الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام16%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158445 / تحميل: 7002
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وكت ذبحه سِماها يمطر أحمر

مهو ريحانة الهادي المبرور

دخلي احسين لتيتم اطفاله

شِريده كل هلي اذبحني ابداله

كل ارواحنه فدوه الجماله

حسافه الباز يغدي افريسة اطيور

فجذبها عنه قهرا وضربها ضربا عنيفا ثم إنه دنا إليه وكان قد أغمي عليه فارتقى على صدره والمطهر ثم قلبه على وجهه المنور فلما رأته يفعل به ذلك تقدمت إليه وجذبت السيف من يديه وقالت يا عدو الله ارفق به لقد كسرت صدره وأثقلت ظهره فبالله عليك إلا ما امهلته سويعة لأتزود منه ويلك أما علمت أن هذا الصدر تربى على صدر رسول الله وصدر فاطمة الزهراء ويحك تجلس على صدر حاز علوم الأولين والآخرين ويحك هذا ناغاه جبرئيل وهزَّه ميكائيل.

(نصاري)

تزايد بالعناد الشمر واشتد

ولاباله ابحچي زينب او لارد

قسه گلبه او وجهه بالخزي أسود

يدور اعليه او بيده السيف مشهور

فعلها ابن الضبابي اشلون فعله

او داس اخزانة الباري ابرجله

اهو يدري اشعظمها من مُشِكْله

تنوح اله الخلايق كل الدهور

فعندها فتح الحسينعليه‌السلام عينيه وقال لها: يا أختاه دعيني أنا أكلمه ماذا تريد يا عدو الله؟ لقد ارتقيت مرتقى عظيما وركبت أمرا جسيما فقال أريد التقرب إلى يزيد بذبحك فلما سمعت زينب كلامه نادت بصوت يقرّح القلوب يا شمر دعني أودعه يا شمر دعني أغمضه يا شمر دعني أنادي البنيات يتزودن منه

١٦١

يا شمر دعني آتيه بولده العليل يشتاق بلقائه دعني آتيه بابنته سكينة فانه يحبها وتحبه فغار اللعين عليها بالسيف فوقعت على وجهها مغشيا عليها وجعل يهبر نحر الحسين بالسيف بقطع عنيف وهو ينادي وا جداه وا أباه وا أماه وا أخاه(١) .

(نصاري)

جسر شمر الضبابي اشلون جسره

اعلى مولاه او تربع فوگ صدره

لزم راسه او حط سيفه ابنحره

او ظل يفري او داجه والسمه اتمور

گطع راسه او شاله والهوه اظلم

وظلت تمطر اعيون السمه دم

او على جثته الوحش والطير حوَّم

واهتز العرش والفلك ميدور

فأخذت الناس الزلازل وأمطرت السماء دما عبيطا وترابا أحمر(٢) .

لهفي وقد ذُبح الحسينُ بسيفه

والشيبُ مخضوبٌ بقانٍ سائلِ

لهفي وقد قطع الزنيمُ كريمَه

كفرا وقد علّاه فوقَ الذابل

____________________

(١) - تظلم الزهراء ص٢٦٥/٢٦٦.

(٢) - تظلم الزهراء ص٢٦٦.

١٦٢

المجلس الثالث والعشرون

القصيدة: للشيخ محمد بن عبد الله الزهيري القطيفي

ت ١٣٢٩ه

يا عينُ جودي بانسكابِ

لمصاب آلِ أبي ترابِ

وحشاي ذوبي باحتراقٍ

واضطرمٍ واضطراب

وفؤادي المضنَّى أقِمْ

ما عشت دهرَك في اكتئاب

وتقطَّعي كبدي

لمقتول بسيف ابنِ الضبابي

كيف التصبُّر والسلوُّ

لصاحبِ القلبِ المذاب

أو بعدَ وقعةِ كربلا

يصبو المحبُّ إلى التصابي

أو يستلذُّ بباردِ الأفياءِ

أو عذبِ الشراب

وجسومُ سادتِه على الر

مضاءِ في تلك الرِحاب

ومن الضما أكبادُهم

نَضِجَتْ بوقدٍ والتهاب

وتُرَضُّ أعظمُهم خلا

فَ القتيلِ بالخيلِ العِراب

ونساؤُهم بين الأعادي

قد برزن بلا حجاب

تَرثي لقتلاها وتندب

في عويل وانتحاب

ولزينب نوحٌ يهدُّ

جوانب الصُمِّ الصِلاب(١)

____________________

(١) - شعر القطيف ج١، ص١٦٤ علي المرهون.

١٦٣

(نصاري) (١)

يا گلب ذوب ابحسره وونين

او يا دمع دم فجّر على احسين

احسين انصاب اويلي باعظم امصاب

فگد أهله اوياهم ذيچ الأصحاب

(وكف ما بينهم والدمع سچاب)

يگلها اوداعة الله او هملت العين

بعد ساعه التحق بيكم يخوتي

بعد ساعه ايخفه اعلى الحرم صوتي

بعد ساعه العده تنهب ابيوتي

بعد ساعه ايفگدني النساوين

اويلي من وگع من فوگ مهره

واجتَّه الحرم وي زينب الحره

او لن شمر الضبابي فوگ صدره

يحز بمهنده ويلي الوريدين

الله ايساعد اسكينه الحزينه

من شافت وليها ذابحينه

او راسه فوگ رمحٍ شايلينه

(صاحت راح وسفه ضنوة الدين)

شهادة الإمام الحسينعليه‌السلام

قال من المنتخب: بعد ما أقبل الشمر إلى الحسينعليه‌السلام وكان قد غشي عليه فدنى إليه وبرك على صدره فأحس به وقال له: يا ويلك من أنت؟ فقد ارتقيت مرتقى عظيما فقال لعنه الله: أنا الشمر، فقالعليه‌السلام ويلك من أنا؟ فقال: أنت الحسين أمك فاطمة الزهراء وجدك محمد المصطفى فقال الحسينعليه‌السلام يا ويلك إذا عرفت هذا حسبي ونسبي تقتلني؟ فقال الشمر: ان لم أقتلك فمن يأخذ الجائزة من يزيد؟ فقالعليه‌السلام أيهما أحب إليك الجائزة من يزيد أو شفاعة جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال اللعين: دانق من الجائزة أحب إلي منك

____________________

(١) - للمؤلف.

١٦٤

ومن جدك!! فقال له الحسينعليه‌السلام ويلك اكشف لي عن وجهك وبطنك فكشف له فإذا هو أبقع أبرص له صورة تشبه الكلاب والخنازير، فقالعليه‌السلام صدق جدي فيما قال. فقال الشمر وما قال جدك؟ قالعليه‌السلام كان يقول لأبي: يا علي يقتل ولدك هذا رجل أبقع أبرص أشبه الخلق بالكلاب والخنازير، فغضب الشمر لعنه الله من ذلك وقال: تشبهني بالكلاب والخنازير فو الله لأذبحنَّك من قَفاك ثم قلبه على وجهه وجعل يقطع أوداجه روحي له الفداء وكلما قطع منه عضوا نادى: وا محمداه وا جداه وا أبا القاسماه وا أبتاه وا علياه، أأقتل عطشانا وأبي علي المرتضى وأمي فاطمة الزهراء؟ فلما احتز الملعون رأسه الشريف شاله في قناة فكبر وكبر العسكر معه وتزلزلت الأرض واظلم الشرق والغرب وأخذت الناس الرجفة والصواعق وأطرت السماء دما عبيطا ونادى مناد من السماء قتل والله الإمام ابن الإمام أخو الإمام أبو الأئمة الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما‌السلام )(١) .

(مجردات)(٢)

احسين انذبح يهله دحضروه

او راسَهْ ابراس الرمح رفعوه

وابلا دفن ويلاه خلَّوه

او فوگ الذبح راحوا يسحگوه

بالخيل تاليها يهشموه؟

أي وا إماماه، وا سيداه، وا حسيناه، وا مظلوماه...

وأما حالة النساء فقد وصفها الشاعر بقوله:

____________________

(١) - المنتخب ص٤٦٥. الدمعة الساكبة ج٤، ص٣٥٨/٣٥٩.

(٢) - للمؤلف.

١٦٥

(مجردات)

زينب والحرم گامن ينحبن

اچبود اعيونهن من دم يكتن

طاحن فوگ ابو اليمه يشمن

اصوابات بالبجسمه او يجلبن

او لن سهم المثلث يشوفن

ابصدره نبت وابدمه تحنن

(تخميس)

ذُبحَ السبطُ يا لك اللهُ يوما

فهلمي يا أكرمَ الناس قوما

واطلبي الثأر أو تنالين لوما

فاملئي العين يا أميةُ نوما

فحسينٌ على الصعيد صريعُ

١٦٦

المجلس الرابع والعشرون

القصيدة: للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

ت ١٣٧٣ه

وقام لسانُ الله يخطب واعظا

فصمُّوا لِما عن قُدسِ أنوارِه عَمُوا

وقال انسبوني مَن أنا اليوم وانظروا

حلالا لكم مني دمي أم محرَّم

فما وجدوا إلا السهامَ بنحره

تُراشُ جوابا والعوالي تُقوَّمُ

ومذايقن السبطُ انمحى دينُ جدِّه

ولم يبقَ بين الناس في الأرض مسلم

فدى نفسَه في نصرة الدينِ خائضاً

عن المسلمين الغامراتِ ليسلَموا

وقال خذيني يا حتوفْ وهاكِ يا

سيوفُ فأوصالي لَكِ اليومَ مغنم

وهيهات أنْ أغدوا على الضيم جاثما

ولولا على جمر الأسنةِ مجثم

وكرَّ وقد ضاق الفضا وجرى القضا

وسال بوادي الكفر سيلٌ عرمرم

ومذ خرّ بالتعظيم لله ساجدا

له كبَّروا بين السيوف وعظَّموا

وجاء إليه الشمرُ يرفع سيفَه

فقام به عنه السِنانُ المقوَّم

وزُعزع عرشُ الله وانحطَّ نورُه

فأشرق وجهُ الأرض والكونُ مظلم

فلهفي له فردا عليه تزاحمت

جموعُ العدى تزداد جهلا فيَحلُم

ولهفي له ظامٍ يجود وحولَه

الفراتُ جرى طامٍ وعنه يُحرَّم

١٦٧

ولهفي على اعظاكَ يا ابنَ محمدٍ

تُوزَّعُ في أسيافِهم وتُسهَّم

فجسمُك ما بين السيوفِ موزَّعٌ

ورحلك ما بين الأعادي مقسَّم

فلهفي على ريحانةِ الطهرِ جسمُه

لكل رجيم بالحجارة يُرجم(١)

(مجردات)

امن انصرع واهله اوياه صرعه

دارت عليه العده اتنزعه

اثيابه او خذت سيفه او درعه

او بسيوفها گامت تزوعه

او بجدل گطع بالسيف اصبعه

والخيل تلعب فوگ ظلعه

والمهر صب اعليه دمعه

او ناده الظليمه او سحب صرعه

تعنَّه الخيم والنسه اتسمعه

حنَّت عليه حنَّه مِفِجْعه

حتى الصخر گامت تصدعه

او ضاگت ابچتله الوسعه

(أبوذية)

متى بالطف مواضيها نسلها

ولأرواح العدة ابحدها نسلها

الزهره ابكربله گطعوا نسلها

متى نگطع نسل هند او سميه

(تخميس)

يا ابنَ الأولى نَجَبَتْ أحسابُهم كرما

وجل رزئُهمُ بين الورى عظما

أبعدَ أنْ سال دمعُ العينِ منسجما

أيُّ المحاجرِ لا تبكي عليكَ دما

أبكيتَ واللهِ حتى محجرَ الحجرِ

____________________

(١) - ديوان شعراء الحسينعليه‌السلام ص٣٠.

١٦٨

خروج السيدة زينب إلى مصرع أخيها الحسين (عليهما‌السلام )

(بعد المصرع)

قال الراوي: خرجت زينبعليها‌السلام بعد مصرع الحسينعليه‌السلام هي تندبه بصوت حزين وقلب كئيب: يا محمداه، صلى عليك مليك السماء، هذا حسين مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، مسلوب العمامة الرداء، وبناتك سبايا إلى الله المشتكى، وإلى محمد المصطفى، وإلى علي المرتضى وإلى فاطمة الزهراء، وإلى حمزة سيد الشهداء، يا محمداه هذا حسين بالعراء، تسفي عليه الصباء.

(نصاري)

يجدي گوم شوف احسين مذبوح

على الشاطي او على التربان مطروح

يجدي امن الطعن ما بگت بيه روح

يجدي امن العطش گلبه تفطَّر

يجدي مات محد وگف دونه

اولا نغَّار غمَّضله اعيونه

وحيد ايعالج او منخطف لونه

ولا واحد ابحلگه ماي گطر

يجدي مات محد مدد أيديه

ولا واحد يجدي عدل رجليه

يعالج بالشمس محد گرب ليه

يحطله اظلال يا جدي امن الحر

تناديهم يهلنه اولا لفوها

ولا جدها يجاوبها اولا أبوها

حنَّت وانگطع ظنها من أخوها

او شافت علْخيم صوَّل العسكر

دعني أكمل لك كلام الحوراء زينب وهي تندب أخاها الحسينعليه‌السلام قائلة: بأبي من لا غائب فيرجى، ولا جريح فيداوي، بأبي المهموم حتى قضى، بأبي العطشان حتى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدما(١) .

____________________

(١) - معال السبطين ج٢. نفس المهموم ص٣٧٧ عباس القمي.

١٦٩

(أبوذية)

الگلب شاجر على ابن امي وداوي

تضعضع وانهدم صبري وداوي

لا مجروح حتى اگعد وداوي

ولا غايب وگول ايعود ليه

***

فَقَدَتْ خيرَ عمادٍ فدعت

من بني عمرو العلى كلَّ عميدْ

١٧٠

المجلس الخامس والعشرون

القصيدة: للشيخ محمد بن حماد الحلي

ت ٩٠٠ه

إن يومَ الطفوفِ لم يُبقِ لي من

لذّة العيشِ والرقادُ نصيبا

يوم سارت إلى الحسين بنو حر

ب بجيش فنازلوه الحروبا

وحمَوه عن الفرات فماذا

ق سوى الموتِ دونه مشروبا

في رجال باعوا النفوسَ على الله

فنالوا ببيعِها المرغوبا

لست أنساه حين أيقن بالمو

ت دعاهم فقام فيهم خطيبا

ثم قال الحَقُوا بأهليكمُ إذ

ليس غيري أنا لهم مطلوبا

فأجابوا ما وفيناك إنْ نحن

تركناك بالطفوف غريبا

فبكى ثم قال جُوزيتمُ الخيرَ

فما كان سعيُكم أن يخيبا

وغدا للقتال في يوم عاشورَ

فأبدى طعنا وضربا مُصيبا

وكأني بصحبه حولَه صر

عى لدى كربلا شبابا وشيبا

فكأني أراه فردا وحيدا

ظاميا بينهم يُلاقي الكروبا

وكأني أراه إذ خرَّ مطعو

نا على حَرِّ وجهِه مكبوبا

فكأني بزينبٍ إذ رأته

عاريا داميَ الجبينِ تريبا

١٧١

ثم خرَّت عليه تلثم خدَّيه

وقد صار دمعُها مسكوبا

يا أخي لا حَييتُ بعدك هيهاتَ

حياتي من بعدكم لن تطيبا

يا هلالا لما استتم كمالا

غاله خسفُه فأبدى غروبا(١)

(مجردات)

يحسين خويه اشيوجعك گُول

او من يا جرح يا خوي معلول

لو ناشدونه الناس شنگول

يالچنت سور او سيف مسلول

وسافه اعله حگك تمسي مچتول

مرمي او عليك اتجول الخيول

تمنيت الك من هاشم اشبول

يشوفونه الجسمك على ارمول

(أبوذية)

وين الچان الك مرهم وشافك

حضر عندك يبو اليمه وشافك

يبس من العطش چبدك وشافك

او عله صدرك تجول اخيول اميه

فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام

تروي لنا كيفية هجوم القوم عليهم (بعد المصرع)

قال في البحار: إن فاطمة بنت الحسين قالت: كنت واقفة بباب الخيمة، وأنا أنظر إلى أبي وأصحابه مجزرين كالأضاحي على الرمال، والخيول على أجسادهم تجول، وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أمية أيقتلوننا أو يأسروننا؟

____________________

(١) - أدب الطف ج٤، ص٣٠٨.

١٧٢

(مجردات)

اشصاير بهلنه او لا لفونه

او بين الأجانب ضيعونه

ننخه او لاهُم يسمعونه

او يدرون بينه مات اخونه

وإذا برجل على ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه وهن يلذن بعضهن ببعض وقد أخذ ما عليهن من احمرة وأسورة وهن يصحن وا جداه وا أبتاه وا علياه وا قلة ناصراه وا حسناه أما من مجير يجيرنا أما من ذائد يذود عنا.

(مجردات)

آنه شايطه وانده ابصوتي

او يسمعوني او يغضون اخوتي

ياليت گبل احسين موتي

او لاشوف العده تنهب ابيوتي

قالت فطار فؤادي وارتعدت فرائصي وجعلت اُجيل بطرفي يمينا وشمالا على عمتي أم كلثوم خشية منه أن يأتيني فبينما أنا على هذه الحال وإذا به قد قصدني فقلت مالي إلا البَر ففررت منهزمة وأنا أظن أسلم منه وإذا به قد تبعني فذهلت خشية منه وإذا بكعب الرمح بين كتفي فسقطت على وجهي فخرم أذني وأخذ قرطي. وترك الدماء تسيل على خدي... وولى راجعا إلى الخيم وأنا مغشي علي وإذا بعمتي عندي تبكي وهي تقول قومي نمضي ما أعلم ما صدر على البنات وأخيك العليل فما رجعنا إلى الخيمة إلا قد نهبت وما فيها، وأخي علي بن الحسينعليه‌السلام مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والسقام فجعلنا نبكي عليه ويبكي علينا(١) .

____________________

(١) - الدمعة الساكبة ج٤، ص٣٧٢.

١٧٣

(نصاري)

سلب ما چان على النسوان موجود

بگت وحده اعله اخوها ابروحها اتجود

دحاها بين مطروده او مطرود

تفر هذي او هذي ابذيچ تعثر

يسلبها العدو او يشتم وليها

او جاير بالضرب ويلي عليها

اتهبط راسها او تشگف بديها

او دمعها ايسيل علوجات أحمر

(أبوذية)

يخويه الحرم بالوديان هاجن

او عليك ايركضن امن الخوف هاجن

العقل من شبت النيران هاجن

العده فرهود صاحوا بالثنيه

***

وبزجرٍ يسوقها زجرُ عنفاً

وإذا تستغيث فيه يزيدُ

١٧٤

المجلس السادس والعشرون

القصيدة: للشيخ محمد شريف الكاظيم

ت ١٢٢٠ه

فما عذرُ مثلي حين اُدعى بموقفٍ

وقد مُلئت من سيآتي صحيفتي

فحتّام يا من عاش في لُجَّةِ الهوى

تُبارزُ ربا عالما بالسريرةِ

تيقظ هداك الله من رَقدِة الهوى

فانك منقول إلى ضيق حفرةِ

تمسكتَ بالدنيا غرورا كمثلها

تمسُّكَ ضامٍ من سرابٍ بِقيعة

أليست هي الدارُ التي طال همُّها

فكم أضحكت قِدْما أناسا وأبكت

وكم قد أهانت من عزيز بغدرها

وكم فجعت من فتية علوية

همُ عترةُ المختارِ أكرمِ شافعٍ

وأكرمِ مبعوثٍ إلى خيرِ اُمَّة

بنفسي بدور منهمُ قد تَغَّيبتْ

محاسنُها في كربلا أيَّ غيبة

بنفسي وأهلي والتليدِ وطارفي

وكلِّ الورى أَفدي قتيلَ أمية

فنادى ألا هل من مجير يُجيرنا

وهل ناصرٌ يرجو الإلهَ بنصرتي

ولم أنسه يوم الطفوف وقد غدا

يكُرُّ عليهم كرةً بعد كرة

إلى أنْ هوى فوقَ الصعيدِ مجدَّلا

فأظلمتِ الدنيا له واقشعرَّت

وما أنسى لا أنسى النساءَ بكربلا

حيارى عليهِنَّ المصائبُ صُبَّتِ

١٧٥

ولمـّا رأين المهرَ وافى وسرجُه

خليّاً توافت بالنحيب ورنَّت

تقول ودمعُ العينِ يسبق نطقَها

وفي قلبها نارُ المصائبِ شَبَّت

أخي يا هلالا غاب بعد كمالهِ

فأضحى نهاري بعدَه مثلَ ليلتي(١)

(نصاري)

مدري اشلون عز الهاشميين

حاطت بيه كلها تطلب ابدين

يهل الخيل زينب صاحت الهم

بس امن الذبح اخلصوا كلهم

خلوا هلعليل الظل بعدهم

عسنه ايطيب ويباري النساوين

هذا ايگول لتخلوه اذبحوه

او هذا ايگول بسكم عاد اتركوه

هذا ايگول لجل الحرم خلّوه

بگيت السلف من الميادين

گاموا رايهم عنه يوخرون

او عزمهم صار بالعنده يسلبون

بفراش المرض گاموا يجرون

لما گلبوه عنه اشلون جسرين

من ردت الروح ابزين العباد

لن تل الرمل صاير له اوساد

ون ونه ايتگطع منها الفواد

صاح ابصوت وين اهلي المشفجين

صاح اشلون صيحه التهدم الحيل

يا ذلي بعد خيالة الخيل

بيش انهض او كل گومي مچاتيل

يوسفه او حيف اذل وانحكم للشين

انتهاء القوم إلى زين العابدينعليه‌السلام (بعد المصرع)

قال أرباب المقاتل: انتهى القوم إلى علي بن الحسينعليه‌السلام وهو مريض على فراشه لا يستطيع القيام، فقائل يقول: لا تدعوا منهم صغيرا ولا كبيرا،

____________________

(١) - أدب الطف ج٦، ص١٢٦/١٢٧.

١٧٦

وآخر يقول: لا تعجلوا عليه حتى نستشير الأمير عمر بن سعد. وجرد الشمر سيفه يريد قتله. فقال حميد بن مسلم: يا سبحان الله، أتقتل هذا المريض؟ فقال: إن ابن زياد أمر بقتل أولاد الحسين. فصاحت زينب والله لا يقتل حتى أقتل دونه، ثم ألقت بنفسها عليه.

(مجردات)

خلوه خيمه ايظل علينه

بس هالعليل التم ولينه

ومن المرض زايد ونينه

واعله الحرم بس تهل عينه

(موشح)

مهجة الزهرة يخايب والحسين

ما بگه برويحته غير الونين

شوف روحه رايحه او غمضت العين

لا تحط ابرگبته غل الثجيل

اشلون يحمل بالشمس لفح السموم

او لو گعد بالگاع ما يگدر يگوم

فاجد اهله يلايم لا تلوم

لو جذب ونه او سهر ليل الطويل

وفي الطبري عن حميد بن مسلم قال انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي وهو منبسط على فراش له وهو مريض وإذا شمر بن ذي الجوشن في رجال معه يقولون: ألا تقتل هذا؟ فقلت سبحان الله أتقتل الصبيان؟ إنما هذا صبي وإنه لما به - أي من العلة - قال: فما زال ذلك وأنا ادفع عنه كل من جاء حتى جاء عمر بن سعد فقال: ألا لا يدخلن بيت هؤلاء النسوة أحد ولا يعرضن لهذا الغلام المريض ومن أخذ من متاعهم شيئا فليرده عليهم قال فو الله ما رد أحد شيئا(١) . أقول لقد بقي آل محمد بعد أبي عبد الله وأبي الفضل ينتظرون ابن

____________________

(١) - نقلا عن نفس المهموم ص٣٧٩.

١٧٧

سعد وحميد بن مسلم ليقولوا كلمة يدفعون بها عنهم الأذى؟! وا عجباه.

وكأني بزينبعليه‌السلام :

(موشح)

وين المحشم البيه نخوه او عزم

بيده ياخذ معصبي او بيه يلتزم

او بيه يوصل والدي موت الزلم

الخله چف ارگابها املوايه

وكأني بزين العابدين:

(أبوذية)

يعمه بالخيم والخيل يتكم

عطاشه او چتفوها الكفر يتكم

واصيحن وين داحي الباب يتكم

يجي وايشوف حالي اشصار بيه

***

مات الحسينُ فيا لهفي لمصرعه

وصار يعلو ضياءَ الأمةِ الظلمُ

١٧٨

المجلس السابع والعشرون

القصيدة: للشيخ لطف الله بن محمد بن عبد المهدي الجد حفصي

ت ١١٦٤ه

ضَحِكَ المشيبُ بعارضيك فنُحْ أسىً

أسفا على عُمُرٍ مضى وتصرَّما

وإذا أطلّ عليك شهرُ محرمٍ

فابكِ القتيلَ بكربلاءَ على ظما

قلبي يذوب إذا ذكرتُ مصابَه الـ

ـمرَّ المذاقِ ومقلتي تجري دما

واللهِ لا أنساه فردا يلتقي

بالرغم جيشا للضلال عرمرما

والسمرُ والبيضُ الرقاقُ تنوشُه

حتى اُصيبَ بسهم حتْفٍ فارتما

فهوى صريعا في الرُغام مجدلا

ينوي الخيامَ مودِّعا ومسلِّما

ومضى الجوادُ إلى الخيام محمحما

دامي النواصي بالقضية مُعلِما

فخرجن نسوتُه الكرائمُ حسَّرا

ينثرن دمعا في الخدود منظَّما

فبصرنَ بالشمرِ الخبيثِ مسارعا

بالسيف في النحر الشريفِ محكِّما

حتى برا الرأسَ الشريفَ من القفا

فغدا على رأس السنانَ مقوَّما

فارتجتِ السبعُ الطباقُ وزُلزلت

أركانُها والأرضُ ناحت والسما

يا راكبا نحو المدينةِ قِفْ بها

عند الرسول معزِّيا متظلِّما

هذا الحسين بكربلا عهدي به

شفتاه ناشفتان من حر الظما

١٧٩

وانحُ البتولَ وقُلْ أيا ستَّ النسا

أعلمتِ قاصمةَ الظهورِ بنا وما

ستَّ النساءِ ربيبُ حجرِك في الثرى

عاري اللباس مسربَلا حللَ الدما

ستَّ النساءِ رضيعُ ثديك رَضّضت

خيلُ العدى أضلاعَه والأعظما

وبناتُك الخفراتُ في أيدي العدى

خلّفتُهن مكشفاتٍ كالإما

اُبرزن من بعد الخدور حواسرا

سَلَبَ العدى منها الردا والمعصما(١)

(فائزي)

طلعت يتيمه امن احرگوا ذيچ الصواوين

اتنادي يهالوادم درب وادي الغري امنين

لمـَّن عدوها عاين الها انكسر گلبه

اتوجه يحاچيها او دمع عينه يصبه

ايگلها الغري عنچ مسافه ابعيد دربه

ردي اخاف عليچ بالبيده تضيعين

ياهو الذي امنهلچ اهناكه تعتنيله

گالت يشيخٍ سولفت عمْتي العقيله

بارض النجف گبر الوصي حامي ادخيله

اوصل الگبره واشتچيله امصايب البين

گلها اشتگولي ابهالشجايه يا يتيمه

گالت اصيح ابصوت يا صاحب الشيمه

____________________

(١) - أدب الطف ج٥، ص٢٥٥.

١٨٠

فمع قرب ابن حنبل من المتوكل وبعده عن أهل البيت (ع) لكن موجة الغضب العامة على المتوكل لهدمه قبر الحسين (ع) تجعله يشك في أقرب الناس اليه!

٣. أبوهاشم الجعفري هو: داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم. وهو من كبار أصحاب الأئمة المعصومين (ع)، ولم يكن من خطهم الثورة كالزيديين، لكنهم كانوا يتضامنون مع الثائرين منهم إذا نُكبوا، ويدافعون عنهم. قال السيد الخوئي « ٨ / ١٢٢ » : « أبوهاشم الجعفري (رحمه الله): كان عظيم المنزلة عند الأئمة (ع)، شريف القدر، ثقة، روى أبوه عن أبي عبد الله (ع). وقال الشيخ: داود بن القاسم الجعفري، يكنى أبا هاشم، من أهل بغداد، جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة (ع)، وقد شاهد جماعة منهم: الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر، وقد روى عنهم كلهم (ع). وله أخبار ومسائل، وله شعر جيد فيهم، وكان مقدماً عند السلطان وله كتاب، أخبرنا به عدة من أصحابنا ».

٤. بنوطاهر وآل طاهر: هم أولاد طاهر بن الحسين وأقاربه، وهوقائد جيش المأمون في حربه مع أخيه الأمين، وهوالذي احتل بغداد وقتل الأمين. وقد أطلق المأمون يده في خراسان حتى عرفت بالدولة الطاهرية، كما أطلق يد آل طاهر في العراق، فكانت بغداد بيد إسحاق بن إبراهيم.

قال ابن الأثير في الكامل « ٧ / ٢٣٦ »: « وفيها « ٢٣٥ » توفي إسحاق بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب المصعبي وهوابن أخي طاهر بن الحسين، وكان صاحب

١٨١

الشرطة ببغداد أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل. ولما مرض أرسل إليه المتوكل ابنه المعتز مع جماعة من القواد يعودونه، وجزع المتوكل لموته ».

وقال اليعقوبي « ٢ / ٤٨٨ »: « وقدم محمد بن عبد الله بن طاهر إلى بغداد من خراسان سنة ٢٣٧، فصيَّر إليه ما كان إلى إسحاق بن إبراهيم ».

وبنوطاهر ليسوا خزاعيين، بل من موالي خزاعة، وأصلهم من أمراء فارس. قال العمري في أنساب الطالبين / ٣٨٣: « وأما ابن طاهر فهومحمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق بن ماهان، أسلم جده رزيق على يد عبيد الله بن طلحة الطلحات الخزاعي، والي سجستان فنسب إليه ولقب بالخزاعي لهذا السبب، لا لانتمائه الى قبيلة خزاعة من جهة النسب.

وآل طاهر أسرة قديمة تنتسب الى أمراء الفرس الأولين، ويذكر منها في عالم الحرب والأدب والنجدة أفرادٌ كثيرون، وكان مصعب يتولى أعمال مَرْو مع أعمال هراة. وأول من نبغ من هذه الأسرة واشتهر في عهد بني العباس، طاهر بن الحسين بن مصعب، أبلى في خدمة المأمون أحسن بلاء وأخلص له ونصح في ولائه وتوطيد ملكه، فولاه خراسان وأطلق يده فيها، فأصبحت دولة طاهرية مستقلة في حكومتها، لا تربطها ببغداد الا خطبة المنبر.

وكان محمد بن عبد الله بن طاهر عظيم النفوذ في الدولة، تميل الخلافة حيث يميل ومات محمد في ذي الحجة من سنة ٢٥٣ ، وهوالذي أنفذ جيشاً الى يحيى ».

ويظهر أن بني طاهر كانوا كأسيادهم العباسيين يعتقدون بصدق النبي (ص)، وبأنهم غصبوا سلطانه من أهل بيته (ع) وظلموهم وقتلوهم بغير حق.

١٨٢

فقد روى أبوالفرج أن محمد بن طاهر والي بغداد تشاءم من قتله يحيى بن عمر العلوي، فأرسل عائلته الى خراسان، لأنه كان يعتقد أن قتله لبني علي (ع) سيسبب زوال ملكه! « وأمر محمد بن عبد الله حينئذ أخته ونسوة من حرمه بالشخوص إلى خراسان، وقال: إن هذه الرؤس من قتلى أهل هذا البيت لم تدخل بيت قوم قط إلا خرجت منه النعمة، وزالت عنه الدولة، فتجهزن للخروج »! « مقاتل الطالبيين / ٤٢٣ ».

وبالفعل جاءهم الشؤم في الصراعات الداخلية بين خلفاء بني عباس، ومات محمد بن عبد الله بن طاهر في حرب المعتز في أواخر سنة ٢٥٣ : فـ « اشتد وجد المعتز عليه، وكان يرى أن الأتراك يهابونه من أجله ». « الأعلام: ٦ / ٢٢٢ ».

وانتهت دولة آل طاهر بعد قتلهم يحيى فما انتعشوا بعد ذلك! « نثر الدرر: ١ / ٢٦٥ ».

ويؤكد ما ذكرنا من اعتقاد بني طاهر بأهل البيت (ع) ما رواه الصدوق في الخصال / ٥٣: « عن محمد بن عبد الله بن طاهر قال: كنت واقفاً على أبي وعنده أبوالصلت الهروي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن محمد بن حنبل، فقال أبي: ليحدثني كل رجل منكم بحديث، فقال أبوالصلت الهروي: حدثني علي بن موسى الرضا، وكان والله رضاً كما سمي، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي (ع) قال: قال رسول الله (ص): الايمان قولٌ وعملٌ فلما خرجنا قال أحمد بن محمد بن حنبل: ما هذا الإسناد؟ فقال له أبي: هذا سُعُوطُ المجانين، إذا سُعِطَ به المجنون أفاق ».

١٨٣

٥. تدل قصيدة ابن الرومي على أنه كان شيعياً (رحمه الله). وشعره ملئ بالصنعة وفيه تكلف، وهو لايرقى الى شعر الطبقة الأولى من شعراء العصر العباسي.

كما تدل قصيدته على أن الأبنة والشذوذ كان منتشراً في شخصيات العباسيين، وأن العلويين كانوا طاهرين من هذا الرجس، لاحظ قوله:

أروني امرأ منهم يُزَنُّ بأُبنة

ولا تنطقوا البهتان والحق أبلج

وقوله: يُزَنُّ بأبنةٍ: فعل زَنَّ بتشديد النون بمعنى: اتَّهم.

قال ابن فارس «٣/٥»: « يقال أزننت فلاناً بكذا، إذا اتهمته به. وهو يُزَنُّ به ».

دور قم المميز في زمن الإمام الهادي (ع)

١. تميزت قم بموقعها الجغرافي ، في طريق خراسان، فكل قاصد من العراق أوالحجاز الى خراسان وما وراء النهر، يمر بها.

٢. وتميزت ثانياً بمركزها التجاري ، فقد كانت ضريبتها السنوية مليوني درهم!

قال الطبري « ٧ / ١٨٣ »: « وفي هذه السنة « ٢١٠ » خلع أهل قم السلطان ومنعوا الخراج. ذُكر أن سبب خلعهم إياه كان أنهم كانوا استكثروا ما عليهم من الخراج وكان خراجهم ألفي ألف درهم ». وتقدم ذلك في سيرة الإمام الجواد (ع).

٣. وتميزت ثالثاً بشجاعة أهلها وثوراتهم، فقد احتاج المأمون في مهاجمتها الى ثلاث فرق، وكان عمدة أهلها الأشعريون.

قال البلاذري في فتوحه « ٢ / ٣٨٦ »: « وقد نقضوا في خلافة أبي عبد الله المعتز بالله بن المتوكل على الله، فوجه إليهم موسى بن بغا عامله على الجبل، لمحاربة الطالبيين الذين ظهروا بطبرستان، ففتحت عنوةً وقتل من أهلها خلق كثير ».

١٨٤

وقال البلاذري في فتوحه « ٢ / ٣٩٨ »: « ولما كانت سنة ٢٥٣ ، وجه أمير المؤمنين المعتز بالله، موسى بن بغا الكبير مولاه إلى الطالبيين الذين ظهروا بالديلم وناحية طبرستان. وكانت الديالمة قد اشتملت على رجل منهم يعرف بالكوكبي فغزا الديلم وأوغل في بلادهم وحاربوه فأوقع بهم، وثقلت وطأته عليهم واشتدت نكايته ».

وفي رجال الطوسي / ٤٤٣: « إبراهيم بن عبد الله بن سعيد، قال: لما توجه موسى بن بغا إلى قم فوطأها وطأة خشنة، وعظم بها ما كان فعل بأهلها، فكتبوا بذلك إلى أبي محمد صاحب العسكر (ع) يسألونه الدعاء لهم، فكتب إليهم أن ادعوا بهذا الدعاء في وتركم، وهو وذكر الدعاء ». « محمد بن الحسين بن سعيد بن عبد الله بن سعيد الطبري، يكنى أبا جعفر، خاصي، روى عنه التلعكبري وقال: سمعت منه سنة ثلاثين وثلاث مائة وفيما بعدها، وله منه إجازة. وسمع منه الدعاء الذي كتب به إلى أهل قم، وروى حديث ابن بغا لما توجه إلى قم ».

وكانت حملة موسى بن بغا على الثوار العلويين في آذربيجان وطبرستان سنة ٢٥٣ قبل وفاة الهادي (ع) بسنة، وقبل قتل المعتز بسنتين. « ثقات ابن حبان: ٢ / ٣٣١ ». وسيأتي ذكرها إن شاء الله في سيرة الإمام العسكري (ع).

وتميزت قم بأنها مصدر نصرة للأئمة (ع) « وكان قد سعيَ بأبي الحسن إلى المتوكل، وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم ». « تاريخ الذهبي: ١٨ / ١٩٩ ».

١٨٥

وكان القميون يحملون أخماسهم وهداياهم الى الإمام (ع) في سامراء، وكانت الدولة تحاول كشف ذلك ومعاقبة القميين.

وتميزت قم خامساً، بأنها العاصمة الدينية لأهل البيت (ع) في إيران، فقد كانت مركزاً علمياً فيها فقهاء كبار ووكلاء للأئمة (ع)، وكان الشيعة يأخذون منهم فتاواهم ومعالم دينهم، ويدفعون اليهم أخماسهم ليوصلوها الى الإمام (ع).

« وعن الصادق (ع): إن لله حرماً وهو مكة، وإن للرسول حرماً وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين حرماً وهوالكوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم ». « البحار: ٥٧ / ٢١٦ ».

هذا، وكان لقم صلة بمصر لأن المأمون نفى عدداً من زعمائها الى مصر، ونبغ منهم قادة عسكريون كالقائد المعروف: محمد بن عبد الله القمي الذي ولاه المتوكل أمر قبائل البجة في السودان الذين منعوا المسلمين مناجم الذهب، فوضع لهم خطة وانتصر عليهم، وأسر ملكهم علي بابا، وجاء به أسيراً الى سامراء سنة ٢٤١.

وقد روى الطبري تفصيل ذلك في تاريخه « ٧ / ٣٧٩ ».

١٨٦

الفصل التاسع:

مرسوم إمامة ابن حنبل بعد هدم قبر الحسين (ع)

كان ابن حنبل غير مرضي عند المأمون والمعتصم والواثق

قال الخليل في العين « ٣ / ٣٣٨ »: « الحنبل: الضخم البطن في قصر. ويقال: هوالخُف أوالفرو الخلق. والحِنبال والحِنبالة: القصير الكثيرالكلام ».

وأضاف ابن منظور « ١١ / ١٨٢ »: « الحَنْبَل والحِنْبَال والحِنْبَالة: القصيرالكثير اللحم. والحُنْبُل: طَلْعُ أُمّ غَيْلان ». وهي شجرة العُضَاه، وثمرها كاللوبياء لايؤكل .

وكان أحمد بن محمد بن حنبل من العلماء العاديين في بغداد، ولم يشتهرحتى أحضره المأمون ليمتحنه في خلق القرآن في سنة ٢١٢، فقد كان المأمون يُحضرالعلماء ويحذرهم من القول بأن القرآن غير مخلوق، لأنها تعني أنه قديمٌ مع الله تعالى، وأن الله مركبٌ وكلامه جزءٌ منه، وهذا شرك!

فإذا أصرَّ أحدٌ منهم على أن القرآن قديم، كان يُعَزَّره ويحرمه من تولي القضاء. وفي سنة ٢١٨، أرسلوا الى المأمون أربعة علماء الى طرطوس ليمتحنهم وكان منهم أحمد بن حنبل، وقبل أن يصلوا جاءهم خبر موت المأمون، فأرجعوهم الى السجن ببغداد، وواصل المعتصم سياسة أخيه المأمون في امتحانهم.

قال السبكي في طبقات الشافعية « ٢ / ٥٣ »: « سمعت أبا العباس بن سعد يقول: لم يصبر في المحنة إلا أربعة كلهم من أهل مَرْوٍ: أحمد بن حنبل أبوعبد الله، وأحمد

١٨٧

بن نصر بن مالك الخزاعي، ومحمد بن نوح بن ميمون، المضروب، ونعيم بن حماد، وقد مات في السجن مقيداً. فأما أحمد بن نصر فضربت عنقه، وهذه نسخة الرقعة المعلقة في أذن أحمد بن نصر بن مالك: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك، دعاه عبد الله الإمام هارون وهوالواثق بالله أمير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلا المعاندة، فجعله الله إلى ناره. وكتب محمد بن عبد الملك.

ومات محمد بن نوح في فتنة المأمون. والمعتصم ضرب أحمد بن حنبل. والواثق قتل أحمد بن نصر بن مالك. وكذلك نعيم بن حماد ».

اتهموا ابن حنبل بالخيانة وفتشوا بيته!

اتهموه بأنه آوى ثائراً علوياً، وهي تهمة عقوبتها القتل! قال الذهبي في تاريخه « ١٨ / ٨٤ »: « رفع إلى المتوكل أن أحمد بن حنبل ربَّصَ « خبأ » علوياً في منزله، وأنه يريد أن يُخرجه ويُبايع عليه ولم يكن عندنا علم. فبينا نحن ذات ليلة نيام في الصيف سمعنا الجلَبة، ورأينا النيران في دار أبي عبد الله، فأسرعنا وإذا أبوعبد الله قاعد في إزار، ومظفر بن الكلبي صاحب الخبر وجماعة معهم، فقرأ صاحب الخبر كتاب المتوكل: وَرَدَ على أمير المؤمنين أن عندكم علوياً ربصته لتبايع عليه وتُظهره. في كلام طويل. ثم قال له مظفر: ما تقول؟

١٨٨

قال: ما أعرف من هذا شيئاً، وإني لأرى له السمع والطاعة في عسري ومنشطي ومكرهي، وآثره لأدعوالله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار. في كلام كثير غير هذا. وقال ابن الكلبي: قد أمرني أمير المؤمنين أن أحُلِّفَكَ.

قال: فأحْلَفَهُ بالطلاق ثلاثاً أن ما عنده طَلِبَةُ أمير المؤمنين.

قال: وفتشوا منزل أبي عبد الله والسِّرْب والغرف والسطوح، وفتشوا تابوت الكتب، وفتشوا النساء والمنازل، فلم يروا شيئاً ولم يحسوا بشئ »!

أقول: يدل اتهامهم على الشعبية الواسعة للعلويين ورُعب السلطة منهم! وكان المتوكل يعرف أن أحمد ليس في خط العلويين، لكنه من خوفه احتمل أن يكونوا أغروه! كما تفاجأ ابن حنبل فسارع بالقول: « إني لأرى له السمع والطاعة في عسري ومنشطي ومكرهي، وأوثره عليَّ، وأدعو الله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار ». فقبل منه المتوكل وسُرَّ به واستقدمه الى سامراء وأكرمه، واتفق معه .

أحضر المتوكل أحمد الى سامراء عدة مرات

قال الآلوسي في جلاء العينين « ١ / ٢٤٢ »: « بعث المتوكل بعد مضي خمس سنين من ولايته لتسيير أحمد بن حنبل، فقد نقل غير واحد أنه وجه المتوكل إلى إسحق بن إبراهيم يأمره بحمله إليه، فوجه إسحق إليه وقال له: إن أمير المؤمنين قد كتب إلي يأمرني بإشخاصك إليه فتأهب لذلك ».

وأحضره المتوكل في أواخر عمره، وكان أحمد يومها في الثالثة والسبعين، وعاش بعدها ثلاث سنوات ونصفاً.

١٨٩

ففي تاريخ الذهبي « ١٨ / ١١٩ »: « ولي بغداد عبد الله بن إسحاق، فجاء رسوله إلى أبي عبد الله فذهب إليه فقرأ عليه كتاب المتوكل فقال له: يأمرك بالخروج. فقال: أنا شيخ ضعيف عليل. فكتب عبد الله بما رد عليه، فورد جواب الكتاب بأن أمير المؤمنين يأمره بالخروج. فوجه عبد الله جنوده، فباتوا على بابنا أياماً حتى تهيأ أبوعبد الله للخروج، فخرج، وخرج صالح، وعبد الله، وأبو رميلة.

قال صالح: كان حَمْلُ أبي إلى المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين، ثم عاش إلى سنة إحدى وأربعين، فكان قَلَّ يومٌ يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه ...

لما دخلنا إلى العسكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل، فلما حاذى بنا قالوا: هذا وصيف، وإذا فارس قد أقبل فقال لأحمد: الأمير وصيف يقرؤك السلام، ويقول لك: إن الله قد أمكنك من عدوك، يعني ابن أبي دؤاد، وأمير المؤمنين يقبل منك فلا تدع شيئاً إلا تكلمت به، فما رد عليه أبوعبد الله شيئاً، وجعلت أنا أدعولأمير المؤمنين، ودعوت لوصيف. ومضينا فأنزلنا في دار إيتاخ ولم يعلم أبوعبد الله، فسأل بعد ذلك: لمن هذه الدار قالوا: هذه دار إيتاخ. فقال: حولوني، إكتروا لي. فلم نزل حتى اكترينا له داراً.

وكانت تأتينا في كل يوم مائدة فيها ألوان يأمر بها المتوكل والفاكهة والثلج وغير ذلك. فما نظر إليها أبوعبد الله، ولا ذاق منها شيئاً.

وكانت نفقة المائدة كل يوم مائة وعشرين درهماً. وكان يحيى بن خاقان وابنه عبيد الله وعلي بن الجهم، يأتون أبا عبد الله ويختلفون إليه برسالة المتوكل.

١٩٠

ودامت العلة بأبي عبد الله وضعف ضعفاً شديداً، وكان يواصل، فمكث ثمانية أيام لا يأكل ولا يشرب، فلما كان في اليوم الثامن دخلت عليه وقد كاد أن يطفأ فقلت: يا أبا عبد الله، ابن الزبير كان يواصل سبعة أيام، وهذا لك اليوم ثمانية أيام. قال: إني مطيق. قلت: بحقي عليك. قال: فإني أفعل، فأتيته بسويق فشرب. ووجه إليه المتوكل بمال عظيم فرده، فقال له عبيد الله بن يحيى: فإن أمير المؤمنين يأمرك أن تدفعها إلى ولدك وأهلك. قال: هم مستعفون فردها عليه، فأخذها عبيد الله فقسمها على ولده وأهله.

ثم أجرى المتوكل على أهله وولده أربعة آلاف في كل شهر، فبعث إليه أبوعبد الله: إنهم في كفاية وليست بهم حاجة. فبعث إليه المتوكل: إنما هذا لولدك، ما لك ولهذا؟ فأمسك أبوعبد الله. فلم يزل يجري علينا حتى مات المتوكل.

قال حنبل: فلما طالت علة أبي عبد الله كان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب فيصف له الأدوية فلا يتعالج، ودخل المطبب على المتوكل فقال: يا أمير المؤمنين أحمد ليست به علة في بدنه، إنما هومن قلة الطعام والصيام والعبادة.

وبلغ أم المتوكل خبر أبي عبد الله فقالت لابنها: أشتهي أن أرى هذا الرجل. فوجه المتوكل إلى أبي عبد الله يسأله أن يدخل على ابنه المعتز ويسلم عليه ويدعوله ويجعله في حجره. فامتنع أبوعبد الله من ذلك، ثم أجاب رجاء أن يطلق وينحدر إلى بغداد، فوجه إليه المتوكل خلعة، وأتوه بدابة يركبها إلى المعتز فامتنع، وكانت عليها مَيْثَرَةُ نُمُور، فقدم إليه بغل لرجل من التجار فركبه.

١٩١

وجلس المتوكل مع أمه في مجلس من المكان، وعلى المجلس ستر رقيق، فدخل أبوعبد الله على المعتز، ونظر إليه المتوكل وأمه، فلما رأته قالت: يا بني، الله الله في هذا الرجل فليس هذا ممن يريد ما عندكم، ولا المصلحة أن تحبسه عن منزله فَأْذَنْ له فليذهب. فدخل أبوعبد الله على المعتز فقال: السلام عليكم وجلس، ولم يسلم عليه بالإمرة. قال: فسمعت أبا عبد الله بعد ذلك ببغداد يقول: لما دخلت عليه وجلست قال مؤدب الصبي: أصلح الله الأمير، هذا الذي أمره أمير المؤمنين يؤدبك ويعلمك. فرد عليه الغلام وقال: إن علمني شيئاً تعلمته. قال أبوعبد الله: فعجبت من ذكائه وجوابه على صغره. وكان صغيراً.

فأذن له بالإنصراف، فجاء عبيد الله بن يحيى وقت العصر فقال: إن أمير المؤمنين قد أذن لك، وأمر أن تفرش لك حَرَّاقَة تنحدر فيها. فقال أبوعبد الله: أطلبوا لي زورقاً فأنحدر فيه الساعة، فطلبوا له زورقاً فانحدر فيه من ساعته ..

وجاء عن لسان ولده الآخر صالح: فلما كان من الغد جاء يعقوب فقال: البشرى يا أبا عبد الله، أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: قد أعفيتك عن لبس السواد والركوب إلى ولاة العهود وإلى الدار. فإن شئت فالبس القطن، وإن شئت فالبس الصوف. فجعل يحمد الله على ذلك ».

أقول: توجد عدة روايات عن إحضار أحمد الى سامراء. وقد حاول أحمد ومحبوه أن يقولوا إنه كان زاهداً في الدنيا، ولم يكن راغباً في تكريم المتوكل، ولا بالمناصب والأموال، لأن المتوكل عند المسلمين ظالم لا يجوز الركون اليه!

١٩٢

وفي كلام أحمد وأبنائه نقاط ضعف، ومنها كلام أحمد عن صغر سن المعتز، بينما كان عمره لما زاره أحمد نحوسبع عشرة سنة. فقد خلع نفسه سنة ٢٥٥ ، وعمره أربع وعشرون سنة. « مروج الذهب: ٤ / ٨١ ».

اتفق المتوكل مع أحمد وجعله مرجعاً للدولة!

في النهاية لابن كثير « ١٠ / ٣٧٣ »: « وكان مسير أحمد إلى المتوكل في سنة سبع وثلاثين ومائتين، ثم مكث إلى سنة وفاته، وما من يوم إلا ويسأل عنه المتوكل ويوفد إليه في أمور يشاوره فيها، ويستشيره في أشياء تقع له. ولما قدم المتوكل بغداد بعث إليه ابن خاقان ومعه ألف دينار ليفرقها على من يرى فامتنع من قبولها وتفرقتها، وقال: إن أمير المؤمنين قد أعفاني مما أكره، فردها ».

وفي تاريخ الذهبي « ٢٠ / ٢٠٣ »: « قال عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان: أمر المتوكل بمساءلة أحمد بن حنبل عمن يتقلد القضاء ».

أي أمر أن يأخذوا برأيه في تعيين القضاة في الدولة، فلايعينوا إلا من وافق عليه. وفي المقابل تبنى أحمد طاعة المتوكل، ونشر أحاديث التشبيه والتجسيم!

قال المَلَطي العسقلاني في: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع / ٧: « وقال أمير المؤمنين المتوكل لأحمد بن حنبل: يا أحمد إني أريد أن أجعلك بيني وبين الله حجة فأظهرني على السنة والجماعة. وما كتبته عن أصحابك عما كتبوه عن التابعين، مما كتبوه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحدثه ».

١٩٣

وقال تلميذه أبو بكر المروذي: « سألت أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تردُّها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش، فصححها وقال: قد تلقتها الأمة بالقبول، وتُمَرُّ الأخبار كما جاءت ». « طبقات الحنابلة لأبي يعلى: ١ / ٥٦ ».

وهذه هي أحاديث صفات الله تعالى ورؤيته بالعين، التي رفضها الأئمة من أهل البيت (ع) ومالك بن أنس صاحب المذهب، ويريدها المتوكل!

مرجعية ابن حنبل لمواجهة مرجعية الإمام الهادي (ع)

بدأ حكم المتوكل أواخر سنة ٢٣٢ . وفي سنة ٢٣٣ ، أحضرالإمام الهادي (ع) الى سامراء وفرض عليه الإقامة الجبرية، وحاول قتله بتهمة أنه ينوي الخروج عليه فظهرت للإمام (ع) كرامات ومعجزات، فهابه وزراء المتوكل والقادة وأحبوه، وكانت أم المتوكل تعتقد أنه ولي الله تعالى وتنذر له النذور في المهمات!

وفي السنة التالية استقدم المتوكل المحدثين المجسمين، الذين يقولون إن الله يُرى بالعين، والقرآن غير مخلوق، وقرَّبهم وأعطاهم جوائز ومناصب.

وكان المتوكل يريد تغيير خط الخلافة فيتبنى المجسمة، لكن نفوذ ابن دؤاد كان قوياً، فهوالذي دبَّر خلافة أبيه المعتصم ورتَّبَ قتل العباس بن المأمون. وهوالذي رتب بيعة أخيه الواثق. وهو الذي خلع ابن الواثق ودبَّر بيعة المتوكل وأخرجه من السجن وجاء به الى كرسي الخلافة.

قال في تاريخ بغداد « ١ / ٣١٤ »: « كان المتوكل يوجب لأحمد بن أبي دؤاد، ويستحي أن ينكبه، وإن كان يكره مذهبه، لما كان يقوم به من أمره أيام الواثق، وعقد

١٩٤

الأمر له والقيام به من بين الناس. فلما فلج أحمد بن أبي دؤاد في جمادي الآخرة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، أول ما وليَ المتوكل الخلافة، ولَّى المتوكل ابنه محمد بن أحمد أبا الوليد القضاء ومظالم العسكر مكان أبيه، ثم عزله عنها يوم الأربعاء لعشر بقين من صفر سنة أربعين ومائتين، ووكل بضياعه وضياع أبيه.

ثم صولح على ألف ألف دينار، وأشهد على ابن أبي دؤاد وابنه بشراء ضياعهم وَحَدَّرَهُم إلى بغداد، وولي يحيى بن أكثم ما كان إلى ابن أبي دؤاد ».

فكان المتوكل يمهد تمهيدات لضرب ابن دؤاد، الى أن تم عزله في سنة ٢٣٧، وجاء بابن حنبل الى سامراء، واتخذه مرجعاً.

قال ابن أحمد بن حنبل: « لما دخلنا إلى العسكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل، فلما حاذى بنا قالوا: هذا وصيف، وإذا فارس قد أقبل فقال لأحمد: الأمير وصيف يقرؤك السلام ويقول لك: إن الله قد أمكنك من عدوك، يعني ابن أبي دؤاد، وأمير المؤمنين يقبل منك فلا تدع شيئاً إلا تكلمت به ». « تاريخ الذهبي: ١٨ / ١١٩ ».

وهذا يدل على أن وصيفاً اتفق مع المتوكل، وكان مهتماً بأن تكثر الشكاية من ابن أبي دؤاد لتبرير عزله، وإعلان مرجعية أعدائه القائلين بقدم القرآن والتشبيه.

احتفل المتوكل بمرجعية أحمد وإنزال رأس ابن نصر!

وكان عزل ابن دؤاد وتولية خصمه ابن أكثم، وإنزال جثة ابن نصر، ودعوة أحمد الى سامراء وإعلان مرجعيته. كل ذلك حول شهر رمضان سنة ٢٣٧.

١٩٥

قال ابن كثير في النهاية « ١٠ / ٣٠٦ »: « ولم يزل رأسه منصوباً من يوم الخميس الثامن والعشرين من شعبان من هذه السنة، أعني سنة إحدى وثلاثين ومائتين إلى بعد عيد الفطر بيوم أويومين من سنة سبع وثلاثين ومائتين، فجمع بين رأسه وجثته ودفن بالجانب الشرقي من بغداد بالمقبرة المعروفة بالمالكية (رحمه الله). وذلك بأمر المتوكل على الله الذي ولي الخلافة بعد أخيه الواثق ».

وقال في النهاية « ١٠ / ٣٤٨ »: « وفي عيد الفطر منها « سنة ٢٣٧ » أمر المتوكل بإنزال جثة أحمد بن نصر الخزاعي، والجمع بين رأسه وجسده وأن يسلم إلى أوليائه، ففرح الناس بذلك فرحاً شديداً، واجتمع في جنازته خلق كثير جداً، وجعلوا يتمسحون بها وبأعواد نعشه، وكان يوماً مشهوداً. ثم أتوا إلى الجذع الذي صلب عليه فجعلوا يتمسحون به، وأرهج العامة بذلك فرحاً وسروراً، فكتب المتوكل إلى نائبه يأمره بردعهم عن تعاطي مثل هذا، وعن المغالاة في البشر.

ثم كتب المتوكل إلى الآفاق بالمنع من الكلام في مسألة الكلام، والكف عن القول بخلق القرآن، وأن من تعلم علم الكلام لوتكلم فيه فالمطبق مأواه إلى أن يموت. وأمر الناس أن لا يشتغل أحد إلا بالكتاب والسنة لا غير.

ثم أظهر إكرام الإمام أحمد بن حنبل واستدعاه من بغداد إليه، فاجتمع به فأكرمه وأمر له بجائزة سنية فلم يقبلها، وخلع عليه خلعة سنية من ملابسه فاستحيا منه أحمد كثيراً، فلبسها إلى الموضع الذي كان نازلاً فيه، ثم نزعها نزعاً عنيفاً وهويبكي رحمه الله تعالى.

١٩٦

وارتفعت السُّنَّة جداً في أيام المتوكل عفا الله عنه، وكان لايولي أحداً إلا بعد مشورة الإمام أحمد، وكان ولاية يحيى بن أكثم قضاء القضاة موضع ابن أبي دؤاد عن مشورته، وقد كان يحيى بن أكثم هذا من أئمة السنة وعلماء الناس، ومن المعظمين للفقه والحديث واتباع الأثر ».

أهم إنجازات مرجعية أحمد بن حنبل

كانت مدة مرجعية أحمد للدولة ثلاث سنوات ونصفاً، لأن مجيئه الى سامراء في شهر رمضان سنة ٣٣٧، ووفاته في ربيع الثاني سنة ٣٤١.

لكنها كانت مرجعية مؤثرة، حيث حققت إنجازين كبيرين عند أصحابهما:

الأول: ترسيخ حزب المجسمة النواصب، الذين كان يقودهم ابن صاعد، وعرفوا بإسم الصاعدية. وكانوا في زمن المتوكل وبعده تياراً متطرفاً.

ويظهر أنهم صاروا بعد ذلك مذهباً لهم آراؤهم التي تخالف المسلمين!

قال المقدسي في البدء والتاريخ « ٥ / ١٤٩ »: « وأما الصاعدية فهم أصحاب ابن صاعد يجيزون خروج أنبياء بعد نبينا « ص » لأنه رويَ: لا نبيَّ بعدي إلا ما شاء الله »!

وهم مجسمة الحنابلة الذين يشكو منهم أهل بغداد وأئمة الحنابلة المعتدلون كابن الجوزي. وهم الأجداد الحقيقيون لابن تيمية وأتباعه الوهابية.

والإنجاز الثاني: تأليف صحيح البخاري، فقد كان البريد يصل من المتوكل في سامراء الى أحمد بن حنبل في بغداد كل يوم، وكان البخاري مشغولاً بتأليف

١٩٧

كتابه، وقد زار أحمد بن حنبل ثمان مرات، وكان يسانده ويمدحه، وكان تعيين جميع القضاة ومساعدات جميع المحدثين عن طريق أحمد بن حنبل.

وعندما أكمل البخاري صحيحه عرضه على أحمد فارتضاه، وطلب منه أن يسكن بغداد، فكان البخاري يتأسف لأنه لم يسمع كلامه، ولم يأت الى بغداد.

قال الخطيب في تاريخ بغداد « ٢ / ٢٢ »: « محمد بن يوسف يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: دخلت بغداد آخر ثمان مرات، كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل. فقال لي في آخر ماودعته: يا أبا عبد الله، تترك العلم والناس وتصير إلى خراسان؟ قال أبوعبد الله: فأنا الآن أذكر قوله ».

وفي تغليق التعليق لابن حجر « ٥ / ٤٢٣ »: « قال العقيلي: لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة ».

محنة أحمد بن حنبل كذبة حنبلية!

١. لن تستطيع أن تفهم نظرية عمر بن الخطاب بأن الله تعالى أنزل القرآن على سبعة أحرف، فقد قال بعض محبيه إنه حاول فهمها ثلاثين سنة وتوصل الى بضعة ثلاثين وجهاً، لكن ليس منها وجهٌ معقول!

ولن تستطيع حتى لوكنت حنبلياً أن تفهم محنة ابن حنبل التي أحيت الدين! وهي أنه سجن سنتين، وضربوه ثمانية وثلاثين سوطاً، فأحيا بذلك الدين!

١٩٨

قالوا: حبس هو وثلاثة، فمات أحدهم في الطريق، ومات الثاني في السجن بعد عشر سنين، وقتل الثالث بعد سجنه بأكثر من عشر سنين، وعفوا عن أحمد، فأحيا الله الدين بمن أطلقوه، وليس بمن قتلوه، ولا بمن مات في السجن!

ولن تستطيع معرفة كيف صار ابن حنبل أعظم شخص في الأمة بعد النبي (ص)!

قال أبو يعلى في طبقات الحنابلة « ١ / ١٣ و ٢٢٧ »: « قال علي بن المديني: أيد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما: أبوبكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل في يوم المحنة! ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قام أحمد بن حنبل. قال قلت له: يا أبا الحسن ولا أبوبكر الصديق؟ قال: ولا أبوبكر الصديق، لأن أبا بكر الصديق كان له أعوان وأصحاب، وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوان ولا أصحاب »!

وقال ابن كثير في النهاية « ١٠ / ٣٦٩ »: « قال البخاري: لما ضُرب أحمد بن حنبل كنا بالبصرة، فسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول: لوكان أحمد في بني إسرائيل لكان أحدوثة. وقال إسماعيل بن الخليل: لوكان أحمد في بني إسرائيل لكان نبياً ».

وصادروا لأحمد صفات أئمة الشيعة فقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: « أحمد بن حنبل حجة بين الله وبين عبيده في أرضه »! « تاريخ بغداد: ٥ / ١٨٣ ».

٢. قصة المحنة كما يسمونها: أن المأمون أمر بإرسال المحدثين الذين لم يقبلوا أن القرآن مخلوق، اليه الى طرسوس، فأرسلوا اليه من بغداد أربعة: أحمد بن حنبل،

١٩٩

وأحمد بن نصر، ومحمد بن نوح بن ميمون، ونُعَيْم بن حماد. فمات المأمون وهم في الطريق فأرجعوهم الى بغداد. ومات محمد بن ميمون في الطريق.

وأحضر المعتصم أحمد بن حنبل وناظره وأطلق سراحه، لأنه قال لهم: أنا أقول بقول أمير المؤمنين! كما شهد بذلك المؤرخ الثبت ابن واضح اليعقوبي.

وبقي نُعيم بن حماد في السجن عشر سنوات حتى مات. وبقي أحمد بن نصر في السجن ثلاث عشرة سنة، فأحضره الواثق ابن المعتصم وقتله.

٣. ولكل واحد من هؤلاء الأربعة، قصةٌ ومحاكمةٌ ومناظرةٌ، وأعظمهم بلاءً أحمد بن نصر، حيث أصر على رأيه بأن القرآن غير مخلوق حتى قتله الواثق بيده! لكنهم أهملوه وبالغوا في محنة ابن حنبل، وبالغَ هو في الحديث عن « بطولته » في السجن وصموده تحت سياط الخليفة، وتفوقه في مناظرته لقاضي قضاة المعتصم والواثق. وروى لنفسه ورووا له الكرامات والمعجزات في المحنة!

قال المروزي في مسائل الإمام أحمد / ١٠٩، وابن كثير في النهاية، ملخصاً « ١٠ / ٣٦٥ »: « وفي عام مائتين واثني عشر أعلن المأمون القول بخلق القرآن، وفي عام ثماني عشرة ومائتين رأى المأمون حمل الناس والعلماء والقضاة والمفتين على القول بخلق القرآن الكريم، وكان آنذاك منشغلاً بغزوالروم، فكتب إلى نائبه إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يدعوالناس إلى القول بخلق القرآن، فلما وصل الكتاب استدعى جماعة من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا، فهددهم بالضرب وقطع الأرزاق، فأجاب أكثرهم مكرهين، واستمر على الإمتناع من

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477