الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ21%

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 274

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ
  • البداية
  • السابق
  • 274 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137167 / تحميل: 6118
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

أبي الصلت وأبا مسعود الثقفي، فأبطل الله اختيارهم، ولم يجز لهم آراءهم حيث يقول: ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَ‌حْمَتَ رَ‌بِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَ‌فَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَ‌جَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِ‌يًّا وَرَ‌حْمَتُ رَ‌بِّكَ خَيْرٌ‌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) (١) ولذلك اختار من الامور ما أحب، ونهى عما كره، فمن أطاعه أثابه، ومن عصاه عاقبه، ولو فوض اختيار أمره إلى عباده لأجاز لقريش اختيار أمية بن أبي الصلت وأبي مسعود الثقفي، إذ كانا عندهم أفضل من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما أدب الله المؤمنين بقوله: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَ‌سُولُهُ أَمْرً‌ا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَ‌ةُ مِنْ أَمْرِ‌هِمْ ) (٢)، فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم، ولم يقبل منهم إلا اتباع أمره واجتناب نهيه على يدي من اصطفاه، فمن أطاعه رشد، ومن عصاه ضل وغوى، ولزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع أمره واجتناب نهيه، فمن أجل ذلك حرمه ثوابه، وأنزل به عقابه.

أدلة المنزلة بين المنزلتين:

وهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض، وبذلك أخبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه عباية بن ربعي الأسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعد ويفعل. فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : سألت عن الاستطاعة تملكها من دون الله أو مع الله؟ فسكت عباية، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : قل يا عباية. قال: وما أقول؟ قال عليه‌السلام : إن قلت إنك تملكها مع الله قتلتك، وإن قلت تملكها دون الله قتلتك.

__________________

(١) سورة الزخرف: ٤٣ / ٣٢.

(٢) سورة الأحزاب: ٣٣ / ٣٦.

٢٠١

قال عباية: فما أقول يا أمير المؤمنين؟ قال: تقول إنك تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فإن يملكها إياك كان ذلك من عطائه، وإن يسلبكها كان ذلك من بلائه، هو المالك لما ملكك، والقادر على ما عليه أقدرك، أما سمعت الناس يسألون الحول والقوة حين يقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله؟

قال عباية: وما تأويلها يا أمير المؤمنين؟ قال: لا حول عن معاصي الله إلا بعصمة الله، ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بعون الله، قال: فوثب عباية فقبل يديه ورجليه.

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حين أتاه نجدة (١) يسأله عن معرفة الله، قال: يا أمير المؤمنين، بماذا عرفت ربك؟ قال عليه‌السلام : بالتمييز الذي خولني، والعقل الذي دلني. قال: أفمجبول أنت عليه؟ قال: لو كنت مجبولاً ما كنت محموداً على إحسان، ولا مذموماً على إساءة، وكان المحسن أولى بالملامة من المسيء، فعلمت أن الله قائم باق، وما دونه حدث حائل زائل، وليس القديم الباقي كالحدث الزائل.

قال نجدة: أجدك أصبحت حكيماً يا أمير المؤمنين. قال عليه‌السلام : أصبحت مخيراً، فإن أتيت السيئة بمكان الحسنة فأنا المعاقب عليها.

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال لرجل سأله بعد انصرافه من الشام فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن خروجنا إلى الشام بقضاء وقدر؟ قال عليه‌السلام : نعم يا شيخ، ما علوتم تلعة ولا هبطتم وادياً إلا بقضاء وقدر من الله. فقال الشيخ: عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين. فقال: مه يا شيخ، فإن الله قد عظم أجركم في مسيركم وأنتم سائرون، وفي مقامكم

__________________

(١) وهو المعروف بنجدة الحروري، لأنه صار من الخوارج الحرورية.

٢٠٢

وأنتم مقيمون، وفي انصرافكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من أموركم مكرهين، ولا إليه مضطرين، لعلك ظننت أنه قضاء حتم وقدر لازم، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، ولسقط الوعد والوعيد، ولما ألزمت الأشياء (١) أهلها على الحقائق، ذلك مقالة عبدة الأوثان وأولياء الشيطان، إن الله جل وعز أمر تخييراً ونهى تحذيراً، ولم يطع مكرهاً، ولم يعص مغلوباً، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً « ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار » (٢) . فقام الشيخ فقبل رأس أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأنشأ يقول:

أنت الامام الذي نرجو بطاعته

يوم النجاة من الرحمن غفرانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا

جزاك ربك عنا فيه رضوانا

فليس معذرة في فعل فاحشة

قد كنت راكبها ظلما وعصيانا

فقد دلّ أمير المؤمنين عليه‌السلام على موافقة الكتاب، ونفى الجبر والتفويض اللذين يلزمان من دان بهما وتقلدهما الباطل والكفر وتكذيب الكتاب، ونعوذ بالله من الضلالة والكفر، ولسنا ندين بجبر ولا تفويض، لكنا نقول بمنزلة بين المنزلتين، وهو الامتحان والاختيار بالاستطاعة التي ملكنا الله وتعبدنا بها، على ما شهد به الكتاب، ودان به الأئمّة الأبرار من آل الرسول صلوات الله عليهم.

مثل الاختبار بالاستطاعة:

ومثل الاختبار بالاستطاعة مثل رجل ملك عبداً، وملك مالاً كثيراً،

__________________

(١) في نسخة من المصدر: الأسماء.

(٢) سورة صآ: ٣٨ / ٢٧.

٢٠٣

أحب أن يختبر عبده على علم منه بما يؤول إليه، فملكه من ماله بعض ما أحب، ووقفه على أمور عرفها العبد، فأمره أن يصرف ذلك المال فيها، ونهاه عن أسباب لم يحبها، وتقدم إليه أن يجتنبها ولا ينفق من ماله فيها، والمال يتصرف في أي الوجهين، فصرف المال أحدهما في اتباع أمر المولى ورضاه، والآخر صرفه في اتباع نهيه وسخطه.

وأسكنه دار اختبار، أعلمه أنه غير دائم له السكنى في الدار، وأن له داراً غيرها، وهو مخرجه إليها، فيها ثواب وعقاب دائمان، فإن أنفذ العبد المال الذي ملكه مولاه في الوجه الذي أمره به، جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي أعلمه أنه مخرجه إليها، وإن أنفق المال في الوجه الذي نهاه عن إنفاقه فيه، جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود.

وقد حد المولى في ذلك حداً معروفاً وهو المسكن الذي أسكنه في الدار الاولى، فإذا بلغ الحد استبدل المولى بالمال وبالعبد، على أنه لم يزل مالكاً للمال والعبد في الأوقات كلها، إلا أنه وعد أن لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الاولى إلى أن يستتم سكناه فيها، فوفى له، لأن من صفات المولى العدل والوفاء والنصفة والحكمة، أو ليس يجب إن كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه المأمور به أن يفي له بما وعده من الثواب؟ وتفضل عليه بأن استعمله في دار فانية وأثابه على طاعته فيها نعيماً دائماً في دار باقية دائمة.

وإن صرف العبد المال الذي ملكه مولاه أيام سكناه تلك الدار الاولى في الوجه المنهي عنه، وخالف أمر مولاه، كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره إياها، غير ظالم له لما تقدم إليه وأعلمه وعرفه وأوجب له الوفاء

٢٠٤

بوعده ووعيده، بذلك يوصف القادر القاهر.

وأما المولى فهو الله جل وعز، وأما العبد فهو ابن آدم المخلوق، والمال قدرة الله الواسعة، ومحنته إظهار الحكمة والقدرة، والدار الفانية هي الدنيا، وبعض المال الذي ملكه مولاه هو الاستطاعة التي ملك ابن آدم، والامور التي أمر الله بصرف المال إليها هو الاستطاعة لاتباع الأنبياء والاقرار بما أوردوه عن الله جل وعز، واجتناب الأسباب التي نهى عنها هي طرق إبليس. وأما وعده فالنعيم الدائم وهي الجنة، وأما الدار الفانية فهي الدنيا، وأما الدار الاخرى فهي الدار الباقية وهي الآخرة.

والقول بين الجبر والتفويض هو الاختبار والامتحان والبلوى بالاستطاعة التي ملك العبد، وشرحها في الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق عليه‌السلام أنها جمعت جوامع الفضل، وأنا مفسرها بشواهد من القرآن والبيان إن شاء الله.

تفسير الأمثال الخمسة للإمام الصادق عليه‌السلام :

١ - صحة الخلقة:

أما قول الصادق عليه‌السلام ( وهي صحة الخلقة ) فإن معناه كمال الخلق للانسان وكمال الحواس وثبات العقل والتمييز وإطلاق اللسان بالنطق، وذلك قول الله: ( وَلَقَدْ كَرَّ‌مْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ‌ وَالْبَحْرِ‌ وَرَ‌زَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ‌ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) (١) فقد أخبر عز وجل عن تفضيله بني آدم على سائر خلقه من البهائم والسباع ودواب البحر والطير وكل ذي حركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل والنطق، وذلك

__________________

(١) سورة الأسراء: ١٧ / ٧٠.

٢٠٥

قوله: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) (١)، وقوله ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّ‌كَ بِرَ‌بِّكَ الْكَرِ‌يمِ ﴿٦﴾ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴿٧﴾ فِي أَيِّ صُورَ‌ةٍ مَّا شَاءَ رَ‌كَّبَكَ ) (٢) وفي آيات كثيرة.

فأول نعمة الله على الانسان صحة عقله وتفضيله على كثير من خلقه بكمال العقل وتمييز البيان، وذلك أن كل ذي حركة على بسيط الأرض هو قائم بنفسه بحواسه مستكمل في ذاته، ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس، فمن أجل النطق ملك الله ابن آدم غيره من الخلق حتى صار آمراً ناهياً، وغيره مسخر له، كما قال الله: ( كَذَٰلِكَ سَخَّرَ‌هَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُ‌وا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ) (٣)، وقال: ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ‌ الْبَحْرَ‌ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِ‌يًّا وَتَسْتَخْرِ‌جُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ) (٤)، وقال: ( وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٥﴾ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِ‌يحُونَ وَحِينَ تَسْرَ‌حُونَ ﴿٦﴾ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ) (٥) .

فمن أجل ذلك دعا الله الانسان إلى اتباع أمره وإلى طاعته، بتفضيله إياه باستواء الخلق وكمال النطق والمعرفة بعد أن ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله: ( فَاتَّقُوا اللَّـهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ) (٦) وقوله: ( لَا

__________________

(١) سورة التين: ٩٥ / ٤.

(٢) سورة الانفطار: ٨٢ / ٦ - ٨.

(٣) سورة الحج: ٢٢ / ٣٧.

(٤) سورة النحل: ١٦ / ١٤.

(٥) سورة النحل: ١٦ / ٥ - ٧.

(٦) سورة التغابن: ٦٤ / ١٦.

٢٠٦

يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) (١)، وقوله: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ) (٢) وفي آيات كثيرة.

فإذا سلب من العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته، كقوله: ( لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَ‌جٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَ‌جِ ) (٣) الآية، فقد رفع عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد وجميع الأعمال التي لا يقوم بها. وكذلك أوجب على ذي اليسار الحج والزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك، ولم يوجب على الفقير الزكاة والحج، قوله: ( وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) (٤)، وقوله في الظهار: ( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُ‌ونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِ‌يرُ‌ رَ‌قَبَةٍ - إلى قوله - فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) (٥) كل ذلك دليل على أن الله تبارك وتعالى لم يكلف عباده إلا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل به، ونهاهم عن مثل ذلك، فهذه صحة الخلقة.

٢ - تخلية السرب:

وأما قوله: ( تخلية السرب ) فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه ويمنعه العمل بما أمره الله به، وذلك قوله في من استضعف وحظر عليه العمل فلم يجد حيلة ولا يهتدي سبيلاً، كما قال الله تعالى: ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّ‌جَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ

__________________

(١) سورة البقرة: ٢ / ٢٨٦.

(٢) سورة الطلاق: ٦٥ / ٧.

(٣) سورة النور: ٢٤ / ٦١.

(٤) سورة آل عمران: ٣ / ٩٧.

(٥) سورة المجادلة: ٥٨ / ٣ و ٤.

٢٠٧

سَبِيلًا ) (١)، فأخبر أن المستضعف لم يخل سربه وليس عليه من القول شيء إذا كان مطمئن القلب بالايمان.

٣ - المهلة في الوقت:

وأما المهلة في الوقت، فهو العمر الذي يمنع الانسان من حد ما تجب عليه المعرفة إلى أجل الوقت، وذلك من وقت تمييزه وبلوغ الحلم إلى أن يأتيه أجله، فمن مات على طلب الحق ولم يدرك كماله فهو على خير، وذلك قوله: ( وَمَن يَخْرُ‌جْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرً‌ا إِلَى اللَّـهِ وَرَ‌سُولِهِ ) (٢) الآية، وإن كان لم يعمل بكمال شرائعه لعلة ما لم يمهله في الوقت إلى استتمام أمره، وقد حظر على البالغ ما لم يحظر على الطفل إذا لم يبلغ الحلم في قوله: ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِ‌هِنَّ ) (٣) الآية، فلم يجعل عليهن حرجاً في إبداء الزينة للطفل، وكذلك لا تجري عليه الأحكام.

٤ - الزاد:

وأما قوله: (الزاد) فمعناه الجِدة (٤) والبلغة التي يستعين بها العبد على ما أمره الله به، وذلك قوله: ( مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ) (٥) الآية، ألا ترى أنه قبل عذر من لم يجد ما ينفق؟ وألزم الحجة كل من أمكنته البلغة والراحلة للحج والجهاد وأشباه ذلك، وكذلك قبل عذر الفقراء وأوجب لهم

__________________

(١) سورة النساء: ٤ / ٩٨.

(٢) سورة النساء: ٤ / ١٠٠.

(٣) سورة النور: ٢٤ / ٣١.

(٤) أي الاستطاعة والغنى.

(٥) سورة التوبة: ٩ / ٩١.

٢٠٨

حقاً في مال الأغنياء بقوله: ( لِلْفُقَرَ‌اءِ الَّذِينَ أُحْصِرُ‌وا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ) (١) الآية، فأمر بإعفائهم ولم يكلفهم الاعداد لما لا يستطيعون ولا يملكون.

٥ - السبب المهيج للفاعل على فعله:

وأما قوله: (والسبب المهيج) فهو النية التي هي داعية الانسان إلى جميع الأفعال، وحاستها القلب، فمن فعل فعلاً وكان بدين لم يعقد قلبه على ذلك لم يقبل الله منه عملاً إلا بصدق النية، ولذلك أخبر عن المنافقين بقوله: ( يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ) (٢)، ثم أنزل على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توبيخاً للمؤمنين: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ) (٣) الآية، فإذا قال الرجل قولاً واعتقد في قوله، دعته النية إلى تصديق القول بإظهار الفعل، وإذا لم يعتقد القول لم تتبين حقيقته.

وقد أجاز الله صدق النية وإن كان الفعل غير موافق لها. لعلة مانع يمنع إظهار الفعل، في قوله: ( إِلَّا مَنْ أُكْرِ‌هَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) (٤)، وقوله: ( لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ) (٥)، فدل القرآن وأخبار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن القلب مالك لجميع الحواس يصحح أفعالها، ولا يبطل ما يصحح القلب شيء.

فهذا شرح جميع الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق عليه‌السلام أنها تجمع المنزلة بين المنزلتين، وهما الجبر والتفويض، فإذا اجتمع في الانسان كمال هذه الخمسة الأمثال، وجب عليه العمل كمالاً لما أمر الله عز وجل به

__________________

(١) سورة البقرة: ٢ / ٢٧٣.

(٢) سورة آل عمران: ٣ / ١٦٧.

(٣) سورة الصف: ٦١ / ٢.

(٤) سورة النحل: ١٦ / ١٠٦.

(٥) سورة البقرة: ٢ / ٢٢٥.

٢٠٩

ورسوله، وإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنها مطروحاً بحسب ذلك ».

خاتمة الرسالة:

وأخيراً ختم الامام عليه‌السلام رسالته بايراد المزيد من الشواهد القرآنية على الفتنة والبلوى التي بمعنى الاختبار، مبيناً أن الله جل وعز لم يخلق الخلق عبثاً، ولا أهملهم سدى، ولا أظهر حكمته لعباً، فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده، وهو القول بين الجبر والتفويض، وبهذا نطق القرآن، وجرت الأخبار عن الأئمّة من آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم كتب عليه‌السلام : « فإن قال قائل: فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتى اختبرهم؟ قلنا: بلى، قد علم ما يكون منهم قبل كونه، وذلك لقوله: ( وَلَوْ رُ‌دُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) (١)، وإنما اختبرهم ليعلمهم عدله ولا يعذبهم إلا بحجة بعد الفعل، وقد أخبر بقوله: ( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَ‌بَّنَا لَوْلَا أَرْ‌سَلْتَ إِلَيْنَا رَ‌سُولًا ) (٢)، وقوله: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَ‌سُولًا ) (٣)، وقوله: ( رُّ‌سُلًا مُّبَشِّرِ‌ينَ وَمُنذِرِ‌ينَ ) (٤)، فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده، وهو القول بين الجبر والتفويض، وبهذا نطق القرآن، وجرت الأخبار عن الأئمّة من آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فإن قالوا: ما الحجة فى قول الله: ( يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ) (٥) وما أشبهها؟ قيل: مجاز هذه الآيات كلها على معنيين: أما

__________________

(١) سورة الأنعام: ٦ / ٢٨.

(٢) سورة طه: ٢٠ / ١٣٤.

(٣) سورة الاسراء: ١٧ / ١٥.

(٤) سورة النساء ٤: ١٦٥.

(٥) سورة النحل: ١٦ / ٩٣.

٢١٠

أحدهما فإخبار عن قدرته، أي إنه قادر على هداية من يشاء وضلال من يشاء، وإذا أجبرهم بقدرته على أحدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب، على نحو ما شرحنا في الكتاب. والمعنى الآخر أن الهداية منه، تعريفه كقوله: ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ - أي عرفناهم - فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ ) (١)، فلو أجبرهم على الهدى لم يقدروا أن يضلوا.

وليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة على محكم الآيات اللواتي أمرنا بالأخذ بها، من ذلك قوله: ( مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ‌ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ ) (٢) الآية، وقال: ( فَبَشـِّرْ‌ عِبَادِ ﴿١٧﴾ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) (٣) .

وفقنا الله وإياكم إلى القول والعمل لما يحب ويرضى، وجنبنا وإياكم معاصيه بمنه وفضله، والحمد لله كثيراً كما هو أهله، وصلى الله على محمد وآله الطيبين، وحسبنا الله ونعم الوكيل » (٤) .

ثانياً - كلماته في حقيقة الموت والمعاد:

بيّن الامام عليه‌السلام في عدة أحاديث واقع الموت وحقيقته، وأنه ينبغي للمؤمن إذا نزل بساحته أن لا يحزن ولا يجزع لأن الجهل بحقيقة الموت هو سبب ذلك

__________________

(١) سورة فصلت: ٤١ / ١٧.

(٢) سورة آل عمران: ٣ / ٧.

(٣) سورة الزمر: ٣٩ / ١٧ و ١٨.

(٤) تحف العقول / الحراني: ٤٥٨.

٢١١

الحزن والجزع، ومنها ما رواه الشيخ الصدوق بالاسناد عن الامام أبي الحسن الهادي عليه‌السلام ، قال: « قيل لمحمد بن علي بن موسى صلوات الله عليه: ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت؟ فقال: لأنهم جهلوه فكرهوه، ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله عز وجل لأحبوه، ولعلموا أن الآخرة خير من الدنيا.

ثم قال عليه‌السلام : ما بال الصبي والمجنون يمتنعان عن الدواء المنقي لبدنهما، والنافي للألم عنهما؟ قال: لجهلهما بنفع الدواء. ثم قال عليه‌السلام : والذي بعث محمداً بالحق نبياً، إن من استعد للموت حق الاستعداد فهو أنفع له من هذا الدواء لهذا المتعالج، أما إنهم لو عرفوا ما يؤدي إليه الموت من النعيم لاستدعوه وأحبوه أشد ما يستدعي العاقل الحازم الدواء لدفع الآفات وجلب السلامات » (١) .

وروى الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام ، قال: دخل علي بن محمد عليه‌السلام على مريض من أصحابه، وهو يبكي ويجزع من الموت، فقال عليه‌السلام له: « يا عبد الله، تخاف من الموت لأنك لا تعرفه، أرأيتك إذا اتسخت وتقذرت وتأذيت من كثرة القذر والوسخ عليك، وأصابك قروح وجرب، وعلمت أن الغسل في حمام يزيل ذلك كله، أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك، أو تكره أن تدخله فيبقى ذلك عليك؟ فقال: بلى يا ابن رسول الله. قال الامام عليه‌السلام : فذلك الموت هو ذلك الحمام، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيئاتك، فإذا أنت وردت عليه وجاورته، فقد نجوت من كل هم وغم وأذى، ووصلت إلى كل

__________________

(١) معاني الأخبار: ٢٩٠ / ٨، الاعتقادات / الصدوق: ٣٤.

٢١٢

سرور وفرح. فسكن الرجل ونشط واستسلم، وغمض عين نفسه، ومضى لسبيله » (١) .

وقال عليه‌السلام في العلاقة بين الأجل وصلة الرحم: « إن الرجل ليكون قد بقي من أجله ثلاثون سنة، فيكون وصولاً لقرابته وصولاً لرحمه، فيجعلها الله ثلاثة وثلاثين سنة، وإنه ليكون قد بقي من أجله ثلاث وثلاثون سنة فيكون عاقاً لقرابته قاطعاً لرحمه، فيجعلها الله ثلاث سنين » (٢) .

وكان الامام عليه‌السلام يستعرض عقائد أصحابه ويصححها، ومما جاء في باب الموت والمعاد ما روي عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: « دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، فلما بصر بي قال لي: مرحباً بك يا أبا القاسم، أنت ولينا حقاً.

قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً أثبت عليه حتى ألقى الله عز وجل؟ فقال: هات يا أبا القاسم.

الى أن قال: وأقول: إن المعراج حق، والمساءلة في القبر حق، وإن الجنة حق، وإن النار حق، والصراط حق، والميزان حق، وإن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن الله يبعث من في القبور، فقال علي بن محمد: يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة » (٣) .

__________________

(١) معاني الأخبار: ٢٩٠ / ٩ باب معنى الموت، تصحيح الاعتقاد / المفيد: ٥٦.

(٢) بحار الأنوار ٧٤: ١٠٣.

(٣) إكمال الدين: ٣٧٩ / ١ - باب ٣٧، التوحيد: ٨١ / ٣٧.

٢١٣

ثالثاً - كلماته في القرآن وتفسيره:

غضاضة القرآن:

عن يعقوب بن السكيت النحوي، قال: « سألت أبا الحسن علي بن محمد بن الرضا عليهم‌السلام : ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلا غضاضة؟ قال: إن الله تعالى لم يجعله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة » (١) .

اجماع الاُمّة على أن القرآن حق:

ذكر الامام الهادي عليه‌السلام في أول رسالته الى أهل الأهواز أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق ولا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه.

فكتب عليه‌السلام : « اعلموا - رحمكم الله - أنا نظرنا في الآثار، وكثرة ما جاءت به الأخبار، فوجدناها عند جميع من ينتحل الاسلام ممن يعقل عن الله جل وعز، لا تخلو عن معنيين: إما حق فيتبع، وإما باطل فيجتنب.

وقد اجتمعت الاُمّة قاطبة لا اختلاف بينهم أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق، وفي حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب وتحقيقه، مصيبون، مهتدون، وذلك بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تجتمع أمتي على ضلالة. فأخبر أن جميع ما اجتمعت عليه الاُمّة كلها حق، هذا إذا لم يخالف بعض بعضاً. والقرآن حق لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه، فإذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقه، وأنكر الخبر طائفة من الاُمّة، لزمهم الاقرار به ضرورة حين اجتمعت في الأصل على تصديق الكتاب، فإن

__________________

(١) أعلام الدين / الديلمي: ٢١١، مجموعة ورام ٢: ٧٢.

٢١٤

هي جحدت وأنكرت لزمها الخروج من الملة » (١) .

خلق القرآن:

لقد اُثيرث مسألة خلق القرآن منذ زمان المأمون، فقد ابتدعها الحكم العباسي، وأثاروها للقضاء على خصومهم، وقد قتل خلق كثيرون من جرائها، وانتشرت الأحقاد والأضغان بين المسلمين.

وانقسم العلماء فيها إلى قسمين؛ فمنهم من قال بقدم كلام اللّه سبحانه، ومنهم من قال بحدوثه، مما أدّى إلى خلق فتنة ومحنة راح ضحيتها الكثير من الأعلام، وكان جواب الأئمّة عليهم‌السلام المعاصرين لتلك المحنة واضحا، يقوم على اعتبار الجدال في القرآن بدعة مع التفريق بين كلام اللّه تعالى وبين علمه، فكلامه تعالى محدث وليس بقديم، قال تعالى: ( مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ‌ مِّن رَّ‌بِّهِم مُّحْدَثٍ ) (٢)، وأما علمه فقديم قدم ذاته المقدسة، وهو من الصفات التي هي عين ذاته.

روى الشيخ الصدوق بالاسناد عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، قال: « كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم‌السلام إلى بعض شيعته ببغداد: بسم الله الرحمن الرحيم، عصمنا الله وإياك من الفتنة، فإن يفعل فأعظم بها نعمة، وإن لا يفعل فهي الهلكة، نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب، فيتعاطى السائل ما ليس له، ويتكلف المجيب ما ليس عليه، وليس الخالق إلا الله عز وجل، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، لا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالين، جعلنا الله

__________________

(١) تحف العقول / الحراني: ٤٥٩.

(٢) سورة الأنبياء: ٢١ / ٢.

٢١٥

وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون » (١) .

تفسير القرآن:

ليس من شك أن حديث أهل البيت عليهم‌السلام من أهم مفاتيح معرفة كتاب الله، ولا يمكن لأي مفسر يريد أن يفهم كتاب الله تعالى أن يستغني عما أثر عنهم عليهم‌السلام في هذا الميدان، وإذا لم يضع نصب عينيه الخطوط الأساسية التي رسموها لفهم القرآن الكريم، فإن الفشل سيكون نصيبه.

ومن تتبع التفسير الأثري الوارد عن أهل البيت عليهم‌السلام يجد أن لهم منهجاً خاصاً ومعروفاً في تفسير القرآن الكريم، والخطوط الرئيسية لهذا المنهج تتمثل في تفسير القرآن بالقرآن، وقولهم بسلامة الكتاب الكريم من التحريف، هذا مضافاً إلى جملة عقائدهم المعروفة في كتب الكلام والعقائد كتنزيه الخالق عن التجسيم والوصف والرؤية وتنزيه الأنبياء عن المعاصي، وفسّروا الروايات والآيات التي قد يستظهر منها ما يخالف هذه المعاني بمعانٍ مناسبة لجوّ الآيات والروايات، وأمامنا تراث ضخم وفذ من تفسير أهل البيت عليهم‌السلام جمعه السيد هاشم البحراني المتوفى سنة ١١٠٧ في كتابه (البرهان في تفسير القرآن) والشيخ عبد علي بن جمعة العروسي المتوفى سنة ١١١٢ في تفسيره (نور الثقلين) فضلاً عن تفاسير المتقدمين الواصلة الينا مثل تفسير فرات الكوفي والعياشي وعلي بن إبراهيم القمي رحمهم الله. وللامام الهادي عليه‌السلام نصيب وافر في هذا الاتجاه جمع بعضه في مسنده.

رابعاً - كلماته في الإمامة والولاية:

أكد الإمام الهادي عليه‌السلام في الكثير من كلماته على علم الامام وصفاته،

__________________

(١) التوحيد / الصدوق: ٢٢٤ / ٤.

٢١٦

وفرض الولاية لأهل البيت عليهم‌السلام ، وضرورة معرفتهم والتصديق بهم والتمسك بهديهم وأداء حقوقهم التي جعلها اللّه لهم سيما المودة لهم، وما لذلك من معطيات جمة في الدنيا والآخرة.

وذكر الوصية لأمير المؤمنين عليه‌السلام والأحاديث الدالة على امامته بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كحديث الثقلين، وبين أنه خبر صحيح مجمع عليه ولا اختلاف فيه عند جميع المسلمين، لأنه موافق للكتاب، والكتاب يشهد بتصديقه، من هنا لزم على الاُمّة الاقرار به ضرورة، وذكر آيات وأحاديث أُخرى تشهد وتدل على ذلك، منها التصدق بخاتمه وهو راكع ونزول آية في ذلك تدل على ولايته وخلافته، ومنها حديث الغدير وحديث المنزلة.

وذكر موضوع الغيبة، مؤكداً النص على امامة الخلف من بعد ولده الحسن العسكري عليهما‌السلام وكونه صاحب غيبة طويلة يخرج بعدها فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

١ - ولاية أهل البيت:

عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: « دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، فلما بصر بي قال لي: مرحباً بك يا أبا القاسم، أنت ولينا حقاً.

قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً أثبت عليه حتى ألقي الله عز وجل؟ فقال: هات يا أبا القاسم.

فقلت: إني أقول.... أن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله خاتم النبيين، فلا نبي بعده إلى يوم القيامة، وأقول إن الإمام والخليفة وولي الأمر من بعده أمير الموءمنين علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي،

٢١٧

ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم أنت يا مولاي.

فقال عليه‌السلام : ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده ؟ قال: فقلت: وكيف ذاك يا مولاي؟ قال: لأنه لا يرى شخصه، ولا يحلّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

قال: فقلت: أقررت. وأقول: إن وليهم ولي الله، وعدوهم عدو الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله....

فقال علي بن محمد عليهما‌السلام : يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة » (١) .

وروى الامام أبو الحسن الهادي عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام ، عن جده الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من سره أن يلقى الله عز وجل آمناً مطهراً لا يحزنه الفزع الأكبر، فليتولك يا علي وليتول ابنيك الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي، ثم المهدي وهو خاتمهم، وليكونن في آخر الزمان قوم يتولونك يا علي، يشنأهم الناس، ولو أحبوهم كان خيراً لهم لو كانوا يعلمون، يؤثرونك وولدك على الآباء والاُمهات والاخوة والأخوات، وعلى عشائرهم والقرابات، صلوات الله عليهم أفضل الصلوات، أولئك يحشرون تحت لواء

__________________

(١) اكمال الدين: ٣٧٩ / ١ - باب ٣٧، التوحيد: ٨١ / ٣٧.

٢١٨

الحمد، يتجاوز عن سيئاتهم، ويرفع درجاتهم جزاء بما كانوا يعملون » (١) .

٢ - حديث الثقلين وشواهده:

ذكر الامام الهادي عليه‌السلام في رسالته الى أهل الأهواز حديث الثقلين وشواهده باعتباره أول خبر ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف تحقيقه وتصديقه والتماس الشهادة عليه من الكتاب والسنة، من هنا صار الاقتداء بأمثاله من الأخبار فرضاً واجباً على كل مؤمن ومؤمنة، ولزم أفراد الاُمّة الاقرار به ضرورة لأنهم اجتمعوا في الأصل على تصديق الكتاب، فإن هم جحدوا وأنكروا لزمهم الخروج من الملة.

فكتب: « فأول خبر يعرف تحقيقه من الكتاب وتصديقه والتماس شهادته عليه، خبر ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووجد بموافقة الكتاب وتصديقه بحيث لا تخالفه أقاويلهم، حيث قال: إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض. فلما وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصاً، مثل قوله جل وعز : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَ‌سُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَ‌اكِعُونَ ﴿٥٥﴾ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (٢) .

وروت العامة في ذلك أخباراً لأمير المؤمنين عليه‌السلام أنه تصدق بخاتمه وهو راكع فشكر الله ذلك له وأنزل الآية فيه. فوجدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أتى بقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه. وبقوله: أنت مني بمنزلة هارون من

__________________

(١) الغيبة / الطوسي: ١٣٦ / ١٠٠.

(٢) سورة المائدة٥: ٥٥ - ٥٦.

٢١٩

موسى، إلا أنه لا نبى بعدي. ووجدناه يقول: علي يقضي ديني، وينجز موعدي، وهو خليفتي عليكم من بعدي. فالخبر الأول الذي استنبطت منه هذه الأخبار خبر صحيح مجمع عليه، لا اختلاف فيه عندهم، وهو أيضاً موافق للكتاب، فلما شهد الكتاب بتصديق الخبر وهذه الشواهد الاُخر لزم على الاُمّة الاقرار بها ضرورة، إذ كانت هذه الأخبار شواهدها من القرآن ناطقة، ووافقت القرآن، والقرآن وافقها.

ثم وردت حقائق الأخبار من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصادقين عليهم‌السلام ونقلها قوم ثقات معروفون، فصار الاقتداء بهذه الأخبار فرضاً واجباً على كل مؤمن ومؤمنة لا يتعداه إلا أهل العناد؛ وذلك أن أقاويل آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متصلة بقول الله، وذلك مثل قوله في محكم كتابه: ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَ‌ةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (١) .

وجدنا نظير هذه الآية قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من آذى علياً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن ينتقم منه. وكذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحب علياً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله. ومثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بني وليعة: لأبعثن إليهم رجلاً كنفسي، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قم يا علي فسر إليهم. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم خيبر: لأبعثن إليهم غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كراراً غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله عليه. فقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفتح قبل التوجيه، فاستشرف لكلامه أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما كان من الغد دعا علياً عليه‌السلام فبعثه إليهم، فاصطفاه بهذه المنقبة، وسماه كراراً غير فرار، فسماه الله محباً لله ولرسوله،

__________________

(١) سورة الأحزاب: ٣٣ / ٥٧.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ودلالته على إمامة عليّ وولده ظاهرة من وجوه :

الأوّل : إنّ تصريحه بأنّ الكتاب والعترة لا يفترقان ، دالّ على علمهم بما في الكتاب ، وأنّهم لا يخالفونه قولا وعملا.

والأوّل دليل الفضل على غيرهم ، والأفضل أحقّ بالإمامة.

والثاني دليل العصمة التي هي شرط الإمامة ، ولا معصوم غيرهم.

الثاني : إنّه جعلهم عديلا(١) للقرآن ، فيجب التمسّك بهم مثله ، واتّباعهم في كلّ أمر ونهي ، ولا يجب اتّباع شخص على الإطلاق إلّا النبيّ أو الإمام المعصوم.

الثالث : إنّه عبّر عن الكتاب والعترة ب‍ « خليفتين » ، كما في حديث الثعلبي الذي ذكره المصنّفرحمه‌الله (٢)

وحديث أحمد في « مسنده »(٣) ، عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله ، وأهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ».

ومن الواضح أنّ خلافة كلّ شيء بحسبه ، فخلافة القرآن بتحمّله أحكام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومواعظه ، وإنذاره ، وسائر تعاليمه ؛ وخلافة الشخص بإمامته ، وقيامه بما تحتاج إليه الأمّة ، ونشر الدعوة ، وجهاد المعاندين.

الرابع : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر في مفتتح الحديث قرب موته ، كقوله : «يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب »(٤)

__________________

(١) العدل والعدل والعديل : النّظير والمثيل ؛ انظر : لسان العرب ٩ / ٨٤ مادّة « عدل ».

(٢) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٣٧.

(٣) ص ١٨٢ و ١٨٩ من الجزء الخامس. منهقدس‌سره .

(٤) راجع ما تقدّم في الصفحتين ٢٣٦ و ٢٣٧.

٢٤١

أو قوله : «كأنّي قد دعيت فأجبت »(١)

أو نحو ذلك كما في أحاديث مسلم(٢) ، وأحد حديثي الحاكم(٣) ، وحديث أحمد عن زيد بن أرقم(٤) ، وحديثه عن أبي سعيد(٥) .

ثمّ قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم الثّقلين » ؛ ومن المعلوم أن ذا السلطان والولاية ، الذي له نظام يلزم العمل به بعده ، إذا ذكر موته وقال : « إنّي تارك فيكم فلانا ، وكتابا حافظا لنظامي » ، لم يفهم منه إلّا إرادة العهد إلى ذلك الشخص بالإمرة بعده ؛ خصوصا وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، أو : «من كنت وليّه فعليّ وليّه » ، كما في حديثي الحاكم وغيرهما(٦) .

ولا يبعد أنّ وصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالثّقلين كانت في غدير خمّ ، أو أنّه أحد مواردها(٧) ؛ لقوله في حديث مسلم : « خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٥ ح ٨١٤٨ وص ١٣٠ ح ٨٤٦٤.

(٢) صحيح مسلم ٧ / ١٢٢ و ١٢٣.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦.

(٤) ص ٣٦٧ من الجزء الرابع. منهقدس‌سره .

(٥) ص ١٧ من الجزء الثالث. منهقدس‌سره .

(٦) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦ و ٤٥٧٧ ، المعجم الكبير ٥ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ح ٤٩٦٩ ـ ٤٩٧١ وص ١٧١ ـ ١٧٢ ح ٤٩٨٦ ، فوائد سمّويه : ٨٤ ح ٨١.

(٧) لقد صدع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحديث الثّقلين في مواطن متعدّدة ومواقف شتّى ، وقد أحصيت تلك المواقف فكانت خمسة ؛ مرّة يوم عرفة من حجّة الوداع ، وأخرى بعد انصرافهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الطائف ، وتارة على منبره في المدينة ، وتارة أخرى يوم غدير خمّ ، وآخرها في حجرته المباركة في مرضه الذي توفّي فيه والحجرة غاصّة بأصحابه.

راجع تفصيل ذلك في : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ١ / ١٠٤ ـ ١٠٧ ، حديث الثّقلين تواتره ، فقهه : ٣٣ ـ ٣٥.

٢٤٢

بماء يدعى خمّا »(١) ، ولقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض الأحاديث : «من كنت مولاه فعليّ مولاه »(٢) ، فإنّه صادر بالغدير ، فيكون قد عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في خمّ بالخلافة إلى أهل البيت عموما ، وإلى عليّ خصوصا ، فكان الخليفة بعده أمير المؤمنين ، ثمّ الحسنان.

وقد بيّنّا في الآية الثالثة أنّ أهل البيت لا يشمل بقيّة أقارب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

الخامس : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتّبعتموهما » ، كما في أحد حديثي الحاكم ، وصحّحه على شرط الشيخين(٤)

ونحوه ما في « الصواعق »(٥) وصحّحه

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قد تركت فيكم الثّقلين خليفتين ، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي » ، كما في حديث الثعلبي الذي ذكره المصنّفرحمه‌الله (٦)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي » ، كما في حديث الترمذي عن زيد بن أرقم(٧)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا » ، كما

__________________

(١) صحيح مسلم ٧ / ١٢٢ ، المعجم الكبير ٥ / ١٨٣ ح ٥٠٢٨.

(٢) المعجم الكبير ٥ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ح ٤٩٦٩ ـ ٤٩٧١ وص ١٧١ ـ ١٧٢ ح ٤٩٨٦.

(٣) راجع : ج ٤ / ٣٥١ ـ ٣٨٠ من هذا الكتاب.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٧.

(٥) في المقام السابق [ ص ٢٣٠ ]. منهقدس‌سره .

(٦) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٣٧.

(٧) سنن الترمذي ٥ / ٦٢٢ ح ٣٧٨٨.

٢٤٣

في حديث الترمذي عن جابر(١) ، وحديث أحمد عن أبي سعيد(٢) .

فإنّ كلّ واحد من هذه الأقوال صريح في بطلان خلافة المشايخ الثلاثة ؛ لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله رتّب عدم ضلال أمّته دائما وأبدا على التمسّك بالثقلين.

وبالضرورة ، أنّ الضلال واقع ولو أخيرا ؛ لاختلاف الأديان وفساد الأعمال ، فيعلم أنّهم لم يتمسّكوا في أوّل الأمر بالعترة والكتاب ، وأنّ خلافة الثلاثة خلاف التمسّك بهما ، ولذا وقع الضلال.

ولا يرد النقض بأنّ الأمّة تمسّكت بالعترة ـ حين بايعت عليّاعليه‌السلام ـ ومع ذلك وقع الضلال المذكور ؛ وذلك لأنّ المراد هو التمسّك بالعترة كالكتاب بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل.

على أنّ الأمّة لم تتمسّك بعليّعليه‌السلام بعد مبايعته ؛ لمخالفة الكثير منهم له حتّى انقضت أيّامه بحرب الأمّة.

فأين تمسّكها بالعترة؟! وأين تمسّكها بالكتاب ، وهو قد قاتلهم على تأويله؟!(٣) .

فإن قلت : لعلّ المراد : أنّكم إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ما دمتم متمسّكين بهما ، فلا يدلّ ضلالهم أخيرا على عدم تمسّكهم أوّلا.

قلت : هذا احتمال خارج عن الظاهر ، حتّى بلحاظ قوله ـ في خبري الترمذي المذكورين ـ : «ما إن تمسّكتم به » و « ما إن أخذتم به » ؛ لأنّ « ما » فيهما مفعول به ل‍ «تركت » و «تارك » ، لا ظرفية زمانية.

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ / ٦٢١ ح ٣٧٨٦.

(٢) ص ٥٩ من الجزء الثالث. منهقدس‌سره .

(٣) راجع : ج ٥ / ٨٥ وما بعدها من هذا الكتاب.

٢٤٤

فقد ظهر من هذه الوجوه الخمسة دلالة الحديث على أنّ الإمامة في العترة الطاهرة ، لا على مجرّد الوصيّة بأخذ العلم منهم.

ولو سلّم ، فمن الواضح دلالة الحديث على وجوب أخذ العلم منهم ، وعدم جواز مخالفتهم ، كالقرآن ، وحينئذ فيجب اتّباع قولهم في الإمامة ، وفي صحّة إمامة شخص وعدمها ؛ لأنّه من أخذ العلم منهم.

ومن المعلوم أنّ عليّا خالف في إمامة أبي بكر ـ ولو في بعض الأوقات ـ ، فتبطل ولو في الجملة ، وهذا خلاف مذهب القوم.

فكيف وقد ادّعى أنّ الحقّ له من يوم وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حين موته هوعليه‌السلام ، وتظلّم منهم مدّة حياته ـ كما سبق(١) ـ؟!

وأيضا : لم تتّبع الأمّة عترة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمر الخمس والمتعتين وكثير من الأحكام ، فيكونون ضلّالا!

وما أدري متى تمسّكت الأمّة بالعترة؟!

أفي زمن أمير المؤمنين؟! أو في زمن أبنائه الطاهرين؟! وقد تركوا كلّا منهم حبيس بيته لا يسمع له قول ، ولا يتّبع له أمر ، ولا يؤخذ منه حكم.

بل جعلوا عداوتهم وسبّهم دينا ، وحاربوهم بالبصرة والشام والكوفة ، وسبوا نساءهم سبي الترك والديلم!

فهل تراهم مع هذا قد تمسّكوا بهم ، أو نبذوهم وراء ظهورهم وانقلبوا على الأعقاب ، كما ذكره سبحانه في عزيز الكتاب(٢) ؟!

__________________

(١) راجع : ج ٤ / ٢٨٠ ـ ٢٩٦ من هذا الكتاب.

(٢) كما في قوله تعالى :( وَما مُحَمَّدٌ إِلأَرَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ

٢٤٥

هذا ، ولا يخفى أنّ الحديث دالّ على بقاء العترة إلى يوم القيامة لأمور :

الأوّل : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه : «إنّي تارك فيكم الثّقلين » ؛ فإنّه دالّ على أنّه ترك فيهم ما يحتاجون إليه ، وما هو كاف في حصول حاجتهم.

وبالضرورة ، أنّه لو لم يدل الثقلان لم يكفيا ؛ لأنّ الأمّة محتاجة مدى الدهر إلى الأحكام والحكّام.

الثاني : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا » ؛ فإنّ تأبيد عدم الضلال موقوف على تأبيد ما يتمسّك به.

الثالث : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لن يفترقا » ؛ فإنّه لو لم يكن في وقت من الأوقات من هو قرين الكتاب من العترة ، لافترق الكتاب عنهم.

وقد أقرّ ابن حجر في عبارته السابقة بإفادة الحديث بقاء العترة إلى يوم القيامة(١)

وقال بعد ذلك : « وفي أحاديث التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ؛ ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي ، ويشهد لذلك الخبر السابق : (في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ) »(٢) إلى آخره.

__________________

أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(١) راجع الصفحة ٢٤٠ من هذا الجزء.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٣٢.

٢٤٦

أقول :

أراد بالخبر السابق ، ما نقله قبل هذا الكلام عن الملّاء في « سيرته » ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإن أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا من توفدون »(١) .

وليت شعري ، إذا علم ابن حجر ذلك ، فما باله أنكر إمامة العترة ، ودان بإمامة أضدادهم ، وتمسّك بالشجرة الملعونة في القرآن؟!

وكيف حلّ له أن يترك الأخذ ممّن ينفون عن الدين تحريف الضالّين ، ويرجع في أحكامه إلى من حرّفوا الدين ، بشهادة مخالفتهم لمن ينفون عنه التحريف؟!

بل لم يكتف ابن حجر وأصحابه حتّى عيّنوا لأخذ الأحكام أئمّتهم الأربعة ، وحرّموا الرجوع إلى أهل البيت!

فهل هذا من التمسّك بالكتاب والعترة اللذين لا يفترقان إلى يوم القيامة؟!

هذا كلّه في حديث الثّقلين(٢) .

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣١ ؛ وانظر : ذخائر العقبى : ٤٩ ، جواهر العقدين : ٢٤١ ـ ٢٤٢.

(٢) وانظر تخريج الحديث مفصّلا في : ج ٢ / ١٨٧ ه‍ ١ من هذا الكتاب.

وراجع ما كتبه السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ في الأجزاء

٢٤٧

وأمّا غيره ممّا ذكره المصنّفرحمه‌الله :

فالخبر الأوّل قد رواه أحمد(١) ، ورواه الترمذي في مناقب عليّ من « سننه » وحسّنه(٢) .

ودلالته على أنّ الإمامة في العترة الطاهرة ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ساواهم معه دون من سواهم ، في أنّ من أحبّهم نال تلك المنزلة الرفيعة والمرتبة السامية ، الدالّة على الفضل عند الله سبحانه والقرب منه.

فيثبت لهم الفضل على غيرهم ، وتكون الإمامة بهم.

ومثله في الدلالة على المطلوب الخبر الثاني ، الذي حكاه المصنّف عن أحمد ، عن جابر ؛ ولم أجده في « مسنده » ، ولا يبعد أنّه ممّا نالته يد الإسقاط كما هو العادة(٣) !

وقد تقدّم في الآية الحادية والأربعين ما يصدّق هذا الحديث(٤) .

__________________

١ ـ ٣ من موسوعته « نفحات الأزهار » ، من بحوث علمية في ما يتعلّق بالحديث وما يرتبط به.

وأمّا في ما يخصّ لفظ « كتاب الله وسنّتي » الوارد في بعض روايات الجمهور ، فانظر :

ما كتبه السيّد عليّ الحسيني الميلاني في كتابه « حديث الثّقلين : تواتره ، فقهه كما في كتب السنّة ».

ورسالته في حديث الوصيّة بالثّقلين : الكتاب والسنّة.

وكذلك ما كتبه الشيخ جلال الدين الصغير ـ حفظه الله ـ في كتابه : عصمة المعصوم عليه‌السلام وفق المعطيات القرآنية : ٢٠٥ ـ ٢٤٢.

(١) في الجزء الأوّل ، ص ٧٧. منهقدس‌سره .

(٢) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٩ ـ ٦٠٠ ح ٣٧٣٣.

(٣) تقدّم تخريجه مفصّلا في الصفحة ٢٣٥ ه‍ ٣ من هذا الجزء ؛ فراجع!

(٤) راجع : ج ٥ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ من هذا الكتاب.

٢٤٨

ونقل السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ما هو قريب منه ، عن ابن مردويه ، بسند فيه عبّاد بن يعقوب ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «مثلي مثل شجرة ، أنا أصلها ، وعليّ فرعها ، والحسن والحسين ثمرتها ، والشيعة ورقها ، فأيّ شيء يخرج من الطيّب إلّا الطيّب »(١) .

قال ابن الجوزي : « عبّاد ، رافضي ، يروي المناكير »(٢) .

أقول :

لا وجه لذكر حديثه في « الموضوعات » ، وإلّا لجرّ الطعن إلى صحاحهم ؛ لأنّه ممّن روى له البخاري في « صحيحه » ، وروى له الترمذي ، وابن ماجة ، ووثّقه جماعة(٣) .

__________________

(١) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٤٥.

(٢) الموضوعات ١ / ٣٩٧.

(٣) انظر : تهذيب الكمال ٩ / ٤٣٣ رقم ٣٠٨٨ ، ميزان الاعتدال ٤ / ٤٤ رقم ٤١٥٤ ، تهذيب التهذيب ٤ / ١٩٩ رقم ٣٢٣٩ ، تقريب التهذيب ١ / ٢٧٤ رقم ٣٢٣٩ ، هدي الساري مقدّمة فتح الباري : ٥٧٩ ، وقد وضعوا له رمز البخاري والترمذي وابن ماجة.

وعبّاد هو : أبو سعيد عبّاد بن يعقوب الأسدي الرّواجني الكوفي ، المتوفّى سنة ٢٥٠ ه‍.

ومن جملة ما تثبت به وثاقته ـ فضلا عن كونه من رجال البخاري والترمذي وابن ماجة ـ رواية كبار أعلام الجمهور ومحدّثيهم عنه ، وتوثيقهم له ؛ فقد روى عنه أبو حاتم والبزّار وابن خزيمة.

وقال عنه أبو حاتم : شيخ ، ثقة.

وقال الحاكم : كان ابن خزيمة يقول عنه : حدّثنا الثقة في روايته.

وقال الدارقطني : صدوق.

وقال إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة : لو لا رجلان من الشيعة ما صحّ لهم

٢٤٩

وليست مناكيره عندهم إلّا رواياته في فضل آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله !

قال ابن عديّ : « روى أحاديث في الفضائل أنكرت عليه » كما حكاه عنه في « ميزان الاعتدال »(١) .

وأظهر من الحديثين المذكورين في الدلالة على مذهب الإماميّة حديث الزمخشري(٢) ؛ فتبصّر واعتبر!

* * *

__________________

حديث ؛ عبّاد بن يعقوب ، وإبراهيم بن محمّد بن ميمون.

وقال الذهبي : صادق في الحديث.

وقال ابن حجر مرّة : بالغ ابن حبّان فقال : يستحقّ الترك.

وقال أخرى : رافضيّ مشهور ، إلّا أنّه كان صدوقا.

(١) ميزان الاعتدال ٤ / ٤٤ رقم ٤١٥٤ ؛ وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال ٤ / ٣٤٨ رقم ١١٨٠.

(٢) تقدّم في الصفحة ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ؛ فراجع!

٢٥٠

٢٦ ـ حديث الكساء

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

السادس والعشرون : في « مسند أحمد بن حنبل » ، من عدّة طرق ، وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن أمّ سلمة ، قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتي ، فأتت فاطمة فقال : ادعي زوجك وابنيك.

فجاء عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، وكان تحته كساء خيبري ، فأنزل الله :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ ) يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(٢) .

فأخذ فضل الكساء وكساهم به ، ثمّ أخرج يده فألوى بها إلى السماء وقال :هؤلاء أهل بيتي.

فأدخلت رأسي البيت وقلت : وأنا معهم يا رسول الله.

قال :إنّك إلى خير (٣) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٨.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٣) انظر : مسند أحمد ١ / ٣٣١ وج ٣ / ٢٥٩ و ٢٨٥ وج ٤ / ١٠٧ وج ٦ / ٢٩٢ و ٣٠٤ و ٣٢٣.

وأخرجه رزين العبدري في « الجمع بين الصحاح الستّة » من موطّأ مالك وصحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وصحيح الترمذي والنسخة الكبيرة من

٢٥١

وقد روي نحو هذا المعنى من « صحيح أبي داود »(١)

و « موطّأ مالك »(٢)

و « صحيح مسلم » في عدّة مواضع وعدّة طرق(٣) .

* * *

__________________

صحيح النسائي.

راجع : عمدة عيون صحاح الأخبار : ٨٨ ح ٣٤ و ٣٥.

(١) انظر : سنن أبي داود ٤ / ٤٣ ح ٤٠٣٢ باب في لبس الصوف والشعر!! وطالته يد الخيانة فبترت الحديث ، فلم يبق منه إلّا : « خرج رسول الله وعليه مرط مرحّل من شعر أسود » فجاء ناقص المعنى!!

(٢) عمدة عيون صحاح الأخبار : ٨٨ ـ ٨٩ ح ٣٤ و ٣٦ و ٣٧ عن « الموطّأ ».

(٣) صحيح مسلم ٧ / ١٣٠ ـ ١٣١ كتاب الفضائل / باب فضائل أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٥٢

وقال الفضل(١) :

إنّ الأمّة اختلفت فيها أنّها في من نزلت؟ وظاهر القرآن يدلّ على أنّها نزلت في أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وإن صدق في النقل عن « الصحاح » فكانت نازلة في آل العباء ، وهي من فضائلهم ، ولا تدلّ على النصّ بالإمامة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٧٥.

٢٥٣

وأقول :

سبق في الآية الثالثة ما فيه تبصرة ومعتبر(١) .

وليت شعري ، كيف تكون ذاهبة الرجس ، طاهرة عند الله سبحانه ، من ضرب مثلها في الكتاب العزيز بامرأة نوح وامرأة لوط(٢) ؟!

* * *

__________________

(١) تقدّم في مبحث آية التطهير ، في ج ٤ / ٣٥٦ ـ ٣٨٠ ؛ فراجع!

(٢) إشارة إلى قوله تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) سورة التحريم ٦٦ : ١٠.

وراجع مبحث الآية ٣٤ ، وهي قوله تعالى :( وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) سورة التحريم ٦٦ : ٤ ، في ج ٥ / ١٥٩ ـ ١٦٣ من هذا الكتاب.

وانظر : ج ٤ / ٣٥٩ ه‍ ٢ و ٣ من هذا الكتاب.

٢٥٤

٢٧ ـ حديث : أهل بيتي أمان لأهل الأرض

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

السابع والعشرون : في « مسند أحمد بن حنبل » ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت ذهبوا ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ، ذهب أهل الأرض »(٢) .

ورواه صدر الأئمّة موفّق بن أحمد المكّي(٣) .

وفي « مسند أحمد » : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى : [ اللهمّ ] ( اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ) (٤) ،عليّا

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٩.

(٢) أخرجه أحمد في « المسند » كما في أرجح المطالب : ٣٢٨ ؛ وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٣٥ ح ١١٤٥ ، ينابيع المودّة ١ / ٧١ ح ١ عن عبد الله بن أحمد في « زيادات المسند ».

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام ١ / ١٦٢ ح ٦٥ ؛ وانظر : المعجم الكبير ٧ / ٢٢ ح ٦٢٦٠ ، نوادر الأصول ـ للحكيم الترمذي ـ ٢ / ١٠١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦٢ ح ٤٧١٥ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ٢ / ٤٦٣ رقم ٤٦١ ، فردوس الأخبار ٢ / ٣٧٩ ح ٧١٦٦ ، تاريخ دمشق ٤٠ / ٢٠ رقم ٤٦٣٠ ، ذخائر العقبى : ٤٩ ، فرائد السمطين ٢ / ٢٤١ ح ٥١٥ وص ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ح ٥٢١ و ٥٢٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٧٤ ، جواهر العقدين : ٢٥٩ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ ح ٣٤١٨٨ ـ ٣٤١٩٠.

(٤) سورة طه ٢٠ : ٢٩.

٢٥٥

أخي( اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (١) »(٢) .

* * *

__________________

(١) سورة طه ٢٠ : ٣١ و ٣٢.

(٢) رواه أحمد في « المسند » كما في عمدة عيون صحاح الأخبار : ٣٣٥ ح ٤٥٤ ؛ وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨٤٣ ـ ٨٤٤ ح ١١٥٨ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٥٨ ح ٥ ، الدرّ المنثور ٥ / ٥٦٦ عن ابن مردويه والخطيب البغدادي ، الطيوريات : ٧٥٣ ح ٢٥ م ، شواهد التنزيل ١ / ٣٦٩ ـ ٣٧١ ح ٥١١ ـ ٥١٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٥٢ ، ذخائر العقبى : ١١٩ ، الرياض النضرة ٣ / ١١٨.

٢٥٦

وقال الفضل(١) :

هذا موافق في المعنى للحديث المذكور قبل ، وهو أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي »(٢) .

ومراد موسى في قوله :( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) ، الإشراك في أمر النبوّة ، ودعوة فرعون.

وهذا لا يصحّ هناك ؛ لقوله : «إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » ، اللهمّ إلّا أن يراد المشاركة في دفع الكفّار بالحرب وتبليغ العلم.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٧٦.

(٢) راجع مبحث حديث المنزلة في الصفحة ٨٠ وما بعدها من هذا الجزء.

٢٥٧

وأقول :

سبق دلالة هذا الحديث ورواته في آخر آية من الآيات التي ذكرناها في الخاتمة ؛ فراجع(١) .

وما زعمه من إرادة المشاركة في دفع الكفّار وتبليغ العلم ظاهر البطلان ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما سأل عين ما سأله موسىعليه‌السلام بقوله :( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) .

ومن الواضح أنّ موسى لم يرد المشاركة في دفع الكفّار ؛ لأنّه قد طلب دفعهم بطلب جعله وزيرا ، فإنّ دفع الأعداء أظهر فوائد الوزارة ، فلا حاجة لإعادة هذا الطلب بقوله :( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) .

فينبغي أن يريد المشاركة في النبوّة ، والرئاسة على الأمّة ، وتحمّل العلوم إلى نحو ذلك.

فإذا دعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بما دعا به موسىعليه‌السلام ، ثبتت لعليّ المشاركة في كلّ ذلك سوى النبوّة ؛ للدليل المخرج لها.

على أنّ ظاهر الأخبار كون المشاركة من خواصّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلا يراد بها المشاركة في دفع الكفّار وتبليغ العلم ؛ لأنّها لا تخصّ عليّاعليه‌السلام ، إلّا أن يراد بها أعلى مراتب المشاركة في الدفع والتبليغ ، بحيث لا يعدّ غيره مشاركا بالنسبة إليه ، فله وجه.

ولكنّه ـ أيضا ـ مثبت للمطلوب ؛ لأنّه فرع الفضل العظيم على غيره ،

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٤٠٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

٢٥٨

والأفضل أحقّ بالإمامة.

وقد تقدّم في الحديث التاسع ما ينفعك ؛ فراجع(١) .

واعلم أنّ الحديث الأوّل ـ الذي حكاه المصنّفرحمه‌الله عن أحمد وموفّق بن أحمد(٢) ـ لم يتعرّض الفضل لجوابه غفلة أو تغافلا ، وقد حكاه غير المصنّف عن « المسند » ، كصاحب « ينابيع المودّة »(٣) ، وابن حجر في « الصواعق »(٤) ، كما ستعرف.

وأنا لم أجده في « المسند » بعد التتبّع ، والظاهر أنّ أيدي التلاعب لعبت في إسقاطه!

ولعلّ الحديث الآخر كذلك(٥) ، ولا ريب أنّه من أدلّ الأمور على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ؛ إذ لا يكون المكلّف أمانا لأهل الأرض إلّا لكرامته على الله تعالى ، وامتيازه في الطاعة والمزايا الفاضلة ، مع كونه معصوما ، فإنّ العاصي لا يأمن على نفسه ، فضلا عن أن يكون أمانا لغيره ، ولا سيّما إذا كان عظيما ، فإنّ المعصية من العظيم أعظم ، والحجّة عليه ألزم.

فإذا كانوا أفضل الناس ومعصومين ، فقد تعيّنت الإمامة لهم ، وهو دليل على بقائهم ما دامت الأرض ، كما هو مذهبنا.

وقد جعل الله تعالى هذه الكرامة العظيمة لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أهل بيته ،

__________________

(١) انظر كلامهقدس‌سره في مبحث حديث المنزلة ، في الصفحات ٨٣ ـ ٨٧ من هذا الجزء.

(٢) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٥٥.

(٣) ينابيع المودّة ١ / ٧١ ح ١.

(٤) الصواعق المحرقة : ٢٣٤.

(٥) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٥٥.

٢٥٩

فقال سبحانه :( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (١) .

وأشار إلى ذلك ابن حجر في « صواعقه »(٢) ، فقال : « السابعة : قوله تعالى :( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) ، أشارصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى وجود هذا المعنى في أهل بيته ، وأنّهم أمان لأهل الأرض كما كان هوصلى‌الله‌عليه‌وآله أمانا لهم ، وفي ذلك أحاديث كثيرة ».

ثمّ ذكر أخبارا من جملتها رواية أحمد التي ذكرها المصنّفرحمه‌الله أوّلا(٣) .

وحكى في « كنز العمّال » في فضائل أهل البيت(٤) ، عن ابن أبي شيبة ، ومسدّد ، والحكيم ، وأبي يعلى ، والطبراني ، وابن عساكر ، أنّهم رووا عن سلمة بن الأكوع ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمّتي ».

وروى الحاكم في « المستدرك » ، وصحّحه(٥) ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب ، اختلفوا

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٣٣.

(٢) عند الكلام على الآية السابعة من الآيات الواردة في أهل البيت : [ ص ٢٣٣ ]. منهقدس‌سره .

(٣) الصواعق المحرقة : ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

(٤) ص ٢١٧ من الجزء السادس [ ١٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ ح ٣٤١٨٨ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : نوادر الأصول ـ للحكيم الترمذي ـ ٢ / ١٠١ ، المعجم الكبير ٧ / ٢٢ ح ٦٢٦٠ ، تاريخ دمشق ٤٠ / ٢٠ رقم ٤٦٣٠.

أمّا في مسند أبي يعلى ١٣ / ٢٦٠ ح ٧٢٧٦ فقد جاءت لفظة « أصحابي » بدلا عن لفظة « أهل بيتي » ؛ فلاحظ!

(٥) ص ١٤٩ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٦٢ ح ٤٧١٥ ]. منهقدس‌سره .

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274