الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ21%

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 274

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ
  • البداية
  • السابق
  • 274 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137035 / تحميل: 6098
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

فأخبر أن الله ورسوله يحبانه » (١) .

٣ - الوصية:

روى الشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي موسى عيسى بن أحمد بن عيسى المنصوري، عن الامام الهادي عليه‌السلام ، عن آبائه المعصومين، عن جده الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: « يا علي، خلقني الله وأنت من نوره حين خلق آدم، فأفرغ ذلك النور في صلبه، فأفضى به إلى عبد المطلب، ثم افترق من عبد المطلب، فصرت أنا في عبد الله، وأنت في أبي طالب، لا تصلح النبوة إلا لي، ولا تصلح الوصية إلا لك، فمن جحد وصيتك جحد نبوتي، ومن جحد نبوتي أكبه الله على منخريه في النار » (٢) .

٤ - مودة أهل البيت:

روى الشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي موسى عيسى بن أحمد بن عيسى المنصوري، عن الامام الهادي عليه‌السلام ، عن آبائه المعصومين، عن جده الامام الباقر عليه‌السلام ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: « كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا من جانب، وعلي أمير المؤمنين عليه‌السلام من جانب، إذ أقبل عمر بن الخطاب ومعه رجل قد تلبب به، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما باله؟ قال: حكى عنك يا رسول الله أنك قلت: من قال لا إله إلا الله، محمد رسول الله دخل الجنة، وهذا إذا سمعه الناس فرطوا في الأعمال، أفأنت قلت ذلك؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم، إذا

__________________

(١) تحف العقول / الحراني: ٤٥٩.

(٢) الأمالي / الشيخ الطوسي: ٢٩٤ / ٥٧٧ - المجلس / ١١، بشارة المصطفى / الطبري: ١٨٥.

٢٢١

تمسك بمحبة هذا وولايته. يعني الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام » (١) .

وبنفس الاسناد عن الامام الهادي عليه‌السلام ، عن آبائه المعصومين، عن جده الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنه قال: « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لي والا صمّتا: ياعلي، محبك محبي ومبغضك مبغضي » (٢) .

وبالاسناد عن الامام الهادي عليه‌السلام ، عن آبائه المعصومين، عن جده الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنه قال: « قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي » (٣) .

٥ - علم الامام:

روى ثقة الاسلام الشيخ الكليني وغيره بالاسناد عن علي بن محمد النوفلي، عن أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام ، قال: سمعته يقول: « اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً، كان عند آصف حرف فتكلم به، فانخرقت له الأرض في ما بينه وبين سبأ، فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً، وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب » (٤) .

٦ - صفات الامام:

أهم ما أثر عن الامام الهادي عليه‌السلام في هذا الاتجاه هو الزيارة الجامعة التي

__________________

(١) الأمالي / الشيخ الطوسي: ٢٨٢ / ٥٤٧ - المجلس / ١٠.

(٢) الأمالي / الشيخ الطوسي: ٢٧٨ / ٥٣٠ - المجلس / ١٠.

(٣) الأمالي / الشيخ الطوسي: ٢٧٨ / ٥٣١ - المجلس / ١٠.

(٤) الكافي ١: ٢٨٦ / ١، بصائر الدرجات: ٢١١ / ٣، اثبات الوصية: ٢٠٢، دلائل الامامة: ٤١٤ / ٣٧٧.

٢٢٢

تعتبر مدرسة لتلقين مبادئ العقيدة الاسلامية والانفتاح على جميع مفرداتها، ومما جاء فيها عن صفات الامام قوله عليه‌السلام : « السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، ومعدن الرسالة، وخزّان العلم، ومنتهى الحلم، وأصول الكرم، وقادة الامم، وأولياء النعم، وعناصر الأبرار، ودعائم الأخيار، وساسة العباد، وأركان البلاد، وأبواب الايمان، وأمناء الرحمن، وسلالة النبيين، وصفوة المرسلين، وعترة خيرة رب العالمين، ورحمة الله وبركاته.

السلام على أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وأعلام التقى، وذوي النهى، وأولي الحجى، وكهف الورى، وورثة الأنبياء، والمثل الأعلى، والدعوة الحسنى، وحجج الله على أهل الآخرة والاولى، ورحمة الله وبركاته.

السلام على محالّ معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله، وحفظة سر الله، وحملة كتاب الله، وأوصياء نبي الله، وذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورحمة الله وبركاته.

أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، كما شهد الله لنفسه، وشهدت له ملائكته، وأولوا العلم من خلقه، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ورسوله المرتضى، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وأشهد أنكم الأئمّة الراشدون، المهديون المعصومون، المكرمون المقربون، المتقون الصادقون، المصطفون المطيعون لله، القوامون بأمره، العاملون بإرادته، الفائزون بكرامته، اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لدينه، واختاركم لسره،

٢٢٣

واجتباكم بقدرته، وأعزكم بهداه، وخصكم ببرهانه، وانتجبكم لنوره، وأيدكم بروحه، ورضيكم خلفاء في أرضه، وحججاً على بريته، وأنصاراً لدينه، وحفظة لسره، وخزنة لعلمه، ومستودعاً لحكمته، وتراجمة لوحيه، وأركاناً لتوحيده، وشهداء على خلقه، وأعلاماً لعباده، ومناراً في بلاده، وأدلاء على صراطه » (١)، الى آخر الزيارة وهي طويلة.

٧ - معرفة كنه النبي والامام:

في حديث الفتح بن يزيد الجرجاني، عن الامام الهادي عليه‌السلام : « أم كيف يوصف بكنهه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قرنه الجليل باسمه وشركه فى عطائه، وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته، إذ يقول: ( وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّـهُ وَرَ‌سُولُهُ مِن فَضْلِهِ ) (٢)، وقال يحكي قول من ترك طاعته وهو يعذبه بين أطباق نيرانها وسرابيل قطرانها: ( يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّـهَ وَأَطَعْنَا الرَّ‌سُولَا ) (٣)، أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله حيث قال: ( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّ‌سُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ‌ مِنكُمْ ) (٤)، وقال: ( وَلَوْ رَ‌دُّوهُ إِلَى الرَّ‌سُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ‌ مِنْهُمْ ) (٥)، وقال: ( إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ‌كُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا ) (٦)، وقال: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ‌ إِن كُنتُمْ لَا

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢: ٢٧٢ / ١، الفقيه / الصدوق ٢: ٣٧٠ / ١٦٢٥، التهذيب ٦: ٩٥ / ١٧٧، البلد الأمين / الكفعمي: ٢٩٧.

(٢) سورة التوبة: ٩ / ٧٤.

(٣) سورة الأحزاب: ٣٣ / ٦٦.

(٤) سورة النساء: ٤ / ٥٩.

(٥) سورة النساء: ٤ / ٨٣.

(٦) سورة النساء: ٤ / ٥٨.

٢٢٤

تَعْلَمُونَ ) (١) .

يا فتح، كما لا يوصف الجليل جل جلاله والرسول والخليل وولد البتول، فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا، فنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل الأنبياء، وخليلنا أفضل الأخلاء، ووصيه أكرم الأوصياء، اسمهما أفضل الأسماء، وكنيتهما أفضل الكنى وأجلاها، لو لم يجالسنا إلا كفؤ لم يجالسنا أحد، ولو لم يزوجنا إلا كفؤ لم يزوجنا أحد، أشد الناس تواضعاً أعظمهم حلماً، وأنداهم كفاً، وأمنعهم كنفاً، ورث عنهما أوصياؤهما علمهما، فاردد إليهم الأمر وسلم إليهم، أماتك الله مماتهم، وأحياك حياتهم، إذا شئت رحمك الله » (٢) .

٨ - الغيبة:

كان الإمام الهادي عليه‌السلام كابائه المعصومين بصدد التخطيط لمستقبل الإمامة والتحضير لزمان الغيبة التي اقترب وقتها، فعمل على تهيئة المقدمات الضرورية للانتقال من مرحلة الإمامة الظاهرة إلى الإمامة الغائبة بعد ولده الحسن العسكري عليه‌السلام ، فكان أول ذلك النص على امامة الخلف من بعد الحسن عليه‌السلام ، وكونه الامام الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وتحذير الشيعة من الاختلاف لأنهم لا يرون شخصه ولا يحل لهم ذكر اسمه، وتوقع الفرج بعد غيبة الصاحب عليه‌السلام من دار الظالمين.

عن علي بن عبد الغفار، قال: « لما مات أبوجعفر الثاني عليه‌السلام كتبت الشيعة إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام يسألونه عن الأمر، فكتب عليه‌السلام : الأمر لي

__________________

(١) سورة النحل: ١٦ / ٤٣.

(٢) كشف الغمة ٣: ١٧٩.

٢٢٥

مادمت حيا، فإذا نزلت بي مقادير اللّه آتاكم اللّه الخلف مني، وأنّى لكم بالخلف بعد الخلف؟ » (١) .

وعن أبي هاشم داود بن القاسم، قال: « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول: الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني اللّه فداك؟ فقال: إنكم لاترون شخصه ولايحلّ لكم ذكره باسمه » (٢) .

وعن علي بن مهزيار، قال: « كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام أسأله عن الفرج، فكتب إلي: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمينفتوقعوا الفرج » (٣) .

وعن أيوب بن نوح، عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام ، قال: « إذا رفع علمكم من بين أظهركم، فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم » (٤) .

وعن الصقر بن أبي دلف قال: « سمعت علي بن محمد بن علي الرضا عليه‌السلام يقول: إنّ الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت جورا وظلما » (٥) .

وعن إسحاق بن محمد بن أيوب، قال: « سمعت أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى عليهم‌السلام يقول: صاحب هذا الأمر من يقول الناس: لم يولد

__________________

(١) إكمال الدين: ٣٨٢ / ٨ - باب ٣٧.

(٢) اصول الكافي ١: ٣٢٨ / ١٣.

(٣) اكمال الدين: ٣٨٠ / ٢.

(٤) الامامة والتبصرة من الحيرة / ابن بابويه القمي: ١٣٠ / ١٣٧، الكافي ١: ٣٤١ / ٢٤، اكمال الدين: ٣٨١ / ٤.

(٥) إكمال الدين: ٣٨٣ / ١٠ - باب ٣٧.

٢٢٦

بعد » (١) .

٩ - فضل العلماء:

أكد الامام الهادي عليه‌السلام على فضل العلماء في زمان الغيبة وأشاد بدورهم في حفظ الدين، فقد روي عنه عليه‌السلام قوله: « لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل » (٢) .

خامساً - التصدي لأهل البدع والشبهات:

هناك الكثير من الأخبار التي تدلّ على أن الإمام الهادي عليه‌السلام كان يتابع ما يجري على الساحة الفكرية، فيلاحق الأفكار المنحرفة والشبهات التي تطرح هنا وهناك في مواجهة الفكر الاسلامي الأصيل.

فتصدّى الإمام الهادي عليه‌السلام لبعض الاتجاهات العقائدية المنحرفة والفرق الضالة ومنهم الغلاة الذين كانوا في زمانه، وهم الذين خرجوا عن الجادة ووصفوا الأئمّة عليهم‌السلام بصفات الالوهية، فتبرأ أهل البيت عليهم‌السلام منهم ولعنوهم وحاربوا مقالاتهم الباطلة، وتصدى كذلك للفرق التي توقفت على بعض الأئمّة عليهم‌السلام كالواقفة والفطحية والصوفية وغيرهم.

__________________

(١) الامامة والتبصرة من الحيرة: ١٠٩ / ١٣٧، اكمال الدين: ٣٨١ / ٦ و ٣٨٢ / ٧.

(٢) الاحتجاج / الطبرسي: ٤٥٥.

٢٢٧

١ - الغلاة:

حركة الغلو من المعاول الهدامة التي تشكل خطورة بالغة على الفكر الاسلامي، لذلك اتخذ الأئمّة الأطهار من أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم مواقف شديدة من الغلو والغلاة، فأعلنوا عن كفرهم وإلحادهم والبراءة منهم، لحرصهم على تنزيه تعاليم الاسلام من التشويه والتحريف والافتراء، ولتصحيح المسار الاسلامي بكل ما حوى من علوم ومعارف واتجاهات، ولم يدخروا في هذا السبيل وسعاً.

وظهر في زمان امامة الهادي عليه‌السلام بعض المفترين من أمثال القاسم بن يقطين، وعلي بن حسكة، والحسن بن محمد بن بابا القمي، ومحمد بن نصير الفهري النميري، وفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني.

وعانى الامام الهادي عليه‌السلام من هؤلاء الغلاه ومقالاتهم الباطلة، فقد ادعوا أن الامام الهادي عليه‌السلام هو الرب الخالق والمدبر للكون، وأنه بعث ابن حسكة ومحمد بن نصير الفهري وابن بابا وغيرهم أنبياء يدعون الناس إليه ويهدونهم، ووضع هؤلاء بعض الأحاديث على لسان الأئمّة عليهم‌السلام وهي تزخر بأنواع البدع التي منها ادعاؤهم أن الصلاة والزكاة والصيام وسائر الفرائض جميعها رجل، فاستهتروا بسائر السنن الالهية، وأسقطوا الفرائض عمن دان بمذهبهم، بل أباحوا كل ما حرمه الاسلام ونهى عنه كنكاح المحارم واللواط وقالوا بالتناسخ وما إلى ذلك من المحرمات، وكان هدفهم الاساس هو الاجهاز على الاسلام والطمع بأموال الناس وأخذها بالباطل والاستحواذ على الحقوق والوجوه الشرعية التي تحمل إلى الامام عليه‌السلام .

وانطلاقاً من المسؤولية الشرعية والعلمية المناطة بالامام عليه‌السلام ، فقد سعى

٢٢٨

الى الحفاظ على الخط الرسالي الذي دافع عنه آباؤه الأئمّة عليهم‌السلام ، وتصدى الامام عليه‌السلام ومن ورائه أصحابه لهذه الحركة الهدامة، ووقفوا لجميع رموزها بالمرصاد، على الرغم مما تعرض له في حياته من ظلم الحكام واضطهادهم، وفي هذا الاتجاه صرح بأن الأئمة عليهم‌السلام عبيد الله لا يشركون به شيئاً، إن أطاعوه رحمهم، وإن عصوه عذبهم، وما لهم على الله من حجة، بل الحجة لله عليهم وعلى جميع خلقه فلا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم ضراً، ولا أن يجلبوا لها خيراً إلا بمشيئة الله، وان لهم بالرسل أسوة، فقد كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق، كما لعن عليه‌السلام المغالين وتبرأ منهم، وأعلن للناس ضلالهم وجحودهم، ودعا إلى نبذ أتباعهم، وحذر شيعته وسائر المسلمين من الاتصال بهم أو الانخداع بمفترياتهم، بل وأمرهم بهجرانهم والجائهم الى ضيق الطريق والتعرض لهم بالضرب، وأهدر دم زعيم الغلاة في وقته فارس بن حاتم، وأمر محبيه بالاعتدال، فكان أهم ما ترتب على المواقف التي أعلنها الامام عليه‌السلام ضد الغلاه هو اهتداء بعض أصحابه الذين دخلت عليهم مثل هذه الشبهة، وذلك لأجل سوقهم إلى شاطئ الهداية والسلام، ومنهم الفتح بن يزيد الجرجاني،

وفيما يلى نستعرض مواقفه عليه‌السلام من الغلاة على ضوء الأخبار الواردة في هذا المضمار.

لعنهم والبراءة منهم:

عن سهل بن محمد أنه كتب إليه عليه‌السلام : « قد اشتبه يا سيدي على جماعة من مواليك أمر الحسن بن محمد بن بابا، فما الذي تأمرنا يا سيدي في أمره نتولاه أم نتبرأ منه، أم نمسك عنه، فقد كثر القول فيه؟ فكتب بخطه وقرأته: ملعون هو

٢٢٩

وفارس، تبرأوا منهما، لعنهما الله، ضاعف ذلك على فارس » (١) .

وعن محمد بن عيسى، قال: « كتب إلي أبو الحسن العسكري عليه‌السلام ابتداءً منه: لعن الله القاسم اليقطيني، ولعن الله على ابن حسكة القمي، إن شيطاناً يتراءى للقاسم فيوحي إليه زخرف القول غروراً » (٢) .

وعن أبي محمد الرازي، قال: « ورد علينا رسول من قبل الرجل (٣): أما القزويني فارس فإنه فاسق منحرف، ويتكلم بكلام خبيث، فلعنه الله » (٤) .

وعن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: كتب أبو الحسن العسكري عليه‌السلام إلى علي بن عمرو القزويني بخطه: « اعتقد فيما تدين الله به أن الباطن عندي حسب ما أظهرت لك فيمن استنبأت عنه، وهو فارس لعنه الله، فإنه ليس يسعك إلا الاجتهاد في لعنه وقصده ومعاداته، والمبالغة في ذلك بأكثر ما تجد السبيل إليه، ما كنت آمر أن يدان الله بأمر غير صحيح، فجد وشد في لعنه وهتكه وقطع أسبابه، وصد أصحابنا عنه، وإبطال أمره، وأبلغهم ذلك مني، واحكه لهم عني، وإني سائلكم بين يدي الله عن هذا الأمر المؤكد، فويل للعاصي وللجاحد. وكتبت بخطي ليلة الثلاثاء لتسع ليال من شهر ربيع الأول سنة ٢٥٠ هـ، وأنا أتوكل على الله وأحمده كثيراً » (٥) .

مقاطعتهم والاستخفاف بهم:

عن إبراهيم بن داود اليعقوبي، قال: « كتبت إليه - يعني إلى أبي

__________________

(١) رجال الكشي: ٥٢٨ / ١٠١١.

(٢) رجال الكشي: ٥١٨ / ٩٩٦.

(٣) الرجل: من ألقاب الامام الهادي عليه‌السلام .

(٤) رجال الكشي: ٥٢٦ / ١٠٠٩.

(٥) الغيبة / الطوسي: ٣٥٢ / ٣١٢.

٢٣٠

الحسن عليه‌السلام - أعلمه أمر فارس بن حاتم، فكتب: لا تحفلن به، وإن أتاك فاستخف به » (١) .

وعن إبراهيم بن محمد أنه قال: « كتبت إليه عليه‌السلام : جعلت فداك، قبلنا أشياء تحكى عن فارس، والخلاف بينه وبين علي بن جعفر، حتى صار يبرأ بعضهم من بعض، فإن رأيت أن تمن علي بما عندك فيهما، وأيهما يتولى حوائجي قبلك حتى لا أعدوه إلى غيره، فقد احتجت إلى ذلك، فعلت متفضلاً إن شاء الله؟ فكتب عليه‌السلام : ليس عن مثل هذا يسأل، ولا في مثله يشك، قد عظم الله قدر علي بن جعفر - متعنا الله تعالى به - من أن يقايس إليه، فاقصد علي بن جعفر بحوائجك، واخشوا فارساً وامتنعوا من إدخاله في شيء من أموركم، تفعل ذلك أنت ومن أطاعك من أهل بلادك، فإنه قد بلغني ما يموه به على الناس، فلا تلتفتوا إليه إن شاء الله » (٢) .

تكذيب مقالاتهم الباطلة:

عن موسى بن جعفر بن وهب، قال: « كتب عروة إلى أبي الحسن عليه‌السلام في أمر فارس بن حاتم، فكتب: كذبوه واهتكوه، أبعده الله وأخزاه، فهو كاذب في جميع ما يدعي ويصف، ولكن صونوا أنفسكم عن الخوض والكلام في ذلك، وتوقوا مشاورته، ولا تجعلوا له السبيل إلى طلب الشر، فكفانا الله مؤونته ومؤونة من كان مثله » (٣) .

وعن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: « كتبت إليه عليه‌السلام في قوم يتكلمون

__________________

(١) رجال الكشي: ٥٢٢ / ١٠٠٣.

(٢) رجال الكشي: ٥٢٣ / ١٠٠٥.

(٣) رجال الكشي: ٥٢٢ / ١٠٠٤.

٢٣١

ويقرأون أحاديث ينسبونها إليك وإلى آبائك، فيها ما تشمئز منها القلوب، ولا يجوز لنا ردها، إذ كانوا يروون عن آبائك عليهم‌السلام ، ولا قبولها لما فيها، وينسبون الأرض إلى قوم يذكرون أنهم من مواليك، وهو رجل يقال له علي بن حسكة، وآخر يقال له القاسم اليقطيني. ومن أقاويلهم: إنهم يقولون: إن قول الله تعالى ( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ‌ ) (١) معناها رجل، لا سجود ولا ركوع، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال، وأشياء من الفرائض والسنن والمعاصي فأولوها وصيروها على هذا الحد الذي ذكرت لك، فإن رأيت أن تبين لنا وأن تمن على مواليك بما فيه سلامتهم ونجاتهم من هذه الأقاويل التي تخرجهم إلى الهلاك؟ فكتب عليه‌السلام : ليس هذا ديننا فاعتزله » (٢) .

وعن سهل بن زياد الآدمي، قال: « كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن العسكري عليه‌السلام : جعلت فداك يا سيدي، إن علي بن حسكة يدعي أنه من أوليائك وأنك أنت الأول القديم، وأنه بابك ونبيك، أمرته أن يدعو إلى ذلك، ويزعم أن الصلاة والزكاة والحج والصوم كل ذلك معرفتك ومعرفة من كان في مثل حال ابن حسكة فيما يدعي من البابية والنبوة، فهو مؤمن كامل سقط عنه الاستعباد بالصلاة والصوم والحج، وذكر جميع شرائع الدين أن معنى ذلك كله ما ثبت لك، ومال الناس إليه كثيراً، فإن رأيت أن تمن على مواليك بجواب في ذلك تنجيهم من الهلكة.

قال: فكتب عليه‌السلام : كذب ابن حسكة عليه لعنة الله، وبحسبك أني لا

__________________

(١) سورة العنكبوت: ٢٩ / ٤٥.

(٢) رجال الكشي: ٥١٧ / ٩٩٤.

٢٣٢

أعرفه في موالي، ما له لعنة الله، فوالله ما بعث الله محمداً والأنبياء قبله إلا بالحنيفية والصلاة والزكاة والصيام والحج والولاية، وما دعا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا إلى الله وحده لا شريك له، وكذلك نحن الأوصياء من ولده عبيد الله لا نشرك به شيئاً، إن أطعناه رحمنا، وإن عصيناه عذبنا، ما لنا على الله من حجة، بل الحجة لله علينا وعلى جميع خلقه، أبرأ إلى الله ممن يقول ذلك، وأنتفي إلى الله من هذا القول، فاهجروهم لعنهم الله، والجؤوهم إلى ضيق الطريق، فإن وجدت أحداً منهم خلوة فاشدخ رأسه بالصخر » (١) .

وروى الكشي بالاسناد عن العبيدي، قال: « كتب إلي العسكري عليه‌السلام ابتداءً منه: أبرأ إلى الله من الفهري، والحسن بن محمد بن بابا القمي، فابرأ منهما، فإني محذرك وجميع موالي، وإني ألعنهما عليهما لعنة الله مستأفكين يأكلان بنا الناس، فتانين مؤذيين آذاهما الله، أركسهما في الفتنة ركساً، يزعم ابن بابا أني بعثته نبياً، وأنه باب، عليه لعنة الله، سخر منه الشيطان فأغواه، فلعن الله من قبل منه ذلك. يا محمد، إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل، فإنه قد آذاني، آذاه الله في الدنيا والآخرة » (٢) .

اهدار دمهم:

عن محمد بن عيسى بن عبيد: « أن أبا الحسن العسكري عليه‌السلام أمر بقتل فارس بن حاتم وضمن لمن قتله الجنة، فقتله جنيد، وكان فارس فتاناً يفتن الناس ويدعوهم إلى البدعة، فخرج من أبي الحسن عليه‌السلام : هذا فارس لعنه الله يعمل من قبلي فتاناً داعياً إلى البدعة، ودمه هدر لكل من قتله، فمن هذا

__________________

(١) رجال الكشي: ٥١٨ / ٩٩٧.

(٢) رجال الكشي: ٥٢٠ / ٩٩٩.

٢٣٣

الذي يريحني منه ويقتله، وأنا ضامن له على الله الجنة » (١) .

وعن جنيد، قال: « أرسل إلي أبو الحسن العسكري عليه‌السلام يأمرني بقتل فارس بن حاتم لعنه الله، قال: فبعث إلي فدعاني، فصرت إليه، فقال: آمرك بقتل فارس بن حاتم. فناولني دراهم من عنده وقال: اشتر بهذه سلاحاً فاعرضه علي. فاشتريت سيفاً فعرضته عليه، فقال: رد هذا وخذ غيره. قال: فرددته وأخذت مكانه ساطوراً فعرضته عليه، فقال: هذا نعم. فجئت إلى فارس، وقد خرج من المسجد بين الصلاتين المغرب والعشاء، فضربت على رأسه فصرعته، فثنيت عليه فسقط ميتاً، ووقعت الضجة، فرميت الساطور من يدي واجتمع الناس، وأخذت إذ لم يوجد هناك أحد غيري، فلم يروا معي سلاحاً ولا سكيناً، وطلبوا الزقاق والدور فلم يجدوا شيئاً، ولم يروا أثر الساطور بعد ذلك » (٢) .

٢ - الواقفة:

كان للإمام الهادي عليه‌السلام موقف حازم تجاه بعض الفرق التي وقفت على بعض الأئمّة عليهم‌السلام ، ومن هؤلاء الذين وقفوا على الإمام الكاظم عليه‌السلام بعد شهادته في سجون الظالمين، فادعوا أنه حي يرزق، وأنه هو القائم من آل محمد عليهم‌السلام ، وأن غيبته كغيبة موسى بن عمران عن قومه، ويلزم من ذلك عدم انتقال الامامة إلى ولده الامام الرضا عليه‌السلام وفق اعتقادهم.

وقد روج لهذه الفكرة بعض أصحاب الامام الكاظم عليه‌السلام كعلي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي وغيرهم بسبب

__________________

(١) رجال الكشي: ٥٢٤ / ١٠٠٦.

(٢) رجال الكشي: ٥٢٤ / ١٠٠٦.

٢٣٤

رغبات مادية كان لها الأثر في نفوسهم الضعيفة، حيث تجمعت لديهم أموال طائلة من الحقوق المالية، لأنهم كانوا من وكلاء الامام الكاظم عليه‌السلام وخزنة أمواله في وقتٍ كان فيه الإمام عليه‌السلام مودعاً السجن، وبعد شهادة الامام عليه‌السلام أبوا عن تسليم تلك الأموال لولده القائم بعده، وتذرعوا بإنكار موته، وادعوا أنه حيّ لم يمت، وأصبح الوقف تيارا فكريا يتبناه بعض من لم تترسخ لديه مبادئ العقيدة الحقة، فيقف على بعض الأئمّة عليهم‌السلام ، وقد استغرقت هذه الفرقة مدة من الزمن تخللها المنازعات والخلافات حتى عدلوا عن مذهب الوقف إلى قول الحق، فاعترف أكثرهم بإمامة الرضا عليه‌السلام بعد أبيه الكاظم عليه‌السلام ، وأخيراً انقرضت الواقفة ولم يبق لها أدنى أثر، وقد صرح الامام الهادي عليه‌السلام بكونهم كالنصاب ودعا أصحابه الى البراءة منهم.

روى الكشي عن محمد بن الحسن، قال: حدثني أبو علي الفارسي، قال: حكى منصور عن الصادق علي بن محمد بن الرضا عليهم‌السلام : « أن الزيدية والواقفة والممطورة والنصاب بمنزلة عنده سواء » (١) .

واهتدى كثير منهم على يد الامام الهادي عليه‌السلام فتركوا الوقف وقالوا بامامته متأثرين بهديه وارشاده وكراماته، ومنهم: صالح بن الحكم بياع السابري، وأبو الحسن سعيد بن سهل البصري المعروف بالملاح، وإدريس بن زياد (٢) .

٣ - الفطحية:

وهم الذين قالوا بإمامة عبد الله الأفطح بن جعفر الصادق عليه‌السلام بعد أبيه، وتذرعوا بأن عبد الله كان أكبر ولد أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقد رجع أكثرهم بعد

__________________

(١) رجال الكشي: ٢٢٩ / ٤١٠.

(٢) راجع: المناقب / ابن شهر آشوب ٤: ٤٠٧، اثبات الوصية / المسعودي: ٢٢٩.

٢٣٥

ذلك إلى القول بإمامة موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام ، لما شاهدوا براهين إمامته.

ولا ريب أن مقولة الفطحية واضحة البطلان والتهافت، ذلك لأنهم ادعوا أن الامامة تكون في الأكبر، واذا صح هذا فإنما تكون الامامة في الأكبر ما لم تكن به عاهة، وكان عبد الله يعاني من عاهة البدن وسوء العقيدة، فقد كان أفطح الرأس أو الرجلين، وكان يقول بقول المرجئة الذين يقعون في أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، كما لم يرد عنه شيء من الفتيا في الحلال والحرام، ولا كان بمنزلة من يستفتى في الأحكام، وقد سئل عن مسائل صغار فلم يجب عنها.

وقد اهتدى بعض الفطحية الباقين الى زمان الامام الهادي عليه‌السلام الى سواء السبيل متأثرين بأرشاداته عليه‌السلام وكراماته، ومنهم عبد الله بن هليل ورجل آخر من أهل الكوفة (١) .

٤ - الصوفية:

وهم الذين يظهرون التقشف والزهد لاغراء عامة الناس وبسطائهم، وقد نهى الامام الهادي عليه‌السلام أصحابه وسائر المسلمين عن التواصل مع الصوفية والاختلاط بهم، لأن زهدهم لم يكن حقيقياً وإنما لاراحة أبدانهم، وأن تهجدهم في الليل لم يكن نسكاً وإخلاصاً في طاعة الله تعالى، وإنما هو وسيلة لصيد أموال الناس وإغوائهم، وأن أورادهم ليست عبادة خالصة لله بل هي رقص وغناء، وأن أتباعهم هم الحمقى والسفهاء.

قال الحسين بن أبي الخطاب: « كنت مع أبي الحسن الهادي عليه‌السلام في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري، وكان بليغاً وله

__________________

(١) راجع: أصول الكافي١: ٣٥٥ / ١٤ - باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الامامة من كتاب الحجة، دلائل الامامة: ٤١٦ / ٣٨٠ / ١٣.

٢٣٦

منزلة مرموقة عند الامام عليه‌السلام ، وبينما نحن وقوف إذ دخل جماعة من الصوفية المسجد فجلسوا في جانب منه، وأخذوا بالتهليل، فالتفت الامام عليه‌السلام إلى أصحابه فقال لهم: لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخداعين، فإنهم حلفاء الشياطين، ومخربوا قواعد الدين، يتزهدون لاراحة الأجسام، ويتهجدون لصيد الأنعام، يتجوعون عمراً حتى يديخوا للايكاف حمراً، لا يهللون إلا لغرور الناس، ولا يقللون الغذاء إلا لملا العساس واختلاس قلب الدفناس، يكلمون الناس بإملائهم في الحب، ويطرحونهم بإدلائهم في الجب، أورادهم الرقص والتصدية، وأذكارهم الترنم والتغنية، فلا يتبعهم إلا السفهاء، ولا يعتقد بهم إلا الحمقى، فمن ذهب إلى زيارة أحدهم حياً أو ميتاً فكأنما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان، ومن أعان واحداً منهم فكأنما أعان معاوية ويزيد وأبا سفيان.

فقال له رجل من أصحابه: وإن كان معترفا بحقوقكم؟ قال: فنظر إليه شبه المغضب وقال: دع ذا عنك، من اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا، أما تدري أنهم أخس طوائف الصوفية؟ والصوفية كلهم من مخالفينا، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا، وإن هم إلا نصارى ومجوس هذه الاُمّة، أولئك الذين يجتهدون في إطفاء نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون » (١) .

المبحث الثاني - دوره عليه‌السلام في التصنيف والتشريع والسنن:

أولاً - المصنفات المنسوبة إليه عليه‌السلام :

نسب إلى الإمام الهادي عليه‌السلام عدّة كتب ورسائل ومسائل في مجال الأحكام

__________________

(١) حديقة الشيعة / الأردبيلي: ٦٠٣، الاثناعشرية / الحر العاملي: ٢٩.

٢٣٧

والشرائع والتفسير والأدعية والحكم والمواعظ والوصايا التربوية والبيانات التفصيلية في تفسير القرآن وغيرها، وقد وصلنا العديد منها مدونة في مصادر الحديث والرجال، وفيما يلي نذكر اسهاماته في هذا الاتجاه:

١ - أجوبته ليحيى بن أكثم عن مسائله (١) .

٢ - كتاب المقنعة، المشتمل على أكثر الأحكام ومسائل الحلال والحرام، وهو منسوب الى الامام العسكري عليه‌السلام غير أنه يبدو من رجال النجاشيأنّه للإمام الهادي عليه‌السلام (٢) .

٣ - رسالته الى أهل الأهواز في الرد على أهل الجبر والتفويض وإثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين بالأدلة العلمية الواضحة، وهي تحتوي على أخصب الدراسات العلمية في المسائل العقائدية التي كانت مدار الجدل والكلام في ذلك الزمان (٣) .

٤ - قطعة من أحكام الدين ذكرها ابن شهرآشوب في المناقب عن الخيبري أو الحميري في كتاب مكاتبات الرجال عن العسكريين عليهما‌السلام .

٥ - وروي عنه عليه‌السلام أجوبة كثيرة في المسائل الفقهية والعقائدية وغيرها من العلوم، وقد تكفلت بنقلها مجاميع الحديث والرجال.

٦ - وروي عنه المزيد من الأدعية والتعقيبات.

٧ - الزيارة الجامعة الكبيرة، وهي من أشهر زيارات الأئمّة

__________________

(١) راجع: الاختصاص / الشيخ المفيد: ٩١، تحف العقول / الحراني: ٤٧٦، المناقب / ابن شهر آشوب ٤: ٤٠٤.

(٢) راجع: رجال النجاشي: ١٦٦ / ٤٣٩ ترجمة رجاء بن يحيى العبرتائي.

(٣) راجع: تحف العقول / الحراني: ٤٥٨.

٢٣٨

الطاهرين عليهم‌السلام وأكثرها ذيوعاً وانتشاراً، لذلك حظيت بأهمية خاصة وموقع متميز عند علماء الطائفة من بين مثيلاتها من الأدعية والزيارات، وهي مروية باسناد صحيح عن الامام الهادي عليه‌السلام ، وتتضمن كلاماً فريداً يزخر بالمعارف الالهية السامية، ويبين حقيقة الامام الذي يمثل حجة الله على الخلق، ومحور كائنات الوجود، وواسطة الفيض بين الخالق والمخلوق، والجامع لكل الخير والمحاسن، والقدوة المثلى للانسان، وقد جاء كل ذلك في أرقى مراتب البلاغة والفصاحة (١) .

وقد اهتم علماء الشيعة بهذه الزيارة واعتبروها أفضل الزيارات الجامعة سنداً ومحتوى. قال العلامة المجلسي: إن هذه الزيارة من أصح الزيارات سنداً، وأعمها مورداً، وأفصحها لفظاً، وأبلغها معنىً، وأعلاها شأناً (٢) .

من هنا تعرض كثير من العلماء لشرحها وتفسير مضامينها، ومن تلك الشروح:

أ - الأعلام اللامعة في شرح الزيارة الجامعة، للسيد محمد بن عبد الكريم الطباطبائي البروجردي، جد السيد مهدي بحر العلوم النجفي.

ب - الالهامات الرضوية في شرح الزيارة الجامعة، للسيد محمد بن السيد محمود الحسيني اللواساني الطهراني، الشهير بالسيد محمد العصار، والمتوفى سنة ١٣٥٥، والشرح فارسي.

جـ الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة، للشيخ محمد رضا بن القاسم

__________________

(١) راجع: عيون أخبار الرضا ٢: ٢٧٢ / ١، الفقيه / الصدوق ٢: ٣٧٠ / ١٦٢٥، التهذيب ٦: ٩٥ / ١٧٧، البلد الأمين / الكفعمي: ٢٩٧.

(٢) بحارالأنوار ١٠٢: ١٤٤.

٢٣٩

الغراوي، فرغ منه سنة١٣٦١.

د - الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة، للسيد عبد الله بن محمد رضا شبر الحسيني الكاظمي، المتوفى سنة ١٢٤٢، مفسر مجتهد، له مؤلفات كبيرة وكثيرة، وكان ينعت بالمجلسي الثاني، وهذا الشرح مطبوع.

هـ - البروق اللامعة في شرح الزيارة الجامعة، لعلي بن محمد جعفر الاسترابادي، المتوفى سنة ١٣١٥، كان عالماً مشاركاً في الفقه وأصوله وعلم الهيئة وغيرها.

و - شرح الزيارة الجامعة، للعلامة الميرزا علي نقي بن السيد حسين المعروف بالحاج آغا ابن السيد المجاهد الطباطبائي الحائري، المتوفى سنة ١٢٨٩، وهو شرح كبير لكنه لم يتم.

ز - شرح الزيارة الجامعة، للشيخ الميرزا محمد علي بن المولى محمد نصير الرشتي النجفي، المتوفى سنة١٣٣٤، والشرح فارسي كبير.

ح - شرح الزيارة الجامعة، للسيد بهاء الدين محمد بن مير محمد باقر الحسيني النائيني المختاري، المعاصر للشيخ الحر، كان فاضلاً عارفاً بالرجال.

ط - شرح الزيارة الجامعة، للمولى محمد تقى بن مقصود علي الاصفهاني المجلسي، والد العلامة المجلسي صاحب بحار الأنوار، والمتوفى سنة ١٠٧٠.

ي - شرح الزيارة الجامعة الكبيرة، للشيخ أحمد بن زين الدين بن ابراهيم ابن صفر بن ابراهيم بن داغر الأحسائي، الذي تنسب إليه الطائفة الشيخية والكشفية، المتوفى قرب المدينة المنورة سنة ١٢٤٣. والشرح مطبوع متداول.

ك - شمس طالعة في شرح الزيارة الجامعة، للميرزا محمد بن أبي القاسم ناصر حكمت طبيب زاده الأصفهاني، مطبوع.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274