أرتقي الضراحا

فكلكلوا فوقه، فهذا

يقطع رأسا وذا جناحا

يا بأبي أنفسا ظماء

ماتت ولم تشرب المباحا

يا بأبي أجسما تعرّت

ثم اكتست بالدمها وُشاحا

يا سادتي با بني عليّ

بكى الهدى فقدكم وناحا

أو حشتم الحِجر والمساعي

آنستم القفر والبطاحا

أو حشتم الذكر والمثاني

والسور الطوال الفصاحا

لا سامح الله مَن قَلاكم

وزاد أشياعكم سماحا

٤٨

أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن محمد بن أبي عون الغساني (١) المعروف بالعوني المصري:

توفي حوالي سنة ٣٥٠ بمصر.

عدّه ابن شهر اشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين قال وقد نظم أكثر المناقب ويسمونه بالغلو قال السيد الأمين في الاعيان: قلت ذكروا في احوال أحمد بن منير الاطرابلسي انه كان في اول أمره ينشد شعر العوني في أسواق طرابلس.

وعن العمدة لأبن رشيق هو أول من نظم الشعر المسمى بالقواديسي وأورد له في المناقب قوله من أبيات:

ولولا حجة في كل وقت‏

لاضحى الدين مجهول الرسوم

وحار الناس في طخياء منها

نجونا بالأهلة والنجوم

  وله:

يا صاحبيّ رحلتما وتركتما

قلبي رهين تصبر وتصابي

أبكي وفاءكما وأندبه كما

يبكي المحب معاهد الأحباب

  أخذهما المتنبي منه - كما عن العميدي في الابانة عن سرقات المتنبي فأشكل

__________________

١ - غسان: ماء باليمن تنسب اليه قبائل. وما بالشلل قريب من الجحفة:

٤٩

معنا هما بقوله:

وفاؤكما كالربع اشجاء طاسمه

بأن تسعدا والدمع أسقاه ساجمه

  حتى ان الناظر لا يفهم معنى هذا البيت الا بعد سماعهما.

وله في الائمة عليهم‌السلام أكثر من عشرة آلاف بيت.

قال الشيخ الأميني سلمه الله: وشعره في أهل البيت عليهم‌السلام مدحا ورثاءا مبثوت في ( المناقب ) لابن شهر اشوب و ( روضة الواعظين ) لشيخنا الفتال و ( الصراط المستقيم ) لشيخنا البياضي.

وقد جمعنا من شعره ما يربو على ثلثمائة وخمسين بيتا، وجمعه ورتّبه العلامة السماوي في ديوان، ومما رتبه قصيدته المعروفة بالمذهبة توجد في ( مناقب ابن شهر اشوب ) ناقصة الأطراف. انتهى.

٥٠

ابو القاسم الزاهي الشاعر، رواها ابن شهر اشوب في المناقب:

اعاتب نفسي اذا قصّرت

وأفنى دموعي اذا ما جرت

لذكراكم يا بني المصطفى

دموعي على الخد قد سُطّرت

لكم وعليكم جفت غمضها

جفوني عن النوم واستشعرت

أمثل اجسامكم بالعراق

وفيها الأسنة قد كسّرت

أمثلكم في عراص الطفوف

بدوراً تكسّف إذ أقمرت

غدت ارض يثرب من جمعكم

كخط الصحيفة إذ أقفرت

واضحى بكم كربلاء مغربا

لزهر النجوم اذا غورت

كأني بزينب حول الحسين

ومنها الذوائب قد نشرت

تمرّغ في نحره شعرها

وتبدي من الوجد ما أضمرت

وفاطمة عقلها طائر

اذا السوط في جنبها أبصرت

وللسبط فوق الثرى شيبة

بفيض دم النحر قد عفرت

ورأس الحسين امام الرماح

كغُرّة صبح اذا أسفرت

  وله يرثيه عليه‌السلام :

لست أنسى الحسين في كربلاء‏

وحسين ظام فريد وحيد

ساجد يلثم الثرى وعليه

قضب الهند ركع وسجود

يطلب الماء والفرات قريب

ويرى الماء وهو عنه بعيد

٥١

وقال:

يا آل احمد ماذا كان جرمكم

فكل أرواحكم بالسيف تنتزع

تلفى جموعكم شتّى مُفرّقة

بين العباد وشمل الناس مجتمع

وتستباحون أقمارا منكّسة

تهوى وأرؤسها بالسمر تقترع

ألستم خير من قام الرشاد بكم

وقوّضت سنن التضليل والبدع؟!

ووُحّد الصمد الاعلى بهديكم

إذ كنتم علما للرشد يتّبع؟

ما للحوادث لا تجري بظالمكم؟

ما للمصائب عنكم ليس ترتدع

منكم طريد ومقتول على ظمأ

ومنكم دنف بالسمر مُنصرع

وهارب في أقاصي الغرب مغترب

ودارع بدم اللبات مندرع

ومقصد من جدار ظل منكدرا

وآخر تحت ردم فوقه يقع

ومن محرّق جسم لا يُزار له

قبر ولا مشهد يأتيه مرتدع

وإن نسيت فلا أنسى الحسين وقد

مالت إليه جنود الشرك تقترع

فجسمه لحوامي الخيل مطرّد

ورأسه لسنان السمر مرتفع

  وله في رثائهم سلام الله عليهم قوله:

بنو المصطفى تفنون بالسيف عنوة‏

ويسلمني طيف الهجوع فأهجع؟

ظلمتم وذُبّحتم وقسّم فيثكم

وجار عليكم من لكم كان يخضع

فما بقعة في الأرض شرقا ومغربا

وإلا لكم فيه قتيل ومصرع

  وقال:

إبكي يا عين ابكي آل رسول

الله حتى تخد منك الخدود

وتقلّب يا قلب في ضَرم الحزن

فما في الشجا لهم تفنيد

فهم النخل باسقات كما قال

سوام لهن طلع نضيد

وهم في كتاب زيتونة النور

وفيها لكل نار وقود

٥٢

وبأسمائهم إذا ذكر الله

بأسمائه اقتران أكيد

غادرتهم حوادث الدهر صرعى

كل شهم بالنفس منه يجود

لست أنسى الحسين في كربلاء

وهو ظام بين الأعادي وحيد

ساجد يلثم الثرا وعليه

قضب الهند رُكّع وسجود

يطلب الماء والفرات قريب

ويرى الماء وهو عنه بعيد

يا بني الغدر مَن قتلتم؟ لعمري

قد قتلتم مَن قام فيه الوجود

٥٣

عليّ بن اسحاق الزاهي الشاعر

ابو القاسم علي بن اسحاق بن خلف البغدادي المعروف بالزاهي الشاعر المشهور.

ولد يوم الاثنين لعشر بقين من صفر سنة ٣١٨ وتوفي يوم الأربعاء لعشر بقين من جمادي الآخرة سنة ٣٥٢ ببغداد ودفن في مقابر قريش.

والزاهي نسبة الى قرية ( زاه ) من قرى نيسابور وبعضهم قال إنما لقب الزاهي لأنه أول من زها في شعره (١) وذكره ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت عليهم‌السلام المجاهرين فقال: ابو القاسم الزاهي الشامي وصاف، وذكره عميد الدولة ابو سعيد بن عبد الرحيم في طبقات الشعراء قال: وشعره في أربعة اجزاء واكثر شعره في أهل البيت ومدح سيف الدولة والوزير المهلبي وغيرهما من رؤساء وقته وذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان فقال: كان وصّافا محسنا كثير الملح، وذكره الخطيب في تاريخ بغداد وأشار الى انه كان قطاناً وروى له السيد الأمين في الأعيان بعض اشعاره في الغزل والوصف.

فمن شعره قوله:

فوجهك نزهة الابصار حسنا‏

وصوتك متعة الاسماع طيبا

رنا ظبياً وغنّى عندليباً

ولاح شقائقا ومشى قضيبا

__________________

١ - وهو الاصوب لأنه بغدادي، وقرية الزاه بنيشابور، فأين هو منها.

٥٤

وقوله:

ارى الليل يمضي والنجوم كأنها

عيون الندامى حين مالت الى الغمض

وقد لاح فجر يغمر الجو نوره

كما انفرجت بالماء عين على الارض

  ومن شعر الزاهي في مدح امير المؤمنين:

دع الشناعات ايها الخدعة

واركن الى الحق واغد متّبعه

مَن وحّد الله أولا وأبى

إلا النبي الاميّ وأتّبعه

مَن قال فيه النبي: كان من الـ

ـحق عليّ والحق كان معه

مَن سلّ سيف الإله بينهم

سيفا من النور ذو العلى طبعه

مَن هزم الجيش يوم خيبرهم

وهزّ باب القموص فاقتلعه

مَن فرض المصطفى ولاه على

الخلق بيوم « الغدير » إذ رفعه

أشهد أن الذي نقول به

يعلم بطلانه الذي سمعه

  وقال يمدحه:

أُقيم نجم للخلافة حيدر

ومن قبل قال الطهر ما ليس ينكر

غداة دعاه المصطفى وهو مزمع

لقصد تبوك وهو للسير مضمر

فقال: أقم عنّى بطيبة واعلمن

بأنك للفجّار بالحق تهر

ولمّا مضى الطهر النبيّ تظاهرت

عليه رجال بالمقال وأجهروا

فقالوا: عليّ قد قلاه محمد

وذاك من الأعداء إفك ومنكر

فأتبعه دون المعرس فانثنى

وقالوا: عليّ قد أتى فتأخروا

ولمّا أبان القول عمّن يقوله

وأبدى له ما كان يبدي ويضمر

فقال: أما ترضى تكون خليفتي

كهارون من موسى؟ وشأنك أكبر

وعلاه خير الخلق قدرا وقدرة

وذاك من الله العليّ مقدّر

وقال رسول الله: هذا إمامكم

له الله ناجى أيها المتحيّر

٥٥

ومن شعر الزاهي في الامام امير المؤمنين عليه‌السلام رواها الأميني في الغدير:

لا يهتدي الى الرشاد من فحص

إلا إذا والى عليّا وخلص

ولا يذوق شربة من حوضه

من غمس الولا عليه وغمص

ولا يشم الرَوح من جنانه

مَن قال فيه مَن عداه وانتقص

نفس النبي المصطفى والصنو والـ

ـخليفة الوارث للعلم بنص

مَن قد أجاب سابقا دعوته

وهو غلام والى الله شخص

ما عرف اللات ولا العزّى ولا

انثنى اليهما ولا حب ونص

مَن ارتقى متن النبي صاعدا

وكسّر الأوثان في أولى الفرص

وطهّر الكعبة من رجس بها

ثمّ هو للأرض عنها وقمص

مَن قد فدا بنفسه محمدا

ولم يكن بنفسه عنه حرص

وبات من فوق الفراش دونه

وجاد فيما قد غلا وما رخص

مَن كان في بدر ويوم أحد

قطّ من الأعناق ما شاء وقص

فقال جبريل ونادى: لا فتى

إلا عليّ عمّ في القول وخص

مَن قدّ عمرو العامريّ سيفه

فخرّ كالفيل هوى وما قحص

وراءها صاح: ألا مبارز

فالتوت الأعناق تشكو من وقص (١)

مَن أعطى الراية يوم خيبر

من بعد ما بها أخو الدعوى نكص

وراح فيها مبصرا مستبصرا

وكان أرمدا بعينيه الرمص

فاقتلع الباب ونال فتحه

ودكّ طود مرحب لمّا قعص

من كسح البصرة من ناكثها

وقصّ رجل عسكر بما رقص

وفرق المال وقال: خمسة

لواحد. فساوت الجند الحصص

وقال في ذي اليوم يأتي مدد

وعدّه فلم يزد وما نقص

ومّن بصفّين نضا حسامه

ففلق الهام وفرّق القصص (٢)

__________________

١ - الوقص: الكسر.

٢ - عظام الصدر.

٥٦

وصدّ بن عمرو وبسر كرماً

إذ لقيا بالسوأتين من شخص

ومن أسال ( النهروان ) بالدما

وقطّع العرق الذي بها رهص

وكذّب القائل أن قد عبروا

وعدّ مَن يحصد منهم ويحص

ذاك الذي قد جمع القرآن في

أحكامه الواجبات والرُخص

ذاك الذي آثر في طعامه

على صيامه وجاد بالقُرص

فأنزل الله تعالى هل اتى

وذكر الجزاء في ذاك وقص

ذاك الذي أستوحش منه أنس

أن يشهد الحق فشاهد البرص

إذ قال: مَن يشهد بالغدير لي

فبادَر السامع وهو قد نكص

فقال: أنسيت. فقال: كاذب

سوف ترى مالا تواريه القمص

يا بن أبي طالب يا من هو من

خاتم الانبياء في الحكمة فص

فضلك لا ينكر لكن الولا

قد ساغه بعض وبعض فيه غص

فذكره عند مواليك شفا

وذكره عند معاديك غُصص

كالطير بعض في رياض أزهرت

وابتسم الورد وبعض في قفص

  وله في مدح أهل البيت عليهم‌السلام قوله، رواها الأميني في الغدير:

يا لائمي في الولا هل أنت تعتبر

بمن يوالي رسول الله أو يذر؟

قوم لو أن البحار تنزف بالأ

قلام مشقا وأقلام الدنا شجر

والإنس والجن كتّاب لفضلهم

والصحف ما احتوت الآصال والبكر

لم يكتبوا العشر بل لم يعد جهدهم

في ذلك الفضل إلا وهو محتقر

أهل الفخار وأقطاب المدار ومن

أضحت لأمرهم الايام تأتمر

هم آل أحمد والصيد الجحاجحة الز

هر الغطارفة العلويّة الغرر

والبيض من هاشم والأكرمون أولوا

الفضل الجليل ومن سادت بهم مضر

فافطن بعقلك هل في القدر غيرهم

قوم يكاد إليهم يرجع القدر

اعطوا الصفا نهلا أعطوا البنوة من

قبل المزاج فلم يلحق بهم كدر

وتوجوا شرفا ما مثله شرف

وقلّدوا خطرا ما مثله خطر

٥٧

حسبي بهم حججاً لله واضحة

يجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

هم دوحة المجد والأوراق شيعتهم

والمصطفى الاصل والذريّة الثمر

  وقوله:

يا سادتي يا آل ياسين فقط

عليكم الوحي من الله هبط

لولاكم لم يقبل الفرض ولا

رحنا لبحر العفو من أكرم شط

أنتم ولاة العهد في الذر ومن

هواهم الله علينا قد شرط

ما أحد قايسكم بغيركم

ومازج السلسل بالشرب اللمط

إلا كمن ضاهى الجبال بالحصا

أو قايس الأبحر جهلا بالنقط

  * * *

صنو النبيّ المصطفى والكاشف الـ‏

ـغمّاء عنه والحسام المخترط

أوّل من صام وصلّى سابقاً

إلى المعالي وعلى السبق غبط

  * * *

وكلّم الشمس ومَن رُدّت له

ببابل والغرب منها قد قبط

وراكض الأرض ومن أنبع للعـ

ـسكر ماء العين في الوادي للقحط

بحر لديه كل بحر جدول

يغرف من تيّاره إذا اغتمط

وليث غاب كل ليث عنده

ينظره العقل صغيرا إذ قلط

باسط علم الله في الأض ومَن

بحبّه الرحمن للرزق بسط

سيف لو أن الطفل يلقى سيفه

بكفّه في يوم حرب لشمط

يخطو إلى الحرب به مدرّعاً

فكم به قد قدّ من رجس وقط

  وللزاهى:

توليت خير الخلق بدء وآخرا

والقيت رحلي في حماهم مجاورا

٥٨

هم الآل آل الله والقطب الذي

بهم فلك التوحيد اصبح دائرا

أئمة حق خاتم الرسل جدهم

ووالدهم من كان للحق ناصرا

علي امير المؤمنين الذي اغتدى

الى قرنه بالسيف لا زال باترا

وأمهم الزهراء أكرم برّة

غدا قلبها مضنى على الوجد صابرا

فمنهم قتيل السم ظلما ومنهم

امام له جبريل يكدح زائرا

قتيل بأرض الطف أروت دماؤه

رماح الأعادي والسيوف البواترا

ومنهم أخو المحراب سجاد ليله

وباقر بطن العلم افديه باقرا

وسادسهم ياقوته العلم جعفر

إمام هدى تلقاه بالعدل آمرا

وسابعهم موسى ابو العلم الرضا

ومن لم يزل بالفضل للخلق غامرا

وثامنهم مرسي خراسان مَن به

طفقت حزينا للهموم مساورا

وتاسعهم زين الانام محمد

أبو علم للقوم اصبح عاشرا

ومنهم امام سر من را محلّه

اقام لحادي العشر منهم مجاورا

وآخرهم مهدي آل محمد

فكان لعقد الفاطمين آخرا

عليهم سلام الله لا زال ممسيا

يواصل اجداثا لهم ومباكرا

ولا زالت الاكباد منا اليهم

تحن حنين الفاقدات زوافرا

وأعيننا تجري دموعا عليهم

لما كابدوا تلك الملوك الجبابرا

وسوف يديل الله من كل ظالم

بقائم عدل يعلن الحق ظاهرا

وانا لنرجو الله بالحزن والبكا

لهم ان يحط السيئات الكبائرا

ويرزقنا فيهم شفاعة جدهم

فانا اتخذناها لتلك ذخائرا

  قال السيد الامين في الاعيان: وله في امير المؤمنين عليه‌السلام :

ما زلت بعد رسول الله منفردا‏

بحراً يفيض على الوراد زاخره

أمواجه العلم والبرهان لجتّه

والحلم شطاه والتقوى جواهره

٥٩

وله في مدح الإمام عليه‌السلام :

وآل عليا واستضيء مقباسه

تدخل جناناً ولتسقى كأسه

فمن تولاه نجا ومَن عَدا

ما عرف الدين ولا أساسه

أول من قد وحّد الله وما

ثنى إلى الأوثان يوما رأسه

فدى النبي المصطفى بنفسه

إذ ضيقت أعداؤه أنفاسه

بات على فرش النبي آمنا

والليل قد طافت به أحراسه

حتى إذا ما هجم القوم على

مستيقظ بنصله أشماسه

ثار إليهم فتولّوا فرقاً

يمنعهم عن قربه حماسه

مكسّر الأصنام في البيت الذي

ازيح عن وجه الهدى غماسه

رقى على الكاهل من خير الورى

والدين مقرون به أنباسه

ونكّس اللات والقى هَبَلا

مهشماً يقلبه انتكاسه

وقام مولاي على البيت وقد

طهّره إذ قد رمى أرجاسه

وفي ديوان ابي القاسم علي بن اسحاق

ابن خلف الزاهي البغدادي المخطوط

قصائد هذه أوائلها وكلها في اهل البيت عليهم‌السلام .

١ - قد تركتني مصائبي حِرضا‏

ما سغت ريقا بها ولا جرضا

٢ - ساقها شوق الى طو

س ومن تحميه طوس

٣ - يا ابا السبطين وجدي عليكم

في مسائي مضرم وابتكاري

٤ - ايا صاحبي قد قطعنا الطريقا

وانت تحاول ما لن يليقا

  ونتف تتألف من خمسة أبيات واقل وأكثر قد جمعها المرحوم الشيخ محمد السماوي ونضدّها بخطه:

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

إيَّاك أنْ تكون فحَّاشاً أو صخَّاباً أو لعَّاناً

عن سماعة قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال لي مُبتدئاً:

(يا سماعة، ما هذا الذي كان بينك وبين جمالك؟ إيَّاك أنْ تكون فَحَّاشاً أو صخَّاباً أو لعَّاناً).

فقلت: والله، لقد كان ذلك أنَّه ظلمني.

فقال: (إنْ كان ظلمك لقد أربيت عليه، إنَّ هذا ليس مِن فعالي ولا آمر به شيعتي. استغفرْ رَبَّك ولا تعُدْ).

قلت: أستغفر الله ولا أعود (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٦١

إذا تناولتم المُشركين فعمُّوا ولا تخصُّوا

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

(خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعرض الخيل فمَرَّ بقبر أبي أُحيحة.

فقال أبو بكر: لعن الله صاحب هذا القبر. فوَ الله، إنْ كان ليصُدَّ عن سبيل الله، ويُكذِّب رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقال خالد ابنه: ولعنَ الله أبا قحافة. فوالله، ما كان يُقري الضيف، ولا يُقاتل العدوَّ؛ فلعن الله أهونهما على العشيرة فقداً.

فألقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) خِطام راحلته على غاربها، ثمَّ قال:

إذا أنتم تناولتم المُشركين فعمُّوا، ولا تخصُّوا فيغضب ولده) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٦٢

حَقُّ شكر الله أنْ تقول: الحمد لله

روي أنَّ الصادق (عليه السلام) قد ضاعت دابَّته، فقال:

(لئن ردَّها الله عليَّ لأشكرَنَّ الله حَقَّ شُّكره).

قال الراوي: فما لبث أنْ أُتي بها.

فقال: (الحمد لله).

فقال قائل: جُعِلت فداك! أليس قلت: لأشكرنَّ الله حَقَّ شُكره؟!

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (ألم تسمعني قلت: الحمد لله؟!) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٦٣

اذهب مع أخيك في حاجته ولو كنت في الطواف

عن أبان بن تغلب قال:

كنت أطوف مع أبي عبد الله (عليه السلام)، فعرض لي رجل مِن أصحابنا، يسألني الذهاب معه في حاجة، فأشار إليَّ، فكرهت أنْ أدع أبا عبد الله (عليه السلام) وأذهب إليه، فبينا أنا أطوف، إذ أشار إليَّ أيضاً، فرآه أبو عبد الله (عليه السلام) فقال:

(يا أبان، إيَّاك يُريد هذا؟).

قلت: نعم.

قال: (فمَن هو؟).

قلت: رجل مِن أصحابنا.

قال: (هو على مِثل ما أنت عليه؟).

قلت: نعم.

قال: (فاذهب إليه).

قلت: فأقطع الطواف؟

قال: (نعم).

قلت: وإنْ كان طواف الفريضة؟

قال: (نعم).

قال: فذهبت إليه (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٦٤

قضاء حاجة المؤمن كعبادة الله تسعة آلاف سنة..

عن ابن عباس قال:

كنت مع الحسن بن علي في المسجد الحرام، وهو مُعتكف يطوف بالكعبة. فعرض له رجل مِن شيعته فقال: يا ابن رسول الله، إنَّ عليَّ ديناً لفُلان، فإنْ رأيت أنْ تقضي عنِّي؟

فقال: (ورَبِّ هذه البنية، ما أصبح عندي شيء).

فقال: إنْ رأيت أنْ تستمهله عنِّي؛ فقد تَهدَّدني بالحبس.

قال ابن عباس: فقطع الحسن بن علي الطواف، وسعى معه.

فقلت: يا ابن رسول الله، أنسيت أنَّك مُعتكِف؟!

فقال: (لا، ولكنْ سمعت أبي (عليه السلام) يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآل) يقول:

مَن قضى أخاه المؤمن حاجة، كان كمَن عبد الله تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره وقائماً ليله) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٦٥

ادفعوا حُجَّة الله بقضاء حوائج إخوانكم

عن داود بن سرحان قال:

كنَّا عند أبي عبد الله (عليه السلام)، إذ دخل عليه سَدير الصيرفي، فسلَّم وجلس فقال له: (يا سدير، ما كثر مال رجل قطُّ إلاَّ عظمت الحُجَّة لله تعالى عليه، فإنْ قدرتم أنْ تدفعوها عن أنفسكم فافعلوا).

فقال له: يا بن رسول الله، بماذا؟

قال: (بقضاء حوائج إخوانكم في أموالكم) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج3.

١٦٦

إنْ كان أعتقني لله فليدَعْني لله..

روي أنَّ بلالاً أبى أنْ يُبايع أبا بكر وأنَّ عمر أخذ بتلابيبه وقال له:

يا بلال، هذا جزاء أبي بكر منك، أنْ أعتقك فلا تجيء تُبايعه؟

فقال: إنْ كان أبو بكر قد أعتقني لله فليَدَعْني لله، وإنْ كان أعتقني لغير ذلك فها أنا ذا، وأمَّا بيعته فما كنت أُبايع مَن لم يستخلفه رسول الله، والذي استخلفه بيعته في أعناقنا إلى يوم القيامة!

فقال له عمر: لا أباً لك، لا تُقِمْ معنا.

فارتحل إلى الشام، وتوفِّي في دمشق بباب الصغير (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج3.

١٦٧

إنَّ لله يوماً يخسر فيه المُبطلون

كان بالمدينة رجل بطَّال يُضحِك الناس، وقد أعياه علي بن الحسين (عليهما السلام) أنْ يُضحكه، فمَرَّ عليٌّ وخلفه موليان له. فجاء الرجل حتَّى انتزع رداءه عن كتفيه (صلوات الله وسلامه عليه)، ثمَّ مضى، فلم يلتفت إليه عليٌّ (عليه السلام)، فاتبعه غُلاماه وأخذا الرِّداء منه، وجاءا به فطرحاه عليه، فقال لهم: (مَن هذا؟).

قالوا: هذا رجل بطَّال يُضحك أهل المدينة.

قال: (قولوا له: إنَّ لله يوماً يخسر فيه المُبطلون) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج3.

١٦٨

كتمان أمري أحبُّ إليَّ

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) لا يُسافر إلاَّ مع رُفقة لا يعرفونه، ويشترط عليهم أنْ يكون مِن خَدم الرُفقة فيما يحتاجون إليه، فسافر مَرَّة مع قوم، فرآه رجل فعرفه فقال لهم: أتدرون مَن هذا؟

قالوا: لا.

قال: هذا عليُّ بن الحسين (عليهما السلام).

فوثبوا فقبَّلوا يده ورُجله، وقالوا: يا بن رسول الله، أردت أنْ تصلينا نار جَهنَّم؛ لو بدرت مِنَّا إليك يدٌ أو لسان، أما كنا قد هلكنا آخر الدهر فما الذي يحملك على هذا؟!

قال: (إنِّي كنت قد سافرت مَرَّة مع قوم يعرفونني، فأعطوني برسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لا أستحقُّ به، فإنِّي أخاف أنْ تُعطوني مِثل ذلك، فصار كتمان أمري أحبَّ إليَّ) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج3.

١٦٩

ألا قلتَ: ربنا آتنا في الدنيا حسنة..؟!

روي أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على مريض فقال: (ما شأنك؟).

قال صلَّيتَ بنا صلاة المغرب، فقرأت القارعة، فقلتُ: اللَّهمَّ إنْ كان لي عندك ذنب تُريد أنْ تعذِّبني به في الآخرة، فعجل ذلك في الدنيا، فصرت كما ترى.

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (بِئْسَ ما قلتَ! ألا قلتَ: ربَّنا، آتنا في الدنيا حَسنة، وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار).

فدعا له حتَّى أفاق (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج3.

١٧٠

البِرِّ ما اطمأنَّ به الصدر والإثم ما تردَّد فيه..

وابصة الأسدي أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: لا أدع مِن البِرِّ والإثم شيئاً إلاّ سألته عنه.

فلمَّا أتاه قال له بعض أصحابه: إليك - يا وابصة - عن رسول الله.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (دعه، ادْنُ يا وابصة).

قال: فدنوت فقال: (تسأل عمَّا جئتَ له أو أُخبرك؟).

قال: أخبرني.

قال: (جئتَ تسأل عن البِرِّ والإثم).

قال: نعم.

فضرب بيده على صدره، ثمَّ قال: (يا وابصة، البِرُّ ما اطمأنَّ به الصدر، والإثم ما تردَّد في الصدر وجال في القلب، وإنْ أفتاك الناس وأفتوك) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج3.

١٧١

إنَّما نجزع قبل المُصيبة

فإذا وقع أمر الله رضينا وسلَّمنا

عن قتيبة ابن الأعشى، قال: أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) أعود ابناً له، فوجدته على الباب، فإذا هو مُهتمٌّ حزين.

فقلت: جُعِلت فداك! كيف الصبيُّ؟

فقال: (إنَّه لِما به).

ثمَّ دخل فمكث ساعة، ثمَّ خرج إلينا وقد أسفر وجهه وذهب التغيُّر والحُزن. فطمعت أنْ يكون قد صَلح الصبيُّ، فقلت: كيف الصبيُّ؟ جُعلت فِداك!

فقال: (قد مضى لسبيله).

فقلت: جُعِلت فداك! لقد كنتَ وهو حَيٌّ مُغتمَّاً حزيناً، وقد رأيت حالك الساعة - وقد مات - غير تلك الحال، فكيف هذا؟!

فقال: (إنَّا أهل البيت، إنَّما نجزع قبل المُصيبة، فإذا وقع أمر الله رضينا بقضائه وسلَّمنا لأمره) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج3.

١٧٢

واهاً لمَن يُذلُّ المؤمنين!

قال الحسين بن أبي العلاء: خرجنا إلى مَكَّة نيِّفاً وعشرين رجلاً، فكنت أذبح لهم في كلِّ منزل شاة، فلمَّا أردت أنْ أدخل على أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

(واهاً - يا حسين - أتُذل المؤمنين؟!).

قلت: أعوذ بالله مِن ذلك.

فقال (عليه السلام): (بلغني أنَّك كنت تذبح لهم في كلِّ منزل شاة).

قلت: يا مولاي، والله، ما أردت بذلك إلاَّ وجه الله تعالى.

فقال (عليه السلام): (أما كنت ترى أنَّ فيهم مَن يُحبُّ أنْ يفعل مثل أفعالك، فلا يبلغ مقدرته ذلك فيتقاصر إليه نفسه).

قلت: يا ابن رسول الله.. أستغفر الله ولا أعود (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج3.

١٧٣

يُقدَّر الرزق بالحلال فيُطلب بالحرام

دخل عليٌّ (عليه السلام) المسجد وقال لرجل: (امسِك عليَّ بغلتي).

فخلع لجامها وذهب به، فخرج عليٌّ (عليه السلام) بعدما قضى صلاته وبيده دِرهمان ليدفعهما إليه مُكافأة له، فوجد البغلة عطلى، فدفع إلى غُلامه الدرهمين ليشتري به لجام، فصادف الغُلام اللجام المسروق في السوق، قد باعه الرجل بدرهمين، فأخذه بالدرهمين وعاد إلى مولاه.

فقال عليٌّ (عليه السلام): (إنَّ العبد ليَحرم نفسه الرِّزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قدر له) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج3.

١٧٤

أحاديث أهل مصرنا مُنذ دهرنا..!!

جاء رجل إلى الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد فقال: حدَّثني سفيان الثوريّ، عن محمّد بن المنكدر: أنَّه رأى عليَّاً (عليه السلام) على منبرٍ بالكوفة وهو يقول: (لئن أُتيت برجلٍ يُفضلِّني على أبي بكرٍ وعمر لأجلدنَّه حَدَّ المُفتري).

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (زِدْنا).

قال: حدَّثنا سفيان عن جعفرٍ أنَّه قال: حُبُّ أبي بكرٍ وعمر إيمانٌ وبغضهما كُفرٌ .

قال أبو عبد الله (عليه السلام): (زِدْنا).

قال: حدَّثنا سفيان الثوريّ، عن جعفر بن محمّدٍ أنَّ عليَّاً (عليه السلام): لمَّا قتلَ أهل صِفِّين بكى عليهم، وقال جمع الله بيني وبينهم في الجَنَّة.

فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): (مِن أيِّ البلاد أنت؟).

قال: مِن أهل البصرة.

قال: (هذا الذي تُحدِّث عنه وتذكر اسمه (جعفر بن محمّدٍ) هل تعرفه؟).

قال: لا.

قال: (فهل سمعت منه شيئاً قَطُّ؟).

قال: لا.

قال: (فهذه الأحاديث عندك حَقٌّ؟).

قال: نعم.

قال: (فمِنِّي سمعتها؟).

قال: لا أحفظ. ألاَّ أنَّها أحاديث أهل مِصرنا مُنذ دهرنا.

١٧٥

قال له أبو عبد الله (عليه السلام): (لو رأيت هذا الرجل الذي تُحدِّث عنه، فقال لك هذه التي ترويها عِنِّي كَذِبٌ، لا أعرفها ولم أُحدِّث بها، هل كنت تُصدِّقه؟).

قال: لا.

قال: (ولِمَ؟).

قال: لأنَّه شَهِد على قوله رجالٌ، لو شهد أحدهم على عِتق رجلٍ لجاز قوله (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج3.

١٧٦

فعلت هذا اقتداءً بجَدِّي

روي أنَّه لمَّا حُمل عليُّ بن الحسين (عليهم السلام) إلى يزيد هَمَّ بضرب عُنقه، فوقَّفه بين يديه وهو يُكلِّمه ليستنطقه بكلمةٍ يوجب بها قتله، وعليُّ بن الحسين (عليه السلام) يُجيبه حيثما يُكلِّمه وفي يده سِبحةٌ صغيرةٌ يُديرها بأصابعه وهو يتكلَّم.

فقال له يزيد: أنا أُكلِّمك وأنت تُجيبني وتُدير أصابعك بسبحةٍ في يدك، فكيف يجوز ذلك؟

فقال: (حدَّثني أبي عن جَدِّي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنّه كان إذا صلَّى الغداة وانفتل لا يُكلِّم حتَّى يأخذ سِبحةً بين يديه، فيقول:

اللَّهمَّ، إنِّي أصبحت أُسبِّحك وأحمدك، وأُهلِّلك وأُكبِّرك، وأُمجِّدك بعدد ما أُدير به سِبحتي، ويأخذ السِّبحة في يده ويُديرها وهو يتكلَّم بما يُريد مِن غير أنْ يتكلَّم بالتَّسبيح، وذكر أنَّ ذلك مُحتسبٌ له، ففعلت هذا اقتداءً بجَدِّي).

فقال له يزيد مَرّةً بعد أُخرى: لست أُكلِّم أحداً منكم إلاَّ يُجيبني بما يفوز به (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج3.

١٧٧

أبو الحسن وقضيَّة لم يَرد مثلها

قال الصادق (عليه السلام): (رجل مِن أهالي جَبَل - في زمن خلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام) - قصد حَجَّ بيت الله الحرام وكان له غُلام معه. فارتكب الغُلام ذنباً وعندها ضرب المولى الغُلام تأديباً.

التفت الغُلام إلى مولاه وقال: أنت لستَ بمولاي بلْ أنا مولاك!

فقررا أنْ يذهبا إلى الكوفة. وعندما وصلا إلى الكوفة ذهبا إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال الذي ضرب الغُلام: أصلحك الله، هذا غُلامٌ لي، وإنَّه أذنب فضربته فوثب عليَّ.

وقال الآخر: هو - والله - غلامٌ لي، إنَّ أبي أرسلني معه ليُعلِّمني، وإنَّه وثب عليَّ يدَّعيني ليذهب بمالي.

قال: فأخذ هذا يَحلف، وهذا يَحلف، وهذا يُكذِّب هذا، وهذا يُكذِّب هذا.

قال فقال عليٌّ (عليه السلام): انطلقا فتصادقا في ليلتكما هذه، ولا تجيئاني إلاّ بحَقٍّ.

فلمَّا أصبح أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لقَنبرٍ: اثقُب في الحائط ثَقبين.

قال: وكان إذا أصبح عقَّب حتَّى تصير الشَّمس على رمحٍ يُسبِّح.

فجاء الرَّجلان واجتمع النَّاس، فقالوا: لقد وردت عليه قضيَّةٌ ما ورود عليه مثلها لا يخرج منها.

فقال لهما: ما تقولان؟

فحلف هذا، إنَّ هذا عبده. وحلف هذا، إنَّ هذا عبده.

فقال لهما: فإنِّي لست أراكما تصدقان. ثمَّ قال لأحدهما: أدخِل رأسك في

١٧٨

هذا الثَّقب، وقال للآخر: أدخل رأسك في هذا الثَّقب.

ثمَّ قال: يا قنبر، عليَّ بسيف رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عَجِّل اضرب رقبة العبد منهم.

قال: فأخرج الغلام رأسه مُبادراً.

فقال عليٌّ (عليه السلام) للغُلام: ألست تزعم أنَّك لست بعبدٍ؟

ومَكث الآخر في الثَّقب.

فقال: بلى، ولكنَّه ضربني وتعدَّى عليَّ.

قال فتوثَّق له أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفعه إليه) (1).

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج3.

١٧٩

ما قلَّ وكفى خيرٌ مِمَّا كثُر وألهى

مَرَّ رسول الله براعي إبلٍ فبعث يستسقيه، فقال: أمَّا ما في ضروعها فصَبوح الحَيِّ، وأمَّا ما في آنيتنا فغَبوقهم.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (اللَّهمَّ، أكثر ماله ووُلده).

ثمَّ مَرَّ براعي غنم، فبعث إليه يستسقيه، فحلب له ما في ضُروعها وأكفأ ما في إنائه في إناء رسول الله وبعث إليه بشاة، وقال: هذا ما عندنا وإنْ أحببت أنْ نزيدك زدناك.

فقال رسول الله: (اللَّهمَّ، ارزقه الكَفاف).

فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله، دعوت للذي رَدَّك بدعاءٍ عامَّتُنا نُحبُّه، ودعوت للذي أسعفك بحاجتك بدعاءٍ كلُّنا نكرهه!

فقال رسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنَّ ما قلَّ وكفى خيرٌ مِمَّا كثُر وألهى، اللَّهمَّ، ارزق محمَّداً وآل محمّدٍ الكَفاف) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج3.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335