الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ21%

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 274

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ
  • البداية
  • السابق
  • 274 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137377 / تحميل: 6149
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ورجل آخر من البلاط هو يزداد النصراني تلميذ بختيشوع طبيب البلاط، أسلم عند موته حينما شاهد احدى معاجز الامام عليه‌السلام ، روى ذلك الطبري بالاسناد عن أبي الحسين محمد بن إسماعيل بن أحمد الفهقلي الكاتب بسر من رأى، عن أبيه قال: لما اعتل يزداد بعث إلي فحضرت عنده، فقال: إن قلبي قد ابيض بعد سواده، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن علي ابن محمد حجة الله على خلقه وناموسه الأعلم، ثم مات في مرضه ذلك (١) .

وأبو عبد الله الجنيدي الذي عهد إليه عمر بن الفرج الرخجي أن يعلم الامام عليه‌السلام بأمر المعتصم، وكان معروفاً بعداء أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد ذهل من حدّة ذكاء الامام عليه‌السلام وغزارة علمه، الأمر الذي جعله ينزع نفسه عن النصب والعداء لأهل البيت عليهم‌السلام ، ويدين بالولاء لهم ويعتقد بالامامة ويهتدي إلى سواء السبيل (٢) .

ورجل آخر من ديار ربيعة، وكان نصرانياً، من أهل كفرتوثا، يسمى يوسف بن يعقوب، أسلم ابنه ببركة الامام الهادي عليه‌السلام وحسن اسلامه بعد أن لاحظ بعض دلائل الامام عليه‌السلام (٣) .

وكان الامام عليه‌السلام سبباً في هداية أحد القياصرة الذي أعجب بتفوقه

__________________

(١) دلائل الإمامة / الطبري: ٤١٩ / ٣٨٢ - مؤسسة البعثة - قم - ١٤١٣ هـ، نوادر المعجزات / الطبري: ١٨٨ / ٧ - مؤسسة الإمام المهدي عليه‌السلام - قم - ١٤١٠ هـ، فرج المهموم: ٢٣٣.

(٢) إثبات الوصية / المسعودي: ٢٢٢.

(٣) الخرائج والجرائح ١: ٣٩٦ / ٣.

١٢١

العلمي، كما جاء عن ابن أمير الحاج في شرح شافية أبي فراس، قال: ومما نقل أن قيصراً ملك الروم كتب إلى خليفة من خلفاء بني العباس كتاباً يذكر فيه: إنا وجدنا في الانجيل أنه من قرأ سورة خالية من سبعة أحرف حرم الله تعالى جسده على النار، وهي: الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء، فإنا طلبنا هذه السورة في التوراة فلم نجدها، وطلبناها في الزبور فلم نجدها، فهل تجدونها في كتبكم؟

فجمع العلماء وسألهم في ذلك، فلم يجب منهم أحد عن ذلك إلا النقي علي ابن محمد بن الرضا عليهم‌السلام ، فقال: « إنها سورة الحمد، فإنها خالية من هذه السبعة أحرف ».... فلما وصل الجواب إلى قيصر وقرأه فرح بذلك فرحاً شديداً وأسلم لوقته ومات على الاسلام (١) .

هذه هي بعض آثار الإمام الهادي عليه‌السلام في مخالفيه ومناوئيه، فعلينا أن ننفتح عليها لنزداد هديا من هديه، وعلما من علمه، ووعيا ممّا يعطينا من عناصر الوعي.

* * *

__________________

(١) شرح شافية أبي فراس / ابن أمير الحاج: ٥٦٣ - مؤسسة الطباعة والنشرـ وزارة الثقافة والارشاد - ايران.

١٢٢

الفصل الثّالث

الهوية الشخصية للإمام الهادي عليه السلام

نسبه الشريف:

هو أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق بن محمد باقر العلم بن علي زين العابدين بن الحسين السبط الشهيد بن علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

ألقابه:

أشهر ألقاب الإمام أبي الحسن عليه‌السلام هو النقي والهادي، وقيل: بل أشهرها المتوكل، لكنه عليه‌السلام كان يخفي ذلك ويأمر أصحابه أن يعرضوا عن هذا اللقب، لكونه يومئذ لقباً لجعفر المتوكل بن المعتصم العباسي.

وعرف عليه‌السلام بالعسكري، وكذلك ابنه الحسن عليه‌السلام الامام بعده، نسبة إلى محلة العسكر التي كان يسكنها عليه‌السلام في سامراء، وهو عسكر المعتصم الذي بناه لجيشه (١) .

قال الشيخ الصدوق: سمعت مشايخنا رضي اللّه عنهم يقولون: إنّ المحلّة التي

__________________

(١) راجع: الانساب / للسمعاني ٤: ١٩٤، معجم البلدان - المجلد الثالث: ٣٢٨، الأئمّة الاثناعشر / لابن طولون: ١١٣.

١٢٣

يسكنها الإمامان علي بن محمد والحسن بن علي عليهما‌السلام بسرّ من رأى كانت تسمّى عسكر، فلذلك قيل لكلّ واحدٍ منهما العسكري (١) .

وقيل: هو اسم سرّ من رأى، قال الفيروزآبادي: وعسكر اسم سر من رأى، وإليه نسب العسكريان أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر، وولده الحسن، وماتا بها (٢) .

وكان هو وولده العسكري وجده الجواد عليهم‌السلام يعرف كلّ منهم في زمانه بابن الرضا (٣) .

وهناك ألقاب اُخرى تطلق على الإمام الهادي عليه‌السلام وفي كلّ منها دلالة على كمال من كمالاته أو مظهر من مظاهر شخصيته، منها: المرتضى، والعالم، والدليل، والموضح، والرشيد، والشهيد، والوفي، والنجيب، والمتقي، والخالص، والناصح، والفتاح، والفقيه، والأمين، والطيب (٤) .

قال الشاعر:

هو النقي لم يزل نقيا

وكان عند ربه مرضيا

وسره بكل معناه نقي

فإنه سر الوجود المطلق

__________________

(١) علل الشرائع / الشيخ الصدوق ١: ٢٣٠ - باب ١٧٦، معاني الأخبار / الشيخ الصدوق: ٦٥ / ١٧ باب معاني أسماء محمد وعلي وفاطمة والأئمّة عليهم‌السلام ، بحار الأنوار ٥٠: ١١٣ / ١ و ٢٣٥ / ١.

(٢) القاموس المحيط / الفيروزآبادي - عسكر - ٢: ٩٢ - دار الجيل - بيروت.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب ٤: ٤٥٥، الفصول المهمة ٢: ١٠٨٠، إعلام الورى ٢: ١٣١.

(٤) الهداية الكبرى / الخصيبي: ٣١٣، المناقب / ابن شهرآشوب ٤: ٤٠١، الفصول المهمة ٢: ١٠٨٠، دلائل الامامة: ٤١١، إعلام الورى ٢: ١٠٩ و ١٣١.

١٢٤

فهو نقي السر والسريره

وسر جده بحكم السيره

وكيف لا وهو ابن من تدلى

في قربه من العلي الأعلى

ما كذب الفؤاد ما رآه

مذ بلغ الشهود منتهاه

مرآته نقية من الكدر

فما طغى قط وما زاغ البصر (١)

كنيته:

اشتهر الإمام الهادي عليه‌السلام بكنية واحدة عرف بها عند المؤرخين والمحدثين، هي أبو الحسن، وقد يخصص فيقال له عليه‌السلام أبو الحسن الثالث، اذ أن المشهور بين المحدثين في التعبير عنهم بأبي الحسن ثلاثة: موسى الكاظم، وعلي الرضا، وعلي الهادي عليهم‌السلام ، وإن شاركهم بعض باقي الأئمّة عليهم‌السلام في هذه الكنية، فإذا ورد حديث عن أبي الحسن وأطلق أو خصص بالماضي فهو موسى الكاظم عليه‌السلام ، وإذا قيد بالثاني فهو علي الرضا عليه‌السلام ، وإذا قيد بالثالث فهو علي الهادي عليه‌السلام (٢) .

ولادته:

ولد الامام علي الهادي عليه‌السلام في بصريا (٣) من أعمال المدينة، للنصف من ذي الحجة سنة ٢١٢ هـ (٤)، وعن شيخ الطائفة الطوسيفي المصباح، قال: وروي أنه

__________________

(١) الأنوار القدسية / محمد حسين الأصفهاني: ٩٦.

(٢) التتمة في تواريخ الأئمّة عليهم‌السلام / السيد تاج الدين العاملي: ١٣٧.

(٣) وهي قرية بناها الامام موسى بن جعفر عليه‌السلام على ثلاثة أميال من المدينة. مناقب ابن شهر آشوب ٤: ٣٢٨.

(٤) الارشاد ٢: ٢٩٧، أصول الكافي١: ٤٩٧، كشف الغمة ٣: ١٦٦.

١٢٥

ولد عليه‌السلام يوم ٢٧ من ذي الحجة (١)، وقيل: في رجب سنة ٢١٤ في ملك المأمون (٢)، واختلف في اليوم من شهر رجب فقيل: انه ولد في الثاني منه (٣)، وقيل: في الثالث منه (٤)، وقيل: في الخامس منه (٥) .

حليته:

وصف الامام الهادي عليه‌السلام بأنه شديد السمرة، أدعج العينين، شثن الكفين، عريض الصدر، أقنى الأنف، أفلج الأسنان، حسن الوجه، طيب الريح، جسيم البدن، ولم يكن بالقصير المتردد ولا بالطويل الممغط، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس (٦)، معتدل القامة (٧) .

قال الشاعر:

ووجهه في مصحف الامكان

فاتحة الكتاب في القرآن

__________________

(١) في رحاب أئمة أهل البيت عليهم‌السلام / السيد محسن الأمين ٤: ١٧٣.

(٢) تذكرة الخواص: ٣٦٢، التتمة في تواريخ الأئمّة عليهم‌السلام : ١٣٥، تاريخ بغداد ١٢: ٥٧ / ٦٤٤٠ عن سهل بن زياد، الأنساب / السمعاني ٤: ١٩٤ دون ذكر الشهر.

(٣) مصباح الكفعمي: ٥٢٣.

(٤) دلائل الامامة: ٤٠٩ برواية عن الامام الحسن العسكري عليه‌السلام .

(٥) إعلام الورى ٢: ١٣١.

(٦) الدعج: شدة سواد العين مع سعتها. الشثن: الغليظ الخشن. القصير المتردد: المفرط في القصر. الطويل الممغط: المفرط في الطول.

(٧) راجع: المناقب / ابن شهر آشوب ٤: ٤٠٢، حياة الامام الهادي عليه‌السلام / جعفر شريف القرشي: ٢١ عن مآثر الكبراء في تاريخ سامراء ٣: ٢٠ وجوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: ١٥١.

١٢٦

بل وجهه عنوان حسن الذات

ديباجة الأسماء والصفات

طلعته مطلع نور النور

ومشرق الشموس والبدور

غرته في أفق الامامه

بارقة العزة والكرامه

نور الهدى والرشد في جبينه

بحر الندى والجود في يمينه

بل هي بيضاء سماء المعرفه

بها أضاء كل اسم وصفه

كلتا يديه مبدأ الأيادي

وفيهما آية المراد

ففي اليمين قلم العنايه

وفي الشمال علم الهدايه

واليمن والأمان في يمناه

واليسر واليسار في يسراه

وعينه باصرة البصائر

ونورها النافذ في الضمائر

بل عينه في النور والشعاع

إنسان عين عالم الابداع

بل هي في الضياء والبهاء

قرة عين عالم الأسماء (١)

نقش خاتمه:

كان له عليه‌السلام خاتم نقش فصه ثلاثة أسطر: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، أستغفر الله. وروي أن نقش خاتمه عليه‌السلام : هو الله ربي وهو عصمني من خلقه.

وفي مصباح الكفعمي: أن نقش خاتمه: حفظ العهود من أخلاق المعبود. وقيل في معناه: أن حفظ الامور التي عهد الله بها إلينا من فعل أو ترك من الأخلاق التي يحبها الله (٢) .

__________________

(١) الأنوار القدسية / الشيخ محمد حسين الاصفهاني: ٩٦.

(٢) دلائل الامامة ٤: ٤١١، الفصول المهمة ٢: ١٠٨٠، نور الأبصار: ٣٣٤، مصباح الكفعمي: ٣٢٥، التتمة في تواريخ الأئمّة عليهم‌السلام : ١٣٦.

١٢٧

بوابه:

بوابه عليه‌السلام : عثمان بن سعيد العمري. وعن ابن شهرآشوب: بوابه محمد بن عثمان العمري (١) .

وكلاؤه:

أهم وكلاؤه عليه‌السلام المذكورين في مصادر الرجال: إبراهيم بن عبدة النيسابوري، أيوب بن نوح بن دراج النخعي، جعفر بن سهيل الصيقل، الحسن ابن راشد، زنكان أبو سليم، علي بن جعفر الهمداني، علي بن الريان بن الصلت الأشعري.

شاعره:

شعراؤه عليه‌السلام : العوفي والديلمي ومحمد بن إسماعيل بن صالح الصيمري (٢) .

عمره ومدة إمامته:

عمره يوم وافاه الأجل احدى وأربعون سنة وستة أشهر أو أربعون سنة، بحسب الاختلاف الذي مضى في ولادته عليه‌السلام ، فقد ولد في ذى الحجة سنة ٢١٢ هـ، أو رجب سنة ٢١٤ هـ، واستشهد عليه‌السلام في رجب أو جمادى الآخرة سنة ٢٥٤ هـ، وعاش نحو ثمانية أعوام في ظلّ أبيه الإمام الجواد عليه‌السلام الذي استشهد سنة ٢٢٠ هـ، ومدّة إمامته بعد أبيه نحو أربع وثلاثين سنة (٣) .

__________________

(١) تأريخ الأئمّة / ابن أبي الثلج: ٣٣، الفصول المهمة ٢: ١٠٨٠، نور الأبصار: ٣٣٤، المناقب / ابن شهر آشوب ٤: ٤٠٣، دلائل الامامة: ٤١١.

(٢) الفصول المهمة ٢: ١٠٨٠، في رحاب أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ٤: ١٧٤.

(٣) راجع: أصول الكافي١: ٤٩٧ - باب مولد أبي الحسن علي بن محمد عليه‌السلام من

١٢٨

أمه:

أمه عليه‌السلام أم ولد اسمها سُمانة، ويقال لها أيضاً: سُمانة المغربية، وقيل: متفرشة المغربية، ومن أسمائها الأخرى: سوسن، وجمانة. وكنيتها: أُم الفضل. ولقبها: السيدة (١) .

وقد ورد في حقها ما يستفاد منه أنها كانت على درجة كبيرة من الفضائل والصفات الحميدة، فضلاً عن معرفة حق الامام عليه‌السلام والتسليم بامامته وغير ذلك من المزايا التي بوأتها درجات أمهات الصديقين والصالحين.

روى أبو جعفر الطبري الامامي وغيره بالاسناد عن محمد بن الفرج بن إبراهيم بن عبد الله بن جعفر، قال: دعاني أبو جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم‌السلام ، فأعلمني أن قافلة قد قدمت وفيها نخاس معه جوارٍ، ودفع إلي سبعين ديناراً، وأمرني بابتياع جارية وصفها لي، فمضيت وعملت بما أمرني به،

__________________

كتاب الحجة، الارشاد ٢: ٢٩٧ و ٣١٣، تاج المواليد / الطبرسي: ١٣٤، المناقب / ابن شهرآشوب ٤: ٤٠١، دلائل الإمامة: ٤٠٩، كشف الغمة ٣: ١٧٤ و ١٩٥، إعلام الورى ٢: ١٣١، التتمة في تواريخ الأئمّة عليهم‌السلام : ١٤٢، بحار الأنوار ٥٠: ٢٣٦ و ٢٣٨.

(١) أصول الكافي١: ٤٩٨ - باب مولد أبي الحسن علي بن محمّد عليهما‌السلام من كتاب الحجّة، إكمال الدين ١: ٣٠٧ - باب ٢٧ - خبر اللوح، الإرشاد ٢: ٢٩٧، إثبات الوصية: ٢٢٠، دلائل الإمامة: ٤١١، المناقب / ابن شهرآشوب ٤: ٤٠١، كشف الغمة ٣: ١٦٤، الهداية الكبرى / الخصيبي: ٣١٣، روضة الواعظين: ٢٤٦، إعلام الورى ٢: ١٣١ و ١٠٩، نور الأبصار: ١٨١، الفصول المهمة: ٢: ١٠٨٠، بحار الأنوار ٥٠: ١١٤.

١٢٩

فكانت تلك الجارية أم أبي الحسن عليه‌السلام (١) .

وعن محمد بن الفرج وعلي بن مهزيار، عن الامام الهادي عليه‌السلام ، أنه قال: « أمي عارفة بحقي، وهي من أهل الجنة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبار عنيد، وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام، ولا تتخلف عن أمهات الصديقين والصالحين » (٢) .

زوجته:

نقل عن بعض التواريخ أنه عليه‌السلام كانت له سرية لا غير (٣) . وجاء في أغلب التواريخ أن زوجته عليه‌السلام اُمّ ولد، يقال لها سوسن، وتكنى اُمّ الحسن، وأُم أبي محمّد، وتعرف بالجدّة، أي جدّة الإمام صاحب الزمان عليه‌السلام .

ولها أسماء اُخرى، فيقال لها: حُديث، وحُديثة، وسليل، وسمانة، وشكل النوبية، وعسفان، وقيل: ان سبب تعدد أسمائها لأنه قد جرت العادة على تغيير اسم الجواري عند شرائها. غير أن أشهر أسمائها: سوسن، وحديث (٤) .

__________________

(١) دلائل الإمامة: ٤١٠ / ٣٦٨.

(٢) دلائل الامامة: ٤١٠ / ٣٦٩، إثبات الوصية: ١٩٣.

(٣) مصباح الكفعمي: ٥٢٣، التتمة في تواريخ الأئمّة عليهم‌السلام : ١٣٨.

(٤) راجع: أصول الكافي١: ٥٠٣ - باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، التهذيب / الشيخ الطوسي ٦: ٩٢ - باب ٤٢ من كتاب المزار، الإرشاد ٢: ٣١٣، إكمال الدين: ٣٠٧ آخر الباب ٢٧ خبر اللوح، إثبات الوصية: ٢٤٤، دلائل الإمامة: ٤٢٤، المناقب / ابن شهرآشوب ٤: ٤٥٥، روضة الواعظين: ٢٥١، تاريخ مواليد الأئمة عليهم‌السلام / ابن الخشاب: ١٩٩ - مطبوع ضمن مجموعة نفيسة - مكتبة السيد المرعشي - قم، الفصول المهمة ٢: ١٠٨٠، تذكرة

١٣٠

ورجح صاحب عيون المعجزات أن اسمها سليل حيث قال: ان اسمها على ما رواه أصحاب الحديث سليل، وقيل: حديث، والصحيح سليل، وكانت من العارفات الصالحات (١) .

ولعلّ ذلك مبني على الحديث الوارد عن المعصوم، وهو يشيد بفضلها وعفتها وصلاحها، رواه المسعودي عن العالم عليه‌السلام أنه قال: « لمّا اُدخلت سليل اُمّ أبي محمد على أبي الحسن عليه‌السلام ، قال: سليل مسلولة من الآفات والعاهات والأرجاس والأنجاس » (٢) .

وبعثها ولدها الإمام العسكري عليه‌السلام إلى الديار المقدسة سنة ٢٥٩ هـ، وأخبرها عما يناله سنة ٦٠، فأظهرت الجزع وبكت، فقال عليه‌السلام : « لابد من وقوع أمر اللّه فلا تجزعي » (٣) .

وفي صفر سنة ٢٦٠ هـ كانت في المدينة المنورة، فجعلت تخرج إلى خارجها تتجسّس الأخبار وقد أخذها الحزن والقلق (٤)، وحينما اتصل بها خبر شهادة الإمام عليه‌السلام عادت إلى سامراء، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع ولدها جعفر المعروف بالكذاب لمطالبته إياها بالميراث، وسعايته بها إلى السلطان، وكشف ما أمر اللّه ستره، فضلاً عن أن بني العباس هجموا على دار الامام

__________________

الخواص: ٣٢٤، كشف الغمة ٣: ٢٧١، إعلام الورى ٢: ١٣١، تاج المواليد: ١٣٣، بحار الأنوار ٥٠: ٢٣٥ و ٢٣٦ و ٢٣٨.

(١) بحار الأنوار ٥٠: ٢٣٨ / ١١.

(٢) إثبات الوصية: ٢٤٤.

(٣) إثبات الوصية: ٢١٧.

(٤) إثبات الوصية: ٢٥٣، مهج الدعوات: ٣٤٣، بحار الأنوار ٥٠: ٣١٣ و ٣٣٠.

١٣١

وفتّشوها وعرّضوا أهل بيته ومنهم السيدة سوسن الى أشدّ المضايقات والتنكيل (١) .

وتوفيت السيدة سوسن في سامراء وكانت قد أوصت أن تدفن في الدار إلى جنب زوجها وولدها الإمامين العسكريين عليهما‌السلام ، فنازعهم جعفر وقال: الدار داري لا تدفن فيها (٢) .

روى الشيخ الصدوق بالاسناد عن محمّد بن صالح قال: لمّا ماتت الجدَّة - أم الحسن العسكري - أمرت أن تُدفن في الدار؟ فنازعهم جعفر وقال: لي الدار لا تُدفن فيها. فخرج الحجّة المنتظر عليه‌السلام فقال: « يا جعفر أدارك هي؟ » ثمّ غاب عنه ولم يره بعد ذلك (٣) . ودفنت بجنب ولدها العسكري عليه‌السلام (٤) .

وجاء في رواية أحمد بن عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان: أنّ أمّ العسكري عليه‌السلام ادّعت وصيته، فقسم ميراثه بينها وبين أخيه جعفر، وثبت ذلك عند القاضي (٥) .

ولده:

ذكر المؤرخون أن له أربعة اولاد، وهم: الحسن عليه‌السلام ، وهو الامام بعده، ومحمد المتوفّى في حياة أبيه عليه‌السلام ، والحسين، وجعفر المعروف بالكذاب. وقيل: إن له من الأولاد ثلاثة وهم: الحسن عليه‌السلام ، وجعفر، وإبراهيم. وله بنت واحدة

__________________

(١) إكمال الدين: ٤٧٤ / ٢٥، بحار الأنوار ٥٠: ٣٣١ / ٣.

(٢) إكمال الدين: ٤٤٢ / ١٥.

(٣) إكمال الدين وإتمام النعمة / الشيخ الصدوق ٢: ٤٤٢ / ١٥.

(٤) إثبات الوصية: ٢١٧.

(٥) إكمال الدين وإتمام النعمة / الشيخ الصدوق ١: ٤٣ المقدّمة.

١٣٢

مختلف في اسمها، فقيل: حكيمة، أو عائشة، أو علية، أو عالية.

وعن الطبري: له بنتان وهما: عائشة، ودلالة (١) .

وفيما يلي نترجم لسيرة بعض أولاده عليه‌السلام .

١ - السيد محمد:

وهو أبوجعفر محمد بن الإمام أبي الحسن الهادي، المتوفى نحو سنة ٢٥٢ هـ (٢)، وكان من سادات أهل البيت عليهم‌السلام ، جليل القدر، عظيم المنزلة، قال السيد محسن الأمين: جليل القدر، عظيم الشأن، كانت الشيعة تظنّ أنه الإمام بعد أبيه عليه‌السلام ، فلمّا توفي نصّ أبوه على أخيه أبي محمد الحسن الزكي عليه‌السلام ، وكان أبوه خلّفه بالمدينة طفلاً لما اُتي به إلى العراق، ثم قدم عليه في سامراء، ثمّ أراد الرجوع إلى الحجاز، فلمّا بلغ القرية التي يقال لها (بلد) على تسعة فراسخ من سامراء، مرض وتوفّي ودفن قريبا منها، ومشهده هناك معروف مزور، ولمّا توفي شقّ أخوه أبو محمد عليه‌السلام ثوبه، وقال في جواب من لامه على ذلك: « قد شق موسى على أخيه هارون ». وسعى المحدث العلامة الشيخ ميرزا حسين النوري

__________________

(١) راجع: الارشاد ٢: ٣١٢، المناقب لابن شهرآشوب ٤: ٤٣٣، دلائل الإمامة: ٤١٢، اعلام الورى ٢: ١٢٧، الفصول المهمة ٢: ١٠٧٦، التتمة في تواريخ الأئمّة عليهم‌السلام : ١٣٨.

(٢) ورد في حديث أن عمر الإمام العسكري عليه‌السلام يوم وفاة أخيه السيد محمد نحو عشرين سنة، وبما أن الامام العسكري عليه‌السلام ولد سنة ٢٣٢، فتكون وفاة السيد محمد نحو سنة ٢٥٢ هـ. راجع: اصول الكافي ١: ٣٢٧ / ٨ - باب الاشارة والنص على أبي محمد عليه‌السلام من كتاب الحجة.

١٣٣

في تشييد مشهده وتعميره، وكان له فيه اعتقاد عظيم (١) .

وجاء في الرواية: « أن أبا الحسن عليه‌السلام قد بسط له في صحن دار، يوم توفي محمد ابنه، والناس جلوس حوله يعزّونه، من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش ومواليه ومن سائر الناس » (٢) .

٢ - الحسين:

نُقل عن كتاب شجرة الأولياء: أن الحسين كان زاهداً عابداً معترفاً بإمامة أخيه أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام ، وكان صوت الامام المهدي عليه‌السلام يشبه صوت عمه الحسين. وكان الناس يعبرون عنه وعن أخيه الامام الحسن العسكري بالسبطين تشبيهاً لهما بالامامين الحسن والحسين عليهما‌السلام . وكان له من الأولاد أربعة، وقد رحلوا بعد وفاة أبيهم عن سامراء إلى مدينة لار من بلاد فارس في إيران، فقتلوا بعد وصولهم إليها (٣) .

٣ - جعفر الكذاب:

وكان صاحب فتنة وضلالة، وقد أخبر أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عنه قبل ولادته، وحذّروا شيعتهم من فتنته، ففي حديث عن أبي خالد الكابلي: « أنه سأل الإمام علي بن الحسين صلوات اللّه عليه: من الحجة والإمام بعدك؟ فقال:

__________________

(١) أعيان الشيعة ١٤: ٢٩١ - دار التعارف للمطبوعات.

(٢) أصول الكافي١: ٣٢٦ / ٨ باب الاشارة والنص على أبي محمد عليه‌السلام من كتاب الحجة.

(٣) الامام الهادي من المهد إلى اللحد / محمد كاظم القزويني: ١٣٩ - مركز نشر آثار الشيعة - قم.

١٣٤

« ابني محمد، واسمه في التوراة الباقر يبقر العلم بقرا، وهو الحجة والإمام بعدي، ومن بعد محمد ابنه جعفر، واسمه عند أهل السماء الصادق.

فقلت له: يا سيدي، كيف صار اسمه الصادق وكلكم صادقون؟ فقال: حدّثني أبي عن أبيه عليه‌السلام أن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبيطالب، فسمّوه الصادق، فإنّ للخامس من ولده ولدا اسمه جعفر يدّعي الامامة اجتراءً على اللّه وكذبا عليه، فهو عند اللّه جعفر الكذاب المفتري على اللّه والمدّعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه، والحاسد لأخيه، ذلك الذي يروم كشف ستر اللّه عند غيبة ولي اللّه عز وجلّ...

ثمّ قال: كاني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي اللّه، والمغيب في حفظ اللّه، والتوكيل بحرم أبيه جهلاً منه بولادته، وحرصا على قتله إن ظفر به، طمعا في ميراث أبيه حتى يأخذه بغير حقّه... » (١) .

وحينما ولد جعفر فرح أهل الدار بولادته، ولم يروا أثرا للسرور على أبي الحسن عليه‌السلام ، روى الشيخ الصدوق بالاسناد عن صالح بن محمد بن عبد الله، عن أمه فاطمة بنت محمد بن الهيثم، قالت: كنت في دار أبي الحسن علي بن محمد العسكري عليه‌السلام في الوقت الذي ولد فيه جعفر، فرأيت أهل الدار قد سروا به، فصرت إلى أبي الحسن عليه‌السلام ، فلم أره مسروراً بذلك. فقلت له: يا سيدي، ما لي

__________________

(١) علل الشرائع / الشيخ الصدوق ١: ٢٣٤ / ١ - المطبعة الحيدرية - النجف - ١٣٨٥ هـ، إكمال الدين: ٣١٩ / ٢ باب ٣١.

١٣٥

أراك غير مسرور بهذا المولود؟ فقال عليه‌السلام : « هون عليك أمره، فإنّه سيضلّ خلقا كثيرا » (١) .

وقد تحقق ما قاله أهل البيت عليهم‌السلام عن فتنته وضلالته، حيث كانت له بعد شهادة أخيه الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ثلاثة أدوار سيئة:

١ - الايعاز إلى الدولة باحتمال وجود الإمام المهدي عليه‌السلام ، فبدأت سلسلة من المطاردات والاعتقالات لعيال الإمام عليه‌السلام ، ولم يتمكنوا من العثور على الإمام المهدي عليه‌السلام ، وبذلك يكون جعفر قد كشف ما أوجب اللّه تعالى ستره وكتمانه.

وقد أجمل الشيخ المفيد رحمه‌الله جملة هذه الأدوار المشينة وغيرها التي قام بها جعفر الكذاب بعد شهادة أخيه الحسن عليه‌السلام بقوله: « تولّى جعفر بن علي أخو أبي محمد عليه‌السلام أخذ تركته، وسعى في حبس جواري أبي محمد عليه‌السلام واعتقال حلائله، وشنّع على أصحابه بانتظارهم ولده وقطعهم بوجوده والقول بامامته، وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشرّدهم، وجرى على مخلّفي أبي محمد عليه‌السلام بسبب ذلك كلّ عظيمة، من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل.

وحاز جعفر ظاهر تركة أخيه أبي محمد عليه‌السلام ، واجتهد في القيام عند الشيعة مقامه، فلم يقبل أحد منهم ذلك، ولا اعتقده فيه، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه، وبذل مالاً جليلاً، وتقرّب بكلّ ما ظنّ أنه يتقرّب به، فلم

__________________

(١) إكمال الدين: ٣٢١ / آخر الحديث ٢ باب ٣١، الغيبة / الشيخ الطوسي: ٢٢٦ / ١٩٣.

١٣٦

ينتفع بشيءٍ من ذلك » (١) .

٢ - ادعاء الإمامة بعد أخيه الحسن عليه‌السلام كذبا وزورا، فأضلّ خلقا كثيرا، فخرجت عن الإمام المهدي عليه‌السلام عدّة تواقيع تنبّه الشيعة على بطلان ادعائه وكذبه وعصيانه وظلمه، وجهله بالأحكام وتركه الواجبات، منها على يد أحمد ابن إسحاق الأشعري، وعلى يد محمد بن عثمان العمري (٢)، فجفته الشيعة بعد أن بان كذبه وافتراؤه، ممّا اضطره إلى التوسل برجال الدولة ومنهم الوزير عبيداللّه ابن يحيى بن خاقان في أن يجعلوا له مرتبة أخيه فزبره بالقول: يا أحمق، السلطان جرّد سيفه في الذين زعموا أن أباك وأخاك أئمة ليردّهم عن ذلك فلم يتهيأ له ذلك، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماما فلا حاجة لك إلى السلطان ليرتّبك مراتبهم ولا غير السلطان، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا... (٣) .

وحمل جعفر عشرين ألف دينار إلى المعتمد، طالبا منه أن يجعل له مرتبة أخيه ومنزلته. فأجابه بنحو جواب ابن خاقان (٤) .

٣ - ادعاؤه استحاق التركة وبالتالي حيازته إياها مناصفة مع اُم

__________________

(١) الارشاد ٢: ٣٣٦ - ٣٣٧، ونحوه في المناقب لابن شهرآشوب ٤: ٤٥٥، إعلام الورى ٢: ١٥١ - ١٥٢، الفصول المهمة ٢: ١٠٩٣.

(٢) راجع: إكمال الدين: ٤٨٣ / ٤ - باب ٤٥، الغيبة / للشيخ الطوسي: ٢٩٠ / ٢٤٧.

(٣) اُصول الكافي ١: ٥٠٥ / ١ باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، الإرشاد ٢: ٣٢٤.

(٤) إكمال الدين: ٤٧٩، الخرائج والجرائح ٣: ١١٠٩.

١٣٧

العسكري عليه‌السلام بإذن من السلطات الحاكمة.

اخوته:

للامام الهادي عليه‌السلام أخ واحد هو موسى المبرقع، وقيل اثنان: موسى والحسن. وله من الأخوات ست: زينب، وأم محمد، وميمونة، وخديجة، وحكيمة، وأم كلثوم.

وقيل خمس: فاطمة، وأمامة، وحكيمة، وخديجة، وأم كلثوم.

وقيل أربع: حكيمة، وبريهة، وأُمامة، وفاطمة.

وقيل ثلاث: زينب، وأم محمد، وميمونة. وقيل: خديجة، وحكيمة، وأم كلثوم.

وقيل اثنان: فاطمة، وأُمامة (١) .

موسى المبرقع:

ولد موسى المبرقع ونشأ في المدينة مع أبيه الجواد عليه‌السلام ، وبعد شهادة أبيه انتقل إلى الكوفة فتوطن فيها مدة، ثم هاجر إلى قم، فوردها سنة ٢٥٦ هـ فتوطن فيها، وكان من أهل الحديث والدراية، وإليه ينتهي نسب السادة الرضويين، توفي في ربيع الآخر سنة ٢٩٦ هـ ودفن في بيته.

قال أبو علي الحسين بن محمد بن نصر بن سالم: إن أول من ورد قماً من السادات الرضوية هو موسى بن الامام محمد الجواد عليه‌السلام ، جاء إليها من الكوفة،

__________________

(١) الإرشاد ٢: ٢٩٥، دلائل الامامة: ٣٩٧، مناقب ابن شهر آشوب ٤: ٣٨٠، إعلام الورى ٢: ١٠٦، تاج المواليد: ١٣٠، تذكرة الخواص: ٣٥٩، الفصول المهمة ٢: ١٠٨٠، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: ١٩٩.

١٣٨

ثم أخرجه أهلها لأمور صدرت منه، فذهب إلى كاشان، فأكرمه أحمد ابن عبد العزيز بن أبي دلف العجلي، وخلع عليه، وقرر له في كل سنة ألف دينار، فلما ورد الحسين بن علي بن آدم وشخص آخر من الكوفة إلى قم وبّخا أهلها على إخراجه، فأرسلوا وراءه وأرجعوه إلى قم مكرماً، ثم قصد عبد العزيز ابن أبي دلف فأكرمه، وعين له وظيفة سنوية، ثم طلب أخواته: زينب وأم محمد وميمونة بنات الامام محمد بن علي الجواد عليه‌السلام من الكوفة إلى قم، فأقمن عنده حتى توفين في قم، ودفن بقرب قبر السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهم‌السلام ، وأقام موسى المبرقع في قم حتى توفى بها، فصلى عليه أميرها عباس بن عمرو الغنوي.

وكان موسى يلقي على وجهه برقعاً، ولذلك قيل له المبرقع لجمال وجهه الباهر، ولعل ذلك هو السبب في إخراجه من قم، لأنّ أهلها لم يعرفوه، فكانوا في شك وريبة من أمره، لكن عندما عرفوه أكرموه، وقبره اليوم معروف يزوره الكثيرون، ولموسى المبرقع ولدان: محمد وأحمد، واختلف النسابون في بقاء عقب لمحمد، فاختار الدينوري أن بني الخشاب من أولاد محمد، وأكثر النسابين على خلافه، أي إنه لا عقب له، وأما بقية ذرية الامام محمد الجواد عليه‌السلام فهم جميعاً بإجماع النسابين من أحمد بن موسى المبرقع (١) .

السيدة حكيمة:

وكانت جليلة القدر، عالية الشأن، أوكل إليها أخوها الإمام الهادي عليه‌السلام جاريته نرجس كي تعلمها معالم الدين وأحكام الشريعة وتؤدّبها بالآداب

__________________

(١) أعيان الشيعة ١٠: ١٩٤.

١٣٩

الإلهية. ثم ان الإمام الهادي عليه‌السلام زوج نرجس من ولده الإمام العسكري عليه‌السلام فكانت أم الإمام المهدي المنتظر لاقامة دولة الحق عليه‌السلام ، وقامت حكيمة بمهمّة القابلة لاُمّه ليلة ولادته، واضطلعت بدور مهم بعد شهادة أخيها الحسن العسكري عليه‌السلام حيث كانت تستلم الكتب والرسائل وتوصلها إلى الإمام عليه‌السلام ، ثم تستلم منه الأجوبة والتوقيعات وتوصلها إلى شيعته.

توفيت السيدة حكيمة في مدينة سامراء، ودفنت عند رجلي الإمامين العسكريين عليهما‌السلام ، وقبرها مشهور مزور (١) .

* * *

__________________

(١) أصول الكافي١: ٣٣٠ / ٣، اكمال الدين ٢: ٤٢٤ و ٤٣٣، الإرشاد ٢: ٣٥١، الغيبة / الشيخ الطوسي: ٢٣٤ / ٢٠٤، بحار الأنوار ١٠٢: ٧٩.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وهي القطعة من ورق أو جلد ونحو ذلك. والاكتاف : جمع كتف ، وهو عظم عريض يكون على أعلى الظهر. والعسب : جمع عسيب ، وهو جريد النخل العريض.

في أُحد

( 453 ) عن سهل : لمّا كسرت بيضة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رأسه واُدمي وجهه وكسرت رباعيته ، وكان علي يختلف بالماء في المجن ، وكانت فاطمة تغسله ، فلمّا رأت الدم يزيد على الماء كثرة ، عمدت الى حصير فاحرقتها والصقتها على جرحه فرقا الدم(1) .

رقا : اي سكن وانقطع.

جزيرة العرب

( 454 ) عن يعقوب : انّه سأل المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب ، فقال : مكة والمدينة واليمامة واليمن.

قال يعقوب : والعرج أول تهامة(2) .

عدد المسلمين

( 455 ) عن حذيفة : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اكتبوا لي من تلفّظ بالاسلام من الناس » فكتبنا له ألف وخمسمائة رجل ، قلنا أنخاف ونحن ألف وخمسمائة ، فلقد رأيتنا ابتلينا حتى انّ الرجل ليصلّي وحده وهو خائف.

وفي رواية اُخرى : فوجدناهم خمسمائة وقيل ما بين ستمائة الى سبعمائة(3) قيل : انَّ هذا القول ( فقلنا ) عند حفر الخندق ، والمراد بالابتلاء

____________

(1) صحيح البخاري رقم 2747 كتاب الجهاد.

(2) صحيح البخاري ذيل رقم 2888.

(3) صحيح البخاري رقم 2895 كتاب الجهاد.

٢٢١

هو ما اصاب المسلمين بعد رسول الله من الفتن.

تأثير بني اُميّة واهمال ذكر علي

( 456 ) عن ابن عباس : شهدت العيد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكلّهم يصلّون قبل الخطبة(1) .

( 457 ) وعن ابن عمر : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبو بكر وعمر يصلّون العيدين قبل الخطبة(2) .

أقول : وترى ذكر الخليفة الرابع مهملاً لا يذكر في عدّة من المقامات ، وكأنّه لم يكن خليفة ، ثم أن مروان جعل الخطبة قبل الصلاة بدعة ، والبخاري يروى عنه!

نزول عيسىعليه‌السلام

( 458 ) عن أبي هريرة ، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ويضع الجزية ، ويفيض المال ، حتى لا يقبله أحد »(3) .

ومن الظاهر بقاء الاَحكام ، فوضع الجزية من زيادة أبي هريرة احتمالاً.

فاطمة وميراث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

( 459 ) عن عائشة : انّ فاطمةعليها‌السلام ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقسم لها ميراثها ـ ما ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا أفاء الله عليه ـ فقال أبو بكر : انّ رسول الله قال : « لا نورث ، ما تركنا

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 919 كتاب العيدين.

(2) صحيح البخاري رقم 920.

(3) صحيح البخاري رقم 2344 كتاب المظالم.

٢٢٢

صدقة » فغضب فاطمة بنت رسول الله ، فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيّت ، وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر.

قالت : وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خيبر وفدك وصدقته(1) بالمدينة ، فأبى أبو بكر عليها ذلك ، وقال : لست تاركاً شيئاً كان رسول الله يعمل به إلاّ عملت به ، فانّي أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن ازيغ.

فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر الى علي وعباس(2) .

وأمّا خيبر وفدك فامسكهما عمر وقال : هما صدقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانتا لحقوقه التي تعروه(3) ونوائبه ، وأمرهما الى من ولي الاَمر.

قال : فهما على ذلك الى اليوم(4) .

( 460 ) وعنها : انّ فاطمةعليها‌السلام أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ممّا افاء الله على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ تطلب صدقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر.

فقال أبو بكر : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا نورث ما تركنا فهو صدقة ، انّما يأكل آل محمّد من هذا المال ـ يعني مال الله ـ ليس لهم أن يزيدوا على المأكل » وانّي والله لا اغير شيئاً من صدقات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كانت عليها في عهد النبي(5) .

__________________

(1) أي املاكه التي صارت بعده صدقة موقوفة.

(2) قيل : ان دفعها اليهما ليتصرفا وينتفعا بقدر حقّهما كما كان يتصرّف النبي ( ص ) ، ولم يدفع اليهما على وجه التمليك.

(3) اي تنزل به وتنتابه. والنائبة : الحادثة.

(4) صحيح البخاري رقم 2926 كتاب الخمس.

(5) صحيح البخاري رقم 3508 كتاب فضائل الصحابة.

٢٢٣

 ( 461 ) وعنها أيضاً : انّ فاطمةعليها‌السلام والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما ـ ارضه من فدك وسهمه من خيبر ـ فقال أبو بكر : سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « لا نورث ما تركنا صدقة ، انما يأكل آل محمّد في هذا المال »(1) .

( 462 ) وعنها أيضاً : انّ فاطمةعليها‌السلام بنت النبي أرسلت فأبى أبو بكر أن يدفع الى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت ـ أي غضبت ـ فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته ، فلم تكلّمه حتى توفيّت ، وعاشت فاطمة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ستة أشهر(2)

أقول : المقام من المعضلات ، بل من المهلكات عند من يحرّر نفسه من العصبية وتقليد الاباء ، ولا يرجح المشهورات على عقله وضميره ، ويعتقد انّ الحقّ أحقّ أن يتبّع ، ولا يرى وجوب تأويل النصوص ـ بمجرد حسن الظن بالرواة وغفلة المحدّثين ـ على نفسه باهمال دلالة النصوص والرجوع الى معان بعيدة عن سيرة العقلاء كما هي عادة الغلاة المتأوّلين( ومن يضلل الله فلا هادي له ).

أولاً : تدّعي الشيعة الامامية ـ مستندين الى دلائل وشواهد ـ انّ النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله نحل فاطمة فدكاً في حياته واقبضها أيّاها ، فلمّا تولّى ابو بكر الاُمور قبض فدك وطرد عاملها منها ، فادّعت أولاً فاطمة انّ فدك مملوكة لها ، ثم في مقام المحاجة تنزلت وقال : افرض لم يملكني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ايّاها في حياته فهي ميراث ، وفي القرآن آيات تخبر عن انّ الانبياء كغيرهم يورثون. ويزيدون انّ فاطمة ممّن اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وانّها سيدة نساء أهل الجنة ، فلا تدّعي باطلاً وحراماً ، فنفس مطالبتها بفدك

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 3710 كتاب المغازي.

(2) صحيح البخاري رقم 3998 كتاب المغازي.

٢٢٤

تثبت الهبة وبطلان الحديث اثباتاً قاطعاً.

ونحن غير نائبين عن الشيعة في اثبات ادّعائهم ولا هم محتاجون الى دفاعنا ، ولكن لا بد لنا كمسلمين عاقلين راغبين في فهم الحقائق : ان نقول : انّ ورثة النبي هم فاطمة وازواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بزيادة عباس على القول بارث العصبة ، فكيف يمكن ان نقبل انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخبر ورثته بانّه لا يورث ، مع انّ الحكم يختصّ بهم ولا يتعدى غيرهم ، وانما ذكره لفرد اجنبي خارج عن الورثة.

أمّا عدم علم فاطمة بالحديث ، بل انكارها فواضح ، حيث غضبت على أبي بكر فهجرته ، ثم بقيت على هذه الحال ولم تكلمّه حتى ماتت ، فهي تراه ظالماً لها وغاصباً لحقّها ، فتنفّرت منه اشد النفرة بحيث لم تكلّمه حتى آخر لحظة في حياتها ، وربّما قيل أن عدم تكلّمها معه لاَجل اقتناعها بقوله! لكنّه باطل مخالف لصريح الحديث بانّها ( وجدت عليه ).

وأمّا نساؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهنّ أيضاً غير عالمات بالحديث والحكم كما ينقل البخاري :

( 463 ) عن عائشة : انّ أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين توفّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اردن أن يبعثن عثمان الى أبي بكر يسألنه ميراثهن ، فقالت عائشة : أليس قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا نورث ما تركنا صدقة »(1) .

وأمّا العباس ، فيظهر ممّا سبق انّه أيضاً يجهل الحكم المذكور ، وكان مدعياً لميراثه منهصلى‌الله‌عليه‌وآله (2) .

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 6349 كتاب الفرائض.

(2) وأما احتمال انّ ورثة النبي ( ص ) طلبوا الارث مع علمهم بالوقف فهو باطل

٢٢٥

والعمدة ، انّ عليّاً لا يرى الحديث صحيحاً ولا أبا بكر صادقاً في نقله ، وإلاّ لاَقنع فاطمة واصلح بينها وبين أبي بكر ، وما في بعض الروايات من اقرار العباس وعلي بالحديث المذكور في محضر عمر فهو اشبه بالهزل من الجد. وسيأتي ان علياً والعباس ادعيا الميراث من عمر بعد وفاة أبي بكر ، فيظهر من هذه الدعوى انّهما ينكران على أبي بكر حديثه ، ويرى علي زوجته مستحقة للميراث ، وكذا العباس يرى نفسه وارثاً ، فهما ليسا غير عالمين بالحديث فقط ، بل هما عالمان بعدمه ، فانّهما ينكران الحديث ، وان كان راويه مثل أبي بكر ، لكن مع كلّ ذلك يشكل تكذيب أبي بكر في نقل الحديث ، وهذه هي المشكلة العويصة.

وربّما يخطر بالبال أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انّما قال : « لا نورث » في مال خاص وقفه ، فحسبه أبو بكر عاماً في كلّ ما تركه وان لم يوقفه في حياته ، أو ألحقه به اجتهاداً لمصلحة النظام الجديد بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويشهد له انّ أبا هريرة استثنى في حديثه هذا نفقة الزوجات ، إذ لم يؤخذ من أحد الزوجات شيء من بيوتهن بدعوى انه صدقة ، بل كان ازاره وكساؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند عائشة(1) ، وقد مر هذا البحث قبل قريب.

ويمكن أيضاً ان تكون كلمة « ما » الموصولة مع صلتها مفعولة لكلمة « لا نورث » وقرأصلى‌الله‌عليه‌وآله كلمة صدقة بالوقف ، فحسب أبو بكر انّها مرفوعة ، وانّه خبر للموصول وصلته(2) .

__________________

باجماع المسلمين حتى عند الشيعة في حق الازواج ، فانّهم لا يقبلون فسق زوجاته ( ص ) بارتكاب الحرام وينزهوهن من هذا المعصية ، فانكار اصالة العدالة أو تعديل كلّ فرد من الصحابة أمر ونسبة الحرام الى جميع الزوجات أمر آخر ، وبينهما فرق كثير ، فلا تشتبه.

(1) صحيح مسلم 14 : 56.

(2) لا يقال على هذا يعم الحكم جميع المسلمين ، ولا يخصّ النبي ( ص ) وورثته. فانّه

٢٢٦

وأمّا كلمة : فهو « فهو صدقة » في بعض الروايات ، فلم تثبت ، لخلو غالب الروايات عنها.

وأما الجملة الاَخيرة : « انّما يأكل آل محمّد ». فهي إما من كلام عائشة توضيحاً للحديث ، وإما ناظرة الى المال الخاص الذي وقفهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته أي إذا احتاج آل محمّد الى ما وقفه فلا يأكل منه غيرهم ، والله العالم. هذا بالنظر الى رواية البخاري ، واما بالنظر الى رواية مسلم فسيأتي البحث فيها.

ثم انّ ههنا مشكلة اُخرى في وقف خمس خيبر حيث انّ للخمس أهلاً غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف يصحّ وقف ما ليس للواقف ، بل هو مناف لتشريع الخمس. وهذا دليل قوى على اشتباه أبي بكر في فهم حديثه. والواقع انّ أبا بكر لو سلم فدكاً الى سيدة نساء الجنة ولم يغضبها ـ وقد صح عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله من اغضبها اغضبني ـ لكان انفع له وللمجتمع الاسلامي في طول الزمن ، وان كان التسليم نحو تسليم مال موقوف الى ناظره لا الى مالكه ، كما سلّم عمر مال المدينة الى علي والعباس.

تنازع علي والعباس

( 464 ) عن مالك بن اوس ـ في حديث طويل ـ يذكر انّ علياً والعباس دخلا على عمر ، فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ـ وهما يختصمان فيما افاء الله على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بني النضير ـ فاقبل عمر على علي والعباس فقال : انشدكما الله أتعلمان انّ رسول الله قد قال ذلك ( أي لا نورث ما تركناه صدقة )؟

__________________

يقال : نعم ، وليس في الحديث ما يظهر اختصاصه به ( ص ) ، ولذ احتاج الخليفة وغيره الى تأويل وزيادة جملة ( يريد به نفسه ) كما يظهر من الروايات.

٢٢٧

قالا : قد قال ذلك.

قال عمر : فانّي احدثكم عن هذا الامر ، انّ الله قد خصّ رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره ثم قرأ :( وما أفاء اللهُ على رسولهِ منهم ـ الى قوله ـقدير ) فكانت هذه خالصة لرسول الله ، والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم ، قد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله ، فعمل رسول للهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك حياته ثم توفّى الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أبو بكر : أنا وليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقبضها أبو بكر ، فعمل فيها بما عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والله يعلم انّه فيها لصادق بار راشد تابع للحق ، ثم توفّى الله أبا بكر ، فكنت أنا وليّ أبي بكر فقبضتها سنتين من امارتي والله يعلم اني فيها لصادق بار راشد تابع للحق ، ثم جئتماني تكلّماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد ، جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك ، وجاءني هذا ـ يريد علياً ـ يريد نصيب امرأته من أبيها(1) فقلت لكما : انّ رسول الله قال : « لا نورث ما تركنا صدقة ».

ولما بدا لي أن ادفعه اليكما قلت : ان شئتما دفعتها اليكما على انّ عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله(2)

أقول : وفي محل آخر من البخاري : فاستبّ علي وعباس(3) . ( أي سب كلّ واحد صاحبه ).

__________________

(1) كلام عمر هذا كالنص في أنّهما طلبا الميراث دون القيام على المال قيام الناظر والمتولّي كما يدعيه بعض البسطاء المتأولين.

(2) صحيح البخاري رقم 2927 كتاب الجهاد.

(3) صحيح البخاري رقم 3809 كتاب المغازي.

٢٢٨

وفيه عن عائشة بعد قصة اخبارها زوجاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحديث لا نورث : فكانت هذه الصدقة بيد علي ، منعها علي عباساً فغلبه عليها ، ثم كانت بيد حسن بن علي ، ثم بيد حسين بن علي ، ثم بيد علي بن حسين ، وحسن بن حسن كلاهما كانا يتداولانها ، ثم بيد زيد بن حسن ، وهي صدقة رسول الله حقاً. انتهى.

وفي كتاب النفقات : وانتما حينئذ ـ واقبل على علي وعباس ـ تزعمان انّ أبا بكر كذا وكذا(1) .

وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة : قال العباس يا أمير المؤمنين : اقض بيني وبين الظالم استبا تزعمان انّ أبا بكر فيها كذا والله يعلم انّه فيها صادق(2) .

أقول : جمع من باحثي الشيعة ينكرون نزاع عباس مع علي ويرونه افتراء عليه ، وليس لديهم دليل قاطع ، وانا اذكر في المقام ثلاثة أُمور :

1 ـ انّ في الحديث تناقضاً حيث يذكر أوّلاً اقرار عباس وعلي بصحة الحديث وانّهما عالمان به ، ثم يذكر في الذيل انّهما كان يطلبان الميراث لا في خلافة أبي بكر ، بل في خلافة عمر ، فلو كانا عالمين بالحديث ومصدّقين به لكانا يطلبان الحرام وهو باطل اجماعاً ، فيعلم انّ ذكر اقرارهما به من زيادة النساخ أو الرواة أو من اجتهاد البخاري.

2 ـ انّ نسبة الاستباب اليهما ينافي عدالتهما الثابتة عند أهل السنة وعصمة علي عند الشيعة ، واننا وان لم نقل بعصمة علي لكننا نعتقد بعدالته وورعه فوق ما نعتقد في حقّ معظم الصحابة أو كلّهم ، وهو مع القرآن

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 5043 كتاب النفقات.

(2) صحيح البخاري رقم 6875 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.

٢٢٩

والقرآن معه ، وهو رأس أحد الثقلين ، وممّن اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

3 ـ انّ شيخنا البخاري يرى جواز التصرّف في الاَحاديث بما يهواه ، واليك شاهداً عليه من صحيح مسلم ، ففي كتاب الجهاد ، فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن فقال عمر فقال أبو بكر : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما نورث ما تركنا صدقة » فرأيتماه كاذباً آثماً غداراً خائناً والله يعلم انّه لصادق فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً والله يعلم(1) اني لصادق(2) .

أقول : لم يكن ثمة ابن سبأ حتى يقال انّه أوقع الخلاف بين الصحابة! ولا نحقّر عقلنا وضميرنا وبصرنا لمجرد حسن الظن بالسلف ، فلا نخضع لتأويل المقلدين ، بل نقول : انّ هنا تساباً وتكاذباً بين أبي بكر وعمر وعلي وهم من الخلفاء الراشدين ، وفاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي سيدة نساء أهل الجنة ، والعباس عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يستسقى به عمر ، ولا يمكن الحكم بصحة أقوال الطرفين ، بل الاطراف الثلاثة :

(1) الشيخين وعباس وعلي.

(2) الشيخين وفاطمة.

(3) عباس وعلي.

فلا بد من الحكم بعدم عدالة بعض الاطراف إن صحت هذه

__________________

(1) هذه الالفاظ تدلّ على انّ عليّاً والعباس يكذبان بالحديث المذكور ، وما قيل في تأويلها ضعيف سخيف لا يجوز اضاعة الوقت بنقله ونقده ، فلاحظ شرح النووي على المقام وكذا غيره.

(2) صحيح مسلم 1757 كتاب الجهاد.

٢٣٠

الاحاديث ، ولك أن تقول بطرف رابع وهو رواة البخاري ومسلم. وقد نقل النووي عن القاضي عن المازري : انّه إذا انسدت طرق تأويلها نسبنا الكذب الى رواتها ، وقد حمل هذا المعنى بعض الناس ( يريد به البخاري ) على انّ ازال هذا اللفظ من نسخته! فحينئذ لا يخلو الامر عن واحد من ثلاثة :

إمّا كذب الرواة ، فلا اعتماد على الصحيحين واحاديثهما رغم اصرار المقلدة ومدّعي العلم ، وإمّا عدم عدالة الخليفتين والعباس ، وإمّا عدم عدالة علي وفاطمة ، ولا رابع عند العاقل المحقق البصير فلك الخيار في اختيار اي الاُمور شئت ، والله الموفق وهو العاصم ، وأمّا تصرف البخاري في الفاظ الحديث فهو أمر قبيح يسلب الاعتماد عن امانته واحاديث كتابه.

اصل اختلاف الاُمّة

( 465 ) عن عائشة : فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلّمه حتى توفّيت ، وعاشت فاطمة بعد النبي ستة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها. وكان لعلي من الناس وجه في حياة فاطمة ، فلمّا توفّيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الاَشهر ، فارسل الى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك ، كراهية لمحضر عمر.

فقال عمر : لا والله لا تدخل عليهم وحدك وما عسيتهم ان يفعلوا بي ، فدخل عليهم أبو بكر فتشهد علي فقال : انّا عرفنا فضلك...ولكنك استبددت علينا بالاَمر ، وكنا نرى لقرابتنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصيباً ولكنّا نرى لنا في هذا الاَمر نصيباً فاستبد علينا فوجدنا في انفسنا(1) أقول :

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 3998 كتاب المغازي.

٢٣١

مدلول هذه الرواية الطويلة والمستفد منها اُمور نذكر بعضها :

1 ـ عدم مبايعة علي أبا بكر طيلة حياة فاطمة.

2 ـ عدم ايذان علي أبا بكر بوفاة فاطمة للصلاة عليها وتشييع جثمانها.

3 ـ انكار الناس على مخالفة علي هو الوجه لالتماس المصالحة.

4 ـ تنفّر علي من عمر وكراهيته لحضوره.

5 ـ اعتقاد علي بنصيبه في أمر الخلافة.

6 ـ استبداد أبي بكر بالاَمر هو الذي وجد علي به على أبي بكر فلم يبايعه.

7 ـ بقاء اثر التشاجر حول ما تركه النبي في نفس علي كما يظهر من كلام أبي بكر الذي لم ننقله هنا ، بل بقاؤه الى آخر أو أواسط خلافة عمر كما عرفته من حديث مسلم ، بل والى آخر عمره كما ربما يظهر من كلامه في نهج البلاغة وغيره.

8 ـ وجود جمع من الصحابة مع علي في بيته ، كما يظهر من تعبير أبي بكر وعمر بضمير الجمع وكذا من تعبير علي(1) .

9 ـ اكتفاء علي في المصالحة بمجرد الحضور دون المبايعة ، إلاّ أن تستفاد البيعة من قول علي موعدك العشية للبيعة ، الذي لم ننقله هنا. ولجمع من علماء الشيعة أقاويل أُخرى لا نذكرها.

وانا لا اظن بصحّة هذا الرواية بتمامها ، فانّ الاعتذار عن عدم البيعة بالاستبداد غير لائق بمكانة علي العلمية والعملية ، والحق انّ علياً لا يرى

__________________

(1) ان ائتنا. ولا يأتنا. لا تدخل عليهم. وما عسيتهم ان يفعلوا بي. لآتينهم. فدخل عليهم.

٢٣٢

غيره أهلاً للخلافة ، وحيثما استنكر وجوه الناس ، وبقي هو وجماعته القليلة منعزلين ، ولم ير الصلاح في الحرب فاضطر الى المصالحة.

وامّا ما قيل في وجه عدم بيعته من تسلّط الحزن والهم عليه بوفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو لحلفه على عدم لبس الرداء إلاّ للصلاة حتى يجمع القرآن كلّه فلم يجد الفرصة للاجتهاد لوجوب البيعة! أو لكفاية غيره للبيعة فهو ضعيف كضعف ما مرّ في كلام عائشة من استبداد أبي بكر بالخلافة ، إذ كل ذلك غلط ، لا يجوز ترك بيعة الامام لاَجله لاَن من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ، أيصح ان يحلف أحد على ترك واجب؟ أو يتركه لحزنه؟ أو لعدم المشاورة معه؟ كلا.

( 466 ) وعن الحارث قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « وانا آمركم بخمس الله أمرني بها : السمع ، والطاعة ، والجهاد ، والهجرة ، والجماعة ، فانّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه إلاّ ان يراجع »(1) .

أقول : وقد فارق علي الجماعة ستة أشهر ، فهل تظن به انّه يرى الجماعة على حق ومع ذلك فارقها عناداً وتعصّباً واتّباعاً لهواه؟ أو يراهم على غير حق فابتعد منهم.

تعقيب وتحقيق

دع عنك خرافة عبدالله بن سبأ بأن تحمّله كلّ ما وقع في صدر الاسلام تحفظاً على عدالة الصحابة ، فانّه لعب بالعقل والاَحاديث والتاريخ واعيذك الله منه. والواقع انّ الصحابة هم الذين اختلفوا بينهم على الاتيان بالكتاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرض موته ، ثم في سقيفة بني ساعدة ، ثم في موضوع الخلافة ( مع علي بخصوصة ) ، ثم في توريث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم في جملة من

__________________

(1) جامع الترمذي 2 : 379.

٢٣٣

مسائل اُخر ، حتى توسعت الفتنة في زمان عثمان ، وانجر الاَمر الى أن قتل عثمان فيها ، ولم تستقر الخلافة لعلي ، فحاربه عائشة وطلحة والزبير وغيرهم من الصحابة واتباعهم ، ثم حاربه معاوية وعمرو بن العاص وأقرانهما واتباعهما ، ثم الخوارج ، حتى قتله ابن ملجم الخارجي ، ثم استولى بنو اُميّة على سلطان الاسلام والمسلمين ، فأفسدوا وعثوا وعتوا عتوا كبيراً. فدع قصة عدالة الصحابة وابحث عن الحقيقة كما هي.

من القطعيات التي لا يشك فيها عاقل انّ موضوع الامامة والخلافة هي اساس كلّ الاختلافات التي انجرت الى العداء والبغضاء ، ثم الى الحروب ، وسفك الدماء ، وهتك الاعراض ، ونهب الاموال ، والى التكفير والتفسيق ، والى تشعب المسلمين الى المذاهب والمسالك المتباعدة ، وهي التي حملت أقواماً على جعل الاحاديث ، وتزوير الحقائق ، وترويج الاباطيل ، والامر بالمنكر ، والنهي عن المعروف ، الى يومنا هذا في كل مكان. ولنعم ما قيل : ما ذئبان ضاريان في غنم غاب رعاؤها عنها بأضرّ في دين الرجل المسلم من حب الرئاسة. وهذا هو سرّ خوف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرض وفاته حيث أراد أن يكتب ما لا تضل اُمّته بعده ، فعصوا أمره ، فوقعت الاُمّة في المصاعب والمصائب الى يومنا هذا( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ).

وممّا لا شك فيه أيضاً انّ خلافة أبي بكر لم تكن مقبولة عند الجميع ، بل في الانصار من يطلبها لنفسه ، وفي المهاجرين كان علي يرى نفسه أحقّ بها من كلّ أحد ، ولم يقبل خلافة أبي بكر وعمر وعثمان بطيب نفسه يوماً كما يظهر ذلك من كلماته الكثيرة ومن افعاله المتكررة ، ونحن

٢٣٤

نذكر هنا ما ذكره ابن قتيبة الدينوري(1) ـ الذي كان في عصر البخاري ومات بعده بعشرين سنة ـ في كتابه المشهور ( الامامة والسياسة ).

قال في ضمن كلام طويل له :

ثم بعث اليه ( اي الى سعد بن عبادة ) أبو بكر رضي الله عنه أن أقبل فبايع ، فقد بايع الناس وبايع قومك ، فقال : أما والله حتى أرميكم بكلّ سهم في كنانتي من نبل ، واخضب منكم سناني ورمحي ، واضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، واقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي ، ولا والله لو انّ الجن اجتمعت لكم مع الانس ما بايعتكم حتى اعرض على ربّي واعلم حسابي ، فلما اُتي بذلك أبو بكر من قوله : قال عمر : لا تدعه حتى يبايعك.

فقال لهم بشير بن سعد : انّه قد أبى ولجّ ، وليس يبايعك حتى يقتل ، وليس بمقتول حتى يقتل ولده معه وأهل بيته وعشيرته ، ولن تقتلوهم حتى تقتل الخزرج ، ولن تقتل الخزرج حتى تقتل الاوس ، فلا تفسدوا على انفسكم أمراً قد استقام لكم ، فاتركوه فليس تركه بضاركم وانّما هو رجل واحد ، فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد واستنصحوه لما بدا لهم منه.

فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يجتمع بجمعتهم ، ولا يفيض بإفاضتهم ، ولو يجد عليهم أعواناً لصال بهم ، ولو يبايعه أحد على قتالهم لقاتلهم ، فلم يزل كذلك حتى توفّى أبو بكررحمه‌الله ، وولي عمر بن الخطاب ، فخرج الى الشام فمات بها ، ولم يبايع لاَحد رحمه الله.

وانّ بني هاشم اجتمعت عند بيعة الانصار الى علي بن أبي طالب ومعهم الزبير بن العوام رضي الله عنه ، وكانت اُمّه صفية بنت عبد المطلب ، وانّما كان يعد نفسه من بني هاشم ، وكان علي كرّم الله وجهه يقول : مازال الزبير

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 213 ـ 276.

٢٣٥

منّا حتى نشأ بنوه فصرفوه عنّا. واجتمعت بنو اُميّة الى عثمان ، واجتمعت بنو زهرة الى سعد وعبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد الشريف مجتمعين ، فلمّا أقبل عليهم أبو بكر وأبو عبيدة وقد بايع الناس أبا بكر قال لهم عمر : ما لي أراكم مجتمعين حلقاً شتى ، قوموا فبايعوا أبا بكر قد بايعته وبايعه الانصار ، فقام عثمان بن عفان ومن معه من بني اُميّة فبايعوه ، وقام سعد وعبدالرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوه ، وأمّا علي والعباس بن عبدالمطلب ومن معهما من بني هاشم انصرفوا الى رحالهم ومعهم الزبير بن العوام ، فذهب اليهم عمر في عصابة فيهم اسيد بن حضير وسلمة بن اسلم ، فقالوا : انطلقوا فبايعوا أبا بكر فأبوا ، فخرج الزبير بن العوام رضي الله عنه بالسيف ، فقال عمر رضي الله عنه : عليكم بالرجل فخذوه ، فوثب عليه سلمة بن اسلم فأخذ السيف من يده فضرب بالجدار ، وانطلقوا به فبايع ، وذهب بنو هاشم أيضاً فبايعوا.

اباية علي كرّم الله وجهه بيعة أبي بكر رضي الله عنهما

ثم انّ عليّاً كرّم الله وجهه اُتي به الى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله ، فقيل له : بايع أبا بكر ، فقال : انا أحقّ بهذا الامر منكم ، لا ابايعكم ، وانتم اُولى بالبيعة لي ، اخذتم هذا الاَمر من الانصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً ، ألستم زعمتم للانصار انّكم أولى بهذا الامر منهم لما كان محمّد منكم فاعطوكم المقادة وسلموا اليكم الامارة ، وانا احتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار ، نحن أولى برسول الله حيّاً وميتاً ، فانصفونا ان كنتم تؤمنون وإلاّ فبوءوا بالظلم وانتم تعلمون.

فقال له عمر : انّك لست متروكاً حتى تبايع.

فقال له علي : احلب حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده

٢٣٦

عليك غداً ، ثم قال : والله يا عمر لا أقبل قولك ولا ابايعه.

فقال له أبو بكر : فان لم تبايع فلا اكرهك.

فقال أبو عبيدة بن الجراح لعلي كرّم الله وجهه : يا بن عم انّك حديث السن ، وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالامور ، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الامر منك وأشد احتمالاً واضطلاعاً به ، فسلّم لاَبي بكر هذا الامر ، فانّك إن تعش ويطل بك بقاء ، فانت لهذا الامر خليق وبه حقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.

فقال علي كرّم الله وجهه : الله الله يا معشر المهاجرين لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره وقعر بيته الى دوركم وقعور بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ الناس به ، لاَنّا أهل البيت ، ونحن أحقّ بهذا الاَمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله ، المضطلع بأمر الرعية ، المدافع عنهم الامور السيئة ، القاسم بينهم بالسوية ، والله انّه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بعدا.

فقال بشير بن سعد الانصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الانصار منك ، يا علي قبل بيعتها لاَبي بكر ما اختلف عليك اثنان.

قال : وخرج علي كرّم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على دابة ليلاً في مجالس الانصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو ان زوجك وابن عمك سبق الينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فيقول علي كرّم الله وجهه : أفكنت أدع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته لم ادفنه واخرج انازع الناس سلطانه؟ فقالت : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له ولقد صنعوا ماالله حسيبهم وطالبهم.

٢٣٧

كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه

قال : وانّ أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي كرّم الله وجهه ، فبعث اليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فأبوا ان يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لاَحرقنّها على من فيها.

فقيل له : يا أبا حفص انّ فيها فاطمة؟

فقال : وان.

فخرجوا فبايعوا إلاّ عليّاً ، فانّه زعم انّه قال : حلفت أن لا اخرج ولا اضع ثوبي على عاتقي حتى اجمع القرآن ، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ، ولم تردّوا لنا حقاً.

فأتى عمر أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة.

فقال أبو بكر لقنفذ ـ وهو مولى له ـ : اذهب فادع لي علياً.

قال : فذهب إلى علي ، فقال له : ما حاجتك؟

فقال : يدعوك خليفة رسول الله.

فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول الله ، فرجع فابلغ الرسالة.

قال : فبكى أبو بكر طويلاً ، فقال عمر الثانية : ألا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة.

فقال أبو بكر رضي الله عنه لقنفذ : عد إليه فقل له أمير المؤمنين يدعوك لتبايع.

فجاءه قنفذ فأدّى ما اُمر به ، فرفع علي صوته فقال : سبحان الله؟ لقد ادّعى ما ليس له.

٢٣٨

فرجع قنفذ ، فأبلغ الرسالة ، فبكى أبو بكر طويلاً ، ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب ، فلمّا سمعت أصواتهم نادت باعلى صوتها : يا ابت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة.

فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع واكبادهم تنفطر ، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليّاً ، فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع.

فقال : ان أنا لم افعل فمه.

قالوا : اذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك.

قال : اذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله.

قال عمر : أمّا عبدالله فنعم ، وأمّا اخو رسوله فلا ، وابو بكر ساكت لا يتكلم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك.

فقال : لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.

فلحق علي بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصيح ويبكي وينادي : يا ابن اُمّ انّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني.

فقال عمر لاَبي بكر ( رض ) : انطلق بنا إلى فاطمة ، فانّا قد اغضبناها ، فانطلقا جميعاً فاستاذنا على فاطمة فلم تأذن لهما ، فأتيا عليّاً فكلماه فادخلهما عليها ، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط ، فسلّما عليها ، فلم ترّدعليهما‌السلام ، فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله(1) والله انّ قرابة رسول الله أحبّ إليَّ من قرابتي ، وانّك لاَحبّ إليَّ من عائشة ابنتي ،

__________________

(1) ويروى : يا حبيبة رسول الله اغضبناك في ميراثك منه وفي زوجك ، فقال : ما بالك ، يرثك أهلك ولا نرث ، فقال والله قرابة. الخ.

٢٣٩

ولوددت يوم مات أبوك انّي مت ولا ابقى بعده ، أفتراني أعرفك ، واعرف فضلك وشرفك وامنعك حقك وميراثك من رسول الله ، إلاّ انّي سمعت أباك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « لا نورث ما تركنا فهو صدقة ».

فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تعرفانه وتفعلان به؟

قالا : نعم.

فقالت : نشدتكما الله الم تسمعا رسول الله يقول : « رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد اسخطني ».

قالا : نعم ، سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قالت : فانّي اُشهد الله وملائكته انكما اسخطتماني وما ارضيتماني ، ولئن لقيت النبي لاَشكونكما إليه.

فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لاَدعونَّ الله عليك في كلّ صلاة اُصلّيها.

ثم خرج باكياً ، فاجتمع إليه الناس فقال لهم : يبيت كلّ رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي.

قالوا : يا خليفة رسول الله انّ هذا الاَمر لا يستقيم ، وانت أعلمنا بذلك ، انّه إن كان هذا لم يقم لله دين.

فقال : والله لولا ذلك وما اخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة بعدما سمعت ورأيت من فاطمة.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274