الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ21%

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 274

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ
  • البداية
  • السابق
  • 274 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137204 / تحميل: 6122
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

١

٢

٣

٤

كلمة المركز

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وآله الطاهرين، وبعد..

في أدبيات الإسلام وأخلاقه بيان شاف للأسس الروحية والفكرية والعملية القويمة في بناء حياة الفرد والمجتمع، ويأتي في طليعة تلك الأسس اختيار القدوة الحسنة، والتأسي بها، والتأثّر بمنهجها، والتحلي بمكارم أخلاقها، واستلهام العبر والدروس من رحاب سيرتها، والانغماس في طهر تجليّاتها، والتواصل معها، مع ضرورة تحويل معطياتها إلى واقع عملي ملموس.

ولا خلاف بأنّ سيرة أهل البيت عليهم‌السلام هي الامتداد الحقيقي لسيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونهجه الوضّاء، لأنّهم الحماة الأمناء لمفاهيم الرسالة وعقائدها وأحكامها من حالات التردّي والإنحراف والضلال، الأمر الذي أكّده القرآن الكريم بتطهيرهم، والسنّة المطهّرة بجعل التمسّك بحبلهم عاصما من الضلالة إلى يوم القيامة.

إنّنا بحاجة إلى دراسة متأملة وقراءة متأنية تلمّ بأطراف تلك السيرة المشرقة بالعطاء، لنجعلها نصب أعيننا، فنستجلي مواطن العبرة فيها،

٥

ونستلهم دروس العظمة منها، ونتعاطى مع دلالاتها المتناغمة مع مسيرة الحياة بما تحمله من متطلبات ومستجدات على جميع مستويات الفكر والمنهج والسلوك.

ولعلّ في تنوّع أدوار تلك السيرة بحسب طبيعة واختلاف المرحلة والظروف السياسية المحيطة بقادتنا المعصومين عليهم‌السلام ما يزيل الرتابة عنها، ويجعلها تتواصل مع مختلف المواقف والظروف نحو هدفٍ أسمى وهمّ مشترك، وذلك هو حفظ الكتاب الكريم وسنة النبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وطلب الاصلاح والهداية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهذا الكتاب قراءة في سيرة أحد عظماء أهل البيت عليهم‌السلام ، ذلك هو إمامنا العاشر أبو الحسن علي الهادي عليه‌السلام الذي طفحت كتب الحديث بمناقبه، وفضائله، ودوره العظيم في إحياء معالم الحقّ بعد أن حاولت السلطات العباسية الغاشمة إماتتها، فضلاً عمّا في سيرته من صفحات مشرقة ملأى بالعطاء نتركها للقارى ء الكريم وهو يتحرّاها في فصول هذا الكتاب الذي استطاع مؤلفه أن يوقفنا عند المحطات الرئيسية في سيرة هذا الإمام العظيم، ضمن دراسة جادّة موثقة بالمصادر المعتبرة.

ومنه تعالى نستمد العون والتوفيق

مركز الرسالة

٦

المقدمة

الحمد للّه ربّ العالمين، وسلامه على عباده المصطفين محمد وآله الهداة الميامين.

وبعد: إنّ البحث في سيرة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام وتاريخهم يسهم في تأصيل الوعي الرسالي في ضمير الاُمّة، وتصحيح مسار الرسالة من حالات الانحراف الفكري؛ لأنهم قادة الرسالة والقدوة الحسنة المتميزة بخصائص العظمة والاستقامة، وهم الامتداد الواقعي لنهج النبوة وسيرتها المعطاء، وهم الحُماة الاُمناء لمفاهيم الرسالة وعقائدها من حالة التردي والتحريف والضلال.

وعلى الرغم من إقصاء وتغييب رموز القدوة الحسنة عن التواصل مع حياة الاُمّة السياسية والاجتماعية وملاحقتها وعزلها عن قواعدها، فقد تمسكت بهم غالبية الاُمّة ومنحتهم مظاهر الودّ والثقة، لما لمسته من سيرتهم الغنية بالعطاء ودورهم المشرف في جميع المستويات.

وفي عهد الامام الهادي عليه‌السلام تصدى الخلفاء العباسيون - كالعادة - لمدرسة الأئمّة عليهم‌السلام وشيعتهم، فطوقوا الإمام بحصار شديد ورقابة صارمة، وتربصوا به وبأصحابه، حتى انه يمكن القول إن هذه الفترة من أشد فترات التاريخ وأكثرها ضراوةً وعنتاً على الامام الهادي عليه‌السلام وأصحابه، بسبب الحقد السافر الذي يكنّه المتوكل لأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو الذي حرث قبر الامام الحسين عليه‌السلام وعفاه، ووضع المسالح حوله ليمنع من زيارته، وقرّب في بلاطه الحاقدين ممن يدينون بالنصب، وفرض على الامام عليه‌السلام أقصى حالات العزل والاقصاء، حيث استدعاه إلى عاصمة بلاطه في رحلة مضنية من المدينة المنورة إلى سامراء،

٧

ليكون محجوزا ومراقبا ومعزولاً عن قاعدته العريضة في المدينة المنورة وعن أداء دوره الرسالي في أوساط الاُمّة.

ورغم ضيق هامش الحرية المتاحة للامام الهادي عليه‌السلام وفي حدود فسحة ضيقة محكومة بالرقابة والقسوة، سجّل عليه‌السلام رصيداً علمياً وعطاءً معرفياً واسعاً، وأسهم في أداء دوره الرسالي، وقدّم عطاءات جادة على طريق الدفاع عن أصول الدين ونشر فروعه، وإيصال سنن جده المصطفى وآبائه الكرام عليهم‌السلام إلى قطاعات واسعة من الاُمّة، فضلاً عن مقاومة مظاهر البدع والانحراف، فكان علماً للحق ومرجعاً للدين تهرع إليه الاُمّة حيثما أشكلت مسألة وكلما استجدت أخرى فيوجهها نحو الاصول الحقيقية للشريعة المقدسة.

ولعل أهم ما يستوقف الباحث في حياة الإمام الهادي هو أنه أُسند إليه منصب الامامة بكل ما يتطلبه من احاطة تامة بعلم الشريعة وأحكامهابعد شهادة أبيه عليه‌السلام وهو في سن الثامنة من عمره الشريف، وتلك ظاهرة نجدها لأول مرّة في تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام متمثلة بأبيه الامام الجواد وثانياً بالامام الهادي وثالثاً بالامام الحجة المهدي المذخور لاقامة دولة الحق عليهم‌السلام ، وهو أمر لا يصدق على سائر الناس، ولا يقع في دائرة الإمكان الا لمن كان محاطاً بعناية إلهية خاصة، وواقعاً ضمن دائرة الاصطفاء الالهي التي جعلت عيسى بن مريم يتكلم وهو في المهد ويتولى مهام النبوة وهو في السابعة من عمره، وجعلت يحيى بن زكريا نبياً وهو في بواكير الصبا ( وَرَ‌بُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ‌ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ‌ةُ سُبْحَانَ اللَّـهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِ‌كُونَ ) (١) .

ولقد ثبت من سيرته أنه كان أعلم أهل زمانه وأرجحهم كفة بلا خلاف،

__________________

(١) سورة القصص: ٢٨ / ٦٨.

٨

شأنه في ذلك شأن سائر الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، وتسالم العلماء والفقهاء على الرجوع إلى رأيه في المسائل المعقدة والغامضة من أحكام الشريعة والعقيدة الاسلامية، حتى إن المتوكل العباسي وهو ألدّ أعدائه كان يرجع إلى رأيه في المسائل التي اختلف فيها علماء عصره، فيقدّم رأيه على آرائهم، وكانوا يرجعون إليه في كل معضلة، ويلجأون إليه في كل مأزق، وأذعن سائر من ناظره من العلماء المعاصرين له بتفوقه العلمى.

ومن عطاءاته العلمية أنه واصل نشاط مدرسة الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام من حيث المنهج والمادة، ومهّد لمدرسة الفقهاء والمحدثين من أصحابه التي سارت على خطاها حتى اكتملت في زمان ولده الامام العسكري عليه‌السلام ، فكان للإمام الهادي عليه‌السلام دورٌ بارزٌ في إغناء تلك المدرسة وتغذيتها بروح الشريعة الغراء، وسنة المصطفى السمحاء، ورفدها بالمادة العلمية اللازمة لديمومتها واستمرار عطائها.

كما أعدّ جيلاً من رواد الفكر الاصيل الثقات فكانوا رواة وطلاباً وفقهاء ومؤلفين ووكلاء منتشرين في طول البلاد وعرضها، يحرصون على تبليغ رسالته عليه‌السلام وإيصال كتبه ورسائله وهي تحمل أحكام الشريعة والعقيدة إلى قواعده في مختلف أطراف البلاد الشاسعة، وتمكّن بالاشراف عليهم عن طريق التواقيع والمراسلات أن يكون له امتدادات واسعة في المواقع الاسلامية تؤمّن له الاتصال والتواصل مع قواعده الشعبية في ظلّ تلك الظروف العصيبة، فيخطط لسلوكها ويحمي وجودها وينمي وعيها، ويمدها بكل الأساليب التي تساعد على صمودها وارتقائها إلى مستوى الحاجة الاسلامية.

ونسبت إلى الإمام الهادي عليه‌السلام عدّة كتب ورسائل ومسائل في مجال

٩

الأحكام والشرائع والتفسير والأدعية والحكم والمواعظ والوصايا التربوية والبيانات المفصلة في تفسير القرآن وغيرها، وقد وصلنا العديد منها مدونة في مصادر الحديث والرجال.

وكان له عليه‌السلام دور بارز في ترسيخ مبادى ء العقيدة، وترك في هذا الاتجاه بحوثاً كلامية وعقائدية عديدة انبرى فيها لخدمة مبادئ الاسلام الحقة والدفاع عن أصوله ونشر فروعه، ولعل أهمّ تلك البحوث رسالته المطولة إلى أهل الاهواز التي تعرّض فيها للردّ على فكرة الجبر والتفويض باعتبارها من المسائل التي أُثيرت بقوة في ذلك الوقت بحيث كانت سبباً للاختلاف بين أصحابه الى حدّ الفرقة والتقاطع والعداوة، فوضع الامام عليه‌السلام النقاط على الحروف في هذه المسالة الحساسة. كما تعتبر زيارة الأئمّة عليهم‌السلام الموسومة بالزيارة الجامعة والمروية عنه، مدرسة سيارة لتعليم العقيدة الإسلامية والانفتاح على جميع مفرداتها.

ومن جملة القضايا المطروحة بقوة أيضاً في ذلك الوقت، مسألة خلق القرآن التي أثارها الحكم العباسي في زمان المأمون والمعتصم والواثق لأسباب سياسية واعتقادية، فأحدثت فتنة ومحنة بين صفوف الناس على مختلف طبقاتهم وذهب ضحيتها الكثيرون، وأثارت الفرقة والاحقاد والضغائن بين المسلمين. وكان جواب الامام الهادي عليه‌السلام لاصحابه واضحا، يقوم على اعتبار الجدال في القرآن بدعة، مع التفريق بين كلام اللّه تعالى وبين علمه، فكلامه تعالى محدث وليس بقديم، قال تعالى: ( مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ‌ مِّن رَّ‌بِّهِم مُّحْدَثٍ ) (١)، وأما علمه فقديم قدم ذاته المقدسة، وهو من الصفات التي هي عين ذاته.

__________________

(١) سورة الأنبياء: ٢١ / ٢.

١٠

وتصدى الإمام عليه‌السلام لبعض الفرق التي كانت تموج بها الساحة الاسلامية آنذاك والتي رفعت راية الدعوات المنحرفة والشبهات الباطلة، مبيناً زيفها وبطلانها، فكان له موقف حازم تجاه بعض الفرق التي توقفت على بعض الأئمّة عليهم‌السلام كالواقفة والفطحية، كما حذر أصحابه من الاختلاط بالصوفية الذين يظهرون التقشف والزهد لإغراء عامة الناس وبسطائهم وغوايتهم.

وانطلاقاً من مسؤوليته الرسالية في الدفاع عن العقيدة الاسلامية المقدسة ومبادئها السامية ومكافحة الكفر والالحاد، اتخذ الامام عليه‌السلام مواقف صارمة من الغلو والغلاة الذين استفحلوا في زمانه، فكانوا من المعاول الهدامة التي أرادت الاجهاز على الاسلام وعقائده الحقة بجملة مقالات باطلة خرجوا بها عن الجادة؛ كوصفهم الامام عليه‌السلام بالألوهية، واستهتارهم بالسنن الالهية، وإسقاطهم الفرائض عمن دان بمذهبهم، وإباحتهم كل ما حرم الله ونهى عنه كنكاح المحارم واللواط وقولهم بالتناسخ وما إلى ذلك من المفتريات، فأعلن الامام عليه‌السلام عن كفرهم وضلالهم، وصرح بلعنهم والبراءة منهم، ودعا إلى نبذ أتباعهم ومقاطعتهم والاستخفاف بهم وتكذيب مقالاتهم الباطلة، وحذر شيعته وسائر المسلمين من الاتصال بهم أو الانخداع بمفترياتهم، حرصاً منه على تنزيه تعاليم الاسلام من التشويه والتحريف والافتراء وتصحيحاً للمسار الاسلامي بكل ما حوى من علوم ومعارف.

وكان عليه‌السلام علماً للهداية والاصلاح والارشاد بما يتحلى به من صفات الكمال وحسن السيرة والتفوق العلمي واسماع الموعظة وما ظهر على يده من كرامات حباها الله له، فاستطاع أن ينقذ جماعة ممن أغرتهم الدنيا فانحرفوا عن جادة الطريق فاهتدوا ببركته عليه‌السلام إلى ساحل الامان، وخرجوا من ظلمات

١١

الجهل والضلال إلى نور العلم وصراط الهداية.

وواصل عليه‌السلام هذه العطاءات ولم تلن له قناة في أداء رسالة جدّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وهداية أمته، متحملاً الأهوال صامداً صابراً كالطود الشامخ حتى مضى شهيداً وهو من أنصح خلق الله لخلقه، وأحرصهم على دينه وشريعته، وأصبرهم على بلائه، وأخوفهم من سخطه وعقابه.

ونحن أمام سيرة هذا الإمام العظيم المشرقة بالعطاء، لا يسعنا الا أن نجعلها نصب أعيننا ونعتبر بمواطن العبرة فيها، ونستلهم دروس العظمة منها، ونتواصل مع دلالتها على كافة مستويات الفكر والمنهج والسلوك، وهناك صفحات أخرى مشرقة تستوقف الباحث في سيرة هذا الإمام العظيم الملأى بالعطاء، نتركها للقارئ الكريم وهو يتحرّاها في فصول كتابنا.

ومنه تعالى نستمد العون والتوفيق، وهو من وراء القصد.

* * *

١٢

الفصل الأوّل

الحياة السياسية

في عصر الإمام الهادي عليه السلام ٢١٢ - ٢٥٤ هـ

انّ دراسة الحالة السياسية في عصرٍ ما تعتبر بمثابة العجلة التي تتحرك على محورها مجمل الأوضاع الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، ذلك لأن الجهاز الحاكم يمتلك أسباب القدرة على إحداث التغيير الاجتماعي والاقتصادي في أوساط الاُمّة، إلاّ أنّ كيفيّة ذلك مرتبطة بنوع الجهاز الحاكم وطبيعة أداء أجهزتة التنفيذية، من هنا سنقدم قراءة تاريخية تتضمّن أهم سمات العصر الذي عاش فيه الامام أبو الحسن الهادي عليه‌السلام وملوك بني العباس الذين عاصرهم الإمام عليه‌السلام لأهمية ذلك في معرفة تاريخه عليه‌السلام .

من عاصره الإمام من بني العباس:

ولد الإمام الهادي عليه‌السلام سنة ٢١٢ هـ على القول المشهور في ولادته، وتولى الإمامة وهو في الثامنة من عمره وذلك بعد وفاة أبيه الجواد عليه‌السلام سنة ٢٢٠ هـ، واستشهد عليه‌السلام سنة ٢٥٤ هـ عن إثنين وأربعين عاما، عاصر فيها عليه‌السلام سبعة من ملوك بني العباس وهم بحسب الترتيب كالآتي:

١ - المأمون (١٩٨ - ٢١٨ هـ ).

٢ - المعتصم بن هارون (٢١٨ - ٢٢٧ هـ ).

١٣

٣ - الواثق بن المعتصم (٢٢٧ - ٢٣٢ هـ ).

٤ - المتوكّل جعفر بن المعتصم (٢٣٢ - ٢٤٧ هـ ).

٥ - المنتصر (٢٤٧ - ٢٤٨ هـ ).

٦ - المستعين بن المعتصم (٢٤٨ - ٢٥١ هـ ).

٧ - المعتز بن المتوكّل (٢٥٢ - ٢٥٥ هـ ).

أهم سمات هذا العصر:

امتازت هذه الفترة من حكم بني العباس بضعف سلطة الدولة وسقوط هيبتها وانحلال أجهزتها، بسبب استيلاء الأتراك وغيرهم من الجند الأجانب في زمان المعتصم والملوك الذين بعده على زمام الملك في سامراء، وتدخلهم في مقاليد الحكم، وضعف ثغور الدولة وغزوها من قبل بعض الطامعين الذين يتربصون بها، واستقلال بعض الأطراف، وكثرة المتغلبين من العمال والولاة وغيرهم، وازدياد أعمال التمرد والشغب، وانصراف غالبية العباسيين عن شؤون الحكم إلى الاستحواذ على الأموال العامة وإنفاقها في وسائل اللهو والترف والبذخ والمجون، مما كان له إفرازات وخيمة أبرزها تردي مجمل الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وارتفاع وتيرة الثورات الداخلية والحركات المتطرفة، وفيما يلي أهم خصائص هذا العصر:

أوّلاً - ميل رجال السلطة إلى البذخ واللهو:

كانت الصفة الغالبة على رجال الدولة وعلى رأسهم الخليفة، هي انفاق الأموال الطائلة العائدة الى بيت المال لأغراضهم الخاصة وغير المشروعية في الأغلب كاقتناء الجواري والسراري والقيان والمغنين والمخنثين وشتى وسائل اللهو والمجون المتاحة في ذلك العصر، وكانوا يسرفون في الانفاق على الشعراء

١٤

وبناء القصور، بينما تعيش الأكثرية الساحقة من الناس على الكفاف، وينهكها الجوع والفقر، وتفتك بها الأمراض والأوبئة.

فقد كان المأمون ينفق على طعامه يومياً ستة آلاف دينار (١)، وكان المتوكل كثير الانفاق على الشعراء، حتى قيل: ما أعطى خليفة شاعرا ما أعطى المتوكل (٢)، فأجاز مروان بن أبي الجنوب على قصيدة في مدحه بمائة وعشرين ألف درهم، وأعطاه حتى أثرى كثيرا فقال:

فأمسك ندى كفيك عني ولاتزد

فقد خفت أن أطغى وأن أتجبرا

فقال: لا أمسك حتى يغرقك جودي (٣) .

وقرّب المتوكل أبا شبل عاصم بن وهب البرجمي، وكان شاعرا ماجنا، وأنفق عليه حتى أثرى، قال أبو الفرج: نَفَق عند المتوكل بايثاره العبث وخدمه وخُصّ به فأثرى، وأمر له بثلاثين ألف درهم على قصيدة من ثلاثين بيتا (٤) .

وأجاز عبيداللّه بن يحيى بن خاقان أباشبل البرجمي أيضا على قصيدة في مدحه خمسة آلاف درهم ودابة وخلع عليه (٥) .

وعن أحمد بن المكي، قال: غنيت المتوكل صوتا شعره لأبي شبل البرجمي، فأمر لي بعشرين ألف درهم، فقلت: يا سيدي أسأل اللّه أن يبلّغك الهُنيدة. فسأل عنها الفتح، فقال: يعني مائة سنة، فأمر لي بعشرة آلاف

__________________

(١) الفخري في الآداب السلطانية / ابن الطقطقا: ٢٠٧، نشر الشريف الرضي، قم.

(٢) تاريخ الخلفاء / السيوطي: ٢٧٠.

(٣) تاريخ الخلفاء / السيوطي: ٢٧٠.

(٤) الأغاني / ابوالفرج الاصفهاني ١٤: ١٩٣ - دار إحياء التراث العربي - بيروت.

(٥) الأغاني ١٤: ١٩٩.

١٥

اُخرى (١) .

وأجاز المتوكل الحسين بن الضحاك الخليع على أربعة أبيات أربعة آلاف دينار (٢) .

وكان المتوكل مغرما بالجواري اللاتي يجلبن من أنحاء البلاد بأموال طائلة، فقد روي عن المسعودي أنه قال: كان المتوكل منهمكا في اللذات والشراب، وكان له أربعة آلاف سُرّية ووطئ الجميع (٣) .

أما اُعطيات الخلفاء لذوي المناصب والمهام السياسية ولبعض المقربين فالحديث عنه ذو شجون، فالمأمون في سنة ٢١٣ ولى أخاه المعتصم الشام، وابنه العباس الجزيرة والثغور والعواصم، ومنح لكل واحد منهما ولعبدالله بن طاهر ألف ألف دينار وخمس مائة ألف دينار (٤)، وفي سنة ٢١٨ منح المأمون لمحمد بن عباد بن المهلب ثلاثة آلاف ألف درهم، وأعطى جنده وحاشيته في دمشق عشرين ألف ألف درهم، وأعطى وزيره الحسن بن سهل عشرة آلاف ألف درهم، وأعطى المعتصم للافشين قائده بعد ما هزم بابك الخرمي عشرين ألف ألف درهم، وأعطى الواثق وصيفاً التركي سنة ٢٣١ خمسة وسبعين ألف درهم بعد قضائه على ثورة الأكراد في الجزيرة (٥) .

وكان أغلب حكام هذه الفترة يميلون إلى التأنّق في تشييد القصور الفخمة

__________________

(١) الأغاني ١٤: ١٩٣ - ١٩٤.

(٢) مروج الذهب / المسعودي ٤: ٣٨٨، سير أعلام النبلاء ١٢: ٤٠.

(٣) تاريخ الخلفاء / السيوطي: ٢٧١، سير أعلام النبلاء ١٢: ٤٠.

(٤) البداية والنهاية ١٠: ٢٩١.

(٥) البداية والنهاية ١٠: ٣٣٧، وراجع أحداث السنوات المذكورة في تاريخ الطبري، والكامل في التاريخ، وتاريخ ابن كثير.

١٦

التي تعجّ بألوانٍ من مظاهر الترف والبذخ واللهو والمجون، وقد أنفقوا عليها أموالاً طائلة، فقد بنى المعتصم قصوراً عدة بعشرات الملايين من الدراهم، وحينما آلت الخلافة الى الواثق انتقل من قصور المعتصم وبنى له قصراً على شط دجلة يقال له الهاروني، وجعل له دكتين: دكة غربية ودكة شرقية، وكان من أحسن القصور (١) .

وبالغ المتوكل في بناء القصور الى حد الهوس وكان منها: العروس وقد أنفق عليه ثلاثين ألف ألف درهم، والشِّبنداز عشرة آلاف ألف درهم، والغريب عشرة آلاف ألف درهم، والبرج ألف ألف وسبعمائة ألف دينار، والقصر المختار خمسة آلاف ألف درهم، والوحيد ألفي ألف درهم، الجعفري المحدث عشرة آلاف ألف درهم، والبرج عشرة آلاف ألف درهم، والصبح خمسة آلاف ألف درهم، والمليح خمسة آلاف ألف درهم، وقصر بستان الايتاخية عشرة آلاف ألف درهم، والتل علوة وسفلة خمسة آلاف ألف درهم، والجوسق في ميدان الصخر خمس مئة ألف درهم، وبركوان للمعتز عشرين ألف ألف درهم، والقلائد خمسين ألف دينار، وجعل فيها أبنية بمائة ألف دينار، والغرد في دجلة ألف ألف درهم، والقصر بالمتوكلية وهو الذي يقال له الماحوزة خمسين ألف ألف درهم، والبهو خمسة وعشرين ألف ألف درهم، واللؤلؤة خمسة آلاف ألف درهم، وغيرها كثير.

وقيل: أنفق على الجوسق والجعفري والهاروني أكثر من مئتي ألف ألف درهم (٢) .

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ٤٨٣.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٢: ٤٠، وراجع: معجم البلدان / ياقوت ٢: ٦٠ - دار إحياء التراث العربي عند ذكر الجعفري وسامراء، وتاريخ اليعقوبي ٢: ٤٩١ - ٤٩٢، والبداية والنهاية ١٠: ٣٤٦، والكامل في التاريخ ٦: ١٣٠.

١٧

وبنى قصراً في سفينة وصفه البحتري بقوله:

غنينا على قصر يسير بفتية

قعود على أرجائه وقيام

تظل البزاة البيض تخطف حولنا

جآجئ طير في السماء سوام (١)

وإلى جانب صور البذخ تعاني الأكثرية من عامة الناس الحرمان والفقر وصعوبة العيش، وفرض المتوكل حصاراً قاسياً على خصوص العلويين وعموم الطالبيين (٢) .

أما الإسراف في مراسم البلاط الخاصة بأولاد الخلفاء والامراء وغيرهم فمما يطول به الحديث، ومن شواهد ذلك ما نقله ابن كثير عن مراسم تزوج الحسن بن الافشين باترجة بنت أشناس سنة ٢٢٤ ودخل بها في قصر المعتصم بسامراء، وكان عرساً حافلاً وليه المعتصم بنفسه، حتى قيل إنهم كانوا يخضبون لحا العامة بالغالية (٣) .

ومن ذلك مراسم تسليم المعتز على أبيه بالخلافة، فقد ذكر المؤرخون أنه لما جلس المعتز وهو صبي على المنبر وسلم على أبيه بالخلافة، وخطب الناس، نثرت الجواهر والذهب والدراهم على الخواص والعوام بدار الخلافة، وكان قيمة ما نثر من الجواهر يساوي مئة ألف دينار، ومثلها ذهبا، وألف ألف درهم غير ما كان من خلع وأسمطة وأقمشة مما يفوت الحصر... (٤) .

__________________

(١) ديوان البحتري ٣: ٢٠٢ - دار المعارف - ١٩٦٣.

(٢) راجع: مقاتل الطالبيين: ٣٩٦.

(٣) البداية والنهاية ١٠: ٣١٧.

(٤) البداية والنهاية ١١: ١٧.

١٨

ولم يشذّ عن هذه السيرة أغلب خلفاء هذا العصر، فقد ذكر المؤرخون عن المستعين: انه كان متلافا للمال مبذرا، فرّق الجواهر وفاخر الثياب، واختلّت الخلافة بولايته واضطربت الاُمور (١) .

وذكروا أنّ اُمّ المهتدي محمد بن الواثق، التي ماتت قبل استخلافه، أنّها كانت تحت المستعين، فلمّا قُتل المستعين صيّرها المعتزّ في قصر الرصافة الذي فيه الحرم، فلمّا ولي المهتدي الخلافة قال يوما لجماعة من الموالي: أمّا أنا فليس لي اُمّ أحتاج لها إلى غلّة عشرة آلاف ألف في كلّ سنة لجواريها وخدمها والمتصلين بها... (٢) .

وسرى الترف في البلاط الى الملبس والزينة والتجميل، وطغى هذا اللون من الترف على النساء والمخنثين، سيما نساء وجواري الخلفاء ومواليهم، والأمثلة على ذلك يطول بذكرها المقام، وهي تحكي عن حجم التبذير في بيوت الأموال والإسراف في النفقات الخاصة على حساب الأغلبية المحرومة، وكان من نتائج ذلك أن ابتعد الخليفة عن الرعية وأهمل شؤونهم فكرهه غالبية الناس.

قال ابن كثير في حوادث سنة ٢٤٩ - خلافة المستعين -: قد ضعف جانب الخلافة، واشتغلوا بالقيان والملاهي، فعند ذلك غضبت العوام من ذلك (٣) .

ثانيا - استحواذ رجال السلطة على الأموال العامة:

السمة الغالبة في حياة سلاطين هذا العصر ومن سار في ركابهم من القادة والولاة والامراء والقضاة هي الاستئثار ببيت المال وتسخير الأموال العامة

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٢: ٤٦.

(٢) تاريخ الطبري ٩: ٣٩٦، الكامل في التاريخ ٦: ٢٠٣، البداية والنهاية ١١: ١٨.

(٣) البداية والنهاية ١١: ٣.

١٩

لخدمة مصالحهم الخاصة وحرمان الأغلبية الساحقة منه.

ولم يحدثنا التاريخ عن خلفاء أثروا كبني العباس والمحيطين بهم من ابناء البلاط والوزراء والكتاب الذين سجلوا أرقاماً فائقة في الثراء خلال القرنين الثاني والثالث.

فقد روي أن المعتصم خلف من الذهب ثمانية آلاف ألف دينار، وثمانية عشر ألف ألف درهم، وثمانين ألف فرس، وثمانية آلاف مملوك، وثمانية آلاف جارية، وبنى ثمانية قصور. وقيل: بلغ مماليكه ثمانية عشر ألفاً (١) .

ومن مظاهر استئثار رجال البلاط أن اُمّ شجاع والدة المتوكل حينما ماتت قبله بسنة خلفت أموالاً لاتُحصر، من ذلك خمسة آلاف ألف دينار من العين وحده (٢) .

وفي أحداث سنة ٢٤٩ ذكروا أن المستعين أطلق يد والدته ويد أتامش وشاهك الخادم في بيوت الأموال، وأباحهم فعل ما أرادوا، فكانت الأموال التي ترد من الآفاق يصير معظمها إلى هؤلاء الثلاثة... وما يفضل من هؤلاء الثلاثة يأخذه أتامش للعباس بن المستعين فيصرفه في نفقاته (٣) .

وذكروا أنه حينما خرج المستعين من سامراء وبويع للمعتز سنة ٢٥٢ هـ خلّف في بيت المال بسامراء نحو خمس مئة ألف دينار، وفي بيت مال أم المستعين ألف ألف دينار، وفي بيت مال العباس ابنه ستمائة ألف دينار (٤) .

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٠: ٣٠٢.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٢: ٤١.

(٣) الكامل في التاريخ / ابن الأثير ٦: ١٥٤ - دار الكتب العلمية - ١٤١٥ هـ، البداية والنهاية / ابن كثير ١١: ٣ - مكتبة المعارف - ١٤١٤ هـ.

(٤) الكامل في التاريخ ٦: ١٦٦، البداية والنهاية ١١: ٧.

٢٠

قال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو استتر لكان خيرا له إذا تاب ».

أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره: عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مثله.

[ ٢١٨٩٠ ] ٢ - الصدوق في المقنع: واعلم أن عقوبة من لاط بغلام أن يحرق إلى أن قال وإذا أحب التوبة تاب من غير أن يرفع خبره إلى امام المسلمين، فان رفع خبره إلى الامام هلك، فإنه يقيم عليه احدى هذه الحدود.

١٥ -( باب جواز العفو عن الحدود التي للناس، قبل المرافعة إلى الامام)

[ ٢١٨٩١ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « سرقت خميصة(١) لصفوان بن أمية، فأتى بالسارق إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأمر بقطع يده، فقال صفوان: لم أكن أظن الامر يا رسول الله يبلغ هذا، وقد وهبتها له، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فهلا كان هذا قبل أن تأتي به!؟ أن الحد إذا انتهى إلى الوالي لم يدعه ».

[ ٢١٨٩٢ ] ٢ - وعن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنه قال في حديث: « وأما ما كان من حقوق الناس في حد، فلا بأس أن يعفى عنه دون الامام ».

[ ٢١٨٩٣ ] ٣ - فقه الرضاعليه‌السلام : « عن العالمعليه‌السلام أنه قال: فأما ما كان من حق بين الناس، فلا بأس أن يعفى عنه دون الامام قبل

__________________

(١) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص ٧٧.

٢ - المقنع ص ١٤٤.

الباب ١٥

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٤ ح ١٥٤٩.

(١) الخميصة: ثوب خز أو صوف معلم، كانت من لباس الناس قديما ( النهاية ج ٢ ص ٨١ ).

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٤ ح ١٥٤٩.

٣ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٢.

٢١

أن يبلغ الامام ».

[ ٢١٨٩٤ ] ٤ - عوالي اللآلي: عن ابن عباس، قال: كان صفوان نائما في المسجد ورداؤه تحته فسرق، فقام وقد ذهب الرجل فأدركه وأخذه وجاء به إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأمر بقطعه، فقال صفوان: يا رسول الله، ما بلغ ردائي أن يقطع فيه رجل، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فهلا كان هذا قبل أن تأتينا به!؟ »

١٦ -( باب أنه لا يعفو عن الحدود التي لله إلا الامام، مع الاقرار لا مع البينة، وان من عفا عن حقه فليس له الرجوع)

[ ٢١٨٩٥ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أبي جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام ، أنه قال: « لا يعفى عن الحدود التي لله دون الامام » الخبر.

[ ٢١٨٩٦ ] ٢ - وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال: « ومن عفا عن حد يجب له، فليس له أن يرجع بعد أن عفا ».

[ ٢١٨٩٧ ] ٣ - فقه الرضاعليه‌السلام : « أروي عن العالمعليه‌السلام ، أنه قال: لا يعفى عن الحدود التي لله عز وجل دون الإمامعليه‌السلام ، فإنه مخير ان شاء عفا وإن شاء عاقب إلى أن قال وما كان من الحدود لله جل وعز دون الناس، مثل الزنى واللواط وشرب الخمر، فالامام مخير فيه إن شاء عفا وإن شاء عاقب، وما عفا الامام فقد عفا الله عنه، وما كان بين الناس فالقصاص أولى ».

__________________

٤ - عوالي اللآلي ج ١ ص ١٨٤ ح ٢٥٥.

الباب ١٦

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤ ح ١٥٤٩.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤ ح ١٥٤٩.

٣ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٢.

٢٢

[ ٢١٨٩٨ ] ٤ - الصدوق في المقنع: وللامام أن يعفو عن كل ذنب بين العبد وخالقه، فان عفا عنه جاز عفوه، وإذا كان الذنب بين العبد والعبد، فليس للامام أن يعفو.

[ ٢١٨٩٩ ] ٥ - ابن شهرآشوب في المناقب: عن أبي الحسن علي بن محمدعليهما‌السلام ، أنه أملى على ابن السكيت جواب مسائل سألها عنه يحيى بن أكثم في حضور المتوكل، وفيها: « وأما الرجل الذي أقر باللواط، فإنه أقر بذلك متبرعا من نفسه ولم تقم عليه بينة ولا أخذه سلطان، وإذا كان للامام الذي من الله أن يعاقب في الله، فله ان يعفو في الله، اما سمعت الله يقول لسليمان:( هَـٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ‌ حِسَابٍ ) (١) ».

١٧ -( باب أنه لا حد لمن لا حد عليه، كالمجنون يقذف أو يقذف)

[ ٢١٩٠٠ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه سئل عن الرجل يقذف الطفل والطفلة أو المجنون، فقال: « لا حد لمن لا حد عليه، ولكن القاذف آثم، وأقل ما في ذلك أن يكون قد كذب ».

١٨ -( باب عدم جواز الشفاعة في حد بعد بلوغ الامام وعدم قبولها، وحكم الشفاعة في غير ذلك)

[ ٢١٩٠١ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن

__________________

٤ - المقنع ص ١٤٤.

٥ - المناقب ج ٤ ص ٤٠٥.

(١) سورة ص ٣٨: ٣٩.

الباب ١٧

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٢ ح ١٦٣٤.

الباب ١٨

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٣ ح ١٥٤٦.

٢٣

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه نهى عن الشفاعة في الحدود، وقال: « من شفع في حد من حدود الله ليبطله، وسعى في ابطال حدوده، عذبه الله تعالى يوم القيامة ».

[ ٢١٩٠٢ ] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنه أخذ رجلا من بني أسد في حد وجب عليه ليقيمه عليه، فذهب بنو أسد إلى الحسين بن عليعليهما‌السلام يستشفعونه(١) ، فأبى عليهم، فانطلقوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فسألوه، فقال: لا تسألونني شيئا أملكه إلا أعطيتكموه « فخرجوا مسرورين، فمروا بالحسينعليه‌السلام ، فأخبروه بما قال، فقال: » إن كان لكم بصاحبكم حاجة فانصرفوا، فلعل أمره قد قضي « فانصرفوا إليه فوجدوه ( صلوات الله عليه ) قد أقام عليه الحد، فقالوا: أولم تعدنا يا أمير المؤمنين؟ قال: قد وعدتكم بما أملك، وهذا شئ لله لست أملكه ».

[ ٢١٩٠٣ ] ٣ - وعنهعليه‌السلام ، أنه قال: « لا بأس بالشفاعة في الحدود إذا كانت من حقوق الناس، يسألون فيها قبل أن يرفعوها، فإذا رفع الحد إلى الامام فلا شفاعة ».

[ ٢١٩٠٤ ] ٤ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب المسلسلات: سمعت أبا أحمد محمد بن أحمد الغطريفي، يقول: سمعت أبا خليفة الفضل بن حباب، يقول: سمعت عبيد الله بن عائشة(١) ، يقول: سمعت حماد(٢) بن سلمة،

__________________

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٣ ح ١٥٤٧.

(١) في نسخة: يستشفعون به « منه قده ».

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٣ ح ١٥٤٨.

٤ - كتاب المسلسلات ص ١١٤.

(١) في المخطوط: « عبد الله بن عائشة »وما أثبتناه من المصدر هو الصواب ( راجع تهذيب التهذيب ج ٣ ص ١١ ).

٢٤

يقول: سمعت يحيى بن سعيد(٣) ، يقول: سمعت سعيد بن المسيب، يقول: سرقت امرأة من قريش، فتشفع فيها أسامة بن زيد، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ان هذا حد من حدود الله تعالى، لا شفاعة فيها » فقطعها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

[ ٢١٩٠٥ ] ٥ - وفي حديث آخر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأسامة: « لا تشفع في حد إذا بلغ السلطان ».

١٩ -( باب أنه لا كفالة في حد)

[ ٢١٩٠٦ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « لا كفالة في حد، ولا شهادة على شهادة في حد، ولا يجوز كتاب قاض إلى قاض في حد ».

٢٠ -( باب حكم إرث الحد)

[ ٢١٩٠٧ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده،عليهما‌السلام ، قال: « كان علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، يقول: لا يورث الحد ».

[ ٢١٩٠٨ ] ٢ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنين وأبي عبد اللهعليهما‌السلام ، انهما قالا: « الحد لا يورث » يعنيان ( صلوات الله

__________________

(٣) في المخطوط: « سيد » وما أثبتناه من المصدر هو الصواب ( راجع تقريب التهذيب ج ٢ ص ٣٤٨ ).

٥ - المسلسلات ص ١١٤.

الباب ١٩

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٦ ح ١٦٥٢.

الباب ٢٠

١ - الجعفريات ص ١٣٦.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٦ ح ١٦٥٩.

٢٥

عليهما ) بذلك الحد يجب للرجل فلا يطلبه حتى يموت، انه ليس لورثته ان يطلبوه.

٢١ -( باب أنه لا يمين في حدود، وأن الحدود تدرأ بالشبهات)

[ ٢١٩٠٩ ] ١ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه نهى عن الايمان في الحدود.

[ ٢١٩١٠ ] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أن رجلا ادعى على رجل أنه قذفه، ولم يجئ ببينة، وقال: استحلفه لي يا أمير المؤمنين: فقال: « لا يمين في حد ».

[ ٢١٩١١ ] ٣ - وعن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنينعليهم‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « ادرؤوا الحدود بالشبهات، وأقيلوا الكرام عثراتهم، إلا في حد من حدود الله ».

[ ٢١٩١٢ ] ٤ - الصدوق في المقنع: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « ادرؤوا الحدود بالشبهات ».

[ ٢١٩١٣ ] ٥ - أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره: عن أبيه قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ادعى رجل على رجل بحضرة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه افترى عليه، ولم يكن له بينة، فقال: يا أمير المؤمنين حلفه، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا يمين في حد ».

__________________

الباب ٢١

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٦ ح ١٦٥٣.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٦ ح ١٦٥٤.

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٥ ح ١٦٤٩.

٤ - المقنع ص ١٤٧.

٥ - نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص ٧٦.

٢٦

٢٢ -( باب عدم جواز تأخير إقامة الحد)

[ ٢١٩١٤ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده: « أن علياعليهم‌السلام شهد عنده ثلاثة نفر على رجل بالزنى فقال عليعليه‌السلام : أين الرابع؟ فقالوا: الآن يجئ، قال: خذوهم، فليس في الحدود نظرة ساعة ».

[ ٢١٩١٥ ] ٢ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « متى وجب الحد(١) أقيم، وليس في الحدود نظرة ».

[ ٢١٩١٦ ] ٣ - وعنهعليه‌السلام : أنه قال: « إذا كان في الحد لعل وعسى، فالحد معطل ».

٢٣ -( باب تحريم ضرب المسلم بغير حق، وكراهة الأدب عند الغضب)

[ ٢١٩١٧ ] ١ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « أبغض الخلق إلى الله من جرد ظهر مسلم بغير حق، ومن ضرب في غير حق من لم يضربه، أو قتل من لم يقتله ».

[ ٢١٩١٨ ] ٢ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « ظهر المؤمن حمى

__________________

الباب ٢٢

١ - الجعفريات ص ١٤٤.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٣ ح ١٥٤٥.

(١) في المخطوط: « الحق »وما أثبتناه من المصدر.

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٥ ح ١٦٥٠.

الباب ٢٣

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٤ ح ١٥٥١.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٤ ح ١٥٥٠.

٢٧

الله(١) ، إلا من حد ».

[ ٢١٩١٩ ] ٣ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنه كتب إلى رفاعة: « دارئ عن المؤمن(١) ما استطعت، فإن ظهره حمى الله، ونفسه كريمة على الله، وله يكون ثواب الله، وظالمه خصم الله، فلا يكون خصمك ».

[ ٢١٩٢٠ ] ٤ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن آبائه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان أبغض الناس(١) إلى الله، رجل جرد ظهر مؤمن بغير حق ».

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « ظهر المؤمن حمى إلا من حد ».

[ ٢١٩٢١ ] ٥ - ابن شهرآشوب في المناقب: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: لما أدرك عمرو بن عبد ود لم يضربه، فوقعوا(١) في عليعليه‌السلام ، فرد عنه حذيفة، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مه يا حذيفة، فان علياعليه‌السلام سيذكر سبب وقفته » ثم إنه ضربه، فلما جاء سأله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك، قال: « قد كان شتم أمي، وتفل في وجهي، فخشيت أن أضربه لحظ نفسي، فتركته حتى سكن ما بي، ثم قتلته في الله ».

__________________

(١) ليس في المصدر.

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٥ ح ١٥٥٣.

(١) في المخطوط: « المؤمنين »وما أثبتناه من المصدر.

٤ - الجعفريات ص ١٣٣.

(١) في نسخة: الخلق ( منه قده ).

(٢) نفس المصدر ص ١٣٣.

٥ - المناقب ج ٢ ص ١١٥.

(١) وقع فيه: ذمه وعابه واغتابه ( لسان العرب ج ٨ ص ٤٠٥ ).

٢٨

٢٤ -( باب تحريم ضرب المملوك حدا بغير موجب، وكراهة ضربه عند معصية سيده، واستحباب اختيار عتقه أو بيعه)

[ ٢١٩٢٢ ] ١ - السيد فضل الله الراوندي في نوادره: باسناده الصحيح عن موسى بن جعفر، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أربعة لا عذر لهم إلى أن قال ورجل له مملوك سوء فهو يعذبه، لا عذر له فإما أن يبيع وإما أن يعتق ».

[ ٢١٩٢٣ ] ٢ - الشيخ ورام في تنبيه الخاطر: عن أبي مسعود الأنصاري، قال: كنت اضرب غلاما فسمعت من خلفي صوتا: « اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، ان الله أقدر عليك منك عليه » فالتفت فإذا هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت: يا رسول الله، هو حر لوجه الله، فقال: « أما لو لم تفعل للفحتك النار ».

[ ٢١٩٢٤ ] ٣ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « اضرب خادمك إذا عصى الله، واعف عنه إذا عصاك ».

٢٥ -( باب أن إقامة الحدود إلى من إليه الحكم)

[ ٢١٩٢٥ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمد، حدثني موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه: أن علياعليهم‌السلام ، قال: « لا يصلح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة، إلا بامام ».

__________________

الباب ٢٤

١ - نوادر الراوندي ص ٢٧.

٢ - تنبيه الخاطر ص ٥٨.

٣ - غرر الحكم ج ١ ص ١١٥ ح ١٢٦.

الباب ٢٥

١ - الجعفريات ص ٤٣.

٢٩

ورواه في الدعائم: عنهعليه‌السلام ، مثله، وفيه « بامام عدل »(١) .

[ ٢١٩٢٦ ] ٢ - وبهذا الاسناد: عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال: « ثلاثة إن أنتم فعلتموهن لم ينزل بكم بلاء: جهاد عدوكم، وإذا رفعتم إلى أئمتكم حدودكم فحكموا فيها بالعدل، وما لم تتركوا الجهاد ».

[ ٢١٩٢٧ ] ٣ - وبهذا الاسناد: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام : « أن أبا بكر وعمر وعثمان، كانوا يرفعون إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، لعلمه بها، لا يستبدون برأي دونه، فما حكم فهو جائز ».

[ ٢١٩٢٨ ] ٤ - دعائم الاسلام: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال: « ليس للرجل أن يقيم الحد على عبده وأمته، دون السلطان ».

٢٦ -( باب وجوب إقامة الحد على الكفار، إذا فعلوا المحرمات جهرا، أو رفعوا إلى حاكم المسلمين)

[ ٢١٩٢٩ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « يضرب الحر والعبد في الخمر والمسكر من النبيذ ثمانين، وكذلك يضرب الحد اليهودي والنصراني والمجوسي، إذا أظهروا ذلك في مصر من أمصار المسلمين، إنما ذلك لهم في بيوتهم، فان أظهروه ضربوا الحد ».

[ ٢١٩٣٠ ] ٢ - وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال: « تقام الحدود على

__________________

(١) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٨٢.

٢ - الجعفريات ص ٢٤٥.

٣ - الجعفريات ص ١٣٣.

٤ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٧ ح ١٦٦٢.

الباب ٢٦

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٤ ح ١٦٤٧.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٠ ح ١٦٢٣.

٣٠

أهل كل دين بما استحلوا(١) ».

[ ٢١٩٣١ ] ٣ - عوالي اللآلي: وقد ثبت في الأحاديث: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رجم اليهودي واليهودية، لما جاءت اليهود بهما وذكروا زناهما، والظاهر أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجمهم بشهادتهم.

٢٧ -( باب أن للسيد إقامة الحد على مملوكه، وتأديبه بقدر ذنبه ولا يفرط)

[ ٢١٩٣٢ ] ١ - أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره: عن أبي إسحاق، عن إبراهيم، قال: سألته عن الزاني، إلى أن قال قالعليه‌السلام : « وأي جارية زنت، فعلى مولاها حدها ».

[ ٢١٩٣٣ ] ٢ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام ، أنه قال: « فجرت خادم لرسول(١) اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لي: يا علي انطلق فأقم عليها الحد إلى أن قال قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ».

قلت: في جواز إقامة الحد لغير الامام أو من اذن له اشكال، ويمكن حمل أمثال هذه الأخبار على الاذن الخاص، وإن كان في بعضها بعيدا.

__________________

(١) في المصدر: استحلوه.

٣ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٤٥٥ ح ١٩٣.

الباب ٢٧

١ - نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص ٧٦.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٥٣ ح ١٥٨٥.

(١) في المصدر: لآل رسول.

٣١

٢٨ -( باب أنه يكره أن يقيم الحد في حقوق الله، من لله عليه حد مثله)

[ ٢١٩٣٤ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « ولا يقيم حدا من في جنبه حد ».

[ ٢١٩٣٥ ] ٢ - الصدوق في العيون: عن الحسين بن إبراهيم المكتب، وأحمد بن زياد الهمداني، وعلي بن عبد الله الوراق جميعا، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن سنان، قال: كنت عند مولاي الرضاعليه‌السلام بخراسان، وكان المأمون يقعده على يمينه إذا قعد للناس يوم الاثنين ويوم الخميس، فرفع إلى المأمون: أن رجلا من الصوفية سرق، فأمر باحضاره، فلما نظر إليه وجده متقشفا بين عينيه اثر السجود، فقال: سوأة لهذه الآثار الجميلة، ولهذا الفعل القبيح، انتسب إلى السرقة مع ما أرى من جميل آثارك وظاهرك؟ قال: فعلت ذلك اضطرارا لا اختيارا، حين منعتني حقي من الخمس والفئ، فقال المأمون: وأي حق لك في الخمس والفئ؟ قال: إن الله عز وجل قسم الخمس ستة أقسام، وقال:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم ) (١) الآية، وقسم الفئ على ستة أقسام، فقال عز وجل:( مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَ‌سُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَ‌ىٰ ) (٢) ، الآية(٣) ، فمنعتني حقي، وأنا ابن السبيل منقطع بي، ومسكين لا أرجع إلى شئ، ومن حملة القرآن، فقال له المأمون: أعطل حدا من حدود الله، وحكما من أحكامه في السارق، من أساطيرك هذه! فقال الصوفي ابدأ بنفسك فطهرها، ثم طهر غيرك، وأقم

__________________

الباب ٢٨

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٧.

٢ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ٢ ص ٢٣٧، وعنه في البحار ج ٤٩ ص ٢٨٨ ح ١.

(١) الأنفال ٨: ٤١.

(٢) الحشر ٥٩: ٧.

(٣) في المصدر زيادة: قال الصوفي.

٣٢

حد الله عليها، ثم على غيرك، فالتفت المأمون إلى أبي الحسنعليه‌السلام ، فقال: ما تقول؟

فقال: « إنه يقول سرقت فسرق » فغضب المأمون غضبا شديدا، ثم قال للصوفي: والله لأقطعنك، فقال الصوفي: أتقطعني وأنت عبد لي!؟ فقال المأمون: ويلك ومن أين صرت عبدا لك!؟ قال: لان أمك اشتريت من مال المسلمين، فأنت عبد لمن في المشرق والمغرب حتى يعتقوك، وأنا لم أعتقك، ثم بلعت الخمس بعد ذلك فلا أعطيت آل الرسول حقا، ولا أعطيتني ونظرائي حقنا(٤) ، والأخرى أن الخبيث لا يطهر خبيثا مثله، إنما يطهره طاهر، ومن في جنبه الحد لا يقيم الحدود على غيره حتى يبدأ بنفسه، أما سمعت الله عز وجل يقول:( أَتَأْمُرُ‌ونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ‌ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) (٥) فالتفت المأمون إلى الرضاعليه‌السلام ، فقال: ما ترى في أمره؟.

فقالعليه‌السلام « ان الله جل جلاله، قال لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله :( فَلِلَّـهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (٦) وهي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله، كما يعلمها العالم بعلمه، والدنيا والآخرة قائمتان بالحجة، وقد احتج الرجل ». الخبر.

__________________

(٤) في نسخة: حقا ( منه قده ).

(٥) البقرة ٢: ٤٤.

(٦) الانعام ٦: ١٤٩.

٣٣

٢٩ -( باب أن الامام إذا ثبت عنده حد من حقوق الله وجب أن يقيمه، وإذا كان من حقوق الناس لم يجب إقامته، إلا أن يطلبه صاحبه)

[ ٢١٩٣٦ ] ١ - عوالي اللآلي: وفي الحديث: أن علياعليه‌السلام أتي بسارق فأقر بسرقته، فقال له عليعليه‌السلام : « تحفظ شيئا من القرآن؟ » قال: نعم، سورة البقرة، فقالعليه‌السلام : « وهبت يدك لسورة البقرة » فقال له الأشعث: أتعطل حدا من حدود الله؟ فقال: « وما يدريك! إذا قامت البينة فليس للامام أن يعفو، وإذا أقر الرجل بسرقته على نفسه فذلك إلى الامام، إن شاء عفا وإن شاء عاقب ».

٣٠ -( باب أنه يستحب أن يولى الشهود الحدود)

[ ٢١٩٣٧ ] ١ - دعائم الاسلام: روينا عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنينعليهم‌السلام : « أن رجلا رفع إليه ذكر أنه سرق درعا، وشهد عليه شهود، فجعل الرجل ينشد علياعليه‌السلام في البينة ويقول: والله لو جئ بي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما قطع يدي أبدا، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ولم ذاك؟ قال: يخبره عز وجل أني برئ، فتنفعني براءتي، فلما رأي أمير المؤمنينعليه‌السلام مناشدته، دعا الشاهدين فناشدهما، وقال: ان التوبة قريب، فاتقيا الله عز وجل، ولا تقطعا يد الرجل ظلما فلم ينكلا، فقال: يمسك أحدكما(١) يده ويقطع الآخر، قال: فلما قال ذلك، دخلا في غمار الناس وهربا من بين يديه -

__________________

الباب ٢٩

١ - عوالي اللآلي ج ٢ ص ١٥٨ ح ٤٣٦.

الباب ٣٠

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٥ ح ١٦٤٨.

(١) في المخطوط: أحدهما، وما أثبتناه من المصدر.

٣٤

يعني ولم يتما الشهادة ولم يثبتا فقالعليه‌السلام : من يدلني على الشاهدين الكاذبين أنكلهما ».

[ ٢١٩٣٨ ] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وأول ما يبدأ برجمهما الشهود الذين شهدوا عليهما أو الامام ».

[ ٢١٩٣٩ ] ٣ - الصدوق في المقنع: ويبدأ الشهود برجمهما.

[ ٢١٩٤٠ ] ٤ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « الامام أحق من بدأ بالرجم ».

٣١ -( باب أن من جنى ثم لجأ إلى الحرم، لم يقم عليه الحد، ويضيق عليه حتى يخرج فيقام عليه، وإن جنى في الحرم أقيم عليه الحد فيه)

[ ٢١٩٤١ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من قتل قتيلا وأذنب ذنبا ثم لجأ إلى الحرم، فقد آمن لا يقاد فيه ما دام في الحرم، ولا يؤخذ، ولا يؤذى، ولا يؤوى، ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يبايع، ولا يضيف، ولا يضاف ».

[ ٢١٩٤٢ ] ٢ - وبهذا الاسناد: قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، على من أحدث في الاسلام

__________________

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٧.

٣ - المقنع ص ١٤٤.

٤ - المقنع ص ١٤٦.

الباب ٣١

١ - الجعفريات ص ٧١.

٢ - الجعفريات ص ٧١.

٣٥

حدثا » يعني يحدث في الحل فيلجأ إلى الحرم، فلا يؤويه أحد، ولا ينصره، ولا يضيفه، حتى يخرج إلى الحل فيقام عليه الحد.

٣٢ -( باب نوادره ما يتعلق بأبواب الحدود، والاحكام العامة)

[ ٢١٩٤٣ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنه كان يعرض السجون كل جمعة، فمن كان عليه حد اقامه، ومن لم يكن عليه حد خلى سبيله.

[ ٢١٩٤٤ ] ٢ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه نهى إقامة الحدود في المساجد، وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، يأمر باخراج من عليه حد من المسجد.

[ ٢١٩٤٥ ] ٣ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « من أذنب ذنبا فعوقب عليه في الدنيا، فالله أعدل من أن يثني على عبده العقوبة، ومن أذنب ذنبا فستره الله عليه في الدنيا، فالله أكرم من أن يعود في شئ قد عفا عنه ».

[ ٢١٩٤٦ ] ٤ - وعنهعليه‌السلام : أنه قال: « من أقر بحد على تخويف أو حبس أو ضرب، لم يجز ذلك عليه ولا يحد ».

[ ٢١٩٤٧ ] ٥ - فقه الرضاعليه‌السلام : « أروي عن العالمعليه‌السلام ، أنه قال: كل شئ وضع الله فيه حدا، فليس من الكبائر التي لا تغفر ».

__________________

الباب ٣٢

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٣ ح ١٥٤٤.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٥ ح ١٥٥٤.

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٥ ح ١٥٥٦.

٤ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٦ ح ١٦٥٥.

٥ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٢.

٣٦

[ ٢١٩٤٨ ] ٦ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « يؤتى بوال نقص من الحد سوطا، فيقول: رب رحمة لعبادك، فيقال له: أنت أرحم بهم مني! فيؤمر به إلى النار، ويؤتى بمن زاد سوطا، فيقول: لينتهوا عن معاصيك فيؤمر به إلى النار ».

[ ٢١٩٤٩ ] ٧ - العياشي في تفسيره: عن زرارة، عن أبي جعفر، عن أمير المؤمنينعليهما‌السلام في حديث قال: « وكانعليه‌السلام لا يرى أن يغفل عن شئ من الحدود ».

__________________

٦ - عوالي اللآلي ج ٢ ص ١٥٣ ح ٤٢٧.

٧ - تفسير العياشي ج ١ ص ٣١٨ ح ١٠٤.

٣٧

٣٨

أبواب حد الزنا

١ -( باب أقسام حدود الزنى، وجملة من أحكامها)

[ ٢١٩٥٠ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « كان(١) آية الرجم في القرآن: الشيخ والشيخة [ إذا زنيا ](٢) فارجموهما البتة فإنهما قد قضيا الشهوة ».

[ ٢١٩٥١ ] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنه قضى في المحصن والمحصنة إذا زنيا، بالرجم على كل واحد منهما، وقال: « إذا زنى المحصن والمحصنة، جلد كل واحد منهما مائة جلدة، ثم رجم(١) ».

[ ٢١٩٥٢ ] ٣ - وعنهعليه‌السلام : أنه سئل عن حد الزانيين البكرين، فقال: « جلد مائة، لقول الله عز وجل:( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) (١) ».

__________________

أبواب حد الزنا

الباب ١

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٩ ح ١٥٧٢.

(١) في المصدر: كانت.

(٢) أثبتناه من المصدر.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٩ ح ١٥٧٣.

(١) في المخطوط: « رجمهما »وما أثبتناه من المصدر.

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٥٠ ح ١٥٧٦.

(١) النور ٢٤: ٢.

٣٩

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « وجلد الزاني من أشد الجلد، فإذا جلد الزاني البكر نفي عن بلده سنة بعد الجلد، وإن كان أحد الزانيين بكرا والآخر ثيبا، جلد كل واحد منهما مائة جلدة، ثم نفي البكر منهما ورجم الثيب » والبكر: هو الذي ليس له زوج من رجل أو امرأة، والثيب: ذو الزوج منهما.

[ ٢١٩٥٣ ] ٤ - فقه الرضاعليه‌السلام : « ومن زنى بذات محرم، ضرب ضربة بالسيف، محصنا كان أم غيره، فان كانت تابعته، ضربت ضربة بالسيف، وإن استكرهها فلا شئ عليها، ومن زنى بمحصنة وهو محصن، فعلى كل واحد منهما الرجم، ومن زنى [ بمحصنة ](١) وهو [ غير ](٢) محصن فعليها الرجم، وعليه الجلد، وتغريب سنة، وقالعليه‌السلام : وإن زنيا أول مرة وهما محصنان، أو أحدهما محصن، والآخر غير محصن، ضرب الذي هو غير محصن مائة جلدة، وضرب المحصن مائة ثم رجم بعد ذلك ».

[ ٢١٩٥٤ ] ٥ - أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره: عن سماعة، عن أبي بصير، عن الصادقعليه‌السلام ، قال: « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا زنى الشيخ والشيخة، جلد كل واحد منهما مائة جلدة وعليهما الرجم، وعلى البكر جلد مائة ونفي سنة في غير مصره ».

[ ٢١٩٥٥ ] ٦ - وعن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « المحصن يرجم، والذي لم يحصن يجلد مائة ولا ينفى، والذي قد أملك يجلد مائة وينفى ».

[ ٢١٩٥٦ ] ٧ - وعن أبيه قال: « وقضى أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في

__________________

٤ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٧.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

٥ - نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص ٧٦.

٦ - نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص ٧٦.

٧ - نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص ٧٦.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274